تذكرة الفقهاء الجزء ٣

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-36-1
الصفحات: 380

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
تصنيف: ISBN: 964-5503-36-1
الصفحات: 380
المشاهدات: 286898
تحميل: 6641


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 380 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 286898 / تحميل: 6641
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 3

مؤلف:
ISBN: 964-5503-36-1
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ويجوز الدعاء بالعربية وغيرها - وبه قال الصدوق(١) - لقول أبي جعفر الثانيعليه‌السلام : « لا بأس أن يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربه عزّ وجلّ »(٢) ولقول الصادقعليه‌السلام : « كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي »(٣) .

قال محمد بن الحسن بن الوليد : كان سعد بن عبد الله لا يجيز الدعاء في القنوت بالفارسية(٤) .

واستحب الشافعي الكلمات الثماني التي رواها عن الحسن بن عليعليهما‌السلام ، قال : « علمني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلمات في القنوت أقولهن : اللّهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربّنا وتعاليت »(٥) .

مسألة ٣١١ : القنوت سنّة ، ليس بفرض عند علمائنا ، وقد يجري في بعض عبارات علمائنا : الوجوب(٦) والقصد : شدة الاستحباب عملاً بالأصل ، ولأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقنت تارة ، ويترك اُخرى(٧) .

____________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٨ ذيل الحديث ٩٣٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٨ / ٩٣٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٨ / ٩٣٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٨ ذيل الحديث ٩٣٥.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٣٠٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٦٣ / ١٤٢٥ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٢٨ / ٤٦٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٧٢ / ١١٧٨ ، سنن الدارمي ١ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، سنن النسائي ٣ : ٢٤٨ ، مسند أحمد ١ : ١٩٩ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٠٩ ، وانظر أيضا المجموع ٣ : ٤٩٥ ، والمهذب للشيرازي ١ : ٨٨ ، وفتح العزيز ٣ : ٤٢١ - ٤٣٠.

(٦) هو الصدوق في الفقيه ١ : ٢٠٧.

(٧) انظر : سنن أبي داود ١ : ٦٧ / ١٤٤٠ ومصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٣١١ ، وصحيح مسلم ١ : ٤٦٨ / ٦٧٦ و ٤٧٠ / ٦٧٨ ، وسنن النسائي ٢ : ٢٠٢.

٢٦١

وقال الباقرعليه‌السلام في القنوت : « إن شئت فاقنت ، وإن شئت لا تقنت »(١) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « فمن ترك القنوت رغبةً عنه فلا صلاة له »(٢) محمول على نفي الفضيلة ، أو لأنه مشروع فتركه رغبة عنه يعطي كون التارك مستخفاً بالعبادات وهذا لا صلاة له حينئذِ.

ولو تركه ناسياً لم يعد إجماعاً لقول الصادقعليه‌السلام : « إن نسي الرجل القنوت في شي‌ءٍ من الصلاة حتى يركع فقد جازت صلاته ، وليس عليه شي‌ء ، وليس له أن يدعه متعمداً »(٣) .

مسألة ٣١٢ : ويستحب فيه الجهر‌ لقول الباقرعليه‌السلام : « القنوت كلّه جهار »(٤) .

قال المرتضى : إنه تابع للقراءة يجهر فيما يجهر فيه ، ويخافت فيما يخافت لأنه ذكر فيتبع القراءة(٥) .

وقال الشافعي : يخافت به مطلقاً لأنه مسنون فأشبه التشهّد الأول(٦) . والأصل ممنوع.

مسألة ٣١٣ : لو نسيه في الثانية قبل الركوع قضاه بعده‌ لقول الصادقعليه‌السلام في الرجل ينسى القنوت حتى يركع قال : « يقنت بعد الركوع ، فإن لم يذكر حتى ينصرف فلا شي‌ء عليه »(٧) .

ولو لم يذكر حتى ركع في الثالثة قضاه بعد فراغه من الصلاة لفوات محله - وهو الثانية - ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا سها الرجل في‌

____________________

(١) التهذيب ٢ : ٩١ / ٣٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٤٠ / ١٢٨١.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٠ / ٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ / ١٢٧٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٣١٥ / ١٢٨٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٩ / ٩٤٤.

(٥) حكاه المحقق في المعتبر : ١٩٢.

(٦) المجموع ٣ : ٥٠١ ، فتح العزيز ٣ : ٤٤١ و ٤٤٣.

(٧) التهذيب ٢ : ١٦٠ - ٦٢٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٤ / ١٢٩٦.

٢٦٢

القنوت قنت بعد ما ينصرف وهو جالس »(١) .

مسألة ٣١٤ : إذا قنت الإِمام تبعه المأموم فيه‌ ، وللشافعية قولان : أحدهما : ذلك ، والثاني : التأمين لدعاء الإِمام(٢) وقال بعضهم : إن كان ثناءً على الله تعالى تابعه ، وإن كان دعاءً أمّن عليه(٣) وقولنا أولى.

وقد بيّنا استحباب رفع اليدين بالقنوت ، وبه قال الشافعي(٤) لأن أنساً قال : رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كلما صلّى الغداة رفع يديه يدعو على الذين قتلوا القراءة ببئر معونة(٥) (٦) .

