تذكرة الفقهاء الجزء ٤

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473
المشاهدات: 205652
تحميل: 6407


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 205652 / تحميل: 6407
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-5503-44-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ونمنع عدم القصر في الحضر على ما سيأتي(١) .

سلّمنا ، لكن قد يكون في الحضر ركعتان كالفجر وصلاة الجمعة ، والمغرب ثلاث يجوز فعلها في الخوف في السفر إجماعاً.

وتَرْكُ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعلها في الحضر ؛ لغناه عن فعلها فيه.

مسألة ٦٥٣ : وهي مقصورة في السفر إجماعاً‌ في عدد الرباعية إلى ركعتين خاصة ، عند علمائنا أجمع - وهو قول الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد وأكثر العلماء(٢) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صلّى يوم ذات الرقاع بكلّ طائفة ركعتين(٣) . والمراد أنّها صلّت ركعتين في حكم صلاته ولأنّ الإِمام والمأموم على صفة واحدة ، فيجب أن يستوي حكمهما.

وحكي عن ابن عباس أنّه قال : صلاة الخوف لكلّ طائفة ركعة ، وللإمام ركعتان ، وبه قال الحسن البصري وطاوس ومجاهد(٤) ، لقوله تعالى( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ ) (٥) يعني تجاه القبلة.

أخبر أنّهم يصلّون قياماً وسجوداً ، فقد ثبت أنّهم إنّما يصلّون ركعة واحدة.

ثم قال( وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ) (٦) يعني‌

____________________

(١) يأتي في المسألة ٦٥٤.

(٢) الاُم ١ : ٢١٠ ، الميزان للشعراني ١ : ١٨٤ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٤٣ ، شرح فتح القدير ٢ : ٦٢ ، المدونة الكبرى ١ : ١٦١ ، المغني ٢ : ٢٥٢.

(٣) صحيح البخاري ٥ : ١٤٧ ، صحيح مسلم ١ : ٥٧٦ / ٨٤٣ ، سنن النسائي ٣ : ١٧١.

(٤) المجموع ٤ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٨ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٤٣ ، الكفاية ٢ : ٦٤ - ٦٥.

(٥ و ٦ ) النساء ١٠٢.

٤٢١

يصلّون صلاتهم معك ، والذي بقي عليه ركعةٌ.

وهي محمولة على أنّ المراد بقوله( فَإِذا سَجَدُوا ) وفعلوا الركعة الْاُخرى ، وعبّر عنها بالسجود.

مسألة ٦٥٤ : المشهور عند علمائنا : أنّ صلاة الخوف مقصورة في الحضر كالسفر‌ ، سواء صلّيت جماعة أو فرادى - وشرط بعضهم(١) في القصر الجماعة - للآية ، فإنّها دلّت على أنّه يصلّى بكلّ طائفة ركعة.

ولقوله تعالى( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ ) (٢) وليس المراد بالضرب سفر القصر ، وإلّا لكان اشتراط الخوف لغواً.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صلّى صلاة الخوف في المواضع التي صلّاها ركعتين(٣) ، ولم يُرْوَ عنه أنّه صلّى اربعاً في موضع من المواضع.

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام ، وقد سأله زرارة عن صلاة الخوف وصلاة السفر تقصّران؟ قال : « نعم وصلاة الخوف أحقّ أن تقصّر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه »(٤) ولم يشترط الجماعة.

ولأنّ المشقّة بالإتمام أكثر من المشقّة في السفر ، فكان الترخّص فيه أولى.

وقال بعض علمائنا : إنّما يقصّر العدد في السفر لا في الحضر ، بل يصلّي أربعاً جماعة وفرادى(٥) - وعليه الجمهور كافة - لثبوت الأربع في الذمة ،

____________________

(١) الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٦٥.

(٢) النساء : ١٠١.

(٣) اُنظر : سنن الدار قطني ٢ : ٥٨ / ٢ و ٥ - ٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٥٧ ، الموطأ ١ : ١٨٣ / ١ - ٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٥٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٩٤ / ١٣٤٢ ، التهذيب ٣ : ٣٠٢ / ٩٢١.

(٥) حكاه عن بعض الأصحاب أيضاً الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٦٣ ، وابن إدريس في السرائر : ٧٨ ، والمحقق في المعتبر : ٢٤٨.

٤٢٢

ولم يحصل الشرط الذي هو السفر ، وغيره لم يثبت له حكم الإِسقاط.

وقد دلّلنا على ثبوت المسقط.

مسألة ٦٥٥ : ولها أربع صور :

الْاُولى : صلاة ذات الرقاع : وهي أن يلتحم القتال ويحتمل الحال اشتغال بعضهم بالصلاة ، فيفرّقهم الإِمام فرقتين لينحاز(١) بطائفة إلى حيث لا تبلغهم سهام العدوّ ، فيصلّي بهم ركعة ، فإذا قام إلى الثانية ، انفردوا واجباً وأتمّوا ، والْاُخرى تحرسهم ، ثم تأخذ الْاُولى مكان الثانية وتنحاز الثانية إلى الإِمام وهو ينتظرهم فيقتدون به في الثانية ، فإذا جلس للتشهّد في الثانية ، قاموا فأتمّوا ولحقوا به ، وسلّم بهم ، فيحصل للطائفة الْاُولى تكبيرة الافتتاح وللثانية التسليم ، وبه قال مالك وداود وأحمد والشافعي(٢) .

