الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة6%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247985 / تحميل: 32985
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

٦ - أن ينوي القصر في الصلاة التي يؤديها، فلو صلّى ولَم ينوِ القصر صلاّها تماماً عند الحنابلة والشافعية.

وقال المالكية: تكفي نية القصر في أوّل صلاة يقصرها في السفر، ولا يلزم تجديدها عند كل صلاة.

وقال الحنفية والإمامية: نية القصر ليست شرطاً في وجوب القصر، فلو لم ينوِ القصر وجب عليه أن يتمم؛ لأنّ الحكم لا يتغير بالنوايا، ولأنّه قد نوى السفر منذ البداية، غير أنّ الإمامية قالوا: إذا نوى المسافر الإقامة في مكان ثمّ رجع عن نيته، يصلّي قصراً ما لَم يكن قد صلّى تماماً، ولو صلاة واحدة، فلو كان قد صلّى صلاة واحدة على التمام ثمّ عدل عن الإقامة سبقي على التمام.

٧ - أن لا ينوي الإقامة مدة خمسة عشرة يوماً متوالية عند الحنفية، أو عشرة أيام عند الأمامية، أو أربعة أيام عند المالكية والشافعية، أو مدة يجب عليه فيها أكثر مِن عشرين صلاة عند الحنابلة. وزاد الإمامية: أنّه إذا لَم ينوِ الإقامة ولا عدمها، وكان متردداً لا يدري متى تُقضى حاجته، يبقى على القصر إلى أن يمضي عليه ثلاثون يوماً، وبعدها يجب أن يقصر، ولو كانت صلاة واحدة.

٨ - أن لا يكون عمل المسافر يستدعي استمرار السفر، كالمكاري وبعض التجار الذي تقتضي تجارتهم دوام السفر، وعدم استقرارهم في بيوتهم مدة الإقامة. وهذا الشرط معتبر عند الحنابلة والإمامية فقط دون سائر المذاهب.

٩ - أن لا يكون بيته معه كأهل البوادي الذين لا مسكن لهم، ويتنقلون في البراري ومحل العشب والكلأ. وهذا الشرط صرح به الإمامية خاصة.

١٠ - قال الحنفية والحنابلة والمالكية: إذا رجع المسافر عن السفر، وعزم على العودة إلى المكان الذي أنشأ سفره منه، ينظر: فإن كان ذلك قَبل أن يقطع مقدار مسافة القصر بطل سفره، ووجب عليه أن يتم، وإن كان قد قطع

١٤١

المسافة المحددة شرعاً فإنّه يقصر حتى يعود إلى الوطن.

وقال الشافعية: (مهما بدا له الرجوع في أثناء سفره، فليتم). (الوجيز للغزالي صلاة المسافرين). ومعنى هذا إنّ عليه التمام على كل حال، ولو قطع المسافة؛ لأنّ ترك التفصيل دليل العموم والشمول.

وقال الإمامية: إذا عدل عن السفر، أو تردد قَبل أن يقطع المسافة وجب عليه التمام، وإن كان قد قطعها وجب القصر، فاستمرار نية السفر شرط ما دام لَم يقطع المسافة، أمّا بَعد قطعها فيتحقق الموضوع قهراً، ولا يتوقف وجوده على النية.

واتفق الجميع على أنّ كل شرط معتبر لقصر الصلاة فهو شرط أيضاً لجواز الإفطار في السفر، وبعض المذاهب زاد شروطاً أخرى لجواز الإفطار نأتي على ذكرها في باب الصوم، أمّا الإمامية فلم يزيدوا شيئاً، وقالوا:

(مَن أفطر قصر، ومَن قصر أفطر).

الجمع بين الصلاتين

يجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً بعذر السفر، عند مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يجوز الجمع بين الصلاتين بعذر السفر بحال.

ومعنى الجمع (تقديماً) أن يجمع الظهرين في وقت الظهر، ومعنى (تأخيراً) أن يجمعهما في وقت العصر.

الجاهل والناسي

قال الإمامية: مَن صلّى تماماً في السفر متعمداً بطلت صلاته، وعليه

١٤٢

أن يعيد أداء مع وجود الوقت، وقضاء في خارجه، ومَن صلّى جاهلاً بوجوب القصر فلا يعيد مطلقاً في داخل ولا في خارجه، وإذا أتمّ ناسياً ثمّ تذكّر وهو في الوقت أعاد، وإذا تذكّر خارج الوقت فلا يعيد.

وقال الإمامية: مَن دخل عليه الوقت وهو حاضر متمكن مِن الصلاة، وسافر قَبل أن يصلّي وجب أن يصلّي قصراً. ولو دخل عليه الوقت وهو مسافر، ولَم يصلِّ حتى وصل إلى وطنه أو محل إقامته عشرة أيام فعليه أن يصلّي تماماً، فالمعوّل على حال الأداء لا حال الوجوب.

١٤٣

مبطلات الصلاة

تبطل الصلاة بأمور:

١ - الكلام، وأقله ما كان مركّباً مِن حرفين ولو مهملين لا معنى لهما، وكذا الحرف الواحد إذا كان مفهماً، مثل (قِ) فعل أمر مِن وقى، ولا تبطل بحرف مهمل لا معنى له، ولا بصوت يشتمل على حروف غير مقصودة.

ولَم يفرّق الحنفية والحنابلة في الحكم ببطلان الصلاة بالكلام بين صدوره عمداً وسهواً.

وقال الإمامية والشافعية والمالكية: لا تبطل الصلاة بالكلام سهواً إذا كان يسيراً بحيث تبقى صورة الصلاة محفوظة.

ولا تبطل بالتنحنح سواء أكان لحاجة أو غير حاجة عند الإمامية والمالكية، وتبطل عند بقية المذاهب إن كان لغير حاجة، ولا بأس به للحاجة، كتحسين الصوت حتى تخرج الحروف مِن مخارجها، أو يهتدي الإمام إلى الصواب.

واتفقوا على أنّه يجوز الدعاء أثناء الصلاة بطلب الخير والمغفرة مِن الله سبحانه، إلاّ عند الحنفية والحنابلة، فإنّهم قيدوا مثل هذا الدعاء بما ورد في الكتاب والسنّة، أو بما يطلب مِن الله وحده كالرزق والبركة.

١٤٤

وليس مِن الكلام المبطل (التسبيح) للإعلام بأنّه في الصلاة، أو لإرشاد الإمام أو إصلاح خطأ في صلاته.

وقال الأربعة: مِن الكلام المبطل للصلاة (ردّ السلام)، فلو سلّم عليه رجل وهو في الصلاة فرد عليه السلام بلسانه بطلت صلاته، ولا بأس بالرد مشيراً.

وقال الإمامية: يجب على المصلّي أن يرد التحية بمثلها إذا كانت بصيغة السلام لا بصيغة صباح الخير ونحوه، واشترطوا أن تكون بهيئة السلام تماماً دون تغيير، فجواب سلامٌ عليكم مثلها بدون الألف واللام، وجواب السلام عليكم يكون بالألف واللام.

٢ - كل فعل ماحٍ لصورة الصلاة فهو مبطل لها، بحيث يخيّل للناظر أنّ فاعله ليس في الصلاة، وهو شرط متفق عليه عند الجميع.

٣ - الأكل والشرب بالاتفاق، ولكن اختلفوا في المقدار المبطل منهما.

فقال الإمامية: كل مِن الأكل والشرب يبطل الصلاة إذا محا صورتها، أو فوّت شرطاً مِن شروطها كالموالاة ونحوها.

وقال الحنفية: كل أكل وشرب مبطل للصلاة كثر أو قلّ، ولو كان المأكول حبة سمسم، والمشروب قطرة ماء، مِن غير فرق في ذلك بين العمد والسهو.

وقال الشافعية: كل ما يصل إلى جوف المصلّي مِن طعام أو شراب فهو مبطل قليلاً كان أو كثيراً، هذا إذا كان المصلّي عامداً عالماً بالتحريم، أمّا إذا كان جاهلاً أو ناسياً فلا يضر القليل، ويضر الكثير.

وقال الحنابلة: الكثير يبطل عمداً وسهواً، والقليل يبطل عمداً لا سهواً.

٤ - إذا طرأ ناقض للوضوء أو الغسل مِن حدثٍ أكبر أو أصغر يبطل الصلاة عند الجميع، إلاّ الحنفية فإنّهم قالوا: يُبطل الناقض إذا حدث قَبل القعود

١٤٥

الأخير بقدر التشهد، أمَا إذا طرأ بعده وقَبل السلام فلا تبطل الصلاة.

٥ - القهقهة تبطل الصلاة بالاتفاق، ما عدا الحنفية فإنّ حكمها عندهم حكم الحدث على التفصيل المتقدم.

