تذكرة الفقهاء الجزء ٢

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: 512

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 512 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35778 / تحميل: 8621
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

تخصيص الفعل بالإيجاد في وقت دون آخر أو بإيقاعه على وجه دونَ وجه.

ويدلّ على ثبوت الإرادة له - تعالى - بالمعنى المطلق أنّ العالم حادث، فتخصيصُ إيجاده بوقتٍ دونَ ما قبله وما بعده، مع جوازهما، يفتقرُ إلى المخصّص، وليس القدرة، لتساوي نسبتها، ولا العلم لتبعيته، فهو الإرادةُ، ولأنّ تخصيص ما وجد بالإيجاد دونَ غيره من المقدورات يستدعي مخصّصاً هو الإرادةُ.

ويدلّ على إثبات إرادة الفعل منّا أمرُه بالطّاعة، ونهيه عن المعصية، وهما يستلزمان الإرادة والكراهة، خلافاً للأشعريّة الّذين أثبتوا الطلبَ مغايراً للإرادة، لعدم تعقّله، وإلزامُهم بتمهيد عذر السيّد الضّارب عبده للمخالفة إذا أمره مشتركٌ.

المطلب السّادس: في أنّه - تعالى - مُدرِكٌ

اتّفق المسلمون على أنّه - تعالى - سميع بصيرٌ، واختلفوا، فقال أبو الحسين والكعبيّ والأوائل: إنّ معناه علمه بالمسموعات والمبصرات، لاستحالة أن يكونَ هو الإحساسَ بالحواس ولا ما عداه غير العلم، لأنّه غيرُ معقول، وسيأتي أنّه - تعالى - عالم بكلّ معلوم، وللسّمع.

وأثبت الجُبائيّان والأشعريّ والسّيّد المرتضى والخوارزميّ أمراً زائداً على العلم، لأنّ إدراكنا زائدٌ على علمنا؛ للفرق بينَ العلم عندَ المشاهدة وبينه

١٤١

عندَ عدمها. والمقتضي لذلك كونُ المدرك حيّاً، والله - تعالى - حيٌّ، فإدراكه زائد، والمقدّماتُ ضعيفةٌ.

ثمّ استدلّوا على ثبوته بأنّه - تعالى - حيّ، فيصحُّ أن يتّصف بالسّمع والبصر، وكلّ من صحّ اتّصافه بصفة وجب أن يتّصف بها أو بضدّها، وضدّها نقصٌ، وهو على الله - تعالى - مُحال.

والحقّ استنادُ ذلك إلى النّقل، ولا يجبُ صحّةُ اتّصاف الحيّ بالسّمع والبصر، فإنّ أكثرَ الهوامّ والسّمك لا سمعَ لها، والعقربُ والخُلَدُ (1) لا بصرَ لهما. والدّيدان (2) وكثيرٌ من الهوامّ لا سمَ لها ولا بصرَ. فلو لم يمتنع اتّصاف تلك الأنواع بالسّمع والبصر لما خلا جميعُ أشخاصها منهما. (3)

وإذا جاز أن يكونَ بعضُ فصول الأنواع مزيلاً لتلك الصّحة بطلت الكليّة. ولا يجبُ اتّصاف الشّيء بأحد الضّدّين كالشّفاف. نعم يجبُ أن يتصف القابل للصّفة بها أو بعدمها، ونمنع كونَ ضدّهما نقصاً في حقّه تعالى.

والقياسُ باطلٌ، على أنّ حياته - تعالى - مخالفةٌ لحياتنا. ولا يجبُ العموميّةُ، لانتفاء القابليّة، كما أنّ حياتنا مصحّحةٌ للشهوة والنّفرة دونَ حياته تعالى.

____________________

(1) ج: الجراد.

(2) ج: الدّيران.

(3) ج: منها.

١٤٢

المطلب السّابع: في أنّه - تعالى - متكلّمٌ

اتّفق المسلمون على ذلك، لقوله تعالى، ( وَكَلّمَ اللّهُ مُوسَى‏ تَكْلِيماً ) (1) ، ولا دورَ؛ لأنه إثباتٌ لكلامه - تعالى - بإخبار الرّسول المعلوم صدقه بالمعجزة، ولأنّه قادرٌ على كلّ مقدور.

واختلفوا، فعندَ المعتزلة، أنّه خلق في أجسام جماديّة أصواتاً دالّةً على معان مخصوصة، فهو متكلّمٌ بهذا المعنى.

والأشاعرة جوّزوا ذلك، لكن اثبتوا معنىً نفسانيّاً قائماً بذات المتكلّم مغايراً للعلم والإرادة. يدلُّ عليه هذه الحروف والأصواتُ وأنّه قديمٌ في حقّه - تعالى - واحدٌ ليس بأمر ولا نهي ولا خبر؛ لأنّه حيّ يصحّ اتّصافه بالكلام. فلو لم يكن موصوفاً به كان متّصفاً بضدّه، وهو نقصٌ.

ولأنّ أفعاله - تعالى - لمّا جاز عليها التّقدّم والتّأخّرُ أثبتنا الإرادةَ المخصّصةَ، (2) وأفعالُ العباد متردّدةٌ بينَ الحظر والإباحة وغيرهما من الأحكام فلابدّ من مخصّص غير الإرادة، لأنّه قد يأمر بما لا يريدُ وبالعكس، فهو الكلام الّذي هو الطلبُ النّفسانيّ، ولأنّه مَلِك مُطاعٌ، فله الأمرُ والنّهيُ.

اعترضت (3) المعتزلة: بأنّ الاستدلال على الإثبات (4) فرع تصوّر المستدل عليه. وما ذكرتموه غيرُ متصور ويمنع صحة اتّصافه تعالى به،

____________________

(1) النساء: 4/162.

(2) ج: اثبت إرادة مخصوصة.

(3) ألف: اعترض.

(4) ج: إتيان/ ب: إثبات ممنوع وما التزموه.

١٤٣

ويمنع وجوب الاتّصاف بأحدهما وكون الضّدّ نقصاً، بل ثبوته نقصٌ، إذ أمرُ المعدوم ونهيُه وإخباره سفهٌ. والأحكام عقليّةٌ لا سمعيّةٌ فالمُخصّص إمّا الصّفات أو الوجوه والاعتبارات الّتي تقع عليها الأفعال، ويقبح الأمر بما لا يريدُ.

وتمهيدُ العذر في قتل العبد بإيجاد صورةٍ، الأمر، وهو مشترك بين الطلب والإرادة. والمُطاعُ إن عنوا به نفوذَ قدرته في جميع الممكنات فهو حقٌّ، وإن عنوا ما طلبوه منعناه.

المطلب الثّامنُ: في أحكام هذه الصّفات وهي إحدى عشر بحثاً

ألف - ذهب جماعة من المعتزلة والأشاعرة إلى أنّ هذه الصّفات وجوديّةٌ وإلاّ لصحّ حملُها على المعدوم. والملازمةُ ممنوعةٌ، فإنّ كثيراً من العدميّات يمتنعُ حملهُ على المعدوم، وعندَ الأوائل وأبي الحسين أنّها ليست وجوديّةً. وإلاّ لزم تعدّدُ القدماء.

ب - هي نفسُ الذّات في الخارج وإن كانت زائدةً في التّعقّل، وهو اختيارُ الأوائل وأبي الحسين، لما تقدّم، ولأنّ الوجود لو كان زائداً كان ممكناً، لأنّه وصفٌ للماهيّة، فلا يكونُ واجباً، هذا خُلفٌ. ولأنّ مؤثّره إمّا الماهيّةُ لا بشرط الوجود، فالمعدومُ مؤثّر في الموجود أو بشرطه، (1) فيتسلسل (2) أو يدور أو غيرها، فيفتقر إلى الغير.

____________________

(1) ج: لشرطه.

(2) ألف: فتسلسل.

١٤٤

وعندَ جماعة من المعتزلة والأشاعرة أنّها زائدةٌ، للمغايرة بينَ قولنا: واجب الوجود موجودٌ، وبين قولنا: إنّه قادرٌ. وللاستفادة بكلّ منهما، بخلاف قولنا: واجبُ الوجود واجبُ الوجود؛ ولأنّا قد نعلمُ الذّات ونشكّ (1) في الصّفات، وكلّ ذلك يدلٌّ على المغايرة الذّهنيّة.

ج - هذه الصّفات أزليّةٌ وإلاّ لافتقرت إلى مؤثّر، فإن كان ذاته دار، وإن كان غيره افتقر إلى غيره، ولأنّ تأثيره في غيره يستلزم ثبوتها، فهي ثابتة قبل علّتها.

د - هذه الصّفات ذاتيّةٌ عندَ المعتزلة والأوائل، لامتناع استنادها إلى غير ذاته، لما تقدّم، وعندَ الأشعريّة أنّها معلّلةٌ بالمعاني، فهو قادرٌ بقدرة، عالمٌ بعلم، حيّ بحياة، إلى غير ذلك من الصّفات.

قال نفاةُ (الأحوال) منهم إنّ العلمَ نفس العالميّة، والقدرة نفس القادريّة، وهما صفتان زائدتان على الذات وقال مثبتوها: إنّ عالميّته - تعالى - صفةٌ معلّلةٌ بمعنى قائم به، وهو العلم.

