تذكرة الفقهاء الجزء ٤

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473
المشاهدات: 205641
تحميل: 6407


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 205641 / تحميل: 6407
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-5503-44-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشك(١) .

وهو غلط ، لأن الشك في الشرط شك في المشروط.

إذا عرفت هذا ، فإنّهم في الصورتين يقضون ظهراً ، لأنّه بلد صلّي فيه جمعة صحيحة فلا تتعقّبها اُخرى ، وإنّما أوجبنا الإِعادة عليهما ، للجهل بالتعيين ، وبه قال بعض الشافعية(٢) .

وقال الشيخ : يصلّون جمعةً مع اتّساع الوقت(٣) - وهو قول بعض الشافعية(٤) - لأنّا حكمنا بوجوب الإِعادة عليهما ، فكأنَّ المصر ما صلّيت فيه جمعة صحيحة.

وهو غلط ، لأنّ السابقة صحيحة قطعاً ولم تفسد ولم يتبيّن(٥) لها حكم الصحة ، للجهل بعينها.

مسألة ٤٠٣ : ويحصل السبق بتقدّم إحداهما بتكبيرة الإِحرام‌ - وبه قال بعض الشافعية(٦) - لأنه متى أحرم إحداهما حرُم إحرام الْأُخرى.

وقال بعضهم : يعتبر بالفراغ ، فأيّهما سبقت بالسلام صحّت دون الْاُخرى(٧) ، لأنّا قبل التمام لا نعلم صحتها وإتمامها.

____________________

(١) المجموع ٤ : ٥٨٩ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٢.

(٢) المجموع ٤ : ٥٨٩ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٧ - ٥٠٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٥ ، السراج الوهاج : ٨٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٢.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٥ ، المجموع ٤ : ٥٨٩ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٢.

(٥) في نسخة « م » : ولم يثبت.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٥ ، المجموع ٤ : ٥٨٦ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٢ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨١.

(٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٤ ، المجموع ٤ : ٥٨٦ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨١.

٦١

وهو خطأ ، لأدائه إلى المضي في جمعتين صحيحتين ، فإنّه قبل الفراغ لا يعلم السبق ويعلم انعقاد جمعة بعد جمعة.

وقال آخرون منهم : بالشروع في الخطبة ، لقيامها مقام ركعتين(١) .

وليس بجيّد ، إذ الحرمة بالتحريمة تحصل.

تذنيب : لو صلّى فأُخبر أنّه قد سُبق ، استأنف الظهر‌ ، ولا يعتد بذلك الإِحرام ، لأنّه قد ظهر فساده.

وقال بعض الجمهور : يتمّ ظهراً كالمسبوق إذا أدرك أقلّ من ركعة(٢) .

والفرق : صحة الإِحرام هنا دون الأول.

البحث السادس : الخطبتان‌

مسألة ٤٠٤ : الخطبة شرط في الجمعة ، وهو قول عامة العلماء ، لقوله تعالى( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) (٣) والذكر هو الخطبة(٤) .

ولأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خطب دائماً ، ووقع فعله بياناً للواجب ، فكان واجباً ، وقالعليه‌السلام : ( صلّوا كما رأيتموني اُصلّي )(٥) .

ولم يزل المسلمون يخطبون قبل الصلاة ، ولو لم تكن شرطاً لجاز تركها في بعض الأوقات.

____________________

(١) المجموع ٤ : ٥٨٦ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٢.

(٢) المجموع ٤ : ٥٨٨ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٢.

(٣) الجمعة : ٩.

(٤) اُنظر : التبيان للطوسي ١٠ : ٨ ، مجمع البيان ٥ : ٢٨٨ ، تفسير الطبري ٢٨ : ٦٦ ، أحكام القرآن للجصاص ٣ : ٤٤٦ ، أحكام القرآن لابن العربي ٤ : ١٨٠٥ ، أحكام القرآن للكيا هراسي ٤ : ٤١٥.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٤٥ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٣ / ١ و ٣٤٦ / ١٠.

٦٢

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا جمعة إلّا بخطبة »(١) .

وقول الباقر أو الصادقعليهما‌السلام : « يصلّون أربعاً إذا لم يكن من يخطب »(٢) .

وقال الحسن البصري : لا تجب ، لأنّها خطبة مشروعة للصلاة ، فلم تكن واجبةً كسائر الخطب(٣) .

وهو خطأ ، لأنّ الخطبتين هنا اُقيمتا مقام الركعتين ، فلم يجز تركهما بخلاف سائر الخطب.

قال عمر : قصرت الصلاة لأجل الخطبة(٤) .

وقال سعيد بن جبير : جعلت الخطبة مكان الركعتين(٥) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين »(٦) .

وخلافه منقرض ، وقوله متروك بالإِجماع وفعل النبي وأهل بيتهعليهم‌السلام .

مسألة ٤٠٥ : ويشترط للجمعة خطبتان عند علمائنا أجمع‌ - وبه قال الشافعي وأحمد في رواية(٧) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخطب‌

____________________

(١) المعتبر : ٢٠٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٣٨ / ٦٣٣ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ / ١٦١٣.