ولما كان لمبطلات الصلاة أهميتها الكبرى، وهي كثيرة ومتشعبة، ولكل مذهب رأي قد يتفق أو يختلف مع غيره، فمن الخير أن نجملها كما هي عند كل مذهب على حدة فيما يلي:

قال الشافعية: مبطلات الصلاة هي: الحدث الموجب للوضوء أو الغسل، والكلام، والبكاء، والأنين في بعض الحالات، والفعل الكثير، والشك بالنية، والتردد في قطع الصلاة مع الاستمرار فيها، والعدول مِن صلاة إلى أخرى ما عدا الفرض فله أن يصرفه إلى النفل إذا أراد صلاة الجماعة، وانكشاف العورة مع القدرة على سترها، والعريان إذا وجد ساتراً، والنجاسة غير المعفو عنها إذا لَم يفارقها بسرعة، وتكرير تكبيرة الإحرام، وترك الركن عمداً، واقتداء المصلّي بمن لا يُقتدى به لكفر أو غيره، وزيادة الركن عمداً، ووصول المفطر إلى الجوف، والتحول عن القبلة بالصدر، وتقديم الركن الفعلي على غيره.

وقال المالكية: المبطل هو ترك الركن عمداً أو سهواً إذا لَم يتذكر حتى سلّم معتقداً الكمال وطال الأمر عرفاً، وزيادة الركن عمداً كالركوع والسجود، وزيادة التشهد في غير محله إذا كان عن جلوس، والقهقهة عمداً أو سهواً، والأكل والشرب عمداً، والكلام عمداً لغير إصلاح، والنفخ بالفم عمداً، والقيء عمداً، وطروء ناقض للوضوء، وكشف العورة أو شيء منها، وسقوط النجاسة على المصلّي، والفعل الكثير، وزيادة أربع ركعات على الصلاة الرباعية يقيناً أو سهواً، والسجود قَبل السلام، وترك ثلاث سنن مِن سنن الصلاة سهواً مع ترك السجود لها.

وقال الحنابلة: المبطلات هي العمل الكثير، وطروء نجاسة لَم يعفُ عنها،

١٤٦

واستدبار القبلة، وطروء ناقض للوضوء، وتعمد كشف العورة، واستناد المصلّي استناداً قوياً مِن غير عذر، والرجوع للتشهد الأوّل بَعد الشروع بالقراءة إن كان عالماً ذاكراً، وزيادة الركن عمداً، وتقديم بعض الأركان على بعضٍ عمداً، واللحن المغيّر للمعنى مع القدرة على الإصلاح، ونية قطع الصلاة أو التردد في ذلك، والشك في تكبيرة الإحرام، والقهقهة، والكلام عمداً أو سهواً، وسلام المأموم عمداً قَبل الإمام، والأكل والشرب لناسٍ أو جاهل، والتنحنح بلا حاجة، والنفخ إن بان منه حرفان، والبكاء لغير خشية الله.

وقال الحنفية: المبطلات هي الكلام عمداً أو سهواً أو جهلاً أو خطأ، والدعاء بما يشبه كلام الناس، والعمل الكثير، وتحويل الصدر عن القبلة، والأكل والشرب، وتسميت العاطس، وقول إنّا لله عند سماع خبر سوء، وقول الحمد لله عند سماع خبر سار، وقول سبحان الله أو لا إله إلاّ الله للتعجب، ورؤية المتيمم الماء، وطلوع الشمس وهو يصلّي الفجر، وزوالها وهو يصلّي العيد، وسقوط الجبيرة عن برء، والحدث عمداً، أمّا لو سبقه الحدث فلا تبطل صلاته بل يتوضأ، ويبني على ما سبق(١) .

وقال الإمامية: يبطل الصلاةَ الرياءُ، والتردد في النية، ونية القطع إذا أتى بشيء مِن أفعال الصلاة في هذه الحال، والعدول مِن صلاة متقدمة إلى صلاة متأخرة، كما لو عدل مِن الظهر إلى العصر، أمّا إذا عدل مِن العصر إلى الظهر فلا مانع، فلو تخيّل أن قد صلّى الظهر ونوى العصر، ثمّ تذكّر في الأثناء فيجوز له العدول منها إلى الظهر، ويجوز العدول مِن الجماعة إلى الانفراد، ولا يجوز العدول مِن الانفراد إلى الجماعة، ولكن يجوز لمن يصلّي صلاة الفريضة منفرداً أن يعدل بها إلى الندب كي يؤدي الفريضة جماعة، وتبطل الصلاة أيضاً بزيادة تكبيرة الإحرام، فلو كبّر لها ثمّ كبّر ثانية بطلت واحتاج إلى ثالثة،

____________________

(١) تلخيص من كتاب: (الفقه على المذاهب الأربعة).

١٤٧

ولو كبّر الرابعة بطلت واحتاج إلى الخامسة، وهكذا تبطل بالشفع لزيادة الركن، وتصحّ بالوتر، وتبطل الصلاة بالنجاسة العارضة غير المعفو عنها إذا لَم يستطع إزالتها بفعل كثير ماحٍ لصورة الصلاة، وإذا تيمم لفقد الماء ودخل في الصلاة ثمّ وجده وهو في أثناء الصلاة، يبطل التيمم والصلاة معاً إن كان قد وجده قَبل ركوع الركعة الأُولى، وإن كان بَعده يتم وتصحّ الصلاة، وتبطل بفقد بعض الشروط كالساتر وإباحة المكان، وطروء الحدث، وبتعمد الالتفات بتمام البدن إلى الخلف، أو إلى اليمين، أو إلى الشمال، أو إلى ما بينهما بحيث يخرج عن الاستقبال، وبتعمد الكلام والبكاء لأمور الدنيا، وبالقهقهة، وبالفعل الماحي للصلاة، وبالأكل والشرب، وبزيادة جزء أو نقصانه عمداً، وبترك ركن مِن الأركان الخمسة عمداً أو سهواً، والأركان الخمسة هي: النية وتكبيرة الإحرام والقيام والركوع والسجدتان مِن ركعة واحدة، هذا مع العلم أنّ النية يمكن نقصانها ولا يمكن زيادتها بحال.

المرور بين يدي المصلّي

اتفقوا على أنّ المرور بين يدي المصلّي لا يبطل الصلاة، واختلفوا في تحريمه.

قال الإمامية: لا يحرم المرور على المار ولا على المصلّي، وإنّما يستحب أن يجعل المصلّي بين يديه سترة إذا لَم يكن أمامه حاجز يمنع المرور، والسترة هي عبارة عن عود أو حبل أو كومة تراب ونحو ذلك، يجعله المصلّي أمامه إشارة إلى تعظيم الصلاة، والانقطاع عن الخَلق، والتوجه إلى الحق.

وقال المالكية والحنفية والحنابلة: يحرم المرور بين يدي المصلّي على كل حال، سواء اتخذ سترة أو لَم يتخذ. بل قال الحنفية والمالكية: يحرم على المصلّي أن يتعرض بصلاته لمرور الناس بين يديه مع إمكان الابتعاد.

وقال الشافعية: يحرم المرور إذا لَم يتخذ المصلّي سترة، أمّا مع وجودها فلا حرمة ولا كراهة.

١٤٨

الصيام

الصيام في رمضان ركن مِن أركان الدين، ووجوبه لا يحتاج إلى دليل بَعد أن خرج منكره عن الإسلام؛ لأنّه كالصلاة ثابت بالضرورة، وما ثبت بالضرورة يستوي في معرفته الجاهل والعالم والكبير والصغير.

وقد فُرض في شعبان السنة الثانية مِن الهجرة، وهو فرض عيّن على كل مكلّف، ولا يجوز الإفطار إلاّ لأحد الأسباب التالية:

١ - الحيض والنفاس، فلو حاضت المرأة أو نفست لا يصحّ منها الصوم بالاتفاق.

٢ - المرض، وفيه تفصيل بين المذاهب:

قال الإمامية: لا يجوز الصوم إذا أحدث مرضاً، أو زاد في شدته أو شدة ألمه، أو أخرّ البرء؛ لأنّ المرض ضرر والضرر محرّم، والنهي عن العبادة يقتضي الفساد، فلو صام والحال هذه لا يصحّ صومه، ويكفي أن يغلب على ظنه حدوث المرض، أو زيادته. أمّا الضعف المفرط فليس سبباً للإفطار ما دام يُتحمّل عادة، فالسبب الموجب هو المرض لا الضعف ولا الهزال ولا المشقة، كيف وكل تكليف فيه صعوبة وكلفة؟!

وقال الأربعة: إذا مرض الصائم، وخاف بالصوم زيادة المرض أو تأخر

١٤٩

البرء، فإن شاء صام وإن شاء أفطر، ولا يتعين عليه الإفطار؛ لأنّه رخصة لا عزيمة في مثل هذه الحال. أمّا إذا غلب على ظنه الهلاك، أو تعطيل حاسة مِن حواسه فيتعين عليه أن يفطر، ولا يصحّ منه الصوم.