لما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه صلّى يوم ذات الرقاع صلاة الخوف فصفّت طائفة معه ، وطائفة تجاه العدوّ ، فصلّى بالتي معه ركعة ، ثم ثبت قائماً وأتمّوا لأنفسهم ، ثم انصرفوا وصفّوا تجاه العدوّ ، وجاءت الطائفة الْاُخرى ، فصلّى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ، ثم ثبت جالساً ، وأتمّوا لأنفسهم ثم سلّم بهم(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام ، وقد سأله الحلبي عن صلاة الخوف : « يقوم الإِمام وتجي‌ء طائفة من أصحابه فيقومون خلفه ، وطائفة‌

____________________

(١) انحاز القوم : تركوا مكاناً ومالوا إلى موضع آخر. العين - للخليل - ٣ : ٢٧٥ « حيز » ولسان العرب ٥ : ٣٤٠ « حوز ».

(٢) الوجيز ١ : ٦٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٨ - ٩٩ ، السراج الوهاج : ٩٢ ، المدونة الكبرى ١ : ١٦٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٧٢ - ٧٣ ، التفريع ١ : ٢٣٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٢٩ - ١٣٠.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٥٧٥ / ٨٤٢ ، الموطأ ١ : ١٨٣ / ١ ، سنن أبي داود ٢ : ١٣ / ١٢٣٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٥٣.

٤٢٣

بإزاء العدوّ فيصلّي بهم الإِمام ركعة ، ثم يقوم ويقومون معه فيمثل قائماً ، ويصلّون هم الركعة الثانية ، ثم يسلّم بعضهم على بعض ، ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم ويجي‌ء الآخرون فيقومون خلف الامام فيصلي بهم الركعة الثانية ، ثم يجلس الامام ويقومون هم فيصلّون ركعة اُخرى ثم يسلّم عليهم فينصرفون بتسليمه »(١) .

وقال ابن أبي ليلى كقولنا ، إلّا أنه قال : يحرم بالطائفتين معاً ، ثم يصلّي بإحداهما على ما قلناه(٢) .

وقال أبو حنيفة : يصلّي بإحدى الطائفتين ركعة ثم تنصرف إلى وجه العدوّ وهي في الصلاة ، ثم تأتي الطائفة الْاُخرى إلى الإِمام فيصلّي بها الركعة الْاُخرى ثم يسلّم ، ثم ترجع هذه الطائفة إلى وجه العدوّ وهي في الصلاة ، ثم تأتي الطائفة الْاُولى إلى موضع الصلاة مع الإِمام ، فتصلّي ركعة منفردة وهي في الصلاة ، ولا تقرأ فيها ، لأنّها في حكم الائتمام ، ثم تنصرف إلى وجه العدوّ ، ثم تأتي الطائفة الْاُخرى إلى موضع الإِمام ، فتصلّي الركعة الثانية منفردة ، وتقرأ فيها ، لأنّها فارقت الإِمام بعد فراغه من الصلاة ، فحكمها حكم المنفرد ، لأنّ عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر رويا ذلك(٣) .

قال : وهو أولى ممّا ذهبتم إليه ، لأنّكم تجوّزون للمأمومين مفارقة الإِمام قبل فراغه من الصلاة وهم الطائفة الْاُولى ، وتجوّزون للثانية المخالفة في الأفعال ، فيكون جالساً وهُمْ قُيّام يأتون بركعة وهُمْ في إمامته(٤) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٥ / ١ ، التهذيب ٣ : ١٧١ - ١٧٢ / ٣٧٩.

(٢) بدائع الصنائع ١ : ٢٤٤ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٤٦ ، وحكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٦٣٩ ، المسألة ٤١٠.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٥ و ١٦ / ١٢٤٣ و ١٢٤٤.

(٤) اللباب ١ : ١٢٣ - ١٢٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٩ ، المجموع ٤ : ٤٠٩ ، المغني ٢ : ٢٥٤ - ٢٥٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢١٠.

٤٢٤

وما قلناه أشبه بالكتاب ، وأحوط للصلاة ، وأولى للحرب ، لأنّ قوله :( فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ ) (١) يقتضي أن يسجدوا بعد صلاتهم معه ، وذلك هو الركعة الْاُخرى.

وقوله( وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ) (٢) يقتضي أنّ جميع صلاتها معه ، وعنده تصلّي معه ركعة ، وعندنا جميع صلاتها معه إحدى الركعتين توافقه في أفعاله وقيامه ، والثانية تأتي بها قبل سلامه ، ثم تسلّم معه.

ومن مفهوم قوله( لَمْ يُصَلُّوا ) أنّ الطائفة الْاُولى قد صلّت جميع صلاتها ، وعلى قولهم لم تصلّ إلّا بعضها.

وأمّا الاحتياط للصلاة : فإنّ كل طائفة تأتي بصلاتها متواليةً بعضها يوافق الإِمام فيها فعلاً ، وبعضها يفارقه ، وتأتي به وحدها كالمسبوق ، وعنده تنصرف في الصلاة ، فإمّا أن تمشي وإمّا أن تركب. وهذا عمل كثير ، وتستدبر القبلة.

وهو ينافي الصلاة ، وتفرّق بين الركعتين تفريقاً كثيراً بما ينافيها.

ثم جعلوا الطائفة الاُولى مؤتمّة بالإِمام بعد سلامه. ولا يجوز أن يكون المأموم مأموماً في ركعة يأتي بها بعد سلام إمامه.

وأمّا الأولوية للحرب : فإنّه يتمكّن من الضرب والطعن وإعلام غيره بما يراه ممّا خفي عليه من أمر العدوّ ، وتحذيره ، وإعلام الذين مع الإِمام بما يحدث ، ولا يمكن على قولهم ذلك.

ولأنّ مبنى صلاة الخوف على التخفيف ، لأنّهم في موضع الحاجة إليه.

وعلى قولهم تطول الصلاة أضعاف حال الأمن ، لأنّ كلّ طائفة تحتاج إلى المضيّ إلى مكان الصلاة ، والرجوع إلى لقاء العدوّ ، وانتظار مضيّ‌

____________________

(١ و ٢ ) النساء : ١٠٢.