فإذا فرغ من القنوت استحب الشافعي مسح وجهه بيديه(٧) لأن ابن عباس روى قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا دعوت الله فادع الله ببطون كفيك ، ولا تدع بظهورهما ، فإذا فرغت فامسح راحتيك على وجهك »(٨) ولا يستحب مسح غير الوجه ، ومنع القفال من رفع اليدين في القنوت قياساً على الدعاء في التشهد(٩) .

وكره الشافعي تخصيص الإِمام نفسه بالدعاء(١٠) لقولهعليه‌السلام :

____________________

(١) التهذيب ٢ : ١٦٠ / ٦٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ / ١٢٩٨.

(٢) المجموع ٣ : ٥٠١ ، الوجيز ١ : ٤٤ ، فتح العزيز ٣ : ٤٤٣ و ٤٤٤.

(٣) المجموع ٣ : ٥٠٢ ، فتح العزيز ٣ : ٤٤٤ ، السراج الوهاج : ٤٦ ، مغني المحتاج ١ : ١٦٧.

(٤) المجموع ٣ : ٥٠٠ ، فتح العزيز ٣ : ٤٤٥ ، السراج الوهاج : ٤٦ ، رحمة الأمة ١ : ٥١.

(٥) بئر معونة : قال ابن إسحاق : بئر معونة بين أرض بني عامر وحرّة بني سليم معجم البلدان ١ : ٣٠٢.

(٦) سنن البيهقي ٢ : ٢١١.

(٧) المجموع ٣ : ٥٠٠ ، مغني المحتاج ١ : ١٦٧.

(٨) سنن ابن ماجة ١ : ٣٧٣ / ١١٨١.

(٩) المجموع ٣ : ٤٩٩ ، فتح العزيز ٣ : ٤٤٨ - ٤٤٩ ، حلية العلماء ٢ : ١١٢.

(١٠) كفاية الأَخيار ١ : ٧١ ، وانظر أيضاً المجموع ٣ : ٤٩٦ ، فتح العزيز ٣ : ٤٣٠.

٢٦٣

( إذا خصّ الإِمام نفسه بالدعاء فقد خان )(١) .

وروى واحد من الصحابة صورتين : إحداهما : ( اللهم إنا نستعينك ، ونستغفرك ، ونستهديك ، ونستنصرك ، ونؤمن بك ، ونتوكل عليك ، ونثني عليك الخير كله ، نشكرك ، ولا نكفرك ، ونخلع ونترك من يفجرك ).

والثانية : ( اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، ونرجو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إن عذابك بالكفار ملحق )(٢) ، فقال عثمان : اجعلوهما في القنوت ، ولم يثبتهما في المصحف لانفراد الواحد ، وكان عمر يقنت بذلك(٣) ، ولم ينقل ذلك من طريق أهل البيتعليهم‌السلام ، فلو قنت بذلك جاز لاشتماله على الدعاء.

الرابع : التكبيرات الزائدة على تكبيرة الإِحرام‌ منها ما هو خارج عن الصلاة ، وهي ست متقدمة ، وثلاث بعد التسليم ، ومنها ما هو في الصلاة ، وقد اتفق علماؤنا على ثبوت أربع وتسعين تكبيرة مستحبة في كلّ الصلوات الخمس تكبيرة الركوع ، والسجودين ، والرفع منهما.

واختلف الشيخان في إثبات تكبيرة اُخرى ، والأصل فيه أن شيخنا المفيد يقوم إلى الثالثة بالتكبير ، ويسقط تكبير القنوت(٤) ، والشيخ الطوسي يقوم إلى الثالثة كما يقوم إلى الثانية بحول الله وقوته أقوم وأقعد(٥) ، وتكبير القنوت يسقط باعتبار قول المفيد وتكبير القيام إلى الثالثة في الصبح(٦) .

____________________

(١) سن ابن ماجة ١ : ٢٩٨ / ٩٢٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٢ / ٩٠ ، سنن الترمذي ٢ : ١٨٩ / ٣٥٧ وفيها نحوه.

(٢) سنن البيهقي ٢ : ٢١٠ ، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار : ٩٠ - ٩١ باختلاف في اللفظ.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٣١٤ - ٣١٥ ، سنن البيهقي ٢ : ٢١٠ و ٢١١.

(٤) حكى قول المفيد المحقق في المعتبر : ١٨٩ و ١٩٣.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ١١١.

(٦) اي سقوط التكبير إلى الثالثة في الصبح لأجل أنها سالبة بانتفاء الموضوع.

٢٦٤

وقول الشيخ أجود لقول الصادقعليه‌السلام : « التكبير في صلاة الفرض في الخمس الصلوات خمس وتسعون تكبيرة منها القنوت خمس(١) .

وعن عبد الله بن المغيرة : وفسّرهن في الظهر إحدى وعشرون تكبيرة ، وفي العصر إحدى وعشرون تكبيرة ، وفي المغرب ستة عشر تكبيرة ، وفي العشاء الآخرة إحدى وعشرون تكبيرة ، وفي الفجر إحدى عشرة تكبيرة ، وخمس تكبيرات في القنوت في خمس صلوات(٢) .

وقال عليعليه‌السلام : « خمس وتسعون تكبيرة في اليوم والليلة للصلوات منها تكبيرة القنوت »(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « إذا جلست في الركعتين الاُوليين فتشهدت ثم قمت ، فقل : بحول الله وقوته أقوم وأقعد »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « إذا قمت من الركعتين فاعتمد على كفّيك ، وقل : بحول الله وقوته أقوم وأقعد ، فإن عليّاًعليه‌السلام كان يفعل ذلك »(٥) .

