الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة0%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 650
المشاهدات: 239626
تحميل: 32077

توضيحات:

الفقه على المذاهب الخمسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 239626 / تحميل: 32077
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

محّمد جواد مغنية

الفِقهُ

عَلَى المـَذَاهِبِ الخَمسَةِ

الجَعفَري - الحَنَفي - المـَالِكِي - الشّافِعي - الحَنبَلي

الطبعة الأُولى

محقّقة ومزيدة ومنقّحة

مؤسسة الصادق للطباعة والنشر

طهران

١

الفقه على المذاهب الخمسة

٢

محمّد جَواد مغنِيّة

الفِقه على المذاهِب الخمسَة

الجَعفَري - الحَنَفي - المـَالِكي - الشَافِعي - الحَنبَلي

الطبعة الخامسة

٣

٤

هذه الطبعة

ينقسم الفقه الإسلامي إلى أقسام، منها (العبادات)، وتشمل: باب الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والخُمْس والحج. والجزء الأوّل مِن كتاب (الفقه على المذاهب الخمسة) يحتوي على هذه الأبواب الستة، وكانت دار العلم للملايين قد نَشرتْه للمرة الأُولى، فحقّق رواجاً لَم يكن في الحسبان، فأعادت طبعه للمـَرّة الثانية والثالثة والرابعة، فنفدتْ نُسخ هذه الطبعات كالأُولى.

وأيضاً مِن أقسام الفقه الإسلامي (الأحوال الشخصية)، وتشمل: باب الزواج والطلاق والوصايا والمواريث والوقف والحِجر. والجزء الثاني مِن كتاب الفقه على المذاهب الخمسة يحتوي هذه الأبواب الستة، ونَشرتْه دار العِلم للملايين، ونَفدتْ النُّسخ بالكامل، وما زال هذا الكتاب بجزأيه يحتل منزلة الطبعة الأُولى في الإقبال والطلب.

وقد اقترح بعض السادة الأفاضل على الدار أن تُعيد طبع الجزأين في مجلّد واحد، على أن تُشير إلى الأوّل بقسم العبادات، والى الثاني بقسم الأحوال الشخصية، فاستجابت الدار لهذا الاقتراح؛ لأنَّ موضوع الجزأين واحد لمؤلّف واحد. وعسى أن يكون في هذا الجمع شيء مِن التسهيل على القارئ. وهو سبحانه وليُّ التوفيق.

المؤلّف

٥

٦

مقَدِّمَة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الأكرمين.

جاء في الحديث الشريف:(إنَّ جبريل هبط على آدم، وقال له: إنَّ الله سبحانه أمرني أن أُخيّرك واحدة مِن ثلاث: العقل، والدِّين، والحياء. فقال آدم: لقد اخترتُ العقل، فقال الحياءُ والدينُ: إذن نحن معك يا آدم، فقد أمرنا الله أن نكون مع العقل حيث كان) .

ونستفيد مِن هذا الحديث الحقائق التالية:

١ - إنَّ كلّ ما يأباه العَقل فليس مِن الدين في شيء، وإنَّ مَن لا عقل له لا دِين له ولا حياء، وإن قام الليل وصام النهار. ومِن هنا قال أحد أئمة المسلمين: إنَّ المقياس السليم الذي نميّز به الحديث النبوي عن غيره، أن تكون له حقيقة واقعة، ويكون عليه نور جلي، فما لا حقيقة له لا نور عليه، فهو قول الشيطان.

٢ - ما دام الدين لا ينفك عن العقل بحال، فسدُّ باب الاجتهاد يكون سداً لباب الدين؛ لأنَّ الاجتهاد معناه انطلاق العقل، وإفساح المجال لاستنتاج الفروع

٧

مِن أصولها، فإذا حجرنا على العقل حجرنا على الدين بحكم التلازم بينهما، وبكلمة: إذا قلنا بسدّ باب الاجتهاد يلزمنا واحد مِن أمرين لا ثالث لهما، ولا مناص مِن الالتزام بأحدهما، إمّا أن نسدّ باب الدين كما سددنا باب الاجتهاد، وإمّا أن نقول: إنَّ العقل لا يدعم الدين، ولا يقرّ حُكماً مِن أحكامه، وكلاهما بعيد عن منطق الشرع والواقع.

