تذكرة الفقهاء الجزء ٢

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: 512

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 512 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35776 / تحميل: 8621
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ان علق الامر بزوال علة النهى... إلى غير ذلك (والتحقيق) أنه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال فانه قل مورد منها يكون خاليا عن قرينة على الوجوب أو الاباحة أو التبعية، ومع فرض التجريد عنها لم يظهر بعد كون عقيب الحظر موجبا لظهورها في غير ما تكون ظاهرة فيه غاية الامر يكون موجبا لاجمالها غير ظاهرة في واحد منها الا بقرينة أخرى كما أشرنا (المبحث الثامن) الحق أن صيغة الامر مطلقا لا دلالة لها على المرة ولا التكرار، فان المنصرف عنها ليس الا طلب إيجاد الطبيعة المأمور بها فلا دلالة لها على أحدهما لا بهيئتها ولا بمادتها، والاكتفاء بالمرة فانما هو

______________________________

(قوله: إن علق النهي بزوال) كما في قوله تعالى: فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين، وقوله تعالى: فإذا تطهرن فأتوهن، وقوله تعالى: وإذا حللتم فاصطادوا (قوله: لا مجال للتشبث) اشارة إلى إبطال استدلال بعضهم على مدعاه ببعض موارد الاستعمال كالايات المتقدمة (وحاصله) أن الكلام في المقام في أن وقوع الامر عقيب الحظر هل هو من القرائن العامة التي لا يجوز العدول عن مقتضاها إلا بدليل الموجبة لظهور الصيغة في الاباحة مطلقا أو الوجوب أو رجوع الحكم السابق على النهي أو غير ذلك ؟ والاستعمال لا يدل على شئ من ذلك لامكان استناد الظهور فيه إلى قرينة خاصة غير الوقوع عقيب الحظر فلا يصح الاستناد إليه في اثبات الدعوى (قوله: ومع فرض) يعني لو فرض التجريد عن القرائن الخاصة لم يظهر أن الوقوع عقيب الحظر من القرائن الموجبة لظهور الصيغة في غير الوجوب الذي تكون ظاهرة فيه لولا الوقوع عقيب الحظر (قوله: لاجمالها) وعليه فلا تحمل على الوجوب بناء على وضعها له الا بناء على كون حجية أصالة عدم القرينة من باب التعبد لا من باب حجية الظهور

المرة والتكرار

(قوله: مطلقا) يعنى حيث لا يقيد بمرة أو تكرار (قوله: على المرة والتكرار) سيأتي منه شرحهما (قوله: لا بهيئتها ولا بمادتها) إذ

١٨١

لحصول الامتثال بها في الامر بالطبيعة كما لا يخفى (ثم) لا يذهب عليك أن الاتفاق على أن المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا يدل الا على الماهية - على ما حكاه السكاكي - لا يوجب كون النزاع ههنا في الهيئة - كما في الفصول - فانه غفلة وذهول عن أن كون المصدر كذلك لا يوجب الاتفاق على أن مادة الصيغة لا تدل إلا على الماهية، ضرورة أن المصدر ليس مادة لسائر المشتقات بل هو صيغة مثلها

______________________________

الهيئة موضوعة وضع الحروف للنسبة الخاصة والمادة موضوعة لصرف الماهية لا بشرط، وكل من المرة والتكرار خارج عن مدلولهما (قوله: لحصول الامتثال) إذ الامتثال يحصل بوجود المأمور به فإذا كان المأمور به صرف الطبيعة وكان يتحقق بالمرة كانت امتثالا للامر، ومنه يظهر بطلان استدلال القائل بالمرة بصدق الامتثال بها (قوله: لا يذهب عليك) قال في الفصول: الحق أن هيئة الامر لا دلالة لها على مرة ولا على تكرار... إلى أن قال: وانما حررنا النزاع في الهيئة لنص جماعة عليه، ولان الاكثر حرروا النزاع في الصيغة وهي ظاهرة بل صريحة فيها، ولانه لا كلام في أن المادة وهي المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا تدل الا على الماهية من حيث هي على ما حكى السكاكي وفاقهم عليه... الخ فأشكل عليه المصنف (ره) بان الاتفاق على عدم دلالة المصدر المجرد الا على الماهية لا يدل على كون النزاع في المقام في الهيئة لا في المادة إذ المصدر ليس مادة للمشتقات التي منها صيغة الامر بل هو مشتق مثلها، والمادة هي الامر المشترك بينه وبينها حسبما حققه (أقول): ما في الفصول يرجع إلى أمرين أحدهما أن المصدر مادة للمشتقات وثانيهما ان الاتفاق على عدم دلالته على المرة والتكرار يقتضي الاتفاق على عدم دلالة مادة (افعل) عليه ويكون النزاع في مدلول الهيئة أما الاول فيمكن أن يكون جاريا على المشهور، وأما الثاني فلا غبار عليه لان المصدر إذا لم يدل على المرة والتكرار دل ذلك عدم دلالة مادته عليهما فيصح الاستدلال به على عدم دلالة مادة (افعل) عليهما فيلزم الاتفاق على الاول الاتفاق على الاخير (قوله: غفلة وذهول) قد عرفت أنه في محله (قوله: ضرورة أن)

١٨٢

كيف وقد عرفت في باب المشتق مباينة المصدر وسائر المشتقات بحسب المعنى ؟ فكيف بمعناه يكون مادة لها ؟ فعليه يمكن دعوى اعتبار المرة أو التكرار في مادتها كما لا يخفى (إن قلت): فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلا في الكلام (قلت): - مع أنه محل الخلاف - معناه أن الذى وضع اولا بالوضع الشخصي ثم بملاحظته وضع نوعيا أو شخصيا ساير الصيغ التى تناسبه مما جمعه معه مادة لفظ متصورة في كل منها ومنه بصورة ومعنى كذلك، هو المصدر أو الفعل فافهم (ثم) المراد بالمرة والتكرار هل هو الدفعة والدفعات أو الفرد والافراد ؟ والتحقيق أن يقعا بكلا المعنيين محل النزاع

______________________________

هذا لا يثبت الاشكال على الفصول إلا من جهة ظهور كلامه في كون المصدر مادة للمشتقات، وقد عرفت إمكان حمله على الاصطلاح المشهوري (قوله: فعليه يمكن) قد عرفت أنه لا يمكن (قوله: مع أنه محل) هذا لا دخل له في دفع السؤال إذ قول الكوفيين: ان الفعل هو الاصل في الاشتقاق أءكد في توجه الاشكال فتأمل (قوله: معناه أن) إذا كان هذا معنى كلامهم فليكن هو معنى كلام الفصول (قوله: جمعه معه) الضمير الاول راجع إلى (ما) التي هي عبارة عن سائر الصيغ والثاني راجع إلى (الذي) ويمكن العكس (قوله: ومعنى) معطوف على قوله: لفظ، يعني ومادة معنى متصورة في كل منها ومنه (قوله: هو المصدر) خبر أن (قوله: أو الفعل فافهم) لعله اشارة إلى وجوب حمل كلامهم على ما ذكر بقرينة دعوى الكوفيين ان الفعل هو الاصل إذ لا يراد منه أن الفعل مادة للمشتقات بالمعنى الحقيقي " ثم " ان الموجود في بعض النسخ الضرب على لفظة: وهو أولى (قوله: الدفعة والدفعات) الفرق بين الدفعة والفرد أن الدفعة تصدق على الافراد المتعددة الموجودة في وقت واحد ولا يصدق عليها أنها فرد واحد، وأن الفرد الموجود تدريجا مثل الكلام الممتد المتصل فرد واحد وليس دفعة فبينهما عموم من وجه كما بين الافراد والدفعات ايضا (قوله: والتحقيق أن يقعا) الذي استظهره في الفصول أن النزاع

١٨٣

وان كان لفظهما ظاهرا في المعنى الاول (وتوهم) أنه لو أريد بالمرة الفرد لكان الانسب بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للمبحث الآتي من أن الامر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد ؟ فيقال عند ذلك: وعلى تقدير تعلقه بالفرد هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد أو لا يقتضي شيئا منهما ؟ ولم يحتج إلى إفراد كل منهما بالبحث - كما فعلوه - وأما لو أريد بها الدفعة فلا علقة بين المسألتين كما لا يخفى (فاسد) لعدم العلقة بينهما لو أريد بها الفرد أيضا فان الطلب - على القول بالطبيعة - إنما يتعلق بها باعتبار وجودها في الخارج ضرورة أن الطبيعة من حيث هي

______________________________

*

فيهما بالمعنى الاول، ونسب إلى القوانين كونه فيهما بالمعنى الثاني، والظاهر ان مراد المصنف (ره) امكان كون النزاع فيهما بالمعنيين لا تحقق النزاع فيهما بهما معا إذ ليس له وجه ظاهر (قوله: وان كان لفظهما) هذا من القرائن التي اعتمد عليها في الفصول لاثبات ما استظهره (قوله: وتوهم انه لو أريد) هذا التوهم للفصول والباعث له عليه ظهور لفظ الفرد المذكور في المسألتين بمعنى واحد وهو ما يقابل الطبيعة (قوله: فاسد لعدم العلقة) حاصله أن المراد بالفرد هنا غير المراد به في تلك المسألة إذ المراد به في تلك المسألة ما يتقوم بالخصوصية المميزة له عن بقية الافراد والمراد به هنا الوجود الواحد للمأمور به فان كان المأمور به هو الطبيعة يقع النزاع في أن صيغة الامر تدل على وجوب وجود واحد للطبيعة أو وجود متعدد لها أو مطلق وجودها فيتأتى النزاع على القول بتعلق الامر بالطبيعة بعين ما يتأتى به على القول بتعلقه بالفرد، والقرينة على إرادة هذا المعنى من الفرد جعله في قبال الدفعة (قوله: باعتبار وجودها) هذا ذكره المصنف (رحمه الله) تمهيدا لتأتي النزاع على القولين لا ردا على الفصول إذ لم يتوهم خلافه في الفصول كما يشهد به دعواه تأتي النزاع على القولين بناء على كون المراد الدفعة إذ لا يخفى أن القائل بالطبيعة لو كان مراده الطبيعة من حيث هي لا معنى لتأتى النزاع في المقام بكل معنى (قوله: ضرورة ان الطبيعة من) قد يقال: الماهية

١٨٤

ليست الا هي لا مطلوبة ولا غير مطلوبة، وبهذا الاعتبار كانت مرددة بين المرة والتكرار بكلا المعنيين فيصح النزاع في دلالة الصيغة على المرة والتكرار بالمعنيين وعدمها، أما بالمعنى الاول فواضح، وأما بالمعنى الثاني فلوضوح أن المراد من الفرد أو الافراد وجود واحد أو وجودات، وإنما عبر بالفرد لان وجود الطبيعة في الخارج هو الفرد غاية الامر خصوصيته وتشخصه - على القول بتعلق الامر بالطبايع - يلازم المطلوب وخارج عنه بخلاف القول بتعلقه بالافراد فانه مما يقومه (تنبيه) لا إشكال - بناء على القول بالمرة - في الامتثال وأنه لا مجال للاتيان بالمأمور به ثانيا على أن يكون أيضا به الامتثال فانه من الامتثال بعد الامتثال (وأما) على المختار من دلالته على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة ولا على التكرار فلا يخلو الحال إما أن لا يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان بل في مقام الاهمال أو الاجمال

