تذكرة الفقهاء الجزء ٤

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473
المشاهدات: 205670
تحميل: 6407


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 205670 / تحميل: 6407
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-5503-44-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فأنصتوا )(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا كنت خلف إمام تتولاّه وتثق به فإنّه تجزئك قراءته ، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه ، فإذا جهر فأنصت ، قال الله تعالى( وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) »(٢) .

قال أحمد : ما سمعنا أحداً من أهل الإِسلام يقول : إنّ الإِمام إذا جهر بالقراءة لا تجزئ صلاة مَنْ خلفه إذا لم يقرأ ، هذا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والصحابة والتابعون ، وهذا مالك في أهل الحجاز ، وهذا الثوري في أهل العراق ، وهذا الأوزاعي في أهل الشام ، وهذا الليث في أهل مصر ما قالوا لرجل صلّى خلف إمام قرأ إمامه ولم يقرأ هو : إنّ صلاته باطلة(٣) .

ولأنّها قراءة لا تجب على المسبوق ، فلا تجب على غيره.

وللشافعي قولان : أحدهما : أن المأموم كالمنفرد فيما يسرّ به ، ولا يقرأ فيما يجهر به.

وأصحّهما عنده : أنّ المأموم يقرأ فيما أسرّ وجهر - وبه قال الليث والأوزاعي وأبو ثور ، واختاره ابن المنذر - لأنّ عبادة بن الصامت قال : صلّى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الصبح فثقلت عليه القراءة ، فلمـّا انصرف قال : ( إنّي لأراكم تقرءون وراء إمامكم ) قلنا : أجل ، قال : ( لا تفعلوا إلّا باُمّ القرآن فإنّه لا صلاة لمن لم يقرأ بها )(٤) .

ولأنّه يلزمه قيام القراءة ، فلزمته القراءة كالمنفرد(٥) .

____________________

(١) نقله ابن قدامة في الشرح الكبير ٢ : ١٤ نقلْاً عن سعيد بن منصور.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٣ / ١٢٠.

(٣) المغني ١ : ٦٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٤.

(٤) سنن الترمذي ٢ : ١١٦ - ١١٧ / ٣١١ ، سنن البيهقي ٢ : ١٦٤ ، مسند أحمد ٥ : ٣١٦ و ٣٢٢.

(٥) المجموع ٣ : ٣٦٥ ، الوجيز ١ : ٤٢ ، فتح العزيز ٣ : ٣٠٩ - ٣١١ ، حلية العلماء ٢ : ٨٨ ، المغني ١ : ٦٣٦ - ٦٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٤.

٣٤١

والحديث محمول على غير المأموم ؛ فإنّ المأموم في حكم القارئ.

ويبطل القياس بالمسبوق.

فروع :

أ : قال الشيخان : لا يجوز أن يقرأ المأموم في الجهرية إذا سمع قراءة الإمام‌ ولو همهمة(١) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ رضيت به فلا تقرأ خلفه »(٢) .

وقالعليه‌السلام : « وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ »(٣) .

والنهي للتحريم ، ويحتمل الكراهة.

ب : لو لم يسمع القراءة في الجهريّة ولا همهمة ، فالأفضل القراءة‌ ، لا واجباً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا كنت خلف مَنْ ترضى به في صلاة يجهر بها فلم تسمع قراءته فاقرأ ، فإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ »(٤) .

وعن الكاظمعليه‌السلام ، في الرجل يصلّي خلف من يقتدى به يجهر بالقراءة ، فلا يسمع القراءة ، قال : « لا بأس إن صمت وإن قرأ »(٥) .

وهو يدلّ على نفي وجوب القراءة.

وقال أبو حنيفة والثوري وسفيان بن عيينة : لا يقرأ المأموم بحال(٦) .

وقال مالك وأحمد وإسحاق وداود : لا يقرأ فيما جهر فيه ، ويقرأ فيما أسرّ‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٥٨ ، وحكى قول الشيخ المفيد ، المحقّق في المعتبر : ٢٣٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٣ / ١١٨ ، الإستبصار ١ : ٤٢٨ / ١٦٥٣.

(٣و٤) الكافي ٣ : ٣٧٧ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٣٣ / ١١٧ ، الاستبصار ١ : ٤٢٨/ ١٦٥٢.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٤ / ١٢٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٩ - ١٦٥٧.

(٦) اللباب ١ : ٧٨ ، حلية العلماء ٢ : ٨٨ ، المغني ١ : ٦٤٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١٢ و ١٣.

٣٤٢

فيه استحباباً(١) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( مَنْ كان له إمام فقراءة الإِمام له قراءة )(٢) .

ونحن نقول بموجبه.

ج : الأصمّ إن كان بعيداً ، قرأ استحباباً في الجهريّة ؛ لعدم السماع في حقّه ، وإن كان قريباً ، قرأ مع نفسه ، لئلّا يشغل غيره عن السماع.

د : كما أنّ المأموم لا يقرأ كذا لا يستفتح ولا يستعيذ ؛ لأنّ الاستعاذة شرّعت لأجل القراءة ، فإذا سقط الأصل سقط التبع ، وإذا سقطت القراءة المؤكّدة لئلاّ يشتغل عن الاستماع ، فالاستفتاح أولى.

