تذكرة الفقهاء الجزء ٢

تذكرة الفقهاء7%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: 512

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 512 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35764 / تحميل: 8617
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

من طرق أهل السنّة عن ابن عبّاس.

قوله: إنّ إبراهيم نظر إلى جيفة إلى قوله فقال: يا ربّ أرني الخ، بيان للشبهة الّتي دعته إلى السؤال وهى تفرّق أجزاء الجسد بعد الموت تفرّقاً يؤدّي إلى تغيّرها وانتقالها إلى أمكنة وحالات متنوّعة لا يبقى معها من الأصل شئ.

فإن قلت: ظاهر الرواية: أنّ الشبهة كانت هي شبهة الآكل والمأكول، حيث اشتملت على وثوب بعضها على بعض، وأكل بعضها بعضاً، ثمّ فرّعت على ذلك تعجّب إبراهيم وسؤاله.

قلت: الشبهة شبهتان - إحداهما - تفرّق أجزاء الجسد وفناء أصلها من الصور والأعراض وبالجملة عدم بقائها حتّى تتميّز وتركبها الحياة - وثانيتهما - صيرورة أجزاء بعض الحيوان جزء من بدن بعض آخر فيؤدّي إلى استحالة إحياء الحيوانين ببدنيهما تامّين معاً لأنّ المفروض أنّ بعض بدن أحدهما بعينه بعض لبدن الآخر، فكلّ واحد منهما اُعيد تامّاً بقي الآخر ناقصاً لا يقبل الإعادة، وهذه هي شبهة الآكل والمأكول.

وما أجاب الله سبحانه به - وهو تبعيّة البدن للروح - وإن كان وافياً لدفع الشبهتين جميعاً، إلّا أنّ الّذي أمر به إبراهيم على ما تحكيه الآية لا يتضمّن مادّة شبهة الآكل والمأكول، وهو أكل بعض الحيوان بعضاً، بل إنّما تشتمل على تفرّق الأجزاء واختلاطها وتغيّر صورها وحالاتها، وهذه مادّة الشبهة الاُولى، فالآية إنّما تتعرّض لدفعها وإن كانت الشبهتان مشتركتين في الاندفاع بما اُجيب به في الآية كما مرّ، وما اشتملت عليه الرواية من أكل البعض للبعض غير مقصود في تفسير الآية.

قولهعليه‌السلام فأخذ إبراهيم الطاووس والديك والحمام والغراب، وفي بعض الروايات أنّ الطيور كانت هي النسر والبطّ والطاووس والديك، رواه الصدوق في العيون عن الرضاعليه‌السلام ونقل عن مجاهد وابن جريح وعطاء وابن زيد، وفي بعضها أنّها الهدهد والصرد والطاووس والغراب، رواه العيّاشيّ عن صالح بن سهل عن الصادقعليه‌السلام وفي بعضها: أنّها النعامة والطاووس والوزّة والديك، رواه العيّاشيّ عن معروف بن خرّبوذ

٤٠١

عن الباقرعليه‌السلام ونقل عن ابن عبّاس، وروي من طرق أهل السنّة عن ابن عبّاس أيضاً: أنّها الغرنوق والطاووس والديك والحمامة، والّذي تشترك فيه جميع الروايات والأقوال: الطاووس.

قولهعليه‌السلام : وفرّقهن على عشرة جبال، كون الجبال عشرة ممّا اتّفقت عليه الأخبار المأثورة عن أئمّة أهل البيت وقيل إنّها كانت أربعة وقيل سبعة.

وفي العيون مسنداً عن عليّ بن محمّد بن الجهم قال حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليّ بن موسى فقال له المأمون: يا بن رسول الله أليس من قولك: إنّ الأنبياء معصومون؟ قال: بلى فسأله عن آيات من القرآن، فكان فيما سأله أن قال له فأخبرني عن قول الله: ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي، قال الرضا: إنّ الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم: أنّي متّخذ من عبادي خليلاً إن سألني إحياء الموتى أجبته فوقع في قلب إبراهيم أنّه ذلك الخليل فقال: ربّ أرني كيف تحيي الموتى؟ قال أو لم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي بالخلّة، الحديث.

اقول: وقد تقدّم في أخبار جنّة آدم كلام في عليّ بن محمّد بن الجهم وفي هذه الرواية الّتي رواها عن الرضاعليه‌السلام فارجع.

واعلم: أنّ الرواية لا تخلو عن دلالة ما على أنّ مقام الخلّة يستلزم استجابة الدعاء، واللفظ يساعد عليه فإنّ الخلّة هي الحاجة، والخليل إنّما يسمّى خليلاً لأنّ الصداقة إذا كملت رفع الصديق حوائجة إلى صديقه، ولا معنى لرفعها مع عدم الكفاية والقضاء.

٤٠٢

( سورة البقرة آية ٢٦١ - ٢٧٤)

مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( ٢٦١ ) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( ٢٦٢ ) قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ( ٢٦٣ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ( ٢٦٤ ) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( ٢٦٥ ) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ( ٢٦٦ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ( ٢٦٧ ) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( ٢٦٨ ) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو

٤٠٣

الْأَلْبَابِ ( ٢٦٩ ) وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ( ٢٧٠ ) إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( ٢٧١ ) لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ( ٢٧٢ ) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ( ٢٧٣ ) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( ٢٧٤ )

( بيان)

سياق الآيات من حيث اتّحادها في بيان أمر الإنفاق، ورجوع مضامينها وأغراضها بعضها إلى بعض يعطي أنّها نزلت دفعة واحدة، وهي تحثّ المؤمنين على الإنفاق في سبيل الله تعالى، فتضرب أوّلاً مثلاً لزيادته ونموّه عند الله سبحانه: واحد بسبعمائة، وربّما زاد على ذلك بإذن الله، وثانياً مثلاً لكونه لا يتخلّف عن شأنه على أيّ حال وتنهى عن الرياء في الإنفاق وتضرب مثلاً للإنفاق ريائاً لا لوجه الله، وأنّه لا ينمو نمائاً ولا يثمر أثراً، وتنهي عن الإنفاق بالمنّ والأذى إذ يبطلان أثره ويحبطان عظيم أجره، ثمّ تأمر بأن يكون الإنفاق من طيّب المال لامن خبيثه بخلاً وشحّاً، ثمّ تعيّن المورد الّذي توضع فيه هذه الصنيعة وهو الفقراء المحضرون في سبيل الله، ثمّ تذكر ما لهذا الإنفاق من عظيم الأجر عند الله.

٤٠٤

وبالجملة الآيات تدعو إلى الإنفاق، وتبيّن أوّلاً وجهه وغرضه وهو أن يكون لله لا للناس، وثانياً صورة عمله وكيفيّته وهو أن لا يتعقّبه المنّ والأذى، وثالثاً وصف مال الإنفاق وهو أن يكون طيّباً لا خبيثاً، ورابعاً نعت مورد الإنفاق وهو أن يكون فقيراً اُحصر في سبيل الله، وخامساً ما له من عظيم الأجر عاجلاً وآجلاً.

( كلام في الإنفاق)

الإنفاق من أعظم ما يهتمّ بأمره الإسلام في أحد ركنيه وهو حقوق الناس وقد توسّل إليه بأنحاء التوسّل إيجاباً وندباً من طريق الزكاة والخمس والكفّارات الماليّة وأقسام الفدية والإنفاقات الواجبة والصدقات المندوبة، ومن طريق الوقف والسكنى والعمرى والوصايا والهبة وغير ذلك.

وإنّما يريد بذلك ارتفاع سطح معيشة الطبقة السافلة الّتي لا تستطيع رفع حوائج الحياة من غير إمداد ماليّ من غيرهم، ليقرب اُفقهم من اًفق أهل النعمة والثروة، ومن جانب آخر قد منع من تظاهر أهل الطبقة العالية بالجمال والزينة في مظاهر الحياة بما لا يقرب من المعروف ولا تناله أيدي النمط الأوسط من الناس، بالنهي عن الإسراف والتبذير ونحو ذلك.

وكان الغرض من ذلك كلّه ايجاد حياة نوعيّة متوسّطة متقرّبة الأجزاء متشابهة الأبعاض، تحيى ناموس الوحدة والمعاضدة، وتميت الإرادات المتضادّة وأضغان القلوب ومنابت الأحقاد، فإنّ القرآن يرى أنّ شأن الدين الحقّ هو تنظيم الحياة بشؤونها، وترتيبها ترتيباً يتضمّن سعادة الإنسان في العاجل والآجل، ويعيش به الإنسان في معارف حقّة، وأخلاق فاضلة، وعيشة طيّبة يتنعّم فيها بما أنعم الله عليه من النعم في الدنيا، ويدفع بها عن نفسه المكاره والنوائب ونواقص المادّة.

ولا يتمّ ذلك إلّا بالحياة الطيّبة النوعيّة المتشابهة في طيبها وصفائها، ولا يكون ذلك إلّا بإصلاح حال النوع برفع حوائجها في الحياة، ولا يكمل ذلك إلّا بالجهات

٤٠٥

الماليّة والثروة والقنية، والطريق إلى ذلك إنفاق الأفراد ممّا اقتنوه بكدّ اليمين وعرق الجبين، فإنّما المؤمنون إخوة، والأرض لله، والمال ماله.

وهذه حقيقة أثبتت السيرة النبويّة على سائرها أفضل التحيّة صحّتها واستقامتها في القرار والنماء والنتيجة في برهة من الزمان وهي زمان حياتهعليه‌السلام ونفوذ أمره.

وهي الّتي يتأسّف عليها ويشكو انحراف مجراها أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام إذ يقول: وقد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلّا إدباراً، والشرّ فيه إلّا إقبالاً، والشيطان في هلاك الناس إلّا طمعاً، فهذا أو ان قويت عدّته وعمّت مكيدته - وأمكنت فريسته، اضرب بطرفك حيث شئت هل تبصر إلّا فقيراً يكايد فقراً؟ أو غنيّاً بدّل نعمة الله كفراً؟ أو بخيلاً اتّخذ البخل بحقّ الله وفراً أو متمرّداً كأنّ باذنه عن سمع المواعظ وقراً؟ (نهج البلاغة).

وقد كشف توالي الأيّام عن صدق القرآن في نظريّته هذه - وهي تقريب الطبقات بإمداد الدانية بالإنفاق ومنع العالية عن الإتراف والتظاهر بالجمال - حيث إنّ الناس بعد ظهور المدنيّة الغربيّة استرسلوا في الإخلاد إلى الأرض، والإفراط في استقصاء المشتهيات الحيوانيّة واستيفاء الهوسات النفسانيّة، وأعدّوا له ما استطاعوا من قوّة، فأوجب ذلك عكوف الثروة وصفوة لذائذ الحياة على أبواب اُولي القوّة والثروة، ولم يبق بأيدي النمط الأسفل إلّا الحرمان، ولم يزل النمط الأعلى يأكل بعضه بعضاً حتّى تفرّد بسعادة الحياة المادّيّة نزر قليل من الناس وسلب حقّ الحياة من الأكثرين وهم سواد الناس، وأثار ذلك جميع الرذائل الخلقيّة من الطرفين، كلّ يعمل على شاكلته لا يبقي ولا يذر، فأنتج ذلك التقابل بين الطائفتين، واشتباك النزاع والنزال بين الفريقين، والتفاني بين الغنيّ والفقير والمنعم والمحروم والواجد والفاقد، ونشبت الحرب العالميّة الكبرى، وظهرت الشيوعيّة، وهجرت الحقيقة والفضيلة وارتحلت السكن والطمأنينة وطيب الحياة من بين النوع وهذا ما نشاهده اليوم من فساد العالم الإنسانيّ، وما يهدّد النوع بما يستقبله أعظم وأفظع.

