الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة0%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 650
المشاهدات: 239671
تحميل: 32078

توضيحات:

الفقه على المذاهب الخمسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 239671 / تحميل: 32078
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ابن السبيل

٨ - ابن السبيل: هو الغريب المنقطع عن ماله وبلده، فيجوز صرف الزكاة له بقدر ما يصل به إلى وطنه.

(فروع)

الأوّل: اتفقوا على أنّ الزكاة تُحرم على بني هاشم بجميع أنواعها إذا كانت مِن غيرهم، وتحل زكاة بعضهم لبعض.

الثاني: هل يجوز أن تُعطى الزكاة كلها مسكيناً واحداً؟

قال الإمامية: تجوز حتى لو أخرجه العطاء إلى الغنى، على أن تُعطى له دفعة واحدة لا دفعات.

وقال الحنفية والحنابلة: يجوز عطاؤها لشخص واحد إذا لَم تخرجه إلى الغنى.

وقال المالكية: يجوز دفع الزكاة لواحد إلاّ العامل فإنّه لا يجوز له أن يأخذ أكثر مِن أجرة عمله.

وقال الشافعية: يجب تعميم الزكاة على الأصناف الثمانية إن وِجدوا، وإذا فُقد بعضهم أُعطي للموجود منهم، وأقلّ ما يُعطى ثلاثة أشخاص مِن كل صنف.

الثالث: أموال الزكاة قسمان: ما يُراعى فيه الحول، وهو الحيوان، وقيمة التجارة، ولا تجب الزكاة قَبل مضي السنة، والسنة عند الإمامية: أن يمضي للمال في ملك المزكّي أحد عشر شهراً ويهلّ الثاني عشر.

والقسم الثاني لا يجب فيه الحول كالثمار والغلاّت، فتجب فيها الزكاة عند بدوّ صلاحها، أمّا وقت الإخراج والتنفيذ فحين تجذ الثمرة، وتُشمّس وتُجفّف، وحين تُحصد الغلة وتُصفّى مِن التبن والقشر باتفاق الجميع. ولو أخر الإخراج مع حضور الوقت وإمكان الأداء، فهو آثم ويضمن؛ لأنّه أخر الواجب الضيق عن وقته، وفرّط بالتأخير.

١٨١

زكاة الفطر

زكاة الفطر، وتسمّى زكاة الأبدان، ويقع الكلام فيمن تجب عليه، وفيمن تخرج عنه، وفي مقدارها، وفي وقت خروجها، وفيمن يستحقها.

في المكلّف بها

قال الأربعة: تجب زكاة الفطر على كل مسلم قادر، كبيراً كان أو صغيراً، فيجب على الولي أن يتولى إخراجها مِن مال الطفل والمجنون ودفعها للفقراء.

والقادر عند الحنفية: هو الذي يملك نصاباً زكوياً، أو قيمته فاضلاً عن حاجته.

وقال الشافعية والمالكية والحنابلة: القادر هو الذي يجد ما يفضل عن قوته وقوت عياله في يوم العيد وليلته، مع استثناء ما يحتاج إليه مِن المسكن والثياب والأدوات الضرورية، وزاد المالكية: أنّ مَن يقدر على الاقتراض يعدّ قادراً إذا كان يرجو الوفاء.

وقال الإمامية: يُشترط في وجوبها البلوغ والعقل والقدرة، فلا تجب في مال الصبي ولا المجنون؛ لحديث (رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى

١٨٢

يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ). أمّا القادر عندهم فهو الذي يملك مؤونة سنة له ولعياله بالفعل أو بالقوة بأن يكون له ما يستثمره، أو صنعة يكتسب منها.

قال الحنفية: يجب على المكلّف أن يخرج زكاة الفطرة عن نفسه وولده الصغير وخادمه، وولده الكبير إذا كان مجنوناً، أمّا إذا كان عاقلاً فلا تجب على أبيه، كما انّه لا يجب على الزوج أن يخرج زكاة الفطرة عن زوجته.