هـ - إرادته إمّا نفسُ الدّاعي، كما تقدّم، أو أمرٌ زائدٌ عليه مستندٌ إلى ذاته، كاختيار النّجّار، (2) خلافاً للجمهور. وعند الجبّائيين أنّه مريدٌ بإرادةٍ حادثةٍ لا في محلّ؛ إذ لو كان مريداً لذاته لعمّت إرادته، كالعلم، فيريدُ الضّدّين، أو لإرادةٍ قديمةٍ لزم ثبوتُ القدماء، أو لإرادة حادثة في ذاته كان محلاًّ

____________________

(1) ألف: نشكّل.

(2) ب: كاختيار المختار.

١٤٥

للحوادث، أو في غيره. فإن كان حيّاً رجع حكمها إليه، وإلاّ استحال حلولها فيه، ووجودُ إرادة لا في محلّ غيرُ معقول.

و - خبره - تعالى - صدقٌ، لقبح الكذب عقلاً، فلا يصدر عنه، ولأنّ الكذبَ إن كان قديماً استحال منه الصّدق، والتّالي باطل، للعلم بإمكان صدور الصّدق من العالم بالشّيء. والأخيرُ دليل الأشاعرة ولا يتمّ، لبنائه على أنّ الكلامَ القديمَ هو عين الخبر، وأنّه خبرٌ واحدٌ، ولعدم دلالته على صدق الألفاظ.

ز - قدرته - تعالى - تتعلّقُ بكلّ مقدور، للتّساوي في العلّة الّتي هي الإمكانُ. ومنع الأوائل من صدور اثنين عنه، لأنّه بسيط، ولا يتأتّى في القادر لو صح. ومنع الثّنويّةُ والمجوس من صدور الشّرّ عنه، وإلاّ كان (1) شرّيراً. فعند المجوس فاعلُ الخير يزدانُ وفاعل الشّرّ أهرمن. وعنوا بهما ملكاً وشيطاناً، واللهُ - منزّهٌ عن فعل الخير والشرّ. والمانويّةُ تسند ذلك (2) إلى النّور والظّلمة وكذا الدّيصانيّة.

وعند جميعهم أنّ الخيّر هو الّذي يكون جميع أفعاله خيراً، والشّرّيرَ هو الّذي يكون جميع أفعاله شرّاً. والخيرُ والشّرّ لا يكونان لذاتهما خيراً وشرّاً، بل بالإضافة إلى غيرهما. وإذا أمكن أن يكون شيء واحد بالقياس إلى واحد خيراً وبالقياس إلى غيره شرّاً أمكن أن يكونَ فاعل ذلك الشّيء واحداً.

____________________

(1) ج: لكان.

(2) ج: يستندونهما/ ب: يستند وكذا.

١٤٦

ومنع النّظامُ من قدرته على القبيح، لأنّه محالٌ، لدلالته على الجهل أو الحاجة. والاستحالة من جهة الدّاعي، لا من حيث القدرة.

ومنع عَبّاد من قدرته على ما علم وقوعه أو عدمه لوجوبه أو امتناعه وهو ينفي القدرة، والعلمُ تابعٌ.

ومنع البلخيُّ من قدرته على مثل مقدور العبد؛ لأنه إمّا طاعةٌ أو سفهٌ، وهما وصفان لا يقتضيان المخالفة الذّاتيّة.

ومنع الجُبائيّان من قدرته على عين مقدور العبد، لامتناع اجتماع قدرتين على مقدور واحد؛ لأنّه إن وقع بهما استغنى بكلّ منهما عن الآخر، وإن لم يقع بهما كان المانعُ هو وقوعه بالآخر، فيقع بهما حال ما لا يقعُ بهما وإن وقع بأحدهما لم يكن الآخر قادراً، والأخيرة ممنوعةٌ.

ح - علمُه - تعالى - متعلّقٌ بكلّ معلوم، لأنّه حيّ، فيصحّ أن يعلم كلّ معلوم. فلو اختصّ تعلقه بالبعض افتقر إلى مخصّص، وهو محال ولأنّه يصحُّ أن يعلم كلّ معلوم، فيجب، لأنّها صفةٌ نفسيّةٌ متى صحّت وجبت.

وبيانُ المقدّم، أنّه حيٌّ، وهو يصحّ أن يعلم كلّ معلوم، لأنّ الحيّ هو الّذي لا يستحيل أن يعلم. ونسبةُ الصّحّة إلى الكلّ واحدةٌ.

وبعض الأوائل منع من علمه بذاته، لأنّه إضافةٌ فيستدعي المغايرة. وينتقضُ بعلمنا بأنفسنا.

ومنهم من منع علمه بغيره، لاستحالة حلول صور في ذاته. ويُنتقضُ

١٤٧

بعلم الواحد بنفسه، ولأنّه إضافةٌ، لا صورةٌ، ولأنّ الصّدور (1) عنه أبلغ في الحصول من الصّورة المنتزعة الصّادرة عن العاقل لمشاركة المعقول، ثم تلك الصّورة تعلمُ بذاتها، فهنا أولى.

ومنهم من منع من علمه بالجزئيّات من حيث هي متغيّرةٌ إلاّ على وجه كلّيّ، فلا يعلم أنّ المتغيّر وقع أو سيقع؛ لأنّه عند عدمه إن بقى العلمُ لزم الجهل، وإلاّ كان متغيّراً.

وأجاب بعضهم بأنّ العلم بأنّ الشّيء سيوجد هو غير العلم بالوجود حينَ الوجود.

وهو غلطٌ، لاستدعاء العلم المطابقةَ، بل الحقُّ أنّ التّغيّرَ في الإضافات كتغيّر المقدور المستلزم تغيّر إضافة القدرة، لا القدرة.

ط - وجوبُ وجوده لذاته يقتضي امتناعَ عدمه في وقتٍ مّا. فهو قديمٌ أزليّ باقٍ سرمديٌّ. وبقاؤه لذاته لا لبقاء يقوم به، خلافاً للأشعريّ، وإلاّ افتقر في وجوده إلى غيره، هذا خُلفٌ. ولأنّ بقاءه باق فيتسلسل أو يدور إن بقى بالغير أو بالذّات، وإن بقى لذاته كان أولى بالذّاتيّة.

والتّحقيق أنّ البقاء يراد به امتناع خروج الذّات الثّابتة عن ثبوتها (2) ومفارقة الوجود لأكثر من زمان واحد بعدَ الزّمان الأوّل، والأوّل ثابتٌ في حقّه تعالى، لا زائدَ عليها. والثّاني منتفٍ، (3) لأنّه لا يعقلُ فيما لا يكونُ فانياً. (4)

____________________

(1) ج: المصدور.

(2) ج: ثباتها.

(3) ب: مفتقرٌ.

(4) ب، ج: زمانياً.

١٤٨

كما أنّ الحكم بأنّ الكلّ أعظم من الجزء لا يمكن وقوعه في زمان أو في جميع الأزمنة، كما لا يقال إنّه واقعٌ في مكان أو في جميع الأمكنة. وهو بناءً على أنّ التّغيّر يستدعي الزّمان.

ي - قدرتُه، علمه؛ وإرادته كافيةٌ في الإيجاد، لوجوبه عند اجتماعهما، خلافاً لبعض الحنفيّة، حيث أثبتوا التّكوين صفة أزليّة لله تعالى. والمكوّن محدث، لقوله تعالى: ( إِنّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (1) فـ (كن) متقدّمٌ على (الكون)، وهو المسمّى بالأمر، والكلمة والتّكوين والاختراع والإيجاد والخلق، ولأنّ القدرة مؤثّرةٌ في صحّة وجود المقدور، والتّكوين مؤثّر في نفس وجوده.

وهو غلطٌ، لأنّ التّكوين إن كان قديماً لزم قدم الأثر، لأنّه نسبةٌ، وإن كان محدثاً تسلسل. وقوله (كن) لا يدلّ على إثبات صفة زائدة على القدرة، والقدرةُ لا تأثيرَ لها في صحّة الوجود، لأنّها ذاتيّةٌ للممكن.

يا - أثبت الأشعري (اليد) صفةً وراء القدرة، و(الوجه) صفةً وراء الوجود، و(الاستواء) صفةً أُخرى. وأثبت القاضي (2) إدراكَ الشّمّ والذّوق واللّمس ثلاثَ صفاتٍ. وأثبت عبد الله بن سعيد (القدم) صفةً مغايرةً للبقاء، و

____________________

(1) يس: 36/82.

(2) هو أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد المعروف بقاضي القضاة، من أئمة المعتزلة، له مصنّفات منها: شرح الأُصول الخمسة، تنزيه القرآن من المطاعن، المغني، مات سنة 415هـ. الأعلام: 3/273.

١٤٩

(الرّحمة) و(الكرم) و(الرّضا) صفاتٍ غيرَ الإرادة. ولا دليل على شيء من ذلك.

وجزم آخرون بنفي ما زاد على السّبعة، لأنّا كلّفنا بالمعرفة، وإنّما تحصل بمعرفة الصّفات، فلابُدّ من طريق، وليس إلاّ الاستدلال بالآثار والتّنزيه عن النّقصان، وإنّما يدلاّن على السّبعة، ونمنع من التّكليف بكمال المعرفة.

١٥٠

الفصل الثّاني

في الصّفات السّلبيّة

وفيه مطالبُ [اثنا عشر]:

[المطلب] الأوّل: في أنّه - تعالى - ليس بمتحيّز

اتّفق العقلاء عليه، خلافاً للمجسّمة، لأنّ كلّ متحيّز لا ينفكّ عن الحركة أو السّكون، فيكون مُحدَثاً، ولأنّه حينئذ إمّا جسمٌ فيكون مركّباً فيكون حادثاً أو جزءاً لا يتجزّأ، وهو غير معقول، لامتناع اتّصاف مثل ذلك بالقدرة والعلم غير المتناهيين، ولأنّه لو كان جسماً لكان مركّباً. فالعلمُ الحاصل لأحد الجزأين ليس هو الحاصل للآخر، فيتعدد الآلهةُ. والظواهر متأوّلةٌ، وعجزُ الوهم لا يعارضُ القطع العقليّ.