ومن أعظم العوامل في هذا الفساد انسداد باب الإنفاق وانفتاح أبواب الرباء الّذي

٤٠٦

سيشرح الله تعالى أمره الفظيع في سبع آيات تالية لهذه الآيات أعني آيات الإنفاق ويذكر أنّ في رواجه فساد الدنيا وهو من ملاحم القرآن الكريم، وقد كان جنيناً أيّام نزول القرآن فوضعته حامل الدنيا في هذه الأيّام.

وإن شئت تصديق ما ذكرناه فتدبّر فيما ذكره سبحانه في سورة الروم إذ قال:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ - إلى ان قال -فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ - إلى أن قال -ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ) الآيات الروم - ٣٠ - ٤٣، وللآيات نظائر في سور هود ويونس والإسراء والأنبياء وغيرها تنبئ عن هذا الشأن، سيأتي بيانها إنشاء الله.

وبالجملة هذا هو السبب فيما يترآئى من هذه الآيات أعني آيات الإنفاق من الحثّ الشديد والتأكيد البالغ في أمره.

قوله تعالى: ( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ ) الخ، المراد بسبيل الله كلّ أمر ينتهي إلى مرضاته سبحانه لغرض دينيّ فعل الفعل لأجله، فإنّ الكلمة في الآية مطلقة، وإن كانت الآية مسبوقة بآيات ذكر فيها القتال في سبيل الله، وكانت كلمة، في سبيل الله، مقارنة للجهاد في غير واحد من الآيات، فإنّ ذلك لا يوجب التخصيص وهو ظاهر.

وقد ذكروا أنّ قوله تعالى: كمثل حبّة أنبتت الخ، على تقدير قولنا كمثل من

٤٠٧

زرع حبّة أنبتت الخ فإنّ الحبّة المنبتة لسبع سنابل مثل المال الّذي اُنفق في سبيل الله لا مثل من أنفق وهو ظاهر.

وهذا الكلام وإن كان وجيهاً في نفسه لكنّ التدبّر يعطي خلاف ذلك فإنّ جلّ الأمثال المضروبة في القرآن حالها هذا الحال فهو صناعة شائعه في القرآن كقوله تعالى:( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ) البقرة - ١٧١، فإنّه مثل من يدعو الكفّار لامثل الكفّار، وقوله تعالى:( نَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ ) الآية يونس - ٢٤، وقوله تعالى:( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ) النور - ٣٥، وقوله تعالى في الآيات التالية لهذه الآية: فمثله كمثل صفوان الآية: وقوله تعالى: مثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنّة بربوة الآية إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة.

وهذه الأمثال المضروبة في الآيات تشترك جميعاً في أنّها اقتصر فيها على مادّة التمثيل الّذي يتقوّم بها المثل مع الإعراض عن باقي أجزاء الكلام للإيجاز.

توضيحه: أنّ المثل في الحقيقة قصّة محقّقة أو مفروضة مشابهة لاُخرى في جهاتها يؤتي بها لينتقل ذهن المخاطب من تصوّرها إلى كمال تصوّر الممثّل كقولهم: لا ناقة لي ولا جمل، وقولهم: في الصيف ضيّعت اللبن من الأمثال الّتي لها قصص محقّقة يقصد بالتمثيل تذكّر السامع لها وتطبيقها لمورد الكلام للاستيضاح، ولذا قيل: إنّ الأمثال لا تتغيّر، وكقولنا: مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل من زرع حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مأة حبّة، وهي قصّة مفروضة خياليّة.

والمعنى الّذي يشتمل عليه المثل ويكون هو الميزان الّذي يوزن به حال الممثّل ربّما كان تمام القصّة الّتي هي المثل كما في قوله تعالى:( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ) الآية إبراهيم - ٢٦، وقوله تعالى:( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) الجمعة - ٥، وربّما كان بعض القصّة ممّا يتقوّم به غرض التمثيل وهو الّذي نسمّيه مادّة التمثيل، وإنّما جئ بالبعض الآخر لتتميم القصّة كما في المثال الأخير (مثال الإنفاق والحبّة) فإنّ مادّة التمثيل إنّما هي

٤٠٨

الحبة المنبتة لسبعمأة حبّة وإنّما ضممنا إليها الّذي زرع لتتميم القصّة.

وما كان من أمثال القرآن مادّة التمثيل فيه تمام المثل فإنّه وضع على ما هو عليه، وما كان منها مادّة التمثيل فيه بعض القصّة فإنّه اقتصر على مادّة التمثيل فوضعت موضع تمام القصّة لأنّ الغرض من التمثيل حاصل بذلك، على ما فيه من تنشيط ذهن السامع بفقده أمراً و وجدانه أمراً آخر مقامه يفي بالغرض منه، فهو هو بوجه وليس به بوجه، فهذا من الإيجاز بالقلب على وجه لطيف يستعمله القرآن.

قوله تعالى: ( أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ) ، السنبل معروف وهو على فنعل، قيل الأصل في معنى مادّته الستر سمّي به لأنّه يستر الحبّات الّتي تشتمل عليها في الأغلفة.

ومن أسخف الإشكال ما اُورد على الآية أنّه تمثيل بما لا تحقّق له في الخارج وهو اشتمال السنبلة على مأة حبّة، وفيه أنّ المثل كما عرفت لا يشترط فيه تحقّق مضمونة في الخارج فالأمثال التخيّليّة أكثر من أن تعدّ وتحصى، على أنّ اشتمال السنبلة على مأة حبّة وإنبات الحبّة الواحدة سبعمأة حبّة ليس بعزيز الوجود.

قوله تعالى: ( وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ، أي يزيد على سبعمأة لمن يشاء فهو الواسع لا مانع من جوده ولا محدّد لفضله كما قال تعالى:( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ) البقرة - ٢٤٥، فأطلق الكثرة ولم يقيّدها بعدد معيّن.

وقيل: إنّ معناه أنّ الله يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء فالمضاعفة إلى سبعمأة ضعف غاية ما تدلّ عليه الآية، وفيه أنّ الجملة على هذا يقع موقع التعليل، وحقّ الكلام فيه حينئذ أن يصدّر بإنّ كقوله تعالى:( اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ) المؤمن - ٦١، وأمثال ذلك.

ولم يقيّد ما ضربه الله من المثل بالآخرة بل الكلام مطلق يشمل الدنيا كالآخرة وهو كذلك والاعتبار يساعده، فالمنفق بشئ من ماله وإن كان يخطر بباله ابتدائاً أنّ المال قد فات عنه ولم يخلّف بدلاً، لكنّه لو تأمّل قليلاً وجد أنّ المجتمع الإنسانيّ

٤٠٩

بمنزلة شخص واحد ذو أعضاء مختلفة بحسب الأسماء والأشكال لكنّها جميعاً متّحدة في غرض الحياة، مرتبطة من حيث الأثر والفائدة، فإذا فقد واحد منها نعمة الصحّة والاستقامة، وعىّ في فعله أوجب ذلك كلال الجميع في فعلها، وخسرانها في أغراضها فالعين واليد وإن كانا عضوين اثنين من حيث الاسم والفعل ظاهراً، لكنّ الخلقة إنّما جهّز الإنسان بالبصر ليميّز به الأشياء ضوئاً ولوناً وقرباً وبعداً فتتناول اليد ما يجب أن يجلبه الإنسان لنفسه، وتدفع ما يجب أن يدفعه عن نفسه، فإذا سقطت اليد عن التأثير وجب أن يتدارك الإنسان ما يفوته من عامّة فوائدها بسائر أعضائه فيقاسي أوّلاً كدّاً وتعباً لا يتحمّل عادة، وينقص من أفعال سائر الأعضاء بمقدار ما يستعملها في موضع العضو الساقط عن التأثير، وأمّا لو أصلح حال يده الفاسدة بفضل ما ادّخره لبعض الأعضاء الاُخر كان في ذلك إصلاح حال الجميع، وعاد إليه من الفائدة الحقيقيّة أضعاف ما فاته من الفضل المفيد أضعافاً ربّما زاد على المآت والاُلوف بما يورث من إصلاح حال الغير، ودفع الرذائل الّتي يمكّنها الفقر والحاجة في نفسه، وإيجاد المحبّة في قلبه، وحسن الذكر في لسانه، والنشاط في عمله، والمجتمع يربط جميع ذلك ويرجعه إلى المنفق لا محالة، ولا سيّما إذا كان الإنفاق لدفع الحوائج النوعيّة كالتعليم والتربية ونحو ذلك، فهذا حال الإنفاق.

وإذا كان الإنفاق في سبيل الله وابتغاء مرضات الله كان النماء والزيادة من لوازمه من غير تخلّف، فإنّ الإنفاق لو لم يكن لوجه الله لم يكن إلّا لفائدة عائدة إلى نفس المنفق كإنفاق الغنيّ للفقير لدفع شرّه، أو إنفاق المثري الموسر للمعسر ليدفع حاجته ويعتدل حال المجتمع فيصفو للمثري المنفق عيشه، وهذا نوع استخدام للفقير واستثمار منه لنفع نفسه، ربّما أورث في نفس الفقير أثراً سيّئاً، وربّما تراكمت الآثار وظهرت فكانت بلوى، لكنّ الإنفاق الّذي لايراد به إلّا وجه الله ولا يبتغي فيه إلّا مرضاته خال عن هذه النواقص لا يؤثّر إلّا الجميل ولا يتعقّبه إلّا الخير.

قوله تعالى: ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ) الخ الإتباع اللحوق والإلحاق، قال تعالى:( فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ ) الشعراء - ٦١،

٤١٠

أي لحقوهم، وقال تعالى:( وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ) القصص - ٤٢، أي ألحقناهم. والمنّ هو ذكر ما ينغّص المعروف كقول المنعم للمنعم عليه: أنعمت عليك بكذا وكذا ونحو ذلك، والأصل في معناه على ما قيل القطع، ومنه قوله تعالى:( لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) فصّلت - ٨، أي غير مقطوع، والأذى الضرر العاجل أو الضرر اليسير، والخوف توقّع الضرر، والحزن الغمّ الّذي يغلظ على النفس من مكروه واقع أو كالواقع.

قوله تعالى: ( قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ ) الخ المعروف من القول ما لا ينكره الناس بحسب العادة، ويختلف باختلاف الموارد، والأصل في معنى المغفرة هو الستر، والغنى مقابل الحاجة والفقر، والحلم السكوت عند المكروه من قول أو فعل.