(٣) المجموع ٤ : ٥١٤ ، الميزان ١ : ١٩٠ ، المغني ٢ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨١.

(٤) المغني ٢ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨١.

(٥) المغني ٢ : ١٥٠ ، المدونة الكبرى ١ : ١٥٨.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٣٨ / ٦٣٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٤.

(٧) المجموع ٤ : ٥١٣ - ٥١٤ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، المغني ٢ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨١ ، الانصاف ٢ : ٣٨٦ ، عمدة القارئ ٦ : ٢٢٩ ، بداية المجتهد ١ : ١٦١.

٦٣

خطبتين(١) .

ولأنهما اُقيمتا مقام ركعتين ، فالإِخلال بإحداهما إخلال بركعة.

وقال مالك والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في رواية ، وأصحاب الرأي : تجزئه خطبة واحدة(٢) ، لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كتب إلى مصعب بن عمير : ( أن أجمع من قِبَلك وذكّرهم بالله وازدلف إليه بركعتين )(٣) .

وخطب عثمان في أول جمعة ، فقال : الحمد الله ، ثم اُرتج عليه ، فقال : إنكم إلى إمام فعّال أحوج منكم إلى إمام قوّال ، وإنّ أبا بكر وعمر كانا يرتادان لهذا المقام مقالاً ، وستأتيكم الخطب من بعد ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، ونزل فصلّى(٤) .

وتذكير الله يحتمل بالخطبتين كما يحتمل بالخطبة ، فيبقى دليلنا سالماً.

وفعل عثمان ليس حجّةً ، ولحصول العذر بتعذّر الخطبة ، فلا يلزم الترخّص مع زواله.

مسألة ٤٠٦ : ويجب في كلّ خطبة منهما حمد الله تعالى‌ ، ويتعيّن « الحمد لله » عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(٥) - لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، داوم على ذلك.

____________________

(١) اُنظر على سبيل المثال : الجعفريات : ٤٣ ، صحيح البخاري ٢ : ١٢ و ١٤.

(٢) بداية المجتهد ١ : ١٦٠ - ١٦١ ، المغني ٢ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨١ ، الانصاف ٢ : ٣٨٦ ، عمدة القاري ٦ : ٢٢٩ ، المجموع ٤ : ٥١٤.

(٣) أورده في المعتبر : ٢٠٣.

(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٠ - ٣١ ، شرح فتح القدير ٢ : ٣٠ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٢.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، المجموع ٤ : ٥١٩ ، الوجيز ١ : ٦٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٦ ، السراج الوهاج : ٨٧ ، المغني ٢ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨٢.

٦٤

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ينبغي للإِمام الذي يخطب الناس أن يخطب وهو قائم يحمد الله ويثني عليه »(١) .

ولحصول البراءة قطعاً معه ، بخلاف غيره.

وقال أبو حنيفة : لا تجب الحمد ، ولا ذكر معيّن ، ولا وعظ ، بل يجزئ أن يخطب بتسبيحة واحدة أو تهليلة أو تحميدة أو تكبيرة ، فلو صعد المنبر وقال : سبحان الله ، أجزأه ونزل وصلّى بالناس(٢) ، لقوله تعالى( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) (٣) ولم يفرّق.

ولأن رجلاً جاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له : علّمني عملاً أدخل به الجنة ، فقال : ( لئن قصّرت الخطبة لقد أعرضت المسألة )(٤) فسمّى كلامه خطبةً.

والذكر مجمل بيّنه بفعلهعليه‌السلام ، فتجب متابعته. والسؤال ليس بخطبة إجماعاً ، فسمّاه مجازاً.

وقال مالك : لا يجزئه إلّا ما تسمّيه العرب خطبةً - وبه قال أبو يوسف ومحمد - أيّ كلام كان. وعنه : إن هلَّل أو سبَّح ، أعاد ما لم يصلّ(٥) .

إذا عرفت هذا ، فهل يجزئه لو قال : « الحمد للرحمن - أو - لرب العالمين »؟ إشكال ينشأ من التنصيص على لفظة « الله » تعالى ، ومن المساواة‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٤٢١ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ / ٦٥٥.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٠ ، اللباب ١ : ١١٠ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٢ ، المجموع ٤ : ٥٢٢ ، المغني ٢ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨٢.

(٣) الجمعة : ٩.

(٤) مسند أبي داود الطيالسي : ١٠٠ / ٧٣٩ ، سنن البيهقي ١٠ : ٢٧٣.

(٥) المنتقى للباجي ١ : ٢٠٤ - ٢٠٥ ، الشرح الصغير ١ : ١٧٨ ، بداية المجتهد ١ : ١٦١ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٠ ، اللباب ١ : ١١٠ - ١١١ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٢ ، المجموع ٤ : ٥٢٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٦.

٦٥

في الاختصاص به تعالى.

مسألة ٤٠٧ : وتجب فيهما الصلاة على النبي وآله عليهم السلام عند علمائنا‌ ، لقول الصادقعليه‌السلام : « ويصلّي على محمّد وآله وعلى أئمة المسلمين »(١) .