ولو سكت الإِمام قدراً يتّسع للاستفتاح أو استفتح ، فالوجه : أنّه يستفتح ولا يستعيذ ؛ لإِمكان الاستفتاح مع زوال المانع.

ه : لو كانت الصلاة سرّاً ، قال الشيخ : تستحب قراءة الحمد خاصة‌(٣) . وبه قال عبد الله بن عمر ، ومجاهد والحسن والشعبي وسعيد ابن المسيّب وسعيد بن جبير وعروة وأبو سلمة بن عبد الرحمن والحكم وأحمد(٤) .

وقال عليعليه‌السلام ، وابن عباس وابن مسعود وأبو سعيد وزيد بن ثابت وعقبة بن عامر وجابر وابن عمر ، وحذيفة - هؤلاء التسعة من الصحابة - : لا يقرأ في الجهرية ولا في الإِسرار ؛ وبه قال ابن سيرين والثوري وابن عيينة وأصحاب الرأي(٥) ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : ( مَنْ كان له إمام فقراءة الإِمام له‌

____________________

(١) المغني ١ : ٦٣٦ و ٦٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٣ ، حلية العلماء ٢ : ٨٨.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٧ / ٨٥٠ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٢٣ / ١ ، سنن البيهقي ٢ : ١٦٠.

(٣) النهاية : ١١٣.

(٤) المغني ١ : ٦٣٩ - ٦٤٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١٣.

(٥) المغني ١ : ٦٣٦ و ٦٤٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١٢ و ١٣.

٣٤٣

قراءة )(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا كان مأموناً على القراءة فلا تقرأ خلفه في الأوّلتين »(٢) .

احتجّ الشيخ : بقول الصادقعليه‌السلام : « أمّا الذي يجهر فيها فإنّما أُمرنا بالجهر لينصت من خلفه ، فإن سمعت فأنصت ، وإن لم تسمع فاقرأ »(٣) .

وهو يعطي استحباب القراءة في الإِخفاتيّة.

و : لا تستحب القراءة في سكتات الإِمام‌ ، لقول الصادقعليه‌السلام : « لا ينبغي له أن يقرأ ، يكله إلى الإِمام » وقد سئل : أيقرأ الرجل في الاولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنّه يقرأ؟(٤) .

وقال أكثر الجمهور إلّا الثوري وأصحاب الرأي : للإِمام سكتتان يستحب أن يقرأ فيهما(٥) . والنهي عام.

إذا ثبت هذا ، فلو قرأ بعض الفاتحة فقرأ الإِمام ، سكت هو ، ثم قرأ بقية الفاتحة في السكتة الْاُخرى ، وهو لا يجي‌ء على قولنا.

ز : لو لم يقرأ مطلقاً ، صحّت صلاته عند علمائنا‌ - وهو قول أكثر أهل العلم ، وبه قال الزهري والنخعي والثوري ومالك وأحمد وأصحاب الرأي(٦) - لقولهعليه‌السلام : ( مَنْ كان له إمام فقراءته له قراءة )(٧) .

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الفرع « ب ».

(٢) التهذيب ٣ : ٣٥ / ١٢٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٧ / ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢ / ١١٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٧ / ١٦٤٩.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٣ / ١١٩ ، الإستبصار ١ : ٤٢٨ / ١٦٥٤.

(٥) المغني ١ : ٦٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٣ ، المحلّى ٣ : ٢٣٨.

(٦) المغني ١ : ٦٣٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٢ ، حلية العلماء ٢ : ٨٨.

(٧) مصنّف ابن أبي شيبة ١ : ٣٧٦ ، مسند أحمد ٣ : ٣٣٩.

٣٤٤

وقال الشافعي وداود : تجب القراءة(١) ؛ لعموم الأخبار. وأخبارنا أخص.

ح : لا يشرع للمأموم الإِجهار في شي‌ء من الصلوات إجماعاً‌ ، فإن قضى الصلاة في جماعة ، فإن كانت صلاة الظهرين ، أسرّ ، سواء قضاها ليلاً أو نهاراً إجماعاً.

وإن كانت صلاة ليل فقضاها ليلاً جهر ، وإن قضاها نهاراً فكذلك - وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور وابن المنذر(٢) - لأنّ القضاء كالأداء. وهو رواية عن أحمد. وعنه اُخرى : جواز الإِسرار - وهو مذهب الأوزاعي والشافعي - لأنّها صلاة نهار(٣) . وهو ممنوع.

ط : لو كان الإِمام ممّن لا يقتدى به ، وجب أن يقرأ المأموم ولو سرّاً‌ مع نفسه في الجهريّة ؛ للضرورة.

وقال الصادقعليه‌السلام : « تجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس »(٤) .

فإن لم يتمكّن من قراءة السورة ، فالأقوى الاجتزاء بالفاتحة. ولو عجز عن إكمال الفاتحة ، فالوجه : إعادة الصلاة.

مسألة ٦٠٣ : يجب أن يتابع إمامه في أفعال الصلاة‌ ، لقولهعليه‌السلام : ( إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به )(٥) .