______________________________

من حيث هي ليست الا هي، ويراد منه معنى أن كل ما هو خارج عنها فليس هو هي لا عينها ولا جزؤها، وبهذا المعنى يقال: الماهية من حيث هي لا موجودة ولا معدومة ولا واحد ولا كثير ولا غيرها، وقد يقال ذلك بمعنى أن الخارج عنها ليس عارضا لها بما هي هي بل بشرط الوجود، ويختص النفي بعوارض الوجود كالكتابة والحركة وبهذا المعنى يقال: الماهية من حيث هي لا كاتبة ولا متحركة ولا لا كاتبة ولا لا متحركة، فان الكتابة لما كانت في الرتبة اللاحقة للوجود كان نقيضها هو العدم في الرتبة اللاحقة له أيضا لوحدة رتبة النقيضين فجاز ارتفاع النقيضين في غير تلك الرتبة وحيث أن الطلب ليس من عوارض الماهية من حيث هي بل بشرط الوجود صح أن يقال: الماهية من حيث هي لا مطلوبة ولا لا مطلوبة فتأمل (قوله: وبهذا الاعتبار) أي اعتبار الوجود (قوله: في الامتثال) يعني يتحقق بالمرة (قوله: من الامتثال بعد الامتثال) يعني وهو ممتنع لان الامتثال فعل المأمور به وبالامتثال الاول يسقط الامر فلا يكون فعله ثانيا امتثالا وسيجئ له

١٨٥

فالمرجع هو الاصل، وإما أن يكون اطلاقها في ذاك المقام فلا اشكال في الاكتفاء بالمرة في الامتثال، وإنما الاشكال في جواز ان لا يقتصر عليها فان لازم اطلاق الطبيعة المأمور بها هو الاتيان بها مرة أو مرارا لا لزوم الاقتصار على المرة كما لا يخفى (والتحقيق) أن قضية الاطلاق انما هو جواز الاتيان بها مرة في ضمن فرد أو افراد فيكون ايجادها في ضمنها نحوا من الامتثال كايجادها في ضمن الواحد لا جواز الاتيان بها مرة ومرات فانه مع الاتيان بها مرة لا محالة يحصل الامتثال ويسقط به الامر فيما إذا كان امتثال الامر علة تامة لحصول الغرض الاقصى بحيث يحصل بمجرده فلا يبقى معه مجال لاتيانه ثانيا بداعي امتثال آخر أو بداعي أن يكون الاتيانان امتثالا واحدا لما عرفت من حصول الموافقة باتيانها وسقوط الغرض معها وسقوط الامر بسقوطه فلا يبقى مجال لامتثاله أصلا، وأما إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض

______________________________

تتمة (قوله: فالمرجع هو الاصل) يعني الاصل العملي فلو تردد الامر بين الطبيعة والتكرار فالاصل البراءة عن وجوب الزائد على المرة مع تعدد الوجود أما مع اتصاله - بناء على تحقق التكرار به - فاستصحاب الوجوب هو المرجع، ولو تردد بين الطبيعة والمرة فلا أثر للشك، ولو تردد بين المرة والتكرار والطبيعة فالحكم كما لو تردد بين الطبيعة والتكرار، وكذا لو تردد بين المرة والتكرار، وربما يختلف الاصل باختلاف تفسير المرة من حيث كونها لا بشرط أو بشرط لا فلاحظ (قوله: في ذاك المقام) أي في مقام البيان (قوله: في الاكتفاء بالمرة) لصدق الطبيعة على المرة (قوله: في جواز ان لا يقتصر) يعني في جواز الاتيان ثانيا بقصد امتثال الامر لا مجرد الاتيان ثانيا بلا قصد الامر فانه لا ريب في جوازه (قوله: أو مرارا) فيجوز الاتيان ثانيا وثالثا بقصد الامتثال (قوله: فرد أو أفراد) يعني افرادا دفعية (قوله: فانه مع الاتيان بها) هذا تعليل لعدم كون مقتضى الاطلاق جواز الاتيان زائدا على المرة، ومرجعه إلى ابداء المانع العقلي عن ثبوت

١٨٦

كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضأ فأتى به ولم يشرب أو لم يتوضأ فعلا فلا يبعد صحة تبديل الامتثال باتيان فرد آخر أحسن منه بل مطلقا كما كان له ذلك قبله على ما يأتي بيانه في الاجزاء (المبحث التاسع) الحق انه لا دلالة للصيغة

______________________________

اطلاق المذكور لان الوجود الاول إذا كان علة تامة لسقوط الغرض كان علة تامة لسقوط الامر ايضا فيمتنع كون الوجود اللاحق موضوعا للامر كي يجوز الاتيان به بقصد امتثال الامر، وإذا امتنع كون الاتيان الثاني موضوعا للامر امتنع ان يكون اطلاق الصيغة شاملا للمرة والمرات " أقول ": يمكن منع الاطلاق المذكور مع قطع النظر عن المانع العقلي وذلك لان اطلاق المادة يقتضي أن يكون المراد بها صرف الوجود الصادق على القليل والكثير وهو لا ينطبق على الوجود اللاحق فانه وجود بعد وجود لا صرف الوجود الذي هو بمعنى خرق العدم فتأمل، وأما المانع الذي ذكره فهو يتوقف على امتناع التخيير بين الاقل والاكثر بكل وجه، وسيأتي الكلام فيه (قوله: كما إذا امر بالماء ليشرب) الغرض من الامر باحضار الماء: تارة يكون مجرد تمكن الآمر من شربه ولا ريب في حصوله بمجرد احضاره، واخرى يكون هو الشرب الفعلي فيشكل الامتثال ثانيا من جهة امتناع بقاء الامر مع حصول موضوعه الذي هو صرف الاحضار، فلا بد اما من الالتزام بأن موضوع الامر ليس مطلق الاحضار بل الاحضار المترتب عليه الشرب، والباعث على هذا الالتزام لزوم المساواة عقلا بين الغرض وموضوع الامر سعة وضيقا لامتناع التفكيك بينهما، وعليه فلا يتعين الاحضار الحاصل لان يكون مأمورا به الا بعد ترتب الغرض عليه، ولازمه ان المكلف في مقام الامتثال انما يأتي بالاحضار الاول رجاء كونه مأمورا به لا بقصد ذلك، وحينئذ فللمكلف الاتيان ثانيا وثالثا بهذا القصد بعينه ولا يكون فرق بين الوجود الاول وبقية الوجودات اللاحقة في كيفية الامتثال لكن لازم ذلك القول بالمقدمة الموصلة، واما من الالتزام بأن الغرض كما يبعث إلى الامر اولا بالاحضار يبعث ثانيا إلى صرف الاحضار المنطبق على بقاء الفرد الاول واحضار فرد آخر إذ لا يتعين للدخل في

١٨٧

لا على الفور ولا على التراخي (نعم) قضية إطلاقها جواز التراخي والدليل عليه تبادر طلب ايجاد الطبيعة منها بلا دلالة على تقيدها باحدهما فلا بد في التقييد من دلالة أخرى كما ادعي دلالة غير واحد من الآيات على الفورية، وفيه منع الضرورة أن سياق آية: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) وكذا آية: (واستبقوا الخيرات) انما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخير من دون استتباع تركهما للغضب والشر ضرورة أن تركهما لو كان مستتبعا للغضب والشر كان البعث بالتحذير عنهما أنسب كما لا يخفى " فافهم " مع لزوم كثرة تخصيصه في المستحبات وكثير من الواجبات بل أكثرها فلا بد من حمل الصيغة فيهما على خصوص الندب أو مطلق الطلب ولا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق وكان ما ورد من الآيات والروايات في مقام البعث نحوه ارشادا إلى ذلك كالآيات والروايات الواردة في البعث على اصل الاطاعة فيكون الامر فيها لما يترتب على المادة بنفسها ولو لم يكن

______________________________

الغرض الفرد الاول بخصوصه بمجرد وجوده بل كما لم يتعين أولا قبل وجوده لم يتعين بعد وجوده، ولازم ذلك الالتزام باوامر طولية بحسب الزمان مادام الغرض باقيا ويكون المراد من بقاء الامر هذا المعنى لا بقاء الامر الشخصي بحدوده لامتناع بقائه بحصول موضوعه فتأمل جيدا.

الفور والتراخى

(قوله: لا على الفور ولا على) كما هو المشهور وعن الشيخ (ره) وجماعة القول بالفور، وعن السيد (ره) الاشتراك بين الفور والتراخي، وعن آخرين التوقف، والتحقيق الاول ويظهر ذلك بملاحظة ما تقدم في المرة والتكرار (قوله: قضية اطلاقها) يعني اطلاق المادة بالاضافة إلى الزمان (قوله: تبادر طلب) يعني ولو كان الوجه في التبادر مقدمات الاطلاق (قوله: ضرورة ان تركهما) يعني أن ظاهر تعليق المسارعة والاستباق بالمغفرة والخير كون تركهما

١٨٨

هناك أمر بها كما هو الشأن في الاوامر الارشادية " فافهم " (تتمة) بناء على القول بالفور فهل قضية الامر الاتيان فورا ففورا بحيث لو عصى لوجب عليه الاتيان به فورا ايضا في الزمان الثاني أولا ؟ وجهان مبنيان على أن مفاد الصيغة - على هذا القول - هو وحدة المطلوب

______________________________

لا ينافي تحقق المغفرة والخير كما هو الحال في كل فعل متعلق بمفعوله، ولازم ذلك عدم وجوب المسارعة والاستباق والا كان تركهما موجبا للغضب والشر كما هو شأن ترك الواجب وهو خلف، بل كان الانسب حينئذ أن يقال: احذروا من الغضب والشر بالمسارعة والاستباق، لا التعبير بما في الآية، إلا أن يقال: ان الغضب الحاصل بترك المسارعة لا يضاد المغفرة التي هي موضوع المسارعة فوجوب المسارعة لا ينافي كون تركها لا يؤدي إلى الغضب بل إلى المغفرة، وكذا الحال في الآية الاخرى، ولكن هذا لو سلم لا ينافي ظهور السياق فيما ذكره المصنف (ره) فتأمل جيدا (والاولى) أن يقال: المغفرة في الآية الاولى يراد منها سببها وهو الاطاعة وكما يمتنع اخذ الاطاعة قيدا للواجب الشرعي يمتنع أخذ المسارعة إليها كذلك وكما أن الامر بالاطاعة ارشادي كذلك الامر بالمسارعة فيها، مع أن الآية على تقدير دلالتها على وجوب المسارعة لا تدل على تقييد الواجب بالفورية بل هي على خلاف ذلك أدل لان مادة المسارعة إلى الشئ إنما تكون فيما هو موسع كما لا يخفى، وكذا الحال في الآية الاخرى على تقدير كون المراد من الخيرات الخيرات الاخروية كما هو الظاهر، ولعله إلى بعض ما ذكرنا اشار بقوله: فافهم (قوله: الارشادية فافهم) لعله اشارة إلى لزوم الالتزام به لما عرفت، (قوله: فهل قضية الامر) ينبغي ان يجعل الاحتمال ثلاثي الاطراف فيقال: هل ظاهر الامر الاتيان به فورا فلو تركه عصى وسقط الامر أو الاتيان به فورا على نحو لو تركه في الزمان الاول عصى في ترك الفورية وبقي الامر بصرف الطبيعة أو الاتيان به فورا ففورا فلو تركه في الزمان الاول عصى ووجب الاتيان به بعد ذلك

١٨٩

أو تعدده ولا يخفى أنه لو قيل بدلالتها على الفورية لما كان لها دلالة على نحو المطلوب من وحدته أو تعدده فتدبر جيدا

الفصل الثالث

الاتيان بالمأمور به على وجهه يقتضى الاجزاء في الجملة بلا شبهة، وقبل الخوض في تفصيل المقام وبيان النقض والابرام ينبغي تقديم أمور (أحدها) الظاهر ان المراد من (وجهه) في العنوان هو النهج الذى ينبغي أن يؤتى به على ذاك النهج شرعا

