تذكرة الفقهاء الجزء ٤

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473
المشاهدات: 207532
تحميل: 6461


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207532 / تحميل: 6461
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-5503-44-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الخلاف ، فإنّ الناس اختلفوا في الصلاة بإمامين(١) .

وإن كان قد صلّى ركعةً أو أكثر ، فإنّهم لا ينتظرونه عنده(٢) ، لأنّه إذا عاد وصلّى ، فإنّهم يفارقونه إذا أتمّوا صلاتهم ، وإذا لم يكن قد قرأ ، لم ينتظروه ، وكانوا على فراقه.

تذنيب : لو أدرك الإِمام راكعاً ، فدخل معه في الصلاة ، فلمـّا فرغ أخبره أنّه كان على غير وضوء ، فالوجه : عدم القبول في بطلان صلاة المأموم.

وقال الشافعي : لا يعتدّ بتلك الركعة ، لأنّها لم تصح من الإِمام ، فلا ينوب عنه في القراءة فيها ، فيأتي بركعة اُخرى(٣) . وليس بجيّد.

مسألة ٥٩٣ : لو أحدث الإِمام أو أغمي عليه أو مات أو مرض ، قدّم هو أو المأمومون من يتمّ بهم الصلاة ، استحباباً لا وجوباً ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور والشافعي في الجديد(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يمكّن أبا بكر من إتمام الإِمامة في الصلاة ، وخرج وهو مريض ، فأتمّ هو الصلاة بالناس(٥) .

وقال الشافعي في القديم : لا يجوز(٦) .

وقد تقدم البحث في ذلك في باب الجمعة(٧) .

____________________

(١) حلية العلماء ٢ : ١٧٢ ، المجموع ٤ : ٢٦٢.

(٢) المجموع ٤ : ٢٦٢.

(٣) المجموع ٤ : ٢٥٨.

(٤) الشرح الصغير ١ : ١٦٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٥٢ ، المدونة الكبرى ١ : ١٤٥ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٦٩ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٩ ، اللباب ١ : ٨٤ ، المغني ١ : ٧٧٩.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٦٩ ، صحيح مسلم ١ : ٣١٢ / ٤١٨ ، سنن الترمذي ٢ : ١٩٧ ذيل الحديث ٣٦٢.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٣ ، المجموع ٤ : ٢٤٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢٤.

(٧) تقدم في المسألة ٣٩١.

٣٢١

فروع :

أ : يكره أن يستنيب المسبوق ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أحدث الإِمام وهو في الصلاة فلا ينبغي له أن يقدّم إلّا مَنْ شهد الإِقامة »(١) .

ويجوز أن يستنيب المنفرد والسابق ، فإن استنابه ، جاز أن يستنيب ثانياً.

ب : لا فرق في جواز الاستخلاف بين أن يكون الإِمام قد سبقه الحدث أو أحدث عمداً.

وقال أبو حنيفة : إن سبقه ، جاز أن يستخلف ، وإن تعمّد ، لم يجز وأتمّوا منفردين(٢) . بناء على أصله من أنّ سبق الحدث لا يبطل الصلاة ، فإذا بقي حكمها ، بقي حكمها على الجماعة في جواز الاستخلاف.

ج : استخلاف الإمام ليس بشرط ، فلو تقدّم بعض المأمومين بنفسه وأتمّ الصلاة ، جاز ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا بدّ من الاستخلاف ، فإن تقدّم بنفسه ، لم يجز أن يصلّوا معه(٤) .

د : لو استخلف اثنين حتى يصلّي مع كلّ واحد منهما بعض الناس ، جاز‌ في غير الجمعة.

مسألة ٥٩٤ : ما يدركه المسبوق مع الإِمام يكون أول صلاته‌ وإن كان آخر صلاة الإِمام ، عند علمائنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام ،

____________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٢ / ١٤٦ ، الاستبصار ١ : ٤٣٤ / ١٦٧٤.

(٢) بدائع الصنائع ١ : ٢٢٦.

(٣) الاُم ١ : ١٧٥ ، المجموع ٤ : ٢٤٤.

(٤) بدائع الصنائع ١ : ٢٢٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٩.

٣٢٢

وعمر وأبو الدرداء والشافعي والأوزاعي وإسحاق ، واختاره ابن المنذر(١) - لقول عليعليه‌السلام : « يجعل ما أدرك مع الإِمام من الصلاة أوّلها »(٢) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « إذا أدرك الرجل بعض الصلاة جعل أول ما أدرك أول صلاته ، إذا أدرك من الظهر أو العصر ركعتين ، قرأ فيما أدرك مع الإِمام مع نفسه اُمّ الكتاب وسورة ، فإن لم يدرك السورة تامّة ، أجزأته اُمّ الكتاب ، فإذا سلّم الإِمام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها في الأوّلتين »(٣) .

ولأنّها ركعة مفتتحة بالإِحرام فكانت أول صلاته كالمنفرد.

وللإِجماع على أنّه إذا أدرك ركعة في المغرب صلّى أخرى ، وجلس للتشهّد ، فدلّ على أنّها أول صلاته.

وقال الثوري : يكون آخر صلاته - وبه قال أحمد وأصحاب الرأي ، وهو المشهور عن مالك - لقولهعليه‌السلام : ( ما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فاقضوا )(٤) (٥) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٢ ، المجموع ٤ : ٢٢٠ ، الاُم ١ : ١٧٨ ، فتح العزيز ٤ : ٤٢٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٩ ، المغني ٢ : ٢٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١١ ، وسنن البيهقي ٢ : ٢٩٩.