وروي عنهعليه‌السلام : ( أما يخشى الله الذي يرفع رأسه والإِمام ساجد‌

____________________

(١) المجموع ٣ : ٣٦٥ ، حلية العلماء ٢ : ٨٨ ، المغني ١ : ٦٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٢.

(٢و٣) المغني ١ : ٦٤٣ ، الشرح الكبير ١ : ٥٧٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٥ / ١٦ ، الفقيه ١ : ٢٦٠ / ١١٨٥ ، التهذيب ٢ : ٩٧ / ٣٦٦ و ٣ : ٣٦ / ١٢٨ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ / ١١٩٧ و ٤٣٠ / ١٦٦٢.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٧٧ و ١٨٧ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٩ - ٣١٠ / ٤١٤ ، سنن الترمذي ٢ : ١٩٤ / ٣٦١ ، سنن النسائي ٢ : ٩٨ بتفاوت يسير.

٣٤٥

أن يحوّل الله رأسه رأس حمار )(١) .

ولأنّه تابع له ، فلا يسبقه. وبه قال الشافعي(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلو رفع رأسه من ركوع أو سجود قبل الإِمام ناسياً ، عاد معه ، وإن كان عامداً أو خَلْف مَنْ لا يقتدى به ، استمر ؛ لأنّ النسيان يسقط معه اعتبار الزيادة.

ولأنّ أبا الحسنعليه‌السلام ، سئل عمّن ركع مع إمام يقتدى به ، ثم رفع رأسه قبل الإِمام ، قال : « يعيد ركوعه »(٣) .

وعن الصادقعليه‌السلام ، في الرجل يرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإِمام رأسه من السجود ، قال : « فليسجد »(٤) .

ولا تُعدّ هذه زيادة في الحقيقة ؛ لأنّ فعل المأموم تابع لفعل الإِمام وهو واحد ، فكذا فعل المأموم.

وهل العود واجب؟ الأقرب : المنع.

أمّا مع العمد : فإنّه يجب عليه الصبر ، ولا يجوز له الرجوع ، وإلّا زاد ركناً ، ولا عذر هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام ، في الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإِمام أيعود يركع إذا أبطأ الإِمام؟ قال : « لا »(٥) .

وكذا لو كان الإِمام ممّن لا يقتدى به ؛ لأنّه كالمنفرد ، فيقع ركوعه وسجوده في محلّه ، فلا يسوغ له العود في العمد والنسيان.

وقال الشافعي : إن ركع قبل إمامه ، رجع إلى القيام حتى يركع مع‌

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٧٧ ، صحيح مسلم ١ : ٣٢٠ / ٤٢٧ ، سنن البيهقي ٢ : ٩٣.

(٢) المجموع ٤ : ٢٣٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٤٧ / ١٦٣ ، الاستبصار ١ : ٤٣٨ / ١٦٨٨ ، والفقيه ١ : ٢٥٨ / ١١٧٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٨ / ١٦٥ ، والفقيه ١ : ٢٥٨ / ١١٧٣.

(٥) التهذيب ٣ : ٤٧ / ١٦٤ ، الاستبصار ١ : ٤٣٨ / ١٦٨٩ ، والكافي ٣ : ٣٨٤ / ١٤.

٣٤٦

إمامه ، فإن ثبت حتى يركع الإِمام ، أجزأه ، فإن رفع قبل إمامه ، عاد إلى الركوع معه ، فإن ثبت قائماً حتى رفع إمامه واعتدل ، جاز ؛ لأنّه خالفه في ركن واحد ، وإن سجد قبل أن يرفع إمامه ، فقد خالفه بركنين ، فإن كان عالماً ، بطلت صلاته ، وإن كان جاهلاً بأنّ هذا لا يجوز ، لم تبطل ، ولم يعتدّ بهذه الركعة(١) .

تذنيب : أطلق الأصحاب الاستمرار مع العمد.

والوجه : التفصيل ، وهو : أنّ المأموم إن سبق إلى ركوع بعد فراغ الإِمام من القراءة ، استمرّ ، وإن كان قبل فراغه ولم يقرأ المأموم ، أو قرأ ومنعناه منها ، أو قُلنا : إنّ المندوب لا يجزئ عن الواجب ، بطلت صلاته ، وإلّا فلا.

وإن كان إلى رفع أو سجود أو قيام عن تشهّد ، فإن كان بعد فعل ما يجب عليه من الذكر ، استمرّ وإن لم يفرغ إمامه منه ، وإن كان قبله ، بطلت وإن كان قد فرغ إمامه.

مسألة ٦٠٤ : لو فرغ المأموم من القراءة قبل الإِمام ، استحب له أن يسبّح ؛ تحصيلاً لفضيلة الذكر ، ولئلّا يقف صامتاً.

ولقول الصادقعليه‌السلام ، لـمّا سأله زرارة : أكون مع الإِمام فأفرغ من القراءة قبله ، قال : « أمسك آية ، ومجّد الله تعالى وأثن عليه ، فإذا فرغ فاقرأ الآية واركع »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحب أن يمسك عن قراءة الآية الأخيرة من السورة إلى أن يفرغ الإِمام ثم يتمّ القراءة ليركع عن قراءة. ولدلالة الحديث عليه.