٣ - إنَّ (العالِم) الذي يتعصّب لمذهب - أيّ مذهب - هو أسوأ حالاً مِن الجاهل؛ ذلك لأنّه لَم يتعصّب، والحال هذه للدين والإسلام، وإنّما تعصّب للفرد، لصاحب المذهب بالذات ما دام العقل لا يحتّم متابعته بالخصوص، كما أنّ مخالفة المذهب ليست مخالفة لواقع الإسلام وحقيقته، بل لصاحب المذهب، وبالأصح للصورة الذهنية التي تَصوّرها عن الإسلام.

ومهما يكن، فكلّنا يعلم أنّه لَم يكن في الصدر الأوّل مذاهب وفِرق حين كان الإسلام صفواً مِن كلّ شائبة، وكان المسلمون في طليعة الأمم، ويعلم أيضاً عِلم اليقين أنّ هذه الفرق والمذاهب باعدتْ بين المسلمين، وأقامت بينهم حواجز وفواصل حالت دون قوّتهم وسيرهم في سبيل واحدة لغاية واحدة، وإنّ المستعمرين وأعداء الإسلام وجدوا في هذه التفرقة خير الفرص للاستغلال وإثارة الفتن. وما سيطر الغرب على الشرق، وبلغ النهاية في استغلاله واستذلاله إلاّ عن طريق الفُرقة وتفتيت القوى.

لهذا كلّه نشأ في عقول القادة المخلصين فكرة توحيد الكلمة وتماسك الجماعة الإسلامية، والعمل لها بشتّى الوسائل، ومِن هذه الوسائل: فتح باب الاجتهاد، والقضاء على طغيان التبعية لمذهب معيّن.

والمعروف بين المتفقّهين أنّ السبب الموجب لسدّ باب الاجتهاد أنّ فتْحه على مصراعيه أحدثَ اضطراباً وفوضى، حيث تطاول إليه الصغار مِن طلاّب العِلم، وادّعاه مَن ليس له بأهل، حتّى استامه كلّ مفلِس، أي أنّ (المصلحين) داووا المرض بالقضاء على المريض، لا باستئصال الداء!

هذا ما سطّره الأوّلون في كتبهم، وردّده المتأخّرون على ألسنتهم مِن دون

٨

تحقيق وتمحيص، أمّا أنا فأميلُ إلى أنّ السبب الوحيد لسدّ باب الاجتهاد هو تخوّف الحاكم الظالم مِن حرّية الرأي والقول على نفسه وعرشه، فاحتال وتذرّع بحماية الدين - كما هي عادته -؛ لينكّل بكلّ حر يأبى التعاون مع دولته على الفسق والفجور.

ولا أدلّ على هذه الحقيقة مِن أنّ الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد لَم تبرز إلى الوجود إلاّ حين ضعُفتْ السيطرة الأجنبية والرجعية، وما زال تحقّقها رهناً بتحقق الحرية بأكمل معانيها.

وبَعد، فإنّ كلاًّ مِن التقليد والخضوع للطامعين رقُّ وعبودية، وقد عشنا معهما زمناً طويلاً، وآنَ لنا أن نعيش أحراراً في أفكارنا، كما نعيش أحراراً في بلادنا، وندَع التقليد لمذهب خاص وقول معيّن، ونختار مِن اجتهادات جميع المذاهب ما يتّفق مع تطوّر الحياة ويُسر الشريعة، وإذا لَم يكن التخيّر مِن المذاهب اجتهاداً مطلقاً فإنّه على كلّ حال ضرب مِن الاجتهاد.