وترجيح القول المعروف والمغفرة على صدقة يتبعها أذى ثمّ المقابلة يشهد بأنّ المراد بالقول المعروف الدعاء أو لفظ آخر جميل عند ردّ السائل إذا لم يتكلّم بما يسوء المسؤول عنه، والستر والصفح إذا شفّع سؤاله بما يسوئه وهما خير من صدقة يتبعها أذى، فإنّ أذى المنفق للمنفق عليه يدلّ على عظم إنفاقه والمال الّذي أنفقه في عينه، وتأثّره عمّا يسوئه من السؤال، وهما علّتان يجب أن تزاحا عن نفس المؤمن، فإنّ المؤمن متخلّق بأخلاق الله، والله سبحانه غنيّ لا يكبر عنده ما أنعم وجاد به، حليم لا يتعجّل في المؤاخذة على السيّئة، ولا يغضب عند كلّ جهالة، وهذا معنى ختم الآية بقوله: والله غنيّ حليم.

قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم ) الخ تدلّ الآية على حبط الصدقة بلحوق المنّ والأذى، وربّما يستدلّ بها على حبط كلّ معصية أو الكبيرة خاصّة لما يسبقها من الطاعات، ولا دلالة في الآية على غير المنّ والأذى بالنسبة إلى الصدقة وقد تقدّم إشباع الكلام في الحبط.

قوله تعالى: ( كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ، لمّا كان الخطاب للمؤمنين، والمرائي غير مؤمن كما ذكره الله سبحانه لأنّه لا يقصد بأعماله وجه الله لم يعلّق النهي بالرئاء كما علّقه على المنّ والأذى، بل إنّما شبّه المتصدّق الّذي يتبع صدقته بالمنّ والأذى بالمرائي في بطلان الصدقة، مع أنّ عمل المرائي

٤١١

باطل من رأس وعمل المانّ والمؤذي وقع أوّلاً صحيحاً ثمّ عرضه البطلان.

واتّحاد سياق الأفعال في قوله: ينفق ماله، وقوله: ولا يؤمن من دون أن يقال: ولم يؤمن يدلّ على أنّ المراد من عدم إيمان المرائي في الإنفاق بالله واليوم الآخر عدم إيمانه بدعوة الإنفاق الّذي يدعو إليها الله سبحانه، ويعد عليه جزيل الثواب، إذ لو كان يؤمن بالداعي في دعوته هذه، وبيوم القيامة الظاهر فيه الجزاء لقصد في فعله وجه الله، وأحبّ واختار جزيل الثواب، ولم يقصد به رئاء الناس، فليس المراد من عدم إيمان المرائي عدم إيمانه بالله سبحانه رأساً.

ويظهر من الآية: أنّ الرياء في عمل يستلزم عدم الإيمان بالله واليوم الآخر فيه.

قوله تعالى: ( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ ) إلى آخر الآية، الضمير في قوله: فمثله راجع إلى الّذي ينفق ماله رئاء الناس والمثل له، والصفوان والصفا الحجر الأملس وكذا الصلد، والوابل: المطر الغزير الشديد الوقع.

والضمير في قوله: لا يقدرون راجع إلى الّذي ينفق رئائاً لأنّه في معنى الجمع، والجملة تبيّن وجه الشبه وهو الجامع بين المشبّه والمشبّه به، وقوله تعالى: والله لا يهدي القوم الكافرين بيان للحكم بوجه عامّ وهو أنّ المرائي في ريائه من مصاديق الكافر، والله لا يهدي القوم الكافرين، ولذلك أفاد معنى التعليل.

وخلاصة معنى المثل: أنّ حال المرائي في إنفاقه رئائاً وفي ترتّب الثواب عليه كحال الحجر الأملس الّذي عليه شئ من التراب إذا اُنزل عليه وابل المطر، فإنّ المطر وخاصّة وابله هو السبب البارز لحياة الأرض واخضرارها وتزيّنها بزينة النبات، إلّا أنّ التراب إذا وقع على الصفوان الصلد لا يستقرّ في مكانه عند نزول الوابل بل يغسله الوابل ويبقى الصلد الّذي لا يجذب الماء، ولا يتربّى فيه بذر لنبات، فالوابل وإن كان من أظهر أسباب الحياة والنمو وكذا التراب لكن كون المحلّ صلداً يبطل عمل هذين السببين من غير أن يكون النقص والقصور من جانبهما فهذا حال الصلد.

وهذا حال المرائي فإنّه لمّا لم يقصد من عمله وجه الله لم يترتّب على عمله ثواب

٤١٢

وإن كان العمل كالإنفاق في سبيل الله من الأسباب البارزة لترتّب الثواب، فإنّه مسلوب الاستعداد لا يقبل قلبه الرحمة والكرامة.

وقد ظهر من الآية: أنّ قبول العمل يحتاج إلى نيّة الإخلاص وقصد وجه الله، وقد روى الفريقان عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه قال: إنّما الأعمال بالنيّات.

قوله تعالى: ( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ ) ، ابتغاء المرضاة هو طلب الرضاء، ويعود إلى إرادة وجه الله، فإنّ وجه الشئ هو ما يواجهك ويستقبلك به، ووجهه تعالى بالنسبه إلى عبده الّذي أمره بشئ وأراده منه هو رضائه عن فعله وامتثاله، فإنّ الآمر يستقبل المأمور أوّلاً بالأمر فإذا امتثل استقبله بالرضاء عنه، فمرضات الله عن العبد المكلّف بتكليف هو وجهه إليه، فابتغاء مرضاة الله هو إرادة وجهه عزّوجلّ.

وأمّا قوله: وتثبيتاً من أنفسهم فقد قيل: إنّ المراد التصديق واليقين. وقيل: هو التثبّت أي يتثبّتون أين يضعون أموالهم، وقيل: هو التثبّت في الإنفاق فإن كان لله أمضى، وإن كان خالطه شئ من الرياء أمسك، وقيل: التثبيت توطين النفس على طاعة الله تعالى، وقيل: هو تمكين النفس في منازل الإيمان بتعويدها على بذل المال لوجه الله. وأنت خبير بأنّ شيئاً من الأقوال لا ينطبق على الآية إلّا بتكلّف.

والّذي ينبغي أن يقال - والله العالم - في المقام: هو أنّ الله سبحانه لمّا أطلق القول أوّلاً في مدح الإنفاق في سبيل الله، وأنّ له عند الله عظيم الأجر اعترضه أن استثنى منه نوعين من الإنفاق لا يرتضيهما الله سبحانه، ولا يترتّب عليهما الثواب، وهما الإنفاق ريائاً الموجب لعدم صحّة العمل من رأس والإنفاق الّذي يتبعه منّ أو أذى فإنّه يبطل بهما وإن انعقد أوّلاً صحيحاً، وليس يعرض البطلان. لهذين النوعين إلّا من جهة عدم ابتغاء مرضاة الله فيه من رأس، أو لزوال النفس عن هذه النيّة أعني ابتغاء المرضات ثانياً بعد ما كانت عليها أوّلاً، فأراد في هذه الآية بيان حال الخاصّة من أهل الإنفاق الخالصة بعد استثناء المرائين وأهل المنّ والأذى، وهم الّذين ينفقون أموالهم

٤١٣

ابتغاء وجه الله ثمّ يقرّون أنفسهم على الثبات على هذه النيّة الطاهرة النامية من غير أن يتبعوها بما يبطل العمل ويفسده.

ومن هنا يظهر أنّ المراد بابتغاء مرضاة الله أن لا يقصد بالعمل رئاء ونحوه ممّا يجعل النيّة غير خالصة لوجه الله، وبقوله تثبيتاً من أنفسهم تثبيت الإنسان نفسه على ما نواه من النيّة الخالصة، وهو تثبيت ناش من النفس واقع على النفس. فقوله تثبيتاً تميز وكلمة من نشويّة وقوله أنفسهم في معنى الفاعل، وما في معنى المفعول مقدّر. والتقدير تثبيتاً من أنفسهم لأنفسهم، أو مفعول مطلق لفعل من مادّته.

قوله تعالى: ( كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ ) إلى آخر الآية، الأصل في مادّة ربا الزيادة، والربوة بالحركات الثلاث في الراء الأرض الجيّدة الّتي تزيد وتعلو في نموّها، والاُكّل بضمّتين ما يؤكل من الشئ والواحدة أكلة، والطلّ أضعف المطر القليل الأثر.

والغرض من المثل أنّ الإنفاق الّذي اُريد به وجه الله لا يتخلّف عن أثرها الحسن البتّة، فإنّ العناية الإلهيّة واقعة عليه متعلّقة به لانحفاظ اتّصاله بالله سبحانه وإن كانت مراتب العناية مختلفة لاختلاف درجات النيّة في الخلوص، واختلاف وزن الأعمال باختلافها، كما أنّ الجنّة الّتي في الربوة إذا أصابها المطر لم تلبث دون أن تؤتي اُكلها إيتائاً جيّداً البتّة وإن كان إيتائها مختلفاً في الجودة باختلاف المطر النازل عليه من وابل وطلّ.

ولوجود هذا الاختلاف ذيّل الكلام بقوله: والله بما تعملون بصير أي لا يشتبه عليه أمر الثواب، ولا يختلط عليه ثواب الأعمال المختلفة فيعطي ثواب هذا لذاك وثواب ذاك لهذا.

قوله تعالى: ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ) الخ، الودّ هو الحبّ وفيه معنى التمنّي، والجنّة: الشجر الكثير الملتفّ كالبستان سمّيت بذلك لأنّها تجنّ الأرض وتسترها وتقيها من ضوء الشمس ونحوه، ولذلك صحّ أن يقال: تجري من تحتها الأنهار، ولو كانت هي الأرض بما لها من الشجر مثلاً لم يصحّ ذلك

٤١٤

لإفادته خلاف المقصود، ولذلك قال تعالى في مثل الربوة وهي الأرض المعمورة:( رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ) المؤمنون - ٥٠، وكرّر في كلامه قوله: جنّات تجري من تحتها الأنهار فجعل المعين (وهو الماء) فيها لاجارياً تحتها.

ومن في قوله: من نخيل وأعناب للتبيين ويفيد معنى الغلبة دون الاستيعاب، فإنّ الجنّة والبستان وما هو من هذا القبيل إنّما يضاف إلى الجنس الغالب فيقال جنّة العنب أو جنّة من أعناب إذا كان الغالب فيها الكرم وهي لا تخلو مع ذلك من شجر شتّى، ولذلك قال تعالى ثانياً: له فيها من كلّ الثمرات.