الخامس : التعقيب : وقد أجمع العلماء على استحبابه عقيب الصلوات لقول أبي هريرة : جاء الفقراء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا : ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى ، والنعيم المقيم ، يصلّون كما نصلّي ، ويصومون كما نصوم ، ولهم فضول أموال يحجّون بها ، ويعتمرون ، ويتصدّقون ، فقال : ( ألا أحدّثكم بحديث إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ، ولم يدرككم أحد بعدكم ، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم ، إلّا من عمل‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٠ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٨٧ / ٣٢٣ ، الاستبصار ١ : ٣٣٦ / ١٢٦٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٠ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٨٧ / ٣٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٦ / ١٢٦٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٨٧ / ٣٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣٦ / ١٢٦٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٨ / ١١ ، التهذيب ٢ : ٨٨ / ٣٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٧ / ١٢٦٧.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٨ / ١٠ ، التهذيب ٢ : ٨٩ / ٣٢٨ ، الاستبصار ١ : ٣٣٨ / ١٢٦٩.

٢٦٥

مثله ، تسبحون ، وتحمدون ، وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد » قال الراوي : يعني بالتعقيب : الدعاء عقيب الصلوات(٢) وهو أفضل من التنفل بعد الفريضة ، لقول الباقرعليه‌السلام : « الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلاً »(٣) .

مسألة ٣١٥ : ويستحب الدعاء بالمنقول عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وأفضله تسبيح الزهراءعليها‌السلام ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « معقبات لا يخيب قائلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاث وثلاثون تسبيحة ، وثلاث وثلاثون تحميدة ، وأربع وثلاثون تكبيرة »(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « ما عبد الله بشي‌ء أفضل من تسبيح الزهراءعليها‌السلام ، ولو كان شي‌ء أفضل منه لنحله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمةعليها‌السلام »(٥) وكان يقول : « تسبيح فاطمةعليها‌السلام في كل يوم دبر كل صلاة أحب إليّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم »(٦) .

وإنما نسب التسبيح إليهاعليها‌السلام لأنهاعليها‌السلام السبب في تشريعه ، روى الصدوق أن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال لرجل من بني سعد : «

ألا أحدثكم عني ، وعن فاطمة أنها كانت عندي فاستقت بالقربة‌

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٢١٣ ، صحيح مسلم ١ : ٤١٦ / ٥٩٥.

(٢) التهذيب ٢ : ١٠٤ / ٣٩١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٢ / ٥ ، الفقيه ١ : ٢١٦ / ٩٦٢ ، التهذيب ٢ : ١٠٣ / ٣٨٩.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٤١٨ / ٥٩٦ ، سنن النسائي ٣ : ٧٥ ، سنن الترمذي ٥ : ٤٧٩ / ٣٤١٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٣ / ١٤ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٨.

(٦) الكافي ٣ : ٣٤٣ / ١٥ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٩.

٢٦٦

حتى أثر في صدرها ، وطحنت بالرحا حتى مجلت(١) يداها ، وكسحت(٢) البيت حتى أغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها فأصابها من ذلك ضرر شديد ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل؟ فأتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فوجدت عنده حدّاثا فاستحيت وانصرفت ، فعلمعليه‌السلام أنها جاءت لحاجة فغدا علينا ونحن في لفاعتنا(٣) ، فقال : السلام عليكم ، فسكتنا واستحيينا لمكاننا ، ثم قال : السلام عليكم ، فسكتنا ، ثم قال : السلام عليكم ، فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف ، وقد كان يفعل ذلك يسلم ثلاثاً فإن اُذن له وإلا انصرف ، فقلت : وعليك السلام يا رسول الله ادْخُل ، فدخل وجلس عند رؤوسنا ، فقال : يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟ فخشيت إن لم نجبْة أن يقوم فأخرجت رأسي فقلت : أنا والله أخبرك يا رسول الله إنَّها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها ، وجرّت بالرحا حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى أغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل ، قال : أفلا أُعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعاً وثلاثين تكبيرة ، وسبّحا ثلاثاً وثلاثين ، وأحمدا ثلاثاً وثلاثين ، فأخرجت فاطمةعليها‌السلام رأسها فقالت : رضيت عن الله وعن رسوله ، رضيت عن الله وعن رسوله »(٤) .

مسألة ٣١٦ : المشهور : أنه يبدأ بالتكبير ، ثم بالتحميد ، ثم بالتسبيح ، قال محمد بن عذافر : دخلت على الصادقعليه‌السلام فسألته عن تسبيح فاطمة‌

____________________

(١) مجلت يداها : أي ثخن جلدها وتعجز وظهر فيها ما يشبه البثر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة. مجمع البحرين ٥ : ٤٧٢ « مجل ».

(٢) كسحت : كسحت البيت كسحا من باب نفع كنسته ، مجمع البحرين ٢ : ٤٠٦ « كسح ».

(٣) وفي المصدر : لحافنا وهما بمعنى.

(٤) الفقيه ١ : ٢١١ / ٩٤٧ ، علل الشرائع : ٣٦٦ باب ٨٨.

