تذكرة الفقهاء الجزء ٤

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473
المشاهدات: 205714
تحميل: 6408


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 205714 / تحميل: 6408
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-5503-44-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

السلام : ( إنّ الله يحب الملِحّين في الدعاء )(١) .

ولأنّ سبب ابتداء الصلاة باقٍ ، فيبقى الاستحباب. ولأنّه أبلغ في الدعاء والتضرّع.

وأنكر إسحاق الخروج ثانياً ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يخرج إلّا مرة ، ولكن يجتمعون في مساجدهم ، فإذا فرغوا من الصلاة ، ذكروا الله تعالى ، ودَعَوا ، ويدعو الإِمام يوم الجمعة على المنبر ويؤمّن الناس(٢) .

وليس حجّةً ، لاستغناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن المعاودة بإجابته أول مرة.

إذا ثبت هذا ، فإنّ الخروج ثانياً كالخروج أوّلاً ، وهو أحد قولي الشافعي. وفي الثاني : يعودون من الغد للصلاة ، وتوالى الصلاة يوماً بعد يوم(٣) . ولو فعل ذلك جاز.

مسألة ٥٢٥ : لو تأهّبوا للخروج فسُقوا قبل خروجهم ، لم يخرجوا. وكذا لو سُقوا قبل الصلاة لم يصلّوا ، لحصول الغرض بالصلاة.

نعم تستحب صلاة الشكر ، ويسألون زيادته ، وعموم خلقه بالغيث.

وكذا لو سُقوا عقيب الصلاة ، وهو أصح وجهي الشافعي(٤) .

ويستحب الدعاء عند نزول الغيث ، لقولهعليه‌السلام : ( اطلبوا استجابة الدعاء عند ثلاث : التقاء الجيوش ، وإقامة الصلاة ، ونزول الغيث )(٥) .

وإذا كثر الغيث وخافوا ضرره ، دعوا الله تعالى أن يخفّفه ، ويصرف‌

____________________

(١) الكامل لابن عدي ٧ : ٢٦٢١ ، الجامع الصغير للسيوطي ١ : ٢٨٦ / ١٨٧٦.

(٢) المغني ٢ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٩٦.

(٣) المجموع ٥ : ٨٨ ، فتح العزيز ٥ : ٩٠.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٣٢ ، المجموع ٥ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٩٠ ، مغني المحتاج ١ : ٣٢١.

(٥) كنز العمال ٢ : ١٠٢ / ٣٣٣٩.

٢٢١

مضرّته عنهم ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا كذلك(١) .

ولأنّه أحد الضررين ، فاستحب الدعاء لإِزالته كانقطاعه.

ويستحب رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رفعهما فيه حتى رؤي بياض إبطيه(٢) .

ويجوز أن يستسقي الإِمام بغير صلاة ، بأن يستسقي في خطبة الجمعة والعيدين ، وهو دون الأول في الفضل. وكذا يجوز أن يخرج فيدعو دعاء مجدّداً ، وهو دون الثاني.

ويستحب لأهل الخصب أن يستسقوا لأهل الجدب ، لأنّ الله تعالى أثنى على قوم دعوا لإِخوانهم بقوله( وَالَّذِينَ جاءوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ) (٣) . ويدعون لأنفسهم بزيادة الخصب.

مسألة ٥٢٦ : لو نذر الإِمام أن يستسقي ، انعقد نذره‌ ، لأنّه طاعة ، فإن سُقي الناس ، وجب عليه أن يخرج فيوفّي نذره ، وليس له إخراج غيره ، ولا إلزامه بالخروج ، لأنّه لا يملكهم ، وليس له أن يكرههم عليه في غير جدب ، ولو لم يُسقوا ، وجب عليه الخروج بنفسه ، وليس له إلزام غيره بذلك ، بل يأمرهم أمر ترغيب لا أمر إلزام.

ولو نذر أن يخرج بالناس ، انعقد نذره في نفسه خاصة ، ووجب عليه إشعار غيره ، وترغيبه في الخروج ، فإن فعل ، وإلّا لم يجز جبره عليه ، ولو نذر غير الإِمام ذلك فكذلك.

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٤٠ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١٢ - ٦١٤ / ٨٩٧ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٤ / ١١٧٤ ، سنن النسائي ٣ : ١٥٩ - ١٦٠.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٣٩ - ٤٠ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١٢ / ٨٩٥ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٣ / ١١٧٠ و ١١٧١ و ٣٠٤ / ١١٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٧٣ / ١١٨٠ ، سنن النسائي ٣ : ١٥٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٥٧ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٨ - ٦٩ / ١٢.

(٣) الحشر : ١٠.