المطلب الثّاني: في أنّه - تعالى - لا يحلّ في غيره

المعقول من الحلول قيامُ موجود بموجود آخر على سبيل التّبعيّة بشرط امتناع قيامه بذاته. وهو محالٌ في حقّ واجب الوجود، ولقضاء العقل بأنّ الغنيّ عن المحلّ يستحيلُ حلوله فيه. فإن كان حالاًّ في الأزل لزم قدم المحلّ، وإن لم يكن تجدّدت الحاجة، ولأنّ حلول الشّيء في غيره إنّما

١٥١

يتصوّر لو كان الحالُّ إنّما يتعيّنُ بواسطة المحلّ، وواجب الوجود لا يتعيّنُ بغيره.

وعندَ بعض النّصارى، أنّه - تعالى - حالٌّ في المسيح. وعند الصّوفيّة أنّه - تعالى - حالٌّ في (1) العارفين. والكلّ محالٌّ، فهو إذن ليس بعرض ولا صورة، لافتقارهما إلى المحلّ.

المطلب الثّالث: في أنّه - تعالى - مخالفٌ لغيره لذاته

ذهب أبو هاشم إلى أنّ ذاته - تعالى - مساويةٌ لسائر الذّوات في الذّاتيّة، ويخالفها بحالة توجبُ الأحوال الأربعة، أعني الحييّة والعالميّة والقادريّة والموجوديّة. وهي الحالة الإلهيّة لأنّ مفهومَ الذّات هو ما يصحّ أن يعلم ويُخبر عنه. وهو غلطٌ؛ لأنّ هذا المفهوم (2) أمرٌ اعتباريٌّ ليس نفسَ الحقائق الثّابتة في الأعيان، بل من المعقولات الثّانية.

ولا يمكن تساوي كلّ الذّوات، لأنّ اختصاصَ بعضها بما يوجب المخالفة إن لم يكن لمرجّح كان ترجيحاً لأحد طرفي الممكن، لا لمرجّح، وإلاّ تسلسل.

____________________

(1) ج: حالٌّ في الأبدان العارفين.

(2) ج: هذا المفهوم ليس أمر اعتباري.

١٥٢

المطلب الرّابع: في أنّه - تعالى - غيرُ مركّب

كلُّ مركّب ممكنٌ، لأنّه يفتقرُ (1) إلى جزئه، وجزؤه غيره، وكلّ مفتقرٍ ممكنٌ، وواجبُ الوجود ليس بممكن، فليس له أجزاءُ ماهيّة، أعني المادّة والصّورة، ولا عقليّة، أعني الجنس والفصل، ولا مقداريّة؛ ولا يتركّب عنه غيره، فليس جنساً ولا فصلاً ولا نوعاً يندرج تحته أفرادٌ، ولا يتركّب عنه غيره، إذ يستحيل أن ينفعل عن غيره.

المطلب الخامس: في أنّه - تعالى - لا يتحدُ بغيره

اتفق العقلاء من المتكلّمين والحكماء إلى (2) امتناع الاتّحاد، إلاّ فرفوريوس والرّئيس في بعض كتبه، لأنّ الشّيئين بعدَ الاتّحاد إن بقيا موجودين فهما اثنان لا واحدٌ، وإن عُدما فلا اتّحادَ، بل حدث ثالثٌ، وإن عُدم أحدهما لم يتّحد المعدوم بالموجود. وهذا حكمٌ عامٌّ في كلّ الماهيّات. نعم قد يقال: الاتّحادُ بالمجاز على صيرورة شيء شيئاً آخر بأن يخلعُ صورته ويلبس الأخرى، كما يقال: صار الماء هواءً؛ أو بأن يحدث للأجزاء مزاج (3) وهيئة زائدة على الآخر كما يقال: صار العفصُ والزّاجُ حِبراً، وهو منفيٌّ (4) عن واجب الوجود - تعالى -؛ لاستحالة خروجه عن

____________________

(1) ج: مفتقر.

(2) ج: على.

(3) ب، ج: امتزاجاً.

(4) ج: منتفٍ.

١٥٣

حقيقته وعدم أمر زائد عليها وامتناع تركّبه من غيره أو معه.

وقالت النّصارى باتّحاد الأقانيم الثّلاثة: الأب والابن وروح القدس، واتّحد ناسوتُ المسيح باللاّهوت.

والصّوفيّةُ قالوا: أنّه - تعالى - يتّحدُ بالعارفين. والكلُّ غيرُ معقول.

المطلب السادس: في أنّه - تعالى - ليس في جهة

اتفق العقلاء عليه إلاّ المجسّمة والكرّاميّة، لأنّه ليس بمتحيّز ولا حالّ في المتحيّز، فلا يكون في جهة بالضّرورة، ولأنّ الكائن في الجهة لا ينفكّ عن الأكوان بالضّرورة، فيكون مُحدَثاً، وواجبُ الوجود ليس بمُحدَث؛ ولأنّ مكانه مساو لسائر الأمكنة، فاختصاصه به ترجيحٌ عن غير مرجّح، ويلزمُ قِدَم المكان أو حلول المجرّد في مكان بعدَ إن لم يكن. وهو غير معقول.

وأصحابُ أبي عبد الله ابن الكرّام ذهب بعضهم إلى أنّه في جهةٍ فوق العرش لا نهاية لها، والبُعد بينه وبينَ العرش غيرُ متناه أيضاً. وقال بعضهم متناهٍ. والكلّ خطأٌ، لما تقدّم، ولأنّ العالم كرةٌ.

المطلب السابع: في استحالة الألم واللذّة عليه تعالى

اتفق العقلاء على استحالة الألم عليه، لأنّه إدراك منافٍ، ولا منافي له تعالى. أمّا اللذّةُ فقد اتفق المسلمون على استحالتها عليه، لأنّ اللذة والألمَ

١٥٤

من توابع اعتدال المزاج وتنافره، ولا مزاجَ له - تعالى -، ولأنّ اللّذّة إن كانت قديمةً وهي داعيةٌ إلى فعل الملتذّ به وجب وجوده قبل وجوده لوجود الدّاعي وانتفاء المانع، وإن كانت حادثةً كان محلاًّ للحوادث. وفيه نظرٌ، لجواز اتّحاد داعي اللذّة والإيجاد.

والأوائل أثبتوا له لذّةً عقليّةً لا بفعله، بل باعتبار علمه بكماله، فإنّ كلّ من تصوّر في نفسه كمالاً ابتهج، كما أنّ من تصوّر نقصاناً في نفسه تألّمَ. ولمّا كان كماله - تعالى - أعظمَ الكمالات، وعلمه بكماله أتمّ العلوم استلزم ذلك أعظمَ اللّذات.

والصّغرى ممنوعةٌ والقياسُ على الشّاهد ضعيفٌ، والإجماع ينفيه.

تذنيبٌ

يستحيل اتّصافه بكلّ كيفيّة مشروطة بالوضع، كالألوان والطّعوم والرّوائح وغيرها في (1) الأعراض، لامتناع انفعاله تعالى.

المطلب الثّامن: في أنّه - تعالى - ليس محلاًّ للحوادث

اتّفق الأكثرُ عليه، خلافاً للكرّاميّة، لامتناع انفعاله في ذاته، فيمتنع التّغيّرُ عليه، ولأنّ الحادث إن كان صفةَ كمال استحال خلوّه عنها أزلاً، (2) وإلاّ

____________________

(1) ج، ب: من.

(2) ب: أوّلاً.

١٥٥

استحال اتّصافُه بها، ولأنّه لو صحّ اتّصافُه به كانت تلك الصّحّةُ لازمةً لذاته، لاستحالة عروضها، (1) وإلاّ تسلسل، فتكونُ أزليّةً. وصحّةُ الاتّصاف بالحادث تستدعي صحّة وجود الحادث أزلاً، (2) وهو محالٌ.

المطلب التاسع: في أنّه - تعالى - غنيُّ

هذا من أظهر المطالب، لأنّه واجب من جميع الجهات، وكلّ ما عداه ممكنٌ محتاجٌ إليه، فلا يُعقل احتياجُه - تعالى - إلى غيره، ولأنّ ذاتَه واجبةٌ، وصفاته نفسُ حقيقته، فيستغني في ذاته وصفاته، ولأنّه - تعالى - ليس محلاًّ للحوادث، وغيره حادثٌ، والإضافات ليست وجوديّةً.

المطلب العاشر: في أنّه غيرُ معلوم للبشر

هذا مذهبُ ضرار والغزاليّ (3) وجميع الأوائل، لأنّ المعلوم منه - تعالى - ليس إلاّ السّلوبَ، مثلُ أنّه ليس بجسم ولا عرض، أو الإضافات مثل أنّه قادرٌ عالمٌ خالقٌ رازقٌ. والحقيقةُ مغايرةٌ لذلك بالضّرورة. وعندَ جماهير المعتزلة والأشاعرة، أنّه - تعالى - معلومٌ، لأنّ وجوده معلوم، وهو نفس حقيقته، ونمنع الصّغرى.

____________________

(1) ج: عدمها.

(2) ب: أوّلاً.

(3) هو أبو حامد محمد بن محمد المعروف بالغزالي، المتوفّى 505هـ.