٣ - الحامل المقرِب - التي أوشكت على الولادة - والمرضع، قال الأربعة: إذا خافت المرضع أو الحامل على نفسها أو ولدها يصحّ صيامها، ويجوز لها أن تفطر، فإن أفطرت فعليها القضاء بالاتفاق، واختلفوا في أمر الفدية - أي الكفارة -، فقال الحنفية: لا تجب مطلقاً. وقال المالكية: تجب على المرضع دون الحامل. وقال الحنابلة والشافعية: تجب الفدية على كل مِن الحامل والمرضع إن خافت على ولدها فقط، أمّا لو خافت على نفسها وعلى ولدها معاً فإنّها تقضي ولا تفدي. والفدية عن كل يوم مُد، والمد طعام مسكين(١) .

وقال الإمامية: إذا تضررت الحامل التي قرب أوان وضعها، أو تضرر الولد المرتضع، فعليها أن تفطر ولا يجوز لها الصوم؛ لأنّ الضرر محرّم، واتفقوا على أنّ عليها القضاء والفدية بمُد إذا كان الضرر على الولد، أمّا إذا كان الضرر على نفسها، فبعضهم قال: تقضي ولا تفدي، وآخرون قالوا: تقضي وتفدي.

٤ - السفر بالشروط المعتبرة في صلاة القصر حسبما قدّمنا عند كل مذهب. وأضاف الأربعة إلى تلك شرطاً آخر، وهو أن يشرع بالسفر قَبل طلوع الفجر، بحيث يصل إلى محل الترخيص الذي فيه قصر الصلاة قَبل طلوع الفجر، فإذا شرع بالسفر بَعد طلوع الفجر حرم عليه الفطر، ولو أفطر قضى بدون كفارة. وزاد الشافعية شرطاً آخر، وهو أن لا يكون المسافر مِن عادته دوام السفر كالمكاري، فإن اعتاده فلا يحق له الفطر، والفطر عندهم في السفر رخصة، وليس بعزيمة فالمسافر الذي تمت له جميع الشروط بالخيار، إن شاء صام وإن شاء أفطر، هذا مع العلم بأنّ الحنفية

____________________

(١) ويقدّر بثماني مئة غرام حنطة أو نحوها.

١٥٠

خاصة قالوا: قصر الصلاة في السفر عزيمة لا رخصة.

وقال الإمامية: إذا تمت للمسافر شروط قصر الصلاة لا يُقبل منه الصوم، ولو صام قضى دون أن يكفّر، هذا إذا شرع بالسفر قَبل الزوال، أمّا إذا شرع به وقت الزوال أو بعده فعليه أن يبقى على صيامه، وإن أفطر فعليه كفارة مَن أفطر عمداً. وإذا وصل المسافر إلى وطنه أو محل إقامته عشرة أيام قَبل الزوال، ولَم يكن قد تناول شيئاً مِن المفطرات وجب عليه البقاء على الصوم، فإن أفطر كان كمن أفطر عمداً.

٥ - اتفقوا جميعاً على أنّ مَن به داء العطش الشديد يجوز له أن يفطر، وإذا استطاع القضاء فيما بَعد وجب عليه دون الكفارة عند الأربعة، ويجب عليه أن يكفّر عند الامامية بمُد. واختلفوا في الجوع الشديد هل هو مِن مسوّغات الإفطار كالعطش؟ قال الأربعة: هو والعطش سواء، كل منهما يبيح الإفطار. وقال الإمامية: لا يبيحه إلاّ إذا استلزم المرض.

٦ - الشيخ والشيخة الهرمان الفانيان اللذان يجدان حرجاً ومشقة لا يقدران معها على الصوم يرخّص لهما بالإفطار مع الفدية عن كل يوم طعام مسكين، وكذلك المريض الذي لا يرجى برؤه في جميع أيام السنة، وهذا الحكم متفق عليه إلاّ الحنابلة قالوا: تستحب الفدية ولا تجب.

٧ - قال الإمامية: لا يجب الصوم مع الإغماء ولو حصل في جزء مِن النهار، إلاّ إذا كان قد نوى الصوم قَبل الإغماء ثمّ أفاق، فعليه أن يبقى على الإمساك.

زوال العذر

إذا زال العذر المبيح للإفطار، كما لو برئ المريض، أو بلغ الصبي، أو قدم المسافر، أو طهرت الحائض، استحب الإمساك تأدباً عند الإمامية والشافعية، ووجب عند الحنفية والحنابلة، وقال المالكية: لا يجب ولا يستحب.

١٥١

شروط الصوم

قدّمنا أنّ صوم رمضان واجب عيناً على كل مكلّف، والمكلّف هو: البالغ العاقل، فلا يجب على المجنون حال جنونه، ولا يصحّ منه لو صام، أمّا الصبي فلا يجب عليه الصوم، ولكن يصحّ صومه إذا كان مميزاً. ولا بدّ لصحة الصوم أيضاً مِن: الإسلام، والنية، كما هو الشأن في العبادات، فلا يُقبل الصوم مِن غير إسلام، ولا الإمساك عن المفطّر مِن غير نية باتفاق الجميع، هذا بالإضافة إلى الخلو مِن الحيض والنفاس والمرض والسفر على التفصيل المتقدم.

أمّا السكران والمغمى عليه، فقال الشافعية: لا يصحّ منهما الصوم إذا غاب شعورهما في جميع الوقت، أمّا إذا كان في بعض الوقت فيصحّ صومهما ولكن يجب القضاء على المغمى عليه مطلقاً، سواء أكان الإغماء بسببه أو قهراً عنه، ولا يجب على السكران إلاّ إذا كان السُّكر بسببه خاصة.

وقال المالكية: لا يصحّ منهما الصوم إذا كان السُّكر والإغماء مستغرقاً مِن طلوع الفجر إلى غروب الشمس أو معظم الوقت، أمّا إذا استغرق نصف اليوم أو أقلّه وكانا منتبهين وقت النية ونويا، ثمّ طرأ الإغماء أو السُّكر فلا يجب القضاء. ووقت النية - أي نية الصوم عندهم - مِن المغرب إلى الفجر.

وقال الحنفية: المغمى عليه كالمجنون تماماً، وحكم المجنون عندهم أنّه

١٥٢

إذا استغرق الجنون كل شهر رمضان فلا يجب عليه القضاء، وإذا جُنّ نصف الشهر وأفاق في النصف الآخر يصوم ما بقي، ويقضي ما فات أيام جنونه.

وقال الحنابلة: يجب القضاء على السكران والمغمى عليه، سواء أكان ذلك بفعلهما أو قهراً عنهما.

وقال الإمامية: يجب القضاء على السكران فقط، سواء أكان السكر بفعله أو لم يكن، ولا يجب على المغمى عليه ولو كان الإغماء يسيراً.

١٥٣

المفطرات

المفطرات هي الأشياء التي يجب الإمساك عنها من طلوع الفجر إلى المغرب، وهي:

١ - الأكل والشرب عمداً، فإنّهما يبطلان الصوم، ويوجبان القضاء عند الجميع. واختلفوا في وجوب الكفارة، فقال الإمامية والحنفية: تجب. وقال الشافعية والحنابلة: لا تجب.

ومَن أكل وشرب ناسياً لصومه فلا قضاء عليه ولا كفارة، إلاّ عند المالكية فإنّهم أوجبوا عليه القضاء فقط.

(ويدخل في معنى الشرب الدخان الذي اعتاد الناس شربه).

٢ - الجماع عمداً، فإنّه مبطل للصوم، وموجب للقضاء والكفارة عند الجميع.

والكفارة هي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يطق فإطعام ستين مسكيناً. وهي على التخيير عند الإمامية والمالكية، أي يختار المكلّف واحداً من العتق أو الصيام أو الإطعام، وقال الشافعية والحنابلة والحنفية: هي على الترتيب، أي يتعين العتق، فإن عجز فالصيام، فإن عجز فالإطعام.

١٥٤

وقال الإمامية: يجب الجمع بين العتق وصيام شهرين وإطعام ستين مسكيناً إذا أفطر على محرّم، كما لو أكل مغصوباً أو شرب خمراً أو زنى.

أمّا الجماع نسياناً فلا يبطل الصوم عند الحنفية والشافعية والإمامية، ويبطله عند الحنابلة والمالكية.

٣ - الاستمناء، وهو إنزال المني، فإنّه مفسد للصوم بالاتفاق إذا حصل بالاختيار، بل قال الحنابلة: إذا أمذى، أي نزل مذي بسبب تكرار النظر ونحوه، فسد صومه.

وقال الأربعة: إنّ إنزال المني يوجب القضاء دون الكفارة.

وقال الإمامية: يوجب القضاء والكفارة معاً.