٢٢٢

ويستحب له أن يخرج في مَنْ يطيعه من أهله وأقاربه وأصحابه.

فإن أطلق النذر ، لم تجب الخطبة ، وإن نَذَرها ، خطب ، ولا يجب القيام لها.

وإن نذر أن يخطب على المنبر ، قال الشيخ : انعقد نذره ، ولم يجز أن يخطب على حائط وشبهه(١) .

وقال الشافعي : لا يجب ، لأنّه لا طاعة فيه إلّا ليستمع الناس ، فإن كان إماماً ، لزمه ذلك ، ويجزئه أن يخطب على جدار ، أو قائماً(٢) . وليس بجيّد.

وإذا نذر أن يستسقي ، جاز أن يصلّي أين شاء ، ويجزئه في منزله.

وقال الشيخ : يصلّي في الصحراء(٣) .

وإن قيّد صلاته بالمسجد ، وجب ، فإن صلّاها في الصحراء حينئذٍ ، قال الشيخ : لا يجزئه(٤) .

وعندي فيه إشكال ينشأ : من أولويّة إيقاعها في الصحراء.

ولو نذر أن يصلّي في المسجد ، لم يجز أن يصلّي في بيته ، خلافاً للشافعي(٥) .

وكما تجوز صلاة الاستسقاء عند قلّة الأمطار ، كذا تجوز عند نضب ماء العيون أو مياه الآبار ، للحاجة.

قال الشيخ : ولا يجوز أن يقول : مُطرنا بنوء كذا ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن ذلك(٦) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٣٥.

(٢) الاُم ١ : ٢٤٩ ، المجموع ٥ : ٩٥.

(٣ و ٤ ) المبسوط للطوسي ١ : ١٣٥.

(٥) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٦٨٩ ، المسألة ٤٦٤.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٣٥ ، وانظر : صحيح مسلم ٤ : ١٧٤٤ / ١٠٦ ، مسند أحمد ٢ : ٣٩٧ ، سنن أبي داود ٤ : ١٧ / ٣٩١٢ ، ولفظ الحديث : ( لا عدوى ولا هامَة ولا نوْءَ ).

٢٢٣

روى زيد بن خالد الجهني قال : صلّى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صلاة الصبح بالحديبيّة في إثر سماء كانت من الليل ، فلمـّا انصرف أقبل على الناس فقال : ( هل تدرون ما ذا قال ربكم؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكوكب ، وكافر بي ومؤمن بالكوكب ، فمَنْ قال : مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب ، وأمّا من قال : مُطرنا بنوء كذا وكذا ، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب )(١) .

والظاهر أن قصدهعليه‌السلام أنّ مَنْ قصد أنّ النوء هو الممطر والمـُنْزل للغيث كما يقول المشركون فهو كافر ، وأمّا مَنْ قصد الوقت الذي أجرى الله تعالى عادته بمجي‌ء المطر فيه فليس بكافر ، كما أجرى العادة بمجي‌ء الحَرّ والبرد ، والكسوف والخسوف في أوقات معيّنة.

والنوء : سقوط كوكب وطلوع رقيبه.

وينبغي أن يجلس بحيث يصيبه أول المطر ، لأنّ ابن عباس كان إذا مطرت السماء قال لغلامه: أخرج فراشي ورحلي يصيبه المطر ، فقال له أبو الجوزاء : لِمَ تفعل هذا يرحمك الله؟ قال : لقول الله سبحانه وتعالى :( وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً ) (٢) فاُحبّ أن تصيب البركة فراشي ورحلي(٣) .

وروي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يتمطّر في أول المطر(٤) .

وكانعليه‌السلام إذا برقت السماء أو رعدت ، عرف ذلك في وجهه ،

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٤١ ، الموطّأ ١ : ١٩٢ / ٤ ، سنن النسائي ٣ : ١٦٤ - ١٦٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٥٧ - ٣٥٨.

(٢) ق : ٩.

(٣) الدر المنثور ٦ : ١٠٢ بتفاوت.

(٤) سنن البيهقي ٣ : ٣٥٩.

٢٢٤

فإذا مطرت سُرّي(١) عنه(٢) .

ولا ينبغي لأحد أن يسبّ الريح ، لأنّه روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( الريح من روح الله تعالى تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب ، فلا تسبّوها واسألوا الله تعالى خيرها ، وتعوّذوا من شرّها )(٣) .

* * *

____________________

(١) أي : كُشف عنه الخوف. النهاية لابن الأثير ٢ : ٣٦٤.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٦١٦ / ٨٩٩ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٦١.