والكبر كبر السنّ وهو الشيخوخة، والذرّيّة الأولاد، والضعفاء جمع الضعيف، وقد جمع تعالى في المثل بين إصابة الكبر ووجود الذرّيّة الضعفاء لتثبيت مسيس الحاجة القطعيّة إلى الجنّة المذكورة مع فقدان باقي الأسباب الّتي يتوصّل إليها في حفظ سعادة الحياة وتأمين المعيشة، فإنّ صاحب الجنّة لو فرض شابّاً قويّاً لأمكنه أن يستريح إلى قوّة يمينه لو اُصيبت جنّته بمصيبة، ولو فرض شيخاً هرماً من غير ذرّيّة ضعفاء لم يسوء حاله تلك المسائة لأنّه لا يرى لنفسه إلّا أيّاماً قلائل لا يبطئ عليه زوالها وانقضائها، ولو فرض ذا كبر وله أولاد أقوياء يقدرون على العمل واكتساب المعيشة أمكنهم أن يقتاتوا بما يكتسبونه، وأن يستغنوا عنها بوجه! لكن إذا اجتمع هناك الكبر والذرّيّة الضعفاء، واحترقت الجنّة انقطعت الأسباب عنهم عند ذلك، فلا صاحب الجنّة يمكنه أن يعيد لنفسه الشباب والقوّة أو الأيّام الخالية حتّى يهيّئ لنفسه نظير ما كان قد هيّأها، ولا لذرّيّته قوّة على ذلك، ولا لهم رجاء أن ترجع الجنّة بعد الاحتراق إلى ما كانت عليه من النضارة والإثمار.

والإعصار الغبار الّذي يلتفّ على نفسه بين السماء والأرض كما يلتفّ الثوب على نفسه عند العصر.

وهذا مثل ضربه الله للّذين ينفقون أموالهم ثمّ يتبعونه منّاً وأذى فيحبط عملهم ولا سبيل لهم إلى إعادة العمل الباطل إلى حال صحّته واستقامته، وانطباق المثل على الممثّل ظاهر، ورجا منهم التفكّر لأنّ أمثال هذه الأفاعيل المفسدة للأعمال إنّما تصدر

٤١٥

من الناس ومعهم حالات نفسانيّة كحبّ المال والجاه والكبر والعجب والشحّ، لا تدع للإنسان مجال التثبّت والتفكّر وتميّز النافع من الضارّ، ولو تفكّروا لتبصّروا.

قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ) الخ، التيمّم هو القصد والتعمّد، والخبيث ضدّ الطيّب، وقوله: منه، متعلّق بالخبيث، وقوله: تنفقون حال من فاعل لاتيمّموا، وقوله: ولستم بآخذيه حال من فاعل تنفقون، وعامله الفعل، وقوله أن تغمضوا فيه في تأويل المصدر، واللام مقدّر على ما قيل والتقدير إلّا لإغماضكم فيه، أو المقدّر باء المصاحبة والتقدير إلّا بمصاحبة الإغماض.

ومعنى الآية ظاهر، وإنّما بيّن تعالى كيفيّة مال الإنفاق، وأنّه ينبغي أن يكون من طيّب المال لا من خبيثه الّذي لا يأخذه المنفق إلّا بإغماض، فإنّه لا يتّصف بوصف الجود والسخاء، بل يتصوّر بصورة التخلّص، فلا يفيد حبّاً للصنيعة والمعروف ولا كمالاً للنفس، ولذلك ختمها بقوله: واعلموا أنّ الله غنيّ حميد أي راقبوا في إنفاقكم غناه وحمده فهو في عين غناه يحمد إنفاقكم الحسن فأنفقوا من طيّب المال، أو أنّه غنيّ محمود لا ينبغي أن تواجهوه بما لا يليق بجلاله جلّ جلاله.

قوله تعالى: ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ) إقامة للحجّة على أنّ اختيار خبيث المال للإنفاق ليس بخير للمنفقين بخلاف اختيار طيّبه فإنّه خير لهم، ففي النهى مصلحة أمرهم كما أنّ في المنهىّ عنه مفسدة لهم، وليس إمساكهم عن إنفاق طيّب المال وبذله إلّا لما يرونه مؤثّراً في قوام المال والثروة فتنقبض نفوسهم عن الإقدام إلى بذله بخلاف خبيثه فإنّه لا قيمة له يعنى بها فلا بأس بإنفاقه، وهذا من تسويل الشيطان يخوّف أوليائه من الفقر، مع أنّ البذل وذهاب المال والإنفاق في سبيل الله وابتغاء مرضاته مثل البذل في المعاملات لا يخلو عن العوض والربح كما مرّ، مع أنّ الّذي يغني ويقني هو الله سبحانه دون المال، قال تعالى:( وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ ) النجم - ٤٨.

وبالجملة لمّا كان إمساكهم عن بذل طيّب المال خوفاً من الفقر خطاء نبّه عليه بقوله: الشيطان يعدكم الفقر، غير أنّه وضع السبب موضع المسبّب، أعني أنّه وضع وعد الشيطان موضع خوف أنفسهم ليدلّ على أنّه خوف مضرّ لهم فإنّ الشيطان لا

٤١٦

يأمر إلّا بالباطل والضلال إمّا ابتدائاً ومن غير واسطة، وإمّا بالآخرة وبواسطة ما يظهر منه أنّه حقّ.

ولمّا كان من الممكن أن يتوهّم أنّ هذا الخوف حقّ وإن كان من ناحية الشيطان دفع ذلك بإتباع قوله: الشيطان يعدكم الفقر بقوله: ويأمركم بالفحشاءأوّلا ، فإنّ هذا الإمساك والتثاقل منهم يهيّئ في نفوسهم ملكة الإمساك وسجيّة البخل، فيؤدّي إلى ردّ أوامر الله المتعلّقة بأموالهم وهو الكفر بالله العظيم، ويؤدّي إلى إلقاء أرباب الحاجة في تهلكة الإعسار والفقر والمسكنة الّتي فيه تلف النفوس وانهتاك الأعراض وكلّ جناية وفحشاء، قال تعالى:( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ - إلى ان قال -الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) التوبة - ٧٩.

ثمّ بإتباعه بقوله: والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليمثانياً ، فإنّ الله قد بيّن للمؤمنين: أنّ هناك حقّاً وضلالاً لا ثالث لهما، وأنّ الحقّ وهو الطريق المستقيم هو من الله سبحانه، وأنّ الضلال من الشيطان، قال تعالى:( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ) يونس - ٣٢، وقال تعالى:( قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ) يونس - ٣٥، وقال تعالى في الشيطان:( إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ ) القصص - ١٥، والآيات جميعاً مكّيّة، وبالجملة نبّه تعالى بقوله: والله يعدكم، بأنّ هذا الخاطر الّذي يخطر ببالكم من جهة الخوف ضلال من الفكر فإنّ مغفرة الله والزيادة الّتي ذكرها في الآيات السابقة إنّما هما في البذل من طيّبات المال.

فقوله تعالى: والله يعدكم الخ، نظير قوله: الشيطان يعدكم الخ، من قبيل وضع السبب موضع المسبّب، وفيه إلقاء المقابلة بين وعد الله سبحانه الواسع العليم ووعد الشيطان، لينظر المنفقون في أمر الوعدين ويختاروا ما هو أصلح لبالهم منهما.

فحاصل حجّة الآية: أنّ اختياركم الخبيث على الطيّب إنّما هو لخوف الفقر،

٤١٧

والجهل بما يستتبعه هذا الإنفاق، أمّا خوف الفقر فهو إلقاء، شيطانيّ، ولا يريد الشيطان بكم إلّا الضلال والفحشاء فلا يجوز أن تتّبعوه، وأمّا مايستتبعه هذا الإنفاق فهو الزيادة والمغفرة اللّتان ذكرتا لكم في الآيات السابقة، وهو استتباع بالحقّ لأنّ الّذي يعدكم استتباع الإنفاق لهذه المغفرة والزيادة هو الله سبحانه ووعده حقّ، وهو واسع يسعه أن يعطي ما وعده من المغفرة والزيادة وعليم لا يجهل شيئاً ولا حالاً من شئ فوعده وعد عن علم.

قوله تعالى: ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ) ، الإيتاء هو الإعطاء، والحكمة بكسر الحاء على فعلة بناء نوع يدلّ على نوع المعنى فمعناه النوع من الإحكام والإتقان أو نوع من الأمر المحكم المتقن الّذي لا يوجد فيه ثلمة ولا فتور، وغلب استعماله في المعلومات العقليّة الحقّة الصادقة الّتي لا تقبل البطلان والكذب البتّة.

والجملة تدلّ على أنّ البيان الّذي بيّن الله به حال الإنفاق بجمع علله وأسبابه وما يستتبعه من الأثر الصالح في حقيقة حياة الإنسان هو من الحكمة، فالحكمة هي القضايا الحقّة المطابقة للواقع من حيث اشتمالها بنحو على سعادة الإنسان كالمعارف الحقّة الإلهيّة في المبدأ والمعاد، والمعارف الّتي تشرح حقائق العالم الطبيعيّ من جهة مساسها بسعادة الإنسان كالحقائق الفطريّة الّتي هي أساس التشريعات الدينيّة.

قوله تعالى: ( وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) ، المعنى ظاهر، وقد اُبهم فاعل الإيتاء مع أنّ الجملة السابقة عليه تدلّ على أنّه الله تبارك وتعالى ليدلّ الكلام على أنّ الحكمة بنفسها منشأ الخير الكثير فالتلبّس بها يتضمّن الخير الكثير، لامن جهة انتساب إتيانه إليه تعالى، فإنّ مجرّد انتساب الإتيان لا يوجب ذلك كإيتاء المال، قال تعالى في قارون( وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّة ِ ) إلى آخرالآيات القصص - ٧٦، وإنّما نسب إليها الخير الكثير دون الخير مطلقاً، مع ما عليه الحكمة من ارتفاع الشأن ونفاسة الأمر لأنّ الأمر مختوم بعناية الله وتوفيقه، وأمر السعادة مراعيّ بالعاقبة والخاتمة.

قوله تعالى: ( وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) ، اللبّ هو العقل لأنّه في الإنسان

٤١٨

بمنزلة اللبّ من القشر، وعلى هذا المعنى استعمل في القرآن، وكأنّ لفظ العقل بمعناه المعروف اليوم من الأسماء المستحدثة بالغلبة ولذلك لم يستعمل في القرآن وإنّما استعمل منه الأفعال مثل يعقلون.

والتذكّر هو الانتقال من النتيجة إلى مقدّماتها، أو من الشئ إلى نتائجها، والآية تدلّ على أنّ اقتناص الحكمة يتوقّف على التذكّر، وأنّ التذكّر يتوقّف على العقل، فلا حكمة لمن لا عقل له. وقد مرّ بعض الكلام في العقل عند البحث عن ألفاظ الإدراك المستعملة في القرآن الكريم.

قوله تعالى: ( وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ) ، أي ما دعاكم الله سبحانه إليه أو دعوتم أنفسكم إليه بإيجابه عليها بالنذر من بذل المال فلا يخفى على الله يثيب من أطاعة ويؤاخذ من ظلمه، ففيه إيماء إلى التهديد، ويؤكّده قوله تعالى: وما للظالمين من أنصار.