٤٢٥

الطائفة الْاُخرى ورجوعها ، فإن كان بين المكانين نصف ميل ، احتاجت كلّ طائفة إلى مشي ميل ، وانتظار الْاُخرى قدر مشي ميل وهي في الصلاة ، ثم تحتاج إلى تكليف الرجوع إلى موضع الصلاة لإِتمام الصلاة من غير حاجة إليه ، ولا مصلحة تتعلّق به ، فلو احتاج الآمن إلى هذه الكلفة في الجماعة ، سقطت ، فكيف يكلّف الخائف وهو في مظنّة التخفيف والحاجة إلى الرفق!؟

ومفارقة الإِمام لعذر جائزة ، ولا بدّ منها على القولين ، فإنّهم جوّزوا للطائفة الْاُولى مفارقة الإِمام والذهاب إلى وجه العدوّ ، وهذا أعظم ممّا ذكرناه ، فإنّه لا نظير له في الشرع ، ولا يوجد مثله في موضع آخر.

إذا عرفت هذا ، فإن صلّى بهم كمذهب أبي حنيفة ، لم يجز ، لما فيه من الفعل الكثير.

وقال أحمد وابن جرير وبعض الشافعية : يجوز ، لكن يكون قد ترك الأولى(١) .

مسألة ٦٥٦ : يشترط في صلاة ذات الرقاع اُمور أربعة :

الأول : كون الخصم في غير جهة القبلة بحيث لا يتمكّن من الصلاة حتى يستدبر القبلة ، أو تكون عن يمينه أو شماله ، أو الحيلولة بينهم وبين المسلمين بما يمنع من رؤيتهم لو هجموا - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فَعَلها على هذه الصورة(٣) ، فتجب متابعته.

وقال أحمد : لا يشترط ، لأنّ العدوّ قد يكون في جهة القبلة على وجه لا يمكن أن يصلّي بهم صلاة عسفان ، لانتشارهم أو استتارهم أو الخوف من كمين(٤) .

____________________

(١) المجموع ٤ : ٤٠٨ - ٤٠٩ ، المغني ٢ : ٢٥٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢١١.

(٢) المجموع ٤ : ٤٠٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٨ ، السراج الوهاج : ٩٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٩.

(٣) سنن النسائي ٣ : ١٧١ ، الموطأ ١ : ١٨٣ / ٢ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٠ / ١١.

(٤) المغني ٢ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٢٩.

٤٢٦

والجواب : ليست الصلاة منحصرةً في هذه وصلاة عسفان ، فجاز أن يصلّوا منفردين.

ولو قيل بالجواز ، كان وجهاً ، لعدم المانع منه. وفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقع اتّفاقاً ، لا أنّه كان شرطاً.

الثاني : كون الخصم قويّاً بحيث يخاف هجومه على المسلمين متى اشتغلوا بالصلاة ، وإلّا لانتفى الخوف الذي هو مناط هذه الصلاة.

الثالث : أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم أن يفترقوا فرقتين تقاوم كلّ فرقة العدوّ ، وإلّا لم تتحقّق هذه الصلاة.

الرابع : عدم الاحتياج إلى زيادة التفريق على فرقتين ، وإلّا لحصل لكلّ فرقة أقلّ من ركعة ، فلا يتحقّق الائتمام.

وهذه الصلاة تخالف غيرها في انفراد المؤتمّ واجباً وانتظار الإِمام إتمام المأموم وائتمام القائم بالقاعد.

مسألة ٦٥٧ : يستحب للإِمام أن يخفّف القراءة في الْاُولى ، للحاجة إليه ، لما هُمْ به من حمل السلاح. وكذا يخفّف في كلّ فعل لا يفتقر فيه إلى الانتظار. وكذا الطائفة التي تفارقه وتصلّي لنفسها تخفّف في قراءتها ، وإذا قام الإِمام إلى الثانية ، تابعته الطائفة الْاُولى ، فإذا انتصبوا ، نووا مفارقته ، لأنّهم لا فائدة لهم في مفارقته قبل ذلك ، لاشتراكهم في النهوض ، ولأنّ الرفع من السجدة الثانية من الركعة الْاُولى. ولو فارقوه بعد الرفع من السجود الثاني ، جاز. وإذا انفردوا ، بقي الإِمام قائماً ينتظرهم حتى يسلّموا وحتى تأتي الطائفة الثانية تدخل معه.

وهل يقرأ الإِمام في انتظاره؟ الأقرب : ذلك ، لأنّه قيام للقراءة ، فيجب أن يأتي بها فيه ، فيطوّل حينئذٍ القراءة حتى تفرغ الطائفة الْاُولى ، وتلتحق به الثانية ، وهو أحد قولي الشافعي ، وأحمد. وفي الثاني : لا يقرأ بل يسكت ، أو يأتي بأيّ ذكر شاء ، لأنّه قد قرأ بالطائفة الْاُولى ، فينبغي أن يؤخّر القراءة في‌

٤٢٧

الثانية ليقرأ بالطائفة الثانية ، لتحصل التسوية بينهما في القراءة(١) . وهو ينافي التخفيف.

فإذا جاءت الطائفة الثانية ، فإن كان قد فرغ من قراءته ، ركع بهم ، ولا يحتاج إلى أن يقرأوا شيئاً ، لأنّ قراءة المأموم عند أكثر علمائنا منهي عنها إمّا نهي تحريم أو كراهة(٢) .

وقال الشافعي على الأول : يقرأ بقدر الفاتحة ليقرأوا بها خلفه(٣) .

ولو قرأ قبل مجيئهم ثم ركع عند مجيئهم أو قبله فأدركوه راكعاً ، ركعوا معه ، وصحّت لهم الركعة مع تركه السنّة ، ولو أدركوه بعد رفعه ، فاتتهم الصلاة.