على هذا الأساس - أساس التمهيد للتخيّر مِن جميع المذاهب - عزمتُ على وضع هذا الكتاب، ملخِّصاً فيه أقوال المذاهب الخمسة: (الجعفري والحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي) مِن مصادرها. وكما أنّ في أقوال المذاهب ما يتفق مع الحياة ويحقّق العدالة، فإنّ فيها ما يجب ستره والإعراض عنه؛ لذا أعرضتُ عن هذه ضناً بكرامة الفقه والفقهاء، ونشرتُ تلك محاولاً ما استطعت أن أسهّلَ فهمها على الطالب، وأعرضها عرضاً موجزاً واضحاً. وقد لاقيت في هذه السبيل ما يلاقيه كلّ مَن يبغي الترجمة والنقل مِن لغة أجنبية إلى لغته، فإنّ الفَرق بين أسلوب التأليف القديم والتأليف الجديد كالفرق بين اللغة العربية واللغة الأجنبية.

مررت بالمكتبات كعادتي في كلّ يوم أبحث عن جديد أخرجتْه المطابع، فرأيت فيها طالباً مِن أفراد البعثة التونسية - الذين يتخصصون في الجامعة اللبنانية - ينظر الكتب ويقلّبها، وحين رأى في يدي كتاب (علي والقرآن) استأذن بالنظر إليه، ولما قرأ الإعلان على الغلاف عن هذا الكتاب (الفقه على المذاهب الخمسة) استبشر، وقال: نحن في أشدّ الحاجة إلى مثله.

٩

قلت له: وما السبب؟ قال: نحن في المغرب نتبع مذهب الإمام مالك، وهو يشتد في مسائل يتسامح فيها غيره مِن الأئمة، ونحن الشباب مهما تكن ثقافتنا واتجاهاتنا، ومهما تنوعت فينا الظنون ورُمينا بالاتهامات، فلا نرغب أبداً في مخالفة الإسلام والخروج عن أوامره، ولكنّنا في نفس الوقت لا نريد أن يكون علينا عسر وحرجٌ في تطبيق أحكامه والالتزام بها؛ لذلك إذا ابتُلينا بمشكلة يتشدد فيها مالك، أحببنا في أن نعرف رأي غيره فيها لعلّنا نجد فرَجاً ومخرجاً، فنُقدم ونحن واثقون مِن أنّنا لَم نرتكب محرّماً، غير أنّنا لا نجد السبيل إلى معرفة فقه المذاهب الأخرى؛ لأنّ شيوخنا يجهلون أو يتجاهلون كلّ ما يخالف الإمام مالكاً، وإذا رجعنا إلى الكتب القديمة حال بيننا وبين فهمها: التعقيد والغموض والتطويل الذي لا نهتدي معه إلى شيء، وسنجد في كتابك ما يبتغيه كلّ شاب مِن التيسير والتسهيل.

وقد اغتبطتُ بقوله، وشجّعني على المضي في إخراج بقية الأجزاء، وجعلني غير آسف ولا نادم على العدول عن عزمي الأوّل، حيث أردتُ في بدء الأمر أن أذكر مع كلّ قول مِن أقوال المذهب دليله الذي استند إليه صاحبه، مِن: آية أو رواية أو إجماع أو عقل أو قول صحابي، ولكن أُشيرَ عليّ أن اقتصر على ذكر الأقوال فقط؛ لأنّ ذلك أيسر وأسهل على إفهام الناس، وأدعى لرواج الكتاب، فإنّ الأدلة لا يفهمها إلاّ أصحاب المعرفة. وكأنّ هذا القول قد نبهني إلى حقيقة تكمن في نفسي؛ لأنّ الكثير ممن درسوا الفقه يهتمون بالفتوى أكثر مما يهتمون بدليلها ومصدرها، فكيف بغيرهم؟! فعدلتُ عن عزمي، واكتفيت بتلخيص أقوال المذاهب الخمسة وعرضها تاركاً التدليل والتعليق عليها إلا ما ندر؛ ليكون الكتاب للناس كافة لا لفئة معيّنة، وللعامة لا للخاصة.

