الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة0%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 650
المشاهدات: 239736
تحميل: 32078

توضيحات:

الفقه على المذاهب الخمسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 239736 / تحميل: 32078
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١ - إنّ طواف النساء - يأتي معناه - واجب في العمرة المفردة، ولا يجب في عمرة التمتع. وقال بعضهم: لا يُشرع فيها.

٢ - إنّ وقت عمرة التمتع يبتدئ مِن أوّل شوال إلى اليوم التاسع مِن ذي الحجة، أمّا العمرة المفردة فوقتها طوال أيام السنة.

٣ - إنّ المعتمِر بعمرة التمتع يحلّ بالتقصير فقط، أمّا المعتمِر بعمرة مفردة فهو مخير بين التقصير والحلق، ويأتي التوضيح.

٤ - إنّ عمرة التمتع والحج يقعان في سنة واحدة، وليس كذلك في العمرة المفردة.

وفي كتاب (الدين والحج على المذاهب الأربعة) لكرارة: أنّ المالكية والشافعية قالوا: إنّ المعتمِر بعمرة مفردة يحلّ له كل شيء، حتى النساء إذا حلق أو قصّر، سواء أساق الهدي أم لا. أمّا الحنابلة والحنفية فإن المعتمِر يحلّ بالحلق أو التقصير إذا لّم يسق الهدي، وإلاّ بقي على إحرامه إلى أن يتحلل مِن الحج والعمرة معاً يوم النحر.

شروطها

ذكرنا فيما تقدّم شروط الحج، وهي بالذات شروط العمرة.

حكمها

قال الحنفية والمالكية: العمرة سنّة مؤكدة، وليست فرضاً.

وقال الشافعية والحنابلة وكثير مِن الإمامية: بل هي فرض على مَن استطاع إليها سبيلاً؛ لقوله تعإلى:( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) (١٩٦ البقرة). وتقع مستحبة لغير المستطيع. (فقه السنّة ج٥، والفقه على المذاهب الأربعة،

٢٠١

والجواهر والمغني)(١) .

أفعالها

جاء في كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة): (يجب للعمرة ما يجب للحج، وكذلك يُسنّ لها ما يُسنّ له.. ولكنّها تخالفه في أمور، منها: أنّه ليس لها وقت معيّن، ولا تفوت، وليس فيها وقوف بعرفة، ولا نزول بمزدلفة، ولا رمي جمار)(٢) .

وجاء في كتاب الجواهر للإمامية: (الواجب مِن أفعال الحج ١٢: الإحرام، والوقوف بعرفات، والوقوف بالمشعر، ونزول مِنى، والرمي، والذبح، والحلق بها، والتقصير، والطواف وركعتاه، والسعي، وطواف النساء وركعتاه وواجب أفعال العمرة المفردة ثمانية: النية، والإحرام(٣) ، والطواف وركعتاه، والسعي، والتقصير، وطواف النساء وركعتاه).

ومِن هذا يتبين معنا اتفاق الجميع على أنّ أعمال الحج تزيد عن العمرة بالوقوف، وما يستدعيه مِن الأعمال، إلاّ أنّ الإمامية أوجبوا على المعتمِر بعمرة مفردة أن يطوف ثانية طواف النساء، كما أنّ مالكاً خالف الجميع بقوله: لا يجب الحلق أو التقصير في العمرة المفردة.

____________________

(١) جاء في كتاب المغني أنّ أحمد بن حنبل نص على أنّه ليس على أهل مكة عمرة؛ لأنّ معظم أعمال العمرة الطواف بالبيت، وهم يفعلونه فأجزاهم ذلك.

(٢) يحتوي كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) على أصل وتعليق، ومِن عادة المؤلّف أن يذكر في الأصل ما اتفق عليه الأربعة، ويذكر في التعليق ما اختلفوا فيه مخصصاً لكل مذهب مِن المذاهب فقرة على حدة. وما ذكرناه هنا منقول مِن الأصل، لا مِن التعليق.

(٣) جاء في كتاب (الدين والحج على المذاهب الأربعة) لكرارة: أنّ مِن جملة ما افترقت به العمرة عن الحج أنّ الإحرام بها يكون مِن الحل للمكي وغيره، لا مِن مواقيت الحج. ولا فرق عند الإمامية بين ميقات المعتمِر وميقات الحاج بالنسبة للإحرام.

٢٠٢

فرعان

الفرع الأوّل: إنّ وجوب العمرة المنفردة لا يرتبط بالاستطاعة للحج، فلو استطاع لها خاصة، كما لو فُرض أنّ شخصاً تمكن مِن الذهاب إلى مكة في غير أيام الحج ولا يستطيع الذهاب إليها في أيامه وجبت عليه العمرة دون الحج، وإن مات قَبل أدائها خرجت مِن تركته(١) .