والظاهر أنّ هذا فيما يخافت الإِمام فيه لا فيما يجهر فيه بالقراءة ، لأنّ‌

____________________

(١) الاُم ١ : ١١٢ ، فتح العزيز ٤ : ٣٩٣ - ٣٩٤ ، المجموع ٤ : ٢٣٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٣ / ١ ، التهذيب ٣ : ٣٨ / ١٣٥ ، المحاسن : ٣٢٦ / ٧٣.

٣٤٧

الإِنصات هناك أفضل من القراءة ، أو أن يكون الإِمام ممّن لا يقتدى به.

مسألة ٦٠٥ : يستحب للإِمام أن يُسمع مَنْ خلفه ، القراءة والتشهّد وذكر الركوع والسجود‌ ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ينبغي للإِمام أن يُسمع مَنْ خلفه كلّ ما يقول ، ولا ينبغي لمن خلفه أن يُسمعه شيئاً ممّا يقول »(١) .

ويستحب للإِمام أن لا يبرح من مكانه حتى يتمّ المسبوق ما فاته ؛ لأنّ إسماعيل بن عبد الخالق سمعه يقول : « لا ينبغي للإِمام أن يقوم إذا صلّى حتى يقضي كلّ مَنْ خلفه ما فاته من الصلاة»(٢) .

ويكره التنفّل بعد الإِقامة ؛ لأنّه وقت القيام إلى الفريضة ، فلا يشغله بغيرها.

مسألة ٦٠٦ : يصحّ أن يكبّر المأموم بعد تكبير الإِمام. وهل يصحّ معه؟ إشكال ينشأ : من تحقّق المتابعة معه أو لا. أمّا لو كبّر قبله ، فإنّه لا يصحّ قطعاً ، ولا بأس بالمساوقة في غير التكبير من الأفعال.

ولو ركع الإِمام ولم يركع المأموم حتى رفع الإِمام رأسه ، لم تبطل صلاته وإن تأخّر عنه بركن كامل ، بخلاف التقدّم ؛ للنهي عن التقدّم ، ولو تأخّر عنه بركنين ، ففي الإِبطال نظر.

إذا عرفت هذا ، فإنّ المأموم يكون مدركاً لتكبيرة الإِحرام بشهود تكبيرة الإِمام والاشتغال عقيبها بعقد الصلاة ، وهو أحد وجوه الشافعيّة ؛ ولهم ثانٍ : بإدراك الركوع الأول ؛ وثالث : بإدراك شي‌ء من القيام الأوّل ؛ ورابع : إن اشتغل بأمر دنياوي ، لم يكن بإدراك الركوع مدركا لها ، وإن اشتغل بطهارة وشبهها ، أدركها بإدراك الركوع(٣) .

____________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٩ / ١٧٠.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٩ / ١٦٩.

(٣) المجموع ٤ : ٢٠٦ - ٢٠٧ ، فتح العزيز ٤ : ٢٩٠.

٣٤٨

٣٤٩

الفصل الثاني : في صلاة السفر‌

وفيه مطالب :

الأول : في القصر ومحلّه‌

مسألة ٦٠٧ : أجمع المسلمون كافّة على جواز القصر في السفر في الرباعية ؛ لقوله تعالى( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) (١) وقصّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في أسفاره حاجّاً وغازياً(٢) .

ولا خلاف بين المسلمين فيه ، حتى لو جحد جاحد جواز القصر في السفر ، كفر.

مسألة ٦٠٨ : محلّ القصر الصلاة والصوم.

أمّا الصلاة ففي الفرائض : الصلوات الرباعية التي هي الظهر والعصر والعشاء خاصّة.

وفي النوافل : نوافل الظهرين ، والوتيرة مع الأداء في السفر ، ولا قصر في غير ذلك إجماعاً.

والقصر في الرباعية بحذف الشطر الأخير ، فيقتصر على الأوّلتين منها ،

____________________

(١) النساء : ١٠١.

(٢) اُنظر على سبيل المثال : سنن أبي داود ٢ : ٩ / ١٢٢٩ و ١٠ / ١٢٣٠ - ١٢٣٣ و ١١ / ١٢٣٥ ، وسنن الترمذي ٢ : ٤٣٠ / ٥٤٥ ، وسنن البيهقي ٣ : ١٣٥ و ١٣٦.

٣٥٠

ولا يجوز النقصان عن ذلك إجماعاً.

وحكي عن عبد الله بن عباس أنّه قال : في سفر الأمن يقصّر إلى ركعتين وفي سفر الخوف يقصّر إلى ركعة(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ غالب أسفار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مع الخوف ولم ينقص عن الركعتين.

ولا مدخل للمغرب والصبح في القصر إجماعاً.

ولأنّه لم ينقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، القصر فيهما.

ولأنّ الصبح شفع في الأصل ، فلو قصّر ، صار وتراً. والمغرب وتر في الأصل ، ولا يمكن تنصيفه ولا ردّه إلى ركعتين ، لئلّا يخرج عن أصالته وهي كونه وتراً ، ولا إلى ركعة ؛ لأدائه إلى ترك الأكثر.