(٢) سنن البيهقي ٢ : ٢٩٨ و ٢٩٩ ، ونحوه في التهذيب ٣ : ٤٦ / ١٦١ ، والاستبصار ١ : ٤٣٧ / ١٦٨٥.

(٣) المعتبر : ٢٤٦ ، وبتفاوت في الفقيه ١ : ٢٥٦ / ١١٦٢ ، والتهذيب ٣ : ٤٥ / ١٥٨ ، والاستبصار ١ : ٤٣٦ / ١٦٨٣.

(٤) مسند أحمد ٢ : ٢٣٨ و ٢٧٠ و ٣١٨ ، سنن النسائي ٢ : ١١٤ - ١١٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٩٣.

(٥) المغني ٢ : ٢٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٩٠ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٨ ، المجموع ٤ : ٢٢٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤٢٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٩ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٣ - ١٧٤.

٣٢٣

والمروي : ( فأتمّوا )(١) على أنّ معناه : وما أدركتموه فتابعوه فيه ، وما فاتكم فافعلوه ، وحقيقة القضاء ما فعل بعد خروج وقته ، وإنّما عبّر به عن الفعل.

فروع :

أ : إذا أدرك الأخيرتين من الرباعية ، استحب له أن يقرأ - لما يأتي - لا واجباً ، لأنّ القراءة تسقط عن المأموم ويقرأ الفاتحة في اُخرييه لا غير ، لأنّهما اُخريان.

والشافعي وإن وافقنا على أنّهما اُخريان ، إلّا أنّه قال : يقرأ فيهما بالفاتحة وسورة(٢) .

واختلف أصحابه في علّة ذلك ، فقال بعضهم : إنّ السورة لم يقرأها في الْاُوليين ، ولا أدرك قراءة الإِمام بها ، فاستحب له أن يأتي بها ، لتحصل له فضيلتها.

وقال بعضهم : إنّما قال ذلك بناءً على القول باستحباب السورة في جميع الركعات(٣) .

ب : يجب الإِسرار في المأتي بها بعد مفارقة الإِمام ، لأنّهما اُخريان ، وهو أحد قولي الشافعي لكن لا وجوباً ، وفي الآخر : يجهر ليدرك ما فاته من الجهر(٤) .

ج : الأجود : أنّه يتخيّر في الأخيرتين بين القراءة والتسبيح وإن كان‌

____________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٤٢٠ / ٦٠٢ ، صحيح البخاري ١ : ١٦٣ - ١٦٤ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٦ / ٥٧٢ ، سنن الدارمي ١ : ٢٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٥٥ / ٧٧٥ ، سنن الترمذي ٢ : ١٤٩ / ٣٢٧ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٩ و ٢٧٠ و ٤٥٢.

(٢) الاُم ١ : ١٧٨ ، المجموع ٣ : ٣٨٧ و ٤ : ٢٢٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤٢٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٩.

(٣) المجموع ٣ : ٣٨٧ و ٣٨٨ و ٤ : ٢٢٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤٢٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٠.

(٤) المجموع ٣ : ٣٨٨ و ٤ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٠.

٣٢٤

الإِمام قد سبّح في اُخرييه ، لأنّهما اُخريان ، فلا يسقط حكمهما من التخيير.

ويحتمل : وجوب القراءة إن سبّح الإِمام ، لئلّا تفوت الصلاة من قراءة.

د : إذا أحدث الإِمام في الاُولى ، فسواء استخلف مَنْ شرع معه في الصلاة أو لا ، فإنّه جائز ، لأنّه لا يختلف نظم الصلاة وإن كان في الثانية أو الثالثة ، فإن استخلف مأموماً موافقاً ، جاز إجماعاً ، وإن استخلف مسبوقاً ، جاز أيضاً ، ويتمّ صلاته على نظم صلاة نفسه.

وقال الشافعي : على نظم صلاة الإِمام(١) .

مثاله : إذا استخلفه في الثانية ، فإذا صلّى ركعة ، قام إلى ثانيته ، وتشهّد المأمومون تشهّداً خفيفاً ولحقوا به.

وقال الشافعي : يقعد للتشهّد وإن لم يكن موضع قعوده(٢) .

فإذا صلّى ثانية ، قعد عندنا ، وتشهّد ، وتبعه المأمومون في القعود لا التشهّد.

وقال الشافعي : لا يقعد ، لأنّها الثالثة من صلاة الإمام وإن كان الموضع موضع قعوده(٣) .

وإذا صلّى ثالثة ، فقد تمّت صلاة القوم ، فينهض إلى الرابعة ، ثم إن شاء المأمومون المفارقة ، نووا الانفراد وتشهّدوا وسلّموا ، وإن شاءوا انتظروا الإِمام حتى يتشهّد ويسلّم بهم.

وقال الشافعي : يتشهّد في ثالثته ، وإذا علم أنّ القوم قد فرغوا من التشهّد ، أشار إليهم بالسلام ويتمّ لنفسه(٤) .

ولو استخلف مَن لم يشرع معه في الصلاة ، جاز عندنا ، خلافاً

____________________

(١) الأم ١ : ١٧٥ - ١٧٦ ، المجموع ٤ : ٢٤٣.

(٢) الأم ١ : ١٧٦ ، المجموع ٤ : ٢٤٣.

(٣ و ٤ ) المجموع ٤ : ٢٤٣.

٣٢٥

للشافعي(١) .

مسألة ٥٩٥ : يدرك المأموم الركعة بإدراكها من أوّلها إجماعاً ، وبإدراك تكبيرة الركوع أيضاً ، لأنّه أدرك معظم الركعة ، والقراءة ليست ركناً.