٢٦٧

عليها‌السلام ، فقال : « الله أكبر أربعاً وثلاثين مرّة ، ثم قال : الحمد لله حتى بلغ سبعاً وستين ، ثم قال : سبحان الله حتى بلغ مائة يحصيها بيده جملة واحدة »(١) . وعن الصادقعليه‌السلام قال : « من سبّح تسبيح الزهراءعليها‌السلام قبل أن يثنّي رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له ويبدأ بالتكبير »(٢) . وفي رواية : تقديم التسبيح على التحميد(٣) .

ويستحب قول سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ثلاثين مرة ، قال الصادقعليه‌السلام : « إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأصحابه : أرأيتم لو جمعتم ما عندكم من الثياب والآنية ، ثم وضعتم بعضها على بعض ترونه يبلغ السماء؟ قالوا : لا يا رسول الله ، فقال : يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ثلاثين مرة ، وهنَّ يدفعن الهدم ، والغرق ، والحرق ، والتردي في البئر ، وأكل السبع ، وميتة السوء ، والبلية التي نزلت على العبد في ذلك اليوم »(٤) .

مسألة ٣١٧ : قال الصادقعليه‌السلام : « أدنى ما يجزي من الدعاء بعد المكتوبة‌ أن تقول : اللهم صلِّ على محمد وآل محمد ، اللهم إنّا نسألك من كل خير أحاط به علمك ، ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك ، اللهم إنا نسألك عافيتك في أمورنا كلّها ، ونعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة »(٥) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « من أحب أن يخرج من الدنيا وقد خلص من الذنوب كما يتخلص الذهب الذي لا كدر فيه ، ولا يطلبه أحد‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٢ / ٨ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٤٠٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٢ / ٦ ، الفقيه ١ : ٢١٠ / ٩٤٦ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢١١ / ٩٤٧ ، علل الشرائع : ٣٦٦ باب ٨٨ حديث ١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠٧ / ٤٠٦ ، معاني الأخبار : ٣٢٤ / ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢١٢ / ٩٤٨ ، التهذيب ٢ : ١٠٧ / ٤٠٧.

٢٦٨

بمظلمة ، فليقل في دبر الصلوات الخمس نسبة الرب تبارك وتعالى(١) اثنتي عشرة مرة ، ثم يبسط يده فيقول : اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون ، الطاهر الطهر المبارك ، وأسألك باسمك العظيم ، وسلطانك القديم ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، يا واهب العطايا ، يا مطلق الأسارى ، يا فكّاك الرقاب من النار أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تعتق رقبتي من النار ، وتخرجني من الدنيا آمناً ، وتدخلني الجنّة سالماً ، وأن تجعل دعائي أوله فلاحاً ، وأوسطه نجاحاً ، وآخره صلاحاً إنك أنت علّام الغيوب » ثم قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « هذا من المخبيات مما علّمني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرني أن أعلّمه الحسنعليه‌السلام والحسينعليه‌السلام »(٢) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « تقول في دبر كل صلاة : اللهم اهدني من عندك ، وأفض عليّ من فضلك ، وانشر عليّ من رحمتك ، وانزل عليّ من بركاتك »(٣) .

وقال الجوادعليه‌السلام : « إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل : رضيت بالله ربّاً ، وبالإِسلام ديناً ، وبالقرآن كتاباً ، وبمحمد نبيّاً ، وبعلي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والحجة بن الحسن بن علي أئمة ، اللهم وليّك الحجة فاحفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن فوقه ، ومن تحته ، وامدد في عمره ، واجعله القائم بأمرك والمنتصر لدينك ، وأره ما يحب ، وتقر به عينه في نفسه ، وفي ذريته ، وأهله ، وماله ، وفي شيعته ، وفي عدوّه ، وأرهم منه ما يحذرون ، وأره فيهم ما يحب وتقرّ به‌

____________________

(١) المقصود من نسبة الرب ، سورة التوحيد. أنظر الكافي ١ : ٧١ / ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٢ / ٩٤٩ ، التهذيب ٢ : ١٠٨ / ٤١٠.

(٣) الفقيه ١ : ٢١٣ / ٩٥١ ، التهذيب ٢ : ١٠٧ / ٤٠٤.

٢٦٩

عينه ، واشف صدورنا وصدور قوم مؤمنين »(١) .

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( قال الله جلّ جلاله : يا ابن آدم اذكرني بعد الغداة ساعة ، وبعد العصر ساعة أكفيك ما أهمك )(٢) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « ما بسط عبد يده إلى الله عز وجل إلا استحى الله أن يردها صفراً ، حتى يجعل فيها من فضله ، ورحمته ما يشاء ، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يديه حتى يمسح بهما على رأسه ووجهه » ، وفي خبر آخر : « على وجهه وصدره »(٣) والأدعية في ذلك كثيرة فلتطلب من مظانها(٤) .

____________________

(١) الكافي ٢ : ٣٩٨ / ٦ ، الفقيه ١ : ٢١٥ / ٩٥٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٦ / ٩٦٤ ، التهذيب ٢ : ١٣٨ / ٥٣٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢١٣ / ٩٥٣.

(٤) أنظر مصباح المتهجد : ١٧٧ وما بعدها ، جمال الأسبوع : ٤٠١ و ٤١٩ وغيرها ، الأذكار للنووي : ٨٠.

