الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد0%

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 320

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد

مؤلف: أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة)
تصنيف:

الصفحات: 320
المشاهدات: 82227
تحميل: 7358

توضيحات:

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82227 / تحميل: 7358
الحجم الحجم الحجم
الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد

مؤلف:
العربية

النبوة مرتفعة عنه لم تجب الموالاة له باطنا.

على أنه انما يجب حمله على ما قالوه اذا لم يمكن حمله على ما تقتضيه اللغة، وقد بينا انه اذا حمل على أنه مفترض الطاعة وأولى بتدبير الامة كان محمولا على ما تشهد له اللغة ولا يحتاج إلى هذا التمحل.

فاذا فسدت الاقسام كلها لم يبق الا أنه أراد فرض الطاعة والاستحقاق للامامة.

وقد قيل: انه اذا كان من أقسامه فرض الطاعة والاولى بتدبير الامة وجب حمل ذلك على جميعه الا ما أخرجه الدليل.

وأيضا فقد روي عن جماعة من الصحابة أنهم فهموا من الخبر فرض الطاعة والامامة، منها قول عمر الذي قدمناه وذلك لا يليق الا بما قلناه، ومنها قول حسان بن ثابت:

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم وأسمع بالرسول مناديا

يقول ومن مولاكم ووليكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا

الهك مولانا وأنت ولينا

ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا

فقال له قم يا علي فانني

رضيتك من بعدي اماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه

وكن للذي عادى عليا معاديا

وقال قيس بن سعد بن عبادة:

قلت لما بغى العدو علينا

حسبنا ربنا ونعم الوكيل

حسبنا ربنا الذي فتح البصرة

بالامس والحديث طويل

وعلي امامنا وامام نسوا

ننا أتى به التنزيل

يوم قال النبى من كنت مولاه

فهذا مولاه خطب جليل

وقول حسان كان بمرأى من النبي صلى الله عليه وآله ومستمع منه، فلو لم يرد به الامامة لانكر عليه وقال له غلطت ما أردت ذلك وأردت به كيت وكيت،

٢٢١

فلما لم ينكر ذلك دل على ما قلناه.

واستقصاء الكلام على هذا الخبر ذكرناه في كتاب تلخيص الشافي وشرح الجمل وغير ذلك، فلا نطول به ههنا.

(دليل آخر على امامته عليه السلام)

ومما يدل على امامته عليه السلام ما روي عن النى صلى الله عليه وآله وسلم من قوله « أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي » فأثبت له جميع منازل هارون من موسى الا ما استثناه لفظا من النبوة، وعرفنا بالعرف أنه لم يكن أخاه لابيه وأمه، وقد علمنا أن من منازل هارون من موسى أنه كان مفترض الطاعة على قومه وأفضل رعيته ممن شد الله به أزره، فيجب أن تكون هذه المنازل ثابتة له، وفي ثبوت فرض طاعته ثبوت امامته.

وقد نطق القرآن ببعض منازل هارون من موسى، قال الله تعالى حكاية عن موسى أنه سأله تعالى فقال( وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي ، هَارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (١) وفي آية أخرى( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ) (٢) وقال الله تعالى( قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ ) (٣) ، فوجب بتلك ثبوت هذه المنازل لامير المؤمنين عليه السلام.

والطريق الذي به صح هذا الخبر هو ما قدمناه في خبر الغدير من تواتر الشيعة به ونقل المخالفين له على وجه التواتر والاجماع على نقله وان اختلفوا في تأويله، واحتجاجه به في يوم الدار والاجماع على نقله، وكل ذلك موجود ههنا.

___________________________________

(١) سورة طه: ٢٩ - ٣٢.

(٢) سورة الاعراف: ١٤٢.

(٣) سورة طه: ٣٦.

٢٢٢

وأيضا فقد ذكره البخاري ومسلم بن الحجاج في صحيحيهما،(١) والطريق إلى تصحيح الاخبار هو ما قلناه.

وأيضا فاذا ثبت أن مقتضاه ما قلناه قطع على صحته، ومن لم يقطع لم يقل أن مقتضاه فرض الطاعة، والفرق بين القولين خروج عن الاجماع.