وقال الحنابلة والشافعية: يجب إخراجها عن نفسه وعمّن تلزمه نفقته كالزوجة والأب والإبن.

وقال المالكية: يجب أن يخرجها عن نفسه، وعمّن يقوم بنفقتهم، وهم الوالدان الفقيران، والأولاد الذكور الذين لا مال لهم إلى أن يبلغوا ويصبحوا قادرين على الكسب، وبناته الفقيرات إلى أن يدخل الزوج بهنّ، والزوجة.

وقال الإمامية: يجب إخراجها عن نفسه، وعن كل مَن يعوله حين دخول ليلة الفطر مِن غير فرق بين واجب النفقة وغيره، ولا بين الصغير والكبير، ولا بين المسلم وغير المسلم، ولا بين الرحم القريب والغريب البعيد، حتى لو جاءه ضعيف قَبل دخول هلال شوال بلحظات وأصبح في جملة العيال تلك الليلة يجب أن يخرج عنه زكاة الفطر، وكذا إذا وِلد له ولد أو تزوج بامرأة قَبل الغروب مِن ليلة الفطر أو مقارناً له وجبت الفطرة عنهما. أمّا إذا وِلد الولد أو تزوج أو جاء الضيف بَعد الغروب فلا يجب الإخراج عنهم. وكل مَن وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه وإن كان غنياً.

مقدارها

اتفقوا على أنّ المقدار الواجب إنفاقه عن كل شخص صاع مِن الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو الأرز أو الذرة، وما إلى ذاك مِن القوت الغالب،

١٨٣

ما عدا الحنفية فإنّهم قالوا: يكفي نصف صاع مِن الحنطة عن الفرد الواحد. والصاع حوالي ثلاث كيلوغرامات.

وقت الوجوب

قال الحنفية: وقت وجوبها مِن طلوع فجر يوم العيد إلى آخر العمر؛ لأنّ زكاة الفطر مِن الواجبات الموسّعة، ويصحّ أداؤها مقدّماً ومؤخراً.

وقال الحنابلة: يُحرم تأخيرها عن يوم العيد، وتجزئ قَبل العيد بيومين، ولا تجزئ قَبل هذا الأمد.

وقال الشافعية: وقت وجوبها آخر جزء مِن رمضان، وأوّل جزء مِن شوال، أي حين الغروب وقبله بقليل مِن اليوم الأخير مِن شهر رمضان. ويسنّ إخراجها في أوّل يوم مِن أيام العيد، ويُحرم إخراجها بَعد غروب اليوم الأوّل إلاّ لعذر.

وعن الإمام مالك روايتان: إحداهما أنّها تجب بغروب الشمس مِن آخر يوم مِن رمضان.

وقال الإمامية: تجب زكاة الفطرة بدخول ليلة العيد، ويجب أداؤها مِن أوّل الغروب إلى وقت الزوال، والأفضل الأداء قَبل صلاة العيد، وإذا لَم يوجد المستحق في هذا الوقت فعلى المكلّف أن يعزلها مستقلة عن ماله ناوياً دفعها وأداءها في أوّل فرصة، وإذا أخّر ولَم يؤدها بهذا الوقت مع وجود المستحق وجب إخراجها بعده، ولا تسقط عنه بحال.

المستحق

اتفقوا على أنّ المستحق لزكاة الفطر هم المستحقون للزكاة العامة الذين

١٨٤

ذكَرتهم الآية الكريمة:( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ) .

ويكفي ثمن الحبوب عن الحبوب، ويستحب اختصاص القرابة المحتاجين بها، ثمّ الجيران فقد جاء في الحديث: (جيران الصدقة أحقّ بها).

١٨٥

الخُمس

أفرد الإمامية باباً خاصاً للخُمس في كتب الفقه ذكروه بَعد باب الزكاة، والأصل فيه الآية ٤١ مِن سورة الأنفال:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) .