ومع ذلك فقد وجدّتُ صعوبة في النقل لا يعرفها إلاّ مَن مارسها وكابدها، صعوبة لَم أعهدها في شيء مما كتبتُ مِن الموضوعات. سمعت مَن يقول: إنّ كتابة الفقه على المذاهب سهلة جداً؛ لأنّها نقل وكفى. وهذا أشبه بقول القائل: ليست الحرب إلاّ أن نحمل السلاح، ونبرز إلى المعركة، ولا شيء وراء ذلك!

١٠

إنّ الفقه بحر لا يُدرك مداه، فمسألة واحدة يتفرع عنها فروع شتى كثيراً ما تتعدد وتتضارب في فروع، منها أقوال المذاهب، بل أقوال فقهاء المذهب الواحد، بل أقوال العالِم الواحد. إنّ مَن يحاول الإحاطة في أيّة مسألة خلافية يجد أشد المشقة والجهد، فكيف بكتابة الفقه جميعاً - عباداته ومعاملاته - على جميع المذاهب؟!

ومِن أجل هذا عندما أراد الأزهر وضع كتاب الفقه على المذاهب الأربعة سنة ١٩٢٢، اختار لجنة مِن كبار علماء المذاهب لهذه الغاية، يكتب كلّ على مذهبه، وقد سارت اللجنة في عملها سنوات، حتى استطاعت أن تجمع الأحكام مِن غير أدلتها على الشكل الذي نراه في هذا الكتاب، ومع اعترافي بأنّه قد وفّر عليّ جهوداً عديدة فقد أتعبني في كثير مِن المسائل، واضطرني إلى البحث والتنقيب في المطوّلات والمختصرات أمداً غير قصير. هذا، وقد قضيتُ مع الفقه وأصوله أكثر مِن ٣٣ سنة درساً وتدريساً وتأليفاً، فكيف بمن لا يعرف منه إلاّ الاسم؟!

ثُمّ إنّ كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ذكر قول كلّ مذهب على حدة، كما جاء في كتب فقهائه ما عدا ما اتفق عليه الأربعة، أمّا هذا الكتاب فإنّه يجمع الاتفاق بين مذهبين أو أكثر في جملة واحدة، رغبة في الاختصار والتسهيل.

وما وجدتُ مشقة في شيء كما وجدتُها في تناقض النقل، وتعدّد الروايات عن الإمام الواحد في المسألة الواحدة، فهذا الكتاب ينقل عن التحريم، والثاني ينقل الجواز، والثالث الكراهة. ولما كان مِن قصدي التسهيل على القرّاء، فقد تجنبتُ ما أمكن نقل الروايات المتعددة مكتفياً برواية الأسبق مِن المؤلّفين، وبخاصة إذا كان الناقل يتبع مذهب الإمام الذي ينقل عنه. وقد أنقلُ اتفاق أئمة السنّة الأربعة في مسألة اتفقَ عليها ثلاثة منهم، وجاءت عن الرابع روايتان: إحداهما تتفق مع الثلاثة، والأخرى تخالفهم، فأختار الرواية الموافقة تضييقاً

١١

لشقة الخلاف ودائرته(١) . أمّا إذا كانت الرواية بقول واحد فأذكر الخلاف صراحة، وكثيراً ما عبّرتُ عن مذاهب السنّة الأربعة الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة بلفظ (الأربعة) فقط.

أمّا فيما يعود إلى الفقه الجعفري الذي يعمل به الإمامية(٢) ، فنقلتُ منه ما أجمعوا عليه، واخترتُ المشهور مما اختلفوا فيه.

وختاماً أسجّل ما جاء في المقدّمة مِن كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) الذي اشترك في وضعه سبعة مِن كبار علماء الأزهر: (وليس عيباً أن يؤخذ على هذا الكتاب مأخذ؛ لأنّ الكمال لله وحده، إنّما العيب على مَن أبصر خطأً ولَم يرشد إلى صوابه، وعلى مَن أرشد إلى الصواب ولَم يتدارك خطأه).