مسألة ٦٠٩ : محلّ التقصير الأداء ، أمّا القضاء فعلى حسب ما فات.

وتحقيقه : أنّه إذا ترك رباعيةً في الحضر ثم ذكرها في الحضر ، قضاها تماماً إجماعاً ، سواء تخلّل السفر بين الوقتين أو لا ؛ لانتفاء العذر وقت استقرارها.

وإن ذكرها في السفر ، فكذلك بغير خلاف نعلمه ، إلّا شيئاً اختلف فيه عن الحسن البصري ، فروى الأشعث عنه : اعتبار حال الفعل. وروى يونس عنه : اعتبار حال الترك(٢) .

وعن المزني : أنّه يقصّر ؛ لأنّه لو ترك صلاة وهو صحيح ثم قضاها مريضاً ، فإنّه يأتي على حسب حاله(٣) .

____________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٤٧٩ / ٦٨٧ ، سنن النسائي ٣ : ١١٩ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٥.

(٢) المجموع ٤ : ٣٧٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢ ، الميزان للشعراني ١ : ١٨٣ ، رحمة الْأُمّة ١ : ٧٦.

(٣) المجموع ٤ : ٣٦٧ و ٣٦٩ و ٣٧٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١١ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٢ ، الميزان للشعراني ١ : ١٨٣ ، رحمة الاُمة ١ : ٧٦.

٣٥١

وهو خطأ ؛ فإنّ الأفعال تترك بالعجز ، والعدد يترك للترخّص.

ولأنّه لو أخّر ، أدّى إلى التغرير بالفريضة ، والإِتمام ممكن في الحال ، وهذه قد تعيّن فعلها عليه أربعاً ، فلا يجوز النقصان ، كما لو لم يسافر أو كانت نذراً.

ولأنّ التقصير منه ، فلا يناسب الرخصة.

وإن تركها في السفر ثم ذكرها في السفر ، فإنه يصلّيها قصراً إجماعاً منّا - وهو أحد قولي الشافعي(١) - لوجود العذر حال الوجوب والفعل ، فأشبه ما لو فعلها في الوقت ، وسواء تخلّل بين هذين السفرين حضر ، أو لا.

وفي الآخر للشافعي : التمام ؛ لأنّ صلاة السفر مقصورة من أربع إلى ركعتين ، فكان من شرطها الوقت ، كالجمعة(٢) .

والفرق : أنّ الجمعة لا تقضى ، ويشترط لها الخطبتان والعدد والاستيطان ، فجاز اشتراط الوقت ، بخلاف صورة النزاع.

وإن ذكرها في الحضر ، وجب أن يقضيها قصراً فيه ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري والحسن البصري وحماد(٣) - لأنّ القضاء معتبر بالأداء ، وإنّما يقضي ما فاته ولم يَفُتْه إلّا الركعتان ، وقالعليه‌السلام : ( مَنْ فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته )(٤) .

وقال الشافعي في القديم : يجوز القصر. وفي الجديد : يجب التمام‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١١١ ، المجموع ٤ : ٣٦٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١١١ ، المجموع ٤ : ٣٦٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٨.

(٣) المدونة الكبرى ١ : ١١٩ ، الشرح الصغير ١ : ١٧٠ ، اللباب ١ : ١٠٩ ، المجموع ٤ : ٣٧٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٢ ، الميزان للشعراني ١ : ١٨٣ ، المغني ٢ : ١٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٢.

(٤) أورده المحقّق في المعتبر : ٢٥٤.

٣٥٢

- وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والمزني وداود - لأنّ القصر رخصة من رخص السفر ، فيسقط بزواله ، كما لو قدم قبل أن يفطر(١) . وسيأتي أنّ القصر عزيمة(٢) .

مسألة ٦١٠ : لو خرج إلى السفر بعد دخول الوقت ، ومضيّ قدر الطهارة والصلاة أربعاً قبل أن يصلّي ، فالأقرب عندي : وجوب الإِتمام‌ - وهو القديم للشافعي ، ورواية عن أحمد(٣) . قال المزني : وهو أولى بأصل الشافعي(٤) - لقول الصادقعليه‌السلام ، لبشير النبّال وقد خرج معه حتى أتيا الشجرة : « يا نبّال » قلت : لبيك ، قال : « إنّه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّى أربعاً غيري وغيرك ، وذلك أنّه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج »(٥) .

ولأنّ الأربع وجبت عليه ، واستقرّت في ذمته ؛ لما بيّنّا من أنّ الفعل واجب في جميع أجزاء الوقت ، ولهذا لو أدركت هذا الوقت ثم حاضت لم يسقط عنها الفرض ، وكذا المغمى عليه.

وقال الشيخرحمه‌الله : يجوز له القصر ، ويستحب الإِتمام ؛ لقوله تعالى( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ) (٦) (٧) . وبه قال مالك والأوزاعي‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١١٠ - ١١١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٩ ، مختصر المزني : ٢٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٢ ، رحمة الاُمة ١ : ٧٦ ، المغني ٢ : ١٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٢.

(٢) يأتي في المسألة ٦١٢.

(٣) المجموع ٤ : ٣٦٩ ، المغني ٢ : ١٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٢.