(٣) سنن أبي داود ٤ : ٣٢٦ / ٥٠٩٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٢٨ / ٣٧٢٧ ، مسند أحمد ٢ : ٢٥٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٦١.

٢٢٥

المقصد الرابع : في التوابع‌

وفيه فصول‌ :

٢٢٦

٢٢٧

الأول : في الجماعة‌

وفيه مطالب :

الأول : في فضل الجماعة‌

الجماعة مشروعة في الصلوات المفروضة اليومية بغير خلاف بين العلماء كافة ، وهي من جملة شعائر الإِسلام وعلاماته.

والأصل فيه قوله تعالى( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ) (١) .

وداوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، على إقامتها حضراً وسفراً ، وكذا أئمّته وخلفاؤه. ولم يزل المسلمون يواظبون عليها بلا خلاف.

مسألة ٥٢٧ : وفي الجماعة فضل كثير. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة )(٢) وفي رواية : ( بخمس وعشرين )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « الصلاة في جماعة‌

____________________

(١) النساء : ١٠٢.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٦ ، مسند أحمد ٢ : ٦٥ و ١١٢ ، سنن النسائي ٢ : ١٠٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٥٩.

(٣) مسند أحمد ٣ : ٥٥ ، سنن النسائي ٢ : ١٠٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٦٠.

٢٢٨

تفضل على صلاة الفذّ بأربع وعشرين درجة تكون خمساً وعشرين صلاة »(١) .

وقالعليه‌السلام : « إنّ اُناساً كانوا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أبطأوا عن الصلاة في المسجد ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نؤمر بحطب فيوضع على أبوابهم فتوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم )(٢) .

مسألة ٥٢٨ : الجماعة ليست فرض عين في شي‌ء من الصلوات‌ الخمس ، بل في الجمعة والعيدين خاصة مع حصول الشرائط ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك والثوري(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذّ بخمس وعشرين درجة )(٤) وهو يدلّ على جواز صلاة الفذّ.

ومن طريق الخاصة : قول زرارة والفضيل : قلنا له : الصلوات في جماعة فريضة هي؟ فقال : « الصلوات فريضة ، وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها ، ولكنها سنّة ، مَنْ تركها رغبةً عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له »(٥) .

ولأنّ الجماعة لو وجبت ، لكانت شرطاً في الصلاة كالجمعة.

وقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وداود وابن المنذر : الجماعة فرض على الأعيان ، وليست شرطاً فيها(٦) ، لأنّ ابن عباس روى أنّ النبي صلّى الله عليه‌

____________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥ / ٨٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥ / ٨٧.

(٣) المجموع ٤ : ١٨٤ ، فتح العزيز ٤ : ٢٨٣ ، الوجيز ١ : ٥٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢٢٩ ، اللباب ١ : ٧٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٥ ، بلغة السالك ١ : ١٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ١٤١.

المنتقى للباجي ١ : ٢٢٨ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٣.

(٤) مسند أحمد ٣ : ٥٥ ، سنن النسائي ٢ : ١٠٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٦٠.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٢ / ٦.

(٦) المغني ٢ : ٣ - ٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٥ ، المجموع ٤ : ١٨٩ ، فتح العزيز =

٢٢٩

وآله قال : ( مَنْ سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلّا من عذر )(١) .

وهو محمول على الجمعة ، أو على نفي الكمال ، لا الإِجزاء.

مسألة ٥٢٩ : وليست الجماعة فرضَ كفاية في شي‌ء من الصلوات ، عند علمائنا أجمع - وبه قال أبو حنيفة وأكثر الشافعية(٢) - لما تقدّم. وللأصل.

ولأنّها فضيلة في الصلاة ولا تفسد بعدمها ، فلا تكون واجبةً كالتكبيرات.

وقال الشافعي : إنّها فرض كفاية ، لقولهعليه‌السلام : ( ما من ثلاثة في قرية أو بلد لا تقام فيهم الصلاة إلّا استحوذ عليهم الشيطان ، فعليك بالجماعة ، فإن الذئب يأخذ القاصية )(٣) (٤) .

وهو يدلّ على شدّة الاستحباب لا الوجوب ، ولأنّ الاستحواذ على عدم إقامة الصلاة لا على الجماعة ، ولأنّ المفهوم ترك ذلك دائماً.

إذا ثبت هذا ، فإن أهل البلد لو تركوها لم يأثموا ولم يقاتلوا - وهو أحد قولي الشافعية(٥) - لأنّها مستحبّة.