نسأل الله تعالى أن يرشدنا إلى الحق، وان ينفع بهذه الصفحات مَن يبتغي النفع، وله الحمد أوّلاً وآخراً.

محمد جواد مغنية

بيروت - ١/ ١٠ / ١٩٦٠

____________________

(١) وإليك المثال: قال الإمامية والشافعية والحنفية والمالكية: تجوز الزكاة للإخوة والعمومة، وروي عن الإمام ابن حنبل روايتان، إحداهما بالجواز والثانية بالمنع، فنقلت الاتفاق.

(٢) لفظ الإمامية: علَمٌ على مَن دان بوجوب الإمامية، وثبوت النص عن الرسول بالخلافة على الإمام علي بن أبي طالب. ويُطلق على فقه الامامية: الفقه الجعفري؛ لأنّ تلامذة الإمام جعفر الصادق كتبوا عنه ٤٠٠ مصنَّف لـ ٤٠٠ مصنِّف، سُمّيت بالأصول الأربعمائة، ثُمّ جُمعتْ في أربعة كتب، وهي: الكافي، ومَن لا يحضره الفقيه، والاستبصار، والتهذيب. وهذه الكتب مِن أهم المراجع لمعرفة أحاديث الأحكام عند الامامية.

١٢

القِسمُ الأوّل

العِبَادَات

١٣

١٤

الطهارة

اهتمّ المسلمون كثيراً بالطهارة، ووضعوا فيها المؤلّفات الطوال، ومرّنوا عليها الأطفال، ودرسوها في معابدهم ومعاهدهم، واعتبرها أئمة الفقه شرطاً أساسياً لصحة العبادة، ولست أغالي إذا قلتُ: لَم يهتم دين مِن الأديان بالطهارة، كما اهتمّ بها الإسلام.

وهي في اللغة: النظافة. وفي اصطلاح الفقهاء: رفع حدثٍ أو إزالة خَبثٍ، هو النجاسة المادية، كالدم والبول والعذرة. والحدث: أمر معنوي يحدث للإنسان حين يصدر منه ما يمنعه مِن الدخول في الصلاة، ويوجب الوضوء أو الغُسل أو التيمم. والطهارة مِن الحدث لا تتم إلا بنية التقرب وطاعة الأمر بها، أمّا طهارة اليد والثوب والإناء مِن النجاسة فتتم مِن غير نية، بل لو حمل الهواء الثوب المتنجس، وسقط في الماء الكثير يطهر تلقائياً.

وتتحقق الطهارة مِن الحدث والخبث بالماء؛ لقوله تعالى:( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) (الأنفال / ١١)، وقوله سبحانه:( وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ) (الفرقان / ٤٨). والطهور: هو الطاهر بنفسه المطهِّر لغيره. ولما كان مِن الماء القليل والكثير، ومنه المعتصر مِن الأجسام والممتزج بغيره، والباقي على أصل الخلقة، قسّمه الفقهاء إلى قسمين: مطلق ومضاف.

١٥

الماء المطلق

١ - الماء المطلق: هو الباقي على طبيعته، كما نزل مِن السماء ونبع مِن الأرض، بحيث يصح أن يتناوله اسم الماء مجرّداً عن كلّ وصف يخرجه عن أصل الخلقة، ويشمل ماء المطر والبحر والنهر والبئر، وكلّ ما نبع مِن الأرض، وما أُذيب مِن البرَد والثلج.