وأوجب الشافعي الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ، لقوله تعالى( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) (٣) لا اُذكر إلّا وتذكر معي(٤) .

ولقوله تعالى( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٥) .

وأنكر الباقون ذلك ، للأصل.

وتجب فيهما الوصية بتقوى الله تعالى ، والوعظ - وبه قال الشافعي(٦) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( ألا إنّ الدنيا عرض حاضر يأكل منها البرّ والفاجر ، ألا وإنّ الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر )(٧) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ثم يوصي بتقوى الله »(٨) ولم يوجب ذلك‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٤٢١ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ / ٦٥٥.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١١٩ ، المجموع ٤ : ٥١٩ ، الوجيز ١ : ٦٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٦ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٥ ، السراج الوهاج : ٨٧.

(٣) الانشراح : ٤.

(٤) حكى الشافعي في الرسالة : ١٦ / ٣٧ عن مجاهد في قوله تعالى( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) قال : لا اُذكر إلّا ذكرت معي. وانظر أيضاً : تفسير التبيان ١٠ : ٣٧٣ ، مجمع البيان ٥ : ٥٠٨ ، دلائل النبوّة للبيهقي ٧ : ٦٣ ، والدر المنثور ٦ : ٣٦٣.

(٥) الأحزاب : ٥٦.

(٦) الاُم ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٤ : ٥١٩ ، مختصر المزني : ٢٧ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٩ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٥ ، السراج الوهاج : ٨٧.

(٧) كنز العمال ١٥ : ٩٣٤ / ٤٣٦٠٢ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ١٤٨ / ٤٢٩.

(٨) الكافي ٣ : ٤٢١ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ / ٦٥٥.

٦٦

أبو حنيفة وأصحابه(١) .

ويجب أن يقرأ في كلٍ منهما سورة خفيفة من القرآن - قاله الشيخ(٢) - لقول الصادقعليه‌السلام : « ثم يقرأ سورة قصيرة من القرآن »(٣) .

ولأنهما بدل فتجب فيهما القراءة كالمبدل.

وللشافعي في إيجاب مطلق القراءة في كلٍّ منهما قولان : الوجوب كالمبدل ، وفي أيّتهما كان ، وله ثالث : عدم الوجوب - وبه قال أبو حنيفة(٤) - للأصل(٥) . والمشهور : الأول ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يقرأ فيهما القرآن(٦) .

وقال صفوان بن يعلى : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقرأ على المنبر( وَنادَوْا يا مالِكُ ) (٧) (٨) .

وقالت اُم هاشم : تلقّفت سورة « ق » من فيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذا خطب يوم الجمعة على المنبر(٩) .

إذا عرفت هذا ، فقال الشيخ : يجب في كلّ خطبة حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي وآلهعليهم‌السلام ، والوعظ ، وقراءة سورة خفيفة من‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٠ و ٣١ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٣.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٧.

(٣) الكافي ٣ : ٤٢١ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ / ٦٥٥.

(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٠ و ٣١ ، اللباب ١ : ١١٠.

(٥) الاُم ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٤ : ٥٢٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٥.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٥٨٩ / ٨٦٢ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٦ / ١٠٩٤ ، سنن النسائي ٣ : ١١٠.

(٧) الزخرف : ٧٧.

(٨) صحيح مسلم ٢ : ٥٩٤ - ٥٩٥ / ٨٧١ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٨٢ / ٥٠٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٢١١.

(٩) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ١١٥ وفيه اُم هاشم ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٥٩٥ / ٨٧٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٨ / ١١٠٠ ، مسند أحمد ٦ : ٤٣٥ - ٤٣٦ و ٤٦٣ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٨٤ ، الدرّ المنثور ٦ : ١٠١ : اُم هشام وهما متحدتان ، اُنظر : اُسد الغابة ٥ : ٦٢٣.

٦٧

القرآن(١) .

وقال المرتضىرضي‌الله‌عنه : يحمد الله ، ويمجّده ، ويثني عليه ، ويشهد لمحمد بالرسالة ، ويوشّح الخطبة بالقرآن ، ثم يفتتح الثانية بالحمد والاستغفار والصلاة على النبي ، والدعاء لأئمّة المسلمين(٢) .

وفي حديث سماعة عن الصادقعليه‌السلام : « ينبغي للإِمام الذي يخطب الناس أن يخطب وهو قائم يحمد الله ، ويثني عليه ، ثم يوصي بتقوى الله ، ثم يقرأ سورة قصيرة من القرآن ، ثم يجلس ، ثم يقوم فيحمد الله ، ويثني عليه ، ويصلّى على محمد وآله ، وعلى أئمّة المسلمين ، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، فإذا فرغ أقام المؤذّن وصلّى بالناس ركعتين »(٣) .