وهل يدركها بإدراك الإِمام راكعاً؟ الوجه : ذلك ، خلافاً للشيخ(٢) ، وقد مضى البحث في ذلك في باب الجمعة(٣) .

إذا ثبت هذا ، فإنّه إذا أدركه راكعاً ، كبّر للافتتاح واجباً ، وكبّر ثانياً للركوع مستحباً ، لأنّه ركوع معتدّ به ، ومن انتقل إلى ركوع معتدّ به فمن سننه التكبير كالإِمام والمنفرد.

ولو خاف رَفْعَ الإِمام ، كبّر للافتتاح خاصة ، ونوى الوجوب ، وليس له أن ينوي الافتتاح والركوع ، لتضادّ الوجهين.

ولو كبّر ولم يَنْو التحريم ولا الركوع ، احتمل قويّاً البطلان ، لعدم نيّة الافتتاح. والصحة ، لأنّ قرينة الافتتاح تصرفها إليه.

ويعارض بأنّ قرينة الهوىّ تصرفها إليه.

فروع :

أ : إذا اجتمع مع الإِمام في الركوع ، أدرك الركعة ، فإن رفع الإِمام رأسه مع ركوع المأموم ، فإن اجتمعا في قدر الإِجزاء من الركوع ، وهو : أن يكون رفع ولم يجاوز حدّ الركوع الجائز - وهو بلوغ يديه إلى ركبتيه - فأدركه المأموم في ذلك وذكر بقدر الواجب ، أجزأه ، وإن أدرك دون ذلك ، لم يجزئه.

ب : لو رفع الإِمام رأسه من الركوع ثم ذكر أنه نسي التسبيح ، لم يكن له الرجوع‌ إلى الركوع ، فإن رجع جاهلاً بالحكم فدخل مأموم معه ، لم يكن مدركاً للركعة ، لأنّه ركوع باطل.

____________________

(١) المجموع ٤ : ٢٤٣.

(٢) النهاية : ١١٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ١٥٨.

(٣) تقدّم في الفرع « ب » من المسألة ٣٩٧.

٣٢٦

وقال بعض الشافعية : يجوز(١) . وليس بمعتمد.

ج : لو أدركه بعد رَفْعه من الركوع ، استحبّ له أن يكبّر للهويّ إلى السجود ، ويسجد معه السجدتين‌ ، ولا يعتدّ بهما ، بل إذا قام الإِمام إلى اللاحقة ، قام ونوى وكبّر للافتتاح ، وإن شاء أن يتربّص حتى يقوم الإِمام ويستفتح معه ، جاز.

وإنّما لم يعتد بالسجدتين ، لأنّ زيادتهما زيادة ركن ، فتبطل الصلاة بها.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا سبقك الإِمام بركعة فأدركت وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتدّ بها »(٢) .

ولو كان السجود للركعة الأخيرة ، فَعَل ما قلناه ، فإذا سلّم الإِمام ، قام فاستقبل صلاته بنيّة منفردة وتكبير متجدّد.

ولو أدركه بعد رَفْع رأسه من السجدة الأخيرة ، جاز أن يكبّر ويجلس معه في تشهّده يتشهّد ، وإن شاء سكت ، فإذا سلّم الإِمام ، قام وبنى على تلك التكبيرة إن كان قد نوى للافتتاح ، وليس ذلك فعلاً كثيراً مبطلاً ، لأنّه من أفعال الصلاة لتحصيل فضيلة الجماعة.

د : إذا لحقه بعد الركوع قبل السجود فقد قلنا : إنّه يكبّر للافتتاح ثم يكبّر للهويّ إلى السجود‌ - وهو أحد وجهي الشافعي(٣) - لأنّه مأمور بالسجود متابعةً للإِمام ، فسُنّ له التكبير ، كما لو كان السجود من صلب الصلاة.

والثاني : لا يكبّر للسجود ، لعدم الاعتداد به ، وليس متابعاً للإِمام ، والتكبير كلا تكبير ، بخلاف الركوع المعتدّ به ، والأول أصحّ عندهم(٤) .

____________________

(١) المجموع ٤ : ٢١٧.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٨ / ١٦٦.

(٣ و ٤ ) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٥٩.

٣٢٧

أمّا لو أدركه في التشهّد ، فإنّه يكبّر للافتتاح خاصة ، لأنّ الجلوس عن القيام لم يشرع في الصلاة ، فلا تكبير له ، فإذا قام الإِمام إلى الثالثة ، لم يتابعه المأموم في التكبير - خلافاً للشافعي - لأنّه قيام أول بالنسبة إليه.

وقال الشافعي : يكبّر متابعةً لإِمامه(١) .

فإذا صلّى ركعتين مع الإِمام ثم سلّم الإِمام ، قام إلى ثالثته مكبّراً إن قلنا باستحبابه في قيام الثالثة ، لأنّه يقوم إلى ابتداء ركعة ، وبه قال الشافعي(٢) .

ولو أدرك الإِمام في التشهّد الأخير ، كبّر وجلس بغير تكبير ، فإذا سلّم الإِمام ، قام بغير تكبير ، لأنه قد كبّر في ابتداء هذه الركعة.

وهل يتشهّد مع الإِمام؟ يحتمل ذلك ، لأنّه إذا جاز أن يقعد في غير موضع قعوده متابعةً للإِمام ، جاز أن يتبعه في التشهّد ، وليس واجباً عليه ، لأنّ المتابعة تجب في الأفعال لا في الأذكار. ويحتمل العدم ، لأنّه ليس بموضع للتشهّد. وكلاهما للشافعي(٣) .

ه : لو أدركه في التشهّد الأول وقعد معه ثم قام الإِمام ، تابعه المأموم ولا يقرأ دعاء الاستفتاح.