١٥٦

المطلب الحادي عشر: في استحالة الرّؤية عليه تعالى

الأشاعرة خالفوا جميعَ الفرق في ذلك.

أمّا المعتزلةُ والفلاسفة فظاهرٌ.

وأمّا المجسّمة، فلأنّه لو كان مجرّداً لاستحال رؤيته عندهم.

واتفق العقلاء إلاّ المجسّمة على انتفاء الرّؤية، بسبب الانطباع أو الشّعاع، عنه - تعالى -.

والأشاعرةُ قالوا، إنّا نفرقُ بينَ علمنا حالةَ فتح العين وتغميضها، وليس بالانطباع ولا الشّعاع، فهو راجعٌ إلى حالةٍ أُخرى ثابتةٍ في حقّه تعالى.

والضّرورةُ قاضيةٌ ببطلانه، لانتفاء الجهة، وكلّ مرئيّ (1) مقابلٌ أو في حكمه، ولأنّه لو كان مرئيّاً لرأيناه الآن، لانتفاء الموانع ووجود الشّرائط، إذ ليست هنا إلاّ صحّة كونه مرئيّاً وسلامة الحاسّة، ولقوله تعالى: ( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ) (2) تمدّح به، لتخلّله بين مدحين، فإثباته نقصٌ، وهو مُحالٌ عليه تعالى، ولقوله: ( لَنْ تَرَانِي ) (3) و(لن) لنفي الأبد، وإذا انتفت في حقّ موسى (عليه السلام) فكذا غيره.

____________________

(1) ألف: كل مراى.

(2) الأنعام: 6/103.

(3) الأعراف: 7/143.

١٥٧

احتجّوا بأنّ الجوهرَ والعرضَ مرئيّان، والحكمَ المشترك لابُدّ له من علّة مشتركة، وليس إلاّ الوجود والحدوث، والأخير لا يصلحُ للعلّيّة، لأنّ جزءه عدميّ، ولقوله تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نّاضِرَةٌ * إِلَى‏ رَبّهَا نَاظِرَةٌ ) (1) ولأنّه - تعالى - علّقها على استقرار الجبل الممكن، لأنّه جسمٌ ولأنّ موسى (عليه السلام) سألها.

والجوابُ: وجودُه - تعالى - حقيقته، وهو مخالفٌ لوجودنا، فلا يجب تساويهما في الأحكام. ونمنعُ احتياج صحّة الرّؤية إلى علّة، إذ لو وجب تعليل كلّ حكمٍ تسلسل، ولأنّها عدميّةٌ، ونمنعُ تساوي صحّة رؤية الجوهر وصحّة رؤية العرض، ويجوز تعليل المشترك بعلّتين مختلفتين، ونمنع الحصرَ بوجود الإمكان، فيجوزُ أن يكونَ علّةً لإمكان الرؤية وإن كان عدميّاً.

والحدوث هو الوجودُ المسبوق، ولا يلزمُ من وجود العلّة وجود المعلول، لجواز التّوقّف على شرط أو حصول مانع. و(إلى) واحدُ (الآلاء)، أو أنّ فيها إضماراً، تقديره: (إلى نِعَم ربّها) والتّعليق على الاستقرار حالةَ الحركة، وهو محال، والسّؤالُ وقع لقوم موسى، لقوله تعالى: ( فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى‏ أَكْبَرَ مِن ذلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً ) (2) .

____________________

(1) القيامة: 75/22 - 23.

(2) النساء: 4/53.

١٥٨

المطلب الثاني عشر: في أنّه - تعالى - واحدٌ

لو كان في الوجود واجبا الوجودِ لكانا مشتركين في هذا المعنى، فإمّا أن يكونَ ذاتياً لهما، أو لأحدهما، أو عارضاً لهما. والأوّلُ يستلزم تركّبَ كلّ منهما، فيكون ممكناً. والثّاني والثالث يستلزم كلّ منهما أن لا يكونَ معروضه في ذاته واجباً.

ولا يجوز أن يكونَ الواجبُ لذاته هو المعنى المشترك خاصّةً، إذ لا وجودَ له في الخارج إلاّ مخصّصاً.

ولا يجوز أن يكونَ المخصّص سلبيّاً، فإنّ سلبَ الغير لا يتحصّلُ إلاّ بعدَ حصول الغير؛ ولأنّ المخالفةَ ممكنةٌ، لأنّ كلّ واحد منهما قادرٌ على جميع المقدورات، فيصحّ أن يقصد أحدهما إلى ضدّ ما قصد (1) الآخرُ، فإن حصل المُرادان، اجتمع الضّدّان، وهو محال، وان عدما كان المانع من مُراد كلّ منهما وجودَ مراد الآخر، فيلزمُ وجودهما وإن وُجِدَ أحدهما فهو الإله؛ وللسّمع.

وقالت الثّنويّةُ بقدم النّور والظلمة وكلّ خير في العالم فمن النّور، وكلّ شر فمن الظلمة، وكلٌّ منهما لا نهايةَ له في الجهات الخمس. والنّورُ حيٌّ عالمٌ والظلمةُ حيّةٌ جاهلةٌ. وسببُ حدوث العالم اختلاط أجزاء من النّور

____________________

(1) ب، ج: قصده.

١٥٩

بأجزاء من الظلمة. وأراد النّورُ الأعظم استخلاصَ تلك الأجزاء من الظلمة. فلم يمكنه إلاّ بخلق هذا العالم وخلق الأجسام النّيّرة فيه، بحيث تستخلصُ بنورها تلك الأجزاء النّورانيّة من الظلمة. فإذا خلصت فنى (1) العالم.

وهذا الكلامُ كلّه خطأ، فإنّ النّورَ عرضٌ لا يقومُ بذاته، والظلمةَ عدميّةٌ، وعدمُ التّناهي مُحالٌ، لما تقدّم.

وقال المجوسُ: إنّ للعالم صانعاً قادراً عالماً حيّاً حكيماً، سمّوه يزدان، وكلّ خير في العالم منه، وأنّه أفكر (2) لو كان لي ضدٌّ في الملك كيف تكونُ حالي معه، فحدث الشّيطانُ من تلك الفكرة، وكلّ شرّ في العالم منه، واسمه اهرمن. وبعضهم قال بقدم الشّيطان وهو ظاهر الفساد أيضاً.

وقالت النّصارى: الباري - تعالى - جوهرٌ واحدٌ ثلاثة أقانيم، أقنوم الأب وهو وجوده، وأُقنومُ الابن وهو علمه، واقنومُ روح القدس، وهو حياته.

فإن أرادوا الصّفات فلا منازعةَ إلاّ في اللّفظ، وإلاّ فهو خطأ، لما تقدّم.

____________________

(1) ج: نفى.

(2) ج: فكر.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

أتان(١) ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي بالناس بمنى الى غير جدار(٢) .

ولأنه محل المشاعر ، والمناسك.

ح ـ وليست السترة شرطا ، ولا واجبة بالإجماع ، لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أتى نادي العباس فصلّى الى غير سترة(٣) ، وللأصل.

ط ـ سترة الإمام سترة لمن خلفه إجماعا ، لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى إلى سترة ولم يأمر أصحابه بنصب سترة أخرى(٤) .

ى ـ لو كانت السترة مغصوبة لم يأت بالمأمور به شرعا.

مسألة ٩٠ : الفريضة في المسجد أفضل‌ إجماعا لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واظب على ذلك وحثّ عليه(٥) ، وقال عليعليه‌السلام : « صلاة في البيت المقدس بألف صلاة ، وصلاة في المسجد الأعظم بمائة صلاة ، وصلاة في مسجد القبيلة بخمس وعشرين صلاة ، وصلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة صلاة ، وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة »(٦) . ولأنه موضع العبادة ، وموضوع لها فكان فعلها فيه أولى ، وأمّا النافلة فإنها في المنزل أفضل ، خصوصا نافلة الليل ، لأن العبادة في السر أبلغ في الإخلاص ، وقالعليه‌السلام : ( أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) وجاء رجال يصلّون بصلاتهعليه‌السلام فخرج مغضبا ، وأمرهم أن يصلّوا النوافل‌

__________________

(١) الأتان بالفتح : الأنثى من الحمير. مجمع البحرين ٦ : ١٩٧ « أتن ».

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٣٢ ، صحيح مسلم ١ : ٣٦١ ـ ٥٠٤ ، سنن أبي داود ١ : ١٩٠ ـ ٧١٥ ، الموطأ ١ : ١٥٥ ـ ٣٨.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٩١ ـ ٧١٨ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٦٩ ـ ٩.

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٨٨ ـ ٧٠٨.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٥ ـ ٨٧ وانظر صحيح مسلم ١ : ٤٥٢ ـ ٦٥٣ و ٤٥٩ ـ ٦٤٩.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٢ ـ ٧٠٣ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ ـ ٦٩٨ ، ثواب الأعمال : ٥١ ـ ١ ، المحاسن : ٥٥ ـ ٨٤ و ٥٧ ـ ٨٩ ـ ٩١.

٤٢١

في بيوتهم(١) .

البحث الثاني : في المساجد‌

مسألة ٩١ : يستحب اتخاذ المساجد‌ ، لقوله تعالى( إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (٢) الآية ، وقال الصادقعليه‌السلام : « من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنّة »(٣) .

ولا يجوز اتخاذها في المواضع المغصوبة ، ولا في الطرق المسلوكة المضرة بالمارة ، ولا بأس بوضعه على بئر الغائط إذا طم وانقطعت رائحته لزوال المانع ، ولقول الباقرعليه‌السلام وقد سئل عن المكان يكون حشّا ، ثم ينظف ويجعل مسجدا قال : « يطرح عليه من التراب حتى يواريه فهو أطهر »(٤) ومنع أحمد من الصلاة على سطح الحش(٥) .