ولَم يخصصوا الغنيمة بما يحصل في أيدي المسلمين مِن أموال غيرهم بايجاف الخيل والركاب، بل عمموها إلى سبعة أصناف نذكرها فيما يلي مع ما اطّلعنا عليه مِن آراء المذاهب الأخرى في كل صنف.

١ - الغنائم المأخوذة مِن دار الحرب، فإنّ فيها الخُمس باتفاق الجميع.

٢ - المعدن، وهو كل ما خرج مِن الأرض، وكان مِن غير جنسها ممّا له قيمة، كالذهب والفضة والرصاص والنحاس والزئبق والنفط والكبريت، وما إلى ذلك.

قال الإمامية: يجب إخراج الخُمس (٢٠ بالمئة) مِن المعدن إذا بلغ ثمنه نصاب الذهب، وهو عشرون ديناراً، أو نصاب الفضة، وهو مئتا درهم، ولا خُمس فيما دون ذلك.

وقال الحنفية: لا يُعتبر النصاب في المعدن، بل يجب الخُمس في قليله وكثيره.

١٨٦

وقال المالكية والشافعية والحنابلة: إذا كان المعدن دون النصاب فلا شيء فيه، وإذا بلغ النصاب ففيه الزكاة ربع العشر، أي اثنان ونصف بالمئة.

٣ - الركاز وهو المال المدفون تحت الارض، وقد باد أهله، ولم يعرف لهم من اثر، كالآثار التي تنقب عنها اللجان المختصة لهذه الغاية.

قال الأربعة: يجب الخمس في الركاز، ولا يعتبر فيه النصاب، فقليله وكثيره سواء في وجوب الخمس.

وقال الإمامية: الركاز كالمعدن في وجوب الخُمس واعتبار النصاب.

٤ - قال الإمامية: ما يخرج مِن البحر بالغوص كاللؤلؤ والمرجان فيه الخُمس إذا بلغت قيمته ديناراً فصاعداً بَعد إخراج التكاليف.

ولا شيء فيه عند المذاهب الأربعة بالغاً ما بلغ.

٥ - قال الإمامية: يجب الخُمس في كل ما يفضل عن مؤونة سنة الإنسان وعياله مهما كانت مهنته، ومِن أي نحو حصلت فائدته، سواء أكانت مِن التجارة أو الصناعة أو الزراعة أو الوظيفة أو العمل اليومي أو مِن الأملاك أو مِن الهبة وغيرها، ولو زاد عن مؤونة سنته قرش واحد أو ما يعادله فعليه أن يخرج خمسه.

٦ - قال الإمامية: إذا أصاب الإنسان مالاً مِن الحرام، ثمّ اختلط بالمال الحلال، ولَم يعلم قدر الحرام ولا مَن هو صاحبه، فعليه أن يُخرج مِن خُمس ماله كله في سبيل الله، فإذا فعل حل له الباقي، سواء أكان الحرام أقلّ مِن الخُمس أو أكثر، أمّا إذا علم الحرام بعينه فعليه أن يرده بالذات. وإذا جهل عين الحرام، وعلم مقداره ومبلغه فعليه إخراج المبلغ غير منقوص، ولو استغرق جميع المال. وإذا علم الأشخاص الذين اختلس منهم، ولَم يعلم مبلغ حقهم ومقداره فعليه أن يرضيهم بطريق المصالحة والمسامحة. وبكلمة: إن أخراج خُمس جميع المال إنّما يجدي مع الجهل بمقدار المال الحران وبصاحبه.

١٨٧

٧ - قال الإمامية: إذا اشترى الذمي أرضاً من مسلم وجب على الذمي بالذات ان يخرج خمسها.

مصرف الخُمس

قال الشافعية والحنابلة: تُقسّم الغنيمة - وهي الخُمس - إلى خمسة أسهم، واحد منها سهم الرسول، ويُصرف على مصالح المسلمين، وواحد يُعطى لذوي القربى، وهم مَن انتسب إلى هاشم بالأبوّة مِن غير فرق بين الأغنياء والفقراء. والثلاثة الباقية تُنفق على اليتامى والمساكين وأبناء السبيل سواء أكانوا مِن بني هاشم أو مِن غيرهم.