٢٧٠

٢٧١

الفصل الثالث : في التروك‌

وفيه بحثان :

الأول : في التروك الواجبة‌

مسألة ٣١٨ : يجب ترك الحدث فإن فعله عمداً أو سهواً في الصلاة بطلت‌ إجماعاً لأنه مخل بالطهارة ، وهي شرط وفساد الشرط يقتضي فساد المشروط ، فإن وجد بعد الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل التسليم فمن جعل التسليم واجباً أبطل الصلاة ، وبه قال الشافعي(١) ومن جعله ندباً لم تبطل صلاته ، وبه قال أبو حنيفة(٢) ، وقد تقدم.

أما لو سبقه الحدث فللشيخ ، والمرتضى قول : باستئناف الوضوء ، والبناء(٣) وبه قال الشافعي في القديم ، وأبو حنيفة ، وابن أبي ليلى ، وداود(٤) لقولهعليه‌السلام : ( من قاء أو رعف ، أو أمذى فلينصرف وليتوضأ‌

____________________

(١) المجموع ٣ : ٤٨١ ، الوجيز ١ : ٤٥ ، فتح العزيز ٣ : ٥٢٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٨٩ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٦٢ ذيل الحديث ٤٠٨.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ٥٩ - ٦٠ ، الكفاية ١ : ٣٣٤ ، المجموع ٣ : ٤٨١ ، اللباب ١ : ٨٥.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١١٧ ، الخلاف ١ : ٤٠٩ مسألة ١٥٧ وحكى قول المرتضى المحقق في المعتبر : ١٩٤.

(٤) المجموع ٤ : ٧٥ و ٧٦ ، الوجيز ١ : ٤٦ ، فتح العزيز ٤ : ٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٣ - ٩٤ ، الميزان ١ : ١٥٨ ، رحمة الأمة ١ : ٥٤ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٦٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٩ ، اللباب ١ : ٨٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٢٧.

٢٧٢

وليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم )(١) .

ومن طريق الخاصة ما رواه فضيل بن يسار ، قال : قلت للباقرعليه‌السلام : أكون في الصلاة فأجد غمزاً في بطني أو أذى أو ضربانا فقال : « انصرف ثم توضَّأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة متعمداً ، وإن تكلمت ناسياً فلا بأس عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسياً» قلت : وإن قلب وجهه عن القبلة؟ قال : « نعم وإن قلب وجهه عن القبلة »(٢) .

قال المرتضى : لو لم يكن الأذى والغمز ناقضاً للطهارة لم يأمره بالانصراف(٣) ، وقد بيّنا أن الرعاف ، والقي‌ء ، والمذي ، ليست ناقضة للطهارة. فيحمل الوضوء على غسل ما أصابه للتحسين ، لأنه الحقيقة الأصلية ، وكذا الأز ، والغمز ، والأذى ليست ناقضة.

وقال أكثر علمائنا : ببطلان الصلاة(٤) وبه قال الشافعي في الجديد ، ومالك ، وابن شبرمة(٥) . وقال الثوري : إن كان حدثه من رعاف أو قي‌ء توضأ وبنى ، وإن كان من بول ، أو ريح ، أو ضحك أعاد الوضوء والصلاة(٦) لقولهعليه‌السلام : ( إذا قاء أحدكم في صلاته فلينصرف ، وليتوضأ ، وليعد صلاته )(٧) ، وهو إلزامي ، وقولهعليه‌السلام : ( إذا فسا‌

____________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٥ / ١٢٢١ ، سنن البيهقي ١ : ١٤٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٠ / ١٠٦٠ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ / ١٣٧٠ ، الاستبصار ١ : ٤٠١ / ١٥٣٣.

(٣) حكاه المحقق في المعتبر : ١٩٤.

(٤) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٢٠ ، وابن إدريس في السرائر : ٤٩ ، والمحقق في المعتبر : ١٩٤.

(٥) المجموع ٤ : ٧٦ ، الوجيز ١ : ٤٦ ، فتح العزيز ٤ : ٤ ، الميزان ١ : ١٥٨ ، رحمة الأمة ١ : ٥٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٣ ، بلغة السالك ١ : ١٠٢ ، المنتقى للباجي ١ : ٨٣ ، المحلى ٤ : ١٥٦.

(٦) الميزان ١ : ١٥٨ ، رحمة الأمة ١ : ٥٤.

(٧) سنن البيهقي ٢ : ٢٥٥.

٢٧٣

أحدكم وهو في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة )(١) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « لا يقطع الصلاة إلا أربع : الخلاء ، والبول ، والريح ، والصوت »(٢) .

ولأن الطهارة شرط وقد بطلت فيبطل المشروط ، ولأنه حدث يمنع المضي في الصلاة فمنع من البناء عليها كما لو رمي بحجر فشج ، فإن أبا حنيفة سلم ذلك(٣) وكذا إذا رماه به الطائر لسقوطه عليه.

إذا ثبت هذا فإن قلنا : بالبطلان فلا بحث ، وإن لم نقل به ، فلو انصرف من الصلاة وأخرج باقي الحدث وتوضأ لم يكن له البناء لأنه حدث اختياري فأبطل الصلاة كما أبطل الطهارة.

وقالت الشافعية بناء على القديم : إن له البناء ، واختلفوا في التعليل ، فمنهم من قال : إنما لم تبطل لأن الحدث لا يؤثر بعد نقض الطهارة فيها ، ومنهم من قال : إنه محتاج إلى إخراج بقيته وهو حدث واحد فكان حكم باقية حكم أوله(٤) ويلزم الأول أنه إذا أحدث حدثاً آخر لا تبطل صلاته.