ولو كانت الأرض نجسة فطيّنها بطين طاهر ، أو بسط عليها شيئا طاهرا صحّت الصلاة ـ وبه قال طاوس ، ومالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وإسحاق(٦) ـ وعن أحمد روايتان ، للعموم(٧) ، واحتج أحمد بأنها مدفن النجاسة أشبهت المقبرة(٨) ، وهو ممنوع.

ولا يجوز تطيين المسجد بطين نجس ، ولا تطبيقه بطوابيق نجسة ، ولا‌

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٥٣٩ ـ ٧٨١ ، سنن النسائي ٣ : ١٩٨.

(٢) التوبة : ١٨.

(٣) المحاسن : ٥٥ ـ ٨٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٨ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ ـ ٧٢٧ ، الإستبصار ١ : ٤٤١ ـ ١٧٠١.

(٥) المغني ١ : ٧٥٦ ، الشرح الكبير ١ : ٥١٥.

(٦) المجموع ٣ : ١٥٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٩ ، المغني ١ : ٧٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٥١٠.

(٧) المغني ١ : ٧٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٥١٠.

(٨) المغني ١ : ٧٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٥١٠.

٤٢٢

بناؤه بلبن نجس أو آجر نجس للمنع من إدخال النجاسة إليها.

مسألة ٩٢ : يستحب اتخاذها جمّا ، ويكره أن تكون مشرفة‌ لأن علياعليه‌السلام رأى مسجدا قد شرّف فقال : « كأنه بيعة » وقال : « إن المساجد تبنى جمّا »(١) .

ويكره أن تكون مظلّلة ، قال الحلبي : سألته عن المساجد المظلّلة يكره القيام فيها؟ قال : « نعم ، ولكن لا يضرّكم الصلاة فيها اليوم ، ولو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك »(٢) .

ويكره اتخاذ المحاريب فيها ، لأن علياعليه‌السلام كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد ويقول : « كأنها مذابح اليهود »(٣) .

وينبغي وضع الميضاة على أبوابها لا داخلها لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( جنّبوا مساجدكم صبيانكم ، ومجانينكم ، وشراءكم وبيعكم ، واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم )(٤) .

وينبغي وضع المنارة مع حائطها لا في وسطها ، ولا ترفع عليه ، لأن علياعليه‌السلام مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها ثم قال : « لا ترفع المنارة إلاّ مع سطح المسجد »(٥) ، ولئلاّ يشرف المؤذن على الجيران.

مسألة ٩٣ : والإتيان إلى المساجد مستحب‌ ، مندوب إليه ، مرغّب فيه ، إذ القصد بالعمارة إيقاع العبادة فيها ، واجتماع الناس في‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٣ ـ ٧٠٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ ـ ٦٩٧ ، علل الشرائع : ٣٢٠ باب ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٨ ـ ٤ ، الفقيه ١ : ١٥٢ ـ ٧٠٦ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ ـ ٦٩٥.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٣ ـ ٧٠٨ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ ـ ٦٩٦ ، علل الشرائع : ٣٢٠ باب ٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٥٤ ـ ٧٠٢. وانظر سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٧ ـ ٧٥٠.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٥ ـ ٧٢٣ ، التهذيب ٣ : ٢٥٦ ـ ٧١٠.

٤٢٣

الصلوات ، قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « من اختلف الى المسجد أصاب إحدى الثمان : أخا مستفادا في الله ، أو علما مستطرفا ، أو آية محكمة ، أو يسمع كلمة تدلّه على الهدى ، أو رحمة منتظرة ، أو كلمة ترده عن ردى ، أو يترك ذنبا خشية أو حياء »(١) وقال الصادقعليه‌السلام : « من مشى الى المسجد لم يضع رجله على رطب ولا يابس إلاّ سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة »(٢) .

ويشتد الاستحباب في المساجد المعظّمة كمسجد الكوفة ، وقال الصادقعليه‌السلام : « يا هارون بن خارجة كم بينك وبين مسجد الكوفة ، يكون ميلا؟ » قلت : لا ، قال : « أفتصلّي فيه الصلوات كلّها؟ » قلت : لا فقال : « أمّا أنا لو كنت حاضرا بحضرته لرجوت أن لا تفوتني فيه صلاة ، وتدري ما فضل ذلك الموضع؟ ما من عبد صالح ، ولا نبي إلاّ وقد صلّى في مسجدكم ، حتى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أسرى الله به ، قال له جبرئيلعليه‌السلام : أتدري أين أنت يا رسول الله الساعة؟ أنت مقابل مسجد كوفان ، قال : فاستأذن لي ربي عزّ وجلّ حتى آتيه فأصلّي فيه ركعتين فاستأذن له ، وأنّ ميمنته لروضة من رياض الجنة ، وأن وسطه لروضة من رياض الجنّة ، وأن مؤخره لروضة من رياض الجنّة ، وأن الصلاة المكتوبة فيه لتعدل بألف صلاة ، وأن النافلة فيه لتعدل بخمسمائة صلاة ، وأن الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر لعبادة ، ولو علم الناس ما فيه لأتوه ولو حبوا »(٣) .

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٣ ـ ٧١٤ ، التهذيب ٣ : ٢٤٨ ـ ٦٨١ ، ثواب الأعمال : ٤٦ ـ ١ ، الخصال : ٤٠٩ ـ ١٠ ، أمالي الطوسي ٢ : ٤٦ ـ ٤٧ ، أمالي الصدوق : ٣١٨ ـ ١٦.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٢ ـ ٧٠٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٥ ـ ٧٠٦ ، ثواب الأعمال : ٤٦ ـ ١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٩٠ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٠ ـ ٦٨٨ ، أمالي الصدوق : ٣١٥ ـ ٤ ، المحاسن : ٥٦ ـ ٨٦ ، كامل الزيارات : ٢٨ ـ ٦ ، أمالي الطوسي ٢ : ٤٣.

٤٢٤

وجاء علي بن الحسينعليهما‌السلام إلى مسجد الكوفة عمدا من المدينة فصلّى فيه ركعتين ثم عاد حتى ركب راحلته وأخذ الطريق(١) . وقال الصادقعليه‌السلام : « جاء رجل الى أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو في مسجد الكوفة فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، فردّعليه‌السلام ، فقال : جعلت فداك إني أردت المسجد الأقصى فأردت أن أسلّم عليك وأودعك ، فقال له : فأي شي‌ء أردت بذلك؟ فقال : الفضل جعلت فداك ، قال : فبع راحلتك ، وكل زادك ، وصلّ في هذا المسجد فإن الصلاة المكتوبة فيه حجة مبرورة والنافلة عمرة مبرورة ، والبركة منه على اثني عشر ميلا ، يمينه يمن ، ويساره مكر ، وفي وسطه عين من دهن وعين من لبن ، وعين من ماء شراب للمؤمنين ، وعين من ماء طهر للمؤمنين ، منه سارت سفينة نوحعليه‌السلام ، وكان فيه نسر ، ويغوث ، ويعوق ، صلّى فيه سبعون نبيا ، وسبعون وصيّا أنا أحدهم ، وقال بيده على صدره : ما دعا فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلاّ أجابه الله وفرج عنه كربته »(٢) .

وكذا يستحب قصد مسجد السهلة ، قال الصادقعليه‌السلام وذكر مسجد السهلة ، فقال : « أما أنه منزل صاحبنا إذا قام بأهله »(٣) وقال الصادقعليه‌السلام : « بالكوفة مسجد يقال له : مسجد السهلة ، لو أن عمّي زيد أتاه فصلّى فيه واستجار الله لأجار له الله عشرين سنة ، فيه مناخ الراكب بيت إدريس النبيّعليه‌السلام ، وما أتاه مكروب قط فصلّى ما بين العشاءين فدعا الله عزّ وجلّ إلاّ فرج الله كربته »(٤) .

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٢ ـ ٥٩.

(٢) الكافي ٣ : ٤٩١ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥١ ـ ٦٨٩ ، كامل الزيارات : ٣٢ ـ ١٨.

(٣) الكافي ٣ : ٤٩٥ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٢ ـ ٦٩٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٩٥ ـ ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٥٢ ـ ٦٩٣.

٤٢٥

وقال الباقرعليه‌السلام : « بالكوفة مساجد ملعونة ، ومساجد مباركة ، فأما المباركة فمسجد غنى ، والله إن قبلته لقاسطة ، وإن طينته لطيبة ، ولقد وضعه رجل مؤمن ، ولا تذهب الدنيا حتى تنفجر عنده عينان ، وتكون عليه جنتان ، وأهله ملعونون ، وهو مسلوب منهم. ومسجد بني ظفر ـ وهو مسجد السهلة ـ ومسجد الحمراء ، ومسجد جعفي ، وليس هو مسجدهم اليوم ، قال : درس ، وأما المساجد الملعونة : فمسجد ثقيف ، ومسجد الأشعث ، ومسجد جرير ومسجد سماك ، ومسجد الحمراء بني على قبر فرعون من الفراعنة »(١) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « جددت أربعة مساجد بالكوفة فرحا بقتل الحسينعليه‌السلام : مسجد الأشعث ، ومسجد جرير ، ومسجد سماك ، ومسجد شبث بن ربعي »(٢) .