مسألة ٥٣٠ : وفي أيّ موضع جَمّع جاز ، لكن تستحب المساجد ، لأنّها مواطن العبادات ، وليس واجباً ، فيجوز أن يصلّي في بيته ، لقولهعليه‌السلام : ( الاثنان فما فوقهما جماعة )(٦) ولم يفصّل في موضع دون آخر ،

____________________

= ٤ : ٢٨٣ ، عمدة القاري ٥ : ١٦١.

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٢٦٠ / ٧٩٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٥٧ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٤٥.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ٥٥ ، شرح فتح القدير ١ : ٢٩٩ ، المجموع ٤ : ١٨٤ و ١٨٩ ، الوجيز ١ : ٥٥ ، فتح العزيز ٤ : ٢٨٥.

(٣) سنن ابي داود ١ : ١٥٠ / ٥٤٧ ، سنن النسائي ٢ : ١٠٦ ، مسند أحمد ٦ : ٤٤٦ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢١١.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٠ ، المجموع ٤ : ١٨٤ و ١٨٩ ، فتح العزيز ٤ : ٢٨٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٥.

(٥) المجموع ٤ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٤ : ٢٨٦.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٣١٢ / ٩٧٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٨٠ / ١ ، المستدرك للحاكم ٤. =

٢٣٠

وهو أحد قولي الشافعي. وعلى الآخر : لا يكفيه أن يصلّي في بيته جماعة إلّا إذا ظهرت الجماعة في الأسواق ، لأنّ فرضها يسقط بذلك(١) .

ويستحب أن توقع في المسجد الذي تكثر فيه الجماعة ، وهو الجامع ، قريباً كان منه أو بعيداً ، إلّا أن يكون في جواره مسجد تكثر فيه الجماعات فالأقرب أولى. وكذا لو كانت جماعة المسجد القريب تختلّ ببُعْده عنه ، أو كان إمام المسجد الأعظم مبدعاً أو فاسقاً ، أو يعتقد ترك شي‌ء من واجبات الصلاة.

ولا ينبغي لأحد ترك الجماعة وإن صلّاها بنسائه أو عبيده أو إمائه أو أولاده إذا لم يحضر المسجد.

مسألة ٥٣١ : لو رأى رجلاً يصلّي وحده ، استحب أن يصلّي معه ، لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رأى رجلاً يصلّي وحده ، فقال : ( ألا رجل يتصدّق على هذا فيصلّي معه؟ )(٢) فجعل الصلاة معه بمنزلة الصدقة عليه.

مسألة ٥٣٢ : يستحب أن يمشي على عادته إلى الجماعة ولا يسرع. وإن خاف فوتها ، فالأقرب عندي : الإِسراع - وبه قال إسحاق(٣) - لما فيه من المحافظة على الجماعة.

وعن ابن مسعود : أنّه اشتدّ إلى الصلاة ، وقال : بادروا حدّ الصلاة ، يعني التكبيرة الاُولى.

____________________

= ٣٣٤ ، وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ٦١ / ٢٤٨.

(١) المجموع ٤ : ١٨٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٢.

(٢) سنن أبي داود ١ : ١٥٧ / ٥٧٤ ، سنن الدارمي ١ : ٣١٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٦٨ - ٦٩ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٧ - ٢٧٨ / ٣ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٠٩.

(٣) المجموع ٤ : ٢٠٧ ، وفي حلية العلماء ٢ : ١٥٧ ، وفتح العزيز ٤ : ٢٨٩ ، والمهذب للشيرازي ١ : ١٠١ : أبو إسحاق ، بدل : إسحاق.

٢٣١

وكان الأسود بن يزيد يُهَرْوِل إذا ذهب إلى الصلاة(١) .

وقال الشافعي : لا يسرع وإن خاف الفوت ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا اُقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ، ولكن ائتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فاقضوا)(٢) (٣) .

ونمنع الحديث ، أو نحمله على الأمن من الفوات ، فتستحب السكينة ، فإن أدرك صلّى ، وإلّا قضى ما فاته ، لا على حالة الخوف.

مسألة ٥٣٣ : يجوز ترك الجماعة للعذر وإن لم تكن واجبةً ، ويكره لغير عذر. والعذر : عام ، كالمطر والوحل والريح الشديدة في الليلة المظلمة ، وشدّة الحرّ ، لأنّهعليه‌السلام كان يأمر مناديه في الليلة المظلمة والليلة ذات الريح : ( ألا صلّوا في رحالكم )(٤) .

وقالعليه‌السلام : ( إذا ابتلّت النعال فالصلاة في الرحال )(٥) .

وقالعليه‌السلام : ( إذا اشتدّ الحر فأبردوا بالظهر )(٦) .

وخاص : كالأكل ، لشدّة شهوته إلى الطعام ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا حضر العشاء وأُقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء )(٧) .