مسألة ٦٥٨ : إذا صلّى الثانية بالفرقة الثانية ، جلس للتشهّد ، ويقومون هُم إلى الثانية لهم ، ويُطوّل الإِمام في تشهّده بالدعاء حتى يدركوه ويتشهّدوا معه ، ثم يسلّم بهم - وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي وأحمد(٤) - لأنّها تعود إليه لتسلّم معه ، فلا فائدة في تطويله عليها بالجلوس معه. مع أنّ هذه الصلاة مبينة على التخفيف.

والقول الآخر للشافعي : إنّها تتشهّد معه ، ثم تقوم إلى الثانية ، فإذا صلّوها ، سلّم بهم ، لأنّ المسبوق لا يفارق الإِمام إلّا بعد سلامه(٥) .

____________________

(١) المجموع ٤ : ٤١١ ، الوجيز ١ : ٦٧ ، السراج الوهاج : ٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٣٠ ، الإِنصاف ٢ : ٣٥٠ ، المغني ٢ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٩.

(٢) منهم من ذهب إلى حرمة القراءة كالشيخ المفيد والشيخ الطوسي كما في المعتبر : ٢٣٩ ، والمبسوط ١ : ١٥٨ ، والنهاية : ١١٣.

ومنهم من ذهب إلى كراهة القراءة كسلّار في المراسم : ٨٧.

(٣) المجموع ٤ : ٤١١ ، فتح العزيز ٤ : ٦٣٧ ، وفيهما : لينالوا فضيلة القراءة.

(٤) المجموع ٤ : ٤١٢ ، الوجيز ١ : ٦٧ ، فتح العزيز ٤ : ٦٣٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٩ ، المغني ٢ : ٢٥٤ ، الشرح الكبير ٢ : ١٣١.

(٥) المجموع ٤ : ٤١٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٩.

٤٢٨

ونقول بموجبه ، لكن التشهّد وقع في غير موقعه ، فلا يجوز.

وقال مالك : تتشهّد معه ، فإذا سلّم الإِمام ، قامت الطائفة الثانية فقضوا ما فاتهم ، كالمسبوق(١) .

وتُبْطله رواية سهل بن أبي حثمة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سلّم بالطائفة الثانية(٢) .

على أنّ لنا روايةً عن الصادقعليه‌السلام - في طريقها ضعف - كقول مالك.

قال : « وجاء أصحابهم ، فقاموا خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصلّى بهم ركعة ، ثم تشهّد وسلّم عليهم ، فقاموا فصلّوا لأنفسهم ركعة ، وسلّم بعضهم على بعض »(٣) .

ولو فعلوه جاز ، لكن لا يتشهّدون ، بل إذا سلّم الإِمام ، قاموا فأتمّوا ركعة اُخرى وتشهّدوا وسلّموا.

إذا ثبت هذا ، فإنّها لا تنوي الانفراد حال قيامها إلى الثانية ، فإن نؤته ، ففي جواز نيّة الاقتداء بعده للتسليم وجهان.

مسألة ٦٥٩ : للإِمام انتظارٌ للطائفة الْاُولى في الركعة الثانية حتى تفرغ ، وانتظار آخر فيها للطائفة الثانية حتى تأتي وتحرم معه‌ ، كلاهما في حكم انتظار واحد ، لاتّصاله.

وله انتظار آخر للطائفة الثانية حال تشهّده حتى تتمّ الصلاة.

وقد قلنا : إنّه يطوّل تشهّده ولا يقعد ساكتاً.

وللشافعية وجهان ، أحدهما : أنّ في ذلك قولين ، كما تقدّم في انتظار‌

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ١٦١ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٢٤ ، الشرح الصغير ١ : ١٨٥ - ١٨٦ ، المغني ٢ : ٢٥٤ ، الشرح الكبير ٢ : ١٣١ ، حلية العلماء ٢ : ٢١٠.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٥٧٥ / ٨٤١ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢ / ١٢٣٧ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٥٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٦ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٧٢ / ٣٨٠ ، والفقيه ١ : ٢٩٣ / ١٣٣٧.

٤٢٩

القراءة.

والثاني : أنّه يتشهّد قولاً واحداً ، لأنّ الطائفة الْاُولى قرأ بها ، فينبغي أن ينتظر الثانية ليقرأ بها ، بخلاف التشهّد ، فإنّه لم يتشهّد بالْأُولى ، فلا ينتظر الثانية بالتشهّد(١) .

إذا ثبت أنّه يتشهّد ، فإنّه ينتظر الثانية بتطويل الدعاء حتى تتمّ الصلاة ، ويتشهّد خفيفاً ، ثم يسلّم بهم.

مسألة ٦٦٠ : لو انتظر الإِمام الطائفة الثانية بعد رفعه من السجود الأخير من الركعة الْاُولى جالساً ، فإن كان لعذر كمرض أو ضعف ، جاز.

وإن كان قادراً على القيام إلى الثانية وتَرَكه عمداً إلى مجي‌ء الثانية ، قال الشيخ : بطلت صلاته ، ولم تبطل صلاة الْاُولى ، لأنّها فارقته حين رفع الرأس. وأمّا الثانية ، فإن علمت أنّ ذلك يبطل صلاته وتابعته ، بطلت صلاتها أيضاً. وإن اعتقدت عذراً ، أو جوّزت ذلك ، لم تبطل صلاتها ، لأنّ الظاهر من حاله العذر.

وإن فعل ذلك سهواً ، لحقه حكم سهوه ، دون الطائفة الْاُولى ، لأنّها برفع الرأس قد فارقته(٢) .

وعندي في بطلان الصلاة ، بذلك نظر.