٤ - القيء تعمداً يُفسد الصوم، ويوجب القضاء عند الإمامية والشافعية والمالكية. وقال الحنفية: مَن تعمد القيء لا يفطر إلاّ إذا كان القيء ملء الفم. وعن الإمام أحمد روايتان. واتفقوا على أنّ القيء قهراً لا يفسد الصوم.

٥ - الحجامة عند الحنابلة خاصة، فإنّهم قالوا: يفطر بها الحاجم والمحجوم.

٦ - الحقنة بالمائع، فإنّها تفسد الصوم وتوجب القضاء بالاتفاق، وقال جماعة من الإمامية بأنّها توجب الكفارة أيضاً إذا كان لغير ضرورة.

٧ - الغبار الغليظ عند الإمامية خاصة، فإنّهم قالوا: إذا وصل الغبار الغليظ إلى الجوف - كالدقيق ونحوه - فسد الصوم، لأنّه أبلغ مِن الحقنة ومن الدخان الذي اعتاده الناس.

٨ - الاكتحال يفسد الصوم عند المالكية خاصة، بشرط أن يكتحل بالنهار ويجد طعم الكحل في حلقه.

١٥٥

٩ - قطع نية الصوم، فلو نوى الإفطار ثمّ أحجم، يفسد صومه عند الإمامية والحنابلة، ولا يبطل عند بقية المذاهب.

١٠ - قال أكثر الإمامية: إنّ رمس تمام الرأس في الماء مع البدن أو بدونه يفسد الصوم، ويجب القضاء والكفارة. وقالت بقية المذاهب: لا تأثير لذلك في إفساد الصوم.

١١ - قال الإمامية: مَن تعمد البقاء على الجنابة في شهر رمضان إلى أن يطلع الفجر فسد صومه، وعليه القضاء والكفارة. وقالت بقية المذاهب: الصوم صحيح ولا شيء عليه.

١٢ - قال الإمامية: مَن تعمد الكذب على الله ورسوله - فحدّث أو كتب: إنّ الله أو الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) قال كذا أو أمر به - وهو يعلم أنّه كاذب في قوله، فقد فسد صومه وعليه القضاء والكفارة. وبالغ جماعة من فقهائهم، حيث أوجبوا على هذا الكاذب أن يكفّر بالجمع بين عتق الرقبة وصيام شهرين وإطعام ستين مسكيناً. ومن هذا يتبين معنا جهل أو تحامل مَن قال بأنّ الإمامية يجيزون الكذب على الله ورسوله

١٥٦

أقسام الصيام

قسّم فقهاء المذاهب الصيام إلى أربعة أقسام: واجب، ومستحب، ومحرّم، ومكروه.

الصيام الواجب

يدخل في الصيام الواجب: صيام رمضان وقضاؤه، وصيام الكفارات، وصيام النذر باتفاق المذاهب. وزاد الإمامان قسمين آخرين يدخل أحدهما في باب الحج، والثاني في باب الاعتكاف. وقد بسطنا القول فيما سبق عن صيام رمضان وشروطه، والأمور التي تفسده، وفي هذا الفصل نتكلم عن قضاء رمضان، وكفارة صيامه التي تجب على مَن أفطر فيه، أمّا الكلام عن الأقسام الأخرى فيوكل إلى بابه الخاص.

قضاء رمضان

وفيه مسائل:

١ - اتفقوا على أنّ مَن وجب عليه قضاء ما فاته مِن أيام رمضان أن يقضيها في نفس السنة التي فاته فيها الصيام، أي في الأيام المتخللة بين رمضان

١٥٧

الفائت ورمضان الآتي، وله أن يختار الأيام التي يشاء للقضاء باستثناء الأيام التي يُحرم فيها الصوم، ويأتي بيانها، ويجب الإسراع والمبادرة إلى القضاء إذا بقي على رمضان بقدر ما فاته مِن رمضان الأوّل.

٢ - مَن تمكن مِن القضاء خلال السنة، وترك متهاوناً حتى دخل رمضان الثاني فعليه أن يصوم رمضان الحاضر، ثمّ يقضي عن الفائت ويكفّر بمُد عن كل يوم بالاتفاق، ما عدا الحنفية فإنّهم قالوا: يقضي ولا يكفّر. وإذا عجز عن القضاء بحيث استمر به المرض مِن رمضان الأوّل إلى رمضان الثاني فلا قضاء عليه ولا كفارة عند الأربعة. وقال الإمامية: يسقط القضاء فقط، وعليه أن يكفّر عن كل يوم بمُد، أي طعام مسكين.

٣ - إذا كان قادراً على القضاء في أيام السنة، ولكن أخّره بنية أن يقضي قَبل رمضان الثاني بأيام بحيث يوصل قضاء الفائت برمضان الآتي، ثمّ عرض له عذر شرعي منعه مِن القضاء حتى دخل رمضان، إذا كان الأمر كذلك يلزمه القضاء فقط، ولا كفارة عليه.

٤ - مَن أفطر رمضان لعذر وتمكن مِن القضاء، ولَم يقض حتى مات، قال الإمامية: يجب على ولده الأكبر أن يقضي عنه.

وقال الحنفية والشافعية والحنابلة: يتصدق عنه عن كل يوم بمد.

وقال المالكية: يتصدق عنه الولي إذا أوصى بالصدقة عنه، أمّا مع عدم الوصية فلا يجب.

٥ - مَن صام قضاءً عن رمضان وكان الوقت متسعاً، يجوز له أن يعدل عن صومه ويفطر قَبل الزوال وبعده، ولا شيء عليه عند الأربعة.

وقال الإمامية: يجوز له الإفطار قَبل الزوال ولا يجوز له بعده، حيث استقر عليه الوجوب بمضي أكثر الزمن، وفات محل تجديد النية، وإذا خالف

١٥٨

وأفطر بَعد الزوال وجب عليه أن يكفّر بإطعام عشرة مساكين، فإن عجز عن الإطعام فصيام ثلاثة أيام.

صيام الكفارات

صيام الكفارات على أنواع، منها: صيام كفارة قتل الخطأ، و صيام كفارة اليمين والنذر، وصيام كفارة الظهار، ولهذه الأنواع أحكام يبحث عنها في أبوابها. والكلام هنا يتناول حكم مَن صام مكفّراً عن إفطاره في رمضان.

قال الشافعية والمالكية والحنفية: مَن كان عليه صيام شهرين متتابعين كفارة عن إفطاره في شهر رمضان فلا يجوز له أن يفطر يوماً واحداً في أثناء الشهرين؛ لأنّه بذلك يقطع التتابع، فإن أفطر لعذر أو غير عذر وجب عليه أن يستأنف صيام شهرين مِن جديد.

وقال الحنابلة: الفطر لعذر شرعي لا يقطع التتابع.

وقال الإمامية: يكفي في تحقيق التتابع أن يصوم الشهر الأوّل بكامله، ويوماً واحداً مِن الشهر الثاني، فإذا فعل ذلك جاز له أن يفطر، ثمّ يصوم بانياً على ما سبق، وإذا أفطر في الشهر الأوّل بدون عذر وجب عليه أن يستأنف، أمّا إذا افطر لعذر شرعي مِن مرض أو حيض فلا ينقطع تتابعه، بل ينتظر زوال العذر، ثمّ يتم الصيام.

وقال الإمامية أيضاً: مَن عجز عن صيام شهرين، وعتق رقبة، وإطعام ستين مسكيناً تخير بين أن يصوم ثمانية عشر يوماً، أو أن يتصدق بما يطيق، ولو عجز عن ذلك كله أتى بالممكن مِن الصدقة أو الصيام، فإن عجز ولَم يقدر على شي استغفر الله سبحانه.

وقال الشافعية والمالكية والحنفية: إذا عجز عن جميع أنواع الكفارات استقرت في ذمته إلى أن يصبح موسراً فيؤديها. وهذا ما تقتضيه القواعد الشرعية.

١٥٩

وقال الحنابلة: إذا عجز سقطت عنه الكفارة، ولو أيسر بَعد ذلك لا يجب عليه شيء.

واتفقوا على أنّ الكفارة تتكرر بتكرر السبب الموجب في يومين أو أكثر، فمن أكل أو شرب في يومين وجب عليه كفارتان، أمّا إذا أكل أو شرب أو جامع مرات في يوم واحد، فقال الحنفية والمالكية والشافعية: لا تتعدد الكفارة مهما تكرر الإفطار، ومهما كان نوعه.

وقال الحنابلة: إذا تعدد مقتضي الكفارة في يوم واحد فإن كفّر في الأوّل، أي تخلل التكفير بين الموجبين لزمته كفارة ثانية، أمّا إذا لَم يكفّر عن السابق فيكفيه واحدة عن الجميع.

وقال الإمامية: إنّ تكرر الجماع في اليوم الواحد يستدعي تكرار الكفارة، أمّا تكرار الأكل والشرب فله كفارة واحدة.