أمّا الشافعي فأوجب في كلٍّ منهما الحمد لله والصلاة على رسولهعليه‌السلام ، والوعظ بأيّ لفظ اتّفق ، ويكفيه « أطيعوا الله » وفي الثانية الدعاء للمؤمنين ، فلو أتى به في الْاُولى لم يحتسب عن الثانية. وقراءة آية تتمّ بها الفائدة لا غيرها ، كقوله تعالى( ثُمَّ نَظَرَ ) (٤) في إحداهما لا بعينها على أقوى الوجوه عنده(٥) .

فروع :

أ : كلام المرتضى يقتضي الاكتفاء بمسمّى القرآن في الخطبة الاُولى ، وهو أحد وجهي الشافعي(٦) .

ب : لا يكفي آية فيها وعظ عنهما.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٧.

(٢) حكاه المحقق في المعتبر : ٢٠٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤٢١ / ١ ، التهذيب ٣ : ٤٢٣ / ٦٥٥.

(٤) المدثر : ٢١.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ - ١١٩ ، المجموع ٤ : ٥١٩ - ٥٢١ ، الوجيز ١ : ٦٣ - ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٦ - ٥٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٥ - ٢٨٦.

(٦) المجموع ٤ : ٥٢٠ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٦.

٦٨

ج : كلام الشيخ يقتضي عدم وجوب الدعاء للمؤمنين ، وهو أحد وجهي الشافعي(١) .

وكلام المرتضى يقتضي الاستغفار للمؤمنين.

وأوجب الشافعي - في قول - الدعاء لهم في الثانية(٢) .

وقال بعض أصحابه : يجب تخصيصه بالحاضرين فيما تعلق باُمور الآخرة(٣) .

وكلام المرتضى يقتضي وجوب الشهادة بالرسالة في الْاُولى ، والصلاة عليه في الثانية.

وفي وجه للشافعي : وجوب الصلاة عليه في إحداهما(٤) .

د : لا يكفيه أن يأتي بآيات تشتمل على الأذكار‌ فإنّه لا يسمّى خطبةً في العادة.

ه- : لا تصحّ الخطبة إلّا بالعربية ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، دوام على ذلك وقال : ( صلّوا كما رأيتموني اُصلّي )(٥) .

ويحتمل غيرها لمن يفهم لو لم يفهم(٦) العربية على الأقوى ، إذ القصد الوعظ والتخويف ، وإنّما يحصل لو فهموا كلامه.

مسألة ٤٠٨ : يشترط في الخطبتين اُمور :

الأول : الوقت. وهو ما بعد الزوال على الأشهر ، فلا يجوز تقديمهما‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ٥٢١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٦ ، السراج الوهاج : ٨٧.

(٢ و ٣ ) المجموع ٤ : ٥٢١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٧ - ٥٧٨.

(٤) المجموع ٤ : ٥٢٠ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٧.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ - ١٦٣ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٤٥ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٣ / ١ و ٣٤٦ / ١٠.

(٦) كذا في النسخ الخطبة المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية ، والأنسب : لمن لم يفهم.

٦٩

ولا شي‌ء منهما عليه عند أكثر علمائنا(١) - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ إيجاب السعي مشروط بالنداء الثابت بعد الزوال ، ولأنّهما بدل عن الركعتين ، فلهما حكم مبدلهما.

وللشيخ قول بجواز إيقاعهما قبل الزوال عند وقوف الشمس بمقدار ما إذا فرغ زالت(٣) - وبه قال مالك حيث جوّز تقديم الخطبة دون الصلاة(٤) . وأحمد حيث جوّز تقديم الصلاة أيضاً عليه(٥) - لأن أنساً قال : كنّا نصلّي مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الجمعة إذا مالت الشمس(٦) . وهو دليل جواز إيقاع الخطبة قبل ميلها.

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يخطب في الظل الأول»(٧) .

ويحتمل إرادة الابتداء بالتأهب للخطبة والصعود على المنبر ، وغيرها من مقدّمات الخطبة.

الثاني : تقديمهما على الصلاة ، لأنّهما شرط فيها ، والشرط مقدّم ولأنّ النبيعليه‌السلام داوم على ذلك ، وقال : ( صلّوا كما رأيتموني‌

____________________

(١) منهم : أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٥١ ، وابن زهرة في الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٤٩٨ ، وابن أبي عقيل كما في المعتبر : ٢٠٤ ، وابن إدريس في السرائر : ٦٤ وفيه أيضاً نسبة هذا القول الى السيد المرتضى.

(٢) الأم ١ : ١٩٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، المجموع ٤ : ٥١٤ و ٥٢٢ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨٠ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٢.

(٣) النهاية : ١٠٥.

(٤) بداية المجتهد ١ : ١٥٧ ، المجموع ٤ : ٥١٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨٠.

(٥) المغني ٢ : ١٤٤ ، الروضة الندية ١ : ١٣٨ ، المجموع ٤ : ٥١٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨٠.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٨ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٧٧ / ٥٠٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٤ / ١٠٨٤ ، مسند أحمد ٣ : ١٥٠ ، مسند الطيالسي : ٢٨٥ / ٢١٣٩ ، المنتقى لابن الجارود : ١٢٣ / ٢٨٩.

