تذكرة الفقهاء الجزء ٢

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: 512

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 512 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35781 / تحميل: 8621
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

يؤكّد كون الرواية لم تنقل كاملة ـ بل سقطت منها الكلمة التي هي على خلاف أهداف وأهواء القوم ـ ما أخرجه القندوزي الحنفي عن جابر بن سمرة قال : ( كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول: ( بعدي أثنا عشر خليفة ) ثم أخفى صوته ، فقلت لأبي ما الذي أخفى صوته ؟ قال : قال : ( كلهم من بني هاشم ) ، وعن سماك بن حرب مثله )(١) ، ومن ذلك يتضح أنّ كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) كانت موجودة في الحديث ، ولعلّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( كلّهم من قريش من بني هاشم ) ، وهذا ما استشعره بعض علماء السنّة كابن الجوزي ، حيث قال في ( كشف المشكل ) : ( قد أطلت البحث عن معني هذا الحديث ، وتطلّبت مظانه ، سألت عنه ، فلم أقع على المقصود به ؛ لأنّ ألفاظه مختلفه ، ولا أشك أنّ التخليط فيها من الرواة )(٢) ، ويدعم هذا القول ما ذهب إليه ابن العربي ، بعد عجزه عن تفسير حديث الاثني عشر ، تفسيراً واقعياً ، قال : ( ولعلّه بعض حديث )(٣) ، ممّا يؤكّد سقوط كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) من الحديث .

٧ – الاثنا عشر خليفة أمان لأهل الأرض ، إذا ذهبوا ماجت الأرض بأهلها ، وإذا مضوا لا يبقى الدين قائماً ، ويفقد المسلمون منعتهم وصلاحهم ، وهذه المعاني التي جاءت في حديث الاثني عشر تلتقي وتلائم تمام الملائمة مع الروايات التي نقلها الفريقان بحق أهل البيت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقوله :( أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ٣١٥ ح ٩٠٨ .

(٢) نقلاً عن فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٣ .

(٣) شرح صحيح الترمذي : ج ٩ ص ٦٨ .

١٢١

أهل الأرض ) (١) .

٨ ـ قد افترضت نصوص الاثني عشر أنّ أولئك الخلفاء ( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) ، كما فهم هذا المعنى أيضاً ابن كثير في تفسيره عندما قال : ( ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ، ويعدل فيهم )(٢) ، ولا يجد المتتبّع تفسيراً واحداً من التفاسير لهذا الحديث ، يجمع فيه اثني عشر خليفة كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، خصوصاً مع ما ذكرناه من وجوب كون أولئك الخلفاء سلسلة متكاملة ، ومتناسقة ومتوالية زماناً ، وهذا ما يثبت لنا عدم مصداقية أي تطبيق واقعي للحديث ، سوى أهل البيتعليهم‌السلام ، الذين جعلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هداة مهديين من بعده ، وأمر بالتمسّك بهديهم ، وجعلهم عِدلاً للقرآن الكريم لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض .

٩ ـ من الخصائص المهمّة التي تضمّنتها أحاديث الاثني عشر قيموميّة أولئك الخلفاء على الدين والأمة ( اثنا عشر قيماً ) ، ولا شك أنّ القيموميّة تستدعي الرقابة والوصاية على الدين ، وعلى الأمّة الإسلامية ، وهذا المعنى لم يُدّع لأحد ، ولا ادّعاه غير أهل البيتعليهم‌السلام ، وهذا هو مقتضى كونهم عِدلاً للقرآن الكريم ، وأيضاً مقتضى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( في كل خلوف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن

ـــــــــــــ

(١) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ؛ ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ ؛ انظر : المستدرك : الحاكم : ج ٢ ص ٤٤٨ ؛ قال فيه : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٠ ص ٢٠ ؛ النزاع والتخاصم : المقريزي : ص ١٣٢ ؛ وغيرها .

(٢) تفسير ابن كثير : ج ٢ ص ٣٤ .

١٢٢

توفدون ) (١) .

١٠ ـ إنّ الصخب ، واللغط ، والضجّة المفتعلة ، وقيام القوم وقعودهم ، وتصميتهم لجابر والحاضرين يثير الانتباه ، ويستدعي الريب ، ويكشف أنّ في الأمر شيئاً ، لا يريد القوم وصوله إلى مسامع الحاضرين ، ولم تكن هذه الحادثة فريدة نوعها ، بل فعل ذلك القوم أيضاً عندما ضجّوا ، وتنازعوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما قال :( ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً ) ، فوقعت حينها الضجّة المفتعلة ، حتى قال بعضهم : إنّ النبي ليهجر ، وليس ذلك إلاّ للحرص على الخلافة ، وطمعاً بالملك والسلطان والإمارة وهو الذي قد أخبر عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مخاطبته لأصحابه بقوله :( إنّكم ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ) (٢) .

١١ ـ حديث ابن مسعود المتقدّم ، يكشف عن أنّ الصحابة هم الذين سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخلفاء من بعده ، وهذا يلفت النظر إلى نقطتين :

الأُولى : أنّه ليس من المنطقي أن يسأل الصحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأُمراء الذين يتسلّطون على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، وهو ذلك الرسول العظيم الذي ختم الرسالات فلا نبي بعده .

إذن لابد أن يكون السؤال عن الخلفاء الذين نصّبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده ، وهم أهل بيتهعليهم‌السلام بنص حديث الغدير وحديث الثقلين وغيرهما ، وهذا ديدن وطريقة اعتادها الصحابة آنذلك ، فقد سألوا أبا بكر وعمر عن الذي يلي الأمر من بعدهما .

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣١ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٤ ص ٣٥٥ ح ٧١٤٨ ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٠ ص ٣٣٤ ؛ وغيرهما من المصادر الكثيرة .

١٢٣

الثانية : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد من الإمرة والخلافة من يكون مؤهّلاً ومستحقّاً لها ، فلا معنى لحمل الحديث على أمثال معاوية ويزيد ومروان والوليد وأمثالهم ، الذين عاثوا في الأرض فساداً ، ولعبوا بمقدّرات الأمة الإسلامية بما شاءوا ورغبوا ، فالمراد من الخليفة هو مَن يستمد سلطته من الشارع الأقدس ، ومن أجل ذلك ذكر شارح سنن أبي داود في شرحه ( عون المعبود ) أنّ : ( السبيل في هذا الحديث ، وما يتعقّبه في هذا المعنى أن يحمل على المقسطين منهم ، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة )(١) .

١٢ ـ بعد أن صدع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع بذكر الخلفاء من بعده ، وأنّهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ومن بني هاشم ، وكلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، لم يكتف بذلك ـ ولعلّه لما حصل من الضجّة واللغط المفتعل ـ بل قام خطيباً ، بعد رجوعه من حجّة الوداع في طريقه إلى المدينة في غدير خم ، ونصّب عليّاً خليفة من بعده ، فعيّن أوّل خليفة من الخلفاء الاثني عشر ، وبادر بعد ذلك قائلاً : ( إنّي تارك فيكم الخليفتين من بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) (٢) ، حينها عرف الناس مَن هم الخلفاء بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتمّ بذلك الحجّة على الخلق ، لكي يسدّ بذلك منافذ الريب والتشكيك ، ولئلاّ يقول أحد : إنّي لم أسمع ، أو خفي علي ، أو صمّنيها ، أو صمّتنيها الناس !! .

ـــــــــــــ

(١) عون المعبود : ج ١١ ص ٢٤٥ .

(٢) المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٦ ص ٣٠٩ ، كتاب السنّة ، عمرو بن أبي عاصم: ص ٣٣٧ ح ٧٥٤ ص ٦٢٩ ح ١٥٤٩ ؛ مسند أحمد : ج ٥ ص ١٨٢ ؛ المعجم الكبير: ج ٥ ص ١٥٣ ح ٤٩٢١ ص ١٥٤ ح ٤٩٢٢ ؛ مجمع الزوائد : ج ١ ص ١٧٠ قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله ثقات ) ، وكذا في ج ٩ ص ١٦٢ ، وقال في ص ١٦٣ : ( رواه أحمد وإسناده جيّد ) ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٤٠٢ ح ٢٦٣١ ؛ الدر المنثور : ج ٢ ص ٢٨٥ .

١٢٤

١٣ ـ ما ورد من الأحاديث المتضافرة التي نصّت على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام ، والتي تناولت الأئمّة الاثني عشر بذكر أسمائهم على نحو التفصيل ، وهي كثيرة جدّاً نكتفي بذكر بعضها :

١ ـ ما جاء في فرائد السمطين للحمويني المصري(١) : ( عن مجاهد عن ابن عباس قال : قدم يهودي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال له : نعثل ، فقال : يا محمد إنّي أسألك عن أشياء ـ إلى أن قال ـ : فأخبرني عن وصيّك مَن هو ؟ ، فما من نبي إلاّ وله وصي ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، فقال :نعم ، إنّ وصيي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وبعده سبطاي : الحسن ثم الحسين ، يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار ، قال : يا محمد فسمّهم لي ؟

قال :نعم ، إذا مضى الحسين فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، فإذا مضى محمد فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى ، فإذا مضى موسى فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، ثم ابنه علي ، ثم ابنه الحسن ، ثم الحجّة ابن الحسن ، أئمّة عدد نقباء بني اسرائيل ، فهذه اثنا عشر )(٢) .