مسألة ٦٦١ : وإن كانت صلاة المغرب ، تخيّر الإِمام‌ إن شاء صلّى بالاُولى ركعة وبالثانية ركعتين ، وإن شاء بالعكس ، لأنّ علياعليه‌السلام

____________________

(١) المجموع ٤ : ٤١٢ ، الوجيز ١ : ٦٧ ، فتح العزيز ٤ : ٦٣٧.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٦٤.

٤٣٠

صلّى ليلة الهرير(١) بالطائفة الْاُولى ركعة وبالثانية ركعتين(٢) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « وفي المغرب مثل ذلك يقوم الإِمام وتجي‌ء طائفة فيقومون خلفه ، ويصلّي بهم ركعة يقوم ويقومون فيمثل الإمام قائما ويصلّون الركعتين ويتشهّدون ويسلّم بعضهم على بعض ثم ينصرفون ، فيقومون في موقف أصحابهم ، ويجي‌ء الآخرون فيقومون في موقف أصحابهم وخلف الإمام ، فيصلّي بهم ركعة يقرأ فيها ثم يجلس ويتشهّد ويقوم ويقومون معه فيصلّي بهم ركعة اُخرى ثم يجلس ويقومون هم فيصلّون ركعة اُخرى ثم يسلّم عليهم »(٣) .

واختلف في الأولوية ، فقال مالك وأحمد والأوزاعي وسفيان والشافعي في أصح القولين : الأولى أن يصلّي بالْاُولى ركعتين ، لئلّا يكلّف الثانية زيادة جلوس(٤) .

وهي مبنيّة على التخفيف.

والثاني للشافعي : الأولى العكس ، لأنّ علياًعليه‌السلام فعلها. ولأنّ الْاُولى أدركت معه فضيلة الإِحرام والتقدّم ، فينبغي أن تزيد الثانية في الركعات‌

____________________

(١) ليلة الهرير : كانت في وقعة صفين التي دارت رحاها سنة سبع وثلاثين من الهجرة بين أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ومعاوية.

وإنّما سمّيت بليلة الهرير لكثرة أصوات الناس فيها للقتال.

وقيل : لاضطراب معاوية وفزعه كالكلب عند شدّة الحرب واستيلاء أهل العراق.

وكان عليعليه‌السلام كلّما قتل فارساً أعلن بالتكبير فاُحصيت تكبيراته تلك الليلة فكانت خمسمائة وثلاثاً وعشرين تكبيرة.

وقعة صفين : ٤٧٥ ، كشف الغمة ١ : ٢٥٢ - ٢٥٣ ، الكامل لابن الأثير ٣ : ٢٨٩ ، ومرآة العقول ١٥ : ٤٢٧.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٢٦٢ ، والشرح الكبير ٢ : ١٣٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٥ - ٤٥٦ - ١ ، التهذيب ٣ : ١٧١ / ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ٤٥٥ / ١٧٦٦.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ١٦٠ - ١٦١ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٢٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٧٣ ، المغني ٢ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٣٣ ، فتح العزيز ٤ : ٦٣٨ ، المجموع ٤ : ٤١٥.

٤٣١

ليجبر نقصهم ، وتساوي الْاُولى(١) .

مسألة ٦٦٢ : إذا صلّى بالْاُولى ركعتين ، جاز أن ينتظر الثانية في التشهّد الأول وفي القيام الثالث.

فقيل : الأول أولى ، ليدركوا معه ركعة من أولها(٢) .

وقيل : الثاني ، لأنّ القيام مبنيّ على التطويل ، والجلسة الْاُولى على التخفيف(٣) .

فإن انتظرهم في القيام ، فالأولى أن تفارقه الْاُولى عند الانتصاب.

وإذا صلّى بالثانية الثالثة وجلس للتشهّد ، قامت الطائفة ولا تتشهّد ، لأنّه ليس بموضع تشهّدها.

إذا عرفت هذا ، فإن صلّى بالْاُولى ركعتين ، تشهّد طويلاً ثم أتمّت الْاُولى صلاتها وسلَّمت ، وقامت وجاءت الثانية فنهض الإِمام وصلّى بهم الثالثة له وهي اُولاهم ، وإن شاء تشهّد خفيفاً وقام إلى الثالثة ، وقامت الْاُولى وطوّل في القراءة حتى تُتم الْاُولى وتأتي الثانية.

وعلى التقديرين إذا صلّى الثالثة وجلس للتشهّد ، لا تجلس الطائفة ، بل تقوم فتصلّي ركعة ثم تتشهّد خفيفاً ثم تقوم إلى الثالثة ثم تتشهّد خفيفاً ويسلّم بهم الإِمام.

وإن صلّى بالْاُولى ركعةً ، قام إلى الثانية وطوّل قراءتها ونوت الْاُولى مفارقته حال انتصابها وخفّفت وصلّت الثانية وتشهّدت خفيفاً وقامت إلى الثالثة وتشهّدت خفيفاً وسلّمت.

ثم جاءت الطائفة الثانية فدخلت معه في ثانيته ، فإذا جلس للتشهّد الأول ، جلسوا معه يذكرون الله تعالى من غير تشهّد ، فإذا قام إلى الثالثة ،

____________________

(١) المجموع ٤ : ٤١٥ ، فتح العزيز ٤ : ٦٣٨ ، المغني ٢ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٣٣.

(٢ و ٣) فتح العزيز ٤ : ٦٣٨ ، المجموع ٤ : ٤١٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢١٢.

٤٣٢

قاموا معه ، فإذا جلس للتشهّد الثاني ، جلسوا وتشهّدوا خفيفاً(١) ، وطوّل إلى أن يتمّوا ، ثم يتشهّدون خفيفاً ويسلّم بهم.