ولو كبّر المأموم وقصد أن يقعد فقام الإمام قبل أن يقعد المأموم ، دعا للاستفتاح.

والفرق : أنّه وجد منه في الأول الاشتغال بعد الافتتاح بفعل وجب عليه الإِتيان به ، فلم يبق حكم الاستفتاح ، وهنا لم يشتغل بفعل ، فيؤمر بدعائه.

و : الأقرب : أنّه لا تحصل فضيلة الجماعة فيما إذا أدركه بعد رفعه من الركوع الأخير.

ويحتمل الإِدراك ؛ لقول محمد بن مسلم : قلت له : متى يكون يدرك‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ٢١٨.

(٢) المجموع ٤ : ٢١٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦٢.

(٣) المجموع ٤ : ٢١٩ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦١.

٣٢٨

الصلاة مع الإِمام؟ قال : « إذا أدرك الإِمام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإِمام »(١) . وهي مرسلة.

مسألة ٥٩٦ : إذا افتتح الصلاة ثم أحسّ بداخل في المسجد ، لم يستحب له الزيادة في التلاوة‌ ليلتحق به الداخل ؛ لأنّ غرضه يحصل من إدراك الركوع معه ، فلو زاد في القراءة ؛ لم يكره ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، روي عنه أنّه قال : ( إنّي أحياناً أكون في الصلاة فأفتتح السورة اُريد أن اُتمّها فأسمع بكاء صبي فأتجوّز في صلاتي مخافة أن تفتتن اُمّه )(٢) فإذا جاز الاختصار رعايةً لحقّ الطفل ، جازت الزيادة رعايةً لحقّ اللاحق.

ولو ظنّ أنّه يفوته الركوع ، فالوجه : استحباب زيادة القراءة.

ولو أحسّ بداخل وقد فرغ من القراءة وهو يريد الركوع ، فلا يطوّل قيامه ؛ لحصول غرضه بإدراك الركوع.

ولو أحسّ به وقد رفع من الركوع ، أو كان في السجود أو التشهّد الأول ، لم ينتظر إجماعاً ؛ إذ لا غرض فيه ؛ لأنّ الذي أدرك من الأفعال لا اعتداد به.

وإن أحسّ بداخل وهو في الركوع ، استحبّ له أن يطيل ركوعه ليلتحق به - وبه قال الشعبي والنخعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والشافعي في أحد القولين(٣) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صلّى بطائفة صلاة الخوف ركعةً ، وانتظرها حتى أتمّت ومضت ، وجاءت الْاُخرى(٤) .

ومن طريق الخاصة : رواية جابر عن الباقرعليه‌السلام ، وقد سأله إنّي‌

____________________

(١) التهذيب ٣ : ٥٧ / ١٩٧.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٨١ ، صحيح مسلم ١ : ٣٤٣ / ٤٧٠ ، وسنن البيهقي ٢ : ٣٩٣ بتفاوت.

(٣) المغني ٢ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٣ ، المجموع ٤ : ٢٣٠ ، فتح العزيز ٤ : ٢٩٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٢.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٧ - ١٨ ، صحيح مسلم ١ : ٥٧٤ - ٥٧٥ / ٨٤٠.

٣٢٩

أؤمّ قوماً فأركع ويدخل الناس وأنا راكع فكم أنتظر؟ فقال الباقرعليه‌السلام : « ما أعجب ما تسأل عنه يا جابر!! انتظر مِثْلَي ركوعك ، فإن انقطعوا وإلّا فارفع رأسك »(١) .

ولأنّه فعل يقصد به التقرّب إلى الله تعالى بتحصيل قربة لمسلم.

وقال الشافعي في الآخر : يكره الانتظار - وبه قال مالك وداود وأصحاب الرأي ، واختاره ابن المنذر والمزني - لأنّه يفعل جزءاً من الصلاة لأجل آدمي وقد أمر الله تعالى بأن يصلّى خالصاً له تعالى(٢) .

ونمنع عدم الاخلاص ؛ لأنّه تقرّب إليه تعالى بتحصيل القربة للداخل وإن قصد به لحوق آدمي الصلاة ، فإنّ الله تعالى أمر بمنافع الآدميين.

وقال بعض الشافعية : إن كان يعرف الداخل ، لا ينتظره ؛ لأنّه لا يخلو من نوع مراءاة ، وإن كان لا يعرفه ، لم يكره(٣) .

فروع :

أ : إنّما ينتظر إذا كان قريباً‌ وكان لا يطوّل الأمر على المأمومين ، فأمّا إذا كان بعيداً وكان في الانتظار تطويل ، لم ينتظر.

ب : لو أحسّ بداخل وهو في التشهّد الأخير ، فالوجه : الانتظار‌ ، لأنّ في إدراك التشهد غرضا صحيحا.

ج : لو انتظر ، لم تبطل صلاته عندنا‌ ، لأنّه مستحب ، وكذا عند الشافعي على أحد القولين ، وعلى الآخر : وجهان(٤) .

مسألة ٥٩٧ : لو دخل المسجد فركع الإِمام فخاف فوت الركوع ، جاز‌

____________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٨ / ١٦٧.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ١٠٣ ، المجموع ٤ : ٢٣٠ و ٢٣٣ ، فتح العزيز ٤ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٢.

(٣) المجموع ٤ : ٢٣٠ ، الوجيز ١ : ٥٥ ، فتح العزيز ٤ : ٢٩٢.

(٤) المجموع ٤ : ٢٣٠ ، فتح العزيز ٤ : ٢٩٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٣٢.