(٧) التهذيب ٣ : ١٢ / ٤٢.

٧٠

اُصلّي )(١) .

ولقول الباقرعليه‌السلام وقد سئل عن خطبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قبل الصلاة أو بعد؟ قال : « قبل الصلاة ثم يصلّي »(٢) .

الثالث : قيام الخطيب حال خطبته عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي(٣) - لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خطب قائماً(٤) ، فتجب متابعته.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « أول من خطب وهو جالس معاوية ، استأذن الناس في ذلك من وجع كان بركبتيه » ثم قالعليه‌السلام : « الخطبة وهو قائم خطبتان ، يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها قدر ما يكون فصلاً بين الخطبتين »(٥) .

ولأنّه ذكر مفروض في قيام مشروع ، فكان واجباً ، كالتكبير والقراءة.

وقال أبو حنيفة واحمد : يجوز الجلوس مع الاختيار - وهو رواية عن مالك ، ووجه للشافعية(٦) - لأنّه ذكر ليس من شرطه الاستقبال ، فلا يجب له القيام كالأذان(٧) .

ولا يعتبر القيام بالاستقبال ، لسقوطه في صلاة الخوف دون القيام ،

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٣ / ١ و ٣٤٦ / ١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٤٢١ / ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٠ / ٧٢.

(٣) الاُم ١ : ١٩٩ ، المجموع ٤ : ٥١٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨١ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٢.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٨٩ / ٨٦١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٥١ / ١١٠٦ ، سنن الدارمي ١ : ٣٦٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٦ / ١٠٩٣ ، سنن البيهقي ٣ : ١٩٧ ، الجعفريات : ٤٣ ، المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ١٤٦.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٠ / ٧٤.

(٦) فتح العزيز ٤ : ٥٨١ ، المجموع ٤ : ٥١٤ و ٥١٥.

(٧) الهداية للمرغيناني ١ : ٨٣ ، المغني ٢ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨٦ ، المجموع ٤ : ٥١٥ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٤.

٧١

فافترقا.

فروع :

أ : لو كان له عذر يمنعه عن القيام ، جاز أن يخطب جالساً ، وهل تجب الاستنابة؟ إشكال.

ب : لو عجز عن القعود ، اضطجع ، وفي وجوب الاستنابة إشكال.

ج : لو خطب جالساً مع القدرة ، بطلت صلاته ، لفوات شرط الخطبة ، وبه قال الشافعي(١) ، واختاره الشيخ أيضاً(٢) .

أمّا صلاة المأمومين فإن علموا بقدرته وجلوسه ، بطلت صلاتهم أيضاً ، وإن اعتقدوا عجزه ، أو لم يعلموا بقعوده أو بصحته ، صحّت صلاتهم مطلقاً.

وقال الشافعي : إن كان الإِمام من جملة العدد ، لم تصح الجمعة ، وإن كان زائداً عن العدد ، صحّت صلاتهم ، كما لو كان جنباً ولا يعلمون(٣) .

والأصل ممنوع.

ولو علم البعض خاصة ، صحّت صلاة الجاهل دونه.

د : يجب في القيام الطمأنينة‌ كما تجب في المبدل.

ه- : الجلوس بين الخطبتين مطمئنّاً ليفصل بينهما به‌ ، وهو شرط في الخطبتين ، قاله الشيخ(٤) ، وبه قال الشافعي(٥) ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصل بينهما بجلسة(٦) . وفعله واجب.

____________________

(١) المجموع ٤ : ٥١٤.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٧.

(٣) المجموع ٤ : ٥١٤.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٧.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، المجموع ٤ : ٥١٤ و ٥١٥ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨١ و ٥٨٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٤ ، السراج الوهاج : ٨٧ ، المغني ٢ : ١٥٣.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ١٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٥١ / ١١٠٣ ، سنن الدارمي ١ : ٣٦٦ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٨٠ / ٥٠٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٦ / ١٠٩٣ و ١٠٩٤ ، مسند أحمد ٢ : =

٧٢

وقول الصادقعليه‌السلام : « يخطب وهو قائم ثم يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها »(١) .

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : لا تجب الجلسة بل تستحب ، عملاً بالأصل.(٢)

وهو مدفوع بالطارئ.

ولو عجز عن القعود ، فصلّ بالسكتة. فإن قدر على الاضطجاع ، فإشكال ، أقربه : الفصل بالسكتة أيضاً. ولو خطب جالساً لعجزه ، فصّل بالسكتة أيضاً مع احتمال الفصل بالضجعة.

و : الطهارة من الحدث والخبث شرط في الخطبتين ، قاله الشيخ(٣) ، وهو قول الشافعي في الجديد ، لأنّهعليه‌السلام كان يخطب متطهّراً ، وكان يصلّي عقيب الخطبة(٤) ، وقال : ( صلّوا كما رأيتموني اُصلّي )(٥) .

ولأنّه ذكر هو شرط في الصلاة ، فشرطت فيه الطهارة كالتكبير.

وقال في القديم : لا يشترط - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد - لأنّه ذكر يتقدّم الصلاة ، فلا يشترط له الطهارة كالأذان(٦) .