٢ ـ ونقل الحمويني أيضاً في فرائده : عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أيّها الناس

ـــــــــــــ

(١) أطرى عليه الذهبي ت / ٧٤٨ هـ في تذكرة الحفاظ قال : الإمام المحدث الأوحد الأكمل فخر الإسلام صدر الدين ، إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الخراساني الجويني شيخ الصوفية كان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الاجزاء ، حسن القراءة مليح الشكل مهيباً ديّناً صالحاً مات سنة اثنتين وعشرين وسبع مائة تذكرة الحفّاظ ، الذهبي : ج ٤ ص ١٥٠٦ .

(٢) فرائد السمطين ، الحمويني : ج ٢ ص ١٣٣ ص ١٣٤ ح ٤٣١ ، وبنفس الألفاظ ما جاء في ينابيع المودة للقندوزي ، ج ٣ ص ٢٨٢.

١٢٥

إنّ الله عزّ وجلّ أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي ولكن أوصيائي منهم : أوّلهم أخي ، ووزيري ، ووارثي ، وخليفتي في أُمّتي ، وولي كل مؤمن بعدي ، هو أوّلهم ثم ابني الحسن ، ثم ابني الحسين ، ثم التسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض ) (١) ـ وهكذا ينقل الحمويني ذلك في مواطن عديدة ، وروايات عديدة وبطرق مختلفة ؛ فراجع .

٣ ـ الحافظ أبو محمد بن أبي الفوارس في كتابه ( الأربعين )(٢) .

كذلك أخرج ذكر الخلفاء من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسمائهم .

٤ ـ العلاّمة أبو مؤيد موفق بن أحمد المتوفّى (سنة ٥٦٨) في كتابه ( مقتل الحسين ) : ذكر الخلفاء أيضاً بأسمائهم المتقدّمة(٣) .

٥ ـ العلاّمة فاضل الدين محمد بن محمد بن إسحاق الحمويني الخراساني في ( منهاج الفاضلين )(٤) .

٦ ـ كذلك الحمويني في ( درر السمطين )(٥) .

٧ ـ العلاّمة الشيخ إبراهيم بن سليمان في كتاب ( المحجّة على ما في

ـــــــــــــ

(١) فرائد السمطين ، الحمويني ، السمط الأول : ج ١ ص ٣١٥ ـ ٣١٨ ح ٢٥٠ .

(٢) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٥٩ ؛ نقلاً عن كتاب الأربعين ، ابن أبي الفوارس : ص ٣٨ .

(٣) مقتل الحسين ، الخوارزمي : ص ١٤٦ ـ ١٤٧ .

(٤) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٦٨ ؛ نقلاً عن كتاب منهاج الفاضلين ، الحمويني : ص ٢٣٩ .

(٥) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي النجفي : ج ٤ ص ٩٣ ـ ٩٤ ؛ نقلاً عن كتاب درر السمطين ، الحمويني : ص ٧٢٢ .

١٢٦

ينابيع المودّة )(١) ، أيضاً ذكرهم بأسمائهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨ ـ العلاّمة المولى محمد صالح الكشفي الحنفي الترمذي ، في كتابه ( المناقب الرضوية )(٢) .

إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة التي تؤكّد هذا المعنى .

وعلى ضوء ما سلف ، يتحصّل أنّ العترة الطاهرة يمثّلون امتداداً طبيعياً لحركة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع أبعاد الحياة ، وقد فرضوا شخصيّتهم رغم أنف الأعداء ، وقد أجمعت الأمة على أعلميّتهم وأهليّتهم للخلافة ، وأنّهم الأسوة الحسنة ، ويعد ذلك من أفضل الأدلة لإثبات أحقيّتهم ، وأهليّتهم للإمامة والقيادة ، وعصمتهم ؛ لأنّهمعليهم‌السلام جسّدوا النظرية الإسلامية على الواقع العملي ، فعندما نرصد حياة الأئمّةعليهم‌السلام ، وكيف كانوا إسلاماً متحركاً على الأرض ، وقرآناً ناطقاً يعيش بين الناس ؛ نستنتج مباشرة أن هذا المستوى الرفيع من الأسوة والقدوة لا يمكن أن تعكسه إلاّ شخصيات معصومة ، استجمعت فيها الصفات التي تؤهّلها لأن تكون منبع الهداية للبشرية ؛ لذا أجمعت الأمة على أنّ هؤلاء العترة لهم من الخصائص والمميزات ما لم تكن لغيرهم ، رغم ما عانوه من ظلم واضطهاد ، فهم الذين تنطبق عليهم خصوصيات الاثني عشر ، التي بيّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحاديث الأثني عشر المتقدمة ، ولكن أصحاب المطامع آلوا على أنفسهم إلاّ أن يُقصوا وينحّوا أهل البيتعليهم‌السلام عن مناصبهم ومراتبهم التي رتّبهم الله فيها ، ولم يكتفوا بذلك بل تمادوا في تعريض أهل البيتعليهم‌السلام لألوان الظلم والاضطهاد ، والمعاملة السيّئة الفظّة الغليظة ، التي يندى لها الجبين ، وتعتصر منها القلوب ألماً ومرارة ، ولم يكن لهم ذنب سوى أنّهم كانوا الامتداد الإلهي لخط الرسالة ، وكانوا أمناءها ، والرقباء عليها ، فهم الثقل الموازي للقرآن الكريم .

ـــــــــــــ

(١) المحجّة على ما في ينابيع المودّة ، الشيخ هاشم بن سليمان : ص ٤٢٧ .

(٢) المناقب المرتضوية ، محمد صالح الترمذي : ص ١٢٧ .

١٢٧

إذن ، ينبغي علينا كمسلمين أن نستنير بنور هؤلاء الهداة الميامين ، ونكون بذلك ممتثلين لأوامر الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وممّا تقدّم اتضحت الإجابة بخصوص ما قد يقال : من أنّ وصف عزّة الإسلام بأولئك الخلفاء الاثني عشر لا ينطبق على أئمّة الشيعة ، حيث الموقع السامي والريادي والمكانة العظيمة التي يمتلكها أهل البيتعليهم‌السلام في نفوس الأمة الإسلامية ، وهو ما أكّده علماء السنّة في أغلب كتبهم ، وبالإضافة إلى ذلك نقول :

إنّ عزة الإسلام وصلاحه وبقائه إلى قيام الساعة ، من المهام ، والوظائف الأساسية ، التي أناط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسؤوليتها ، وتحقيقها بأهل البيتعليهم‌السلام ، كما يكشف عن ذلك حديث الثقلين وحديث الغدير ، وأنّهم عِدل القرآن ، وأنّ النجاة والأمان والعزّة عند الله لا تنال إلاّ بالاعتصام والتمسّك بهم ، ومَن يتبعهم يكون عزيزاً بعزّة الله ، مرضيّاً عنده تعالى .

كما أخرج ذلك الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأُمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) (١) ، ثم علّق عليه قائلاً : هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٤٩ .

١٢٨

وبنفس المضمون ما ورد في عدّة كثيرة من المصادر عن عمر : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( في كل خلوف من أُمّتي عدول أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن توفدون ) (١) .

وعن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن ، غرسها ربّي ، فليوال عليّاً ، وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ، ويل للمكذبين بفضلهم من أُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ) (٢) .

وعن عمار بن ياسر ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أوصي مَن آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب ، مَن تولاّه فقد تولاّني ، ومَن تولاّني فقد تولّى الله عزّ وجلّ ، ومَن أحبّه فقد أحبّني ، ومَن أحبّني فقد أحبّ الله تعالى ، ومَن أبغضه فقد أبغضني ، ومَن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجلّ ) قال الهيثمي في مجمع الزوائد : ( رواه الطبراني بإسنادين أحسب فيهما جماعة ضعفاء ، وقد وثقوا )(٣) .

وقد أخرجها ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق بطرق كثيرة(٤) .

وعن وهب بن حمزة قال : ( صحبت عليّاً إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره ، فقلت لأن رجعت لأشكونّك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا قدمت لقيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــ

(١) ذخائر العقبى ، محي الدين الطبري : ص ١٧ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٥٢ ؛ رشفة الصادي ، أبو بكر الحضرمي : ص ١٧ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ١١٤ .

(٢) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٢٤٠ ؛ حلية الأولياء ، الحافظ أبي نعيم الأصفهاني : ج ١ ص ٨٦ .

(٣) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٨ ، ١٠٩ .

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٢ ص ٢٣٩ وما بعدها .

١٢٩

فقلت : رأيت من علي كذا وكذا ، فقال :لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي )(١) .

وعن زيد بن أرقم قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن أحبّ أن يحيا حياتي ويموت موتتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ، فإنّ ربّي عزّ وجلّ غرس قصباتها بيده ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، فإنّه لن يخرجكم من هديي ولن يدخلكم في ضلالة ) (٢) ، قد أخرجه الحاكم في المستدرك وقال عنه : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

إلى غير ذلك من المصادر الكثيرة ، والروايات المتواترة معنىً ومضموناً ، مع صحّتها وصراحتها ، وأدنى ما نجيب عمّن أراد التشكيك بها : أنّها تفيد القطع واليقين ؛ لتعدّد ألفاظها ، وكثرة طرقها ، والمصادر التي نقلتها ، فهي أحاديث نبويّة يقوّي بعضها بعضاً لإثبات مضمونها بالقطع واليقين ، وهو وجوب التمسّك بولاية أهل البيتعليهم‌السلام واتّباع هديهم .