٣٣٠

أن يكبّر ويركع ، ويمشي راكعاً حتى يلتحق بالصف قبل رَفْع رأس الإِمام أو يأتي آخر فيقف معه ؛ تحصيلاً لفضيلة الجماعة.

والمشي في الركوع لإِدراك الصف غير مُبطل ، وفعل ذلك ابن مسعود وزيد بن وهب وعروة وأبو بكر بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير ، وجوّزه الزهري والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد(١) .

ومن طريق الخاصة : قول أحدهماعليهما‌السلام ، في الرجل يدخل المسجد فيخاف أن يفوته الركوع ، قال : « يركع قبل أن يبلغ القوم ، ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم »(٢) .

فروع :

أ : لو كان بعيداً من الصف ، فإن كان يصح أن يأتمّ وهو في مكانه ، وقف وحده‌ لئلّا يفعل فعلاً كثيراً ، فإن مشى ، احتمل الجواز ؛ لأنّه من أفعال الصلاة. والمنع ؛ لكثرته ، ولا تبطل صلاته لو وقف وحده ؛ لما بيّنّا من جوازه.

وإن كان لا يصح أن يأتمّ فيه لبُعده ، فالوجه : أنّه لا يعتدّ بذلك الركوع ، ويصبر حتى يلتحق بالإِمام في الثانية.

وإن كان لا يصح للحائل ، لم يجز له أن يشرع حتى يخرج عن الحائل.

ب : لو ركع دون الصف ومشى فسجد الإِمام قبل التحاقه ، سجد على حاله وقام والتحق بالصف ، فإن ركع الإِمام ثانياً ، ركع ومشى في ركوعه ، وصحّت صلاته.

وكرهه الشافعي وأبو حنيفة ومالك ؛ لما فيه من الانفراد بصف في ركعة تامّة(٣) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٧ / ١١٦٦ ، التهذيب ٣ : ٤٤ / ١٥٤ ، الاستبصار ١ : ٤٣٦ / ١٦٨١.

(٣) المجموع ٤ : ٢٩٨ ، وحكاه عنهم المحقق في المعتبر : ٢٤٥.

٣٣١

وقال أحمد : تبطل صلاته(١) .

وليس بشي‌ء ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا خفت أن يركع قبل أن تصل إليه ، فكبّر وأركع ، فإن رفع رأسه فاسجد مكانك ، فإذا قام ، فالحق بالصف ، وإن جلس فاجلس مكانك ، فإذا قام ، فالحق بالصف »(٢) .

ج : لو رفع رأسه من الركوع ثم دخل الصف ، أو جاء آخر فوقف معه قبل إتمام الركعة ، صحّت صلاته‌ عندنا ، وكرهه مالك والشافعي وأصحاب الرأي(٣) ، ولا تبطل صلاته ؛ لأنّ أبا بكرة جاء ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله راكع ، فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف ، فلمّا قضى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة ، قال : ( أيّكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف؟ ) فقال أبو بكرة : أنا ؛ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( زادك الله حرصاً ولا تعد )(٤) ولم يأمره بالإِعادة.

وقال أحمد : إن كان جاهلاً بتحريم ذلك ، صحّت صلاته ، وإن علم ، لم تصح ، لأنّ قولهعليه‌السلام لأبي بكرة : ( لا تعد ) يدلّ على الفساد(٥) .

وهو بناءً على تحريم الانفراد بصف ، وقد بيّنّا جوازه ، وقولهعليه‌السلام : ( لا تعد ) المراد به إلى التأخّر.

مسألة ٥٩٨ : قد بيّنّا أنّه يستحب لمن صلّى منفرداً إعادة تلك الصلاة‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٤ ، وحكاه عنه أيضاً المحقق في المعتبر : ٢٤٥.

(٢) جاء صدر الحديث هنا متّفقاً مع ما في المعتبر : ٢٤٥ ، ومختلفاً مع ما في المصادر ، وصدره فيها هكذا : « إذا دخلت المسجد والإِمام راكع فظننت أنّك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبّر ».

اُنظر : الكافي ٣ : ٣٨٥ / ٥ ، الفقيه ١ : ٢٥٤ / ١١٤٨ ، التهذيب ٣ : ٤٤ / ١٥٥ ، الاستبصار ١ : ٤٣٦ / ١٦٨٢.

(٣) اُنظر : المغني ٢ : ٦٤.

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٨٢ / ٦٨٤.

(٥) المغني ٢ : ٦٤ - ٦٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٢.

٣٣٢

مع الجماعة ؛ تحصيلاً لفضيلة الجماعة أيّة صلاة كانت - وبه قال عليعليه‌السلام ، وأنس وحذيفة وسعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير والزهري والشافعي(١) - لأنّ يزيد بن الأسود العامري قال : شهدت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حجّته فصلّيت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف وأنا غلام شاب ، فلمـّا قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصلّيا معه ، فقال : ( عليَّ بهما ) فاُتى بهما ترعد فرائصهما ، فقال : ( ما منعكما أن تصلّيا معنا؟ ) فقالا : يا رسول الله كنّا قد صلّينا في رحالنا ، فقال : ( لا تفعلا ، إذا صلّيتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلِّيا معهم فإنّهما لكما نافلة )(٢) .

وأطلق ولم يفرّق.

وقال أحمد كذلك ، إلّا أنه قال : لا يصلّي العصر والصبح إلّا مع إمام الحيّ دون غيره(٣) .

وقال مالك : إن كان قد صلّى وحده ، أعادها جماعةً إلّا المغرب ، وإن صلّاها جماعة ، لم يعدها(٤) .

وقال الأوزاعي : يصلّي ما عدا المغرب والصبح(٥) .