______________________________

فورا أيضا... وهكذا، ومبنى الاحتمال الاول ان الفورية في الزمان الاول مقومة لاصل المصلحة فتفوت بفوتها وهذا هو المراد من وحدة المطلوب، ومبنى الثاني ان يكون مصلحتان احداهما قائمة بذات الفعل مطلقا والاخرى قائمة بالفورية في الزمان الاول لا غير، ومبنى الثالث كذلك الا ان مصلحة الفورية ذات مراتب مختلفة يكون ترك الفورية في كل زمان مفوتا لمرتبة من مصلحتها لا لاصلها كما هو مبنى الثاني (قوله: أو تعدده) قد عرفت ان تعدده على نحوين يكونان مبنيين لاحتمالين (قوله: لو قيل بدلالتها على) اما لو كان الدليل على الفورية غير الصيغة فيختلف باختلاف تلك الادلة، وفي المعالم بنى القول بالسقوط على الاستناد لغير الآيتين والقول بعدمه على الاستناد اليهما، ولا يخلو من تأمل ليس هذا محل ذكره والله سبحانه اعلم، ثم انه حيث كان اطلاق يعتمد عليه في نفي الفور والتراخي فلا اشكال واما إذا لم يكن اطلاق كذلك فالمرجع الاصل فلو كان التردد بين الفور والتراخي فالواجب الجمع بين الوظيفتين للعلم الاجمالي بالتكليف باحدهما، ولو كان بين الفور والطبيعة فالمرجع اصل البراءة لو كان وجوب الفورية على نحو تعدد المطلوب ولو كان بنحو وحدة المطلوب فالحكم هو الحكم مع الشك بين الاقل والاكثر، وكذا الحكم لو كان التردد بين الطبيعة والتراخي والله سبحانه أعلم

١٩٠

وعقلا مثل أن يؤتى به بقصد التقرب في العبادة، لا خصوص الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا فانه عليه يكون (على وجهه) قيدا - توضيحيا - وهو بعيد - مع أنه يلزم خروج التعبديات عن حريم النزاع بناء على المختار كما تقدم من ان قصد القربة من كيفيات الاطاعة عقلا لا من قيود المأمور به شرعا، ولا الوجه المعتبر عند بعض الاصحاب فانه - مع عدم اعتباره عند المعظم، وعدم اعتباره عند من اعتبره إلا في خصوص العبادات لا مطلق الواجبات، لا وجه لاختصاصه به بالذكر على تقدير الاعتبار فلا بد من ارادة ما يندرج فيه من المعنى وهو ما ذكرناه كما لا يخفى

______________________________

الكلام في الاجزاء

(قوله: مثل ان يؤتى به) بيان للنهج اللازم عقلا بناء على خروج قصد التقرب عن موضوع الامر (قوله: لا خصوص) معطوف على النهج وفيه تعريض بما قد يظهر من عبارة التقريرات فتأملها (قوله: قيدا توضيحيا) لان ذكر المأمور به يغني عنه ثم إن كون القيد توضيحيا لازم للقائلين بأن قصد التقرب داخل في المأمور به (قوله: مع انه يلزم خروج) إذ لا إشكال في عدم الاجزاء لو كان المأمور به في العبادات فاقدا لقصد التقرب وان كان واجدا لجميع ما يعتبر فيه شرعا (قوله: بناء على المختار) أما على القول بكون قصد التقرب قيدا للمأمور به فهي داخلة في محل النزاع لدخولها في العنوان ويكون عدم الاجزاء مع فقد التقرب لعدم الاتيان بالمأمور به شرعا (قوله: ولا الوجه المعتبر) يعني الوجوب والندب (قوله: عند المعظم) فلا وجه لذكره في العنوان في كلام المعظم إلا أن يكون المقصود من ذكره الاحتياط في ذكر القيود لكنه بعيد (قوله: لا مطلق الواجبات) فلا وجه لاخذه قيدا في دعوى الاجزاء مطلقا (قوله: لاختصاصه) يعني من دون سائر القيود المعتبرة في الاطاعة مثل التقرب والتمييز إلا أن يدعى الاكتفاء به عنهما على بعض

١٩١

(ثانيها) الظاهر ان المراد من الاقتضاء ههنا الاقتضاء بنحو العلية والتأثير لا بنحو الكشف والدلالة، ولذا نسب إلى الاتيان لا إلى الصيغة (ان قلت): هذا إنما يكون كذلك بالنسبة إلى أمره وأما بالنسبة إلى أمر آخر كالاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري أو الظاهرى بالنسبة إلى الامر الواقعي فالنزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما على اعتباره بنحو يفيد الاجزاء أو بنحو آخر لا يفيده (قلت): نعم لكنه لا ينافى كون النزاع فيها كان في الاقتضاء بالمعنى المتقدم غايته ان العمدة في سبب الاختلاف فيهما انما هو الخلاف في دلالة دليلهما هل انه على نحو يستقل العقل بان الاتيان به موجب للاجزاء ويؤثر فيه وعدم دلالته، ويكون النزاع فيه صغرويا أيضا بخلافه في الاجزاء بالاضافة إلى أمره فانه لا يكون الا كبرويا لو كان هناك نزاع

______________________________

التقادير فتأمل (قوله: المراد من الاقتضاء ههنا) الواقع في القوانين والفصول وغيرهما في تحرير العنوان قولهم: الامر بالشئ هل يقتضي الاجزاء أولا ؟، وحيث أن ظاهر الاقتضاء فيه الكشف والدلالة كما في قولهم: الامر يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي التحريم، نبه المصنف (ره) على ان الاقتضاء في العنوان المذكور في المتن ليس بمعنى الكشف والدلالة بل بمعنى العلية والتأثير كما في قولهم: الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده، والوجه في ذلك نسبة الاقتضاء في عنوان المتن إلى الاتيان وفي عنوان غيره إلى الامر وحيث أنه لا معنى لتأثير الامر في الاجزاء وجب حمله على الدلالة يعني يدل الامر على أن موضوعه واف بتمام المصلحة بخلاف الاتيان فان تأثيره في الاجزاء ظاهر إذ لولا كونه علة لحصول الغرض لما كان مامورا به (قوله: هذا إنما يكون) يعني أن حمل الاقتضاء على العلية إنما يصح بالاضافة إلى نفس الامر المتعلق بالماتي فان إجزاءه يلازم سقوط امره لا بالنسبة إلى الامر المتعلق بغيره إذ النزاع في الحقيقة يكون في دلالة الدليل فالاقتضاء فيه بمعنى الدلالة (قوله: نعم) يعني كما ذكرت من أن النزاع في دلالة الدليل (قوله: صغرويا) صورة القياس في المقام هكذا: المأمور به

١٩٢

كما نقل عن بعض (فافهم) (ثالثها) الظاهر ان الاجزاء ههنا بمعناه لغة وهو الكفاية وان كان يختلف ما يكفى عنه فان الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي يكفى فيسقط به التعبد به ثانيا، وبالامر الاضطراري أو الظاهرى الجعلي فيسقط به القضاء لا انه يكون ههنا اصطلاحا بمعنى اسقاط التعبد أو القضاء فانه بعيد جدا

______________________________

*

بالامر الاضطراري مأمور به بالامر الواقعي - ولو تنزيلا - والمامور به بالامر الواقعي يقتضي الاجزاء، ينتج: المأمور به بالامر الاضطراري يقتضي الاجزاء. والنزاع في هذه المسألة بالنسبة إلى الامر الواقعي في الكبرى وبالنسبة إلى الامر الاضطراري في الصغرى بالنسبة إلى الامر الواقعي، وفي الكبرى بالنسبة إلى أمر نفسه والمحكم في الكبرى مطلقا العقل والمحكم في الصغرى الدليل الشرعي فإذا كان الاقتضاء في الكبرى بمعنى العلية كان في النتيجة كذلك، ومنه يظهر أن إثبات الاجزاء في الفعل الاضطراري والظاهري بالنسبة إلى الامر الواقعي يتوقف على إثبات الصغرى والكبرى معا، وفي الفعل الواقعي على اثبات نفس الكبرى لانه عينها (قوله: فافهم) يمكن ان يكون اشارة إلى ان النزاع في مثل هذه الصغرى ليس نزاعا في المسألة الاصولية لان شأن المسائل الاصولية تنقيح الكبريات وأما الصغريات فوضيفة الفقيه، ولذا لم يتعرض في هذا المبحث لصغريات الافعال الاضطرارية والظاهرية تفصيلا فلاحظ (قوله: الظاهر ان الاجزاء) قد تضمنت جملة من العبارات كون الاجزاء له معنيان (احدهما) إسقاط التعبد بالفعل ثانيا (وثانيهما) إسقاط القضاء، وأن المراد هنا أي المعنيين ؟ وقد دفع المصنف (ره) ذلك - تبعا للتقريرات - بان لفظ الاجزاء لم يستعمل في المقام إلا بمعناه اللغوي وهو الكفاية غاية الامر أن ما يكفي عند الماتي به تارة يكون هو التعبد به ثانيا فيكون مسقطا للتعبد به واخرى الامر به قضاء فيكون مسقطا للقضاء لا أن له معنى اصطلاحيا ليتردد في أنه إسقاط التعبد أو إسقاط القضاء (قوله: يكفي فيسقط) يعنى يكفي في حصول الغرض فلا يحتاج إلى التعبد به ثانيا لتحصيله (قوله: فيسقط به) يعنى يكفي أيضا في حصول

١٩٣

(رابعها) الفرق بين هذه المسألة ومسألة المرة والتكرار لا يكاد يخفى، فان البحث ههنا في ان الاتيان بما هو المأمور به يجزئ عقلا بخلافه في تلك المسألة فانه في تعيين ما هو المأمور به شرعا بحسب دلالة الصيغة بنفسها أو بدلالة اخرى (نعم) كان التكرار عملا موافقا لعدم الاجزاء لكنه لا بملاكه، وهكذا الفرق بينها وبين مسألة تبعية القضاء للاداء فان البحث في تلك المسألة في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها بخلاف هذه المسألة فانه كما عرفت في ان الاتيان بالمأمور يجزئ عقلا عن اتيانه ثانيا اداء أو

______________________________

*

الغرض فلا يثبت الامر بالقضاء ثم إن إجزاء المأمور به الواقعي لما كان بلحاظ الامر به ناسب التعبير باسقاط التعبد به ثانيا وإجزاء المأمور به بالامر الاضطراري والظاهري لما كان بلحاظ الامر به قضاء ناسب التعبير باسقاط القضاء (قوله: الفرق بين هذه) قد يتوهم أن القول بالمرة قول بالاجزاء والقول بالتكرار قول بعدم الاجزاء (قوله: بما هو المأمور به) يعني بعد الفراغ عن تعيين تمام المأمور به (قوله: فانه في تعيين) وحينئذ فيكون النزاع في الاجزاء مترتبا على النزاع في المرة والتكرار لا أن النزاع فيهما نزاع في الموضوع والنزاع فيه نزاع في الحكم (قوله: بحسب دلالة) يعني فيكون النزاع في أمر لفظي (قوله: عملا) متعلق بقوله: موافقا، يعني هما من حيث العمل سواء لكنه موقوف على أن المراد بالتكرار فعل كل فرد ممكن بعد آخر أما لو كان المراد ما يشمل تكرار الصلاة اليومية وصوم رمضان كما يقتضيه استدلال بعضهم فلا ملازمة بينهما عملا ثم إن هذا بالنسبة إلى أمره أما بالنسبة إلى أمر غيره فلا مجال للتوهم ولا للموافقة عملا (قوله: لا بملاكه) إذ ملاك عدم الاجزاء عدم وفاء المأمور به بالغرض المقصود منه وملاك التكرار عدم حصول تمام المأمور به (قوله: وهكذا الفرق) يعني قد يتوهم أن القول بعدم الاجزاء عين القول بتبعية القضاء للاداء، والقول بالاجزاء قول بعدم تبعية القضاء للاداء (قوله: فان البحث حينئذ) يعني أن البحث في تبعية القضاء للاداء بحث في ان الامر بشئ في وقت