وفي هذه الجملة أعني قوله: وما للظالمين من أنصار، دلالةأوّلا: على أنّ المراد بالظلم هو الظلم على الفقراء والمساكين في الإمساك عن الإنفاق عليهم، وحبس حقوقهم الماليّة، لا الظلم بمعنى مطلق المعصية فإنّ في مطلق المعصية أنصاراً ومكفّرات وشفعاء كالتوبة، والاجتناب عن الكبائر، وشفعاء يوم القيامة إذا كان من حقوق الله تعالى، قال تعالى:( لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا - إلى ان قال -وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ ) الزمر - ٥٤، وقال تعالى:( إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) النساء - ٣١، وقال تعالى:( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ) الأنبياء - ٢٨.

ومن هنا يظهر: وجه اتيان الأنصار بصيغة الجمع فإنّ في مورد مطلق الظلم أنصاراً.

وثانياً: أنّ هذا الظلم وهو ترك الإنفاق لا يقبل التكفير ولو كان من الصغائر لقبله فهو من الكبائر، وأنّه لا يقبل التوبة، ويتأيّد بذلك ما وردت به الروايات: أنّ التوبة في حقوق الناس غير مقبولة إلّا بردّ الحقّ إلى مستحقّه، وأنّه لا يقبل الشفاعة يوم القيامة كما يدلّ عليه قوله تعالى:( أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ

٤١٩

الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ - إلى أن قال -فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ) المدّثّر - ٤٨.

وثالثاً: أنّ هذا الظالم غير مرتضى عند الله إذ لا شفاعة إلّا لمن ارتضى الله دينه كما مرّ بيانه في بحث الشفاعة، ومن هنا تظهر النكتة في قوله تعالى: ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله، حيث أتى بالمرضاة ولم يقل ابتغاء وجه الله.

ورابعاً: أنّ المتناع من أصل إنفاق المال على الفقراء مع وجودهم واحتياجهم من الكبائر الموبقة، وقد عدّ تعالى الامتناع عن بعض أقسامه كالزكاة شركاً بالله وكفراً بالآخرة، قال تعالى:( وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) فصّلت - ٧، والسورة مكّيّة ولم تكن شرّعت الزكاة المعروفة عند نزولها.

قوله تعالى: ( إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ) الخ، الإبداء هو الإظهار، والصدقات جمع صدقة، وهي مطلق الإنفاق في سبيل الله أعمّ من الواجب والمندوب وربّما يقال: إنّ الأصل في معناها الإنفاق المندوب.

وقد مدح الله سبحانه كلّاً من شقّى الترديد، لكون كلّ واحد من الشقّين ذا آثار صالحة، فأمّا إظهار الصدقة فإنّ فيه دعوة عمليّة إلى المعروف، وتشويقاً للناس إلى البذل والإنفاق، وتطييباً لنفوس الفقراء والمساكين حيث يشاهدون أنّ في المجتمع رجالاً رحماء بحالهم، وأموالاً موضوعة لرفع حوائجهم، مدّخرة ليوم بؤسهم فيؤدّي إلى زوال اليأس والقنوط عن نفوسهم، وحصول النشاط لهم في أعمالهم، واعتقاد وحدة العمل والكسب بينهم وبين الأغنياء المثرين، وفي ذلك كلّ الخير، وأمّا إخفاؤها فإنّه حينئذ يكون أبعد من الرياء والمنّ والأذى، وفيه حفظ لنفوس المحتاجين عن الخزي والمذلّة، وصون لماء وجوههم عن الابتذال، وكلائة لظاهر كرامتهم، فصدقة العلن أكثر نتاجاً، وصدقة السرّ أخلص طهارة.

ولمّا كان بناء الدين على الإخلاص وكان العمل كلّما قرب من الإخلاص كان أقرب من الفضيلة رجّح سبحانه جانب صدقة السرّ فقال: وإن تخفوها وتعطوها الفقراء فهو خير لكم فإنّ كلمة خير أفعل التفضيل، والله تعالى خبير بأعمال عباده لا يخطئ

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

فإن كان الشدّ في موضع نجس صحت صلاته عندنا على ما تقدم ، خلافا للشافعي ، وإن كان في طاهر فله قولان(١) .

ج ـ لو صلّى وفي كمه قارورة مضمومة فيها نجاسة لم تصح صلاته ، لأنه حامل للنجاسة. وقال ابن أبي هريرة من الشافعية : تصح إذا كانت مضمومة بالرصاص ، لأنّه يجري مجرى باطن الحيوان(٢) .

وهو غلط ، لأن تلك نجاسة في معدنها ، وهذه في غير معدنها.

ط ـ لو صلّى وفي كمه حيوان طاهر غير مأكول اللحم صحت صلاته ، لأن باطن الحيوان معفوّ عنه ، فإن المصلّي في باطنه نجاسة ـ وبه قال الشافعي(٣) ـ لأن الحسن والحسينعليهما‌السلام ركبا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ساجد(٤) .

ولو كان نجسا كالكلب والخنزير لم تصح صلاته.

ولو حمل حيوانا مذبوحا وقد غسل موضع الدم منه ، فإن كان مأكول اللحم صحّت صلاته ـ خلافا للشافعي(٥) ـ وإن كان غير مأكول لم تصح ، لأن باطن الحيوان لا حكم له إذا كان حيا فإذا زالت الحياة صار حكم الظاهر والباطن سواء ، وجرى مجرى القارورة.

مسألة ١٢٧ : كلّ ما لا تتم الصلاة فيه منفردا‌ كالتكة ، والجورب ، والقلنسوة ، والخف ، والنعل تجوز الصلاة فيه وإن كان نجسا ، ذهب إليه‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ١٤٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٨.

(٢) المجموع ٣ : ١٥٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤١.

(٣) المجموع ٣ : ١٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٨.

(٤) مستدرك الصحيحين ٣ : ١٦٥ ـ ١٦٦ و ١٦٧ و ٦٢٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٦٣ ، أسد الغابة ٢ : ٣٨٩ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٧٥ و ١٨١ و ١٨٢.

(٥) المجموع ٣ : ١٥٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤١ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٢.

٤٨١

علماؤنا عملا بالأصل. ولقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه فلا بأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة ، والتكة ، والخفين وما أشبه ذلك »(١) .

وخالف الجمهور في ذلك ، لأنه حامل نجاسة ، والجواب المنع من الفساد مطلقا ، فإنّ الحاجة قد تدعو الى هذه الأشياء فوجب العفو عنها.

فروع :

أ ـ خصّ بعض علمائنا هذه الأشياء الخمسة بالرخصة(٢) ، والوجه : العموم فيها وفيما شابهها كالسوار ، والخاتم ، وشبهه.

ب ـ لو كان الخاتم ، أو أحد هذه ، وشبهها نجسا وصلّى في المسجد لم تصح صلاته للنهي عن الكون في المسجد بنجاسة ، وكذا لو كانت النجاسة معفوا عنها في الثوب كالدم اليسير.

ولو كانت النجاسة خارجة عن ثوبه وبدنه ، بل في نفس المسجد ، أمكن بطلان الصلاة في أول وقتها مع تمكنه من إزالتها.

ج ـ الأقرب أنّ العفو عن هذه الأشياء إنّما هو إذا كانت في محالّها فلو كانت القلنسوة في يده فالوجه : المنع.

د ـ ألحق ابن بابويه العمامة بها(٣) ، ويحمل على عمامة صغيرة ليست ساترة للعورة بانفرادها.

مسألة ١٢٨ : لو نجس أحد الثوبين واشتبه طرحهما وصلّى في غيرهما‌ ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٧٥ ـ ٨١٠.

(٢) هو أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٤٠.

(٣) الفقيه ١ : ٤٢ ذيل الحديث ١٦٧.

٤٨٢

لأن المشتبه بالنجس كالنجس في وجوب الامتناع منه ، لعدم العلم بالشرط الذي هو الطهارة فيه.

ولو لم يجد غيرهما لعلمائنا قولان : النزع وأن يصلّي عريانا(١) ـ وبه قال أبو ثور ، والمزني(٢) ـ كالأواني النجسة.

قال ابن إدريس : لا يجوز له أن يشرع في صلاة يشك في صحتها ، والعلم بأنّه صلّى في ثوب طاهر بعد صلاته فيهما غير نافع ، لأنّ الواجب يقارنه الوجه المقتضي وجوبه فلا يكون متأخرا عنه(٣) .

وليس بجيّد ، فإن الفرق واقع بين الثياب والأواني لعدم تمكنه من استعمالها ، وينجس به في الحال وفيما بعد ، والثوب النجس قد تباح الصلاة فيه إذا لم يجد غيره ، بخلاف الماء النجس ، والشك ممنوع فإن ستر العورة شرط وهو متمكن منه بفعل صلاتين فتجبان معا ، وليس اليقين بالطهارة شرطا ، بل عدم العلم بالنجاسة ، وهو حاصل في الثوبين.

والوجه لو سلّم مقارنته فإنه مقارن هنا ، لأنّ المقتضي لوجوبهما تحصيل ستر العورة ، كما أنّ المأمور بالصلاة يجب عليه الوضوء لتوقفها عليه ، وإن كانت الصلاة متأخرة لأنه ليس وجه وجوب الوضوء الصلاة بل التمكن منها ، وكونها لا تتم إلاّ به.

الثاني : أن يصلّي في كلّ ثوب بعدد النجس ويزيد واحدة(٤) وهو الأقوى

__________________

(١) قال به ابن إدريس في السرائر : ٣٧ ، ويحيى بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع : ٢٤.

(٢) المغني ١ : ٨٢ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢.

(٣) السرائر : ٣٧.

(٤) قال به الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٩٠ ـ ٩١ ، والخلاف ١ : ٤٨١ المسألة ٢٢٤ ، والنهاية : ٥٥ ، والمحقق في المعتبر : ١٢١.

٤٨٣

عندي ـ وبه قال أحمد ، وابن الماجشون(١) ـ لأنه تمكن من أداء الصلاة في ثوب طاهر بيقين فيجب ، كما لو اشتبه الطهور بالطاهر ، وكما لو نسي صلاة من يوم.

ولما رواه صفوان بن يحيى قال : كتبت إلى أبي الحسنعليه‌السلام في رجل معه ثوبان أصاب أحدهما بول ولم يدر أيهما هو وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال : « يصلّي فيهما جميعا »(٢) .

وقال أبو حنيفة ، والشافعي : يتحرى فيهما كالقبلة(٣) .

والفرق مشقة اعتبار اليقين في القبلة لكثرة الاشتباه فيها ، ولأنّ الاشتباه في الثوبين حصل بالتفريط لأنه كان يمكنه تعليم النجس أو غسله ، ولا يمكنه ذلك في القبلة ، ولأنّ القبلة عليها أدلة من النجوم ، والشمس ، والقمر ، وغيرها فيصح الاجتهاد في طلبها ويقوى دليل الإصابة لها بحيث لا يبقى احتمال الخطأ إلاّ وهما ضعيفا بخلاف الثياب.

فروع :

أ ـ لو وجد المتيقن طهارته مع الثوبين المشتبهين صلّى في المتيقن ، لأنّ وجه الوجوب وهو التمكن من الصلاة في ثوب طاهر موجود في الثوب فيتعين.