قال الشيخ تفريعاً على البناء : لو سبقه الحدث فأحدث ناسياً استأنف - وبه قال أبو حنيفة(٥) - للتمسك بإطلاق الأحاديث(٦) ، وقال الشافعي في القديم : يبني لأنه حدث طرأ على حدث فلم يكن له حكم(٧) .

____________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٢٦٣ - ٢٦٤ / ١٠٠٥ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٥٥ وانظر فتح العزيز ٤ : ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٤ / ٤ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ / ١٣٦٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٠ - ٤٠١ / ١٥٣٠.

(٣) بدائع الصنائع ١ : ٢٢١.

(٤) المجموع ٤ : ٧٥ ، فتح العزيز ٤ : ٨ و ٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٤.

(٥) بدائع الصنائع ١ : ٢٢٢.

(٦) الخلاف ١ : ٤١٢ مسألة ١٥٨.

(٧) المجموع ٤ : ٧٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٤ ، فتح العزيز ٤ : ٨.

٢٧٤

مسألة ٣١٩ : يجب ترك الكلام بحرفين فصاعداً مما ليس بقرآن ، ولا دعاء ، فلو تكلم عامداً بحرفين ، وإن لم يكن مفهماً بطلت صلاته سواء كان لمصلحة الصلاة ، أو لا عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ، وسعيد بن المسيب ، والنخعي ، وحماد بن أبي سليمان ، وهو محكي عن عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عباس ، وأنس بن مالك ، والحسن البصري ، وعطاء ، وعروة بن الزبير ، وقتادة ، وابن أبي ليلى(١) - لقولهعليه‌السلام : ( إنما صلاتنا هذه تكبير ، وتسبيح ، وقرآن ، ليس فيها شي‌ء من كلام الناس )(٢) وهو خبر يراد به النهي فيكون منافياً للصلاة.

وقال مالك ، والأوزاعي : إن كان لمصلحة الصلاة لم يبطلها كتنبيه الإِمام ، ودفع المار بين يديه(٣) لأن ذا اليدين تكلم عامداً ، ولم يأمره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالإِعادة(٤) .

وقال الأوزاعي أيضاً : إن تكلم لمصلحة لا تتعلق بالصلاة كأن يقول للأعمى : البئر أمامك ، أو يرى من يحترق ماله فيعرفه ذلك لم تبطل صلاته(٥) . وهو غلط ، لأنه خطاب أوقعه على وجه العمد فأبطل الصلاة كما لو لم يكن لمصلحة.

وخبر ذي اليدين عندنا باطل ؛ لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجوز عليه‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ٨٥ ، الوجيز ١ : ٤٩ ، فتح العزيز ٤ : ١١٣ و ١١٤ ، المغني ١ : ٧٤١.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٣٢ ، صحيح مسلم ١ : ٣٨١ و ٣٨٢ / ٥٣٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٧ ، مسند أحمد ٥ : ٤٤٧ و ٤٤٨ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٤٩ و ٢٥٠.

(٣) بداية المجتهد ١ : ١١٩ ، المجموع ٤ : ٨٥ ، الميزان ١ : ١٥٨ ، رحمة الأمة ١ : ٥٥ ، المغني ١ : ٧٤٠ ، الشرح الكبير ١ : ٧١٣ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٦٥.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٨٦ و ٩ : ١٠٨ ، صحيح مسلم ١ : ٤٠٣ / ٥٧٣ ، الموطأ ١ : ٩٣ / ٥٨ ، سنن النسائي ٣ : ٢٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٤٧ / ٣٩٩.

(٥) الميزان ١ : ١٥٨ ، رحمة الأمة ١ : ٥٥ ، بداية المجتهد ١ : ١١٩.

٢٧٥

السهو ، مع أن جماعة من أصحاب الحديث طعنوا فيه(١) ، لأن رواية أبو هريرة وكان إسلامه بعد موت ذي اليدين بسنتين ، فإن ذا اليدين قتل يوم بدر وذلك بعد الهجرة بسنتين ، وأسلم أبو هريرة بعد الهجرة بسبع سنين(٢) .

قال المحتجون به : إنّ المقتول يوم بدر هو ذو الشمالين واسمه عبد الله بن عمرو بن نضلة(٣) الخزاعي ، وذو اليدين عاش بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومات في أيام معاوية وقبره بذي خُشب(٤) واسمه الخرباق(٥) لأن عمران بن الحصين روى هذا الحديث فقال فيه : فقام الخرباق فقال : أقصرت الصلاة؟(٦) .

واُجيب بأن الأوزاعي قال : فقام ذو الشمالين ، فقال : أقصرت الصلاة؟

وذو الشمالين قتل يوم بدر لا محالة(٧) وروي في هذا الخبر أن ذا اليدين قال : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال : ( كل ذلك لم يكن )(٨)

____________________

(١) اُنظر : إرشاد الساري ٢ : ٣٦٥ ، عمدة القارىء ٤ : ٢٦٤.

(٢) الطبقات الكبرى ٤ : ٣٢٧ ، تهذيب التهذيب ١٢ : ٢٩٠ ، ، تهذيب الأسماء واللغات ١ : ١٨٦ ، شرح صحيح مسلم للنووي ٣ : ٢٤٥ ، الإِصابة ١ : ٤٢٢.