ويكره للنساء الإتيان إلى المساجد لما فيه من التبرج المنهي عنه ، قال الصادقعليه‌السلام : « خير مساجد نسائكم البيوت »(٣) ويكره تمكين الصبيان والمجانين من الدخول إليها لعدم انفكاكهم من النجاسة ، ولما تقدم في الحديث(٤) .

مسألة ٩٤ : ويستحب للداخل أن يقدم رجله اليمنى دخولا ، واليسرى خروجا‌ لأن اليمنى أشرف. ويتعاهد نعله عند الدخول تنزيها لها عن الأقذار ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم ) ونهى أن ينتعل الرجل وهو قائم(٥) وخلع نعله يوما فخلع الصحابة فقال :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٨٩ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٩ ـ ٦٨٥ ، الخصال : ٣٠٠ ـ ٧٥.

(٢) الكافي ٣ : ٤٩٠ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٠ ـ ٦٨٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٤ ـ ٧١٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ـ ٦٩٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٥٤ ـ ٧٠٢ وانظر سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٧ ـ ٧٥٠ ، وتقدم في المسألة ٩٢.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ـ ٧٠٩ وكنز العمال ٧ : ٦٦٣ ـ ٢٠٧٩٩ ( نقلا عن الطبراني في الكبير )

٤٢٦

( إن أخي جبرئيل أخبرني أنها قذرة )(١) .

ويستحب الطهارة ، والدعاء دخولا ، وخروجا ، قال الباقرعليه‌السلام : « إذا دخلت المسجد وأنت تريد أن تجلس فلا تدخله إلاّ طاهرا ، وإذا دخلته فاستقبل القبلة ، ثم ادع الله واسأله ، وسمّ حين تدخله ، واحمد الله وصلّ على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٢) قال سماعة : إذا دخلت المسجد فقل : بسم الله ، والسلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصلاة ملائكته على محمد وآل محمد ، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته ، رب اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب فضلك. وإذا خرجت فقل مثل ذلك(٣) .

ويستحب تلاوة القرآن في المساجد ، والمداومة عليه ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من كان القرآن حديثه ، والمسجد بيته ، بنى الله له بيتا في الجنّة )(٤) .

وينبغي لمن أكل شيئا من المؤذيات ـ كالثوم ، والبصل ـ تجنّب المساجد لئلاّ يؤذي غيره برائحته ، قال عليعليه‌السلام : « من أكل شيئا من المؤذيات فلا يقربن المسجد »(٥) .

مسألة ٩٥ : يستحب كنس المساجد‌ لما فيه من التنظيف ، وتعظيم مشاعر العبادات ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من كنس المسجد يوم‌

__________________

وسنن الترمذي ٤ : ٢٤٣ ـ ١٧٧٦.

(١) سنن أبي داود ١ : ١٧٥ ـ ٦٥٠ ، سنن الدارمي ١ : ٣٢٠ ، مسند أحمد ٣ : ٩٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦٣ ـ ٧٤٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٦٣ ـ ٧٤٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٥٥ ـ ٧٠٧.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٥٥ ـ ٧٠٨.

٤٢٧

الخميس وليلة الجمعة فأخرج من التراب ما يذر في العين غفر الله له )(١) .

ويستحب الإسراج فيها ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل الملائكة ، وحملة العرش يستغفران له ما دام في المسجد ضوء من ذلك )(٢) .

ويكره إنشاد الشعر فيها ، وتعريف الضوال ، وإقامة الحدود ، ورفع الصوت ، والبيع ، والشراء ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا : فضّ الله فاك إنما نصبت المساجد للقرآن )(٣) وقال الصادقعليه‌السلام : « جنّبوا مساجدكم البيع ، والشراء ، والمجانين ، والصبيان ، والأحكام ، والضالة ، والحدود ، ورفع الصوت »(٤) .

ويكره إخراج الحصى منها فإن أخرج أعيد ، قال الباقرعليه‌السلام : « إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها ، أو في مسجد آخر فإنها تسبح »(٥) .

ويكره البصاق فإن فعل غطّاه بالتراب ، قال عليعليه‌السلام : « البزاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنه »(٦) .

ويكره قتل القمل فإن فعل غطاه بالتراب ، ويكره الطهارة فيها من البول‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٢ ـ ٧٠١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٤ ـ ٧٠٣ ، ثواب الأعمال : ٥١ ـ ١ ، أمالي الصدوق : ٤٠٥ ـ ١٥.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٤ ـ ٧١٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦١ ـ ٧٣٣ ، ثواب الاعمال : ٤٩ ـ ١ ، المحاسن : ٥٧ ـ ٨٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٩ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ ـ ٧٢٥.

(٤) الفقيه ١ : ١٥٤ ـ ٧١٦ ، التهذيب ٣ : ٢٤٩ ـ ٦٨٢ ، علل الشرائع : ٣١٩ ، باب ٦ ، الخصال : ٤١٠ ـ ١٣.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٤ ـ ٧١٨ ، التهذيب ٣ : ٢٥٦ ـ ٧١١ ، علل الشرائع : ٣٢٠ الباب ٩ الحديث ١.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٥٦ ـ ٧١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٤٢ ـ ١٧٠٤.

٤٢٨

والغائط لأن الصادقعليه‌السلام كرهه منهما(١) .

ويكره النوم فيها ، لأن الشحام سأل الصادقعليه‌السلام عن قوله تعالى :( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) (٢) قال : « سكر النوم »(٣) وتشتد الكراهة في المسجدين ، لأن زرارة سأل الباقرعليه‌السلام ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال : « لا بأس إلاّ في المسجدين مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمسجد الحرام »(٤) وليس بمحرم ، لأن معاوية بن وهب سأل الصادقعليه‌السلام عن النوم في المسجد الحرام ، ومسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « نعم أين ينام الناس!؟ »(٥) .

ويكره سائر الصناعات في المساجد ، لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن سلّ السيف ، وعن بري النبل في المسجد وقال : إنما بني لغير ذلك(٦) .

ويحرم تصوير المساجد ، لأن الصادقعليه‌السلام سئل عن الصلاة في المساجد المصورة ، فقال : « أكره ذلك ، ولكن لا يضركم ذلك اليوم ، ولو قد قام العدل رأيتم كيف يصنع ذلك »(٧) .

وكذا يحرم زخرفتها ونقشها بالذهب ، لأن ذلك لم يفعل في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا في زمن الصحابة فيكون إحداثه بدعة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٩ ـ ٩.

(٢) النساء : ٤٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧١ ـ ١٥ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٧٢٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٠ ـ ١١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٧٢١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ـ ١٠ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٧٢٠.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٩ ـ ٨ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ـ ٧٢٤.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٥٩ ـ ٧٢٦ ، وعن الامام الباقرعليه‌السلام في الكافي ٣ : ٣٦٩ ـ ٦.

٤٢٩

مسألة ٩٦ : ويحرم نقضها‌ ، لقوله تعالى( وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ ) (١) وكذا استعمال آلتها واتخاذها في ملك أو طريق ، ويجوز هدم ما استهدم لإعادته لما فيه من العمارة ، وللأمن على الداخل ، ولو تعذرت إعادته جاز استعمال آلته في غيره من المساجد لاشتراكها في كونها موضعا للعبادة ، وكذا لو فضل من أحد المساجد عن قدر الحاجة ، ومن أخذ شيئا من آلة المسجد وجب أن يرده إليه أو إلى غيره من المساجد.

ولو نذر شيئا لعمارة مسجد اختص به ما لم يفضل عنه إذا كان بحيث ينتابه الناس ، ولو فضل منه شي‌ء جاز صرفه إلى عمارة غيره من المساجد.

وإذا انهدم المسجد وخرب ما حوله لم يعد ملكا ، لخروجه عن الملك الى الله تعالى فلا يعود الى الملك(٢) .

ويجوز نقض البيع والكنائس واستعمال آلتها في المساجد إذا اندرس أهلها أو كانت في دار حرب ، لأن عيصا سأل الصادقعليه‌السلام عن البيع والكنائس هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟ قال : « نعم »(٣) .

وأن تبنى مساجد ، ولا يجوز اتخاذهما في ملك ، ولا استعمال آلتهما في الأملاك ، ولو كان لها أهل ذمّة يؤدّون الجزية ، ويلتزمون بشرائط الذمة لم يجز التعرض لها على حال.

مسألة ٩٧ : من كان له في داره مسجد قد جعله للصلاة جاز له تغييره‌ ،

__________________

(١) البقرة : ١١٤.

(٢) في نسخة ( م ) : المالك.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٨ ـ ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٦٠ ـ ٧٣٢.

٤٣٠

وتبديله ، وتوسيعه ، وتضييقه حسب ما يكون أصلح له ، لأنه لم يجعله عاما وإنما قصد اختصاصه بنفسه وأهله ، ولأنّ أبا الجارود سأل الباقرعليه‌السلام عن المسجد يكون في البيت فيريد أهل البيت أن يتوسعوا بطائفة منه ، أو يحولونه الى غير مكانه قال : « لا بأس بذلك »(١) .

وهل تلحقه أحكام المساجد من تحريم إدخال النجاسة إليه ، ومنع الجنب من استيطانه ، وغير ذلك؟ الأقرب المنع ، لنقص المعنى فيه ، ولا يخرج عن ملكه فيجوز له بيعه وشراؤه ما لم يجعله وقفا فلا يختص به حينئذ.

ولو بناه خارج داره في ملكه لم يزل ملكه عنه أيضا ، ولو نوى به أن يكون مسجدا يصلّي فيه كل من أراده زال ملكه عنه بالعقد والقبض ، أو بصلاة واحد فيه.