إذن بأهل البيتعليهم‌السلام وباتباعهم تتحقق عزّة الإسلام ، والحفاظ على وجوده الحقيقي وقيمه ومبادئه الأصيلة ، من التقوى والإخلاص والاستقامة والصلاح وغيرها من المعارف الروحية والقيم الأخلاقية ، وليست عزّة الإسلام بالتظاهر بالإسلام ، واتخاذه شعاراً للتسلّط على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، ومن هنا نجد أنّ الحكم الإسلامي على يد الظلمة تحوّل إلى ما كان عليه قبل الإسلام من كونه ملكاً عضوضاً لا يحمل من قيم الإسلام شيئاً .

إذن عزّة الإسلام لا تتحقق إلاّ في حفظ الإسلام الحقيقي ، الذي لا يتحقق إلاّ باتباع أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢٢ ص ١٣٥ ؛ مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٠٩ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٤ ص ٤٧٠ ـ ٤٧١ .

(٢) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ١٩٤ .

(٣) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٣٠ .

١٣٠

الأُمّة لم تجتمع على أهل البيتعليهم‌السلام

وأمّا عبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) ، وأنّ أهل البيتعليهم‌السلام ما أجتمعت عليهم الأُمّة فجوابها :

١ ـ إنّ رواية الاثني عشر خليفة المتضمّنة لعبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) لم ترد في الكتب الحديثية ، والمصادر السنّية ، إلاّ في سنن أبي داود ومسند البزار ، ولم يخرجاها إلاّ بسند واحد ضعيف ، كما ذكر ذلك الألباني ، في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، حيث قال : ( وأخرجه أبو داود ( ٢ / ٢٠٧) من طريق إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبيه ، عن جابر بلفظ : لا يزال هذا الدين قائماً ، حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة ، كلّهم من قريش ، وأخرجه البزار (١٥٨٤ ـ كشف) عن أبي جحيفة نحوه ، وهذا سند ضعيف ، رجاله كلهم ثقات ، غير أبي خالد هذا ، وهو الأحمسي ، وقد تفرّد بهذه الجملة ( كلهم تجتمع عليه الأمة ) ، فهي منكرة )(١) ، والتضعيف ذاته ذكره أيضاً في تعليقته على سنن أبي داود ، حيث قال بعد أن أورد الحديث : ( صحيح : دون قوله ( تجتمع عليه الأمة ) )(٢) .

٢ ـ من الشواهد التي تؤكّد عدم صحّة صدور هذه العبارة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عدم انطباقها على الواقع أصلاً ، حيث لم نجد شخصاً اجتمعت عليه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل البعض ممّن ادعي كونه من الخلفاء الاثني عشر ، لم يجتمع عليه أغلب الأمة ، فضلاً عن جميعها .

ـــــــــــــ

(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : مج ١ ، ق ٢ ، ص ٧٢٠ ح ٣٧٦ .

(٢) صحيح سنن أبي داود الألباني : ج ٣ ص ١٩ ح ٤٢٧٩ .

١٣١

ولذا قال ابن كثير في البداية والنهاية ( فإن قال : أنا لا اعتبر إلاّ مَن اجتمعت الأمة عليه ، لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالبعليه‌السلام ولا ابنه ؛ لأنّ الناس لم يجتمعوا عليهما ؛ وذلك أنّ أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما ، ولم يقيّد بأيام مروان ، ولا ابن الزبير كأنّ الأمّة لم تجتمع على واحد منهما )(١) .

وهذا ما اعترف به ابن حجر العسقلاني أيضاً في فتح الباري(٢) .

٣ ـ إن أكثر مَن أدعي اجتماع الأمة عليه ، كيزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، والوليد ، و مروان الحمار ، وغيرهم لم يكن متوفّراً على خصائص الخلفاء الاثني عشر ، من كونهم يعملون بالهدى ودين الحق ، وأنّهم قيّمون على الدين ، والدين قائم بهم ، وغير ذلك من الصفات السامية ، التي تقدّم ذكر بعضها .

الخلاصة

١ ـ إنّ حديث الاثني عشر ، حقيقة صادرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تواترت الروايات من الفريقين بنقلها بألسن مختلفة ، كلّها تشير إلى مضمون واحد ، ومن هذه الروايات قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا يزال هذا الأمر صالحاً حتى يكون اثنا عشر أميراً ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٦ ص ٢٨٠ .

(٢) فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٢ .

(٣) مسند أحمد : ج ٥ ص ٩٧ ص ١٠٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ٦١٨ ؛ انظر : مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٥ ص ١٩٠ وقد صحّحه .

١٣٢

٢ ـ إنّ أهل السنّة لم يتمكّنوا أن يقدّموا تفسيراً واقعيّاً لحقيقة الاثني عشر خليفة ، وإنّ تفسيراتهم المضطربة والمتناقضة فيما بينها خير شاهد على عجزهم عن فهمها وتفسيرها ، على الرغم ممّا ارتكبوه من تكلّف ظاهر على حدّ تعبير بعضهم ، لا سيّما وأنّ البعض(١) قد أوكل تفسير حديث الاثني عشر إلى الله تعالى بعد أن عجز عن تفسيره تفسيراً صحيحاً .

٣ ـ إنّ الخصائص والمميزات التي تحملها أحاديث الاثني عشر ، لا تنطبق في الواقع الخارجي إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام ، فمثل صفة ( صلاح أمر الأُمّة والناس بهم ) و( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) و( إذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها ) ، ونحوها ، لا تنسجم ولا تنطبق إلاّ على عترة أهل البيتعليهم‌السلام ، فضلاً عمّا يحمله أهل البيتعليهم‌السلام من خصائص ومميّزات استثنائية ، وما يحملونه من مؤهّلات علمية وعملية بإجماع أهل العلم ، وعلى جميع المستويات الفكرية والروحية ونحوها ، كل هذا يؤكّد ويدعم كون حديث الاثني عشر لا يمكن انطباقه إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٢ ص ٢٠٣ .

١٣٣

الفصل الثالث: غيبة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف)

الشبهة :

١ ـ ما الفائدة من وجود إمام غائب ؟

٢ ـ إنّ الحجّة عند الشيعة لا تقوم إلاّ بإمام ، فكيف يترك الإمامة ويغيب ؟

الجواب :

قبل البدء ينبغي ذكر تمهيد مختصر له مدخليّة في الإجابة .

تمهيد :

إنّ الشريعة التي جاء بها الدين الإسلامي ما هي ـ في مجملها ، وحقيقتها ، وبكل جوانبها ـ إلاّ خطّة إلهيّة أُعدّت بإحكام ، ووُضعت من أجل ترشيد المجتمع البشري نحو الأصلح والأقوم ، وبلوغ السعادة في الدارين .

وقد وعد الله تعالى البشرية ـ التي عانت طوال حياتها من الظلم ، والجور ـ أن يسودها العدل والأمان في الأرض .

قال تعالى :( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ ) (١) .

وقال تعالى أيضاً :( وَنُرِيدُ أَن نمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٢) .

إلاّ أنّ تحقق هذا الهدف على أرض الواقع يتوقّف على توفّر شرائطه ، التي شاء الله عزّ وجلّ بحكمته أن تكون من طرقها الطبيعية ، وضمن ما هو المألوف ، لا بشكل إعجازي وخارق لما هو المعتاد .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٣٣ .

(٢) القصص : ٥ .

١٣٤

وحيث إنّ الله تعالى ـ لحكمته ولطفه بعباده ـ قد نصّب أولياء هداة معصومين ، يمثّلون امتداداً طبيعياً للرسالة المحمّديّة ، فهم أُمناء الوحي والرسالة ، وحجّة الله على العباد ، وهم الأئمّة الاثنا عشرعليهم‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أوّلهم الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وآخرهم الإمام المهديعليه‌السلام ، وقد ثبت ذلك مسبقاً ، بمقتضى عدد وافر من الآيات القرآنية ، كآية الولاية ، وآية أُولي الأمر ، وآية التطهير ، وآيات البلاغ في الغدير ، وآية المودّة في القربى(١) وغيرها ، مضافاً إلى عدد كبير جداً من الأحاديث النبويّة التي رواها أصحاب الصحاح من أهل السنّة ، كحديث الثقلين المتواتر الذي مفاده أنّ أهل البيتعليهم‌السلام لن يفترقوا عن القرآن حتى يردوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض(٢) ، فكما أنّ القرآن باقٍ إلى يوم القيامة كذلك أهل البيتعليهم‌السلام ، وكحديث الخلفاء الاثني عشر (كلّهم من قريش)(٣) ، وحديث السفينة(٤) ، وأهل بيتيعليهم‌السلام أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض(٥) وأتاهم ما يوعدون ، وغير ذلك من الأحاديث الدالّة على بقاء الإمامة الإلهية ، واستمرارها في الأرض .

ـــــــــــــ

(١) الآيات : المائدة : ٥٥ ، النساء : ٥٩ ، الأحزاب : ٣٣ ، المائدة : ٦٧ .