____________________

= ٣٥ ، سنن البيهقي ٣ : ١٩٨ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٨٦.

(١) التهذيب ٣ : ٢٠ / ٧٠٤.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٦ ، المغني ٢ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨٥ ، المجموع ٤ : ٥١٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٤.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٧.

(٤) المجموع ٤ : ٥١٥ - ٥١٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٥ ، السراج الوهاج : ٨٨.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٣ / ١ و ٣٤٦ / ١٠.

(٦) المجموع ٤ : ٥١٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٠٥ ، المبسوط =

٧٣

والفرق : أنّه ليس شرطاً في الصلاة ، بخلاف الخطبة.

إذا عرفت هذا ، فإن خطب في المسجد ، شرطت الطهارة من الخبث والحدث الأكبر إجماعاً منّا.

ز : العدد : قال الشيخ : شرط الخطبتين : العدد‌ المشترط في الجمعة(١) . وبه قال الشافعي وأبو حنيفة في إحدى الروايتين(٢) ، لأنّه ذكر هو شرط في الجمعة ، فكان من شرطه حضور العدد كالتكبير. ولأنّ وجوب الخطبة تابع لوجوب الجمعة التابع لحضور العدد.

وعن أبي حنيفة : أنّه ليس بشرط ، فيجوز أن يخطب وحده ، لأنّه ذكر متقدّم ، فلا يشترط فيه العدد كالأذان(٣) .

والفرق : اشتراط الخطبة دون الأذان. ولأنه موضوع لإِعلام الغُيّاب ، فلا يشترط فيه الحضور ، والخطبة مشتقّة من الخطاب وإنما يكون للحاضرين.

إذا ثبت هذا ، فإن خطب والعدد حاضر ثم انفضّوا في الأثناء ، فالمأتي به حال غيبتهم غير محسوب ، لأنّ القصد بها الإِسماع ، فإن عادوا قبل طول الفصل جاز البناء على ما مضى حال سماعهم ، كما لو سلّم ثم ذكر قبل طول الفصل.

وإن طال ، فالأقرب البناء أيضاً - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّ غرض الوعظ يحصل مع تفرّق الكلمات.

وأصحّهما عنده : الاستئناف ، لأنّ النبيعليه‌السلام كان يوالي(٥) .

____________________

= للسرخسي ٢ : ٢٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٣ ، اللباب ١ : ١١١ ، المغني ٢ : ١٥٤ ، النكت والفوائد السنيّة ١ : ١٤٧.

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٧.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، المجموع ٤ : ٥١٤ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٦ ، المغني ٢ : ١٧٨.

(٣) المجموع ٤ : ٥١٤ ، المغني ٢ : ١٧٨.

(٤ و ٥) المجموع ٤ : ٥٠٧ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٨ - ٥١٩.

٧٤

وقد ظهر ممّا اخترناه : عدم اشتراط الموالاة في الخطبة ، وللشافعي قولان(١) .

أمّا لو اجتمع بدل الأوّلين العدد ، فلا بدّ من استئناف الخطبة مطلقاً.

وإن انفضوا بعد تمام الخطبة وعادوا قبل طول الفصل ، بُنيت الصلاة على الخطبة ، ولو عادوا بعد الطول فكذلك. وللشافعي قولان(٢) .

فإن أوجبنا الموالاة ، لم تجز الصلاة بتلك الخطبة ، بل تجب إعادتها والصلاة جمعةً مع سعة الوقت.

وللشافعي عدمه في وجه ضعيف ، بل يصلّي الظهر(٣) .

والعدد إنّما هو شرط في واجبات الخطبة دون مستحباتها إجماعاً.

ح : ارتفاع الصوت بهما بحيث يسمعه العدد‌ - وهو أظهر وجهي الشافعي(٤) - لأنّ مقصود الوعظ لا يحصل إلا بالإسماع ، فلا يكفي أن يخطب سرّاً ، لمنافاة الغرض.

ولأن النبيعليه‌السلام كان إذا خطب رفع صوته كأنه منذر جيش(٥) .

وعن أبي حنيفة : عدم الوجوب. وهو وجه للشافعي(٦) أيضا.

ولو رفع الصوت بقدر ما يبلغ ولكن كانوا أو بعضهم صمّاً ، فالأقرب : الإِجزاء.

ولا يجهد نفسه في رفع الصوت ، لما فيه من المشقّة ، ولا تسقط الجمعة‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ٥٠٧ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٩ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٨ ، السراج الوهاج : ٨٨.

(٢) المجموع ٤ : ٥٠٧ ، فتح العزيز ٤ : ٥٢١.

(٣) المجموع ٤ : ٥٠٧ - ٥٠٨ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٧.

(٤) الاُم ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٤ : ٥٢٣ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٧ ، السراج الوهاج : ٨٧.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٥٩٢ / ٨٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٧ / ٤٥ ، سنن النسائي ٣ : ١٨٨ - ١٨٩ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٠٦.