وقال الحنفية: إنّ سهم الرسول سقط بموته، أمّا ذوو القربى فهم كغيرهم مِن الفقراء يُعطون لفقرهم لا لقرابتهم مِن الرسول.

وقال المالكية: يرجع أمر الخمس إلى الإمام يصرفه حسبما يراه مِن المصلحة.

وقال الإمامية: إنّ سهم الله وسهم الرسول وسهم ذوي القربى يُفوّض أمرها إلى الإمام أو نائبه يضعها في مصالح المسلمين. والأسهم الثلاثة الباقية تُعطى لأيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، ولا يشاركهم فيها غيرهم.

ونختم هذا الفصل بما قاله الشعراني في كتاب الميزان باب زكاة المعدن:

(للإمام أن يضع على أصحاب المعدن ما يراه أحسن لبيت المال، خوفاً أن يكثر مال أصحاب المعدن فيطلبوا السلطان، وينفقوا على العساكر، وبذلك يكون الفساد ...).

وهذا تعبير ثانٍ عن النظرية (الحديثة) بأنّ رأس المال يؤدي بأصحابه إلى السيطرة على الحكم. وقد مضى على وفاة صاحب هذا الرأي ٤٠٦ سنوات.

١٨٨

الحج

شروطه:

يجب الحج بشرط البلوغ والعقل والاستطاعة.

البلوغ:

لا يجب الحج على الصبي مميزاً كان أو غير مميز، وإن حج المميز يصحّ ويكون تطوعاً لا يسقط عنه الفرض، ويجب عليه الأداء بَعد البلوغ والاستطاعة بالاتفاق إذا لَم يبلغ قَبل الموقف.

ويجوز لولي الصبي غير المميز أن يحج به، فيلبسه ثوب الإحرام ويلقّنه التلبية إن أحسنها، وإلاّ لبى عنه، ويجنّبه المحرمات التي يُمنع عنها الحاج، ويأمره بكل فعل يتمكن من مباشرته، ويستنيب عنه فيما يعجز عن إتيانه.

واختلفوا في أمرين يتصلان بحج الصبي المميز، الأوّل: هل يصح الحج منه سواء أذن الولي أم لم يأذن؟ الثاني: لو بلغ قَبل الموقف، هل يجزيه عن الفرض أم لا؟

قال الإمامية والحنابلة والشافعي في أحد قوليه: إذْن الولي شرط لصحة الإحرام.

١٨٩

وقال أبو حنيفة: لا يتصف حج الصبي بالصحة وإن كان مميزاً، سواء أأذن الولي أم لم يأذن؛ لأنّ الغاية منه التمرين ليس إلاّ. (فتح الباري والمغني والتذكرة).

وقال الإمامية والحنابلة والشافعية: إذا بلغ قبل الموقف أجزاه عن حجة الإسلام.

وقال الإمامية والمالكية: إن جدد إحراماً أجزأه وإلاّ فلا ومعنى هذا أنّه يستأنف الحج من جديد. (التذكرة).

الجنون:

المجنون ليس مَحلاً للتكليف، فلو حج وافترض أنّه أتى بكل ما هو مطلوب من العاقل لم يجزه عن الفرض لو عاد إليه عقله، وإذا كان جنونه إدوارياً وأفاق مدة تتسع لأداء الحج بتمام أجزائه وشروطه وجب عليه، وإن لم يتسع وقت الإفاقة لجميع الأعمال سقط عنه الوجوب.