(٢) السنن الكبرى ، النسائي : ج ٥ ص ٤٥ ص ١٣٠ ؛ خصائص أمير المؤمنين : النسائي : ص ٩٣ ؛ المعجم الصغير ، الطبراني : ج ١ ص ١٣١ ص ١٣٥ .

(٣) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٥ ص ٨٧ ـ ٨٨ .

(٤) مجمع الزوائد : الهيثمي ، ج ٩ ص ١٦٨ ، المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٦ ص ٨٥ .

(٥) شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ، ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ .

١٣٥

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ خلفائي ، وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي ، الاثنا عشر ، أوّلهم عليّ ، وآخرهم ولدي المهدي ) (١) .

وشاءت الإرادة الإلهية أن يكون الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ـ الذي يمثّل الحلقة الأخيرة من سلسلة الأئمّة الهداة ـ مصلحاً للبشرية ، ومحققاً للهدف النهائي ، والثمرة الكبيرة والمرجوّة من رسالات السماء وبعث الأنبياء ، قال تعالى :( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنّ اللهَ قَوِيّ عَزِيزٌ ) (٢) .

إذن فلابدّ ـ بحسب التخطيط الإلهي ـ من إقامة العدل ، والسلام في العالم ، بعد انتشار الظلم والجور والفساد في ربوع الأرض وأرجائها ، وهو ما نشاهده ونراه بالحس والعيان في كل حدب وصوب ، وهذا ما يتطابق مع ما تنبّأ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :( تملأ الأرض ظلماً وجوراً ، ثم يخرج رجل من عترتي ، يملك سبعاً أو تسعاً ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ) (٣) ، فكما أنّ الأرض مُلئت وستُملأ بالجور والفساد والظلم ، لابدّ لها من يوم تُملأ فيه عدلاً وقسطاً ، على يد الإمام المهديّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٢٩٥ .

(٢) الحديد : ٢٥ .

(٣) سنن أبي داود ، السجستاني : ج ٤ ص ٧١٢ ح ٤٢٧٦ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٣ ص ٢٨ ص ٣٦ ص ٧٠ ؛ المستدرك الحاكم : ج ٤ ص ٥٥٧ ؛ وانظر مجمع الزوائد : الهيثمي : ج ٧ ص ٣١٤ ، وقال فيه : ( رواه الترمذي وغيره باختصار ، رواه أحمد بأسانيد ، وأبو يعلى باختصار ، ورجالهما ثقات ) ؛ وانظر : المصنف : الصنعاني : ج ١١ ص ٣٧٢ ـ ٣٧٣ .

١٣٦

إلاّ أنّ النقطة الجديرة بالذكر هي أنّ تحقق هذا الهدف ، وهو إقامة العدل والقسط في الأرض ، يتوقّف على توفّر شرائطه التي أراد الله تعالى بحكمته أن تكون من الطريق الطبيعي لا الإعجازي ، وهذا ما جرت عليه السنن الإلهية في هذا العالم ، فقد قال تبارك وتعالى :( لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ ) (١) ، وقال تعالى أيضاً :( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإِنّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) ، وقال تعالى :( وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلُِيمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ ) (٣) ، وقال :( وَتِلْكَ الأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبّ الظّالِمِينَ * وَلِيُمَحّصَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ ) (٤) ، وغير ذلك من الآيات المباركة ، التي تكشف عن أنّ التخطيط الإلهي لجريان السنن في هذا العالم مبنيّ على السير الطبيعي للبشرية ، إلاّ في الظروف الخاصّة والاستثنائية ، التي تقتضي فيها الحكمة الإلهية إنجاز الهدف والوصول إليه عن طريق الإعجاز وخرق المعتاد ، وذلك كإثبات أصل نبوّة الأنبياء مثلاً .

وإقامة العدل على هذه الأرض جاء ضمن ذلك الإطار ، فلكي يتحقق على أرض الواقع ويحين أجله ، لابد من اكتمال جميع شرائطه ، وعلى ضوء ذلك كانت غيبة إمامنا المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) جزءاً من هذا التخطيط والحكمة الإلهية ، من أجل أن تكتمل باقي الشرائط لظهور الحق وإقامة العدل ، تلك الشرائط التي يتحقق معظمها في أحضان الغيبة ، وهذا ما أخبر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في روايات عديدة من كتب الفريقين :

ـــــــــــــ

(١) الأنفال : ٣٧ .

(٢) الأنفال : ٤٢ .

(٣) آل عمران : ١٥٤ .

(٤) آل عمران : ١٤٠ ـ ١٤٢ .

١٣٧

منها : ما أخرجه الإربلي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لمّا أنزل الله على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمَن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هم خلفائي من بعدي يا جابر ، وأئمة الهدى بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه عنّي السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم سميّي وكنيّي ، وحجّة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده محمد بن الحسن بن عليّ ، ذلك الذي يفتح الله عزّ وجلّ على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك الذي يغيب عن شيعته ، وأوليائه ، غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان ) ، فقال جابر : فقلت : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أي والذي بعثني بالحق ، إنّهم ليستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها سحاب ، يا جابر هذا من مكنون سر الله ، ومخزون علم الله ، فاكتمه إلاّ عن أهله ) (٢) .

وعن علي بن علي الهلالي ، عن أبيه قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة رضي الله عنها عند رأسه قال : فبكت حتى ارتفع صوتها ، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إليها فقال :حبيبتي فاطمة ،

ـــــــــــــ

(١) النساء : ٥٩ .

(٢) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٣ ص ٣٩٩ .

١٣٨

ما الذي يبكيك ، فقالت :أخشى الضيعة بعدك ، فقال :يا حبيبتي ، أما علمت أن الله ـ عزّ وجلّ ـ اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته ، ثم أطلع إلى الأرض اطلاعه فاختار منها بعلك ، وأوحى إليّ أن أنكحك إيّاه ، يا فاطمة ، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تُعط لأحد قبلنا ولا تُعطى أحداً بعدنا : أنا خاتم النبيّين ، وأكرم النبيّين على الله ، وأحب المخلوقين إلى الله عزّ وجلّ وأنا أبوك ، ووصيي خير الأوصياء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو عمّك حمزة بن عبد المطلب ، وعمّ بعلك ، ومنّا مَن له جناحان أخضران يطير مع الملائكة في الجنّة حيث شاء ، وهو ابن عم أبيك ، وأخو بعلك ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة ، وهما ابناك الحسن والحسين ، وهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما ـ والذي بعثني بالحق ـ خير منهما يا فاطمة ـ والذي بعثني بالحق ـ إنّ منهما مهدي هذه الأُمّة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن ، وتقطّعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً ، فيبعث الله عزّ وجلّ عند ذلك منهما مَن يفتح حصون الضلالة ، وقلوباً غلفاً يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ، ويملأ الدنيا عدلاً كما مُلئت جوراً ، يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي ، فإنّ الله عزّ وجلّ أرحم بك وأرأف عليك منّي ؛ وذلك لمكانك من قلبي ، وزوّجك الله زوجاً ، وهو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً ، وأرحمهم بالرعيّة ، وأعدلهم بالسوية ، وأبصرهم بالقضية ، وقد سألت ربّي عزّ وجلّ أن تكوني أوّل مَن يلحقني من أهل بيتي ، قال علي رضي الله عنه :فلمّا قُبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تبق فاطمة رضي الله عنهابعده إلاّ خمسة

١٣٩

وسبعين يوماً حتى ألحقها الله عزّوجلّ به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه : الهيثم بن حبيب ، قال أبو حاتم : منكر الحديث وهو متهم بهذا الحديث(١) .

أقول : ولم يجدوا في الهيثم بن حبيب مطعناً سوى روايته لهذا الحديث في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، وله نظائر كثيرة !!

وعن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة :نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك حمزة ، ومنّا مَن له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث شاء وهو ابن عمّ أبيك جعفر ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة الحسن والحسين وهما ابناك ومنّا المهدي .

رواه الطبراني في الصغير وفيه قيس بن الربيع وهو ضعيف وقد وثق ، وبقيّة رجاله ثقات(٢) .

ومنها : ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري أيضاً : قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً ، تكون له غيبة وحيرة ، تضل فيها الأُمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملأها عدلاً كما مُلئت جوراً ) (٣)

وغير ذلك من الروايات ، الدالة على ضرورة الغيبة ، من أجل اكتمال شرائط الظهور ، وإقامة العدل والقسط ؛ وذلك من خلال تخطّي البشرية لمراحل عديدة من التمحيص والفتن والحيرة ، والابتلاء .

ـــــــــــــ

(١) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٦٥ ـ ١٦٦ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٩ ص ١٦٦ .

(٣) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٣٨٦ .

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

وإن كانت العمامة مما يصح السجود عليه صح كما لو كانت من خوص أو شي‌ء من النباتات.