(٤) مختصر المزني : ٢٤.

(٥) الكافي ٣ : ٤٣٤ / ٣ ، التهذيب ٣ : ١٦١ / ٣٤٩ و ٢٢٤ / ٥٦٣ ، الاستبصار ١ : ٢٤٠ / ٨٥٥.

(٦) النساء : ١٠١.

(٧) الخلاف ١ : ٥٧٧ - ٥٧٨ ، المسألة ٣٣٢.

٣٥٣

والشافعي وأصحاب الرأي(١) .

قال ابن المنذر : أجمع كلّ مَنْ نحفظ عنه من أهل العلم أنّ له قَصْرَها ؛ لأنّه سافر قبل خروج وقتها ، أشبه ما لو سافر قبل وجوبها(٢) .

ولأنّه مؤدٍّ للصلاة ، فوجب أن يؤدّيها بحكم وقت فعلها ، كما لو كان في أول الوقت.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله إسماعيل بن جابر ، قلت : يدخل وقت الصلاة وأنا في أهلي اُريد السفر فلا اُصلّي حتى أخرج ؛ قال : « صلّ وقصّر فإن لم تفعل فقد والله خالفت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٣) .

قال الشيخ : وإذا اختلفت الأخبار حملنا هذه(٤) على الاستحباب ، والْاُولى(٥) على الإِجزاء(٦) .

والجواب : الفرق ظاهر ؛ فإنّ المسافر قبل الوقت لم يجب عليه شي‌ء ، والأداء لما ثبت في الذمة وقد ثبت الأربع بمضيّ وقتها ، فلا اعتبار بالمتجدّد من العذر المسقط للبعض ، كالمسقط للجميع. والرواية محمولة على ما لو خرج قبل مضي الوقت.

وجمع الشيخ ليس بجيّد ؛ لدلالة الْاُولى على وجوب الإِتمام وهذه على وجوب القصر ، فليس وجه الجمع إلّا ما قلناه.

وللشافعيّة وجه آخر : الفرق بين أن يسافر وقد بقي في الوقت سعة ،

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ١١٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١١ ، المجموع ٤ : ٣٦٨ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٩ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٣ ، المغني ٢ : ١٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٢.

(٢) المغني ٢ : ١٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٣ / ١٢٨٨ ، التهذيب ٢ : ١٣ / ٢٩ و ٣ : ١٦٣ / ٣٥٣ و ٢٢٢ / ٥٥٨ ، الاستبصار ١ : ٢٤ / ٨٥٦.

(٤) وهي رواية بشير النبال ، المتقدمة.

(٥) وهي رواية إسماعيل بن جابر.

(٦) الخلاف ١ : ٥٧٨ ، المسألة ٣٣٢.

٣٥٤

وبين أن يبقى قدر أربع ، لأنّه إذا تضيّق الوقت ، تعيّن عليه صلاة الحضر(١) .

فروع :

أ : لو دخل الوقت وهو مسافر ثم حضر قبل أن يصلّي والوقت باقٍ ، وجب عليه الإِتمام‌ - وهو قول واحد للشافعي(٢) - لانتفاء سبب الرخصة.

ولقول الصادقعليه‌السلام ، لإِسماعيل بن جابر وقد سأله يدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في السفر فلا اُصلّي حتى أدخل أهلي : « صلّ وأتمّ »(٣) .

وقال الشيخ : إن بقي مقدار ما يصلّي على التمام ، أتمّ ، وإلّا قصّر.

وكذا قال في الأولى أيضا في المبسوط والنهاية(٤) .

ب : لو سافر وقد بقي من الوقت مقدار ركعة أو ركعتين ، قال الشيخ : فيه خلاف بين أصحابنا‌ ، فمن قال : إنّ الصلاة تكون أداء بإدراك ركعة - وهو الأظهر - أوجب القصر ، لإدراك الوقت مسافرا. ومنهم من يقول : إنّ بعضها أداء والباقي قضاء ، فلا يجوز له القصر ، لأنّه غير مؤدّ لجميع الصلاة في الوقت(٥) .

وللشافعية كالقولين(٦) .

وعلى ما اخترناه نحن يجب الإتمام.

ج : لو سافر وقد بقي من الوقت أقلّ من ركعة ، وجب عليه القضاء تماما‌ إجماعاً ، لفواتها حاضراً.

مسألة ٦١١ : لو سافر أو حضر قبل الصلاة بعد دخول وقتها ثم فاتته ،

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١١١ ، المجموع ٤ : ٣٦٩ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٣.

(٢) المجموع ٤ : ٣٦٩ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٠.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الصفحة ٣٥٣ ، الهامش (٣)

(٤) المبسوط ١ : ١٤١ ، النهاية : ١٢٣.

(٥) الخلاف ١ : ٥٧٩ ، المسألة ٣٣٤.

(٦) المجموع ٤ : ٣٦٩ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٣.

٣٥٥

قضاها تماماً على ما اخترناه من وجوب الإِتمام في الموضعين ، لأنّ القضاء تابع للأداء.

ومَنْ قال : الاعتبار بحال الوجوب فكذلك في الْاُولى ، ويوجب القصر في الثانية. وهو قول المرتضى وابن الجنيد(١) .