ويبقى الماء على إطلاقه إذا تغير مما يعسر التحفظ منه - غالباً - كالمتغير بالطين والتراب، وطول المكث، أو بما يتساقط عليه مِن ورقِ الشجر، أو يتجمع فيه مِن التبن ونحوه، أو بما يكون في مقرّ الماء أو ممره مِن الملح والكبريت وما إلى ذلك مِن المعادن. والماء المطلق طاهر ومطهِّر للحدث والخَبث اتفاقاً وقولاً واحداً، أمّا ما روي عن عبد الله بن عمر: مِن أنّ التيمم أحب إليه مِن ماء البحر، فيرده قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن لَم يُطهِّره البحر، فلا طهره الله).

الماء المستعمل

إذا أُزيلتْ النجاسة عن البدن أو الثوب أو الإناء بماء مطلق، وانفصل الماء عن المحل المغسول بنفسه أو بعصر، سُمي هذا الماء المنفصل بالغُسالة - عند الفقهاء - أو المستعمل، وهو نجسٌ؛ لأنّه ماء قليل لاقى النجاسة فينجس، سواء أتغير أم لا يتغير؛ وعليه فلا يرفع خَبثاً ولا حدثاً.

وقال جماعة مِن فقهاء المذاهب: إذا انفصل هذا الماء عن المحل المغسول متغيراً بالنجاسة فهو نجس، وإلاّ كان حكمه حكم المحل الذي انفصل عنه، إنْ طاهراً فطاهر، وان نجساً فنجس، وهذا لا يصح إلاّ إذا لاحظنا المحل قَبل ورود الماء عليه، وإلاّ فقد يطهر المحل المتنجس الذي صُب عليه الماء، ويكون الماء المنفصل عنه نجساً لملاقاته للنجاسة.

وإذا استُعمل الماء لرفع الحدث فهو طاهر غير مطهِّر، على المشهور مِن

١٦

مذهب أبي حنيفة، والظاهر مِن قول الشافعي وأحمد. وطاهر مطهِّر عند مالك في إحدى الروايتين عنه (المغني لابن قدامة ج١ ص ١٩). وقال الإمامية: الماء المستعمل في الوضوء والأغسال المندوبة - كغسل التوبة والجمعة - طاهر ومطهِّر للحدث والخَبث، أي يجوز أن نغتسل به ونتوضأ ونُزيل النجاسة، أمّا الماء المستعمل في الأغسال الواجبة - كالغسل مِن الجنابة والحيض - فقد اتفق علماؤهم على أنّه يزيل النجس، واختلفوا في رفعه للحدث وجواز الوضوء به والغسل ثانية، فبعضهم أجاز، وبعضهم منَع.

(فرع)

إذا انغمس الجنب في الماء القليل بَعد أن طهر موضوع النجاسة، ونوى رفع الحدث، قال الحنابلة: صار الماء مستعملاً، ولَم ترتفع الجنابة، بل يجب أن يغتسل ثانية. وقال الشافعية والإمامية والحنفية: يصبح الماء مستعملاً، ولكن ترتفع الجنابة، ولا تجب إعادة الغسل. (المغني لابن قدامة ج١ ص٢٢ الطبعة الثالثة، وابن عابدين ج١ ص ١٤٠ الطبعة الميمنية).

وقد كان ناس القرون الوسطى بحاجة إلى هذا الفرع وأمثاله مِن الفروع المدونة في مطولات الفقه، حيث كان الماء أغلى وأثمن مِن الزيت اليوم. أمّا الآن وبَعد أن أجرى العلم الماء مِن أعماق الأرض إلى كلّ بيت في أعالي الجبال، فنعرض مثل هذا الفرع كما تُعرض الآثار التاريخية في المتاحف.

الماء المضاف

٢ - الماء المضاف: هو ماء اعتصر مِن الأجسام، كعصير الليمون والعنب، أو ما كان مطلقاً في الأصل ثُمّ أضيف إليه ما يخرجه عن طبيعته، مثل ماء الزهر و(الكازوز). وهو طاهر، ولكنّه لا يطهِّر النجاسة الخبيثة باتفاق المذاهب إلاّ الحنفية، وقد أجازوا إزالة النجاسة بكلّ مائع غير الأدهان، إلاّ المتغير عن طبخ، ووافقهم السيد مرتضى مِن الإمامية.