* * *

٤٤١

٤٤٢

الفصل الرابع : في اللباس‌

ومباحثه ثلاثة :

الأول : ستر العورة‌

مسألة ١٠٥ : ستر العورة عن العيون بما لا يصف البشرة واجب في الصلاة وغيرها‌ ، لقولهعليه‌السلام : ( لعن الله الناظر والمنظور إليه )(١) وقالعليه‌السلام : ( لا تكشف فخذك ولا تنظر الى فخذ حي ولا ميت )(٢) ولا يجب في غير الصلاة في الخلوة إجماعا منا ـ وبه قال أبو حنيفة ، وأحمد(٣) ـ لأنه ليس معه من يستتر عنه ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وأصحهما عنده : الوجوب(٤) لعموم الخبر(٥) ، وللتستر عن الجن والملائكة.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٥٠٣ ـ ٣٦ ، الفردوس ٣ : ٤٦٥ ـ ٥٤٤١ ، الكامل لابن عدي ١ : ٣٢٥ ، سنن البيهقي ٧ : ٩٩ ، الجامع الكبير ١ : ٦٤٣.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ١٩٦ ـ ٣١٤٠ و ٤ : ٤٠ ـ ٤٠١٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٦٩ ـ ١٤٦٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٨٨ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٢٥ ـ ٤.

(٣) فتح العزيز ٤ : ٧٩.

(٤) المجموع ٣ : ١٦٦ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧١.

(٥) سنن أبي داود ٣ : ١٩٦ ـ ٣١٤٠ و ٤ : ٤٠ ـ ٤٠١٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٦٩ ـ ١٤٦٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٨٨ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٢٥ ـ ٤.

٤٤٣

والخبر ممنوع إرادة التحريم منه لأن الفخذ عند جماعة ليس من العورة(١) ، والتستر عن الجن والملائكة غير ممكن.

مسألة ١٠٦ : وستر العورة شرط في الصلاة‌ إجماعا منا ، فلو صلّى مكشوف العورة في خلوة أو غيرها بطلت صلاته ـ وهو قول أكثر العلماء كالشافعي ، وأبي حنيفة وأحمد(٢) ـ قال ابن عبد البر : أجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلّى عريانا(٣) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار )(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام وقد سئل ما ترى للرجل أن يصلّي في قميص واحد؟ قال : « إذا كان كثيفا فلا بأس »(٥) يدل على ثبوت البأس مع عدم الكثافة.

وقال مالك : ليس بشرط وإن كان واجبا في الصلاة وغيرها لأن وجوبه لا يختص بالصلاة فليس من فروضها فإذا عدم فيها لم يبطلها كالصلاة في الدار المغصوبة(٦) . وينتقض بالإيمان والطهارة فإنّها تجب لمس المصحف ، ونمنع الأصل أيضا ، وقال بعض أصحابه : إنّه شرط مع الذكر دون النسيان(٧) .

__________________

(١) عمدة القارئ ٤ : ٨٠ ـ ٨١.

(٢) المجموع ٣ : ١٦٦ و ١٦٧ ، الوجيز ١ : ٤٨ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٧ ، اللباب ١ : ٦١ ، المغني ١ : ٦٥١ ، بداية المجتهد ١ : ١١٤ ، كشاف القناع ١ : ٢٦٣.

(٣) المغني ١ : ٦٥١ ، كشاف القناع : ١ : ٢٦٣.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٢١٥ ـ ٦٥٥ ، سنن الترمذي ٢ : ٢١٥ ـ ٣٧٧ ، سنن أبي داود ١ : ١٧٣ ـ ٦٤١ ، مسند أحمد ٦ : ١٥٠ و ٢١٨ و ٢٥٩ ، مستدرك الحاكم ١ : ٢٥١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٤ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ ـ ٨٥٥.

(٦) فتح العزيز ٤ : ٨١ ، بداية المجتهد ١ : ١١٤ ، القوانين الفقهية : ٥٠ ، حلية العلماء ٢ : ٥٢.

(٧) المجموع ٣ : ١٦٧ ، المغني ١ : ٦٥١ ، فتح العزيز ٤ : ٨١.

٤٤٤

مسألة ١٠٧ : وعورة الرجل عند أكثر علمائنا قبله ودبره لا غير‌(١) ـ وبه قال عطاء ، وداود ، وابن أبي ذئب ، وهو وجه للشافعي ، ورواية عن أحمد(٢) ـ لأن أنسا قال : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى لأني أنظر الى بياض فخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « الفخذ ليس من العورة »(٤) .

ولأنه ليس بمخرج للحدث فلم يكن عورة كالساق.

وقال جماعة منّا : العورة ما بين السرة والركبة(٥) ـ وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وأصحاب الرأي(٦) ، لقولهعليه‌السلام : ( لا تكشف فخذك ولا تنظر الى فخذ حيّ ولا ميت )(٧) وهو محمول على الكراهة جمعا بين الأدلة.

فروع :

أ ـ السرة ليست من العورة على الرأيين عندنا ، وكذا الركبة لقوله عليه‌

__________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٨٧ ، وقطب الدين الراوندي في فقه القرآن ١ : ٩٥ ، ويحيى بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع : ٦٥ ، وابن إدريس في السرائر : ٥٥ ، والمحقق في المعتبر : ١٥٤.

(٢) المجموع ٣ : ١٦٨ و ١٦٩ ، المغني ١ : ٦٥١ ـ ٦٥٢ ، نيل الأوطار ٢ : ٤٩.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٠٣ ـ ١٠٤.

(٤) الفقيه ١ : ٦٧ ـ ٢٥٣ ، التهذيب ١ : ٣٧٤ ـ ١١٥٠.

(٥) منهم : ابن البراج في المهذب ١ : ٨٣ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي : ١٣٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٨٩.

(٦) المجموع ٣ : ١٦٨ ـ ١٦٩ ، بداية المجتهد ١ : ١١٤ ، المغني ١ : ٦٥١ ، المنتقي للباجي ١ : ٢٤٧ ، العدة شرح العمدة : ٦٦ ، المبسوط للسرخسي ١٠ : ١٤٦ ، شرح العناية ١ : ٢٢٤ ، تفسير الرازي ٢٣ : ٢٠٢.

(٧) سنن أبي داود ٣ : ١٩٦ ـ ٣١٤٠ و ٤ : ٤٠ ـ ٤٠١٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٦٩ / ١٤٦٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٨٨ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٢٥ ـ ٤.

٤٤٥

السلام : ( أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة )(١) وكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقبّل سرّة الحسن(٢) ، وقبّلها أبو هريرة(٣) ، وهو ظاهر مذهب الشافعي(٤) .

وعند أبي حنيفة الركبة من العورة دون السرة ، وهو وجه للشافعي(٥) وله وجه ثالث : أن السرة والركبة جميعا من العورة(٦) ، وعن مالك : الفخذ ليس من العورة(٧) .

ب ـ لا فرق بين الحر والعبد إجماعا ، ولا بين البالغ والصبي.

ج ـ الواجب الستر بما يستر لون البشرة فإن كان خفيفا يبين لون الجلد من ورائه فيعلم بياضه أو حمرته لم تجز الصلاة فيه لعدم الستر به ، وإن ستر اللون ووصف الخلقة والحجم جازت الصلاة لعدم التحرز منه.

مسألة ١٠٨ : وعورة المرأة جميع بدنها إلاّ الوجه‌ بإجماع علماء الأمصار ، عدا أبا بكر بن عبد الرحمن بن هشام فإنه قال : كلّ شي‌ء من المرأة عورة حتى ظفرها(٨) ، وهو مدفوع بالإجماع.

وأما الكفان فكالوجه عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك ، والشافعي ،

__________________

(١) سنن البيهقي ٢ : ٢٢٩.

(٢) سنن البيهقي ٢ : ٢٣٢.

(٣) سنن البيهقي ٢ : ٢٣٢.

(٤) الام ١ : ٨٩ ، المجموع ٣ : ١٦٨ ، الوجيز ١ : ٤٨ ، المغني ١ : ٦٥٢ ، تفسير الرازي ٢٣ : ٢٠٢.

(٥) تفسير الرازي ٢٣ : ٢٠٢ ، المغني ١ : ٦٥٢ ، المحلى ٣ : ٣٢٣ ، المجموع ٣ : ١٦٨ ـ ١٦٩.

(٦) المجموع ٣ : ١٦٨.

(٧) تفسير الرازي ٢٣ : ٢٠٢.

(٨) المجموع ٣ : ١٦٩ ، المغني ١ : ٦٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ١١٥ ، عمدة القارئ ٤ : ٩٠.

٤٤٦

والأوزاعي ، وأبو ثور(١) ـ لأن ابن عباس قال في قوله تعالى( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها ) (٢) قال : الوجه والكفان(٣) .

وسأل محمد بن مسلم الباقرعليه‌السلام قلت : ما ترى للرجل أن يصلّي في قميص واحد؟ قال : « إذا كان كثيفا فلا بأس ، والمرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفا » يعني إذا كان ستيرا ،(٤) فاجتزأعليه‌السلام بالدرع ـ وهو القميص ـ والمقنعة ـ وهي للرأس ـ فيستحب ما عدا ذلك.

وقال أحمد ، وداود : الكفان من العورة(٥) لقوله تعالى( إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها ) (٦) والظاهر منها الوجه. ويبطل بقول ابن عباس.

وأما القدمان فالظاهر عدم وجوب سترهما ـ وبه قال أبو حنيفة ، والثوري ، والمزني ـ لأن القدمين يظهر منهما في العادة فلم تكن عورة كالكفين(٧) .