الصورة الثانية (٢) : صلاة عُسفان - وعُسفان قرية جامعة على اثني عشر فرسخاً من مكة - بأن يقوم الإِمام ويصفّ المسلمين صفّين وراءه ، ويُحرم بهم جميعاً ، ويركع بهم ، ويسجد بالْاُولى خاصة وتقوم الثانية للحراسة.

فإذا قام الإِمام بالْاُولى ، سجد الصف الثاني ، ثم ينتقل كلٌّ من الصفين مكان صاحبه ، فيركع الإِمام بهما ، ثم يسجد بالذي يليه ويقوم الثاني الذي كان أوّلاً لحراستهم ، فإذا جلس بهم ، سجدوا وسلّم بهم جميعاً.

لأنّ أبا عياش الزرقي قال : كنّا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بعسفان ، فصلّى بنا الظهر ، فقال المشركون : لقد أصبنا غرة ، لقد أصبنا غفلة ، لو كنّا حملنا عليهم وهُمْ في الصلاة ، فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر. فقال بعضهم : إنّ بين ايديهم صلاة هي أحبّ إليهم من أولادهم ؛ فنزل جبرئيلعليه‌السلام ، فأخبره بذلك ، فلمـّا حضرت العصر قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مستقبل القبلة والمشركون أمامه ، فصفَّ خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صفٌّ ، وصفّ بعد ذلك الصفَّ صفٌّ آخر ، فركع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وركعوا جميعاً ، ثم سجد وسجد الصفّ الذي يلونه ، وقام الآخرون يحرسونهم ، فلمـّا صلّى هؤلاء السجدتين وقاموا ، سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم ، ثم تأخّر الصف الذي يليه وتقدّم الصفّ الأخير إلى مقام الصفّ الآخر ، ثم ركع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وركعوا جميعاً ، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه ، وقام الآخرون يحرسونهم ، فلمـّا جلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والصفّ الذي يليه ، سجد الآخرون ،

____________________

(١) في نسخة « ش » : جميعاً.

(٢) من الصُور الأربع لصلاة الخوف.

٤٣٣

ثم جلسوا جميعاً ، فسلّم عليهم جميعاً(١) .

مسألة ٦٦٣ : ولهذه الصلاة ثلاث شرائط :

الأول : أن يكون العدوّ في جهة القبلة ؛ لأنّه لا يمكن حراستهم في الصلاة إلّا كذلك ليشاهدونهم فيحرسونهم.

الثاني : أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم معها حراسة بعضهم بعضاً ، وأن يفترقوا فرقتين تصلّي معه إحداهما وتحرس الثانية معه.

الثالث : أن يكونوا على قُلّة جبل أو مُستوٍ من الأرض لا يحول بينهم وبين أبصار المسلمين حائل من جبل وغيره ليتوقّوا كبساتهم والحملات عليهم ، ولا يخاف كمين لهم.

إذا عرفت هذا ، فهذه الصلاة لم يثبت نقلها عندي من طريق صحيح عن أهل البيتعليهم‌السلام ، فعندي في العمل بها نظر.

والشافعي عكس ما روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاختار الحراسة للصفّ الأول ، لأنّهم أقرب إلى العدوّ ، فيكونون جُنّةً لمن خلفهم ، ويمنعون المشركين من الاطّلاع على عدد المسلمين وعدّتهم(٢) .

فروع :

أ : المشهور : أن الطائفتين يصلّون معه إلى الاعتدال عن ركوع الركعة الْاُولى‌ ، فإذا سجد سجد معه أحد الصفّين ، وكذا في الثانية ، فالكلّ يركعون معه في الركعتين ، وإنّما الحراسة في السجود.

وفي وجه للشافعية : مَنْ يحرس في السجود يحرس في الركوع(٣) .

ب : لو رتّب الإِمام القوم صفوفاً وحرس صفّان أو صفّ أو ثلاثة ، جاز ،

____________________

(١) سنن النسائي ٣ : ١٧٦ - ١٧٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١١ / ١٢٣٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٥٦ - ٢٥٧ ، سنن الدار قطني ٢ : ٥٩ - ٨.

(٢) المجموع ٤ : ٤٢١ ، الوجيز ١ : ٦٦.

(٣) المجموع ٤ : ٤٢٢ ، فتح العزيز ٤ : ٦٣٠.

٤٣٤

ولو حرست فرقتان من صفّ واحد في الركعتين على التناوب ، جاز أيضاً ، ولو حرس في الركعتين طائفة واحدة ثم سجدت ولحقت ، جاز.

وللشافعي قولان ، أحدهما : المنع ، لأنّ المتخلّف يتضاعف ويزيد على ما ورد به الخبر(١) .

وليس بجيّد ، لأنّ القدر المحتمل في ركعة للعذر لا يضرّ انضمام مثله إليه في ركعة اُخرى كالقدر المحتمل من المتخلّف بلا عذر.

ج : لو لم يتقدّم الصفّ الثاني إلى موقف الأول ولا تأخّر الأول عن مكانه إلى الثاني ، جاز.

وهذه الفروع مبنيّة على جواز هذه الصلاة ، ولا بأس بها إن لزم كلّ طائفة مكانهم ، أو كان التقدّم والتأخّر من الأفعال القليلة.

الصورة الثالثة (٢) : صلاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ببطن النخل ، فإنّه صلّى الظهر فصفّ بعض أصحابه خلفه وبعضهم جعلهم بإزاء العدوّ للحراسة ، فصلّى ركعتين ثم سلّم ، فانطلق الذين صلّوا ، فوقفوا موقف أصحابهم للحراسة ، ثم جاء أولئك فصلّى بهم الظهر مرّة ثانية ركعتين(٣) .