١٩٤

قضاء أولا يجزئ فلا علقة بين المسألة والمسئلتين اصلا (إذا) عرفت هذه الامور فتحقيق المقام يستدعي البحث والكلام في موضعين (الاول) أن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي بل بالامر الاضطراري أو الظاهري أيضا يجزئ عن التعبد به ثانيا، لاستقلال العقل بانه لا مجال مع موافقة الامر باتيان المأمور به على وجهه لاقتضائه التعبد به ثانيا. نعم لا يبعد ان يقال بأنه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبد به ثانيا بدلا عن التعبد به أولا لا منضما إليه كما اشرنا إليه في المسألة السابقة، وذلك فيما علم ان مجرد امتثاله لا يكون علة تامة لحصول الغرض وان كان وافيا به لو اكتفى

______________________________

*

هل يدل على لزوم فعله في خارج الوقت على تقدير عدم الاتيان به في الوقت بحيث يرجع إلى الامر به مطلقا لكونه في الوقت أولا يدل ؟ فيكون النزاع في تعيين المأمور به من حيث دلالة الامر، وأين هو من النزاع في المسألة ؟ (قوله: فلا علقة بين) أولا من جهة أن إحداهما متضمنة لتعيين نفس المأمور به والاخرى متضمنة لتعيين مقتضاه (وثانيا) من جهة أن النزاع في إحداهما لفظي وفى الاخرى عقلي " وثالثا " من جهة ان القول بعدم الاجزاء انما في ظرف الاتيان بالمأمور به والقول بالتبعية انما هو في ظرف عدم الاتيان به (قوله: بالامر الاضطراري) يعني بالاضافة إلى أمره (قوله: أو الظاهري) يعني بالاضافة إلى أمره (قوله: لاستقلال العقل بأنه) قد عرفت أن الامر الحقيقي لابد ان يكون حاكيا عن الارادة وأن الارادة حدوثا وبقاء تتوقف على العلم بالمصلحة المعبر عنها بالداعي تارة وبالغرض أخرى فالماتي به في الخارج إما أن لا يترتب عليه الغرض فلا يكون مامورا به فهو خلف أو يترتب عليه الغرض فبقاء الامر حينئذ إن كان بلا غرض فهو مستحيل كما عرفت وان كان عن غرض آخر غير الغرض الحاصل من الماتي به أولا فيلزمه أن يكون المأمور به فردين في الخارج يترتب على كل منهما غرض خاص فيكون الامر منحلا إلى أمرين يسقط كل منهما بالاتيان بمتعلقه وهو عين الاجزاء المدعى غاية الامر أنه لا يكون فعل أحدهما مسقطا لامر الآخر ومجزئا عنه ولكنه غير محل الكلام إذ الكلام - كما عرفت - في أن فعل المأمور به مجزئ عن الامر به ثانيا (قوله: لا منضما إليه)

١٩٥

به كما إذا اتى بماء امر به مولاه ليشربه فلم يشربه بعد فان الامر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعد ولذا لو اهرق الماء واطلع عليه العبد وجب عليه اتيانه ثانيا كما لم يأت به أولا ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه والا لما اوجب حدوثه فحينئذ يكون له الاتيان بماء آخر موافق للامر كما كان له قبل اتيانه الاول بدلا عنه. نعم فيما كان الاتيان علة تامة لحصول الغرض فلا يبقى موقع التبديل كما إذا أمر باهراق الماء في فمه لرفع عطشه فاهرقه، بل لو لم يعلم أنه من أي القبيل فله التبديل باحتمال ان لا يكون علة فله إليه السبيل، ويؤيد ذلك بل يدل عليه ما ورد من الروايات في باب اعادة من صلى فرادى جماعة وان الله تعالى يختار احبهما إليه (الموضع الثاني) وفيه مقامان (المقام الاول) في ان الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري هل يجزئ عن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي ثانيا بعد رفع الاضطرار في الوقت اعادة وفى خارجه قضاء أولا يجزئ ؟ تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلم فيه (تارة) في بيان ما يمكن ان يقع عليه الامر الاضطراري من الانحاء وبيان ما هو قضية كل منها من الاجزاء وعدمه (وأخرى) في تعيين ما وقع عليه فاعلم انه يمكن

______________________________

*

قد يمكن أن يكون منضما إليه كما في الافراد الدفعية التى تكون امتثالا واحدا لعدم المرجح. فتأمل (قوله: وجب عليه) يعني بعين وجوبه أولا كما تقدم الكلام فيه (قوله: بدلا عنه) قد عرفت أنه يمكن أن يكون منضما إليه (قوله: فلا يبقى موقع) إذ الثاني مما يعلم بعدم ترتب الاثر عليه (قوله: ما ورد من الروايات) كرواية أبي بصير قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أصلي ثم أدخل المسجد فتقام الصلاة وقد صليت فقال (عليه السلام): صل معهم يختار الله أحبهما إليه، ورواية هشام عنه (عليه السلام): في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة قال (عليه السلام): يصلي معهم ويجعلها الفريضة انشاء الله، ونحوها رواية حفص، وفي مرسلة الصدوق: يحسب له أفضلهما وأتمهما

١٩٦

ان يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار كالتكليف الاختياري في حال الاختيار وافيا بتمام المصلحة وكافيا فيما هو المهم والغرض ويمكن ان لا يكون وافيا به كذلك بل يبقى منه شئ امكن استيفاؤه أو لا يمكن، وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه أو يكون بمقدار يستحب، ولا يخفى انه ان كان وافيا به فيجزئ فلا يبقى مجال اصلا للتدارك لا قضاء ولا اعادة، وكذا لو لم يكن وافيا ولكن لا يمكن تداركه ولا يكاد يسوغ له البدار في هذه الصورة الا لمصلحة كانت فيه لما فيه من نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة لولا مراعاة ما هو فيه من الاهم فافهم

______________________________

الامر الاضطراري

(قوله: ان يكون التكليف) يعني موضوعه (قوله: كالتكليف الاختياري) يعني كموضوعه (قوله: وما أمكن كان) يعني أن المقدار الباقي من المصلحة الذي يمكن استيفاؤه قسمان فانه تارة يكون واجب التدارك وأخرى يكون مستحب التدارك (أقول): ما لا يمكن استيفاؤه ايضا قسمان تارة يكون محرم التفويت وأخرى لا يكون كذلك فالاقسام خمسة وإنما لم يتعرض للقسمين المذكورين لعدم اختلافهما في الاجزاء وإن كانا يختلفان في جواز البدار وعدمه (قوله: ولا يخفى) شروع في حكم الاقسام من حيث الاجزاء (قوله: اصلا للتدارك) لان التدارك إنما يكون في ظرف الفوت والمفروض عدمه (قوله: ولا يكاد يسوغ) يعني حيث يكون الفائت مما يحرم تفويته أما إذا لم يكن فلا تحريم للبدار كما أن نسبة التحريم إلى البدار لا تخلو من مسامحة إذ المحرم هو تفويت ذلك المقدار والبدار ليس تفويتا ولا مقدمة له وإنما هو ملازم له فلا ينسب إليه التحريم إلا بالعرض والمجاز ولذا لم تفسد العبادة، ولعله إلى هذا اشار بقوله: فافهم (قوله: إلا لمصلحة) يعني إذا كانت مصلحة في البدار تصلح لمزاحمة المقدار الفائت لم يحرم التفويت الملازم للبدار حينئذ (قوله: لما فيه من)

١٩٧

(لا يقال): عليه فلا مجال لتشريعه ولو بشرط الانتظار لامكان استيفاء الغرض بالقضاء (فانه يقال): هذا كذلك لولا المزاحمة بمصلحة الوقت، وأما تسويغ البدار أو ايجاب الانتظار في الصورة الاولى فيدور مدار كون العمل بمجرد الاضطرار مطلقا أو بشرط الانتظار أو مع اليأس عن طرؤ الاختيار ذا مصلحة ووافيا بالغرض، وان لم يكن وافيا وقد امكن تدارك الباقي في الوقت أو مطلقا ولو بالقضاء خارج

______________________________

تعليل لعدم جواز البدار لكن عرفت أن البدار لا تفويت فيه لغرض المولى وإنما هو يلازم التفويت (قوله: فلا مجال لتشريعه) يعني إذا كان البدل الاضطراري غير واف بمصلحة المبدل الاختياري كيف جاز تشريعه ولو في آخر الوقت ؟ لان في تشريعه تفويتا للمصلحة (قوله: هذا كذلك) (أقول): تشريع الاضطراري إنما جاز لاشتماله على المصلحة مع عدم كونه مقدمة للتفويت فالمنع عن تشريعه غير ظاهر الوجه الا ان يكون المراد من تشريعه الامر بفعله في الوقت أو الاذن كذلك الملازمين للاذن في التفويت (قوله: لولا المزاحمة) يعنى انما يكون تفويت التشريع ممنوعا عنه حيث يؤدي إلى تفويت المصلحة مع عدم مزاحمتها بمصلحة أخرى وإلا فلو فرض كون خصوصية الفعل في الوقت مشتملة على مصلحة تزاحم المقدار الفائت لم يكن مانع عن تشريعه كما تقدم مثل ذلك في جواز البدار ثم إنه حيث كان في خصوصية الوقت مصلحة يتدارك بها ما يفوت جاز البدار أول الوقت إذا علم الاضطرار في تمام الوقت ولا موجب للانتظار فتأمل (قوله: في الصورة الاولى) وهي ما كان الاضطراري فيها وافيا بتمام المصلحة (قوله: الاضطرار مطلقا) وعليه يجوز البدار مطلقا (قوله: أو بشرط الانتظار) وعليه فلا يجوز البدار (قوله: أو مع اليأس) فلا يجوز البدار الا مع اليأس ثم إن هذه الاقسام لا تختص بالصورة الاولى بل تجري في الثانية أيضا إذ قد تكون خصوصية الوقت مطلقا ذات مصلحة تزاحم المقدار الفائت. وقد تكون بشرط الانتظار، وقد تكون بشرط اليأس وقد يكون بغير ذلك فيتبع كلا حكمه (قوله: وان لم يكن وافيا)

١٩٨

الوقت فان كان الباقي مما يجب تداركه فلا يجزئ فلا بد من ايجاب الاعادة أو القضاء وإلا فاستحبابه ولا مانع عن البدار في الصورتين غاية الامر يتخير في الصورة الاولى بين البدار والاتيان بعملين العمل الاضطراري في هذا الحال والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار أو الانتظار والاقتصار باتيان ما هو تكليف المختار، وفي الصورة الثانية يتعين عليه استحباب البدار واعادته بعد طروء الاختيار. هذا كله فيما يمكن أن يقع عليه الاضطراري من الانحاء، وأما ما وقع عليه فظاهر إطلاق دليله مثل قوله تعالى: (فان لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) وقوله (عليه السلام): (التراب أحد الطهورين ويكفيك عشر سنين) هو الاجزاء وعدم وجوب الاعادة أو القضاء ولا بد في ايجاب الاتيان به ثانيا من دلالة دليل بالخصوص (وبالجملة):

______________________________

*

معطوف على قوله: إن كان وافيا (قوله: فلا بد من ايجاب) لاجل تدارك الباقي (قوله: والا فاستحبابه) الظاهر أن أصل العبارة: والا فيجزئ، بمعنى عدم وجوب الاعادة والقضاء وان كان يستحب (قوله: ولا مانع عن) إذ لا تفويت فيهما (قوله: في الصورة الاولى) وهي ما يكون الباقي فيها مما يجب تداركه (قوله: وفى الصورة الثانية) وهي ما كان الباقي فيها مما يستحب تداركه (قوله: استحباب البدار) هذا الاستحباب بنحو الكلية غير ظاهر الوجه إلا أن يستند فيه إلى مثل آيتي المسارعة والاستباق فتأمل (قوله: وأما ما وقع عليه) التعرض لذلك ينبغي أن يكون في الفقه لا هنا إذ ليس لدليله ضابطة كلية فقد يختلف الدليل باختلاف قرينة الحال أو المقال من حيث الدلالة على الوفاء وعدمه وكأن مقصود المصنف (ره) الاشارة إلى ما يكون كالانموذج لادلة البدل الاضطراري (قوله: هو الاجزاء) أما اقصاء ما كان بلسان البدلية مثل: أحد الطهورين، ونحوه فظاهر، فان اطلاق البدلية يقتضي قيام البدل مقام المبدل منه بلحاظ جميع الآثار والخواص فلا بد من أن يفى بما يفي به المبدل من المصلحة بمرتبتها ويترتب عليه الاجزاء " فان قوله ": هذا الاطلاق