الاستطاعة:

الاستطاعة شرط لوجوب الحج بالاتفاق؛ لقوله جلّ وعزّ:( مَنْ اسْتَطَاعَ إليه سَبِيلاًً ) . واختلفوا في معنى الاستطاعة وقد جاء تحديدها في الأحاديث الشريفة: (بالزاد والراحلة). والراحلة كناية عن أجرة السفر والانتقال إلى مكة ذهاباً، ثمّ العودة إلى بلده. والزاد عبارة عمّا يحتاج إليه من مال للانتقال والمأكل والمشرب وأجرة السكن ونفقات جواز السفر، وما إلى ذلك من الأشياء اللائقة بحاله ووضعه، على أن يكون ذلك كله زائداً عن ديونه ومؤونة عياله، وما يضطر إليه من مصدر معاشه، كالأرض للفلاّح، والآلات لصاحب الحرفة، ورأس المال للتاجر، هذا مع الأمن على نفسه وماله وعرضه. ولَم يخالف

١٩٠

في ذلك إلاّ المالكية، فإنّهم قالوا: من قدر على المشي وجب عليه الحج، كما انهم لم يستثنوا نفقة أهله وعياله، وأوجبوا عليه أن يبيع ما يحتاج إليه من وسائل عيشه من أرض وماشية وآله، بل حتى كتب العلم وثياب الزينة. (الفقه على المذاهب الأربعة).

ولو أنّ شخصاً لم يجب عليه الحج لعدم الاستطاعة ومع ذلك تجشّم وتكلّف وحج، ثمّ استطاع، فهل تجب عليه الاعادة، أو تكفيه الأُولى عن الفرض؟

قال المالكية والحنفية: يجزيه، ولا تجب عليه الاعادة لو استطاع. (الفقه على المذاهب الأربعة).

وقال الحنابلة: مَن ترك حقاً يلزمه، كوفاء الدين، وحجَّ أجزأه عن الفرض. (منار السبيل، وفتح القدير، والفقه على المذاهب الأربعة).

وقال الإمامية: لا يجزيه ذلك عن الفرض لو استطاع؛ لأنّ المشروط يدور مدار شرطه وجوداً وعدماً، وقبل الاستطاعة لا وجوب، وعليه ينعقد الحج نفلاً، وبعدها يتحقق شرط الحج، فتجب الاعادة.

الفور:

قال الإمامية والمالكية والحنابلة: إنّ وجوب الحج فوري، ولا يجوز تأخيره عن أوّل أزمنة الإمكان، فإن أخّر فقد عصى، ولكن يصحّ حجه، ويكون أداءً لو أتى به فيما بعد، قال صاحب الجواهر: (المراد بالفورية وجوب المبادرة إلى الحج في أوّل عام الاستطاعة، وإلاّ ففيما يليه، وهكذا.. وحينئذٍ فلا ريب في عصيانه بالتأخير، مع التمكن من إتيانه مع الرفقة الأُولى مِن دون وثوق بغيرها).

وقال الشافعية: إنّ وجوب الحج على التراخي لا على الفور، فيجوز

١٩١

تأخيره إلى أيّ وقت شاء(١) .

وقال أبو يوسف: هو واجب على الفور. وقال محمد بن الحسن: بل على التراخي. ولا نص فيه عن أبي حنيفة، ولكن بعض أصحابه قال: هو عنده على الفور؛ لأنّ الأمر عنده كذلك.

____________________

(١) وهذا القول وإن ساعدت عليه الصناعة؛ لأنّ أحاديث الفور محل للنظر والنقاش ولكنّه يؤدي الى التهاون، وبالتالي الى ترك هذا الشعار المقدس - في الغالب - ومن هنا كانت الفورية والاستعجال أحفظ وأحوط للدين.

١٩٢

فروع الاستطاعة

حج النساء

هل يُشترط لحج النساء شرط زائد على حج الرجال؟

اتفقوا على أنّه لا يُشترط إذْن الزوج للزوجة في الحج الواجب، ولا يجوز له منعها عنه، واختلفوا في التي لا تجد زوجاً ولا مَحرماً يصحبها: هل يجب عليها الحج أو لا؟