وكذا لو فُرض أنّه استطاع الحج الإفرادي دون العمرة وجب؛ لأنّ كلاً مِن المناسك مستقل برأسه، هذا بالقياس إلى العمرة المفردة، أمّا عمرة التمتع - يأتي معنى التمتع - فيتوقف وجوبها على وجوب الحج؛ لأنّها داخلة فيه.

الفرع الثاني: قال الإمامية: لا يجوز لمِن أراد دخول مكة أن يتجاوز الميقات ولا دخول حرمها إلى مُحرماً بنسك، حتى ولو كان قد حج واعتمر مرات إلاّ إذا تكرر الدخول والخروج في ضمن شهر، أي لو دخلها محرماً ثمّ خرج ثمّ دخل ثانية قَبل مضي ثلاثين يوماً فلا يجب عليه الإحرام، وإلاّ وجب، فالإحرام بالقياس إلى مَن دخل مكة - تماماً- كالوضوء بالقياس إلى مس كتابة المصحف.

وبهذا يتبين الكذب والدس في قول مَن قال: إنّ الشيعة لا يقدسون البيت الحرام، ويتظاهرون بالحج، ليُلوثوا الأماكن المقدسة.. تعإلى الله والمعظّمون لشعائره الموالون للرسول وآله علواً كبيراً.

وقال أبو حنيفة: لا يجوز لمن وراء الميقات أن يدخل الحرم إلاّ محرماً، وأمّا

____________________

(١) قال صاحب المدارك مِن الإمامية: هذا هو أشهر الأقوال وأجودها - أي استقلال وجوب العمرة عن وجوب الحج -. وقال صاحب الجواهر: إنّ كلام الفقهاء لا يخلو مِن تشويش ثمّ قال صاحب الجواهر: والذي يقوى في النظر سقوط العمرة المفردة عمّن بَعد عن مكة، وإنّما الواجب عليه عمرة التمتع التي يرتبط وجوبها بوجوب الحج. وقال السيد الحكيم: الأقرب عدم وجوب المفردة. وقال السيد الخوئي: لا يبَعد عدم وجوبها.

٢٠٣

مِن دونه فيجوز دخوله مِن غير إحرام، وكان مالك لا يرى ذلك، وللشافعي قولان.

ونكتفي بهذا القدر مِن الكلام على العمرة؛ لأنّ الغرض أن نُلقي ضوءاً عليها، ليكون القارئ على علم بالفرق بينها وبين الحج، ولو مِن بعض الجهات، وستتضح أكثر ممّا يأتي.

٢٠٤

أنواع الحج

اتفقوا على أنّ أنواع الحج ثلاثة: تمتع(١) ، وقِران، وإفراد.

وأيضاً اتفقوا على أنّ معنى التمتع أن يأتي أوّلاً بأعمال العمرة في أشهر الحج، وبَعد الفراغ مِنها يأتي بالحج.

واتفقوا على أنّ حج الإفراد أن يحج أوّلاً، وبَعد الفراغ مِن أعمال الحج يُحرم بالعمرة، ويأتي بأعمالها.

واتفق الأربعة على أنّ معنى القران أن يحرم بالحج والعمرة معاً، بحيث يقول الناسك: (لبيك الله بحج وعمرة).

وقال الإمامية: إنّ القران والإفراد شيء واحد، لا يفترقان إلاّ في حال واحدة، وهي أنّ القارن يسوق الهدي عند إحرامه، فيلزمه أن يهتدي ما ساقه، أمّا مَن حج حجة الإفراد فليس عليه هدي أصلاً. وبكلمة: إنّ الإمامية

____________________

(١) ولكنّ عمر بن الخطاب نهى عن حج التمتع، وحصر الحج بالقران والإفراد، وقال: (متعتان كانتا على عهد رسول الله، وأنا أُحرّمهما وأُعاقب عليهما). يريد متعة النساء، ومتعة الحج، أي حج التمتع. واعتذر عنه بعض علماء السنّة بأنّه أراد أن لا يتعطل بيت الله الحرام مِن الزائرين في غير أشهر الحج. (أحكام القرآن للجصاص ج١ باب التمتع بالعمرة إلى الحج).

٢٠٥

لا يجيزون التداخل بين إحرامين(١) ، ولا إتيان الحج والعمرة بنية واحدة في حال مِن الحالات. وأجازه غيرهم في حجة القران، وقالوا: إنّه سُمّي بذلك لما فيه مِن الجمع بين الحج والعمرة. وقال الإمامية: بل لأنّه أضيف سياق الهدي إلى الإحرام(٢) .

وقال الأربعة: يجوز لأيّ كان مكياً أو غير مكي، أن يختار أيّ نوع شاء مِن أنواع الحج الثلاثة: التمتع والقران والإفراد، دون كراهة، إلاّ أنّ أبا حنيفة قال: يُكره للمكيّ حج التمتع والقران.