وقال أبو حنيفة : لا يعيد إلّا صلاتين : الظهر والعشاء(٦) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٢ ، فتح العزيز ٤ : ٢٩٦ ، المجموع ٤ : ٢٢٣ و ٢٢٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٠.

(٢) سنن أبي داود ١ : ١٥٧ / ٥٧٥ ، سنن الترمذي ١ : ٤٢٤ - ٤٢٥ / ٢١٩ ، سنن النسائي ٢ : ١١٢ - ١١٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٠١.

(٣) حلية العلماء ٢ : ١٦١ ، المغني ١ : ٧٨٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦ و ٧.

(٤) حلية العلماء ٢ : ١٦١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٥٠.

(٥) حلية العلماء ٢ : ١٦١.

(٦) حلية العلماء ٢ : ١٦١ ، المجموع ٤ : ٢٢٥ ، فتح العزيز ٤ : ٢٩٨ ، المغني ١ : ٧٨٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٧.

٣٣٣

واحتجّوا : بقولهعليه‌السلام : ( لا تصلّى صلاة في اليوم مرّتين )(١) .

وقال : ( لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس )(٢) والمغرب وتر لا يتنفّل بها(٣) .

والخبر لا حجّة فيه ؛ لأنّه لا يصلّيهما على أنّهما واجبتان. والنهي بعد العصر محمول على ما لا سبب له. ونمنع انتفاء التنفل بالوتر.

وقال بعض الشافعية : يضيف إليها رابعةً ، ورووه عن حذيفة بن اليمان(٤) . وليس بشي‌ء.

فروع :

أ : هل يستحب لمن صلّى جماعةً إعادة صلاته في جماعة اُخرى؟ قال الشافعي : نعم(٥) وعموم قول الصادقعليه‌السلام ، في الرجل يصلّي الفريضة ثم يجد قوماً يصلّون جماعةً ، أيجوز أن يعيد الصلاة معهم؟ قال : « نعم وهو أفضل »(٦) .

ويحتمل العدم ؛ لأنّ المطلوب حصل أوّلاً ، وهو : إدراك فضيلة الجماعة ، وإنّما سوّغنا الإِعادة ؛ استدراكاً لمصلحة الجماعة ، وهو إنّما يتحقّق في المنفرد.

ب : لو صلّى في جماعة ثم حضر واحد وأراد الصلاة ، استحبّ له أن يصلّي معه جماعةً‌ إماماً أو مأموماً ؛ تحصيلاً لفضيلة الجماعة للحاضر.

ج : هل يستحب التكرار ثلاثاً فما زاد؟ إشكال ، أقربه : المنع.

د : الوجه : أنّ الفرض هو الْاُولى ، والثانية سنّة - وبه قال أبو حنيفة وأحمد‌

____________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٥٨ / ٥٧٩ وفيه : ( لا تصلّوا ).

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٢٤ / ١٢٧٦ ، صحيح مسلم ١ : ٥٦٧ / ٨٢٧.

(٣) اُنظر : المغني ١ : ٧٨٦ ، والشرح الكبير ٢ : ٧.

(٤) المجموع ٤ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٠ - ١٦١.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٢ ، المجموع ٤ : ٢٢٣ و ٢٢٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٦١.

(٦) التهذيب ٣ : ٥٠ / ١٧٥.

٣٣٤

والشافعي في الجديد(١) - لقولهعليه‌السلام : ( فتكون لكم نافلة )(٢) .

وقول الصادقعليه‌السلام ، لـمّا حكم باستحباب الإِعادة ، قلت : فإن لم يفعل؟ قال : « ليس به بأس »(٣) .

ولأنّ الْاُولى قد سقط بها الفرض ، ولهذا لم يجب أن يصلّي ثانياً. ولأنّه صلّى المأمور به على وجهه ، فيخرج عن العهدة.

وقال في القديم : يحتسب الله له بأيّهما شاء ؛ لأنّه استحبّ إعادة الفريضة ليكملها بالجماعة ، فلو كانت الثانية نافلةً ، لم تستحبّ لها الجماعة(٤) .

وليس بجيّد ؛ فإنّ الجماعة(٥) استحبت ؛ لأنّ الجماعة سببها.

وفي رواية عن الصادقعليه‌السلام ، في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثم يجد جماعة ، قال : « يصلّي معهم ويجعلها الفريضة »(٦) .

وهي محمولة على ما إذا دخل في الصلاة ثم حضرت الجماعة ، فإنّه يعدل بنيته إلى النفل ، ثم يجعل الثانية هي الفريضة.

ه : إذا جعلنا الثانية نفلاً ، فالأقرب : أنّه ينوي النفل ؛ لأنّ الفعل يقع نفلاً فكيف نأمره بنيّة الفرض!؟ وهو أحد قولي الشافعيّة ، وأصحهما عندهم : أنّه ينوي الفرض ؛ لأنّ القصد إدراك فضيلة الجماعة ، ولا تشرع الجماعة في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٢ ، المجموع ٤ : ٢٢٤ ، فتح العزيز ٤ : ٣٠١ ، حلية العلماء ٢ : ١٦١ ، الشرح الكبير ٢ : ٨ ، المغني ١ : ٧٨٨.

(٢) سنن النسائي ٢ : ١١٣ ، سنن الترمذي ١ : ٤٢٥ / ٢١٩ ، مسند أحمد ٤ : ١٦١ بتفاوت فيها.

(٣) التهذيب ٣ : ٥٠ / ١٧٥.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٢ ، المجموع ٤ : ٢٢٣ - ٢٢٤ ، فتح العزيز ٤ : ٣٠١ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٢.