قال الإمامية والمالكية والشافعية: ليس المـَحرم أو الزوج شرطاً بحال، سواء أكانت المرأة شابة أم عجوزاً، متزوجة أو غير متزوجة؛ لأنّ المـَحرم وسيلة للأمان معها لا غاية بنفسه، وعليه فإمّا أن تكون في أمان على نفسها في السفر وإمّا غير أمينة، فعلى الأوّل يجب عليها الحج، ولا أثر لوجود المـَحرم، وعلى الثاني لا تكون مستطيعة، حتى ولو كان معها محرم. وعليه فلا فرق بين الرجل والمرأة من هذه الجهة. ومهما يكن، فقد كان لهذا البحث وأمثاله وجه فيما سبق، حيث كان السفر طويلاً والطريق مخوفاً، أمّا اليوم فلا تترتب عليه أيّة ثمرة؛ لأنّ الناس في أمن وأمان على أنفسهم وأموالهم أنّى اتجهوا.

وقال الحنابلة والحنفية: إنّ وجود الزوج أو المـَحرم شرط لحج المرأة، وإن كانت عجوزاً، ولا يجوز لها أن تحج بدونه ولكنّ الحنفية اشترطوا أن يكون

١٩٣

بين مكان المرأة وبين مكة مسافة ثلاثة أيّام. وهذا الشرط نادر الوقوع في زماننا بعد أن سهّل العلم وسائل المواصلات، هذا بالاضافة إلى ما قدّمنا من أنّه لا مجال للبحث - اليوم - في اشتراط المـَحرم من الأساس.

البذل

جاء في كتاب (المغني) للحنابلة: (إذا بذل شخص مالاً لغيره فلا يجب عليه أن يقبل البذل، ولا يصير مستطيعاً بذلك، سواء أكان الباذل أجنبياً أم قريباً، وسواء أبذل له الركوب والزاد أم لا. وعن الشافعي: أنّه اذا بذل له ولده ما يتمكن به مِن الحج لزمه؛ لأنّه تمكن من الحج من غير منّة تلزمه، ولا ضير يلحق به).

وقال الإمامية: إذا أعطاه مالاً على سبيل الهدية دون أن يشترط عليه الحج لم يجب عليه كائناً مَن كان الباذل، وإن بذل مشترطاً عليه الحج وجب القبول، ولا يجوز أن يرفض حتى ولو كان الباذل أجنبياً؛ لأنّه والحال هذه يكون مستطيعاً.

الزواج

لو كان عنده من المال ما يكفيه للحج فقط أو للزوج فقط، فأيهما يقدّم؟

جاء في (فتح القدير) للحنفية ج٢ باب الحج: أنّ أبا حنيفة سئل عن ذلك، فأجاب بأنّه يقدّم الحج. وإطلاق الجواب بتقديم الحج، مع أنّ التزويج قد يكون واجباً في بعض الأحوال دليل على أنّ الحج لا يجوز تأخيره.

وقال الشافعية والحنابلة والمحققون من الإمامية(١) : يقدّم الزواج إذا كان

____________________

(١) منسك السيد الحكيم والسيد الخوئي.

١٩٤

في تركه حرج عليه ومشقة، ولا يقدّم الحج. (كفاية الأخيار، والمغني والعروة الوثقى).

الخمس والزكاة

الخُمس والزكاة مقدّمان على الحج، ولا استطاعة إلاّ بعد وفائهما، تماماً كغيرهما من الديون.

الاستطاعة بالصدقة

مَن ذهب إلى بلد قريب من مكة المكرمة بقصد التجارة أو غيرها وبقي فيه إلى أيام الحج، وأمكنه الوصول إلى بيت الله الحرام يصير مستطيعاً، فإن عاد إلى وطنه قبل أن يؤدي الحج استقر في ذمته بالاتفاق.

١٩٥

الاستنابة

أقسام العبادات

تنقسم العبادات مِن حيث البدنية والمالية إلى ثلاثة أقسام:

١ - بدنية محضة، لا أثر فيها للمال، كالصوم والصلاة، وقال الأربعة: هذا النوع لا يقبل النيابة بحال، لا عن الأموات، ولا عن الأحياء. وقال الإمامية: يقبلها عن الأموات فقط، أمّا الحي فلا يجوز له أن يستنيب مَن يصلّي أو يصوم عنه بحال.