(٣) وفي نسخة ( ش ) : فضلة.

(٤) ذو خَشَبْ : محركة موضع باليمن. وخُشُبْ. كجُنُبْ واد باليمامة وواد بالمدينة. القاموس المحيط ١ : ٦٢ ، معجم البلدان ٢ : ٣٧٢.

(٥) قيل : ان ذا اليدين اسمه الخرباق بن عمرو من بني سليم ، وإن ذا الشمالين اسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي ، وقيل : إنّ ذا اليدين وذا الشمالين واحد وقيل : غير ذلك ، وسمي بذي اليدين لأنه كان يعمل بيديه جميعاً وقيل : لأنه كان في يديه طول. تهذيب الأسماء واللغات ١ : ١٨٥ ، الإِصابة ١ : ٤٢٢ و ٣ : ٣٣ ، الطبقات الكبرى ٣ : ١٦٧ ، شرح صحيح مسلم للنووي ٣ : ٢٤١.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٤ / ١٢١٥. سنن النسائي ٣ : ٢٦ ، سنن أبي داود : ١ : ٢٦٧ / ١٠١٨.

(٧) حكاه الشيخ في الخلاف ١ : ٤٠٥ ، المسألة ١٥٤.

(٨) صحيح مسلم ١ : ٤٠٤ / ٩٩ ، سنن النسائي ٣ : ٢٢ ، الموطأ ١ : ٩٤ / ٥٩ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٣٥.

٢٧٦

وروي أنه قال : ( إنما أسهو لأبين لكم )(١) وروي أنه قال : ( لم أنس ولم تقصر الصلاة )(٢) وروي من طريق الخاصة أن ذا اليدين كان يقال له ذو الشمالين عن الصادقعليه‌السلام .(٣)

فروع :

أ - الكلام الواجب يبطل الصلاة أيضاً‌ كإجابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لما تقدم ، وقال الشافعي : لا تبطل الصلاة(٤) لأن أبا هريرة قال : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أبيّ بن كعب وهو يصلّي في المسجد ، فقال : ( السلام عليك يا أُبيّ ) فالتفت إليه أبي فلم يجبه ، ثم إن أُبيّاً خفف الصلاة ، ثم انصرف إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : السلام عليك يا نبي الله ، فقال : ( وعليك السلام ، ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ ) فقال : يا رسول الله كنت أصلي ؛ قال : ( أفلم تجد فيما أوحي إليَّ أن( اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ ) ؟! )(٥) قال : بلى يا رسول الله لا أعود(٦) .

ولا حجة فيه لأن رد السلام عندنا واجب في الصلاة وغيرها.

ب - للشافعية في تنبيه الأعمى على بئر يخاف من التردي فيها ، والصبي على نار يقع فيها قولان : أحدهما : البطلان‌ - كما قلناه نحن - لجواز أن لا يقع ، بخلاف إجابة النبيعليه‌السلام ، والثاني : عدمه لأنه واجب كإجابة‌

____________________

(١) أورده الشيخ في الخلاف ١ : ٤٠٦ المسألة ١٥٤ ، وانظر الموطأ ١ : ١٠٠ / ٢.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٨٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٦٥ / ١٠٠٨ ، الموطأ ١ : ٩٤ / ٦٠ ، سنن النسائي ٣ : ٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٣ / ١٢١٤ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٦٦ / ١.

(٣) انظر الكافي ٣ : ٣٥٧ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٤٥ / ١٤٣٣.

(٤) المجموع ٤ : ٨١ ، المغني ١ : ٧٣٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٤ ، الشرح الكبير ١ : ٧١٥.

(٥) الأنفال : ٢٤.

(٦) سنن الترمذي ٥ : ١٥٥ / ٢٨٧٥.

٢٧٧

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، والأصل ممنوع.

وأما ردّ الوديعة ، وتفرقة الزكاة فإنهما وإن وجبا لكنهما مبطلان إن كان عملاً كثيراً لأنه لا يتعين في الصلاة لإِمكان حصوله قبلها وبعدها بخلاف إجابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنقاذ الأعمى.

ج - الجاهل وهو الذي يقصد الكلام ويعتقد أنه جائز في الصلاة كالعالم‌ عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة(٢) - لقولهعليه‌السلام : ( إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شي‌ء من كلام الآدميين )(٣) ولأن علمه مبطل فكذا جهله كالحدث.

وقال الشافعي : لا تبطل به الصلاة ؛ وبه قال مالك ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور(٤) لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لما انصرف من اثنتين قال ذو اليدين : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال : ( أصدق ذو اليدين؟ ) فقال الناس : نعم ، فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلّى اثنتين أخريين ، ثم سلّم ، ثم كبّر ، ثم سجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع(٥) .

وقد بيّنا بطلان الحديث ، ولأنهعليه‌السلام يمتنع عليه جهل تحريم الكلام في الصلاة.

____________________

(١) المجموع ٤ : ٨١ و ٨٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٤ ، المغني ١ : ٧٣٩ ، الشرح الكبير ١ : ٧١٥.

(٢) المبسوط للسرخسي ١ : ١٧٠ ، اللباب ١ : ٨٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٣٣ و ٢٣٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٦١ ، شرح العناية ١ : ٣٤٤ ، حاشية الحلبي ١ : ٣٤٤.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٣٨١ / ٥٣٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٧ ، مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٣٢ ، مسند أحمد ٥ : ٤٤٧ و ٤٤٨ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٤٩ و ٢٥٠.