وهارون وان مات في حياة موسى عليه السلام فكان ممن لو عاش لبقي على ما كان عليه من استحقاق فرض الطاعة على قومه، واذا جعل النبى عليه السلام منزلة علي مثل منزلته سواء وبقي عليه السلام إلى بعد وفاته، وجب أن تثبت له هذه المنزلة.

وليس لاحد أن يقول: لو بقى هارون إلى بعد وفاته لكان مفترض الطاعة لمكان نبوته لا بهذا القول، واذا كان علي عليه السلام لم يكن نبيا فكيف يثبت له فرض الطاعة، وذلك أن فرض الطاعة ثبت في النبى والامام، وهي منفصلة من النبوة فلا تجب بانتفاء النبوة انتفاؤها، بل لا يمتنع أن تنتفي النبوة ويثبت فرض الطاعة، [ واذا كان النبى عليه السلام قد أثبت له هذه المنزلة وانتفت النبوة لم يجب انتفاء فرض الطاعة ](٢) .

ألا ترى أن القائل لو قال لوكيله: اعط فلانا كذا لانه استحق علي من ثمن مبيع، ثم قال: وأنزل فلانا آخر بمنزلته.

فانه يجب أن يعطيه مثل ذلك وان لم يكن استحق من ثمن مبيع، بأن يكون استحقه عليه من وجه آخر أو ابتداء‌ا هبة منه، وليس للوكيل منعه وأن يقول: ذلك استحقه من ثمن المبيع وأنت فما بعته شيئا فلا تستحق، لان العقلاء يوجبون على الوكيل العطية ولا يلتفتون إلى هذا الاعتذار ولا هذا القول.

فان قيل: تقديره أن هارون لو بقي لاستحق فرض الطاعة، والخلافة

___________________________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ١٩، صحيح مسلم ٤ / ١٨٧١.

(٢) الزيادة من ج.

٢٢٣

منزلة مفردة لا توصف بأنها منزلة، كما لا توصف صلاة سادسة بأنها من الشرع على تقدير أنه لو تعبدنا بها لكانت من الشرع.

قلنا: المقدر اذا كان له سبب استحقاق يوصف بأنه منزلة.

ألا ترى أن الدين المؤجل يوصف بأنه يستحق كما يوصف الدين الحال بذلك، ولا توصف الصلاة السادسة بأنها من الشرع لان ليس بها سبب وجوب، ولو قال اذا كان بعد سنة فصلوا صلاة سادسة لوصفت بأنها من الشرع، وفرض الطاعة بعد الوفاة له سبب وجوب في الحال فجاز أن يوصف بأنه منزلة.

ونظير ذلك أن يستخلف الخليفة ولي عهد بعده جاز أن يوصف بأن ذلك منزلة لولي العهد وكذلك من أوصى إلى غيره جاز أن يوصف بأنه يستحق الوصية ان كان التصرف واقفا إلى بعد الوفاة.

وأيضا فان النبى صلى الله عليه وآله جعل هذه المنازل لامير المؤمنين بعده بقوله « لا نبي بعدي »، وكما أن من حق الاستثناء أن يخرج الكلام ما لولاه لكان ثابتا.

ألا ترى ان القائل اذا قال « ضربت غلماني كلهم الا زيدا في الدار » أفاد ضرب من ضربه في الدار وترك من تركه مثل ذلك، واذا كان النبى عليه السلام جعل استثناء هذه المنازل بعده فيجب أن يثبت له ما عدا الاستثناء بعده.

والمعتاد من لفظة « بعدي » في العرف بعد الموت، كما يقولون: هذا وصيي بعدي وولي عهدي بعدي وأنت حر بعدي.

فليس لاحد أن يقول: ان المراد ب‍ « بعدي » بعد نبوتي، لما لو سلمنا أنه لو أراد بعد نبوتى لدخل فيه الاحوال كلها ومن جملتها بعد وفاته.

فاذا قيل: يلزم أن يكون مفترض الطاعة في الحال وأن يكون اماما.

قلنا: أما فرض الطاعة قد كان حاصلا له في الحال، وانما لم يأمر لوجود النبى عليه السلام، وكونه اماما وان اقتضاه في الحال فانه يقتضيه أيضا بعد الوفاة

٢٢٤

فأخرجنا حال الحياة منها لمكان الاجماع على أنه لم يكن مع النبى عليه السلام امام وبقي الباقي على عمومه.