٢ - مالية محضة، لا أثر فيها للبدن وعمله، كالخمس والزكاة، وهذا النوع يقبل النيابة بالاتفاق، فيجوز لمالك أن يوكل مَن يخرج عنه زكاة ماله، وسائر صدقاته.

٣ - مركّبة مِن البدنية والمالية، كالحج فإنّه يفتقر إلى العمل كالطواف والسعي والرمي، والى المال لأجرة السفر ومستلزماته. وقد اتفقوا قولاً واحداً على أنّ القادر على الحج بنفسه الجامع للشروط يجب عليه إيقاعه مباشرة، ولا يجوز له الاستنابة فيه، وإن استناب غيره لَم يُجزه، ووجب عليه أن يحج بنفسه، فإن لَم يفعل قال الشافعية والحنابلة والإمامية: لا يسقط عنه الفرض بالموت تغليباً لجانب المالية، ووجب أن يستأجر عنه بأجرة المثل، إن لَم يوصِ بالحج، على أن

١٩٦

تخرج الأجرة مِن صلب التركة(١) .

وقال الحنفية والمالكية: يسقط عنه الحج لجهة البدنية، ولكنّه إذا اوصى به يُخرج مِن الثلث كسائر التبرعات، وإن لَم يوصِ فلا تجب الاستنابة.

القادر العاجز

مَن جمع شروط الحج مادياً، ولكنّه عجز عن مباشرته بنفسه لهرم أو مرض لا يُرجى برؤه، سقطت عنه المباشرة بالاتفاق؛ لقوله تعالى:( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) . ولكن هل يجب أن يستأجر مَن ينوب عنه، وإذا لَم يفعل فقد ترك واجباً استقر في ذمته؟

اتفقوا - ما عدا المالكية - على أنّه يجب عليه أن يستأجر مَن يحج عنه. وقال المالكية: لا حج إلاّ على مَن استطاع إليه سبيلاً بنفسه. (المغني والتذكرة).

ولو عوفي هذا، وزال العذر بَعد أن استناب مَن حج عنه، فهل يجب عليه أن يحج بنفسه؟

قال الحنابلة: لا يجب عليه حج آخر.

وقال الإمامية والشافعية والحنفية: بل يجب؛ لأنّ ما فعله كان واجباً في ماله، وهذا واجب في بدنه(٢) . (المغني، والتذكرة).

الاستنابة في المستحب

قال الحنفية والإمامية: مَن قضى ما عليه من حجة الإسلام، ثمّ أحبّ أن يستنيب عنه آخر تطوعاً واستحباباً فله ذلك، وإن تمكن من المباشرة بنفسه.

____________________

(١) أجاز الإمامية والشافعية والمالكية الإجارة على الحج، ومنعها الحنفية والحنابلة وقالوا: ما يُدفع للأجير من المال هو للارتزاق، ونفقة الطريق.

(٢) ويتفق هذا مع فتوى السيد الخوئي في منسكه.

١٩٧

وقال الشافعي: لا يجوز.

وعن أحمد روايتان: المنع والجواز.

وقال المالكية: يجوز للمريض الذي لا يُرجى برؤه، ولمن حج حجة الإسلام أن يستأجر غيره للحج، ويصحّ حجه ولكن ذلك مكروه، ولا يُكتب الحج للمستأجر وإنّما يقع مستحباً للأجير، وللمستأجر ثواب الاعانة على الحج وبركة الدعاء. وإذا حج عن الميت بوصية منه أو غير وصيه، فلا يُكتب له أصلاً لا فرضاً ولا نفلاً، ولا تسقط به حجة الإسلام. (الفقه على المذاهب الأربعة).

شروط النائب

يُشترط في النائب: البلوغ والعقل والإسلام، وفراغ ذمته من حج واجب، والوثوق بالأداء، ويجوز أن ينوب الرجل عن المرأة، والمرأة عن الرجل، وإن كان كل من النائب والمنوب عنه صرورة(١) .