ولأنّه يمنعه من السكون في الصلاة ، والخشوع.

____________________

(١) لم نجد ما نُقل عنهما في المصادر المتوفّرة بين أيدينا. وقال النووي في المجموع ٤ : ٢٠٧ : وعن ابن مسعود وابن عمر ، والأسود بن يزيد قالوا : إذا خاف فوت تكبيرة الإِحرام أسرع.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٢٠ / ٦٠٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٦ / ٥٧٢ ، سنن النسائي ٢ : ١١٤ - ١١٥ ، مسند أحمد ٢ : ٤٥٢ و ٤٨٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٠١ ، المجموع ٤ : ٢٠٦ و ٢٠٧.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٦٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٧٩ / ١٠٦٢ ، سنن النسائي ٢ : ١١١ ، سنن البيهقي ٣ : ٧٠ - ٧١.

(٥) سنن أبي داود ١ : ٢٧٨ / ١٠٥٩.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٢ / ٦٧٨ ، الضعفاء الكبير للعقيلي ٢ : ٢٨١ / ٨٤٥.

(٧) سنن الترمذي ٢ : ١٨٤ / ٣٥٣ ، سنن النسائي ٢ : ١١١ ، سنن البيهقي ٣ : ٧٣.

٢٣٢

وكونه حاقناً ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة )(١) .

أو مريضاً أو خائفاً من ظالم ، أو فوت رفقة ، أو ضياع مال ، أو غلبة نوم إذا انتظر الجماعة ، أو احتاج إلى تمريض غيره ، أو أكل شي‌ء من المؤذيات : كالبصل والكراث ، لقولهعليه‌السلام : (من أكل من هذه الشجرة فلا يؤذينا في مسجدنا )(٢) فإن تمكن من إزالته لم يكن عذراً.

مسألة ٥٣٤ : وتصح الجماعة في كلّ مكان على ما تقدّم(٣) ، سواء كان قريباً من المسجد ، أو لا ، لكن الأفضل قصد المسجد مع انتفاء المشقة ، وليس واجباً ، وهو قول العلماء ، لقولهعليه‌السلام : ( اُعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي : جُعلت لي الأرض طيبةً طهوراً ، ومسجداً ، فأيّما رجل أدركته الصلاة صلّى حيث كان )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قولهعليه‌السلام : « صلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة »(٥) .

وفي رواية عن أحمد : أنّ حضور المسجد القريب منه واجب(٦) ، لقول عليّعليه‌السلام : « لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد »(٧) .

____________________

(١) سنن النسائي ٢ : ١١٠ - ١١١ ، سنن البيهقي ٣ : ٧٢.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٣٢٤ / ١٠١٥ ، مسند أحمد ٢ : ٢٦٤ و ٢٦٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٧٦.

(٣) تقدّم في المسألة : ٥٣٠.

(٤) سنن النسائي ١ : ٢١٠ - ٢١١ ، مسند أحمد ٣ : ٣٠٤ ، مسند أبي عوانة ١ : ٣٩٦.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٢ / ٧٠٣ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ / ٦٩٨.

(٦) المغني ٢ : ٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥.

(٧) اختلفت المصادر في نسبة هذه الرواية كما اختلفت النسختان الخطيتان ، ففي نسخة « م » : لقوله ٧. وظاهره قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما في المغني ٢ : ٦ ، والشرح الكبير ٢ : ٥ ، وسنن الدار قطني ١ : ٤٢٠ / ١ و ٢ ، وسنن البيهقي ٣ : ٥٧ ، والمستدرك للحاكم ١ : ٢٤٦. وفي نسخة « ش » : لقول عليعليه‌السلام كما في سنن البيهقي ٣ : ٥٧.

٢٣٣

وهو محمول على نفي الكمال.

مسألة ٥٣٥ : الجماعة في المسجد الحرام أفضل من غيره‌ ، ثم بعده مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم المسجد الأقصى ، ثم المسجد الأعظم من كلّ بلد ، ثم كلّ مسجد تكثر فيه الجماعة ، والتفضيل في الأول بسبب تفاوت الأمكنة في الشرف ، وفي الأخير بسبب الفعل ، وقد تقدم(١) .

ولو كان في جواره أو في غير جواره مسجد لا تنعقد الجماعة فيه إلّا بحضوره ، فَفِعْلُها فيه أولى ، لأنّه يعمره بإقامة الجماعة فيه ، ويحصّلها لمن يصلّي فيه.

وإن كانت تقام فيه ، وفي قصده غيره كسر قلب إمامه ، أو جماعته ، فجبر قلوبهم أولى.