مسألة ٩٨ : لا يجوز دفن الميت في المساجد‌ ، لأنّه مناف لما وضعت له.

ويكره كشف العورة فيها ، لما فيه من الاستخفاف بالمساجد ، وكذا كشف السرة ، والركبة ، والفخذ ، وروى الباقرعليه‌السلام : « أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كشف السرة ، والفخذ ، والركبة في المسجد من العورة »(٢) .

ويكره رمي الحصى فيه خذفا لما لا يؤمن معه من الأذى للغير ، وروى الباقرعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام : « أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أبصر رجلا يخذف بحصاة في المسجد فقال : ما زالت تلعن حتى وقعت ، ثم قال : الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط » ثم تلاعليه‌السلام :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٨ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ ـ ٧٢٧.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦٣ ـ ٧٤٢.

٤٣١

( وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) (١) قال : « هو الخذف »(٢) .

ونهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن رطانة(٣) الأعاجم في المساجد(٤) ، وقالعليه‌السلام : « الاتكاء في المسجد رهبانية العرب ، المؤمن مجلسه مسجده وصومعته بيته »(٥) وقال بعض أصحابنا للصادقعليه‌السلام : إني لأكره الصلاة في مساجدهم. فقال : « لا تكره فما من مسجد بني الاّ على قبر نبي أو وصي نبي قتل ، فأصاب تلك البقعة رشة من دمه فأحب الله أن يذكر فيها ، فأدّ فيها الفريضة والنوافل ، واقض ما فاتك »(٦) .

وفي كتاب ابن بابويه عن الصادقعليه‌السلام أنه سئل عن الوقوف على المساجد ، فقال : « لا يجوز لأن المجوس وقفوا على بيت النار »(٧) وهذه الرواية مرسلة وتحمل على الوقف على تزويقها وتصويرها.

مسألة ٩٩ : لا يجوز لأحد من المشركين دخول المساجد مطلقا‌ سواء أذن له المسلم أو لا ، ولا يجوز للمسلم الإذن فيه ـ وبه قال مالك(٨) لقوله تعالى( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ) (٩) وغيره من المساجد‌

__________________

(١) العنكبوت : ٢٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦٢ ـ ٧٤١.

(٣) الرطانة : الكلام بالأعجمية. مجمع البحرين ٦ : ٢٥٥ « رطن ».

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٩ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٢ ـ ٧٣٩.

(٥) الكافي ٢ : ٤٨٥ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٩ ـ ٦٨٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧ ـ ١٤ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ـ ٧٢٣.

(٧) الفقيه ١ : ١٥٤ ـ ٧٢٠.

(٨) تفسير القرطبي ٨ : ١٠٤ ـ ١٠٥ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٩١٣ ، تفسير الآلوسي ١٠ : ٧٧ ، التفسير الكبير ١٦ : ٢٦ ، عمدة القارئ ٤ : ٢٣٧ ، المحلى ٤ : ٢٤٣.

(٩) التوبة : ٢٨.

٤٣٢

مشارك له في كونه مسجدا ، ولقولهعليه‌السلام : ( جنّبوا مساجدكم النجاسة ) وقال تعالى( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (١) .

وقال الشافعي : لا يجوز له دخول المسجد الحرام بكلّ حال ، ويجوز له دخول غيره بإذن المسلمين(٢) لأن النبيّعليه‌السلام أنزل المشركين في المسجد(٣) ، وربط ثمامة بن أثال الحنفي في سارية المسجد وهو كافر(٤) .

ونمنع ذلك بعد التحريم.

وقال أحمد : لا يجوز له دخول الحرمين ، وفي سائر المساجد روايتان : المنع ، والجواز بالإذن(٥) .

وقال أبو حنيفة : يجوز له دخول سائر المساجد ، والمسجد الحرام أيضا(٦) لقولهعليه‌السلام يوم الفتح : ( من دخل المسجد فهو آمن )(٧) وهو خطاب للمشركين ، وأنه مسجد كسائر المساجد. والآية ناسخة لقول أبي حنيفة.

* * *

__________________

(١) التوبة : ٢٨.

(٢) المجموع ٢ : ١٧٤ ، عمدة القارئ ٤ : ٢٣٧ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٩١٣ و ٩١٤ ، تفسير القرطبي ٨ : ١٠٥ ، التفسير الكبير ١٦ : ٢٦ ، تفسير الآلوسي ١٠ : ٧٧.

(٣) سنن البيهقي ٢ : ٤٤٤ و ٤٤٥.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٢٥ و ١٢٧ ، سنن النسائي ٢ : ٤٦ ، مسند أحمد ٢ : ٤٥٢ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٤٤.

(٥) المغني ١٠ : ٦٠٥ ـ ٦٠٦ و ٦٠٧ و ٦٠٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١١ و ٦١٤.

(٦) المغني ١٠ : ٦٠٥ و ٦٠٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١١ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٩١٤ ، تفسير القرطبي ٨ : ١٠٥ ، التفسير الكبير ١٦ : ٢٦.

(٧) سنن أبي داود ٣ : ١٦٢ ـ ٣٠٢٢.

٤٣٣

البحث الثالث : فيما يسجد عليه‌

مسألة ١٠٠ : لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ، ولا من نباتها‌ كالجلود ، والصوف ، عند علمائنا أجمع ، لأن السجود عبادة شرعية فتقف كيفيتها على نص الشرع ، وقد وقع الإجماع على السجود على الأرض ، والنابت منها فيقتصر عليه ، ولقولهعليه‌السلام : ( لا تتم صلاة أحدكم حتى يتوضأ كما أمره الله تعالى ، ثم يسجد ممكّنا جبهته من الأرض )(١) وقال خباب : شكونا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حرّ الرمضاء في جباهنا وأنفنا فلم يشكنا(٢) ، ولو كان السجود على الفرش سائغا لما شكوا.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الرجل يصلّي على البساط من الشعر ، والطنافس(٣) : « لا يسجد عليه وإن قمت عليه وسجدت على الأرض فلا بأس ، وإن بسطت عليه الحصر وسجدت على الحصر فلا بأس »(٤) وقال هشام بن الحكم للصادقعليه‌السلام : أخبرني عمّا يجوز السجود عليه ، وعمّا لا يجوز ، قال : « السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض »(٥) .

وأطبق الجمهور على الجواز لما روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه صلّى في نمرة(٦) ـ قال الشافعي : والنمرة تعمل من الصوف(٧) ـ ولأنّه بساط‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٢٢٧ ـ ٨٥٨ ، وانظر المعتبر : ١٥٨.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٣٣ ـ ٦١٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٢ ـ ٦٧٥ ، سنن النسائي ١ : ٢٤٧ ، مسند أحمد ٥ : ١٠٨ و ١١٠ ، سنن البيهقي ٢ : ١٠٥.

(٣) الطنافس جمع ، والطنفيس : البساط الذي له خمل رقيق. مجمع البحرين ٤ : ٨٢ « طنفس ».

(٤) المعتبر : ١٥٨.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٧ ـ ٨٤٠ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ـ ٩٢٥ ، علل الشرائع : ٣٤١ باب ٤٢ الحديث ١.

(٦) الام ١ : ٩١.

(٧) الام ١ : ٩١.

٤٣٤

طاهر يجوز له الصلاة فيه فجازت عليه كالقطن.

والرواية ممنوعة ، ومحمولة على أنهعليه‌السلام كان يضع جبهته على ما يصح السجود عليه ، والأصل ممنوع.

فروع :

أ ـ لا بأس بالسجود على الفرش من الصوف وغيره حالة التقية للضرورة ، وسأل علي بن يقطين الكاظمعليه‌السلام عن السجود على المسح(١) والبساط ، فقال : « لا بأس في حال التقية »(٢) ولا يعيد للامتثال.

ب ـ لا يشترط ذلك إلا في الجبهة خاصة.

ج ـ لا يشترط وقوع الجبهة بأجمعها بل ما تتمكن به من الجبهة على الأرض ، وبعضهم قدّره بالدرهم.

مسألة ١٠١ : لا يجوز السجود على ما خرج باستحالته عن الأرض كالمعادن‌ كالعقيق ، والذهب والفضة ، والملح ، والقير اختيارا ، لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يفعله ، ودوام على غيره(٣) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي )(٤) ولقول الصادقعليه‌السلام : « السجود لا يجوز إلاّ‌

__________________

(١) المسح ، بالكسر فالسكون : يعبّر عنه بالبلاس وهو كساء معروف. مجمع البحرين ٢ : ٤١٤ « مسح ».

(٢) الفقيه ١ : ١٧٦ ـ ٨٣١ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ ـ ٩٣٠ و ٣٠٧ ـ ١٢٤٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣٢ ـ ١٢٤٤.

(٣) انظر على سبيل المثال : سنن أبي داود ١ : ٢٣٦ ـ ٨٩٤.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، مسند أحمد ٥ : ٥٣ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ١٠٨ ـ ٣١٩.

٤٣٥

على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض »(١) وهذا ليس أحدهما ، ولو لم يخرج بالاستحالة عن اسم الأرض جاز كالسبخة ، والرمل ، وأرض الجص ، والنورة على كراهية.

مسألة ١٠٢ : إنّما يجوز السجود على الأرض أو ما أنبتته الأرض بشرط أن لا يكون مأكولا في العادة ، ولا ملبوسا‌ ، فلو كان أحدهما لم يصح لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سجد على الخمرة(٢) ، وهي معمولة من سعف النخل ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا يجوز السجود إلاّ على الأرض أو ما أنبتته الأرض إلا ما أكل أو لبس »(٣) .