(٥) أيّ : صلاة الجماعة.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٩ / ١ ، الفقيه ١ : ٢٥١ / ١١٣٢ ، التهذيب ٣ : ٥٠ / ١٧٦.

٣٣٥

النوافل(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنهم سلّموا أنّها نفل.

مسألة ٥٩٩ : إذا بلغ الطفل سبع سنين ؛ كان على أبيه أن يعلّمه الطهارة والصلاة‌ ، ويعلّمه الجماعة وحضورها ، ليعتادها ؛ لأنّ هذا السنّ يحصل فيه التمييز من الصبي في العبادة ، وإذا بلغ عشر سنين ، ضرب عليها - وإن كانت غير واجبة - لاشتماله على اللطف ، وهو : الاعتياد والتمرّن.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرّقوا بينهم في المضاجع )(٢) .

وكذا يفعل ولي الصبي ووصيّه.

وقال الصادقعليه‌السلام : « مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، فإنّا نأمر أولادنا بالصلاة وهم أبناء خمس ، ونضربهم عليها وهم أبناء سبع »(٣) .

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا بلغ الصبي سبع سنين اُمر بالصلاة ، فإذا بلغ عشراً ، ضُرب عليها ، فإذا بلغ ثلاث عشرة سنة ، فرّقوا بينهم في المضاجع ، فإذا بلغ ثمانية عشر ، علّم القرآن ، فإذا بلغ إحدى وعشرين ، انتهى طوله ، فإذا بلغ ثمانية وعشرين ، كمل عقله ، فإذا بلغ ثلاثين ، بلغ أشدّه ، فإذا بلغ أربعين ، عُوفي من البلوى الثلاث : الجذام والجنون والبرص ، فإذا بلغ الخمسين ، حبّبت إليه الإِنابة ، فإذا بلغ الستّين ، غفرت ذنوبه ، فإذا بلغ السبعين ، عرفه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين ، كتبت الحسنات ولم تكتب السيّئات ، فإذا بلغ التسعين ، كُتب : أسير الله في‌

____________________

(١) فتح العزيز ٤ : ٣٠٣.

(٢) مسند أحمد ٢ : ١٨٠ و ١٨٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٣٠ / ٢ و ٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٢٩.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٩ / ١ ، الفقيه ١ : ١٨٢ / ٨٦١ ، التهذيب ٢ : ٣٨٠ / ١٥٨٤ ، الاستبصار ١ : ٤٠٩ / ١٥٦٤ بتفاوت واختصار فيها.

٣٣٦

أرضه ؛ فإذا بلغ المائة ، شفع في سبعين من أهل بيته وجيرانه ومعارفه )(١) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ الصلاة لا تجب عليه إلّا مع البلوغ ، وبه قال الشافعي ، وأحمد في رواية(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ الحلم )(٣) .

وفي رواية عن أحمد : إذا بلغ عشر سنين ، وجبت عليه الصلاة ، لأنّه اُمر بضربهم عليها ، والأمر بالضرب لمصلحة الاعتياد ، كما يضرب للتأديب(٤) .

مسألة ٦٠٠ : إذا شرع في نافلة فأحرم الإِمام ، قطعها‌ إن خشي الفوات ، تحصيلاً لفضيلة الجماعة ، سواء خاف فوت النافلة ، أو لا ، ولو لم يخف الفوات ، أتمّ النافلة ثم دخل في الفريضة.

ولو كان في فريضة ، استحب له أن ينقل النية إلى النفل ، ويتمّها اثنتين استحباباً ، ثم يدخل معه في الصلاة ، عند علمائنا - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - للحاجة إلى فضل الجماعة.

ولما رواه سماعة قال : سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام وقد صلّى ركعة من فريضة ، قال : « إن كان إماما عدلا فليصلّ اخرى ولينصرف وليجعلهما تطوّعاً ، ويدخل مع الإِمام في صلاته »(٦) .

____________________

(١) أورد نحوه بتفاوت واختصار : الصدوق في الخصال : ٥٤٦ - ٥٤٧ / ٢٨ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠ : ٢٠٤ - ٢٠٦.

(٢) المغني ١ : ٤٤٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤١٤.

(٣) سنن أبي داود ٤ : ١٤٠ - ١٤١ / ٤٤٠٢ ، سنن الترمذي ٤ : ٣٢ / ١٤٢٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٥٨ / ٢٠٤١ ، سنن الدارمي ٢ : ١٧١ ، مسند أحمد ٦ : ١٠٠ - ١٠١ باختلاف في لفظ الحديث.

(٤) المغني ١ : ٤٤٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤١٤.

(٥) المجموع ٤ : ٢٠٨.

(٦) الكافي ٣ : ٣٨٠ / ٧ ، التهذيب ٣ : ٥١ / ١٧٧.

٣٣٧

وفي الآخر للشافعي : إذا نقل نيّته من الفرض إلى النفل ، بطل الفرض ، ولم يحصل له النفل ؛ لأنّه لم يَنْوه في جميع الصلاة(١) .

وليس بجيد ، لأنّ نيّة النفل دخلت في نيّة الفرض فقد وجدت في جميع الصلاة.

فروع :

أ : لو كان الإِمام ممّن لا يقتدى به ، استمرّ على حاله‌ ؛ لأنّه ليس بمؤتمّ في الحقيقة.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « وإن لم يكن إمام عدل ، فليبن على صلاته كما هو ، ويصلّي ركعة اُخرى معه يجلس قدر ما يقول أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، ثم يتمّ صلاته معه على ما استطاع ، فإنّ التقية واسعة ، وليس شي‌ء من التقية إلّا وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله تعالى »(٢) .