وهذا لا يتأتّى عندنا ، لأنّ شرط الإِمام العدالة ، والعدل لا ينكسر قلبه بمثل هذا.

وإن لم يكن كذلك ، ففي أولوية قصد الأبعد أو الأقرب احتمال ينشأ : من كثرة الخُطا في طلب الثواب ، ومن الجواز.

وفيه عن أحمد روايتان(٢) .

مسألة ٥٣٦ : يكره تكرّر الجماعة في المسجد الواحد‌ ، فإذا صلّى إمام الحيّ في مسجده وحضر قوم آخرون ، صلّوا فرادى ، قاله الشيخ(٣) ، وبه قال الليث والبتي والثوري ومالك وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي(٤) ، إلّا أنّ الشيخ أطلق ، وهؤلاء قالوا : يكره فيما له إمام راتب في غير ممرّ الناس لا في‌

____________________

(١) تقدّم في المسألة : ٥٣٠.

(٢) المغني ٢ : ٨ - ٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦.

(٣) الخلاف ١ : ٥٤٢ ، المسألة ٢٨٠.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٨٩ ، التفريع ١ : ٢٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٢ ، المجموع ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٢ : ١١ ، الشرح الكبير ٢ : ٨.

٢٣٤

غيره ، وكذا لا يكره لو كان على قارعة الطريق أو في محلة لا يمكن أن يجتمع أهله دفعة واحدة(١) .

واحتجّ الشيخ - بالأخبار ، ولأنّ فيه اختلاف القلوب ، والعداوة والتهاون بالصلاة مع إمامه.

والذي روى أبو علي الحراني(٢) عن الصادقعليه‌السلام كراهة أن يؤذّن الجماعة الثانية إذا تخلّف أحد من الْاُولى(٣) .

وروى زيد عن أبيهعليه‌السلام ، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال : « دخل رجلان المسجد وقد صلّى عليعليه‌السلام بالناس ، فقال لهما : إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه ولا يؤذّن ولا يقيم »(٤) .

وقال ابن مسعود والحسن والنخعي وقتادة وأحمد وإسحاق : لا تكره الجماعة الثانية ، لعموم قولهعليه‌السلام : ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بخمس وعشرين درجة )(٥) .

وجاء رجل وقد صلّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ( أيّكم يتّجر على هذا؟ ) فقام رجل فصلّى معه(٦) .

____________________

(١) المجموع ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٢ : ١١ ، الشرح الكبير ٢ : ٨ ، وراجع أيضاً : الخلاف ١ : ٥٤٢ ، المسألة ٢٨٠.

(٢) في « ش ، م » : الجبائي. والصحيح ما أثبتناه ، وهو من جملة الرواة عن الإِمام الصادقعليه‌السلام ، وله كتاب ، وروى عنه محمد بن أبي عمير وهارون بن مسلم.

اُنظر : رجال النجاشي : ٤٥٦ / ١٢٣٩ والفهرست للطوسي : ١٨٧ وتنقيح المقال ٣ : ٢٧ من فصل الكنى ، ومعجم رجال الحديث ٢١ : ٢٥١ / ١٤٥٦٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٥٥ / ١٩٠ ، الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٥.

(٤) التهذيب ٣ : ٥٦ / ١٩١.

(٥) سنن النسائي ٢ : ١٠٣ ، مسند أحمد ٣ : ٥٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٦٠.

(٦) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٣٢٢ ، سنن الترمذي ١ : ٤٢٧ - ٤٢٩ / ٢٢٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٦٩.

٢٣٥

وفي حديث آخر : ( ألا رجل يتصدّق على هذا فيصلّي معه؟ )(١) .

وفي رواية زيادة : فلمـّا صلّيا ، قال : ( وهذان جماعة )(٢) (٣) .

ولا بأس بهذا القول عندي.

وكره أحمد إعادة الجماعة في المسجد الحرام ، ومسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لئلّا يتوانى الناس في حضور جماعة الإِمام الراتب(٤) .

والوجه : التسوية.

مسألة ٥٣٧ : ومحل الجماعة الفرض دون النفل‌ ، إلّا في الاستسقاء والعيدين مع اختلال بعض الشرائط ، عند علمائنا - خلافاً للجمهور(٥) - لأنّ زيد بن ثابت قال : جاء رجال يصلّون صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرج مغضباً ، وأمرهم أن يصلّوا النوافل في بيوتهم(٦) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة )(٧) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادق والرضاعليهما‌السلام : « لمـّا دخل رمضان اصطف الناس خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : أيها الناس هذه نافلة فليصلّ كلُّ منكم وحده ، وليعمل ما علّمه الله في كتابه ، واعلموا أنّه لا جماعة في نافلة ، فتفرّق الناس »(٨) .