الصيام المحرم

اتفقوا على أنّ صيام يوم الفطر والأضحى محرّم، ما عدا الحنفية فإنّهم قالوا: صيام يومي العيد مكروه تحريماً. والمكروه تحريماً عندهم ما كان إلى الحرام أقرب.

وقال الإمامية: لا يجوز صيام أيام التشريق لمن كان بمنى خاصة. وأيام التشريق هي: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر مِن ذي الحجة.

وقال الشافعية: لا يحل صيام أيام التشريق في الحج ولا في غيره.

وقال الحنابلة: يحرم صيامها في غير الحج، ولا يحرم في الحج.

وقال الحنفية: صيامها مكروه تحريماً.

وقال المالكية: يحرم صيام الحادي عشر والثاني عشر مِن ذي الحجة في

١٦٠

غير الحج، ولا يحرم في الحج.

واتفقوا على أنّ المرأة لا يجوز لها أن تصوم استحباباً بدون إذن الزوج إذا زاحم صيامها حقاً مِن حقوق الزوج، ما عدا الحنفية فإنّهم قالوا: إنّ صيام المرأة بدون إذن زوجها مكروه، وليس بحرام.

يوم الشك

اتفقوا على أنّ مَن أفطر يوم الشك، ثمّ تبيّن أنّه مِن رمضان يجب عليه الإمساك ثمّ القضاء. واختلفوا فيما إذا صام يوم الشك ثمّ تبيّن أنّه مِن رمضان، هل يجزيه ولا يجب القضاء، أم لا؟

قال الشافعية والمالكية والحنابلة: لا يجزيه الصوم وعليه القضاء.

وقال الحنفية: يجزيه ولا قضاء عليه.

وقال أكثر الإمامية: لا يجب عليه القضاء إلاّ إذا صامه بنية رمضان، فإنّه حينئذٍ يجب عليه القضاء.

الصيام المستحب

الصيام مستحب في جميع أيام السنة ما عدا الأيام التي نُهي عن الصيام فيها، ولكن يتأكد في أيام بعينها، منها صيام ثلاثة أيام مِن كل شهر، والأفضل أن تكون الأيام البيض - وهي: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر مِن الشهر العربي -، ومنها يوم عرفة وهو التاسع مِن ذي الحجة، ومنها صيام رجب وشعبان، ومنها كل يوم إثنين، وكل يوم خميس، إلى غير ذلك ممّا جاء في المطوّلات. واستحباب الصوم في هذه الأيام متفق عليه عند الجميع.

١٦١

الصيام المكروه

جاء في كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة): أنّ مِن الصوم المكروه إفراد يوم الجمعة بالصوم، وكذا إفراد يوم السبت، ويوم النيروز عند غير الشافعية، والصيام قَبل شهر رمضان بيوم، أو يومين لا أكثر.

وجاء في كتاب الفقه للإمامية: يكره صوم الضيف بدون إذن مضيّفه، والولد مِن غير إذن والده، ومع الشك في هلال ذي الحجة وتخوّف كونه عيداً.

ثبوت الهلال

أجمع المسلمون كافة على أنّ مَن انفرد برؤية الهلال يلزمه العمل بعلمه مِن غر فرق بين هلال رمضان وهلال شوال، فمن رأى الأوّل وجب عليه الصوم ولو أفطر جميع الناس(١) ، ومَن رأى الثاني وجب عليه الإفطار ولو صام كل مَن في الأرض، مِن غير فرق بين أن يكون الرائي عدلاً أو غير عدل، ذكراً أو أنثى. واختلفت المذاهب في المسائل التالية:

١ - قال الحنفية والمالكية والحنابلة: متى ثبتت رؤية الهلال بقُطر يجب على أهل سائر الأقطار مِن غير فرق بين القريب والبعيد، ولا عبرة باختلاف مطلع الهلال.

وقال الإمامية والشافعية: إذا رأى الهلال أهل البلد ولَم يره أهل بلد آخر، فإن تقارب البلدان في المطلع كان حكمهما واحداً، وإن اختلف المطلع فكل بلد حكمه الخاص.

٢ - إذا رؤي الهلال نهاراً قَبل الزوال أو بعده في اليوم الثلاثين مِن شعبان

____________________

(١) ولكن الحنفية قالوا: لو شهد عند القاضي، وردّ شهادته، وجب عليه القضاء دون الكفارة. (الفقه على المذاهب الأربعة).

١٦٢

فهل يكون هذا النهار مِن آخر شعبان لا يجب صومه، أو مِن أوّل رمضان يجب فيه الصيام؟ وكذا إذا رؤي نهاراً في اليوم الثلاثين مِن رمضان، فهل يكون مِن رمضان أو مِن شوال؟ وبكلمة هل اليوم الذي رؤي فيه الهلال يُحسب مِن الشهر الماضي أو الآتي؟

قال الإمامية والشافعية والمالكية والحنفية: هو مِن الشهر الماضي لا الآتي، وعليه يجب الصوم في اليوم التالي للرؤية إذا كانت الرؤية في آخر شعبان، ويجب الإفطار في اليوم التالي إذا كانت في آخر رمضان.

٣ - اتفقوا على أنّ الهلال يثبت بالرؤية لقوله (صلّى الله عليه وسلّم): (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)، واختلفوا في غير الرؤية.

قال الإمامية: يثبت كل مِن رمضان وشوال بالتواتر، وبشهادة رجلين عدلين مِن غير فرق بين الصحو والغيم، ولا بين أن يكون الشاهدان مِن بلد واحد أو مِن بلدين متقاربين، على شريطة أن لا تتناقض شهادتهما في وصف الهلال. ولا تُقبل شهادة النساء، ولا الصبيان، ولا الفاسق، ولا مجهول الحال.

وفرّق الحنفية بين هلال رمضان وهلال شوال، حيث قالوا: يثبت هلال رمضان بشهادة رجل واحد، وامرأة واحدة بشرط الإسلام والعقل والعدالة، أمّا هلال شوال فلا يثبت إلاّ بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، هذا إذا كان في السماء مانع يمنع مِن الرؤية، أمّا إذا كانت السماء صحواً فلا يثبت إلاّ بشهادة جماعة كثيرين يحصل العلم بخبرهم مِن غير فرق بين هلال رمضان وهلال شوال.

وقال الشافعية: يثبت كل مِن هلال رمضان وشوال بشهادة عدل واحد بشرط أن يكون مسلماً عاقلاً عادلاً، ولا فرق في ذلك بين أن تكون السماء غائمة أو صحواً.

١٦٣

وقال المالكية: لا يثبت الهلال إلاّ بشهادة عدلين، مِن غير فرق بين هلال رمضان وشوال، ولا بين الصحوة والغيم.

وقال الحنابلة: يثبت هلال رمضان بشهادة العدل رجلاً كان أو إمرأة، أمّا شوال فلا يثبت إلاّ بشهادة عدلين.

٤ - إذا لَم يدع أحد رؤية هلال رمضان أكمل شعبان ثلاثين يوماً ووجب الصوم في اليوم التالي للثلاثين بالاتفاق، ما عدا الحنفية فإنّهم قالوا: يجب الصوم بَعد التاسع والعشرين مِن شعبان لا بَعد الثلاثين.

هذا بالنسبة إلى هلال رمضان، أمّا بالنسبة إلى هلال شوال فقال الحنفية والمالكية: إن كانت السماء غائمة أكمل رمضان ثلاثين يوماً، ووجب بعدها الإفطار، وإن كانت السماء صحواً وجب الصوم في اليوم التالي للثلاثين، وأكذب الشهود الذين يهدوا ثبوت أوّل رمضان مهما كان عددهم.

وقال الشافعية: يجب الإفطار بَعد الثلاثين حتى ولو كان ثبوت رمضان بشاهد واحد مِن غير فرق بين الصحو والغيم.

وقال الحنابلة: إذا كان رمضان ثابتاً بشهادة عدلين يجب الإفطار بَعد الثلاثين، وإذا كان ثابتاً بشهادة عدل واحد فيجب صوم الحادي والثلاثين.

وقال الإمامية: يثبت كل مِن شهر رمضان وشوال بإكمال ثلاثين، مِن غير فرق بين الصحو والغيم، ما دام أوّله ثبت بالطريق الشرعي الصحيح.

الهلال وعلماء الفلك

في هذه السنة (١٩٦٠) قرّر كل مِن حكومة باكستان وتونس أن يكون المعوّل في ثبوت الهلال على أقوال الفلكيين، دفعاً للفوضى(١) ، ولما يلاقيه الناس

____________________

(١) في سنة ١٩٣٩ كان عيد الأضحى في مصر يوم الإثنين، وفي السعودية يوم الثلاثاء، وفي بومباي يوم الأربعاء.