وهل يبتدئ النائب السير الى الحج من بلده، أو من بلد الميت، أو من أحد المواقيت؟

قال الحنفية والمالكية: يحج عنه من بلد الميت إذا لم يعين المنوب عنه المكان، وإلاّ أخذ بقوله.

وقال الشافعية: المدار على الميقات، فإن عيّن ميقاتاً خاصاً وجب العمل بقوله، وإلاّ تخير الأجير مِن أيّ ميقات شاء.

وقال الحنابلة: يجب أن يحج عنه من المكان الذي وجب عليه فيه الحج، لا من المكان الذي مات فيه، فإذا استطاع في المهجر، ثمّ عاد الى بلده ومات

____________________

(١) الصرورة: هو الذي لم يحج. وقال الشافعية والحنابلة: إذا شرع الصرورة عن غيره صار الحج عنه. وقال المالكية والحنفية والإمامية: بل يقع حجه على ما نواه.

١٩٨

فيه، فيُستناب عنه من مهجره لا مِن وطنه، إلاّ إذا كان بين وطنه ومهجره أقلّ من مسافة القصر.

وقال الإمامية: الحجة منها بلدية، وهي التي تكون مِن بلد الميت، ومنها ميقاتية، وهي مِن الميقات، فإن عيّن إحداهما تعينت، وإن أطلق ولَم يبيّن فإن كان هناك انصراف الى إحداهما فبها، وإلاّ تكون الحجة ميقاتية، ويحج عنه مِن اقرب ميقات الى مكة إن أمكن، وإلاّ فمن اقرب ميقات إلى بلد الميت، وأجرة الميقاتية مِن أصل التركة في الحج الواجب، وما زاد عن الميقاتية فمن الثلث. (الجواهر).

تأخير النيابة

إذا استُؤجر النائب وجبت عليه المبادرة، ولا يجوز أن يؤخر الحج عن السنة الأُولى، وليس له أن يستنيب غيره؛ لأنّ الفعل مضاف إليه. وإذا لَم نعلم بأنّه ذهب الى الحج وقام بأعماله فالأصل عدم الإتيان حتى يثبت العكس، وإذا علمنا أنّه ذهب وقام بالأعمال على وجه الإجمال، وشككنا: هل أتى بها صحيحة - كما ينبغي - أو أنّه أخلّ بشيء من الواجبات، حملنا فعله على الصحة حتى يثبت العكس.

العدول

قال الحنفية والإمامية: إذا عيّن المستنيب نوعاً خاصاً للنائب، كالتمتع أو الإفراد أو القران، فلا يجوز العدول الى غيره.

أمّا إذا عيّن الحج من بلد خاص فابتدأ من بلد آخر فإن لَم يتعلق غرض المستأجر بذلك أجزأ؛ لأنّ سلوك الطريق غير مقصود لذاته، وإنّما المقصود بالذات الحج، وقد حصل. (التذكرة والفقه على المذاهب الأربعة).

١٩٩

العُمرة

معناها

معنى العمرة لغةً: الزيارة بوجه العموم. وشرعاً: زيارة بيت الله الحرام بنحو خاص.

أقسامها

تنقسم العمرة الى مفردة مستقلة عن الحج، ووقتها طوال أيّام السنة بالاتفاق، وأفضل أوقاتها عند الإمامية شهر رجب، وعند غيرهم شهر رمضان. وإلى منضمة الى الحج، بحيث يأتي بها الناسك أوّلاً، ثمّ يأتي بأعمال الحج في سفرة واحدة، كما يفعل حجاج الأقطار البعيدة عن مكة المكرمة، ووقتها أشهر الحج، وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة بالاتفاق، على خلاف بين الفقهاء في ذي الحجة: هل هو بكامله من أشهر الحج، أو الثلث الأوّل منه؟ ولو أتى بالعمرة منضمة الى الحج سقط وجوب المفردة عند من قال بوجوبها.

الفرق بين العمرتين

فرّق السيد الخوئي بين العمرة المفردة، وعمرة التمتع بأمور:

٢٠٠