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٣٢٢ ، مسند أحمد ، ٥ : ٢٥٤ و ٢٦٩ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٧ / ٥٧٤ ، سنن الدارمي ١ : ٣١٨ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٨ / ٣ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٠٩.

(٢) مسند أحمد ٥ : ٢٥٤ و ٢٦٩ ، وانظر : المغني ٢ : ١٣ والشرح الكبير ٢ : ٩.

(٣) المغني ٢ : ١٠ - ١٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٨ - ٩ ، المجموع ٤ : ٢٢٢.

(٤) المغني ٢ : ١٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٩ ، الانصاف ٢ : ٢١٩ و ٢٢٠.

(٥) المجموع ٤ : ٥ ، المغني ١ : ٨١١ ، الشرح الكبير ١ : ٨٠٨.

(٦) نقله المحقق في المعتبر : ٢٣٨.

(٧) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٢٤٥ و ٢٥٦.

(٨) المعتبر : ٢٣٨.

٢٣٦

احتجّوا : بالجواز الأصلي.

وقد يخرج بالنص عن العمل به.

المطلب الثاني : في الشرائط‌

وهي سبعة :

الأول : العدد ، وأقلّه اثنان ، أحدهما : الإِمام في كلّ ما يُجمّع فيه إلّا الجمعة والعيدين مع الشرائط بالإِجماع.

ولقولهعليه‌السلام : ( الاثنان فما فوقهما جماعة )(١) .

ولأنّها مأخوذة من الاجتماع وهو موجود هنا.

لا يقال : أقلّ الجمع ثلاثة عندكم ، فكيف تذهبون إلى ذلك!؟

لأنّا نقول : ليس بينهما تنافٍ ، لتغايرهما ، لأنّ المراد هنا أنّ فضيلة الجماعة تحصل من الاثنين ، والمراد هنا صيغة الجمع ك‍ « رجال » لا يطلق حقيقة على أقلّ من الثلاثة.

ولا فرق في الجواز بين أن يكونوا ذكوراً أو إناثاً أو بالتفريق أو ذكوراً وخناثى أو إناثاً وخنثى(٢) .

ولا يجوز أن يكونوا إناثاً وخناثى مشكل أمْرُهُم ، ولا خناثى منفردات ، لامتناع أن تكون الإِمامة خنثى لمثلها ، لاحتمال أن تكون الإِمام اُنثى والمأموم رجلاً.

مسألة ٥٣٨ : يستحب للنساء أن يصلّين جماعة‌ وإن لم يكن معهنّ رجل ، في الفرض والنفل ، كالرجال ، عند علمائنا أجمع - وبه قال عطاء والأوزاعي والثوري وأبو ثور والشافعي وأحمد وإسحاق(٣) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمر اُمّ ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن نوفل - وكان يزورها ويسمّيها‌

____________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٣١٢ / ٩٧٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٨٠ / ١ ، المستدرك للحاكم ٤ : ٣٣٤ ، وعيون أخبار الرضا ٢ : ٦١ / ٢٤٨‌

(٢) المناسب للعبارة : وخناثى.

(٣) المجموع ٤ : ١٩٩ ، المغني ٢ : ٣٦ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٣ ، والاُم ١ : ١٦٤.

٢٣٧

الشهيدة - بأن تؤمّ أهل دارها ، وجعل لها مؤذّنا(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس » وقد سئل هل تؤمّ المرأة النساء؟(٢) .

ولأنّ النساء من أهل الفرض فسنّت لهنّ الجماعات ، كالرجال.

وقال أبو حنيفة ومالك : إنّه مكروه - وحكي عن نافع وعمر بن عبد العزيز - لأنّ الأذان يكره لهنّ ، وهو دعاء إلى الجماعة ، فكرهت لهنّ(٣) .

وعلّة كراهة الأذان رفع الصوت المنهيّ عنه ، بخلاف الجماعة.

ولأنّ من الصلوات ما لا يؤذّن لها ومن سننها الجماعة.

ولأنّه يستحب لها الإِقامة ، فدلّ ذلك على ثبوت الجماعة في حقّها.

مسألة ٥٣٩ : إذا أمّت المرأة النساء ، استحب أن تقف وسطهنّ في صفّهنّ ، ولا نعلم فيه خلافاً ، لأنّ صفوان بن سليم قال : من السنّة أن تصلّي المرأة بنساء تقف وسطهنّ(٤) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه بعض أصحابنا عن المرأة تؤمّ النساء؟ قال : « نعم تقف وسطهنّ»(٥) .