وقال بعض علمائنا : الاعتبار في القضاء بحال الفوات لا الوجوب(٢) .

احتج المرتضى بقول الباقرعليه‌السلام وقد سأله زرارة في رجل دخل عليه وقت الصلاة في السفر فأخّر الصلاة حتى قدم فنسي حين قدم أهله أن يصلّيها حتى ذهب وقتها : « يصلّيها ركعتين صلاة المسافر لأنّ الوقت دخل وهو مسافر ، كان ينبغي أن يصلّيها عند ذلك »(٣) .

احتج الآخرون بقولهعليه‌السلام : ( مَنْ فاتته صلاة فليقضها كما فاتته )(٤) .

وقول الباقرعليه‌السلام : « يقضي ما فاته كما فاته إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر »(٥) .

ولا حجّة فيه ؛ لأنّ الفوات تمام ؛ فيجب عليه الأربع.

مسألة ٦١٢ : القصر عزيمة في السفر واجب لا رخصة يجوز تركها عند علمائنا‌ أجمع ، فلو أتمّ عامداً ، بطلت صلاته ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمر ، وحمّاد بن أبي سليمان والثوري وأصحاب الرأي ، إلّا أن حمّاداً أوجب‌

____________________

(١) حكاه عنهما المحقق في المعتبر : ٢٥٤.

(٢) وهو المحقق في المعتبر : ٢٥٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٣ / ٣٠ و ٣ : ١٦٢ / ٣٥١ و ٢٢٥ / ٥٦٧.

(٤) أورده المحقق في المعتبر : ٢٥٤.

(٥) المعتبر : ٢٥٤. وفيه وفي « ش » : وإن كانت صلاة الحضر فليقضها في الحضر صلاة الحضر. وفي الكافي ٣ : ٤٣٥ / ٧ ، والتهذيب ٣ : ١٦٢ / ٣٥٠ مضمراً.

٣٥٦

الإعادة(١) .

وأبو حنيفة قال : إن كان جلس بعد الركعتين قدر التشهّد ، صحّت صلاته ، وإلّا بطلت(٢) .

وقال عمر بن عبد العزيز : الصلاة في السفر ركعتان حتم لا يصلح غيرهما(٣) .

وعن ابن عباس قال : مَنْ صلّى في السفر أربعاً فهو كمن صلّي في الحضر ركعتين(٤) .

لقوله تعالى :( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٥) أوجب القصر(٦) بنفس السفر ، وكلّ مَنْ أوجب الفطر أوجب قصر الصلاة.

ولأنّ عمران بن الحصين قال : حججت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان يصلّي ركعتين حتى ذهب ، وكذا مع أبي بكر وعمر حتى ذهبا(٧) . ولو كان القصر رخصة ، لم يعدل النبيعليه‌السلام عن الأصل إليه.

وعن عائشة : فُرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فاُقرّت صلاة السفر ، وزيد في صلاة الحضر(٨) .

____________________

(١) بدائع الصنائع ١ : ٩١ ، اللباب ١ : ١٠٦ ، المجموع ٤ : ٣٣٧ ، المغني ٢ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٠ ، بداية المجتهد ١ : ١٦٦ ، المحلّى ٤ : ٢٦٤ ، نيل الأوطار ٣ : ٢٤٥.

(٢) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٣٩ ، اللباب ١ : ١٠٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٩٣ ، المجموع ٤ : ٣٣٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٣٠ ، المغني ٢ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٠ - ١٠١ ، المحلّى ٤ : ٢٦٤.

(٣) المغني ٢ : ١٠٨ - ١٠٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠١.

(٤) المغني ٢ : ١٠٩.

(٥) البقرة : ١٨٤.

(٦) أي : القصر في الصوم.

(٧) سنن الترمذي ٢ : ٤٣٠ / ٥٤٥ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٥ - ١٣٦.

(٨) صحيح البخاري ٢ : ٥٥ ، صحيح مسلم ١ : ٤٧٨ / ٦٨٥ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٥ و ١٣٦.

٣٥٧

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء إلّا المغرب ثلاث »(١) .

وقول الباقرعليه‌السلام ، والصادقعليه‌السلام : « الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء»(٢) .

وسأل الحلبي ، الصادقعليه‌السلام : صلّيت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر ، قال : « أعد »(٣) .

ولأنّ الْاُخريين يجوز تركهما إلى غير بدل ، فلم تجز زيادتهما على الركعتين المفروضتين ، كما لو زادهما على صلاة الفجر.

وقال الأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأحمد ، والمشهور عن مالك : إنّ القصر رخصة وليس عزيمة ، وهو مخيّر إن شاء قصّر ، وإن شاء أتمّ - وهو مروي عن عثمان وابن مسعود وسعد بن أبي وقّاص وعائشة - لأنّ عائشة قالت : خرجت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في عمرة رمضان ، فأفطر وصُمْتُ ، وقصَّر وأتْممتُ ، فقلت : بأبي أنت واُمّي يا رسول الله أفطرتَ وصُمْتُ ، وقصَّرتَ وأَتْممتُ ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أحسنت )(٤) .