ثمّ اختلف الأربعة فيما بينهم في الأفضل مِن هذه الثلاثة:

قال الشافعية: الإفراد والتمتع أفضل مِن القران.

وقال الحنفية: القران أفضل مِن أخويه.

وقال المالكية: بل الإفراد أفضل.

وقال الحنابلة والإمامية: التمتع أفضل. (الفقه على المذاهب الأربعة، والمغني، وميزان الشعراني، وفقه السنّة ج٥).

وقال الإمامية: إنّ التمتع فرض مَن نأى عن مكة ٤٨ ميلاً(٣) لا يجوز له غيره إلاّ مع الضرورة، أمّا القران والإفراد فهما فرض أهل مكة، ومَن كان بينه وبينها دون ٤٨ ميلاً، ولا يجوز لهما غير هذين النوعين، واستدلوا بقوله تعإلى:( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الْهَدْيِ فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ

____________________

(١) جاء في كتاب الجواهر والمدارك والحدائق وغيرها ما نصه بالحرف: (لا يجوز لمن أحرم أن يُنشئ إحراماً آخر، حتى يُكمل أفعال ما أحرم له).

(٢) وتفرّد ابن عقيل عن الإمامية بموافقته لفقهاء السنّة على أنّ القران هو الجمع بين العمرة والحج في إحرام واحد.

(٣) واختاره السيد الحكيم. وقال السيد الخوئي: ١٦ فرسخاً. وقال بعضهم: ١٢ ميلاً.

٢٠٦

حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَام ) (١٩٦ البقرة) .

وقال الإمامية أيضاً: لا يجوز لمن وظيفته التمتع أن يعدل إلى غيره، إلاّ لضيق وقت أو حيض، فيجوز العدول حينئذ إلى القران أو الإفراد، على أن يأتي بالعمرة بَعد الحج، وحدّ الضيق أن لا يتمكن مِن الوقوف في عرفة عند الزوال.

ولا يجوز العدول لمن فرضه القران أو الإفراد كأهل مكة وضواحيها أن يعدل إلى التمتع إلاّ مع الاضطرار، كخوف الحيض المتوقع. وبَعد أن نقل هذا صاحب الجواهر، قال: بلا خلاف أجده.

واتفقوا جميعاً على أنّ من حج حجة الإفراد لا يلزمه هدي، وإن تطوع به فخير.

٢٠٧

مواقيت الإحرام

المواقيت

لا بدّ للعمرة والحج بشتى أنواعه مِن الإحرام، وهو ركن مِن أركانهما عند الإمامية وواجب عند غيرهم. واتفقوا قولاً واحداً على أنّ ميقات أهل المدينة الذي يبدؤون إحرامهم مِنه مسجد الشجرة، ويُسمّى ذو الحليفة. وميقات أهل الشام ومصر والمغرب الجحفة(١) . وميقات أهل العراق العقيق. ولأهل اليمِن ومَن عبر على طريقهم يلملم.

وقال الإمامية: قرن ميقات أهل الطائف، ومَن عبر على طريقهم إلى مكة.

وقال الأربعة: بل هو ميقات أهل نجد. وقال الإمامية: ميقات أهل نجد وميقات أهل العراق هو العقيق.

وكما اتفقوا على أنّ هذه المواقيت لأهل الجهات المذكورة، فقد اتفقوا أيضاً على أنّها مواقيت لكل مَن يمرّ بها ممّن يريد الحج، وإن لَم يكن مِن أهل تلك الجهات، فإذا حج الشامي مِن المدينة فجاز على ذي الحليفة أحرم منه، وإن

____________________

(١) المراد بأهل الشام: السوريون واللبنانيون والفلسطينيون والأردنيون، وقد تغيرت الطرق عمّا كانت. وقال السيد الحكيم: إنّ المسافر بالطائرة لا يجب عليه الإحرام إذا مرّ فوق الميقات، وإذا هبط في جدة أحرم مِن الحديبية، وله أن يحرم مِن جدة مع النذر.

٢٠٨

حج مِن اليمن فميقاته يلملم، ومِن العراق فالعقيق، وهكذا، ومَن لَم يمر بهذه المواقيت فميقاته المكان الذي يحاذي أحدها.

ومَن كان منزله اقرب إلى مكة مِن هذه المواقيت فميقاته منزله، يُحْرِم منه، ومَن كان في مكة نفسها فميقاته مكة بالذات، ومواقيت المعتمِر بعمرة مفردة عند الإمامية هي مواقيت الحج بالذات.

الإحرام قَبل الميقات

اتفق الأربعة على جواز الإحرام قَبل الميقات، واختلفوا في الأفضل، فقال مالك وابن حنبل: الأفضل الإحرام مِن الميقات.