وهذه لا تحتاج إلى مفارقة الإِمام ولا إلى تعريف كيفية الصلاة ، وليس فيها أكثر من أنّ الإِمام في الثانية متنفّل يؤمّ مفترضين ، وهو اختيار الحسن وأكثر الفقهاء(٤) .

ونختار هذه الصلاة إذا كان العدوّ في غير جهة القبلة ، وأن يكثر المسلمون ويقلّ العدوّ ، وأن لا يأمنوا من هجوم العدوّ عليهم في الصلاة.

____________________

(١) فتح العزيز ٤ : ٦٣٠ ، السراج الوهاج : ٩٢.

(٢) من الصُور الأربع لصلاة الخوف.

(٣) سنن الدار قطني ٢ : ٦٠ / ١٠.

(٤) سنن البيهقي ٣ : ٢٦٠ ، المغني ٢ : ٢٦٥ ، الشرح الكبير ٢ : ١٣٧.

٤٣٥

الصورة الرابعة (١) : صلاة شدة الخوف ، وذلك عند التحام القتال وعدم التمكّن من تركه لأحد ، أو اشتدّ الخوف وإن لم يلتحم القتال ، فلم يأمنوا أن يهجموا عليهم لو ولّوا عنهم أو انقسموا ، فيصلّون رجالاً ومشاةً على الأقدام وركباناً مستقبلي القبلة واجباً مع التمكّن ، وغير مستقبليها مع عدمه على حسب الإِمكان.

فإن تمكّنوا من استيفاء الركوع والسجود ، وجب ، وإلّا أومأوا لركوعهم وسجودهم ، ويكون السجود أخفض من الركوع. ولو تمكّنوا من أحدهما ، وجب ، ويتقدّمون ويتأخّرون ، لقوله تعالى( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً ) (٢) .

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( مستقبلي القبلة وغير مستقبليها )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام ، في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال : « يصلّي كلّ إنسان منهم بالإِيماء حيث كان وجهه »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ هذه الصلاة صحيحة لا يجب قضاؤها عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي(٥) - لاقتضاء الأمر الإِجزاء. ولأنّه يجوز ذلك في النافلة اختياراً ، فجاز في الفريضة اضطراراً.

مسألة ٦٦٤ : ولا يجوز تأخير الصلاة إذا لم يتمكّن من إيقاعها‌ إلّا

____________________

(١) من الصور الأربع لصلاة الخوف‌.

(٢) البقرة : ٢٣٩.

(٣) صحيح البخاري ٦ : ٣٨ ، الموطأ ١ : ١٨٤ / ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٤٥٧ - ٤٥٨ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ / ٣٨٤.

(٥) كفاية الأخيار ١ : ٩٩ وانظر المجموع ٤ : ٤٢٦ و ٤٣٣ ، والاُم ١ : ٢٢٢ و ٢٢٣.

٤٣٦

ماشياً - وبه قال الشافعي(١) - لعموم قوله( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً ) (٢) بل يصلّيها ولا يقضي.

ولأنّه مكلّف تصح طهارته ، فلا يجوز له إخلاء الوقت من الصلاة من غير خوف القتل ، كما إذا لم يكثر العمل.

وقال أبو حنيفة : لا تجوز الصلاة على المشي ، بل يؤخّرها ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يصلّ يوم الخندق ، وأخّرها لهذه العلّة. ولأنّ ما منع صحّة الصلاة في غير حال الخوف منع منها في الخوف كالصياح(٣) .

ويوم الخندق منسوخ ، نقل أبو سعيد الخدري : أنّه كان قبل نزول( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً ) (٤) (٥) . والصياح لا حاجة به إليه ، بخلاف المشي.

مسألة ٦٦٥ : ولو انتهت الحال إلى المسايفة وتمكّن من الصلاة مع الأعمال الكثيرة - كالضرب المتواتر والطعن المتوالي - وجب على حسب حاله‌ بالإيماء في الركوع والسجود ، مستقبل القبلة إن تمكّن ، وإلّا فلا ، ولا إعادة عليه عند علمائنا ، لأنّها صلاة مأمور بها ، فلا يستعقب القضاء.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « فإذا كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال ، فإنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، صلّى ليلة صفّين - وهي ليلة الهرير - لم تكن صلاتهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند وقت كلّ صلاة إلّا بالتكبير والتسبيح والتهليل والتحميد والدعاء ، فكانت تلك صلاتهم لم يأمرهم‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ٤٢٦ و ٤٣٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٩.

(٢) البقرة : ٢٣٩.

(٣) بدائع الصنائع ١ : ٢٤٤ ، المغني ٢ : ٢٦٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٣٩ ، حلية العلماء ٢ : ٢١٧ ، وانظر : مسند أحمد ١ : ٨١ - ٨٢ و ١١٣.

(٤) البقرة : ٢٣٩.

(٥) المغني ٢ : ٢٦٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٤٠ ، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار : ١١٨ - ١١٩.

٤٣٧

بإعادة الصلاة »(١) .

وللشافعي ثلاثة أقوال :

أحدها : أنّ الأعمال الكثيرة مُبطلة وإن دعت الحاجة إليها - وهو محكي عن أبي حنيفة - كغير الحاجة(٢) .

والثاني : ما قلناه نحن ، وهو أظهرها عنده ، للحاجة ، كالمشي وترك الاستقبال(٣) .

والثالث : المنع في شخص واحد ، لأنّه لا يحتاج إلى تكرار الضرب ، والجواز في الأشخاص الكثيرة ، للحاجة إلى توالي ضربهم(٤) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الإِعادة لا تجب ، لما قلناه.

وقال أبو حامد : إنّها تبطل ويمضون فيها ويعيدون(٥) . وليس بجيّد.

وقال أبو حنيفة : لا يصلّي حال المسايفة ويؤخّر الصلاة(٦) .

والبحث قد تقدَّم في المسايفة.