ب : لو كان في فريضة وأحرم إمام الأصل ، قطعها واستأنف الصلاة معه‌ ؛ لما فيه من المزية المقتضية للاهتمام بمتابعته.

ج : لو تجاوز في الفريضة الاثنتين ثم أحرم الإِمام ، فإن كان إمام الأصل ، قطعها‌ ؛ لما تقدّم ، وإلّا فالأقرب : الإِتمام ثم الدخول معه مُعيداً لها نافلة ؛ إذ مفهوم الأحاديث يدلّ على أنّ العدول إلى النفل في الركعتين.

د : لو ابتدأ بالنافلة فأحرم الإِمام بالفرض ، قال الشيخرحمه‌الله : إن علم أنّه لا يفوته الفرض معه ، تمّم نافلته‌ ، وإن علم فوات الجماعة ، قطعها‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ٢١٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٠ / ٧ ، التهذيب ٣ : ٥١ / ١٧٧.

٣٣٨

ودخل في الفريضة(١) .

وهذا يحتمل وجهين : أحدهما ، وهو الأظهر في اللفظ : أنّه لو علم فوات الجماعة حتى في الركعة الأخيرة ، قطعها ، وإن علم عدم الفوات بأن يلحق ركوع الأخيرة مثلاً ، أتمّ النافلة.

والثاني : أنّه إذا خاف فوات ركعة ما ، قطع النافلة ؛ محافظةً للجماعة فيها ، ولئلّا يصير مسبوقاً ، فيخالف الإِمام في بعض أفعاله.

قال الشيخ : وإن أحرم الإِمام بالفريضة قبل أن يُحْرم المأموم بالنافلة فإنّه يتبعه بكلّ حال ، ويصلّي النافلة بعد الفريضة ، سواء كان مع الإِمام في المسجد أو خارجاً منه ، وبه قال الشافعي.

وقال أبو حنيفة : وإن كان في المسجد فكقولنا ، وإن كان خارجاً منه : فإن خاف فوت الثانية ، دخل معه كما قلناه ، وإن لم يخف فواتها ، تمّم ركعتين نافلةً ثم دخل المسجد فصلّى معه(٢) .

ه : لو ابتدأ بقضاء الظهر وشرع الإِمام في صلاة الصبح ، وخاف إن تمّم ركعتين نافلة ، فاتته الصلاة مع الإمام ، فإن كان إمام الأصل ، أبطل صلاته ، وإلاّ فالوجه : إتمام القضاء وتفويت الجماعة ، لأنّ استدراكها بنقل النية من الفرض إلى النفل ، ولا يحصل الاستدراك بذلك هنا ، فيبقى وجوب الإِتمام سالماً عن المعارض.

مسألة ٦٠١ : يستحب للإِمام أن يخفّف صلاته بتخفيف الأذكار ، ويكمّل أفعالها مثل ركوعها وسجودها وقيامها ؛ لأنّ أنساً قال : ما صلّيت خلف أحد قطّ أخفّ ولا أتمّ صلاة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

____________________

(١) الخلاف ١ : ٥٦٥ ، المسألة ٣١٨ ، المبسوط للطوسي ١ : ١٥٧.

(٢) الخلاف ١ : ٥٦٥ ، المسألة ٣١٨ ، وانظر : المجموع ٤ : ٥٦ - ٥٧ و ٢١٢ ، وحلية العلماء ٢ : ١٢١.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٨١ ، سنن البيهقي ٣ : ١١٤.

٣٣٩

وقالعليه‌السلام : ( من صلّى بالناس فليخفّف فإنّ فيهم السقيم والضعيف ، وإذا صلّى لنفسه فليطل ما شاء )(١) .

ولو أحبّ المأمومون خلفه التطويل ، جاز وكان أولى ؛ لقولهعليه‌السلام : ( أفضل الصلاة ما طال قنوتها )(٢) .

مسألة ٦٠٢ : لا تجب على المأموم القراءة ، سواء كانت الصلاة جهرية أو إخفاتية ، وسواء سمع قراءة الإِمام أو لا ، ولا تستحب في الجهرية مع السماع ، عند علمائنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام ، وسعيد بن المسيب وعروة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب الزهري والنخعي والثوري وابن عيينة ومالك وابن المبارك وإسحاق وأحمد وأصحاب الرأي ، وكثير من السلف(٣) - لقوله تعالى( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٤) نزلت في شأن الصلاة(٥) .

قال زيد بن أسلم وأبو العالية : كانوا يقرؤن خلف الإِمام فنزلت( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٦) .

وقالعليه‌السلام : ( إنّما جُعل الإِمام ليؤتمّ به ، فإذا كبَّر فكبِّروا وإذا قرأ‌

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٨٠ ، سنن أبي داود ١ : ٢١١ / ٧٩٤ ، سنن النسائي ٢ : ٩٤.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٥٢٠ / ٧٥٦ بتفاوت.

(٣) المغني ١ : ٦٣٦ و ٦٤٠ - ٦٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٢ و ١٣ ، المجموع ٣ : ٣٦٥ ، حلية العلماء ٢ : ٨٨.

(٤) الأعراف : ٢٠٤.

(٥) اُنظر : مجمع البيان ٢ : ٥١٤ - ٥١٥ ، والتبيان ٥ : ٦٧ - ٦٨ ، وتفسير أبي السعود ٣ : ٣١٠ ، وتفسير القرطبي ٧ : ٣٥٤.

(٦) أحكام القرآن للجصاص ٣ : ٣٩ ، أسباب النزول - للواحدي - : ١٣١ ، والمغني ١ : ٦٣٧.

٣٤٠