وليس لاحد أن يحمله على بعد عثمان، لان ذلك خلاف الاجماع، فان أحدا من الامة لم يثبت امامته بهذا الخبر بعد عثمان دون ما قبله، ومن أثبت ذلك أثبته بالاختيار، ومن أثبت امامته بهذا الخبر أثبتها بعد النبى إلى آخر عمره، فالفرق بين الامرين خلاف الاجماع.

وليس لاحد أن يقول: قوله « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » يقتضي اثبات منزلة واحدة، لانه لو أراد اكثر من ذلك لقال أنت مني بمنازل.

وذلك أن هذا يفسد من وجهين: أحدهما أنه لو أراد منزلة واحدة فدخول الاستثناء عليه دليل على أنه أراد اكثر من منزلة واحدة.

والثاني أن الامة بين قائلين: قائل يقول ان الخبر خرج على سبب فهو يقصره عليه، وقائل يقول المراد جميع المنازل.

واذا بينا فساد خروج الخبر على سبب ثبت القول الاخر.

والذي يدل على فساد ذلك أن رواية ما يذكره من السبب طريقه الاحاد، والخبر معلوم، ولو صح السبب لما وجب قصر الخبر على سببه عند اكثر المحققين.

وأيضا فقد روي هذا الخبر وأن النبى صلى الله عليه وآله قاله في مقام بعد مقام وفي أوقات لم يكن فيها السبب المدعي.

فان قيل: لو أراد الخلافة لقال « أنت مني بمنزلة يوشع بن نون »، لان هذه المنزلة كانت حاصلة ليوشع من موسى بعد وفاته.

قلنا هذا فاسد من وجوه: أحدها: اذا كان الخبر دالا على ما قلناه على المراد فتمني أن يكون على وجه آخر اقتراح في الادلة، وذلك لا يجوز وكان ذلك يلزم في اكثر الادلة

٢٢٥

وأكثر الظواهر، وذلك باطل بالاتفاق.

ومنها: أن خلافة يوشع ليست معلومة وانما يذكرها قوم من اليهود، وخلافة هارون من موسى نطق بها القرآن.

وقيل: ان يوشع كان نبيا موحى اليه لم يعترف موسى بعد بخلافته بالوحي والخلافة كانت في ولد هارون.

ومنها: أن النبى عليه السلام جمع له المنازل زيادة على الاستخلاف، فلم يجز أن يشبه ذلك بيوشع.

وقد تكلمنا على ما يتفرع على هذه الجملة في هذا الخبر والذي قبله في تلخيص الشافي وشرح الجمل، فلا نطول بذكره ههنا لان فيما ذكرناه كفاية انشاء الله.

فصل: (في أحكام البغاة على أمير المؤمنين عليه السلام)

ظاهر مذهب الامامية أن الخارج على أمير المؤمنين عليه السلام والمقاتل له كافر، بدليل اجماع الفرقة المحقة على ذلك، واجماعهم حجة لكون المعصوم الذي لا يجوز عليه الخطأ داخلا فيهم، وان المحاربين له كانوا منكرين لامامته ودافعين لها، ودفع الامامة عندهم وجحدها كدفع النبوة وجحدها سواء، بدلالة قوله صلى الله عليه وآله « من مات وهو لا يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ».

وروي عنه عليه السلام أنه قال لعلي: حربك يا علي حربى وسلمك سلمي وحرب النبى كفر بلا خلاف، فينبغي أن يكون حرب علي مثله، لانه عليه السلام أراد حكم حربى، والا فمحال أن يريد أن نفس حربك حربى لان المعلوم خلافه.

فان قيل: لو كان ذلك كفر لا جري عليهم أحكام الكفر من منع الموارثة

٢٢٦

والمدافنة والصلاة عليهم وأخذ الغنيمة واتباع المدبر والاجازة على المجروح والمعلوم أنه عليه السلام لم يجر ذلك عليهم، فكيف يكون كفرا.

قلنا: أحكام الكفر مختلفة كحكم الحربى والمعاهد والذمي والوثني، فمنهم من تقبل منهم الجزية ويقرون على دينهم، ومنهم من لا يقبل، ومنهم من يناكح وتؤكل ذبيحته ومنهم من لا تؤكل عند المخالف.