(٦) فتح العزيز ٤ : ٥٨٦ ، المجموع ٤ : ٥٢٣.

٧٥

ولا الخطبة وإن كانوا كلّهم صمّاً.

ط : الترتيب بين أجزاء الخطبة الواجبة ، فلو قدّم الصلاة أو غيرها على الحمد ، أو قدّم الوعظ على الصلاة ، استأنف ، للتأسّي.

مسألة ٤٠٩ : وفي تحريم الكلام على العدد ووجوب الإِنصات للخطيب قولان‌ للشيخ :

أحدهما : تحريم الكلام ووجوب الإِنصات. واختاره المرتضى والبزنطي(١) منّا - وبه قال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي وأحمد ، والشافعي في القديم ، وابن المنذر(٢) - لأنّ أبا هريرة قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا قلت لصاحبك : أنصت ، والإِمام يخطب ، فقد لغوت )(٣) .

واللغو : الإِثم ، لقوله تعالى( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) (٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « إذا خطب الإِمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتى يفرغ من خطبته ، فإذا فرغ تكلّم ما بينه وبين أن تقام الصلاة »(٥) .

والآخر : عدم تحريم الكلام ، وعدم وجوب الإِنصات ، بل يستحب(٦) - وبه قال الشافعي في الجديد ، وبه قال عروة بن الزبير والشعبي‌

____________________

(١) النهاية : ١٠٥ ، وحكى قول المرتضى والبزنطي ، المحقق في المعتبر : ٢٠٦.

(٢) بدائع الصنائع ١ : ٢٦٣ و ٢٦٤ ، عمدة القارئ ٦ : ٢٢٩ ، المنتقى للباجي ١ : ١٨٨ ، القوانين الفقهية : ٨٠ ، المغني ٢ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٢١٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٢ ، المجموع ٤ : ٥٢٣ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٦١.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٨٣ / ٨٥١ ، سنن النسائي ٣ : ١٠٤ ، سنن أبي داود ١ : ٢٩٠ / ١١١٢ ، الموطأ ١ : ١٠٣ / ٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٢١٨.

(٤) المؤمنون : ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٤٢١ / ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ / ٧١ و ٧٣.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٦.

٧٦

والنخعي وسعيد بن جبير والثوري(١) - لأنّ رجلاً سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، السقيا وهو يخطب ، وفي الجمعة الآتية سأله رفعها(٢) .

وقام إليه رجل وهو يخطب يوم الجمعة فقال : يا رسول الله متى الساعة؟

فأعرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأومأ الناس إليه بالسكوت ، فلم يقبل وأعاد الكلام ، فلمـّا كان الثالثة ، قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ويحك ماذا أعددت لها؟ ) فقال : حبّ الله ورسوله ، فقال : ( إنّك مع من أحببت )(٣) .

ولو كان الكلام محرَّماً ، لأنكر عليه. وللأصل.

ونمنع كون اللغو الإِثم ، لقوله تعالى( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ) (٤) بل المراد جعله لاغياً لكلامه في موضعٍ الأدبُ فيه السكوت.

وقول الصادقعليه‌السلام يعطي الكراهة عرفاً ، فيحمل عليه.

والأقرب : الأول إن لم يسمع العدد ، وإلّا الثاني.

فروع :

أ : قال المرتضى : يحرم من الأفعال ما لا يجوز مثله في الصلاة(٥) .

وفيه إشكال ينشأ من قوة حرمة الصلاة. وكونها بدلاً من الركعتين لا يقتضي المساواة لو سلّم.

ب : قال المرتضى : لا بأس أن يتكلّم بعد فراغ الإِمام‌ من‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٢ ، المجموع ٤ : ٥٢٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٧ ، المغني ٢ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٢١٥ و ٢١٦ ، عمدة القارئ ٦ : ٢٢٩.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٥ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٤ - ٣٠٥ / ١١٧٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٢١.

(٣) مسند أحمد ٣ : ١٦٧ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٢١ ، وأورده أيضاً كما في المتن ابنا قدامة في المغني ٢ : ١٦٦ والشرح الكبير ٢ : ٢١٦.

(٤) البقرة : ٢٢٥.

(٥) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٠٦.

٧٧

الخطبة إلى أن تقام الصلاة(١) .

ج : لو سُلّم عليه ، وجب عليه الردّ‌ ، لأنّه واجب ، والإِنصات مستحب ، فلا يترك لأجله. ولأنّه ليس أبلغ من الصلاة وقد أوجبنا الردّ فيها.

وبه قال الشافعي على تقدير استحباب الإِنصات ، وعلى تقدير الوجوب ليس له الرّد ، لأنّه سلّم في غير موضعه ، وفرض الإِنصات سابق(٢) .

وهل له تسميت العاطس؟ الوجه : ذلك إن قلنا باستحباب الإِنصات ، وإلّا فالأقرب ذلك كالصلاة - وهو قول الشافعي(٣) - بخلاف السلام ، لأنّه سلّم في غير موضعه ، والعاطس لم يختر العطسة.

وله المنع ، لما تقدّم في السلام.