١٩٩

وان كان ثابتا الا انه معارض باطلاق دليل المبدل منه فانه يقتضي تعينه في جميع الاحوال ولازمه وجوب حفظ القدرة عليه الكاشف عن عدم وفاء البدل بمصلحته والا جاز تفويت القدرة عليه، وكما يمكن الجمع بينهما برفع اليد عن اطلاق دليل المبدل فيحمل على تعينه في ظرف القدرة عليه جاز رفع اليد عن اطلاق دليل البدل فيحمل على وفائه ببعض مراتب المصلحة التي يفي بها المبدل واذ لا مرجح يرجع إلى الاصل ويسقط الاطلاق عن المرجعية " قلت ": نسبة دليل البدل إلى دليل المبدل منه نسبة الحاكم إلى المحكوم لانه ناظر إليه موسع لموضوعه فيجب تقديمه عليه وجوب تقديم الحاكم على المحكوم. هذا كله بالنظر إلى طبع الكلام نفسه أما بملاحظة كون البدلية في حال الاضطرار فلا يبعد كون مقتضى الجمع العرفي كون البدل من قبيل الميسور للتام ولاجل ذلك نقول: لا يجوز تعجيز النفس اختيارا لانه تفويت للتام، فتأمل جيدا. وأما ما كان بلسان الامر فقد يشكل اطلاقه المقتضي للاجزاء إذ الامر انما يدل على وفاء موضوعه بمصلحة مصححة للامر به أما أنها عين مصلحة المبدل أو بعضها فلا يدل عليه الامر ولا يصلح لنفي وجوب الاعادة أو القضاء. نعم لو كان المتكلم في مقام بيان تمام ما له دخل في حصول الغرض المترتب على الاختياري مع عدم الامر بالاعادة أو القضاء أمكن الحكم بالاجزاء حينئذ اعتمادا على هذا الاطلاق المقامي المقدم على اطلاق دليل المبدل للحكومة، أو كون الامر واردا مورد جعل البدل فيجري فيه ما تقدم، اللهم إلا أن يقال: دليل المبدل ظاهر في التعيين في حال التمكن وعدمه ودليل البدل ظاهر في تعينه في حال عدم التمكن من المبدل وهما متنافيان للعلم بعدم تعينهما معا فيدور الامر (بين) رفع اليد عن ظهور دليل البدل في التعيين ودليل المبدل فيه بالاضافة إلى بعض مراتب المصلحة ولازمه الحكم بتعين المبدل في تحصيل تمام مرتبة الغرض والتخيير بينه وبين البدل في تحصيل بعضها ويترتب عليه عدم الاجزاء (وبين) رفع اليد عن اطلاق دليل المبدل بالاضافة إلى حالتي التمكن وعدمه وحيث أن الثاني أقرب يكون هو المتعين ولازم ذلك اشتراط وجوب المبدل بحال التمكن فيترتب

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

والحيض ، وفي معناه النفاس ، وكل واحد من هذه إما أن يوجد أول الوقت ، أو آخره ، أو يعم الجميع.

مسألة ٤١ : إذا وجد العذر في أول الوقت وزال في آخره‌ فإن بقي من الوقت مقدار الطهارة وأداء الصلاة وجب فعلها ، فإن أهمل وجب القضاء بلا خلاف ، ولو قصر الوقت فإن وسع الطهارة وأداء ركعة من الصلاة فكالأول بلا خلاف ، لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح )(١) .

ولو قصر عن ركعة لم تجب عندنا ـ وبه قال مالك ، والمزني ، والشافعي في قول(٢) ـ لأن الحديث دلّ على اعتبار الركعة في إدراك الصلاة ، وللإجماع على أن المسبوق يدرك الجمعة بإدراك ركعة لا ما دونها فكذا هنا ، ولأنه أدرك ما لا يقع فيه ما يكون صلاة بانفراده فلا يكون مدركا لها كما لو قصر عن إدراك التكبيرة.

وللشافعي قول آخر : إدراك الصلاة بإدراك تكبيرة الافتتاح ـ وبه قال أبو حنيفة ، وأحمد(٣) ـ لأنه أدرك جزءا من الوقت ، وتمكّن من الفعل ، فصار كما لو أدرك ركعة من الصلاة ، ولأن الإدراك إذا تعلق به الإيجاب استوى فيه الركعة وغيرها كالمسافر إذا اقتدى بالمقيم في الركعة الأخيرة فإنّا نلزمه بالإتمام وإن أدركه بعد الركوع. ونمنع التمكن من الفعل ، وينتقض بما لو أدرك بعض‌

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٥١ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٤ ـ ٦٠٨ ، سنن الترمذي ١ : ٣٥٣ ـ ١٨٦ ، سنن النسائي ١ : ٢٥٧ و ٢٥٨ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٨.

(٢) المجموع ٣ : ٦٥. فتح العزيز ٣ : ٧٠ ، مختصر المزني : ١٢ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٠ ، المغني ١ : ٤٢٠ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٨.

(٣) مختصر المزني : ١٢ ، المجموع ٣ : ٦٥ ، فتح العزيز ٣ : ٦٨ ، بدائع الصنائع ١ : ٩٦ ، المغني ١ : ٤٢١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٨.

٣٢١

التكبيرة ، ونمنع الأصل في الثاني ، وسيأتي.

فروع :

أ ـ إذا أدرك من الصلاة ركعة وجبت تلك ولا يجب ما قبلها ، أمّا إذا كانت مما لا يجمع إليها فبالإجماع كالظهر مع الصبح ، وأما إذا كانت مما يجمع إليها كالظهر مع العصر ، والمغرب مع العشاء فكذا عندنا ـ وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي في أحد أقواله(١) ـ لأن الظهر والمغرب خرج وقتهما في حال العذر فلا يجبان عليه ، كما لو خرج وقت العصر والعشاء معذورا ، ولأنّ التكليف يستدعي وقتا يتسع له ، وإلاّ لزم التكليف بما لا يطاق ، ومع سقوط الوجوب أداء يسقط قضاء ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا رأت المرأة الطهر في وقت الصلاة ، ثم أخرت الغسل حتى يدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها »(٢) وسئل الباقرعليه‌السلام عن الحائض تطهر عند العصر تصلّي الاولى؟ قال : « لا ، إنّما تصلّي الصلاة التي تطهر عندها »(٣) وقال الصادقعليه‌السلام : « إذا طهرت قبل العصر صلت الظهر والعصر ، وإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر »(٤) .

وللشافعي أربعة أقوال أخر :

أ ـ إنها تدرك الفريضتين بإدراك ركعة واحدة فيدرك الظهر والعصر بإدراك ركعة من العصر ، لأن عبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن عباس أوجبا على الحائض التي تطهر قبل طلوع الفجر بركعة المغرب والعشاء ، ولا نعرف لهما مخالفا ، ولأنّ وقت الثانية وقت الاولى في حال العذر فإنه من أدرك عصر يوم‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٦٦ ، فتح العزيز ٣ : ٧٤ و ٧٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦ ، المغني ١ : ٤٤١.

(٢) الكافي ٣ : ١٠٣ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٣٩١ ـ ١٢٠٨ ، الإستبصار ١ : ١٤٥ ـ ٤٩٦.

(٣) الكافي ٣ : ١٠٢ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ٣٨٩ ـ ١١٩٨ ، الاستبصار ١ : ١٤٢ ـ ٤٨٤.

(٤) التهذيب ١ : ٣٩٠ ـ ١٢٠١ ، الاستبصار ١ : ١٤٢ ـ ٤٨٧.

٣٢٢

فقد أدرك ظهره ، ولهذا لو أفاق المجنون فيه لزمه الفرضان(١) .

والأصل فيه أن آخر وقت العصر هل يصلح وقتا للظهر؟ قولان عنده(٢) ، فإن كان وقتا صلح لهما فوجبا معا ، وإلاّ فلا ، ويحمل قول ابن عباس على الاستحباب.

وقد روي من طريق الخاصة نحوه ، قال الصادقعليه‌السلام : « إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر »(٣) وهو محمول على إدراك ما زاد على أربع ، ونمنع اتحاد الوقت والحكم في الأصل.

ب ـ بإدراك أربع وتكبيرة ، أو ثلاث وتكبيرة(٤) .

ج ـ أنّها تدرك الفرضين بإدراك تكبيرة خاصة(٥) .

د ـ بإدراك ركعة وتكبيرة.

ب ـ لا بد من اعتبار إدراك الطهارة مع الركعة ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنه ( لا صلاة إلاّ بطهور )(٦) فلا يدرك الصلاة بدون إدراك الطهور ، وأصح وجهي الشافعي : المنع ، لأنّ الطهارة لا تشترط في الإلزام بل في الصحة(٧) .

__________________

(١) المجموع ٣ : ٦٥ و ٦٦ ، فتح العزيز ٣ : ٧٣ ، المغني ١ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ١ : ٤٨٢.

(٢) فتح العزيز ٣ : ٧٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦١.

(٣) التهذيب ١ : ٣٩٠ ـ ١٢٠٣ ، الاستبصار ١ : ١٤٣ ـ ٤٨٩.

(٤) المجموع ٣ : ٦٦ ، فتح العزيز ٣ : ٨٠ ـ ٨١.

(٥) مختصر المزني : ١٢ ، المجموع ٣ : ٦٦ ، فتح العزيز ٣ : ٧٤ و ٨٠ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٢.

(٦) الفقيه ١ : ٢٢ ـ ٦٧ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥ و ٥٤٦.

(٧) المجموع ٣ : ٦٦ ، فتح العزيز ٣ : ٧٩.

٣٢٣

أما الصبي ، فإن قلنا : إن طهارته شرعية ، فتطهّر ثم بلغ بغير المبطل لم يشترط سوى إدراك الركعة له خاصة.

ج ـ المشترط إدراك ركعة تامة الأفعال الواجبة خاصة دون المندوبة وهو يحصل بإدراك النية ، وتكبيرة الافتتاح ، وقراءة الفاتحة ، وأخف السور إن قلنا بوجوبها ، والركوع ذاكرا فيه أقل الواجب ، والسجدتين ذاكرا فيهما أقل الواجب ، والطمأنينة في ذلك كله أقل الواجب ، وفي الرفع من الركوع والسجدتين.

د ـ شرط اللزوم أن يبقى سليما عن الموانع مدة إمكان الوضوء والصلاة ، فلو عاد المانع قبل ذلك سقط كما لو طهرت الحائض ثم جنّت ، أو أفاقت مجنونة ثم حاضت.

هـ ـ لو أدرك مقدار خمس ركعات فالأشهر وجوب الصلاتين ، وللشيخ قول باستحبابهما(١) ، وليس بجيد. وهل الأربع في مقابلة العصر والزائدة في مقابلة الظهر أو بالعكس؟ الظاهر عندنا الأول ، لورود النص عن الأئمةعليهم‌السلام أنه لو بقي لانتصاف الليل مقدار أربع ركعات وجبت العشاء خاصة(٢) ـ وهو أحد قولي الشافعية ـ لأن الظهر تابعة للعصر في الوقت واللزوم ، فليكن الأكثر في مقابلة المتبوع. والثاني : الأولى لأنها السابقة(٣) .