واتفقَت المذاهب أيضاً على أنّه لا يجوز الوضوء ولا الغسل بالماء المضاف،

١٧

ما عدا الحنفية، فقد جاء في كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد (٣٢) طبعة ١٣٥٤ﻫ، وكتاب مجمع الأنهر ص ٣٧ طبعة استانبول: (قال أبو حنيفة بجواز الوضوء بنبيذ التمر في السفر). وجاء في ج١ ص ١٢ مِن كتاب المغني لابن قدامة: (مذهب أبي حنيفة جواز الوضوء بالمضاف). وقال الشيخ الصدوق مِن الإمامية: (يصح الوضوء والغسل مِن الجنابة بماء الورد).

واستدل الحنفية على جواز الوضوء بالمضاف بالآية الكريمة:( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) (المائدة / ٦). قالوا: إنّ معنى الآية إذا لّم تجدوا ماء مطلقاً ولا مضافاً؛ وعليه إذا وجِد الماء المضاف لا يجوز التيمم. وبهذه الآية ذاتها استدل أئمة المذاهب الأخرى على المنع، حيث قالوا: إنّ لفظ الماء في الآية ينصرف إلى الماء المطلق دون المضاف؛ وعليه يكون معنى الآية: إذا لَم تجدوا ماء مطلقاً فتيمموا، وحينئذٍ يكون وجود المضاف وعدمه سواء. وهذا هو الحق؛ لأنّك إذا طلبتَ ماء مِن صاحب مقهى أو غيره لا يأتيك بالعصير أو الكازوز، ومِن المعلوم أنّ موضوعات الأحكام الشرعية مُنزّلة على أفهام العرف.

واختلاف أئمة الفقه في تفسير لفظ الماء في الآية، يدلنا على أنّه كاختلاف الأدباء في معنى بيت مِن الشعر، وعلماء اللغة في تفسير كلمة لغوية. إنّه اختلاف في الفهم والاجتهاد، لا في الأصول والمصادر.

الكُر والقلتان

اتفق الجميع على أنّ الماء إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه؛ بسبب ملاقاة النجاسة، يصبح نجساً، قليلاً كان أو كثيراً، نابعاً أو غير نابع، مطلقاً أو مضافاً. وإذا تغير بمرور الرائحة مِن غير ملاقاة النجاسة - كما لو كان إلى جانبه ميتة فحمل الهواء رائحتها إلى الماء - يبقى على الطهارة.

١٨

أمّا إذا اختلطت النجاسة بالماء، ولَم تغير وصفاً مِن أوصافه، فقال مالك في إحدى الروايات عنه: هو طاهر، قليلاً كان أو كثيراً. وقال أهل المذاهب الأخرى: إنّ كان قليلاً فنجس، وان كان كثيراً فطاهر.

ولكنّهم اختلفوا في حدّ الكثرة، فقال الشافعية والحنابلة(١) : الكثير ما بلغ قلّتين؛ لحديث (إذا بلغ الماء قلّتين لَم يحمل الخَبث). والقلّتان ٥٠٠ رطل عراقي، وقدّرهما بعض شيوخ الأزهر باثنتي عشرة تنكة. وقال الإمامية: الكثير ما بلغ كراً؛ للحديث (إذا بلغ الماء قدر كرّ لَم ينجّسه شيء)، والكرّ ١٢٠٠ رطل عراقي، ويعادل حوالي ٢٧ تنكة. وقال الحنفية: الكثير أن يبلغ مِن الكثرة بحيث إذا حُرك احد جانبي الماء لَم يتحرك الجانب الآخر(٢) .

وممّا قدّمنا يتبين أنّ المالكية لَم يعتبروا القلّتين ولا الكر، وأنّه ليس للماء قدر معيّن عندهم، فالقليل والكثير سواء في أنّه متى تغير أحد الأوصاف تنجّس وإلاّ فلا. ووافقهم مِن الإمامية ابن أبي عقيل؛ عملاً بعموم حديث (الماء طهور لا ينجّسه شيء، إلاّ ما غلب ريحه أو طعمه أو لونه). ولكنّ هذا الحديث عام، وحديث القلّتين أو الكرّ خاص، والخاص مقدّم على العام.