ولا يمتنع أن يكون من كان متظاهرا بالشهادتين وان حكم بكفره حكمه مخالف لاحكام الكفار، كما تقول المعتزلة في المجبرة والمشبهة وغيرهم من الفرق الذين يحكمون بكفرهم وان لم تجر هذه الاحكام عليهم، فبطل ما قالوه.

فأما من خالف الامامة فمنهم: من يحكم عليهم بالفسق، ومنهم من يقول هو خطأ مغفور، ومنهم من يقول انهم مجتهدون وكل مجتهد مصيب.

فمن حكم بفسقهم من المعتزلة وغيرهم منهم من يدعي توبة القوم ورجوعهم. ونحن نبين فساد قولهم.

والذي يدل على بطلان ما يدعونه من التوبة أن الفسق معلوم ضرورة، وما يدعونه من التوبة طريقه الاحاد، ولا نرجع عن المعلوم إلى المظنون.

وأيضا فكتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى أهل الكوفة والمدينة بالفتح يتضمن فسق القوم وأنهم قتلوا على خطاياهم وانهم قتلوا على النكث والبغي، ومن مات تائبا لا يوصف بذلك، والكتب معروفة في كتب السير.

وروي أيضا أنه لما جاء‌ه ابن جرموز برأس الزبير وسيفه تناول سيفه وقال عليه السلام: سيف طال ما جلى به الكرب عن وجه رسول الله ولكن الحين ومصارع السوء(١) .

ومن كان تائبا لا يوصف مصرعه بأنه مصرع سوء.

وروى حبة العرني قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: والله لقد علمت

___________________________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٣٧٣.

٢٢٧

صاحبة الهودج أن اصحاب الجمل ملعونون على لسان النبي الامي وقد خاب من افترى.

وروى البلاذري باسناده إلى جويرة بن اسماء قال: بلغني ان الزبير لما ولى اعترضه عمار بن ياسر وقال: أبا عبدالله والله ما أنت بجبان ولكني أحسبك شككت.

فقال: هو ذاك.

والشك خلاف التوبة، لانه لو كان تائبا لقال تحققت أن صاحبك على الحق وأنا على الباطل، وأي توبة لشاك.

وأما طلحة فقتل بين الصفين، متى تاب، وكتاب أمير المؤمنين عليه السلام يدل على اصراره.

وروي عنه أنه قال حين يجود بنفسه.

ما رأيت مصرع شيخ أضيع من مصرعي(١) وذلك دليل الاصرار.

وروي عن علي عليه السلام أنه مر عليه وهو مقتول فقال: أقعدوه، فأقعدوه فقال: كانت سابقة ولكن الشيطان دخل منخرك وأوردك النار(٢) .

وأما اصرار عائشة فكتاب امير المؤمنين عليه السلام وما روي من المحاورة بين عبدالله بن العباس وبينها وامتناعها من تسميته بأمرة المؤمنين(٣) دليل واضح على الاصرار.

وروى الواقدي أن عمارا دخل عليها وقال: كيف رأيت ضرب بنيك على الحق.

فقالت: استبصرت من أجل انك غلبت.

فقال: أنا أشد استبصارا من ذلك، والله لو ضربتمونا حتى تبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنكم على الباطل.

فقالت عائشة: هكذا يخيل اليك، اتق الله يا عمار أذهبت دينك لابن ابى طالب.

وروى الطبري في تاريخه أنه لما انتهى قتل امير المؤمنين عليه السلام إلى

___________________________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد ٩ / ١١٣.

(٢) شرح نهج البلاغة ١ / ٢٤٨.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٩.

٢٢٨

عائشة قالت: فألقت عصاها واستقر بها النوى كما قر عينا بالاياب المسافر ثم قالت: من قتله؟ فقيل: رجل من مراد.

فقالت:

فان يك تائبا فلقد نعاه غلام ليس في فيه تراب

وهذا كله صريح بالاصرار وفقد التوبة.

وروي عن ابن عباس انه قال لامير المؤمنين عليه السلام حين أبت عائشة الرجوع إلى المدينة: دعها في البصرة ولا ترحلها.

فقال عليه السلام: انها لا تألو شرا ولكني أردها إلى بيتها.