وتظهر الفائدة فيما لو أدرك في آخر وقت العشاء مقدار أربع ، فإن قلنا في الصورة الأولى الأربع للظهر وجبت هنا الصلاتان ثلاث للمغرب ، وركعة للعشاء ، وإن قلنا الأربع للعصر وجبت العشاء خاصة ولا تجب المغرب إلاّ‌

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٧٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨ ـ ٨٢ ، الاستبصار ١ : ٢٦٣ ـ ٩٤٥.

(٣) فتح العزيز ٣ : ٧٦.

٣٢٤

بإدراك خمس.

و ـ قال الشيخ في التهذيب : الذي أعوّل عليه أنّ المرأة إذا طهرت بعد زوال الشمس ـ قبل أن يمضي منه أربعة أقدام ـ فإنه يجب عليها قضاء الظهر والعصر ، وإن طهرت بعد أن يمضي أربعة أقدام يجب عليها قضاء العصر لا غير ، ويستحب لها قضاء الظهر إذا كان طهرها قبل مغيب الشمس(١) .

وهو بناء على الأقدام ، والراوي الفضل بن يونس(٢) وهو واقفي.

ز ـ قد بيّنا أن إدراك الركعة سبب لإدراك الفريضة إجماعا ، لكن الخلاف في أنه يكون مؤديا للجميع ، أو قاضيا لما يقع خارج الوقت؟

وعندي فيه إشكال ينشأ من قولهعليه‌السلام : ( من أدرك ركعة من الصبح فقد أدرك الصبح )(٣) . ومن أنّها عبادة موقتة فعلت بعد خروج وقتها ، ولا معنى للقضاء سوى ذلك.

إذا ثبت هذا فإن قلنا إن الواقع خارجا قضاء فهل ينوي القضاء أم لا؟

الأقرب العدول بالنية إليه إذ الأفعال إنّما تقع على الوجوه والاعتبارات المقصودة.

وللشافعي ثلاثة أوجه : المذكوران ، وكون الجميع قضاءا نظرا الى آخر الصلاة(٤) ـ وهو اختيار المرتضى(٥) ـ وله قول رابع : إن أدرك ركعة في الوقت‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٩١ ذيل الحديث ١٢٠٧.

(٢) هذا الراوي يقع في سند الحديث ١١٩٩ من التهذيب ١ : ٣٨٩ فراجع.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٥١ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٤ ـ ٦٠٨ ، سنن الترمذي ١ : ٣٥٣ ـ ١٨٦ ، سنن النسائي ١ : ٢٥٧ و ٢٥٨ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٨.

(٤) المجموع ٣ : ٦٢ ـ ٦٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٠.

(٥) حكاه عنه الشيخ في الخلاف ١ : ٢٦٨ المسألة ١١.

٣٢٥

فالكل أداء وإلاّ فالجميع قضاء ـ وبه قال أحمد(١) ـ لقولهعليه‌السلام : ( من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح )(٢) .

وعند أبي حنيفة لو طلعت الشمس في أثناء صلاة الصبح بطلت ولم يكن أداء ولا قضاء(٣) .

مسألة ٤٢ : لو وجد العذر في آخر الوقت‌ ، بأن يطرأ بعد دخول الوقت وإنما يتحقق في الحيض ، والنفاس ، والجنون ، والإغماء ، دون الصبا ، والكفر الأصلي ، فإن كان الماضي من الوقت قدر ما يتسع للطهارة والصلاة الكاملة استقرت في الذمة ، وعليه القضاء مع الإهمال بعد زوال العذر عند علمائنا ـ وهو أصح قولي الشافعي(٤) ـ لأنه تمكن من الأداء وقد خوطب به وأهمل فلزمه القضاء كما لو تجدد العذر بعد الوقت.

وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا تلزمه تلك الصلاة ما لم يدرك آخر الوقت ـ وهو قول للشافعي(٥) ـ لأن المسافر لو دخل عليه الوقت في بلده ثم سافر في أثناء الوقت قبل الصلاة قصّر ، ولو كان قد استقر الفرض في ذمته لما جاز القصر ، وهو ممنوع.

فروع :

أ ـ المعتبر أخف ما يمكن من الصلاة ، فلو طوّلت الصلاة بالقراءة فحاضت في خلالها والماضي بقدر الخفيفة وجب القضاء ، ولا بدّ من إدراك‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٦٣ ، المغني ١ : ٤٢٠.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٥١ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٤ ـ ٦٠٨ ، سنن الترمذي ١ : ٣٥٣ ـ ١٨٦ ، سنن النسائي ١ : ٢٥٧ و ٢٥٨ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٨.

(٣) المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٨.

(٤) المجموع ٣ : ٦٧ ، فتح العزيز ٣ : ٨٩ ، الوجيز ١ : ٣٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦١.

(٥) المجموع ٣ : ٦٧ ، فتح العزيز ٣ : ٩٠.

٣٢٦

الطهارة إن كان محدثا في أول الوقت ، ولو كان متطهرا لم يشترط قدر زمانها.

وعند الشافعي يشترط إن كان ممن لا يصح طهره قبل الوقت كالمتيمم ، والمستحاضة ، وإن كان ممن يصح طهره قبل الوقت فوجهان : الاعتبار ، لأن الصلاة لا تصح بدونها. وعدمه ، لأن الطهارة لا تختص بوقت(١) .

ب ـ لو أدرك من أول الوقت مقدار ركعة أو ركعتين ، ثم طرأ العذر لم يلزمه قضاء الصلاة عندنا بعد العذر ـ وبه قال الشافعي ـ لعدم تمكنه من الفعل ، وقال بعض الشافعية : يجب القضاء كما لو أدرك هذا الوقت من آخره(٢) ، والفرق تمكنه من إتمام الفعل لو أدرك قدر الركعة آخر الوقت بخلاف صورة النزاع فإنه لا يتمكن من إتمامه.

ج ـ لو أدرك من أول الوقت مقدار خمس ركعات لم يلزمه العصر ـ وهو ظاهر مذهب الشافعية ـ لما تقدم(٣) ، وقال بعضهم : يلزمه العصر كما لو أدرك هذا الوقت من آخر وقت العصر يلزمه قضاء الظهر ، والفرق أن وقت الظهر جعل وقتا للعصر على سبيل التبع للظهر ، ولهذا لو بدأ بالعصر قبل الظهر لم يصح ولم يلزم العصر بإدراكه ، وأما وقت العصر فقد جعل وقتا للظهر لا على سبيل التبع للعصر ، بل إنّه لو ابتدأ بالظهر قبل العصر صحت صلاته(٤) . أمّا لو مضى مقدار الطهارة وأداء ثمان ركعات فإن الصلاتين تجب عليه عندنا ، إذ وقت العصر بعد الفراغ من الظهر ، وقال الشافعي : تجب الظهر خاصة(٥) .

__________________

(١) المجموع ٣ : ٦٧ ـ ٦٨ ، فتح العزيز ٣ : ٩١.

(٢) المجموع ٣ : ٦٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٣ : ٩١.

(٣) تقدم في فرع ( ب ).

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٣ : ٩٢.

(٥) فتح العزيز ٣ : ٩٣ ، الوجيز ١ : ٣٤.

٣٢٧

د ـ لو خلا الوسط عن العذر وحصل في الطرفين كان حكمه حكم هذا القسم ، لا حكم الخالي آخره ، فلو بلغ صبي في أول الوقت ثم جنّ ، أو أفاقت المجنونة في أثناء الوقت ثم حاضت ، أو تجدد الجنون فإن كان وقت زوال العذر يتسع للطهارة وتمام الصلاة وجب القضاء وإلاّ فلا.

مسألة ٤٣ : لو عمّ العذر الوقت سقط القضاء‌ ، فلو أسلم الكافر بعد خروج الوقت لم يكن عليه قضاء أيام كفره لقوله تعالى( إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) (١) .

أما المرتد ، فإنه يقضي أيام ردته بعد العود إلى الإسلام ، لأنه التزم الصلوات بالإسلام فلا تسقط بالردة كحقوق الآدميين ، وبه قال الشافعي ، واحمد في رواية ، وفي الثانية : لا يجب القضاء كالكافر الأصلي ، وبه قال أبو حنيفة ، ومالك(٢) ، والفرق ظاهر.

والحائض والنفساء إذا استغرق عذرهما الوقت سقط القضاء ، والصبي والمجنون لا تلزمهما الصلاة ولا قضاؤها إجماعا لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق )(٣) وإنما وجب القضاء على النائم لقولهعليه‌السلام : ( إذا نسي أحدكم صلاة ، أو نام عنها فليصلّها إذا ذكرها )(٤) .

__________________

(١) الأنفال : ٣٨.

(٢) مختصر المزني : ١٦ ، المجموع ٣ : ٤ ، فتح العزيز ٣ : ٩٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٥٧ ، الوجيز ١ : ٣٤ ، المغني ١ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤١٢ ـ ٤١٣ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٠ ، تفسير القرطبي ٧ : ٤٠٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٩٥.

(٣) صحيح البخاري ٧ : ٥٩ ، سنن أبي داود ٤ : ١٣٩ ـ ١٤٠ ـ ٤٣٩٨ ، سنن الترمذي ٤ : ٣٢ ـ ١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٥٨ ـ ٢٠٤١ ، مسند أحمد ٦ : ١٠٠ ، سنن الدارمي ٢ : ١٧١ ، وفيها نحوه.

(٤) سنن الترمذي ١ : ٣٣٤ ـ ١٧٧ ، سنن أبي داود ١ : ١١٩ ـ ٤٣٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٨ ـ ٢٩٨ ، سنن النسائي ١ : ٢٩٤.

٣٢٨

وأما الإغماء ، فإن عم الوقت سقطت أداء وقضاءا كالجنون لأنه مسقط للتكليف ـ وبه قال الشافعي ، ومالك(١) ـ لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال وقد سئل عن المغمى عليه : ( ليس من ذلك قضاء إلا أن يغمى عليه فيفيق في وقتها فيصليها )(٢) . ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن المريض هل يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ قال : « لا ، إلا الصلاة التي أفاق في وقتها »(٣) .

وقال أبو حنيفة : إن أغمي عليه في خمس صلوات فما دون وجب عليه قضاؤها ، وإن زادت على ذلك سقط عنه فرض القضاء في الكل(٤) .

وقال أحمد : يجب القضاء في الجميع بكل حال(٥) ، واحتجا بأن عمار ابن ياسر أغمي عليه يوما وليلة فقضى(٦) ، وهو محمول على الاستحباب ، وقد روي ذلك من طرقنا عن الصادقعليه‌السلام سئل عن المغمى عليه شهرا ما يقضي من الصلاة؟ قال : « يقضيها كلها ، إن أمر الصلاة شديد »(٧) .

فروع :

أ ـ المرتد إذا ترك شيئا حال إسلامه قبل الردة وجب قضاؤه عندنا ـ وبه‌

__________________

(١) الوجيز ١ : ٣٤ ـ ٣٥ ، مغني المحتاج ١ : ١٣١ ، المنتقى ١ : ٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٠ ، المغني ١ : ٤٤٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤١١.

(٢) المغني ١ : ٤٤٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤١١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٦ ـ ١٠٤٠ ، التهذيب ٣ : ٣٠٤ ـ ٩٣٣ ، الإستبصار ١ : ٤٥٩ ـ ١٧٨٠.

(٤) المغني ١ : ٤٤٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤١١ ، المنتقى ١ : ٢٤ ، المحلى ٢ : ٢٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٠.

(٥) المغني ١ : ٤٤٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤١١.

(٦) المغني ١ : ٤٤٦.

(٧) التهذيب ٣ : ٣٠٥ ـ ٩٣٨ ، الاستبصار ١ : ٤٥٩ ـ ١٧٨٥.