فروع :

أ ـ لا فرق بين القطن والكتان وبين غيرهما عند أكثر علمائنا(٤) لقول الباقرعليه‌السلام : « لا يسجد على الثوب الكرسف ، ولا الصوف ، ولا على شي‌ء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شي‌ء من الثمار ، ولا على شي‌ء من الرياش »(٥) .

وقال المرتضى في المسائل الموصلية : إنّه مكروه لا محظور(٦) ، لأن ياسر الخادم قال : مرّ بي أبو الحسنعليه‌السلام وأنا أصلّي على الطبري(٧) .

وقد ألقيت شيئا فقال : « ما لك لا تسجد عليه؟! أليس هو من نبات‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٧ ـ ٨٤٠ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ـ ٩٢٥ ، علل الشرائع : ٣٤١ باب ٤٢ الحديث ١.

(٢) مسند أحمد ٦ : ١١١.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٧ ـ ٨٤٠ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ـ ٩٢٥ ، علل الشرائع ٣٤١ باب ٤٢ الحديث ١.

(٤) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٨٩ ، وسلار في المراسم : ٦٦ ، وابن إدريس في السرائر : ٥٧.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٠ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ ـ ١٢٢٦ ، الإستبصار ١ : ٣٣١ ـ ١٢٤٢.

(٦) رسائل الشريف المرتضى ١ : ١٧٤.

(٧) الطبري : كتان منسوب الى طبرستان. مجمع البحرين ٣ : ٣٧٦.

٤٣٦

الأرض؟ »(١) . وسأل داود الصرمي أبا الحسن الثالثعليه‌السلام هل يجوز السجود على القطن ، والكتان من غير تقية؟ قال : « جائز »(٢) ويحملان على التقية ، أو على غير الجبهة جمعا بين الأدلة.

ب ـ لو كان مأكولا لا بالعادة جاز السجود عليه ، ولو كان معتادا عند قوم دون آخرين عمّ التحريم.

ج ـ الحنطة ، والشعير يجوز السجود عليهما قبل الطحن ، لأن القشر حاجز بين المأكول والجبهة ، وكذا البحث في الملبوس ، ويجوز السجود على ما لم تجر العادة بلبسه كالورق ، والليف وإن كان ملبوسا نادرا.

د ـ الكتان قبل غزله ونسجه ، الأقرب عدم جواز السجود عليه ، وعلى الغزل على إشكال ينشأ من أنه عين الملبوس والزيادة في الصفة ، ومن كونه حينئذ غير ملبوس ، أما الخرقة الصغيرة فإنه لا يجوز السجود عليها وإن صغرت جدا.

هـ ـ القنّب لا يجوز السجود عليه إن لبس عادة.

و ـ لو اتخذ ثوب من الملبوس عادة ، ومن غيره كغزل الكتان والليف ففي السجود عليه إشكال.

ز ـ يجوز السجود على القرطاس إن كان متخذا من النبات ، وإن كان من الإبريسم فالوجه المنع ، لأنه ليس بأرض ، ولا من نباتها ، وإطلاق علمائنا يحمل على الأول ، ولو كان مكتوبا كره لقول الصادقعليه‌السلام : « يكره‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٤ ـ ٨٢٧ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ ـ ٩٢٧ و ٣٠٨ ـ ١٢٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ ـ ١٢٤٣ ، علل الشرائع : ٣٤١ ـ ٣٤٢ باب ٤٢ الحديث ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٧ ـ ١٢٤٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٢ ـ ١٢٤٦.

٤٣٧

السجود على قرطاس فيه كتابة »(١) ولئلاّ يشغله نظره.

وفي زوال الكراهة عن الأعمى وشبهه إشكال ينشأ من الإطلاق من غير ذكر علّة ، ولو سلّمت لكن الاعتبار بالضابط وإن خلا عن الحكمة نادرا.

مسألة ١٠٣ : يشترط فيما يسجد عليه ـ بعد ما تقدّم ـ أمور :

أ ـ تمكن الجبهة منه ، فلا يجوز على الوحل لعدم تمكنه من الطمأنينة حالة السجود ، وهي واجبة.

ب ـ الطهارة فلا يجوز على النجس وإن لم تتعدّ نجاسته إليه ، وإنّما يشترط طهارة موضع الجبهة لا باقي المساقط إن لم تتعد إليه ، وقد تقدم.

ج ـ أن لا يكون مشتبها بالنجس لوجوب الاحتراز عنه كوجوب الاحتراز عن النجس ، هذا إن كان الاشتباه في موضع محصور كالبيت ، ولو لم ينحصر جاز السجود كالصحاري.

د ـ الملك أو حكمه كالمباح ، والمأذون فيه.

هـ ـ أن لا يكون جزءا منه فلو سجد على كفه أو غيرها من بدنه لم يجز لأنا شرطنا كون المسجد أرضا أو ما ينبت منها ، ولو خاف الحر جاز للضرورة ، ولقول الباقرعليه‌السلام لما سئل أخاف الرمضاء ، قال : « اسجد على بعض ثوبك » قلت : ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله ، قال : « اسجد على ظهر كفك فإنها إحدى المساجد »(٢) .

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٢ ـ ١٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ ـ ١٢٣٢ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ ـ ١٢٥٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٦ ـ ١٢٤٠ ، الإستبصار ١ : ٣٣٣ ـ ١٢٤٩.

٤٣٨

مسألة ١٠٤ : ويحرم السجود على أشياء :

أ ـ الزجاج ، قاله في المبسوط ، لما فيه من الاستحالة ، وكذا منع من الرماد(١) .

ب ـ الخمرة(٢) إن كانت معمولة بالسيور بحيث يعم موضع الجبهة لم يجز السجود عليها ، وإن كانت معمولة بالخيوط ، أو كان المجزي من الجبهة يقع على ما يصح السجود عليه جاز ، وفي رواية : كراهة السجود على شي‌ء ليس عليه سائر الجسد(٣) ، وفي طريقها غياث بن إبراهيم ، وأكثر الروايات على الجواز(٤) لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسجد على الخمرة(٥) .

وعن أحدهماعليهما‌السلام قال : « كان أبي يصلّي على الخمرة ، فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد »(٦) .

ج ـ القير ، والصهروج ، وفي رواية المعلى بن خنيس عن الصادقعليه‌السلام الجواز(٧) ، وهي محمولة على الضرورة.

د ـ أن لا يكون حاملا له مثل كور العمامة وطرف الرداء ، قاله الشيخ‌

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٨٩.

(٢) الخمرة ، بالضم : سجّادة صغيرة تعمل من سعف النخل وتزمّل بالخيوط. مجمع البحرين ٣ : ٢٩٢ « خمر ».

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٢ ـ ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٠٥ ـ ١٢٣٣ ، الاستبصار ١ : ٣٣٥ ـ ١٢٦١.

(٤) انظر على سبيل المثال : التهذيب ٢ : ٣٠٥ ـ ١٢٣٤ و ١٢٣٥ ، قرب الاسناد : ٩٣ و ٩٥.

(٥) مسند أحمد ٦ : ١١١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٢ ـ ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٠٥ ـ ١٢٣٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٥ ـ ١٢٥٩.

(٧) الفقيه ١ : ١٧٥ ـ ٨٢٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ ـ ١٢٢٤ ، الإستبصار ١ : ٣٣٤ ـ ١٢٥٥.

٤٣٩

في الخلاف(٨) ، وبه قال الشافعي(٩) .

وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد : يجوز السجود على كور العمامة(١) ، وكان شريح يسجد على برنسه(٢) لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسجد على كور العمامة(٣) ، ولأن الجبهة عضو من أعضاء السجود فلا يجب كشفه كسائرها.

والتحقيق أن نقول : إن كان ما هو حامل له كالعمامة مما لا يجوز السجود عليه كالقطن ، والكتان ، والصوف ، والشعر ، فالحق قول الشيخ لا من حيث إنّه حامل كما قاله الشافعي ، بل لأنه لم يسجد على ما يصح السجود عليه ، لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى رجلا يسجد وقد اعتمّ على جبهته فحسر عنها وقال : ( إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض )(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الرجل يسجد وعليه العمامة لا تصيب جبهته الأرض ، قال : « لا يجزيه ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض »(٥) والحديث الذي رووه عن سجود النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على العمامة لم يثبته أكثرهم ، ويحمل على ما إذا أصاب بعض جبهته الأرض ، والمشقة ثابتة في كشف غيرها دونها.

__________________

(٨) الخلاف ١ : ٣٥٧ مسألة ١١٣.

(٩) المجموع ٣ : ٤٢٤ ـ ٤٢٥ ، فتح العزيز ٣ : ٤٥٦ ، المغني ١ : ٥٩٣ ، الشرح الكبير ١ : ٥٩٣.

(١) الشرح الصغير ١ : ١١٥ ، المغني ١ : ٥٩٣ ، الشرح الكبير ١ : ٥٩٣ ، المجموع ٣ : ٤٢٥ ، فتح العزيز ٣ : ٤٥٧.

(٢) المغني ١ : ٥٩٣ ، الشرح الكبير ١ : ٥٩٣.

(٣) مصنّف عبد الرزاق ١ : ٤٠٠ ـ ١٥٦٤ ، مجمع الزوائد ٢ : ١٢٥.

(٤) الفردوس ١ : ٢٨١ ـ ١١٠٣ ، عوالي اللئالي ١ : ٣٣١ ـ ٨٤ ، كنز العمال ٧ : ٤٢٩ ـ ١٩٦٣٤ عن الطبراني في الكبير.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٤ ـ ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٦ ـ ٣١٩.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512