والحنفية أيضاً لَم يعتبروا القلّتين ولا الكر، وإنّما اعتبروا الحركة. ولَم أجد لهذه (الحركة) عيناً ولا أثراً في الكتاب والسنّة.

(فرع)

قال الشافعية والإمامية: غير الماء مِن المائعات كالخل والزيت تنجُس بمجرد ملاقاتها للنجاسة، قلَّت أو كثرت، تغيرت أم لَم تتغير. وهذا ما تقتضيه أصول الشرع؛ لأنّ المفهوم مِن قول النبي (صلّى الله عليه وسلّم) -: (إذا بلغ الماء

____________________

(١) قال الحنابلة: لا ينجس الكثير بالملاقاة إذا لَم تكن النجاسة بولاً أو عذرة، فإذا تنجّس بأحدهما ينجس، تغير أو لَم يتغير، إلاّ أن يكن مثل المصانع التي بطريق مكة (المغني لابن قدامة، الجزء الأوّل).

(٢) وهناك أقوال في حد الكثرة غير هذه، ولكنّها متروكة، منها: إنّ الكثير أربعون قلّة، ومنها دلوان، ومنها أربعون دلواً.

١٩

قلّتين لَم ينجّسه شيء) - هو الماء المطلق. وقال الحنفية: إنّ حكم المائعات كالماء المطلق في القلة والكثرة، ينجس القليل منها بالملاقاة دون الكثير، فقد جاء في حاشية ابن عابدين ج١ ص ١٣٠ الطبعة الميمنية: (حكم المائعات كالماء - في الأصح - حتى لو وقع بول في عصير كثير لَم يفسد، ولو سال دم رجله مع العصير لا ينجس).

الجاري والراكد

اختلفت المذاهب في الماء الجاري، فقال الحنفية: كلّ ما جرى قلَّ أو كثر، اتصل بمادة أو لَم يتصل، لا يتنجس بمجرد الملاقاة، بل لو كان في إناء ماء نجس وفي آخر طاهر، وصبّا مِن مكان عال فاختلطا في الهواء ثُمّ نزلا، طهُر كلّه، وكذا لو أُجريا في الأرض (ابن عابدين ج١ ص ١٣١) فالمعول على الجريان، ومتى حصل بأيّ نحو أُعطي حكم الماء الكثير، وإن لَم يجرِ فهو كالقليل، وإن كان نابعاً، ومِن هنا حكموا بأنّ ماء المطر لو أصاب أرضاً نجسة، ولَم يجر عليها تبقى على النجاسة.

إذاً للماء الذي لا ينجس بالملاقاة فردان عند الحنفية، الأوّل: الراكد الذي إذا حرك أحد جانبيه لَم يتحرك الجانب الآخر، والثاني: الجاري بأيّ نحو. أمّا الماء القليل الذي لا ينجس بالملاقاة فهو الراكد الذي لو حرك جانب منه تحرك الجانب الآخر.

أمّا الشافعية فلا فرق عندهم بين الجاري والراكد، ولا بين النابع وغيره، وإنّما الاعتبار بالقلة والكثرة، فالكثير الذي بلغ القلّتين لا يتنجس بالملاقاة، وما كان دون القلّتين يتنجس جارياً كان أو راكداً، نابعاً أو غير نابع؛ أخذاً بإطلاق حديث (إذا بلغ الماء قلّتين لَم يحمل خَبثاً).

وقالوا: إذا كان الماء جارياً وفيه نجاسة، يُنظر، فإن بلغَت الجِرية التي تحمل النجاسة قلّتين دون أن تتغير، فالماء كلّه طاهر، وإن كانت الجرية دون

٢٠