ولأنّ ذلك أستر لها كالعراة.

فإن تقدّمت وصلّت ، كره ، وصحّت صلاتهنّ ، كالرجل لو صلّى وسط الرجال.

مسألة ٥٤٠ : الحُرّة أولى من الأمة بالإِمامة ، لأنّها موضع فضيلة والحُرّة‌

____________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٦١ / ٥٩٢ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٠.

(٢) التهذيب ٣ : ٣١ / ١١١ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ / ١٦٤٤.

(٣) المجموع ٤ : ١٩٩ ، المغني ٢ : ٣٦ ، اللباب ١ : ٨٠ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٣٦ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٣ ، وأمّا ما حكي عن نافع وعمر بن عبد العزيز فلم نجده فيما بين أيدينا من المصادر.

(٤) مختصر المزني : ٢٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ / ١٦٤٥.

٢٣٨

أكمل.

ولأنّ الحُرّة تستتر في الصلاة ، والأمة يجوز أن تكشف رأسها ، فالمستّرة أولى.

فإن تقدّمت الأمة ، جاز وإن كانت مكشوفة الرأس ، لعدم وجوب ستره في حقّها.

فإن كانت قد عتقت ولم تعلم ، فصلّت بغير خمار ، جاز للعالمة به الائتمام بها ، لأنّها صلاة شرعية.

والأقرب : انسحاب ذلك على العالم بنجاسة ثوب الإِمام إذا لم توجب الإِعادة مع تجدّد العلم في الوقت.

إذا ثبت هذا ، فإن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( المرأة عورة ، وأنّها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان )(١) فأقرب ما تكون من وجه الله تعالى وهي في قعر بيتها.

وقالعليه‌السلام : ( صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ) يعني : صحن دارها ( وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها )(٢) والمخدع هو : البيت جوف البيت.

ومن طريق الخاصة : قولهمعليهم‌السلام : « خير مساجد نسائكم البيوت »(٣) .

مسألة ٥٤١ : يصح أن يؤمّ الرجل النساء الأجنبيات ، لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صلّى بأنس وباُمّه أو خالته(٤) . وللأصل.

____________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ٤٧٦ - ١١٧٣.

(٢) سنن أبي داود ١ : ١٥٦ - ٥٧٠ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣١ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٠٩.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٤ - ٧١٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥٢ - ٦٩٤.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٨٥ و ٢٢٠ ، صحيح مسلم ١ : ٤٥٧ - ٤٥٨ - ٦٦٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٥ - ٦٠٨ و ١٦٦ - ٦٠٩.

٢٣٩

وكذا يصلّى بالصبيّ في الفرض والنفل ، عند علمائنا ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمّ ابن عباس وهو صبي(١) .

وقال أحمد : لا تنعقد الجماعة بالصبي وإن كان مأموماً ، لنقص حاله ، فأشبه مَنْ لا تصح صلاته(٢) .

وهو ممنوع ، لأنّه متنفّل ، فصحّ أن يكون مأموماً لمفترض كالبالغ ، ولهذا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَنْ يتصدّق على هذا فيصلّي معه؟ )(٣) .

الشرط الثاني : عدم تقدّم المأموم في الموقف على الإِمام‌ ، فإن صلّى قدّامه ، بطلت صلاته ، سواء كان متقدّماً عند التحريم ، أو تقدّم في خلالها ، عند علمائنا أجمع - وبه قال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في الجديد(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( إنّما جُعل الإِمام إماماً ليؤتمّ به )(٥) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فَعَل ما قلناه ، وكذا الصحابة والتابعون.

ولأنّه أخطأ موقفه إلى موقف ليس بموقف لأحد من المأمومين بحال ، فلم تصح صلاته ، كما لو صلّى في بيته بصلاة الإِمام في المسجد.

ولأنّه يحتاج في الاقتداء والمتابعة إلى الالتفات إلى ورائه.

وقال مالك وإسحاق وأبو ثور والشافعي في القديم : تصحّ ، لأنّ مخالفة‌

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٢١٧ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٦ / ٦١٠ و ٦١١ ، سنن البيهقي ٣ : ٩٥.

(٢) المغني ٢ : ٥٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤ ، الانصاف ٢ : ٢٦٦ ، المجموع ٤ : ٢٤٩.

(٣) مسند أحمد ٣ : ٥.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٧ ، المجموع ٤ : ٢٩٩ و ٣٠٠ ، فتح العزيز ٤ : ٢٣٨ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٩ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٥.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٧٧ و ١٨٧ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ / ٤١١ ، سنن النسائي ٢ : ٨٣ و ٩٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٢ / ١٢٣٧.

٢٤٠