وروى محمد بن اسحاق أنها وصلت إلى المدينة راجعة من البصرة لم تزل تحرض الناس على أمير المؤمنين عليه السلام، وكتبت إلى معاوية وأهل الشام مع الاسود بن البحتري تحرضهم عليه.

ونظائر ذلك كثيرة ذكرنا منها في كتاب تلخيص الشافى لا نطول بذكره ههنا، فأي توبة مع ما ذكرناه.

وأما من نفى عنهم الفسق فما قدمناه من الادلة يفسد قولهم.

وما تدعيه المعتزلة من الاخبار في توبة طلحة والزبير وعائشة فهي كلها أخبار آحاد لا يلتفت اليها، وليس أيضا فيها تصريح بالتوبة.

وأدل الدليل على عدم التوبة أنهم لو تابوا لسارعوا إلى امير المؤمنين عليه السلام والدخول في عسكره والجهاد معه.

فمما تعلقوا به رجوع الزبير عن الحرب، ونفس الرجوع ليس بدليل التوبة لانه يحتمل غير التوبة، وقد قيل انه لما لاحت له أمارات الظفر لامير المؤمنين عليه السلام وأيس من الظفر رجع، وقال قوم انه رجع ليتوجه إلى معاوية.

٢٢٩

وقيل: انه لما انصرف وبخه ابنه فقال: حلفت ألا أقاتله.

فقال: كفر عن يمينك، فأعتق مملوكا له ورجع إلى القتال.

وما روي من قوله « ما كان من أمر قط الا عرفت أين أضع قدمي الا هذا الامر فاني لا أدري أمقبل أنا أم مدبر » فليس فيه دليل التوبة، بل هو صريح في الشك المنافي للتوبة.

وما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال « بشر قاتل ابن صفية بالنار » لا يدل على توبته أيضا، لانه يجوز أن يستحق قاتله النار لامر سوى قتله، كما قال النبى صلى الله عليه وآله لقرمان رجل قاتل الكفار يوم أحد وأبلي معه صلى الله عليه وآله « قرمان رجل من أهل النار » لعله أحرى.

وقيل السبب في ذلك ان ابن جرموز خرج مع الخوارج يوم النهروان فقتل في جملتهم.

وما روي عن طلحة أنه قال حين أصابه السهم:

ندمت ندامة الكسعى لما رأت عيناه ما فعلت يداه(١)

لا يدل أيضا على التوبة بل يدل على عدمها، لانه جعل ندامته غير نافعة له كما أن ندامة الكسعى لم تنفعه، وقصته في ذلك مشهورة.

وقوله حين يجود بنفسه « اللهم خذ لعثمان مني حتى ترضى » دليل الاصرار أيضا، لانه أقر بأنه سبب قتل عثمان وكان ينسبه إلى علي عليه السلام، وذلك خلاف ما أقربه على نفسه.

وما يروى من حديث البشارة أن النبي صلى الله عليه وآله قال « عشرة من أصحابى في الجنة وطلحة والزبير منهم »(٢) لا يدل على توبتهم أيضا، لانه خبر واحد ضعيف مقدح في سنده.

وأدل دليل على فساده أن النبى عليه

___________________________________

(١) صحاح اللغة (كسع).

(٢) ذكره جماعة فكذبوه انظر ميزان الاعتدال ١ / ٤٦٧، تاريخ بغداد ٩ / ٣٣٩.

٢٣٠

السلام لا يجوز أن يقول لمن ليس بمعصوم « أنت في الجنة لا محالة » لان في ذلك اغراء بالقبيح.

وقيل: ان راويه سعيد بن زيد، وهو أحد العشرة، فلا يقبل خبره لانه يشهد لنفسه.

فأما ما روي من بكاء عائشة وتلهفها وتمنيها أنها كانت مدرة أو شجرة وقولها « لئلا اكون شهدت ذلك اليوم أحب الي من أن يكون لي من رسول الله صلى الله عليه وآله عشرة أولاد كعبد الرحمن بن الحارث بن هشام » لا يدل على التوبة، لان مثل ذلك قد يقوله من ليس بتائب كما حكى الله عن مريم( يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ) (١) .