١٦٤

مِن الكلفة والمشقة لعدم معرفتهم يوم العيد مسبقاً، فقد يفاجئهم على غير استعداد، وقد يستعدّون له ثمّ يأتي متأخراً.

وقد ثار في الأندية والمجالس الدينية نقاش حادّ حول قرار الحكومتين بين مؤيد ومفنّد.

قال مَن يناصر القرار: ليس في الدين ما ينافي الاعتماد على قول الفلكيين، بل إنّ الآية ١٦ مِن سورة النحل:( وَعَلاَمَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) تسنده وتؤيده.

وقال المعارضون: إنّ القرار يتنافي مع الحديث الشريف: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)، حيث إنّ المفهوم مِن الرؤية هي الرؤية البصرية التي ألفها الناس في عهد الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)، أمّا الرؤية بالمكبّر والتعويل على الحساب والمنازل فبعيدة عن لفظ الحديث.

والحقيقة أنّ كلاً مِن الطرفين لَم يأتِ بالحجة. أمّا الاهتداء بالنجم فالمراد به معرفة الطرق ومسالك البلاد، لا معرفة الأيام والأهلة. وأمّا حديث الرؤية فإنّه لا يتنافى مع العلم السليم؛ لأنّ الرؤية وسيلة للعلم وليست غاية في نفسها، كما هي الحال في جميع الطرق الموصلة إلى الواقع، ولكننا نقول: إنّ أقوال الفلكيين لا تفيد العلم القاطع لكل شبهة كما تفيد الرؤية البصرية؛ لأنّ كلامهم مبني على التقريب لا على التحقيق بدليل اختلافهم وتضارب أقوالهم في الليلة التي يتولد فيها الهلال، وفي ساعة ميلاده، وفي مدة بقائه.

ومتى جاء الزمن الذي تتوفر فيه لعلماء الفلك المعرفة الدقيقة الكافية الوافية، بحيث تتفق كلمتهم، ويتكرر صدقهم المرة تلو المرة حتى يصبح قولهم مِن القطعيات، تماماً كأيام الأسبوع، وأنّ غداً السبت أو الأحد، يمكن والحال هذه الاعتماد عليهم، بل يتعين على مَن يحصل له مِن أقوالهم، ويجب أن يُطرح كل ما يخالفهم(١) .

____________________

(١) راجع هذا البحث في الجزء الأوّل مِن كتابنا: (فقه الإمام جعفر الصادق)، فصل ثبوت الهلال، آخر باب الصوم.

١٦٥

الزكاة

الزكاة قسمان: زكاة أموال، وزكاة أبدان. وأجمعوا على أنّ إخراج الزكاة لا يصحّ إلاّ بنية. أمّا شروط الوجوب فهي كما يلي:

شروط زكاة الأموال

ولزكاة الأموال شروط:

١ - قال الحنفية والإمامية: العقل والبلوغ شرط في وجوب الزكاة، فلا تجب في مال المجنون والطفل(١) .

وقال المالكية والحنابلة والشافعية: لا يشترط العقل ولا البلوغ، فتجب الزكاة في مال المجنون والطفل، وعلى الولي أن يخرجها منه.

٢ - قال الحنفية والشافعية والحنابلة: لا تجب الزكاة على غير المسلم. (كتاب الفقه على المذاهب الأربعة).

وقال الإمامية والمالكية: تجب عليه، كما تجب على المسلم مِن غير فرق.

٣ - يشترط في وجوب الزكاة تمامية الملك، وقد أطال كل مذهب الكلام

____________________

(١) إلاّ أنّ العقل والبلوغ غير معتبرين في زكاة الزرع والثمار عند الحنفية.

١٦٦

في تحديد الملك التام، والجامع بين أقوال المذاهب: أن يكون المالك متسلطاً على ماله بحيث يكون تحت يده يمكنه التصرف فيه كيف شاء، فلا تجب الزكاة على الضالة، ولا المال الذي اغتُصب مِن صاحبه وإن كان باقياً على ملكه، وأمّا الدين فإن كان له فلا تجب فيه الزكاة إلاّ بَعد قبضه، كصداق الزوجة الذي ما زال في ذمة الزوج؛ لأنّ الدين لا يُمْلَك إلاّ بالقبض، وإن كان الدين عليه فسيُعرف حكمه فيما يأتي:

٤ - حَوَلان الحول القمري على المال غير الحبوب والثمار والمعادن، ويأتي التفصيل.

٥ - بلوغ النصاب، ويختلف مقداره باختلاف الأنواع التي تجب فيها الزكاة، ويأتي البيان مفصّلاً.

٦ - من َكان عليه دَين وعنده مال بلغ النصاب، فهل تجب عليه الزكاة أم لا؟ وبكلمة: هل الدين يمنع مِن الزكاة؟

قال الإمامية والشافعية: لا يشترط فراغ المال مِن الدين، فمن كان عليه دَين تجب عليه الزكاة، حتى ولو استغرق الدين تمام النصاب. بل قال الإمامية: لو اقترض نصاباً مِن أعيان الزكاة وبقي عنده سنة، وجبت الزكاة على المقرض.

وقال الحنابلة: الدين يمنع مِن الزكاة، فمن كان عليه دين وعنده مال فعليه أوّلاً أن يفي ديونه، فإن بقي مِن ماله بقدر النصاب زكّاه، وإلاّ فلا شيء عليه.

وقال المالكية: الدين يمنع مِن زكاة الذهب والفضة، ولا يمنع مِن زكاة الحبوب والماشية والمعدن، فمن كان عليه دين وعنده مِن الذهب والفضة بقدر النصاب فعليه أن يفي الدين، ولا تجب عليه الزكاة، أمّا إذا كان عليه دين، وعنده بقدر النصاب مِن غيرهما فعليه الزكاة.

وقال الحنفية: إن كان الدين حقاً لله في ذمته، ولا مُطالب له مِن العباد

١٦٧

كالحج والكفارات فإنّه لا يمنع مِن الزكاة، وإن كان ديناً للناس أو لله ولكن كان له مُطالب كالزكاة السابقة التي يطالبه بها الإمام فإنّه يمنع مِن الزكاة بجميع أنواعها، إلاّ زكاة الزرع والثمار.

واتفقوا جميعاً على أنّ الزكاة لا تجب في الحُلي والجواهر، ولا في دار السكن والثياب، ولا في أثاث المنزل، ولا في دابة الركوب والسلام وما إلى ذاك ممّا يحتاج إليه مِن الأدوات والكتب والآلات. وقال الإمامية أيضاً: لا تجب الزكاة في سبائك الذهب والفضة، ويأتي التفصيل.

١٦٨

الأموال التي تجب فيها الزكاة

لقد اعتبر القرآن الكريم الفقراء شركاء حقيقيين للأغنياء في أموالهم، فقد نطقت الآية ١٩ مِن الذاريات:( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) ، ولَم تفرّق بين مال الزراعة والصناعة والتجارة؛ لذلك أوجبها فقهاء المذاهب في الماشية والحبوب والثمار، وفي النقود، وفي المعادن.

واختلفوا في تحديد بعض هذه الأصناف، وفي مقدار النصاب في بعضها الآخر، وفي تحديد سهم الفقراء في صنف ثالث، فقد أوجب الإمامية الخُمس - (٢٠) بالمئة في أرباح التجار -، وقال الأربعة: يجب ربع العشر - أي إثنان ونصف بالمئة في مال التجارة -. كذلك المعادن أوجب فيها الحنفية والإمامية والحنابلة الخمس، وأوجب غيرهم ربع العشر. وفيما يلي تفصيل ما اتفقوا عليه، وما اختلفوا فيه:

زكاة الماشية

اتفقوا على أنّ الزكاة تجب في ثلاثة أصناف مِن الماشية: الإبل، والبقر ويشمل الجاموس، والغنم وتعمّ المعز. واتفقوا على عدم وجوب الزكاة في الخيل والبغال والحمير إلاّ إذا كانت مِن أموال التجارة، وأوجب الحنفية الزكاة في الخيل فقط إذا كانت ذكوراً وإناثاً مجتمعة.

١٦٩

شروط الزكاة في الماشية

ويشترط في زكاة الماشية أمور أربعة:

نصاب الإبل

١- النصاب، وهو في الإبل كما يلي:

إذا بلغت خمساً ففيها شاة، وإذا بلغت (١٠) فشاتان، و(١٥) فثلاث شياه، و(٢٠) فأربع شياه، باتفاق الجميع، أمّا إذا بلغت (٢٥) فقال الإمامية: فيها خمس شياه. وقال الأربعة: فيها بنت مخاض، وهي مِن الإبل التي دخلت في السنة الثانية. والإمامية أوجبوا بنت المخاض في الستة والعشرين مِن الإبل، فإذا بلغت الإبل هذا العدد أصبحت كلها نصاباً واحداً.

وإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون بالاتفاق، وبنت اللبون هي التي دخلت في السنة الثالثة.

وإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حُقّة بالاتفاق، والحقّة هي التي دخلت في السنة الرابعة.

وإذا بلغت إحدى وستين ففيها جدعة بالاتفاق، والجدعة هي التي دخلت في الخامسة.

وإذا بلغت ستاً وسبعين ففيها بنتا لبون بالاتفاق.

وإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقّتان بالاتفاق.

واتفقوا على أنّه ليس فيما يزيد على الإحدى والتسعين شيء حتى تبلغ الإبل مئة وواحداً وعشرين، فإذا بلغتها فللمذاهب تفاصيل وأقوال تُطلب مِن المطوّلات.

واتفقوا على أنّه ليس فيما دون الخمس شيء، ولا فيما بين النصاب السابق

١٧٠

واللاحق مِن جميع النصب شيء - مثلاً: الخمس فيها شاة، والتسع فيها شاة، والعشر فيها شاتان والـ ١٤ فيها شاتان، وهكذا.

نصاب البقر

يؤخذ مِن البقر مِن كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، ومِن كل أربعين مسنة، ومِن الستين تبيعان، ومِن السبعين مسنة وتبيع، ومِن الثمانين مسنتان، ومِن التسعين ثلاث تبيعات، ومِن المئة مسنة وتبيعان، ومِن المئة والعشرة مسنتان وتبيع، ومِن المئة والعشرين ثلاث مسنات أو أربع تبيعات، وهكذا، وليس بين الفريضتين شيء، ونصاب البقر على هذا النحو متفق عليه عند الجميع(١) . والتبيع مِن البقر هو الذي يستكمل سنة ويدخل في الثانية، والمسنة هي التي تدخل في الثالثة. وقال المالكية: التبيع هو ما أوفى سنتين ودخل في الثالثة، والمسنة ما أوفت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة.

نصاب الغنم

يؤخذ مِن الغنم مِن كل أربعين شاة، ومِن المئة والإحدى والعشرين شاتان، ومِن المئتين والواحدة ثلاث شياه، باتفاق الجميع.

وقال الإمامية: إذا بلغت ثلاثمئة وواحدة ففيها أربع شياه، حتى تبلغ أربعمائة فصاعداً ففي كل مئة شاة.

وقال الأربعة: الثلاثمئة والواحدة كالمئتين والواحدة فيها ثلاث شياه، إلى الأربعمئة ففيها أربع شياه، وما زاد ففي كل مئة شاة.

____________________

(١) قال الحنفية: ما بين الفريضتين عفو إلاّ ما زاد على الأربعين إلى الستين فإنّه تجب الزكاة في الزيادة، ففي الواحدة الزائدة على الأربعين ربع عشر مسنة، وفي الإثنتين نصف عشر مسنة. (الفقه على المذاهب الأربعة باب الزكاة).

١٧١

واتفق الجميع على أنّ ما بين الفريضتين عفو لا زكاة فيه.

٢ - السوم، والماشية السائمة هي التي ترعى الكلأ المباح في أكثر أيام السنة، ولا تكلّف صاحبها علفاً إلاّ فيما ندر. وهذا الشرط متفق عليه عند الجميع، ما عدا المالكية فإنّهم قالوا: تجب الزكاة في السائمة وغير السائمة.

٣ - حَوَلان الحول على الماشية، أي أن تبقى عند صاحبها سنة كاملة بجميع أفراد النصاب، فلو نقصت واحدة في أثناء السنة ثُمّ أكملها في آخر السنة فلا تجب الزكاة، مثلاً مَن كان عنده أربعون شاة في أوّل السنة وبَعد مُضي أشهر نقصت واحدة بموتٍ أو هبةٍ أو بيعٍ، ثُمّ أكملت على الأربعين، فلا تجب الزكاة في آخر السنة، بل يستأنف سنة جديدة. وقد اتفق على هذا الشرط الإمامية والشافعية والحنابلة، وقال الحنفية: إذا نقص النصاب في أثناء الحول، ثُمّ تمّ في آخره وجبت فيه الزكاة كما تجب لو بقي النصاب كاملاً مِن أوّل الحول إلى آخره. والحول المعتبر شرعاً هو الحول القمري، أي اثنا عشر هلالاً.

٤ - أن لا تكون الحيوانات معدّة للعمل، كالبقر للحرث، والإبل للنقل، فلا زكاة على العوامل بالغة ما بلغت باتفاق الجميع، ما عدا المالكية فإنّهم قالوا: تجب الزكاة في العوامل وغير العوامل دون فرق.

واتفقوا على أنّه إذا كان عنده مِن كل صنف دون النصاب، فلا يجب عليه أن يضم أحدهما للآخر، فإذا كان عنده مِن البقر دون الثلاثين ومن الغنم دون الأربعين، فلا يجب أن يتمم البقر بالغنم، ولا الغنم بالبقر.

واختلفوا فيما لو اشترك إثنان في نصاب واحد، فقال الإمامية والحنفية والمالكية: لا تجب الزكاة عليهما ولا على أحدهما ما دام لَم يبلغ سهم كل واحد نصاباً مستقلاً. وقال الشافعية والحنابلة: تجب الزكاة في المال المشترك إذا بلغ النصاب، وإن نقص كل سهم عنه.

١٧٢

زكاة الذهب والفضة

تكلّم الفقهاء عن الذهب والفضة، وأوجبوا فيهما الزكاة إذا بلغا النصاب، وقالوا: نصاب الذهب عشرون مثقالاً، ونصاب الفضة مئتا درهم، واشترطوا مُضي الحول على النصاب عند المالك، ومقدار الزكاة فيهما ربع العشر، أي إثنان ونصف بالمئة.

وقال الإمامية: تجب الزكاة في الذهب والفضة إذا كانا مسكوكين بسكة النقد، ولا تجب في السبائك والحلي.

واتفق الأربعة على أنّها تجب في السبائك كما تجب في النقود، واختلفوا في الحلي، فقال بعضهم بوجوب الزكاة، وآخرون بعدم الوجوب.

ونكتفي بهذه الإشارة لعدم الجدوى مِن الكلام في زكاة النقدين: الذهب والفضة، حيث لا أثر لهما في هذا العصر، أمّا الأوراق المالية فقد أوجب الإمامية الخُمس واحداً مِن خمسة في كل ما يزيد على مؤونة السنة، ويأتي التفصيل.

وقال الشافعية والمالكية والحنفية: لا تجب فيها الزكاة إلاّ اذا توفرت سائر الشروط من بلوغ النصاب والحول.

وقال الحنابلة: لا تجب الزكاة في الورق إلاّ إذا صرف ذهباً أو فضة.

١٧٣

زكاة الزرع والثمار

اتفقوا على أنّ المقدار الواجب في الزرع والثمار مِن الزكاة العُشر، عشرة بالمئة إن شرب مِن المطر أو السيح مِن النهر، ونصف العشر إن شرب مِن بئر ارتوازية ونحوها.

واتفقوا، ما عدا الحنفية، على أنّ النصاب معتبر في الزرع والثمار، وأنّه خمسةُ أوسق، والوسق ستون صاعاً، ويبلغ المجموع حوالي تسعمئة وعشرة كيلوغرامات، والكيلو: ألف غرام، ولا زكاة فيما هو دون ذلك. وقال الحنفية: تجب الزكاة في القليل والكثير على حد سواء.

واختلفوا فيما تجب فيه الزكاة مِن الزرع والثمار.

قال الحنفية: تجب الزكاة في كل ما أخرجته الأرض مِن الثمار والزرع، إلاّ الحطب والحشيش والقصب الفارسي.

وقال المالكية والشافعية: تجب الزكاة في كل ما يُدّخر للمؤونة كالحنطة والشعير والأرز والتمر والزبيب.

وقال الحنابلة: تجب في كل ما يُكال ويُدّخر مِن الثمار والزرع.

وقال الإمامية: لا تجب إلاّ في الحنطة والشعير مِن الحبوب، وإلاّ في التمر والزبيب مِن الثمار، ولا تجب فيما عدا ذلك، ولكنّها تستحب.

زكاة مال التجارة

مال التجارة هو المملوك بعقد معاوضة بقصد الربح والاكتساب، ولا بدّ أن يكون الملك بفعله، فلو ملك بالإرث لا يكون مال تجارة بالاتفاق.

وزكاة التجارة واجبة عند الأربعة، ومستحبة عند الامامية. وتخرج الزكاة

١٧٤

مِن قيمة السلع التي يُتّجر بها. ومقدار المخرَج عُشر الربع، أي واحد مِن أربعين.

وأجمعوا على أنّه يشترط الحول في تعلّق مال التجارة، ويبتدئ مِن حين حصول العقد بقصد التجارة، فإذا تمّ الحول وحصل الربح تعلقت الزكاة.