__________________

(١) الام ١ : ٨٩ ، المجموع ٣ : ١٦٩ ، تفسير الرازي ٢٣ : ٢٠٢ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٥١ ، مقدمات ابن رشد ١ : ١٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ١١٥ ، المغني ١ : ٦٧٢ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٢.

(٢) النور : ٣١.

(٣) المغني ١ : ٦٧٢ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٢ ، العدة شرح العمدة : ٦٦ ، الدر المنثور ٥ : ٤١ ، المحلى ٣ : ٢٢١ و ٢٢٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٤ ـ ٢ ، الفقيه ١ : ٢٤٣ ـ ١٠٨١ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ ـ ٨٥٥.

(٥) المغني ١ : ٦٧٢ ـ ٦٧٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٢ ، المحرر في الفقه ١ : ٤٢ ، حلية العلماء ٢ : ٥٣.

(٦) النور : ٣١.

(٧) المجموع ٣ : ١٦٩ ، المبسوط للسرخسي ١٠ : ١٥٣ ، اللباب ١ : ٦٢ ، شرح العناية ١ : ٢٢٥ ، عمدة القارئ ٤ : ٩٠ ، المغني ١ : ٦٧٢ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٣ ، بداية المجتهد ١ : ١١٥ ، المحلى ٣ : ٢٢٣.

٤٤٧

وقال الشافعي ، ومالك ، والأوزاعي ، وأبو ثور : إنهما عورة(١) لحديث ابن عباس ، ولا يعطي نفي الزائد.

مسألة ١٠٩ : الأمة الكبيرة يجوز أن تصلّي مكشوفة الرأس‌ بإجماع العلماء إلاّ ما نقل عن الحسن البصري من إيجاب الخمار عليها إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه(٢) .

واستحب لها عطاء أن تقنع إذا صلّت ولم يوجبه(٣) لأن عمر كان ينهى الإماء عن القنع ، وضرب جارية لآل أنس رآها مقنعة فقال : اكشفي رأسك ولا تشبهي بالحرائر(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام وقد سأله محمد بن مسلم الأمة تغطي رأسها إذا صلّت ، فقال : « ليس على الأمة قناع »(٥) .

فروع :

أ ـ القناع وإن لم يجب لكنه مستحب لأنه أنسب بالخفر(٦) ، وهو أمر مطلوب من الحرائر والإماء ، وأنكر الجمهور ـ إلاّ عطاء ـ استحبابه(٧) لفعل‌

__________________

(١) الام ١ : ٨٩ ، المجموع ٣ : ١٦٩ ، المنتقي للباجي ١ : ٢٥١ ، مقدمات ابن رشد ١ : ١٣٣ ، عمدة القارئ ٤ : ٩٠.

(٢) المجموع ٣ : ١٦٩ ، المغني ١ : ٦٧٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٢ ، بداية المجتهد ١ : ١١٦.

(٣) المغني ١ : ٦٧٤ ، بداية المجتهد ١ : ١١٦.

(٤) المغني ١ : ٦٧٤ ، المبسوط للسرخسي ١٠ : ١٥١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٤ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ ـ ٨٥٥.

(٦) في نسخة ( م ) : بالحصن.

(٧) المغني ١ : ٦٧٤ ، بداية المجتهد ١ : ١١٦.

٤٤٨

عمر ، وليس بجيد لما فيه من ترك الستر ، وجاز أن يكون فعله عن رأي رآه.

ب ـ عورة الأمة كالحرة إلاّ في الرأس عند علمائنا أجمع ـ وبه قال بعض الشافعية(١) ـ لأن الأنوثة تناسب الستر فكانت علة ، وإنما سوغنا لها كشف الرأس لما فيه من النص(٢) ، ولأنه ظاهر في أكثر الأوقات فأشبه وجه الحرة.

وقال بعض الشافعية : إنّ عورتها كالرجل ما بين السرة إلى الركبة ، وهو رواية عن أحمد(٣) ، لأن من لم يكن رأسه عورة لم يكن بدنه عورة كالرجل.

والفرق أن للمرأة محاسن بخلاف الرجل.

وقال بعضهم : جميعها عورة إلاّ ما يحتاج الى تغليبه وكشفه للخدمة كالرأس ، والذراع والساق للحاجة الى ذلك ، وهو رواية عن أحمد أيضا(٤) والمعتمد ما تقدم.

ج ـ أم الولد ، والمدبّرة ، والمكاتبة المشروطة ، وغير المؤدّية(٥) كالقنة ـ وبه قال الشافعي ، وأحمد في إحدى الروايتين(٦) ـ لبقاء الملك فيها ، ولأنها تضمن بالقيمة فأشبهت القنة ، وقال محمد بن سيرين : أم الولد تصلّي‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ١٦٨ ، مغني المحتاج ١ : ١٨٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧١.

(٢) انظر على سبيل المثال التهذيب ٢ : ٢١٨ ـ ٨٥٩ ، الاستبصار ١ : ٣٩٠ ـ ١٤٨٣.

(٣) المجموع ٣ : ١٦٩ ، فتح العزيز ٤ : ٩١ ، المغني ١ : ٦٧٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩١.

(٤) فتح العزيز ٤ : ٩١ ، المغني ١ : ٦٧٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧١ ، حلية العلماء ٢ : ٥٤.

(٥) اي المكاتبة المطلقة التي لم تؤدّ شيئا من المال عن كتابتها.

(٦) المجموع ٣ : ١٦٨ ، فتح العزيز ٤ : ٩١ ، المغني ١ : ٦٧٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٣.

٤٤٩

مقنعة ، وهو رواية عن أحمد لثبوت سبب الحرية لها(١) . وهو ممنوع.

د ـ لو انعتق بعضها كانت كالحرة أخذا بالاحتياط ، وتغليبا للحرية ، ولحصول يقين البراءة.

وقال الشافعي : أنّها كالأمة لأنّ وجوب ستر الرأس من أمارات الحرية ، وعلامات الكمال(٢) . وهو ممنوع إن قصد في الجميع وإلاّ لم يتم.

هـ ـ لو اعتقت في أثناء الصلاة وهي مكشوفة الرأس فكالعاري يجد السترة في الأثناء ، إن أمكنها ستره من غير فعل كثير وجب وبنت ـ وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة(٣) ـ وإن لم تتمكن إلاّ بفعل كثير فإن خافت فوت الصلاة أتمت ، وإن لم تخف استأنفت ، والمرجع في كثرة الفعل إلى العرف لعدم التوقيف(٤) فيه.

و ـ لو وجدت السترة واحتاجت الى الانتظار الطويل بحيث لا يفوت الوقت احتمل وجوبه لأنه انتظار واحد ، والبطلان لأنها صلّت في زمان طويل عارية مع إمكان الستر فلم تصح.

ز ـ لو اعتقت في الأثناء ولم تعلم حتى فرغت ، أو كانت عتقت قبل الصلاة ولم تعلم ففي وجوب الإعادة نظر ينشأ من اشتراط العلم في التكليف.

ومن كونها صلّت جاهلة بوجوب الستر فلا تصح ، كما لو علمت العتق‌

__________________

(١) المغني ١ : ٦٧٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٣ ، المجموع ٣ : ١٦٩.

(٢) المجموع ٣ : ١٦٨ ، فتح العزيز ٤ : ٩١.

(٣) المجموع ٣ : ١٨٤ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٢ ، المحلى ٣ : ٢٢٤.

(٤) في نسخة ( م ) : التوقيت.

٤٥٠

وجهلت وجوب الستر ، وللشافعي قولان(١) .

ح ـ لو اعتقت ولم تقدر على سترة مضت في صلاتها ولم تلزمها الإعادة لعدم وجوب الستر عليها لعجزها عنه.

ط ـ الصبية الحرة كالأمة في تسويغ كشف الرأس لها ونعني بها من لم تبلغ ، ولو بلغت في الأثناء بغير المبطل فكالأمة إذا أعتقت فيه إلاّ أنها متى تمكنت من الاستئناف وجب ، لأن ما فعلته أولا لم يكن واجبا.

مسألة ١١٠ : يستحب للرجل ستر جميع بدنه بقميص ، وإزار ، وسراويل‌ لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا صلّى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله تعالى أحق أن يتزين له )(٢) ولما فيه من المبالغة في الستر ، وتعظيم حال الصلاة. وأشد منه استحبابا ستر ما بين الركبة والسرة لوقوع الخلاف في وجوبه ، ويجزي الثوب الواحد ، لأن الباقرعليه‌السلام صلّى فيه(٣) .

ويستحب التحنك ، لقول الصادقعليه‌السلام : « من تعمّم ولم يتحنك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلاّ نفسه »(٤) .

وعنهعليه‌السلام : « من اعتمّ فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومنّ إلاّ نفسه »(٥) .

ويجوز أن يصلّي في ثوب واحد يأتزر ببعضه ويرتدي بالآخر ، لأن الصادقعليه‌السلام سئل عن الرجل يصلّي في ثوب واحد قال : « يأتزر به إذا‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ١٨٤ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٢.

(٢) كنز العمال ٧ : ٣٣١ ـ ١٩١٢٠ ( عن الطبراني في الأوسط ).

(٣) التهذيب ٢ : ٢١٦ ـ ٨٤٨.

(٤) الكافي ٦ : ٤٦٠ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢١٥ ـ ٨٤٦.