وقد يقول مثل هذا من أراد أمرا لم يبلغه وفاته غرضه ويتحسر ع

فصل: (في تثبيت امامة الاثنى عشر عليهم السلام)

اذا ثبت بما قدمناه أن الزمان لا يخلو من امام وأن من شرطه أن يكون مقطوعا على عصمته أو يكون اكثر ثوابا عند الله أو أعلمهم بجميع أحكام الشريعة، سهل الكلام على امامة امام بعد امير المؤمنين عليه السلام، لانه نعتبر أقوال الامة في عصر كل امام فنجدها بين أقوال: قائل يقول لا امام، وما دللنا به من أن الزمان لا يخلو من امام يفسد قوله.

وقائل يقول بامامة من لا يقطع على عصمته بل لا يجعلها من شرط الامامة، وذلك يبطل بما قدمناه من وجوب القطع على عصمة الامام.

___________________________________

(١) سورة مريم: ٢٣.

٢٣١

وقائل يقول بامامة من يدعى عصمته لكنه يذهب إلى امامة من لا يدعى النص عليه ولا المعجز، وقد بينا أنه لا طريق إلى معرفة المعصوم الا بأحد هذين، فقوله يفسد أيضا بذلك.

ومن ادعى النص إما صريحا أو محتملا فانه يذهب إلى امامة من علمنا موته كالكيسانية القائلين بامامة ابن الحنفية والناووسية والواقفة على جعفر بن محمد والفطحية القائلين بامامة عبدالله بن جعفر الصادق وكالواقفة القائلين بامامة موسى بن جعفر وانه لم يمت.

وأقوال هؤلاء تبطل بما علمنا من موت هؤلاء ظاهرا مكشوفا.

وأيضا فأدل دليل على فساد هذه الفرق انقراضهم وأنه لم يبق لهم باقية ولو كانوا على حق ما انقرضوا.

وهذه الجملة اذا اعتبرتها في امام امام من عهد الحسين بن علي عليهما السلام والى عهد القائم ابن الحسن عليه السلام وجدتها صحيحة لا يمكن الطعن عليها الا بالمنازعة في بعض الاصول التي ذكرناها، ومتى نازعوا في شئ من ذلك كان الكلام في تصحيح ذلك الاصل أولا ثم في فرعه.

والكلام على الزيدية داخل في جملة ذلك، لانهم لا يقطعون على عصمة زيد، ولا يدعون أن من شرط الامام أن يكون مقطوعا على عصمته، ومن حمل نفسه على ادعاء ذلك أخيرا مخالف للاجماع، ومع ذلك يفسد قوله لانه لا يدعي نصا عليه ولا ظهور معجز.

وشرح هذه الجملة والكلام على فريق فريق بيناه في تلخيص الشافي وجملته ما قلناه فلا نطول بذكره الكتاب.

فأما الكلام في الغيبة وسببها فهو أنه اذا ثبتت هذه الاصول التي قدمناها وأن كل زمان لا يخلو من امام وأن من شرطه القطع على عصمته ووجود النص عليه

٢٣٢

فوجب امامة من يدعى امامته، لان الناس في عصرنا بين أقوال، منهم من يدعى امامة من لا يدعى القطع على عصمته فقوله يبطل لما قدمناه، فلم يبق بعد ذلك الا القول بامامته والاخرج الحق عن الامة.

فاذا ثبتت امامته ووجدناه لم يظهر علمنا أن لاستتاره سببا مبيحا له ذلك ولو لاه لم يجز له الاستتار لكونه معصوما.

ولا يلزم أن يعلم ذلك السبب مفصلا كما نقول لمن طعن في اثبات الصانع بخلق المؤذيات وفعل الالام وغير ذلك بأن نقول: اذا ثبتت حكمته تعالى علمنا أن هذه الاشياء لها وجه حكمة وان لم نعلمه مفصلا.

وبذلك نجيب من طعن في متشابه القرآن، وان تكلفنا الكلام في تفصيل ذلك فللاستظهار والقوة والا فالقدر الذي ذكرناه كاف في الحجة.

واذا ثبتت ووجدنا التكليف دائما على المكلف كان علمنا أن استتاره لشئ يرجع اليهم، لانه لو لم يكن يرجع اليهم لما حسن تكليفهم.