٣٢٩

قال الشافعي ، وأحمد في رواية(١) ـ لأن الردة غير مسقطة على ما تقدم ، ولأنه قد كان واجبا عليه ومخاطبا به قبل الردة فبقي الوجوب بحاله لأنه لم يأت به ، وقال أبو حنيفة : لا يجب(٢) . لما تقدم.

ب ـ لو شرب مسكرا ، أو دواء مرقدا ، أو مزيلا للعقل فإن علم حاله وجب عليه القضاء وإلاّ فلا.

ولو شرب دواء فذهب عقله فإن شربه للتداوي وليس الغالب فيه ذهاب العقل سقط القضاء ، وإن شربه لزوال عقله لم يسقط.

ولو شرب مسكرا لم تصح صلاته إن لم يحصّل ما يفعله ، ولا يسقط عنه فرض الصلاة بذلك لإجماع العلماء على تكليف السكران لقول عليعليه‌السلام : « إنه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذي ، وإذا هذي افترى ، فاجلدوه جلد المفتري »(٣) . فألزمه الصحابة بذلك حكم الافتراء في حال سكره.

ج ـ لو ارتد ثم جن فالوجه عدم قضاء أيام الجنون ، وكذا لو سكر ثم جن لسقوط التكليف.

وقال الشافعي : يقضي المرتد أيام الجنون ، وفي قضاء السكران وجهان : القضاء لأن السكران يغلظ عليه أمر الصلاة كالمرتد ، والمنع لأن المرتد في أيام جنونه مرتد حكما ، والسكران في دوام الجنون ليس بسكران قطعا(٤) . ولو ارتدت المرأة ، أو سكرت ثم حاضت لم يكن عليها قضاء أيام‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٥ ، المغني ١ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤١٣.

(٢) المجموع ٣ : ٤ ، بدائع الصنائع ١ : ٩٥.

(٣) الموطأ ٢ : ٨٤٢ ـ ٢ ، سنن البيهقي ٨ : ٣٢١ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٦٦ ـ ٢٤٥.

(٤) المجموع ٣ : ٩ ، فتح العزيز ٣ : ٩٩ و ١٠١.

٣٣٠

الحيض ، ولا فرق بين أن يطرأ الحيض على الردة ، أو السكر.

د ـ لو عم النوم الوقت ثم انتبه بعد خروج الوقت فعليه القضاء إجماعا لقولهعليه‌السلام : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها )(١) .

هـ ـ لو شربت دواء فأسقطت ونفست لم تصلّ أيام النفاس ، ولا قضاء بعد الطهر وان قصدته ، لأن النفاس ليس مقصود جنايتها ، وللشافعية وجه في وجوبه لأنها عاصية به فكان حكمها حكم السكران(٢) ، والفرق أن السكران قصد بجنايته زوال عقله فأبقينا حكم الخطاب عليه.

مسألة ٤٤ : الصبي لا تجب عليه الصلاة ما لم يبلغ‌ ، لكن يستحب تمرينه بفعلها ، ويستحب مطالبته بها إذا بلغ سبع سنين ، وضربه عليها إذا بلغ عشرا لقولهعليه‌السلام : ( مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر )(٣) وإنما ضرب بعد العشر لاحتمال البلوغ بالاحتلام ، وهذا وإن لم يكن تكليفا لهم إلا أنه سائغ لاشتماله على اللطف لهم بالتعويد على ملازمة الصلاة عند البلوغ. وهل صلاته شرعية معتد بها؟ المشهور ذلك ـ وبه قال الشافعي(٤) خلافا لأبي حنيفة(٥) ـ ولا قضاء عليه لو أخل بها‌

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٤٧٧ ـ ٣١٥ ، سنن الترمذي ١ : ٣٣٤ ـ ١٧٧ ، سنن النسائي ١ : ٢٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٨ ـ ٦٩٨ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٠ ، مسند أحمد ٣ : ١٠٠.

(٢) المجموع ٣ : ١٠ ، فتح العزيز ٣ : ١٠١.

(٣) سنن الترمذي ٢ : ٢٥٩ ـ ٤٠٧ ، سنن أبي داود ١ : ١٣٣ ـ ٤٩٤ و ٤٩٥ ، سنن الدارمي ١ : ٣٣٣.

(٤) المجموع ٣ : ١٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٢ ، المغني ١ : ٤٤٥.

(٥) بدائع الصنائع ١ : ٩٥ ، المجموع ٣ : ١٢ ، المغني ١ : ٤٤٥.

٣٣١

إجماعا لأن الأمر لم يكن أمر إيجاب بل إنما ثبت للتخلق ، ومراعاة حق الوقت وحرمته ، فإذا فات الوقت سقط.

فروع :

أ ـ لو صلى حالة الصغر ثم بلغ والوقت باق فلا خلاف في استحباب الإعادة ، وهل تجب؟ الأقوى عندي ذلك ـ وبه قال أبو حنيفة ، والمزني ، وحكاه القفال عن الشافعي(١) ـ لأنه الآن تعلق به الخطاب ، والفعل الأول لم يكن واجبا فلا يسقط ما تجدد وجوبه ، وظاهر مذهب الشافعي عدم الوجوب(٢) ، وأصل اختلاف قوليه أنه إذا نوى الظهر ولم يقيّد النيّة بالفرضية هل تصح صلاته؟ وسيأتي ، فإن قيل بالصحة هناك فلا إعادة هنا ، لأن الصبي قد نوى الظهر ، وإن قلنا بالعدم وجبت هنا الإعادة ، لأنّه ليس من أهل نية الفرضية.

ب ـ لو بلغ في أثناء الصلاة بغير المبطل استحب له أن يتم ويعيد بعد ذلك ، وفي وجوب الإعادة ما تقدم من الاختلاف ، ولو ضاق الوقت إلاّ عن ركعة استأنف ونوى الفرضية ، ولو قصر عن ركعة لم يجب الاستئناف ولا الإعادة واستحب الإتمام.

ج ـ الصبي إذا صلى الظهر يوم الجمعة ، ثم بلغ قبل فواتها وجب عليه استئناف الجمعة ـ وهو قول بعض الشافعية(٣) ـ لأنه مأمور بالجمعة لا الظهر.

وقال أكثر الشافعية : لا إعادة كالعبد إذا صلّى الظهر ثم عتق(٤) ، وهو‌

__________________

(١) مختصر المزني : ١١ ، المجموع ٣ : ١٢ ، الوجيز ١ : ٣٤ ، بدائع الصنائع ١ : ٩٥ ، المغني ١ : ٤٤٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤١٥.

(٢) المجموع ٣ : ١٢ ، الوجيز ١ : ٣٤ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٢ ، المغني ١ : ٤٤٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤١٥.

(٣) المجموع ٣ : ١٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٢ ، فتح العزيز ٣ : ٨٥.

(٤) المجموع ٣ : ١٢ ، الوجيز ١ : ٣٤ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٢ ، فتح العزيز ٣ : ٨٥.

٣٣٢

غلط لأن العبد مأمور بالظهر فإذا صلاّها خرج عن العهدة فلم تلزمه الإعادة بخلاف الصبي.

د ـ لو بلغ في أثناء الوقت قبل الصلاة ، فإن بقي من الوقت مقدار ركعة والطهارة إن لم يكن متطهرا أو قدر ركعة إن كان وجب عليه الفعل ، فإن أهمل وجب القضاء ، وإن قصر عن ذلك لم يجب بل استحب.

البحث الرابع : في الأوقات المكروهة.

مسألة ٤٥ : الأوقات المكروهة لابتداء النوافل فيها خمسة :

أ ـ عند طلوع الشمس الى ارتفاعها.

ب ـ عند غروبها.

ج ـ عند قيامها وسط النهار الى أن تزول إلاّ يوم الجمعة.

د ـ بعد صلاة الصبح الى طلوع الشمس.

هـ ـ بعد العصر حتى تغرب الشمس.

اثنان من هذه متعلقة بالفعل وهما ما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ، وما بعد العصر حتى تغرب ، وثلاثة للوقت لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان ، فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها ، فإذا زالت فارقها ، ثم إذا دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها )(١) ونهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصلاة في تلك الأوقات(٢) ،

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٧ ـ ١٢٥٣ ، الموطأ ١ : ٢١٩ ـ ٤٤ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٥ ، مسند أحمد ٤ : ٣٤٨.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٧ ـ ١٢٥٣ ، الموطأ ١ : ٢١٩ ـ ٤٤ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٥ ، مسند احمد ٤ : ٣٤٨.

٣٣٣

وبه قال الشافعي ، وأحمد(١) .

وقال ابن المنذر : لا يكره بعد العصر حتى تصفر الشمس ، وإنما المنهي عنه ما رواه عقبة بن عامر قال : ثلاث ساعات كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل ، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب(٢) ، ومعنى تتضيف أي تميل ، ومنه سمي الضيف ، والتخصيص يدل على نفي ما عداه ، وعن عليعليه‌السلام أنه دخل فسطاطه فصلى ركعتين بعد العصر(٣) ، وقال داود : يجوز فعل النافلة بعد العصر حتى تغرب الشمس(٤) .

مسألة ٤٦ : النهي عن الصلاة بعد العصر متعلق بفعل الصلاة‌ فمن لم يصلّ لم يكره له التنفل وإن صلى غيره ، ولو صلى العصر كره له التنفل وإن لم يصلّ غيره ، ولا نعلم فيه خلافا بين المانعين.

وأما النهي بعد الصبح فإنه كذلك ـ وبه قال الحسن ، والشافعي(٥) ـ لأن النبيعليه‌السلام قال : ( لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس )(٦) ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا صلاة بعد العصر حتى تصلي المغرب ، ولا بعد الفجر حتى تطلع‌

__________________

(١) الام ١ : ١٤٩ ، المجموع ٤ : ١٦٦ ، المغني ١ : ٧٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٠.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٦ ـ ١٥١٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٤٩ ـ ١٠٣٠ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٥ ، سنن الدارمي ١ : ٣٣٣ ، وانظر المغني ١ : ٧٩٠ ، والشرح الكبير ١ : ٨٣٥.

(٣) سنن البيهقي ٢ : ٤٥٩.

(٤) المجموع ٤ : ١٧٢.

(٥) المجموع ٤ : ١٦٦ ، المغني ١ : ٧٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٢.

(٦) سنن الترمذي ١ : ٣٤٣ ـ ٣٤٥ ـ ١٨٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٤ ـ ١٢٧٦ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٨ ، سنن الدارمي ١ : ٣٣٣.

٣٣٤

الشمس »(١) .

وقال أصحاب الرأي : النهي متعلق بطلوع الفجر ـ وبه قال ابن المسيب ، والنخعي ، وعن أحمد روايتان(٢) ـ لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين )(٣) وفي حديث آخر : ( إذا طلع الفجر لا صلاة إلا ركعتا الفجر )(٤) .

مسألة ٤٧ : إنما تكره في هذه الأوقات نافلة‌ لا سبب لها متقدم على هذه الأوقات ولا مقارن لها ، فالنوافل الفائتة ، وذات السبب لا تكره في هذه الأوقات ـ وبه قال الشافعي(٥) ـ لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى قيس بن فهد يصلي بعد الصبح ركعتين فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما هاتان الركعتان يا قيس؟ ) فقال : لم أكن صليت ركعتي الفجر فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) ، ودخلصلى‌الله‌عليه‌وآله على أم سلمة بعد العصر فصلّى ركعتين فقالت أم سلمة : ما هاتان الركعتان؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر فشغلني عنهما الوفد )(٧) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن قضاء النوافل فقال : « ما بين طلوع الشمس الى غروبها »(٨) وسئل الكاظمعليه‌السلام

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٧٤ ـ ٦٩٥ ، الإستبصار ١ : ٢٩٠ ـ ١٠٦٦.

(٢) المغني ١ : ٧٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٢.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٢٥ ـ ١٢٧٨ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٦٥.