مسألة ٦٦٦ : ويجب عليه الاستقبال مع المكنة ، فإن تعذّر ، استقبل بتكبيرة الافتتاح إن تمكّن ، لقول الباقرعليه‌السلام : « غير أنّه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجّه »(٧) .

فإن لم يتمكّن ، سقط ، لقولهعليه‌السلام ، في حال المطاردة :

____________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٧ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ / ٣٨٤ ، وتفسير العياشي ١ : ٢٧٢ / ٢٥٧.

(٢) المجموع ٤ : ٤٢٧ ، فتح العزيز ٤ : ٦٤٧ ، السراج الوهاج : ٩٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٤٤‌

(٣) المجموع ٤ : ٤٢٧ ، فتح العزيز ٤ : ٦٤٧ ، السراج الوهاج : ٩٣.

(٤) المجموع ٤ : ٤٢٧ ، الوجيز ١ : ٦٨ ، فتح العزيز ٤ : ٦٤٧.

(٥) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٦) الهداية للمرغيناني ١ : ٨٩ ، شرح فتح القدير ٢ : ٦٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢١٧.

(٧) الكافي ٣ : ٤٥٩ / ٦ ، الفقيه ١ : ٢٩٥ / ١٣٤٨ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ / ٣٨٣.

٤٣٨

« يصلّي كلّ إنسان منهم بالإِيماء حيث كان وجهه »(١) .

ويسجد الراكب على قربوس(٢) سرجه إن لم يمكن النزول ، فإن عجز عنه ، أومأ ، لقول الباقرعليه‌السلام : « ويجعل السجود أخفض من الركوع »(٣) .

فروع :

أ : لو تمكّن من الاستقبال حالة التكبير ، وجب. وهل يجب لو تمكّن في الأثناء؟ إشكال ينشأ : من المشقة ، وقول الباقرعليه‌السلام : « ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته »(٤) ومن تمكّنه من الاستقبال في الفرض.

ب : لو لم يتمكّن من الاستقبال في الابتداء وتمكّن في الأثناء ، فالوجه : الوجوب.

ج : لو تمكّن من النزول والسجود على الأرض في الأثناء ، وجب ، وإن احتاج إلى الركوب ركب ، ولا تبطل صلاته وإن كان فعلاً كثيراً ، للحاجة.

ولو علم حالة تمكّنه من النزول احتياجه إلى الركوب في الأثناء ، احتمل الوجوب وعدمه.

مسألة ٦٦٧ : لو اشتدّ الحال عن ذلك وعجز عن الإِيماء ، سقطت عنه أفعال الصلاة‌ من القراءة والركوع والسجود ، واجتزأ عوض كلّ ركعة بتسبيحة واحدة ، صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر.

ولا بدّ من النيّة ، لقولهعليه‌السلام : ( إنّما الأعمال بالنيات ، وإنّما لكل امرئ ما نوى )(٥) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٧ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ / ٣٨٤.

(٢) القربوس : مقدّم السرج. تاج العروس ٤ : ٢١٤ « قربس ».

(٣ و ٤ ) الكافي ٣ : ٤٥٩ / ٦ ، الفقيه ١ : ٢٩٥ / ١٣٤٨ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ / ٣٨٣.

(٤) الكافي ٣ : ٤٥٩ - ٦ ، الفقيه ١ : ٢٩٥ - ١٣٤٨ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ - ٣٨٣.

(٥) صحيح البخاري ١ : ٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥١٥ - ١٥١٦ / ١٩٠٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، سنن الترمذي ٤ : ١٧٩ / ١٦٤٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، مسند =

٤٣٩

ولأنّه فعل يجامع القتال ، فلا تسقط به.

وتجب تكبيرة الإِحرام ، لقولهعليه‌السلام : ( تحريمها التكبير )(١) ويمكن مجامعتها للقتال ، فلا تسقط.

وفي وجوب التشهّد إشكال ينشأ : من أنّه ذكر يمكن أن يجامع القتال ، ومن اختصاصه بحالة الجلوس ، وأصالة براءة الذمة.

فروع :

أ : الأقرب : وجوب هذه الصيغة على هذا الترتيب ، للإِجماع على إجزائه ، وفي غيره إشكال ينشأ : من مفهوم قولهعليه‌السلام : « لم تكن صلاتهم إلّا بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء »(٢) .

ب : هذه الأذكار تجزئ عن أذكار الركوع والسجود‌ ، لأنّها تجزي عنهما فعن ذكرهما أولى. ولأنّه ذكر مختص بهيئة وقد سقطت فيسقط‌.

ج : يجب في الثنائية تسبيحتان ، وفي الثلاثية ثلاث ، لأنّها على عدد الركعات.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « أقلّ ما يجزئ في حدّ المسايفة من التكبير تكبيرتان لكلّ صلاة إلّا صلاة المغرب فإنّ لها ثلاثاً »(٣) .

د : لو أمن أو تمكّن من الصلاة على الأرض أو على الدابة بالإِيماء بعد التكبيرتين ، سقطت عنه‌ ، للإِجزاء بفعل المأمور به ، ولو تمكّن بعد تكبيرة واحدة ، فالوجه : سقوط ركعة عنه ، ووجوب الإِتيان باُخرى.

ولو أمن في أثناء التكبيرة ، استأنف صلاة آمن ، وكذا لو صلّى ركعة‌

____________________

= أحمد ١ : ٢٥ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٤١.

(١) سنن الترمذي ١ : ٨ / ٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٠١ / ٢٧٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٦ / ٦١ ، مسند أحمد ١ : ١٢٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤٥٧ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ / ٣٨٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٨ / ٣ ، الفقيه ١ : ٢٩٦ / ١٣٥١ ، التهذيب ٣ : ١٧٤ / ٣٨٧.

٤٤٠