ب ـ لو لم يعلم عدد النجس صلّى فيما يتيقن أنه صلّى في ثوب طاهر ، فإن كثر ذلك وشق فالوجه : التحري دفعا للمشقة.

__________________

(١) المغني ١ : ٨٢ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢ ، بلغة السالك ١ : ٣٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٦١ ـ ٧٥٧ ، التهذيب ٢ : ٢٢٥ ـ ٨٨٧.

(٣) المجموع ٣ : ١٤٤ ، فتح العزيز ٤ : ٢١ ، مختصر المزني : ١٨ ، مغني المحتاج ١ : ١٨٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٨ ، المغني ١ : ٨٢ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢.

٤٨٤

ج ـ لو ضاق الوقت عن الصلاة في الجميع صلّى فيما يحتمله الوقت وإن كانت واحدة ، ويتخير في الساقطة والمأتي بها إذا لم يتغلب عنده النجس.

د ـ لو أداه اجتهاده إلى نجاسة أحدهما فإن كان لأمارة فالوجه : لزوم الصلاة فيه مع ضيق الوقت ، ويحتمل مع اتساعه تعدد الصلاة.

والشافعي جوّز التحري فأوجب الصلاة فيه مطلقا ولا إعادة عليه ، فلو غسل الثوب الآخر فصلّى فيه صحت صلاته(١) .

ولو جمع بين المغسول والطاهر بالتحري والاجتهاد ، ثم صلّى فيهما لم تصح عندنا ، لأنّ المشتبه بالنجس كالمتيقن نجاسته في المنع.

واختلفت الشافعية ، فقال بعضهم : لا تصح ، لأنه قد تيقن حصول النجاسة ولم يتيقن زوالها لأنّ الذي غسله يحتمل أن يكون هو الطاهر.

وقال آخرون : تصح ، لأن المغسول طاهر قطعا ، والآخر طاهر اجتهادا ، فيجري مجرى اليقين ، ولهذا يصح أن يصلّي فيه(٢) . وهو ممنوع.

هـ ـ لو لم يغلب على ظنّه طهارة أحد الثوبين صلّى في كلّ منهما منفردا على ما اخترناه ، وعريانا على قول بعض علمائنا(٣) . وبه قال الشافعي ، لكنه أوجب الإعادة خلافا لنا ، لأنّ معه ثوبا طاهرا بيقين ، قال : ولا يجوز أن يصلّي في كل منهما لأنّه يؤدي الى أن يصلّي بنجاسة متيقنة وهو حرام(٤) .

__________________

(١) المجموع ٣ : ١٤٥ ، فتح العزيز ٤ : ١٨ ـ ١٩.

(٢) المجموع ٣ : ١٤٥ ، فتح العزيز ٤ : ٢٠ ـ ٢١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٨.

(٣) السرائر : ٣٧.

(٤) المجموع ٣ : ١٤٤ ، فتح العزيز ٤ : ٢١ و ١٠٤.

٤٨٥

ونحن لا نوجب الإعادة لو قلنا بنزعهما ، لأنّه فعل المأمور به شرعا فيخرج عن العهدة.

وتحريم الصلاة في الثوب النجس لا يستلزم تحريمها في المشتبه لاستدراك مصلحة الصلاة في الثوب الطاهر.

و ـ لو اشتبه الثوبان ـ ولا ظنّ ـ ومعه من الماء ما يغسل أحدهما ، لزمه عندنا تحصيلا ليقين الطهارة. وهو أظهر مذهبي الشافعي ، وفي الآخر : لا يجب ، لأن الثوب الذي يريد غسله لا يعلم نجاسته ، ولا يمكن أن يؤمر بغسل ما لا يعلم نجاسته(١) . والثانية ممنوعة.

ز ـ لو اشتبه الثوبان ومعه ثالث طاهر بيقين لم يجز له الاجتهاد عندنا ، ويصلّي في الطاهر ، وهو ظاهر. وللشافعي وجهان(٢) . وكذا لو قدر على غسل أحدهما منع من الاجتهاد. وللشافعي وجهان(٣) .

ح ـ لو تلف أحد الثوبين لم يجتهد عندنا ، وهو ظاهر على مذهبنا.

وللشافعي وجهان : هذا أحدهما ، إذ المقصود من الاجتهاد معرفة الطاهر من النجس بالتمييز بينهما وقد تعذر ، وثبوته لتمكنه من التوصل إلى معرفة صفة الباقي من طهارة أو نجاسة بأمارات تدله عليه(٤) .

إذا ثبت المنع من الاجتهاد فما ذا يصنع؟ يحتمل وجهان : الصلاة فيه وإعادتها عريانا ، لأنه إن كان طاهرا حصل بالصلاة فيه‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ١٤٥ ، فتح العزيز ٤ : ٢١.

(٢) المجموع ٣ : ١٤٤.

(٣) المجموع ٣ : ١٤٤.

(٤) المجموع ٣ : ١٤٦.

٤٨٦

الصلاة في ثوب طاهر ، وهو المأمور به فيخرج عن العهدة ، وإن كان نجسا أجزأته الصلاة عاريا.

والصلاة عاريا خاصة ، لأصالة البراءة السالم عن معارضة اليقين بالصلاة في ثوب طاهر مع التعذر بخلاف الثوبين ، وكذا لو انصب أحد المشتبهين بالمضاف احتمل استعمال الآخر مع التيمم ، والاكتفاء بالتيمم.

ط ـ لو غسل أحدهما من غير اجتهاد تعين عليه الصلاة فيه ، وهو أحد وجهي الشافعية. والثاني : له أن يصلّي في الآخر(١) .

ي ـ لو خفي موضع النجاسة من الثوب الواحد غسل الثوب كلّه ولم يجز التحري ، وهو مذهب الشافعي أيضا(٢) خلافا له في الثوبين.

مسألة ١٢٩ : يجوز أن يصلّي في ثوب عمله المشرك‌ إذا لم يعلم مباشرته له برطوبة ، لأصالة الطهارة.

ولأنّ المعلى بن خنيس سمع الصادقعليه‌السلام يقول : « لا بأس بالصلاة في الثياب التي يعملها المجوس ، والنصارى ، واليهود »(٣) .

وقال معاوية بن عمار سألت الصادقعليه‌السلام عن الثياب السابرية(٤) يعملها المجوس وهم أخباث ، وهم يشربون الخمر ، ونساؤهم على تلك الحال ألبسها ، ولا أغسلها ، وأصلّي فيها؟ قال : « نعم »(٥) .

__________________

(١) المجموع ٣ : ١٤٦.

(٢) المجموع ٣ : ١٤٣ ، مختصر المزني : ١٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٨ ، المغني ١ : ٧٦٦ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦١ ـ ١٤٩٦.

(٤) الثياب السابرية : وهو ضرب من الثياب الرقاق تعمل بسابور وهو موضع بفارس. مجمع البحرين ٣ : ٣٢٢ « سبر ».

(٥) التهذيب ٢ : ٣٦٢ ـ ١٤٩٧.

٤٨٧

وسألهعليه‌السلام عبيد الله الحلبي عن الصلاة في ثوب المجوسي فقال : « يرش بالماء »(١) .

ووجه الجمع حمل الثاني على الاستحباب ، أو على علم المباشرة بالرطوبة ، أو الظن ، والشيخ منع في المبسوط من ذلك(٢) ، وهو حسن ، لغلبة الظن بالمباشرة بالرطوبة.

فروع :

أ ـ يستحب غسل هذه الثياب إذا لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة ، فإن علم أو ظن وجب.

ب ـ تجوز الصلاة في ثياب الصبيان ، لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي وهو حامل لامامة بنت أبي العاص(٣) .

ج ـ يجوز أن يصلّي في ثوب الحائض ، لأصالة الطهارة ، وقالعليه‌السلام لعائشة : ( ناوليني الخمرة ) فقالت : إني حائض ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس حيضتك في يدك )(٤) .

د ـ يجوز أن يصلّي في الثوب الذي يجامع فيه إذا لم يعلم فيه نجاسة لطهارته.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٢ ـ ١٤٩٨.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٨٤.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٣٧ ، صحيح مسلم ١ : ٣٨٥ ـ ٥٤٣ ، سنن النسائي ٣ : ١٠ ، الموطأ ١ ١٧٠ ـ ٨١ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤١ ـ ٢٤٢ ـ ٩١٧ ـ ٩٢٠.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٢٤٥ ـ ٢٩٨ و ٢٩٩ ، سنن النسائي ١ : ١٤٦ و ١٩٢ ، سنن الترمذي ١ : ٢٤١ ـ ١٣٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٧ ـ ٦٣٢ ، سنن أبي داود ١ : ٦٨ ـ ٢٦١ ، سنن الدارمي ١ : ٢٤٨ ، مسند أحمد ٢ : ٧٠ ، سنن البيهقي ١ : ١٨٩ ، المنتقى لابن الجارود : ٥١ ـ ١٠٢ ، معرفة السنن والآثار ١ : ٤٤١ ، مسند الطيالسي : ٢٠٣ ـ ١٤٣٠.

٤٨٨

ولو أصابه مني لم يجز الصلاة فيه عندنا ، لأنه نجس خلافا للشافعي(١) .

ولو أصابه مذي صحت الصلاة فيه عندنا ، لأنه طاهر. خلافا للشافعي(٢) .

ولو أصابه من رطوبة فرج المرأة فهو طاهر إن لم يكن منيا ، وللشافعي وجهان : النجاسة كالمذي ، والطهارة ، لأنه عرق الفرج(٣) .

هـ ـ لو أعار ثوبه من لا يتقي النجاسة استحب له غسله ولا يجب عملا بالأصل ، لأن عبد الله بن سنان سأل الصادقعليه‌السلام عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجرّي ، ويشرب الخمر ، فيردّه أيصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال : « لا يصلّي فيه حتى يغسله »(٤) .

و ـ المسك طاهر يجوز أن يصلّي فيه عملا بالأصل ، ولما رواه علي بن جعفر عن أخيه الكاظمعليه‌السلام قال : سألته عن فأرة المسك تكون مع الرجل يصلّي وهي في جيبه أو ثيابه فقال : « لا بأس بذلك »(٥) .

وكتب عبد الله بن جعفر الى أبي محمد العسكريعليه‌السلام يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة مسك؟ فكتب : « لا بأس به إذا كان ذكيا »(٦) .

__________________

(١) الام ١ : ٥٥ ، مختصر المزني : ١٨ ، المجموع ٢ : ٥٥٣ و ٥٥٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٥٤ ، المغني ١ : ٧٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٨٢.

(٢) المجموع ٢ : ٥٥٢ ، الام ١ : ٥٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٥٣ و ٥٤.

(٣) المجموع ٢ : ٥٧٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٥٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦١ ـ ١٤٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٩٣ ـ ١٤٩٨ وفيهما : عن عبد الله بن سنان قال : سأل أبي أبا عبد اللهعليه‌السلام فلاحظ.

(٥) الفقيه ١ : ١٦٤ ـ ١٦٥ ـ ٧٧٥ ، التهذيب ٢ : ٣٦٢ ـ ١٤٩٩.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٦٢ ـ ١٥٠٠.