(٤) كنز العمال ٧ : ٤١٤ ـ ١٩٥٨٣ ( عن الطبراني ).

(٥) المجموع ٤ : ١٧٠ ، فتح الباري ٢ : ٤٦ ـ ٤٧ ، المغني ١ : ٧٩٣ ـ ٧٩٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٨.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٢٢ ـ ١٢٦٧ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٨٤ ـ ٤٢٢ ، مسند أحمد ٥ : ٤٤٧.

(٧) سنن أبي داود ٢ : ٢٣ ـ ٢٤ ـ ١٢٧٣ ، سنن الدارمي ١ : ٣٢٤ و ٣٢٥.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٧٢ ـ ١٠٨٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ ـ ١٠٦٤.

٣٣٥

عن قضاء صلاة الليل قال : « نعم بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، وبعد العصر الى الليل »(١) .

وقال المفيد : يكره النوافل أداء وقضاء عند طلوع الشمس وغروبها. وأجاز قضاءها بعد الصبح والعصر(٢) ، ومنع أبو حنيفة ومالك من قضاء النوافل في أوقات النهي ، وابتدائها وإن كان لها سبب(٣) ـ وعن أحمد روايتان(٤) ـ لعموم النهي(٥) ، والجواب : الخاص مقدم.

مسألة ٤٨ : النهي إنما هو كراهة عند علمائنا لا نهي تحريم‌ لتعارض الأحاديث في المنع والتسويغ ، وورود لفظ الكراهة ، وقال أبو حنيفة : لا يجوز لأن النهي يدل على التحريم(٦) ، وهو ممنوع خصوصا مع قيام المعارض.

إذا عرفت هذا فإن النهي عن التنفل لا عن الفرائض ، فلا يكره عندنا قضاء الفرائض ، ولا ابتداؤها في هذه الأوقات ـ وبه قال عليعليه‌السلام ، والنخعي ، والشعبي ، والحكم ، وحماد ، ومالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وابن المنذر ، وأحمد بن حنبل(٧) ـ لقولهعليه‌السلام :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٧٣ ـ ٦٨٩ ، الإستبصار ١ : ٢٩٠ ـ ١٠٦٠.

(٢) المقنعة : ٢٣ و ٣٥.

(٣) المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٢ و ١٥٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٩٦ ، المنتقى ١ : ٣٦٢ و ٣٦٣ ، القوانين الفقهية : ٥٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٤٠ ، فتح العزيز ٣ : ١١٣ ، فتح الباري ٢ : ٤٦ ـ ٤٧ ، المغني ١ : ٧٩٤.

(٤) المغني ١ : ٧٩٤ ، الشرح الكبير ١ : ٨٤١ ، فتح العزيز ٣ : ١١٣.

(٥) انظر على سبيل المثال : سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٦ ـ ١٥١٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٤٩ ـ ١٠٣٠ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٥ ، سنن الدارمي ١ : ٣٣٣.

(٦) شرح فتح القدير ١ : ٢٠٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٤٠ ، الكفاية ١ : ٢٠٢ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٣.

(٧) فتح العزيز ٣ : ١٠٩ ، المغني ١ : ٧٨٣ و ٧٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٣ ، القوانين الفقهية : ٥٣ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٣.

٣٣٦

( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )(١) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام وقد سئل عن رجل صلى بغير طهور ، أو نسي صلوات لم يصلها ، أو نام عنها : « يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها »(٢) .

وقال أصحاب الرأي : لا يقضى الفرض ولا النفل في الأوقات الثلاثة إلاّ عصر يومه عند اصفرار الشمس ، وأما الوقتان الآخران المتعلقان بالفعل فلا يجوز فيهما فعل شي‌ء من النوافل سواء كان لها سبب أو لم يكن ، لعموم النهي(٣) ، المتناول للفرائض والنوافل ولأنها صلاة فلم تجز في هذه الأوقات كالنوافل(٤) . والنهي مخصوص بعصر يومه ، وبالقضاء في الوقتين الآخرين فنقيس محل النزاع على المخصوص ، وقياسهم ينتقض بذلك.

فروع :

أ ـ لو طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح أتمها ـ وبه قال الشافعي ، وأحمد(٥) ـ لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل ان تغيب الشمس فليتم صلاته ، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته )(٦) .

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٥٤ ، صحيح مسلم ١ : ٤٧٧ ـ ٣١٥ ، سنن الترمذي ١ : ٣٣٤ ـ ١٧٧ ، سنن النسائي ١ : ٢٩٤ ، سنن أبي داود ١ : ١١٩ ـ ٤٣٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٨ ـ ٦٩٨ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٠ ، مسند أحمد ٣ : ١٠٠ و ٢٨٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٢ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٦٦ ـ ١٠٥٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٤٦.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٦ ـ ١٥١٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٤٩ ـ ١٠٣٠ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٥.

(٤) فتح العزيز ٣ : ١١٣ ، المغني ١ : ٧٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٣ ، القوانين الفقهية : ٥٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٤٠ ، اللباب ١ : ٨٨ ـ ٨٩ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٠.

(٥) المجموع ٣ : ٤٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٠ ، المغني ١ : ٧٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٤ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٢.

(٦) صحيح البخاري ١ : ١٤٦ ، سنن النسائي ١ : ٢٥٧.

٣٣٧

وقال أصحاب الرأي : تفسد صلاته لأنها صارت في وقت النهي(١) .

والخاص مقدم.

ب ـ في انعقاد النوافل في هذه الأوقات إشكال ينشأ من النهي ، فأشبهت صوم يوم العيد ، ومن الترغيب في الصلاة مطلقا ، وهذه الأوقات قابلة للصلاة في الجملة لصحة الفرائض فيها فصارت كالصلاة في الحمام ، وللشافعية وجهان(٢) ، إذا ثبت هذا ، فلو نذر أن يصلي في هذه الأوقات انعقد نذره إن قلنا بانعقاد الصلاة فيها وإلاّ فلا.

ج ـ يجوز فعل الصلاة المنذورة في وقت النهي سواء كان النذر مطلقا أو موقتا ـ وبه قال الشافعي(٣) ـ لاختصاص النهي بالنافلة ، والنذر واجب.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز ، لأن وجوبها معلق بفعله وهو النذر فأشبه النافلة الواجبة بالدخول فيها(٤) . ويبطل بسجود التلاوة ، فإنه متعلق بفعله وهو التلاوة ، ولا تشبه المنذورة ما وجب بالدخول فيه لأن الدخول مكروه والنذر غير مكروه في الجملة.

مسألة ٤٩ : لو صلى الصبح ، أو العصر ، أو المغرب منفردا ثم أدرك جماعة‌ استحب له إعادتها عندنا ـ وبه قال الشافعي ، والحسن البصري ، وأبو ثور(٥) ـ لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى الصبح في مسجد خيف ،

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٣ : ٤٧ ، المغني ١ : ٧٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٤.

(٢) المجموع ٤ : ١٨١ ، فتح العزيز ٣ : ١٢٨.

(٣) المجموع ٤ : ١٧٠ ، فتح الباري ٢ : ٤٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٩ ، الميزان ١ : ١٧١ ، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ١ : ٦٥.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ١٥٣ ، فتح الباري ٢ : ٤٧ ، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ١ : ٦٥ ، الميزان ١ : ١٧١ ، المغني ١ : ٧٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٤.

(٥) المجموع ٤ : ٢٢٣ ، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ١ : ٦٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٢ ، المغني ١ : ٧٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٦.

٣٣٨

فلما انصرف رأى رجلين في زاوية المسجد ، فقال لهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لما ذا لم تصليا معنا؟ ) فقالا : كنا قد صلينا في رحالنا ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا جئتما فصلّيا معنا ، وإن كنتما قد صليتما في رحالكما تكن لكما سبحة )(١) .

وقال أبو حنيفة : لا تجوز الإعادة لأنها نافلة فلا يجوز فعلها في وقت النهي(٢) لعموم الحديث(٣) وما ذكرناه أخص فتقدم.

وقال مالك ، والثوري ، والأوزاعي : يعاد الجميع إلاّ المغرب لئلا يتطوع بوتر(٤) . وقال ابن عمر ، والنخعي : تعاد الصلوات كلها إلاّ الصبح ، والمغرب(٥) . وقال الحكم : إلاّ الصبح وحدها(٦) .

فروع :

أ ـ لا فرق في استحباب الإعادة بين أن تقام الصلاة وهو في المسجد أو لا ، ولا بين أن يدخل وهم يصلّون أو لا ، وشرط أحدهما أحمد(٧) .

__________________

(١) سنن الترمذي ١ : ٤٢٤ ـ ٢١٩ ، سنن النسائي ٢ : ١١٢ و ١١٣ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٧ ـ ٥٧٥ ، سنن الدارمي ١ : ٣١٧ ، مسند أحمد ٤ : ١٦١ ، موارد الظمآن : ١٢٢ ـ ٤٣٤ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٠١.

(٢) المجموع ٤ : ٢٢٥ ، الميزان ١ : ١٧٤ ، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ١ : ٦٨ ، المغني ١ : ٧٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٧ و ٢ : ٧.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٦ ـ ١٥١٩ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٥.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٨٧ ، المنتقى ١ : ٢٣٤ ، بلغة السالك ١ : ١٥٤ ، المجموع ٤ : ٢٢٥ ، الميزان ١ : ١٧٤ ، رحمة الأمة ١ : ٦٨ ، المغني ١ : ٧٨٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٧.

(٥) المجموع ٤ : ٢٢٥ ، المغني ١ : ٨٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٧.

(٦) المغني ١ : ٧٨٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٧.

(٧) المغني ١ : ٧٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٦ و ٢ : ٦.

٣٣٩

ب ـ لا فرق في جواز الإعادة في وقت النهي بين أن يكون مع إمام الحي وغيره للعموم ـ خلافا لبعض أصحاب أحمد(١) ـ ولا بين أن يكون قد صلّى وحده أو مع جماعة ، قال أنس : صلّى بنا أبو موسى الغداة في المربد فانتهينا الى المسجد الجامع فأقيمت الصلاة فصلينا مع المغيرة بن شعبة(٢) .

ج ـ إذا أعاد المغرب صلاها ثلاثا لأن القصد المتابعة للإمام ، والمفارقة مكروهة سواء كانت بالزيادة أو النقصان.

وقال الشافعي ، والزهري ، وأحمد : يصلي أربعا ـ وهو مروي عن سعيد بن المسيب ـ لأنها نافلة ولا يشرع التنفل بوتر غير الوتر فكان زيادة ركعة أولى من نقصانها لئلا يفارق إمامه قبل إتمام صلاته(٣) ، وعن حذيفة يصلي ركعتين(٤) .

د ـ إذا أقيمت الصلاة وهو خارج المسجد استحب له الدخول ، وإن كان وقت نهي ، عملا بالعموم ، خلافا لأحمد(٥) .

هـ ـ إذا أعاد الصلاة فالأولى فرضه ـ وبه قال عليعليه‌السلام ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وإسحاق ، والشافعي في الجديد(٦) ـ لقولهعليه‌السلام : ( تكن لكما نافلة )(٧) ولأن الأولى وقعت فريضة فأسقطت الفرض لأنها لا‌

__________________

(١) المغني ١ : ٧٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨٣٦.

(٢) المغني ١ : ٧٨٧ و ٧٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧.

(٣) المجموع ٤ : ٢٢٥ ، المغني ١ : ٧٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧.

(٤) المغني ١ : ٧٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧.

(٥) المغني ١ : ٧٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧.

(٦) المغني ١ : ٧٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧.

(٧) سنن النسائي ٢ : ١١٢ و ١١٣ ، سنن الدارمي ١ : ٣١٧ ، مسند أحمد ٤ : ١٦١ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٠١ ، موارد الظمآن : ١٢٢ ـ ٤٣٤.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512