ولا يلزم أن نعلم ذلك الامر مفصلا، كما نقول لمن أخل بشرط من شروط النظر فلم يحصل له العلم بالله: انك قد أخللت بشرط من شروط النظر فتحتاج إلى أن تراجع وتعود فيه أبدا حتى يحصل لك العلم.

وكذلك من لم يظهر له الامام ينبغي أن يراجع نفسه ويصلح سيرته، فاذا علم الله تعالى منه صدق النية في نصرة الامام وأنه لا يتغير عن ذلك ظهر له الامام.

وقيل في ذلك: انه لا يمتنع أن يكون من لم يظهر له الامام المعلوم من حاله أنه اذا ظهر له سيرته وألقى خبره إلى غيره من أوليائه واخوانه فربما انتهى إلى شياع خبره وفساد أمره.

وقيل ايضا: انه لا يمتنع اذا ظهر وظهر على يده علم معجز فانه لابد من ذلك لان غيبته غير معلومة، واذا كان كذلك دخلت عليه شبهة فيعتقد أنه مدع لمالا

٢٣٣

أصل له فيشيع خبره ويؤدي إلى الاغراء به.

وغير ذلك من العلل.

فهذه العلة نطلبها فيمن لم يظهر له من شيعته وان كانت علته مزاحة من حيث أن لطفه حاصل له لانه يعتقد وجوده ويجوز تمكينه في كل حال فهو يخافه، واللطف به حاصل له وبمكانه ايضا يثق بوصول جميع الشرع اليه، لانه لو لم يصل اليه ذلك ساغ له الاستتار الا بسقوط التكليف عنهم، فاذا وجدنا التكليف باقيا والغيبة مستمرة علمنا أن جميع الشرع واصلا اليه.

فأما المخالف فسبب استتاره عنه اعتقاده بطلان امامته.

وان من ادعى هذا المنصب ممن أشرنا اليه ضال مضل ولا يحتاج ان يخرج علة في الاستتار عنه.

والفرق بين الاستتار وظهور آبائه عليهم السلام لم يكن المعلوم من حالهم أنهم يقومون بالامر ويزيلون الدول ويظهرون بالسيف ويقومون بالعدل ويميتون الجور، وصاحب الزمان بالعكس من ذلك، ولهذا يكون مطلوبا مرموقا، والاولون ليسوا كذلك.

على أن آباء‌ه ظهروا لانه كان المعلوم انهم لو قتلوا لكان هناك من يقوم مقامهم ويسد مسدهم، وليس كذلك صاحب الزمان، لان المعلوم أنه لو هلك لم يكن هناك من يقوم مقامه ولا يسد مسده.

فبان الفرق بينهما.

وطول غيبة الامام كقصرها، فانه ما دامت العلة الموجبة حاصلة فانه مستتر إلى أن يعلم الله تعالى زوال العلة، فيعلم ذلك بما وقفه عليه آباؤه من الوقت المعلوم.

وبالامارات اللائحة للنصر وغلبة الظن يقوم مقام العلم في ذلك، وخاصة اذا قيل لك: اذا ظهرت لك امارات النصر فاعلم انه وقت الخروج.

وكل ذلك جائز.

وطول عمر صاحب الزمان - وان كان خارقا للعادة - فالله تعالى قادر عليه بلا خلاف بيننا وبين من خالفنا من الامة، وخرق العادات على من ليس بنبي قد بينا جوازه، فلا وجه لاستبعاد ذلك وقد استتر النبى عليه السلام في

٢٣٤

الشعب تارة وفي الغار أخرى، فلا ينبغي أن يتعجب من ذلك.

وليس لهم أن يقولوا ان استتار النبى عليه السلام كان مدة يسيرة.

وذلك أن استتاره في الشعب كان ثلاث سنين، واذا جاز الاستتار ولو يوما واحدا لعلة جاز الاستتار الطويل مع استمرار العلة، فلا فرق بين الطول والقصر، بل المراعى حصول العلة وزوالها.

وليس لهم أيضا أن يقولوا: ان النبى صلى الله عليه وآله استتر بعد أداء الشرع.

وذلك أن وقت استتاره في الشعب لم يكن اذا حل الشريعة، لان معظم الشريعة نزل بالمدينة، على أن في كون النبى عليه السلام بين الخلق لطفا ومصلحة فأي شئ قالوه في ذلك فهو قولنا بعينه.