ولأنّه لو صلّى خلف مقيم صلّى أربعاً ، فالركعتان لا تزيد بالإِتمام(٥) .

ولا حجّة في فعل عائشة ؛ لجواز جهلها بالقصر ، ولأنّها لو أحسنت بالتمام ، لم يكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مُحسناً بالقصر؟! وهو باطل‌

____________________

(١) التهذيب ٢ : ١٣ / ٣١ ، الاستبصار ١ : ٢٢٠ / ٧٧٨.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤ / ٣٤ ، والمحاسن ٣٧١ / ١٢٨ وفيه عن الامام الباقرعليه‌السلام .

(٣) التهذيب ٢ : ١٤ / ٣٣.

(٤) سنن النسائي ٣ : ١٢٢ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٨٨ / ٣٩ ، سنن البيهقي ٣ : ١٤٢.

(٥) المجموع ٤ : ٣٣٥ و ٣٣٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٢٩ ، المغني ٢ : ١٠٨ - ١٠٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٠ - ١٠١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢٣٩ ، بدائع الصنائع ١ : ٩١.

٣٥٨

بالإِجماع. والنقض لا يرد علينا.

إذا عرفت هذا ، فاختلف القائلون بالتخيير أيّهما أفضل؟

فللشافعي قولان : أحدهما : أنّ القصر أفضل - وبه قال مالك وأحمد - لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( خيار عباد الله تعالى الذين إذا سافروا قصّروا ).

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يداوم على القصر ، ولا يداوم إلّا على الأفضل.

ولأنّه إذا قصّر ، أدّى الصلاة بالإِجماع ، وفي إجزاء التمام خلاف(١) .

والثاني : الإِتمام أفضل - وهو اختيار المزني - لأنّه الأصل ، والقصر رخصة ، والأصل أولى. ولأنّه أكثر عملاً(٢) .

مسألة ٦١٣ : لا يتغيّر فرض المسافر بالائتمام بالمقيم عند علمائنا‌ أجمع ، فلو ائتمّ بمقيم ، صلّى فرضه ركعتين وسلّم ، وحرم عليه الإِتمام ، سواء كان قد أدرك أول الصلاة أو آخرها.

وقال طاوس والشعبي وإسحاق بن راهويه : يجوز له أن يقصّر ، ولا يجب عليه الإِتمام(٣) .

لأنّ فرضه القصر ، فلا تجوز الزيادة ، كما لو صلّى الصبح خلف مَنْ يصلّي الظهر.

ولأنّه مأموم ، فلا يتغيّر عدد فرضه بمجرّد الإِمامة ، كما لو ائتمّ المقيم بالمسافر.

____________________

(١) المجموع ٤ : ٣٣٦ و ٣٣٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٦٦ ، المغني ٢ : ١١١ - ١١٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٠.

(٢) المجموع ٤ : ٣٣٦ ، المغني ٢ : ١١٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٠.

(٣) المجموع ٤ : ٣٥٧ - ٣٥٨ ، المغني ٢ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٣.

٣٥٩

ولقول الصادقعليه‌السلام ، في المسافر : « يصلّي خلف المقيم ركعتين ويمضي حيث شاء »(١) .

وسئلعليه‌السلام ، عن المسافر إذا دخل في الصلاة مع المقيمين قال : « فليصلّ صلاته ثم يسلّم ، وليجعل الأخيرتين سُبحة »(٢) .

وقال الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي : يجب على المأموم الائتمام متابعةً لإِمامه ، وهو مروي عن عمر ، وابن عباس ، لأنّ ابن عباس سئل ما بال المسافر يصلّي ركعتين في حال الانفراد وأربعاً إذا ائتمّ بمقيم؟ فقال : تلك السنّة.

ولأنّها صلاة مردودة من الأربع ، فلا يصلّيها خلف مَنْ يصلّي الأربع كالجمعة(٣) .

وقول ابن عباس وعمر ليس حجةً.

ونمنع المشترك بأنّ صلاة السفر فرض بانفرادها ، وبالفرق ، فإنّ الإِمام شرط في الجمعة ، فيجب أن يكون من أهلها.

وقال الحسن والنخعي والزهري وقتادة ومالك : إن أدرك ركعةً أتمّ ، وإن أدرك دونها قصّر ، لقولهعليه‌السلام : ( مَنْ أدرك من الصلاة ركعةً فقد أدرك الصلاة )(٤) .

ولأنّ مَنْ أدرك من الجمعة ركعةً أتمّها جمعةً ، ومن أدرك أقلّ من ذلك ،

____________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٩ / ١ ، التهذيب ٣ : ١٦٥ / ٣٥٧ ، الاستبصار ١ : ٤٢٥ / ١٦٤١.

(٢) التهذيب ٣ : ١٦٥ / ٣٥٦ و ٢٢٧ / ٥٧٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٥ / ١٦٤٠.

(٣) المجموع ٤ : ٣٥٦ و ٣٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢٤٧ - ٢٤٨ ، بدائع الصنائع ١ : ١٠٢ ، المغني ٢ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٣.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٥١ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٣ / ٦٠٧ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٠٢ / ٥٢٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٥٦ / ١١٢٢.

٣٦٠