(٥) الكافي ٦ : ٤٦١ ـ ٧ ، التهذيب ٢ : ٢١٥ ـ ٨٤٧ ، المحاسن ٣٧٨ ـ ١٥٧.

٤٥١

رفعه الى الثديين »(١) .

ويستحب للمرأة ثلاثة أثواب : درع ، وخمار ، وإزار ، لاشتماله على المبالغة في الستر لقول الصادقعليه‌السلام : « تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب : درع ، وخمار ، وإزار ، ولا يضرها بأن تقنع بالخمار ، فإن لم تجد فثوبين تأتزر بأحدهما وتقنع بالآخر » قلت : وإن كان درعا وملحفة ليس عليها مقنعة؟ فقال : « لا بأس إذا تقنعت بالملحفة ، فإن لم تكفها فلتلبسها طولا »(٢) .

والدرع يريد به القميص السابغ الذي يغطي ظهور قدميها ، والخمار هو الجلباب وهو ما يغطي رأسها وعنقها.

ويستحب أن يكون الإزار غليظا ، وتجافيه عن جسمها ، لئلاّ يصفها في حال الركوع والسجود.

مسألة ١١١ : ويجوز أن يصلّي عاريا ساترا لعورتيه خاصة‌ لكن يستحب أن يجعل على عنقه شيئا ولو كالخيط وليس بواجب ـ وبه قال الشافعي(٣) ـ لأن العنق ليس بعورة فلا يجب ستره كسائر البدن.

وقال أحمد : إنه واجب(٤) لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا يصلّي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شي‌ء )(٥) وهو محمول على الاستحباب.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٥ ـ ٩ ، التهذيب ٢ : ٢١٦ ـ ٨٤٩.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٥ ـ ١١ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ ـ ٨٥٦.

(٣) الام ١ : ٨٩ ، المجموع ٣ : ١٧٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٢ ، المغني ١ : ٦٥٤.

(٤) المغني ١ : ٦٥٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٥ ، المحرر في الفقه ١ : ٤٣ ، العدة شرح العمدة : ٦٧ ، المجموع ٣ : ١٧٥.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٣٦٨ ـ ٥١٦ ، مسند أحمد ٢ : ٢٤٣.

٤٥٢

وقال الصادقعليه‌السلام : « ولكن إذا لبس السراويل جعل على عاتقه شيئا ولو حبلا »(١) .

ويجوز أن يصلّي في ثوب واحد وإن كان واسع الجيب إذا لم تبد منه العورة حالة الركوع وغيرها لحصول الستر وإن لم يزرّه على نفسه ، لقول الباقرعليه‌السلام : « لا بأس أن يصلّي أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محلولة ، إن دين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله حنيف »(٢) .

مسألة ١١٢ : لو انكشف بعض العورة في الصلاة بطلت قلّ أو كثر‌ عند علمائنا ، سواء الرجل والمرأة ـ وبه قال الشافعي(٣) ـ لأنه حكم يتعلق بالعورة فاستوى فيه قليلها وكثيرها كالنظر.

وقال أبو حنيفة : إن انكشف من العورة المغلظة ـ وهي القبل والدبر ـ قدر الدرهم لم تبطل وإن انكشف أكثر بطلت وإن انكشف من المخففة ـ وهي ما عدا ذلك ـ أقل من الربع لم تبطل ، وأما المرأة فإن انكشف ربع شعرها ، أو ربع فخذها ، أو ربع بطنها بطلت صلاتها ، وإن كان أقل من ذلك لم تبطل(٤) .

وقال أبو يوسف : إن انكشف أقل من النصف لم تبطل ، لأن ستر‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٣ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢١٦ ـ ٨٥٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٥ ـ ٨ ، الفقيه ١ : ١٧٤ ـ ٨٢٣ ، التهذيب ٢ : ٣٥٧ ـ ١٤٧٧ ، الاستبصار ١ : ٣٩٢ ـ ١٤٩٢.

(٣) المجموع ٣ : ١٦٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧١ ، الام ١ : ٨٩ ، المغني ١ : ٦٥٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٧.

(٤) الهداية للمرغيناني ١ : ٤٣ ـ ٤٤ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٩٧ بدائع الصنائع ١ : ١١٧ ، الجامع الصغير للشيباني : ٨٢ ، المجموع ٣ : ١٦٧ ، فتح العزيز ٤ : ٨٢ ، الميزان ١ : ١٥٧ ، المغني ١ : ٦٥٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٧.

٤٥٣

العورة حكم يسقط حال العذر ، فيختلف قليله وكثيره في غير حالة العذر كإزالة النجاسة(١) . ولا دليل على هذا التقدير ، وينتقض قولهم بالوضوء.

فروع :

أ ـ قال الشيخ في المبسوط : لو انكشفت العورتان في الصلاة سترهما ولا تبطل صلاته به سواء كان ما انكشفت عنه قليلا أو كثيرا ، بعضه أو كله(٢) . وفيه نظر من حيث ان ستر العورة شرط وقد فات فتبطل.

أما لو لم يعلم به فالوجه الصحة للعذر ، ولقول الكاظمعليه‌السلام وقد سأله أخوه عن الرجل صلى وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله؟ : « لا إعادة عليه وقد تمت صلاته »(٣) .

ب ـ لو وجد من الثوب ما يستر به بعض العورة لزمه الستر بخلاف ما لو وجد من الماء ما يكفي بعض الأعضاء ، ولو كان الموجود يكفي إحداهما خاصة فالقبل أولى ـ وبه قال الشافعي(٤) ـ لظهوره واستقبال القبلة به ، ولا يجوز صرفه في غير ستر العورة ، خلافا لبعض الشافعية(٥) .

ج ـ لو كان في ثوبه خرق فجمعه وأمسكه بيده فصلاته صحيحة ، ولو وضع يده على موضع الخرق وستره بيده فوجهان : الصحة لحصول الستر ،

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١٩٧ ، الجامع الصغير للشيباني : ٨٢ ، بدائع الصنائع ١ : ١١٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٤٤ ، المجموع ٣ : ١٦٧.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٨٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٢١٦ ـ ٨٥١.

(٤) الام ١ : ٩١ ، المجموع ٣ : ١٨١ ، فتح العزيز ٤ : ٩٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٣ ، السراج الوهاج : ٥٣.

(٥) المجموع ٣ : ١٨١ ، فتح العزيز ٤ : ٩٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٣ ، السراج الوهاج : ٥٣.

٤٥٤

والمنع لأنّ إطلاق السترة على ما يغطي العورة من غير البدن.

مسألة ١١٣ : لو لم يجد ساترا لم تسقط عنه الصلاة‌ إجماعا ، فإن وجد ورق الشجر وتمكن من الستر به وجب ، وكذا لو وجد طينا وجب عليه أن يطيّن عورته لأنه يستر العورة ، قال الصادقعليه‌السلام : « النورة سترة »(١) . وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : المنع ، لأنه يلوث نفسه ويجف ويتناثر ولا يستر العورة(٢) . ولا حجة فيه لأن التناثر بعد الاستظهار لا يضر.

ولو وجد وحلا أو ماء كدرا يستر عورته لو نزله فإن لم يكن فيه مضرة وجب وإلاّ فلا.

ولو وجد حفرة دخلها وجوبا ، وصلى قائما مع أمن المطلع ، وهل يركع ويسجد؟ قال بعض فقهائنا : نعم(٣) ، لأن الستر قد حصل وليس التصاقه بالبدن شرطا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفرة دخلها فيسجد فيها ويركع »(٤) .

مسألة ١١٤ : لو لم يجد العاري سترة قال علماؤنا : يصلّي جالسا ‌إن لم يأمن المطلع ، ويكون ركوعه وسجوده بالإيماء ، وإن أمن المطلع صلّى قائما ويركع ويسجد بالإيماء لأنّ القيام قد يسقط أحيانا فيسقط مع خوف المطلع لئلا تبدو عورته وفيه فحش ، ولو أمنه صلّى قائما لعدم الموجب لسقوط القيام ، ولا يركع ولا يسجد إلاّ بالإيماء لما فيه من الفحش.

__________________

(١) المعتبر ١٥٥ ، وعن الباقرعليه‌السلام في الكافي ٦ : ٤٩٧ ـ ٧ ، والفقيه ١ : ٦٥ ـ ٢٥٠.

(٢) المجموع ٣ : ١٨٠ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٣ ، السراج الوهاج : ٥٢.

(٣) القائل هو المحقق في المعتبر : ١٥٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ـ ١٥١٧.

٤٥٥

ولقول الصادقعليه‌السلام في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة قال : « يصلّي عريانا قائما إن لم يره أحد ، فإن رآه أحد صلّى جالسا »(١) .

وقال الباقرعليه‌السلام فيمن خرج من سفينة عريانا ، قال : « إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها ، وإن كان رجلا وضع يده على سوأته ثم يجلسان فيومئان إيماء ولا يركعان ولا يسجدان فيبدو ما خلفهما »(٢) .

وقال مالك ، والشافعي : يصلّي قائما بركوع وسجود. وأطلق ، لأنه مستطيع للقيام من غير ضرر فلم يجز له تركه ، كما لو لم يجد السترة(٣) .

ونمنع انتفاء الضرر فإن اطلاع الغير ضرر.