وقال الإمامية: يشترط وجود رأس المال مِن أوّل الحول إلى آخره، فلو نقص في أثناء الحول لَم تتعلق الزكاة، وإذا عادت القيمة استأنف الحول مِن حين العود.

وقال الشافعية والحنابلة: العبرة بآخر الحول لا بجميعه، فإذا لَم يملك النصاب في أوّل الحول ولا في أثنائه، ولكن ملكه في آخره فعليه الزكاة.

وقال الحنفية: العبرة بطرفي الحول لا بوسطه، فمن ملك في أوّل الحول نصاباً، ثُمّ نقص في أثنائه، ثُمّ كمل في آخره وجبت عليه الزكاة، أمّا لو نقص في أوّله أو في آخره فإنّه لا تجب الزكاة.

ويتشرط أيضاً أن يبلغ ثمن السلع التي يتجر بها النصاب، فتقوم بأثمانها، ويقابل الثمن بنصاب الذهب والفضة، فإذا ساوى أحدهما أو زاد وِجبت الزكاة، وإذا نقص عن أقلهما، وهو نصاب الفضة فلا زكاة. وقدّره مؤلّفو كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) سنة ١٩٢٢ بخمسمئة وتسعة وعشرين قرشاً مصرياً وثلثين.

الزكاة في الذمة أو في العين؟

اختلفوا: هل تجب الزكاة في نفس المال بحيث يكون المستحق شريكاً للمالك في أمواله كسائر الشركاء، أو أنّ الزكاة تجب في ذمة المالك كسائر الديون، ولكن تتعلق بالمال كتعلق الدين في تركة الميت؟

قال الشافعية والإمامية والمالكية: إنّ الزكاة تجب في عين المال، والفقير

١٧٥

شريك حقيقي للمالك بدليل قوله تعالى:( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) . وقد تواترت الأحاديث إنّ الله أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال، ولكن قد أجاز الشرع رفقاً بالمالك أن يؤدي هذا الحق مِن الأموال الأُخر التي لا زكاة فيها.

وقال الحنفية: تتعلق الزكاة بالعين كتعلق حق الرهن بالمال المرهون، ولا يزول هذا الحق إلاّ بالدفع إلى المستحق.

وعن الإمام أحمد روايتان تتفق إحداهما مع الحنفية.

١٧٦

أصناف المستحقين للزكاة

اتفقوا على أنّ أصناف المستحقين للزكاة ثمانية، وهم المذكورون في الآية ٦٠ مِن سورة التوبة:( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ ) .

أمّا أقوال المذاهب في تحديد هذه الأصناف فتُعرف ممّا يلي:

الفقير

١ - قال الحنفية: الفقير هو مَن يملك أقلّ مِن النصاب، وإن كان صحيحاً ذا كسب، أمّا مَن يملك نصاباً مِن أي نوع كان فاضلاً عن حاجته الأصلية، وهي مسكنه وأثاثه وثيابه وما إلى ذلك، فلا يجوز صرف الزكاة له. وحجتهم في ذلك أنّ مَن ملك النصاب تجب عليه الزكاة، ومَن وجبت عليه فلا تجب له.

وقالت بقية المذاهب: العبرة بالحاجة لا بالمـُلك، فمن كان غير محتاج تحرم عليه الزكاة وإن لَم يملك شيئاً، والمحتاج تحلّ له وإن ملك نصاباً أو نصباً؛ لأنّ الفقر معناه الحاجة، قال تعالى:( يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ) ، أي المحاويج إليه.

١٧٧

وقال الشافعية والحنابلة: من وجد نصف كفايته لا يعد فقيراً، ولا تجوز له الزكاة.

وقال الامامية والمالكية: الفقير الشرعي من لا يملك مؤونة السنة له ولعياله، فمن كان عنده ضيعة أو عقار، أو مواش لا تكفي عياله طول السنة يجوز إعطاؤه من الزكاة.

وقال الامامية والشافعية والحنابلة: من قدر على الاكتساب لا تحل له الزكاة.

وقال الحنفية والمالكية: بل تحل، وتدفع له. وقال الامامية: مدعي الفقر يصدق من غير بيّنة ويمين اذا لم يكن له مال ظاهر، ولم يعلم كذبه، لأن رجلين أتيا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهو يقسم الصدقة، فسألاه شيئاً منها، فصعد بصره فيهما وصوَّبه، وقال لهما: إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ لغني ولا ذي قوة مكتسب، فأرجع الأخذ اليهما من دون بينة أو يمين.

المسكين

٢ - قال الإمامية والحنفية والمالكية: المسكين أسوأ حالاً مِن الفقير.

وقال الحنابلة والشافعية: بل الفقير أسوأ حالاً مِن المسكين؛ لأنّ الفقير هو الذي لا يملك شيئاً، أو لّم يجد نصف كفايته، والمسكين هو الذي يجد نصف كفايته، فيُعطى النصف الآخر مِن الزكاة.

ومهما يكن، فلا خلاف جوهرياً بين المذاهب في تفسير الفقير والمسكين. والعبرة بأن تسدّ الزكاة حاجة مضطرٍ إلى مسكن أو مأكل أو ملبس أو تطبيب أو تعليم، وما إلى ذلك ممّا لا بدّ منه.

واتفقوا ما عدا المالكية، على أنّه لا يجوز لمن وجبت عليه الزكاة أن يدفعها إلى أبويه وأجداده، ولا إلى أولاده وأولادهم، ولا إلى زوجته. وأجاز المالكية

١٧٨

الدفع إلى الجد والجدة، وبني البنين؛ لأنّ نفقتهم غير واجبة عندهم.

واتفقوا أيضاً على أنّه يجوز دفع الزكاة للإخوة والأعمام والأخوال.

وإنّما لا يجوز دفع الزكاة للأب والأولاد إذا دُفعت لهما مِن سهم الفقراء والمساكين، أمّا لو كانا مِن غير هذين فإنّه يجوز لهما الأخذ، كما لو كان الأب أو الإبن غازياً في سبيل ال له، أو مِن المؤلّفة قلوبهم، أو غارماً في حل وإصلاح ذات البين، أو عاملاً على جباية الزكاة؛ لأنّ هؤلاء يأخذون مع الغنى والفقر. (تذكرة العلاّمة ج١ باب الزكاة).

ومهما يكن، فإنّ القريب الذي لا تجب نفقته على المزكّي أولى، وصرف الزكاة له أفضل.

واختلفوا في نقل الزكاة مِن بلد إلى بلد. فقال الحنفية والإمامية: أهل بلده أولى وأفضل إلاّ لحاجة ماسة تستدعي أولية النقل.

وقال الشافعية والمالكية: لا يجوز النقل مِن بلد إلى بلد.

وقال الحنابلة: يجوز النقل إلى بلد لا تُقصر فيه الصلاة، ويُحرم نقل الزكاة إلى مسافة القصر.

العاملون

٣ - العاملون عليها: هم السعاة في جباية الصدقات، بالاتفاق.

المؤلّفة قلوبهم

٤ - المؤلّفة قلوبهم: هم الذين يستمالون بشيء مِن الصدقات لمصلحة الإسلام، وقد اختلفوا هل حكمهم باقٍ أو منسوخ؟ وعلى تقدير عدم النسخ فهل التأليف مختص بغير المسلم، أو هو له ولضعيف الإيمان مِن المسلمين؟

١٧٩

قال الحنفية: شُرّع هذا الحكم في بداية الإسلام؛ لضعف المسلمين، أمّا الآن وقد أصبح الإسلام قوياً فذهب الحكم بذهاب سببه. وأطالت بقية المذاهب الشرح في تعداد أقسام المؤلّفة، ويمكن إرجاعها جميعاً إلى شيء واحد، وهو أنّ الحكم باقٍ لَم يُنسخ، وأنّ سهم المؤلّفة يُعطى للمسلم وغيره على شريطة أن يعود العطاء بالخير والمصلحة على الإسلام والمسلمين، وقد أعطى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) صفوان بن أُمية، وهو مشرك، كما أعطى أبا سفيان وأمثاله بَعد أن اظهروا الإسلام خشية مِن شرهم وكيدهم للدين والمسلمين.

الرقاب

٥ - في الرقاب: وهو أن يُشترى الرقيق مِن الزكاة ويُعتق، وفيه دلالة واضحة على أنّ الإسلام قد أوجد سبلاً شتى للقضاء على فكرة الرقيق، ومهما يكن، فلم يبقَ في عصرنا موضوع لهذا الحكم.

الغارمون

٦ - الغارمون: هم المدينون في غير معصية، ويُعطون مِن الزكاة لوفاء ديونهم، بالاتفاق.

سبيل الله

٧ - سبيل الله، قال الأربعة المراد منه: الغزاة المتطوعون في الحرب دفاعاً عن الإسلام.

وقال الإمامية: سبيل الله عامّ للغزاة وعمارة المسجد والمستشفيات والمدارس وجميع المصالح العامة.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650