٤٨٩

مسألة ١٣٠ : لو صلّى في ثوب نجس عالما بذلك أعاد‌ بالإجماع عند من شرط الطهارة ، ومع الخروج القضاء ، لأنّه لم يفعل المأمور به على وجهه فيبقى في العهدة.

ولو علم النجاسة ثم نسيها وصلّى فقولان :

أحدهما : أنه يعيد مطلقا في الوقت وخارجه اختاره الشيخان ، والمرتضى(١) ، وهو المعتمد ـ وبه قال الشافعي(٢) ـ لأنه أخل بالشرط بتفريطه بالنسيان فلزمه القضاء.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه ، وإن علم قبل أن يصلّي فنسي وصلّى فيه فعليه الإعادة »(٣) .

وقال الشيخ في موضع : لا يعيد مطلقا(٤) ـ وبه قال أحمد(٥) ـ لأن العلاء سأل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يصيب ثوبه الشي‌ء فينجسه فينسى أن يغسله ويصلّي فيه ، ثم يذكر أنه لم يكن غسله ، أيعيد الصلاة؟ فقال : ( لا يعيد وقد مضت صلاته وكتبت له »(٦) .

ولأن ما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان ، بل النسيان أولى لورود النص بالعفو فيه ، لقولهعليه‌السلام : ( عفي عن أمّتي الخطأ والنسيان )(٧) .

__________________

(١) المقنعة : ٢٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٣٨ ، وحكى قول المرتضى المحقق في المعتبر : ١٢٢.

(٢) المجموع ٣ : ١٣١ و ١٥٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٧ ، المحلى ٣ : ٢٠٧.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٤ ـ ٧٣٧ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ ـ ٦٣٧.

(٤) لم نعثر على قوله كما في المتن ، والذي في الاستبصار ١ : ١٨٤ ذيل الحديث ٦٤٢ : عدم الإعادة خارج الوقت لا مطلقا ، فلاحظ.

(٥) المغني ١ : ٧٥١ ، الشرح الكبير ١ : ٥١٢ ، كشاف القناع ١ : ٢٩٢.

(٦) التهذيب ١ : ٤٢٣ ـ ١٣٤٥ و ٢ : ٣٦٠ ـ ١٤٩٢ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ ـ ١٨٤ ـ ٦٤٢.

(٧) سنن البيهقي ٦ : ٨٤.

٤٩٠

قال الشيخ في التهذيب : هذا الخبر شاذ(١) ، وأشار الى رواية العلاء ، ونحن نحمله على ما إذا لم يعلم ، والنسيان حقيقة في الترك ، فيحمل على الترك لعدم العلم.

وهذا وإن كان بعيدا لكن فيه جمع بين الأدلة فيكون أولى ، والعفو عن النسيان لا يوجب ترك القضاء بل مفهومه هنا عدم الإثم ، ونحن نقول به.

وهنا قول ثالث مشهور لعلمائنا : أنه يعيد في الوقت دون خارجه ، لأنه ما دام في الوقت يكون في عهدة التكليف لعدم فعل ما أمر به ، وبعد الخروج يكون قضاء ، والأصل عدمه إلاّ بأمر مجدد.

ولو لم يعلم بالنجاسة حتى فرغ من صلاته وتيقن حصولها في ثوبه أو بدنه حال الصلاة فقولان لعلمائنا :

أحدهما : الإجزاء ، اختاره الشيخان ، والمرتضى(٢) ـ وبه قال ابن عمر ، وعطاء ، وسعيد بن المسيب ، وسالم ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، ويحيى الأنصاري ، وإسحاق ، وابن المنذر ، والأوزاعي ، والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(٣) ـ لما رواه أبو سعيد قال : بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فخلع الناس نعالهم فلما قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلاته قال : ( ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ ) قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٠ ذيل الحديث ١٤٩٢.

(٢) النهاية : ٥٢ ، وحكى قول المفيد والمرتضى ، المحقق في المعتبر : ١٢٢.

(٣) المجموع ٣ : ١٥٦ و ١٥٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٩ ، المغني ١ : ٧٥١ ، الشرح الكبير ١ : ٥١١.

٤٩١

جبرئيل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا )(١) ولو كانت الطهارة شرطا مع عدم العلم لوجب استئناف الصلاة.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سأله أبو بصير عن رجل يصلّي وفي ثوبه جنابة ، أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم قال : « قد مضت صلاته ولا شي‌ء عليه »(٢) .

ولأنه مأمور بالصلاة في ثوب لا يعلم فيه نجاسة فيخرج عن العهدة بالامتثال.

الثاني : وجوب الإعادة في الوقت لا خارجه ، اختاره الشيخ في موضع من النهاية(٣) ـ وبه قال ربيعة ، ومالك ـ لأنه لم يفعل ما أمر به(٤) وهو الصلاة في ثوب طاهر ، فوجبت الإعادة ، ولا يجب القضاء ، لأنه بأمر مجدد ولم يثبت.

وقال الشافعي : يعيد مطلقا ، وهو رواية عن أحمد ، وقول أبي قلابة ، لأنّها طهارة مشترطة للصلاة فلا تسقط بالجهل كطهارة الحدث(٥) .

والفرق أن طهارة الحدث آكد ، لأنّه لا يعفى عن يسيرها.

فروع :

أ ـ لو صلّى ثم رأى النجاسة على ثوبه أو بدنه لم تجب الإعادة لاحتمال تجددها ، والأصل عدمها في الصلاة ، ولا نعلم فيه خلافا إلاّ ما‌

__________________

(١) سنن الدارمي ١ : ٣٢٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٧٥ ـ ٦٥٠ ، مسند أحمد ٣ : ٢٠ و ٩٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٥ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٠ ـ ١٤٨٩ ، الإستبصار ١ : ١٨١ ـ ٦٣٤.

(٣) النهاية : ٨.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٣٤ ، المغني ١ : ٧٥١ ، الشرح الكبير ١ : ٥١١.

(٥) المجموع ٣ : ١٥٧ ، المغني ١ : ٧٥١ ، الشرح الكبير ١ : ٥١١.

٤٩٢

روي عن أبي حنيفة : أن النجاسة إن كانت رطبة أعاد صلاة واحدة ، وإن كانت يابسة وكان في الصيف فكذلك ، وإن كان في الشتاء أعاد صلوات يوم وليلة(١) .

ب ـ لو رآها على ثوبه أو بدنه في أثناء الصلاة رماها عنه ، وأتم صلاته ، لعدم العلم بالسبق ، ولو لم يتمكن من رميها ، ولا رمي الثوب عنه ، استأنف الصلاة في ثوب طاهر ، تحصيلا للشرط ، ولما رواه محمد بن مسلم عن الصادقعليه‌السلام قال : « إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ، ثم صلّيت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك ، وكذلك البول »(٢) .

ج ـ لو وقعت عليه نجاسة وهو في الصلاة ثم زالت وهو لا يعلم ثم علم استمر على حاله على أحد قولي الشيخ ، ويستأنف على الآخر(٣) .

مسألة ١٣١ : المربية للصبي إذا لم يكن لها إلاّ ثوب واحد أجزأها غسله في اليوم مرة واحدة‌ ، وتصلي باقي الصلوات وإن كان فيه نجاسة دفعا للمشقة الحاصلة بالتكليف بغسله عند كل صلاة ، وربما تعذر يبسه ولبسه رطبا. ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن امرأة ليس لها إلاّ قميص ولها مولود يبول كيف تصنع؟ قال : « تغسل القميص في اليوم مرّة »(٤) .

ولأنّ تكرار بول الصبي يجري مجرى دم القرح أو السلس الذي لا يمنع استصحاب الثوب في الصلاة.

__________________

(١) فتح العزيز ٤ : ٧٠.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٢ ـ ٧٣٠ و ٢ : ٢٢٣ ـ ٨٨٠.

(٣) يستفاد ذلك مما ذكره في النهاية : ٥٢ والمبسوط ١ : ٩٠ فلاحظ.

(٤) الفقيه ١ : ٤١ ـ ١٦١ ، التهذيب ١ : ٢٥٠ ـ ٧١٩.

٤٩٣

فروع :

أ ـ المراد باليوم هنا الليل والنهار لدخولهما تحته ، وفي حديث عن الكاظمعليه‌السلام وقد سأله عبد الرحيم القصير عن خصيّ يبول فيلقى من ذلك شدة ويرى البلل بعد البلل فقال : « يتوضأ وينضح ثوبه في النهار مرة واحدة »(١) . والراوي ضعيف ، والوجه وجوب تكرار الغسل فإن تعسّر فلا بأس بالرواية دفعا للمشقة.

ب ـ في المربية للصبية إشكال ينشأ من عدم التنصيص على العلة فيقتصر على مورد النص ، خصوصا مع غلظ نجاسة بولها ، ومن الاشتراك في المشقة.

ج ـ الظاهر مشاركة المربي للصبي للمربية إذ لا مدخل للأنوثة هنا.

د ـ لو نجس بعذرته فإشكال منشؤه ما تقدم ، ولو نجس بغير البول والعذرة ـ كدمه ـ فالوجه عدم الإلحاق.

ه ـ تتخير في وقت غسله والأفضل أن تؤخره الى أن تجتمع الصلوات الأربع عدا الصبح فيه ، وفي وجوبه إشكال ينشأ من الإطلاق ، ومن أولوية طهارة أربع على طهارة واحدة.

و ـ لو كان لها ثوب طاهر لم يجز لها الصلاة في النجس ، وإن غسلته مرة ، ولو كان لها ثوبان لم تكتف بالمرّة أيضا لزوال المشقة مع التعدد.

مسألة ١٣٢ : النجاسات المغلّظة يعفى عنها في مواضع أربعة :

الأول : ما لا تتم الصلاة فيه منفردا ، خلافا للجمهور.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠ ـ ٦ ، الفقيه ١ : ٤٣ ـ ١٦٨ ، التهذيب ١ : ٣٥٣ ـ ١٠٥١ و ٤٢٤ ـ ١٣٤٩.

٤٩٤

الثاني : محل الاستنجاء من الغائط خاصة بعد الاستجمار ، لأنه طاهر عندنا ـ وبه قال أحمد ـ(١) لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الروث والرمّة(٢) : ( انهما لا يطهران )(٣) مفهومه أنّ غيرهما يطهر.

الثالث : أسفل الخف والحذاء والقدم إذا أصابته نجاسة فدلكها بالأرض حتى زالت عينها طهرت عندنا ، وبه قال الأوزاعي ، وإسحاق ، وأحمد في إحدى الروايات(٤) .

وقال الشافعي : لا يطهّرها إلاّ الماء كسائر النجاسات. وهو رواية عن أحمد(٥) ، وفي ثالثة : يجب غسل البول والغائط خاصة(٦) .

ولا فرق بين الدلك حال يبوسة النجاسة أو رطوبتها مع زوال الرطوبة.