د : الخلاف إنّما هو في القريب السامع للخطبة ، أمّا البعيد أو الأصمّ : فإن شاء سكت ، وإن شاء قرأ أو سبّح. وللشافعية وجهان(٤) .

وكذا الخلاف فيما إذا لم يتعلّق بحقّ أحد من المسلمين.

أمّا لو رأى جداراً ينقضّ فإنّه يحذّر منه - وكذا العقرب ، والأعمى يتردّى في بئر - إجماعاً.

ه - : هل يحرم الكلام في الجلسة بين الخطبتين؟ الأقرب : المنع ؛ لعدم المقتضي للتحريم ، وهو : السماع. وللأصل.

وللشافعي قولان(٥) .

و : لا بأس بالكلام بين الخطبة والإِقامة‌ ثم يكره بعدها ؛ لقول الصادق‌

____________________

(١) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٠٦.

(٢) مختصر المزني : ٢٨ ، المجموع ٤ : ٥٢٣ - ٥٢٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٩٠ و ٥٩١ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٣.

(٣) مختصر المزني : ٢٨ ، المجموع ٤ : ٥٢٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٩٠ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٢ ، عمدة القارئ ٦ : ٢٣٠.

(٤) المجموع ٤ : ٥٢٤ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٩٠ ، عمدة القارئ ٦ : ٢٣٠.

(٥) المجموع ٤ : ٥٢٣.

٧٨

عليه‌السلام : « فإذا فرغ - يعني من خطبته - تكلّم ما بينه وبين أن تقام الصلاة »(١) .

وقال أبو حنيفة : يكره ما بين الخطبة والصلاة(٢) .

وقال الشافعي : لا يكره بعد الخطبة إلى الصلاة(٣) .

ز : لا بأس بشرب الماء حال الخطبة‌ - وبه قال الشافعي(٤) - عملاً بالأصل.

وكلام المرتضى يعطي التحريم لأنها كالركعتين(٥) .

وقال الأوزاعي : تبطل جمعته(٦) .

ح : هل يحرم الكلام على الخطيب في الأثناء؟ الأقرب : العدم ، للأصل.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كلّم قتلة ابن أبي الحقيق في الخطبة(٧) .

ولأنّ المستمع إنّما حرم عليه الكلام لئلّا يشغله عن الاستماع. وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الآخر : يحرم - وبه قال أبو حنيفة ومالك - كالركعتين(٨) . وهو ممنوع‌.

____________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٩ / ١٢٢٩ ، الكافي ٣ : ٤٢١ / ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ / ٧١ و ٧٣.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٢ ، المجموع ٤ : ٥٢٣.

(٤) المجموع ٤ : ٥٢٩.

(٥) تقدّم نقل كلامه في الفرع « أ ».

(٦) المجموع ٤ : ٥٢٩.

(٧) سنن البيهقي ٣ : ٢٢١ - ٢٢٢.

(٨) المجموع ٤ : ٥٢٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨٧ و ٥٨٩ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤١ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٧.

٧٩

ط : التحريم إن قلنا به على السامعين متعلّق بالعدد ، أمّا الزائد فلا.

وللشافعي قولان(١) .

والأقرب : عموم التحريم إن قيل(٢) به ، إذ لو حضر فوق العدد بصفة الكمال لم يمكن القول بانعقادها بعدد معيّن منهم حتى يحرم الكلام عليهم خاصة.

ي : لا يحرم الكلام قبل الشروع في الخطبة‌ - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - للأصل.

ولأنّ عمر كان إذا جلس على المنبر وأذّن المؤذّنون جلسوا يتحدّثون حتى إذا سكت المؤذّن وقام عمر سكتوا فلم يتكلّم أحد(٤) . وهذا يدلّ على اشتهاره بينهم.

وقال أبو حنيفة : إذا خرج الإِمام حرم الكلام في الوقت الذي نهي عن الصلاة فيه(٥) ، لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من اغتسل يوم الجمعة واستاك ، ومسّ من طيب إن كان عنده ، ولبس أحسن ثيابه ، ثم جاء إلى المسجد ولم يتخطّ رقاب الناس ، ثم ركع ما شاء الله أن يركع ، ثم أنصت إذا خرج الإِمام حتى يصلّي ، كان كفّارةً لما بينها وبين الجمعة التي قبلها )(٦) .

وهو يدلّ على أنّ خروج الإِمام يوجب الإِنصات.

ولأنه إذا نهي عن الركوع كان الكلام أولى.

____________________

(١) المجموع ٤ : ٥٢٤ ، الوجيز ١ : ٦٤.

(٢) في « م » : إن قلنا.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٢ ، المجموع ٤ : ٥٢٣ و ٥٥٥ ، المغني ٢ : ١٦٩.

(٤) سنن البيهقي ٣ : ١٩٩.

(٥) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٩ ، شرح فتح القدير ٢ : ٣٧ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٤ ، عمدة القارئ ٦ : ٢٣٠ ، المغني ٢ : ١٦٩.

(٦) مسند أحمد ٣ : ٨١ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٨٣.

٨٠