وقال الأوزاعي ، وأحمد ، والمزني : يصلّون قعودا(٤) وأطلقوا لأنه قادر على ستر العورة فلم يجز له كشفها ، والستر ممنوع بل الأرض تستر بعضها عندهم.

وقال أبو حنيفة : يتخير بين القيام والقعود ، والقعود أفضل : لأنه لا بد من ترك فرض في كل من الفعلين فيتخير فيهما(٥) .

فروع :

أ ـ للشافعي قول بالصلاة قاعدا مطلقا ، فتجب الإعادة ، لأنه أخل بالقيام‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٨ ـ ٧٩٣ ، التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ١٥١٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٦ ـ ١٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٤ ـ ١٥١٢ و ٣ : ١٧٨ ـ ٤٠٣.

(٣) الام ١ : ٩١ ، الميزان ١ : ١٥٧ ، المغني ١ : ٦٦٤.

(٤) المجموع ٣ : ١٨٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٣ ، المغني ١ : ٦٦٤ ، الشرح الكبير ١ : ٥٠٠ ، المحرر في الفقه ١ : ٤٦.

(٥) الكفاية ١ : ٢٣٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٤٤ ، الميزان ١ : ١٥٧ ، اللباب ١ : ٦٢ ـ ٦٣ ، المجموع ٣ : ١٨٣.

٤٥٦

وهو واجب مقدور عليه(١) . ونمنع وجوبه ، والصلاة صحيحة ، لأنه فعل المأمور به على وجهه فأجزأ.

ب ـ لو وجد بائع الثوب بثمن المثل وجب مع المكنة ، وكذا لو آجره ، ولو لم يكن معه ثمن أو احتاج إليه لم يجب ، ولو كثر الثمن عن المثل وتمكن وجب كالماء.

ج ـ لو وجد المعير وجب القبول لتمكنه حينئذ مع انتفاء الضرر ، ولو وهب منه لم يجب القبول لما فيه من المنة ، وبه قال الشافعي في أحد الوجهين(٢) ، وقال الشيخ : يجب القبول(٣) . وفيه إشكال.

د ـ لو وجد السترة في أثناء صلاته فإن تمكن من الستر بها من غير فعل كثير وجب ولو احتاج الى مشي خطوة أو خطوتين ، أما لو احتاج الى فعل كثير أو الى استدبار القبلة بطلت صلاته إن كان الوقت متسعا ولو لركعة وإلاّ استمر ، وفي قول للشافعي : أنه لو احتاج الى فعل كثير مشى ولبس وبنى على صلاته كمن سبقه الحدث(٤) ، والأصل ممنوع.

ولو وقف في موضعه حتى حمل إليه فالوجه الصحة ، وللشافعي وجهان(٥) .

وقال أبو حنيفة : لو وجد السترة في الأثناء بطلت صلاته كالمستحاضة‌

__________________

(١) المجموع ٢ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ ، فتح العزيز ٢ : ٣٦٢ ـ ٣٦٣.

(٢) المجموع ٣ : ١٨٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٧.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٨٨.

(٤) المجموع ٣ : ١٨٤.

(٥) المجموع ٣ : ١٨٤.

٤٥٧

إذا انقطع دمها(١) . وينتقض بالأمة إذا أعتقت في الأثناء فإن صلاتها لا تبطل عنده إذا كانت مكشوفة الرأس(٢) .

هـ ـ لو لم يجد إلاّ ثوب حرير صلّى عاريا لفقدان الشرط ، وهو وجدان الساتر ، للنهي عن هذه السترة ، وبه قال أحمد(٣) .

وقال الشافعي : يصلّي فيه وجوبا لأن ثوب الحرير صالح للسترة(٤) .

وهو ممنوع ، وتخصيص النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عبد الرحمن بن عوف ، والزبير ، لمعنى الحكة(٥) لا يقاس عليه.

ولو خاف البرد من نزعه صلّى فيه وأجزأ.

مسألة ١١٥ : لو لم يجد إلاّ الثوب النجس صلّى عاريا إن تمكن من نزعه‌ ، لقول الصادقعليه‌السلام في رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة وليس عليه إلاّ ثوب واحد وأصابه منيّ قال : « يتيمم ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعا ويصلّي ويومئ إيماء »(٦) .

وإن لم يتمكن من نزعه صلّى فيه ولا إعادة عليه ، للضرورة في الموضعين لقول الصادقعليه‌السلام في الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٥.

(٢) شرح فتح القدير ١ : ٢٢٩.

(٣) المغني ١ : ٦٦١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٩.

(٤) المجموع ٣ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٤.

(٥) صحيح البخاري ٤ : ٥٠ و ٧ : ١٩٥ ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٤٦ ـ ٢٠٧٦ ، سنن أبي داود ٤ : ٥٠ ـ ٤٠٥٦ ، سنن الترمذي ٤ : ٢١٨ ـ ١٧٢٢ ، سنن النسائي ٨ : ٢٠٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١١٨٨ ـ ٣٥٩٢ ، مسند الطيالسي : ٢٦٥ ـ ١٩٧٣ ، مسند أحمد ٣ : ١٢٢ و ١٢٧ و ١٨٠ و ١٩٢ و ٢١٥ و ٢٥٢ و ٢٥٥ و ٢٧٣.

(٦) التهذيب ١ : ٤٠٦ ـ ١٢٧٨ و ٢ : ٢٢٣ ـ ٨٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٦٨ ـ ٥٨٣.

٤٥٨

بول وليس معه غيره قال : « يصلّي فيه إذا اضطر إليه »(١) .

وعلى هذا التفصيل يحمل قول الكاظمعليه‌السلام في رجل أصاب ثوبه دم نصفه أو كلّه وحضرت الصلاة يصلّي فيه أو يصلّي عريانا؟ قال : « إن وجد ماء غسله ، وإن لم يجد ماء صلّى فيه ولم يصل عريانا »(٢) .

وللشيخ قول بالإعادة لو صلّى فيه للضرورة(٣) ، لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن رجل ليس معه إلاّ ثوب لا تحل الصلاة فيه ولا يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال : « يتيمم ويصلّي ، فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة »(٤) .

وهي ضعيفة السند ، ومدفوعة بأن الأمر للإجزاء.

وبالصلاة عاريا فلا إعادة قال الشافعي في المذهب المشهور ، والليث بن سعد(٥) .

وقال أبو حنيفة : يتخير إن شاء صلّى فيه ، وإن شاء صلّى عاريا ، ولم يفرق بين مقادير النجاسة في رواية أبي يوسف(٦) .

وفي رواية محمد : إن كان الدم أكثر من قدر درهم لم يجز أن يصلّي عريانا ، وإن كان مملوءا دما يتخير لأن ترك السترة إخلال بواجب ، والصلاة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢٤ ـ ٨٨٣ ، الاستبصار ١ : ١٦٩ ـ ٥٨٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٠ ـ ٧٥٦ ، التهذيب ٢ : ٢٢٤ ـ ٨٨٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٩ ـ ٥٨٥ ، قرب الاسناد : ٨٩.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٩١.

(٤) التهذيب ١ : ٤٠٧ ـ ١٢٧٩ و ٢ : ٢٢٤ ـ ٨٨٦ ، الاستبصار ١ : ١٦٩ ـ ٥٨٧.

(٥) المجموع ٣ : ١٤٢ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٨ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٧ ، المغني ١ : ٦٦٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٩.

(٦) المجموع ٣ : ١٤٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٩ ، حلية العلماء ٢ : ٤٦.

٤٥٩

بالنجاسة كذلك ، ولا يمكن الجمع بينهما فيتخير(١) . وينتقض بجلد الميتة.

وقال مالك ، والأوزاعي : يصلّي فيه ولا إعادة(٢) لأنّ النجاسة لا تجب إزالتها عن المصلّي عنده ، وقد سبق.

مسألة ١١٦ : لو كان جماعة عراة استحب لهم الجماعة‌ ، ذهب إليه علماؤنا سواء كانوا رجالا أو نساء يصلّون صفا واحدا جلوسا يتقدمهم الإمام بركبتيه لعموم الأمر بالجماعة(٣) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه يومي الإمام بالركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم »(٤) .

وقال الشافعي : يصلّون جماعة وفرادى قياما ، ويقف الإمام وسطهم ، وله قول آخر : أنّ الأفضل الانفراد لعدم تمكنهم من الإتيان بسنة الجماعة وهي الموقف(٥) ، واستدراك فضيلة الجماعة أولى من استدراك سنة الموقف ، وقال أبو حنيفة : يصلّون فرادى ، وإن كانوا في ظلمة صلّوا جماعة(٦) .

__________________

(١) حلية العلماء ٢ : ٤٦.

(٢) بلغة السالك ١ : ١٠٤ ، القوانين الفقهية : ٥٩ ، المجموع ٣ : ١٤٣ ، المغني ١ : ٦٦٦ و ٦٦٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٩.

(٣) انظر على سبيل المثال الكافي ٣ : ٣٧٢ ـ ٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ١٥١٤.

(٥) الام ١ : ٩١ ، المجموع ٣ : ١٨٥ و ١٨٦ ، فتح العزيز ٤ : ٩٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٣ ، المغني ١ : ٦٦٨ ، الشرح الكبير ١ : ٥٠٣.

(٦) المغني ١ : ٦٦٨ ، الشرح الكبير ١ : ٥٠٢.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512