(٤) المجموع ٤ : ٨٠ ، الوجيز ١ : ٤٩ ، فتح العزيز ٤ : ١١٠ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥ ، الميزان ١ : ١٥٨ ، السراج الوهاج : ٥٦ ، الشرح الكبير ١ : ٧١٢.

(٥) صحيح البخاري ٩ : ١٠٨ ، صحيح مسلم ١ : ٤٠٣ / ٥٧٣ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٤٧ / ٣٩٩ ، سنن النسائي ٣ : ٢٢ ، الموطأ ١ : ٩٣ / ٥٨.

٢٧٨

ولا فرق بين أن يكون قريب العهد بالإِسلام أو لا - خلافاً للشافعي في قول له(١) - ولو علم تحريم الكلام ولم يعلم أنّه مبطل لم يعذر ، وبه قال الشافعي(٢) ، لأنّه لما عرف التحريم كان حقه الامتناع منه.

د - لو تكلّم ناسياً لم تبطل صلاته‌ ، ويسجد للسهو عند علمائنا - وبه قال مالك ، والشافعي ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور(٣) - لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم ، قال : « يتم ما بقي من صلاته »(٥) وسئل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يتكلم في الصلاة ناسياً يقول : أقيموا صفوفكم ، قال : « يتم صلاته ، ثم يسجد سجدتين »(٦) .

وقال أبو حنيفة : تبطل إلا أن يسلم من اثنتين ساهياً(٧) لأن عمده يبطل الصلاة فكذا سهوه كالحدث. والفرق أن الحدث يبطل الطهارة أو يوجبها.

ه- لا فرق بين أن يطول كلام الناسي أو يقصر‌ لأنه خطاب الآدمي على وجه السهو ، وللشافعي قول بالفرق فأبطلها مع الكثرة كالفعل(٨) .

____________________

(١) المجموع ٤ : ٨٠ ، فتح العزيز ٤ : ١١٠ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ٤٩ ، السراج الوهاج : ٥٦.

(٢) المجموع ٤ : ٨٠ ، فتح العزيز ٤ : ١١١ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٦.

(٣) المجموع ٤ : ٨٥ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٥ ، بلغة السالك ١ : ١٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ١١٩ ، أحكام القران لابن العربي ١ : ٢٢٧.

(٤) الجامع الصغير ٢ : ١٦ / ٤٤٦١ ، كنز العمال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٦٠.

(٥) التهذيب ٢ : ١٩١ / ٧٥٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧٨ / ١٤٣٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٦ / ٤ ، التهذيب ٢ : ١٩١ / ٧٥٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧٨ / ١٤٣٣.

(٧) المبسوط للسرخسي ١ : ١٧٠ و ١٧١ ، الكفاية ١ : ٣٤٥ ، الميزان ١ : ١٥٨.

(٨) المجموع ٤ : ٨٠ ، الميزان ١ : ١٥٨ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥ ، السراج الوهاج : ٥٦ ، الشرح الكبير ١ : ٧١٥.

٢٧٩

ونمنع الأصل ، ويفرق بأن الفعل آكد ، فإن عتق المجنون لا ينفذ ، وينفذ إحباله.

و - لا خلاف في أن الحرف الواحد ليس مبطلاً‌ لأنه لا يعد كلاماً ، ولعدم انفكاك الصوت منه غالباً ، نعم في الحرف الواحد المفهم ك‍ ( قِ ) و ( شِ ) و ( عِ ) إشكال ينشأ من حصول الإِفهام به فأشبه الكلام ، ومن دلالة مفهوم النطق بحرفين على عدم الإِبطال به.

وأما الحرف بعد مدّه ففيه نظر أيضاً ينشأ من تولّد المدّ من إشباع الحركة ولا يعد حرفاً ، ومن أنه إما ألف ، أو واو ، أو ياء.

ز - لو تكلّم مكرهاً عليه فالأقوى الإِبطال به‌ لأنه مناف للصلاة فاستوى الاختيار فيه وعدمه كالحدث ، ويحتمل عدمه لرفع ما استكرهوا عليه(١) وللشافعي قولان(٢) .

ح - لا يجوز أن يئنَّ بحرفين ، ولا يتأوَّه بهما‌ لأنّه يعدّ كلاماً.

ط - السكوت الطويل إن خرج به عن كونه مصلياً أبطل‌ ، وإلّا فلا.

مسألة ٣٢٠ : يجوز التنبيه على الحاجة‌ إمّا بالتصفيق ، أو بتلاوة القرآن ، كما لو أراد الإِذن لقوم فقال( ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ ) (٣) أو قال لمن أراد التخطي على البساط بنعله( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ) (٤) أو أراد إعطاء كتاب لمن اسمه يحيى( يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ ) (٥) أو‌

____________________

(١) الجامع الصغير ٢ : ١٦ / ٤٤٦١ ، كنز العمال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧.

(٢) المجموع ٤ : ٨٠ - ٨١ ، الوجيز ١ : ٤٩ ، السراج الوهاج : ٥٦ ، فتح العزيز ٤ : ١١٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٦ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٠ و ٧٦.

(٣) الحجر : ٤٦.

(٤) طه : ١٢.

(٥) مريم : ١٢.

٢٨٠