الرابع : إذا جبر عظمه بعظم نجس كعظم الكلب ، والخنزير ، والكافر ، فإن تمكن من نزعه من غير ضرر وجب لئلا يصلّي مع النجاسة ، وإن تعذر لخوف ضرر لم يجب قلعه ـ وبه قال الشافعي ، وأحمد(٧) ـ لأنه حرج فيكون منفيا ، ولأنها نجاسة متصلة كاتصال دمه فيكون معفوا عنها.

وقال بعض الشافعية : يجب قلعه وإن أدى الى التلف ، لجواز قتل الممتنع من صلاته فكذا هذا ، لأنّه منع صحة صلاته بالعظم النجس(٨) ، وهو‌

__________________

(١) المغني ١ : ٧٦٤ ، المحرر في الفقه ١ : ٧.

(٢) الرمّة : العظام البالية. لسان العرب ١٢ : ٢٥٢.

(٣) سنن الدار قطني ١ : ٥٦ ـ ٩ ، وانظر : المغني ١ : ٧٦٥.

(٤) المغني ١ : ٧٦٥ ، المحرر في الفقه ١ : ٧.

(٥) فتح العزيز ٤ : ٤٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٦ ، المغني ١ : ٧٦٥ ، المحرر في الفقه ١ : ٧.

(٦) المغني ١ : ٧٦٥.

(٧) المجموع ٣ : ١٣٨ ، فتح العزيز ٤ : ٢٧ ، السراج الوهاج : ٥٤ ، المغني ١ : ٧٦٦.

(٨) المجموع ٣ : ١٣٨ ، فتح العزيز ٤ : ٢٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٧ ، الوجيز ١ : ٤٦.

٤٩٥

خطأ ، لأنّ النجاسة يعفى عنها مطلقا في مواضع ، وللضرورة مطلقا ، ولا يعفى عن الصلاة مطلقا.

وقال أبو حنيفة : لا يجب قلعه مطلقا وإن لم يلحقه ضرر ولا ألم(١) ، لأنّه صار باطنا ، كما لو شرب خمرا أو أكل ميتة. والفرق مع تسليم الأصل أنه أوصل نجاسة إلى معدنها ، ويتعذر في العادة إخراجها ، وفي صورة النزاع أوصلها الى غير معدنها فأشبه ما إذا وصل شعره بشعر غيره.

فروع :

أ ـ لو جبر عظمه بعظم طاهر العين في الحياة جاز ، لأنّ الموت لا ينجس عظمه ولا شعره.

ولو جبره بعظم آدمي فإشكال ينشأ من وجوب دفنه ، ومن طهارته ، ورواية الحسين بن زرارة عن الصادقعليه‌السلام عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سنّ ميت مكانه قال : « لا بأس »(٢) .

ب ـ لو مات المجبور عظمه بالعظم النجس لم ينزع ، لسقوط التكليف عنه ، وبه قال الشافعي(٣) . وقال أبو إسحاق من أصحابه : نزعه أولى ، لئلا يلقى الله تعالى بمعصية(٤) (٥) . وهو خطأ لعدم زوالها بنزعه.

ج ـ التدليس بوصل شعر المرأة بشعر غيرها حرام عندنا ، ولو وصلت‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ١٣٨ ، فتح العزيز ٤ : ٢٧ ، الوجيز ١ : ٤٦.

(٢) مكارم الأخلاق : ٩٥.

(٣) الام ١ : ٥٤ ، المجموع ٣ : ١٣٨ ، فتح العزيز ٤ : ٢٧ ، الوجيز ١ : ٤٧.

(٤) في نسخة ( ش ) : بغضبه.

(٥) فتح العزيز ٤ : ٢٧ ، المجموع ٣ : ١٣٨ وفيهما نسب هذا القول الى أبي العباس.

٤٩٦

بشعر غير الآدمي جاز ، وكرهه الشافعي للخالية من زوج ومولى ، للغش(١) ، وكرهه أحمد مطلقا(٢) . ولا بأس بالقرامل ـ وبه قال أحمد ، وسعيد بن جبير(٣) وهي ما تواصل بالذوائب.

د ـ لو سقطت سنه جاز أن يردها ـ وبه قال أحمد(٤) لأنها طاهرة ، ولما تقدم من الحديث(٥) على إشكال سبق. ومنعه الشافعي(٦) لقولهعليه‌السلام : ( ما أبين من حي فهو ميت )(٧) والمراد ما تحله الحياة.

ولو لم تسقط جاز ربطها إجماعا ـ ولو بالذهب ـ لأنّه موضع حاجة ، وجوّز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعرفجة بن أسعد لمّا أصيب أنفه يوم الكلاب أن يتخذ أنفا من فضّة فأنتن عليه فأمره أن يتخذ أنفا من ذهب(٨) .

هـ ـ لو شرب خمرا أو أكل ميتة لغير ضرورة فالأقرب وجوب قيئه ، لحرمة الاغتذاء به ، وهو ظاهر قول الشافعي(٩) . وقال بعض أصحابه : لا يجب ، لأنّ المعدة معدن النجاسات(١٠) .

و ـ لو أدخل دما نجسا تحت جلده وجب عليه إخراج ذلك الدم مع عدم‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ١٤٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢.

(٢) المغني ١ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ١ : ١٣٧.

(٣) المغني ١ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ١ : ١٣٧.

(٤) كشاف القناع ١ : ٢٩٣.

(٥) مكارم الأخلاق : ٩٥.

(٦) الام ١ : ٥٤ ، المجموع ٣ : ١٣٩.

(٧) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٧٣ ـ ٣٢١٧ ، سنن أبي داود ٣ : ١١١ ـ ٢٨٥٨ ، سنن الترمذي ٤ : ١٨ ـ ١٤٨٠ ، مسند أحمد ٥ : ٢١٨ ، مستدرك الحاكم ٤ : ٢٣٩ ، كنز العمال ٦ : ٢٦٦ ـ ١٥٦٣١.

(٨) سنن النسائي ٨ : ١٦٤ ، مسند أحمد ٤ : ٣٤٢ و ٥ : ٢٣.

(٩) المجموع ٣ : ١٣٩.

(١٠) المجموع ٣ : ١٣٩.

٤٩٧

الضرر ، وإعادة كلّ صلاة صلاّها مع ذلك الدم.

ز ـ لو خاط جرحه بخيط نجس فكالعظم النجس ، ولو كان مغصوبا فإن تعذّر النزع لضرر أو خوف تلف الخيط وجبت القيمة.

مسألة ١٣٣ : لا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم‌ كالنعل السندي(١) ، والشمشك قاله الشيخان(٢) ، ومستند ذلك فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والصحابة ، والتابعين. وقال في المبسوط : يكره الصلاة في الشمشك ، والنعل السندي(٣) .

أما ما له ساق كالخف والجرموق فلا بأس بالصلاة فيه إجماعا ـ والجرموق خف واسع قصير يلبس فوق الخف ـ لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الخفاف التي تباع في السوق فقال : « اشتر وصل فيها حتى تعلم أنه ميّت بعينه »(٤) .

وقال إبراهيم بن مهزيار : وسألته عن الصلاة في جرموق وأتيته بجرموق بعثت به إليه فقال : « يصلّى فيه »(٥) .

وتستحب الصلاة في النعل العربية عند علمائنا اقتداء برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام .

__________________

(١) نعل سندية : منسوبة إلى بلاد السند أو الى السندية قرية معروفة من قرى بغداد. مجمع البحرين ٣ : ٧١ « سند ».

(٢) المقنعة : ٢٥ ، النهاية : ٩٨.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٨٣.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٣ ـ ٢٨ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ـ ٩٢٠.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠٤ ـ ٣٢ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ـ ٩٢٣.

٤٩٨

قال محمد بن إسماعيل : رأيته يصلّي في نعليه لم يخلعهما وأحسبه قال : ركعتي الطواف(١) .

وقال معاوية بن عمّار : رأيت الصادقعليه‌السلام يصلي في نعليه غير مرّة ولم أره ينزعهما قط(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « إذا صليت فصلّ في نعليك إذا كانت طاهرة فإنه يقال : ذلك من السنة »(٣) .

مسألة ١٣٤ : لا يجوز أن يصلّي الرجل وعليه لثام يمنعه من القراءة أو سماعها‌ ، وكذا النقاب للمرأة إن منعها شيئا من ذلك لما فيه من ترك واجب.

ولو لم يمنع شيئا من الواجبات كره ، ولم يحرم ، لقول الباقرعليه‌السلام وقد سأله محمد بن مسلم يصلّي الرجل وهو متلثم : « أمّا على الأرض فلا ، وأمّا على الدابة فلا بأس »(٤) .

وسأل سماعة الصادقعليه‌السلام عن الرجل يصلّي ويقرأ بأم القرآن وهو متلثم فقال : « لا بأس »(٥) . وهو محمول على ما إذا لم يمنع شيئا من الواجبات.

وكذا قول أحدهماعليهما‌السلام : « لا بأس بأن يقرأ الرجل في الصلاة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٣٣ ـ ٩١٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٣٣ ـ ٩١٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٣٣ ـ ٩١٧.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٨ ـ ١ ، الفقيه ١ : ١٦٦ ـ ٧٧٨ ، التهذيب ٢ : ٢٢٩ ـ ٩٠٠ ، الاستبصار ١ : ٣٩٧ ـ ١٥١٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٢٩ ـ ٩٠١ ، الاستبصار ١ : ٣٩٧ ـ ١٥١٧.

٤٩٩

وثوبه على فيه »(١) لما رواه الحلبي قال : سألت الصادقعليه‌السلام هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ فقال : « لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة »(٢) .

وسأله سماعة عن الرجل يصلّي فيتلو القرآن وهو متلثم ، فقال : « لا بأس به ، وإن كشف عن فيه فهو أفضل » قال : وسألته عن المرأة تصلّي متنقبة قال : « إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به ، وإن أسفرت فهو أفضل »(٣) .

البحث الثالث : فيما يكره فيه الصلاة‌

وهي أشياء :

أ ـ يكره الثياب السود ما عدا العمامة والخف ، لقول النبيعليه‌السلام : ( البسوا ثيابكم البيض فإنها من خير ثيابكم )(٤) وأمرهعليه‌السلام بهذا اللون يدل على اختصاصه بالفضيلة فيكون أشد الألوان معاندة له وهو السواد مكروها.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « يكره السواد إلاّ في ثلاث. العمامة ، والخف ، والكساء »(٥) .

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢٩ ـ ٩٠٢ ، الإستبصار ١ : ٣٩٨ ـ ١٥١٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٥ ـ ١٥ ، الفقيه ١ : ١٧٣ ـ ٨١٨ ، التهذيب ٢ : ٢٢٩ ـ ٩٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٩٨ ـ ١٥١٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٣٠ ـ ٩٠٤.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٣١٩ ـ ٩٩٤ ، سنن أبي داود ٤ : ٨ ـ ٣٨٧٨ و ٥١ ـ ٤٠٦١ ، مسند أحمد ١ : ٣٢٨.

(٥) الكافي ٦ : ٤٤٩ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢١٣ ـ ٨٣٥.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512