والحدود المستحقة في حال الغيبة في جواب اصحابها والذم لا حق بمن أحوج الامام إلى الغيبة.

ومثل ذلك يلزم المعتزلة الذين يقولون أهل الحل والعقد ممنوعون من اختيار الامام، فما لهم الا مثل ما عليهم.

ويدل على امامة الاثني عشر - على ما نذهب اليه - ما تواترت به الشيعة من نص النبى صلى الله عليه وآله على الاثني عشر في الجملة، ورووه أيضا عن امام امام على من يقوم مقامه.

وترتيب ذلك كترتيب النص على أمير المؤمنين عليه السلام، والاسئلة على ذلك قد مضى الجواب عنها.

وأيضا فقد روى المخالف عن النبى عليه السلام أخبارا كثيرة ذكرناها في المفصح وغيره من كتبنا أن الائمة بعده اثنا عشر.

فاذا ثبت العدد فالامة بين قائلين: قائل يقول بالاثني عشر فهو يقطع على أنهم هؤلاء بأعيانهم، ومن لم يقل بامامتهم لم يقصرها على عدد مخصوص.

فاذا ثبت العدد بما رووه ثبت الاعيان بهذا الاعتبار.

٢٣٥

والكلام في فروع الغيبة واسئلتها استوفيناه في تلخيص الشافي لا نطول بذكره ههنا، وهذا القدر كاف ههنا انشاء الله.

قد امتثلت ما رسم الشيخ الاجل - أطال الله بقاه - وسلكت الطريق الذي طلبه من الاختصار والايجاز، وأرجو أن يكون موافقا لغرضه ملائما لارادته.

وأنا الان أذكر جملة من العبادات لا يستغنى عنها، وأجري على هذا المنهاج في الاختصار والايجاز انشاء الله.

٢٣٦

القسم الثانى: العبادات الشرعية

٢٣٧

٢٣٨

بسم الله الرحمن الرحيم

(الكلام في العبادات الشرعية)

عبادات الشرع خمس: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد.

وآكدها وأعمها فرض الصلاة، لانها لا تسقط في حال من الاحوال مع ثبات العقل وان تغيرت أوصافها من قيام إلى قعود إلى غير ذلك، وباقي العبادات قد تسقط على بعض الوجوه عن قوم دون قوم، فلذلك نبدأ به في كتب العبادات ثم نعقبه بباقى العبادات.

ونحن نذكر واحدا واحدا منها على وجه الاختصار، فان استيفاء ما يتعلق بكل واحد منها قد بسطناه في النهاية والمبسوط، والغرض ههنا ذكر ما لابد منه على كل حال.

والله الموفق للصواب.

فصل: (في ذكر أفعال الصلاة)

أفعال الصلاة على ضربين: أحدهما يتقدم الصلاة، والثاني يقارنها.

٢٣٩

فما يتقدمها على ضربين: مفروض، ومسنون.

فالمفروض: الطهارة، والوقت، والقبلة، ومعرفة أعداد الصلاة، وستر العورة، ومعرفة ما يجوز الصلاة فيه [ من اللباس والمكان، ومعرفة ما يجوز السجود عليه ](١) ومالا يجوز، وتطهير الثياب والمكان من النجاسات.

والمسنون: ألاذان، والاقامة.

ونحن نذكر لكل ذلك فصلا انشاء الله تعالى.

فصل: (في ذكر حقيقة الطهارة وبيان أفعالها)

الطهارة في الشرع عبارة عن ايقاع أفعال مخصوصة على وجه مخصوص في البدن يستباح به الدخول في الصلاة.

وهي على ضربين: طهارة بالماء، وطهارة بالتراب.

فالطهارة بالماء هي الاصل، وانما يعدل إلى التراب عند عدم الماء أو تعذر استعماله.

وهي على ضربين: أحدهما وضوء، والاخر غسل.

ونحن نبين كل واحد منهما على حدته ونذكر ما ينبغى أن يعمل فيه انشاء الله.

فصل: (في ذكر الوضوء وأحكامه)

الوضوء عبارة عن ايقاع أفعال في أعضاء مخصوصة من البدن على وجه

___________________________________

(١) الزيادة من ج.

٢٤٠