وقال أبو حنيفة: الأفضل الإحرام مِن بلده. وعن الشافعي القولان.

وقال الإمامية: لا يجوز الإحرام قَبل الميقات إلاّ لمن يريد العمرة في رجب، وخاف أن ينقضي إذا أخرّ الإحرام إلى الميقات، وإلاّ لمن نذر الإحرام قبل الميقات(١) . (التذكرة، وفقه السنّة).

الإحرام بَعد الميقات

اتفقوا على أنّه لا يجوز تجاوز الميقات بدون إحرام، وإن تجاوزه ولَم يُحرم وجب الرجوع إليه ليحرم منه.

وقال الأربعة: إذا لَم يرجع يصحّ حجه، وعليه الهدي، ويأثم إن لَم يمنع مانع مِن الرجوع، وإن وجد المانع لخوف الطريق، أو لضيق الوقت فلا إثم، ولا فرق في ذلك بين أن يكون أمامه مواقيت أخرى في طريقه أو لا.

وقال الإمامية: مَن ترك الإحرام مِن الميقات عامداً وهو يريد الحج، أو

____________________

(١) أجاز السيد الحكيم والسيد الخوئي نذر الإحرام قبل الميقات.

٢٠٩

العمرة ولَم يرجع إليه، ولَم يكن أمامه ميقات غيره يُحرم منه بطل إحرامه وحجه، سواء أكان معذوراً أو غير معذور.

وإذا كان قد تركه ناسياً أو جاهلاً، وأمكن الرجوع رجع، وإن لَم يكن فمن الميقات الذي أمامه، وإلاّ فالقدر الممكن مِن خارج الحرم أو داخله مقدّماً على الثاني. (التذكرة والفقه على المذاهب الأربعة).

الإحرام قَبل أشهر الحج

قال الإمامية والشافعية: لو أحرم بالحج قَبل أشهره لَم ينعقد إحرامه، وينعقد للعمرة؛ لقوله تعالى:( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ) .

وقال الحنفية والمالكية والحنابلة: يصحّ على كراهة. (التذكرة، وفقه السنّة).

٢١٠

الإحرام

واجباته ومستحباته

الإحرام ومستحباته

لا خلاف في أنّ الإحرام ركن مِن أركان العمرة، وأيضاً هو ركن مِن حج التمتع والإفراد والقران. وأيضاً لا خلاف في أنّه أوّل عمل يجب أن يبتدئ به الناسك، سواء أكان معتمِراً بعمرة مفردة أم حاجاً بحج تمتع، أم قران، أم إفراد، وله مستحبات وواجبات.

اتفقوا على أنّه يستحب لمِن يريد الإحرام أن ينظف جسده، ويقلّم أظفاره، ويأخذ مِن شاربه، وأن يغتسل حتى لو كانت امرأة في الحيض والنفاس؛ لأنّ الغرض النظافة، وأن يوفر شعر رأسه مِن أوّل ذي القعدة إذا اراد حج التمتع، وأن يزيل الشعر مِن جسده وإبطيه، وأن يُحرم بَعد صلاة الظهر، أو أيّة فرضة غيرها، وإن استُحب أن يصلّي للاحرام ست ركعات، أو أربعاً، أو ركعتين على الأقل. أمّا الطهارة مِن الحدث فليست شرطاً في صحة الإحرام.

وقال الحنفية والمالكية: إذا فقد الماء سقط الغسل، ولَم يُشرع التيمم بدلاً عنه.

٢١١

وقال الحنابلة والشافعية: بل يتيمم بدلاً عن الغسل.

واختلف الإمامية فيما بينهم، فمانع ومجيز.

والحق المنع، كما قال الحنفية والمالكية؛ لأنّ هذا التيمم مِن العبادات، وهي لا تُشرع إلاّ بدليل، ولا دليل وجاء في مستمسك العروة للسيد الحكيم ج٧: (إنّ عموم بدلية التراب عن الماء، وإنّه يكفي عشر سنين، وإنّ التراب أحد الطهورين، وإنّ ربّ الماء والصعيد واحد، كافٍ في ثبوت بدلية التراب في المقام ونحوه).

ويلاحظ بأنّ هذه الأدلة التي دلّت على بدلية التراب عن الماء ناظرة إلى الماء بقيد التطهير مِن الحدث، لا مطلق الماء، وإلاّ وجب أن نعطي التراب جميع أحكام الماء عند تعذره، حتى في إزالة النجاسة الخبثية إلاّ ما أخرجه الدليل، ولا قائل بذلك، حتى صاحب المستمسك - فيما أظن - وقد صرح في منسكه ص ٢٦ طبعة رابعة أنّ الغسل مستحب للإحرام مِن الحائض والنفساء. ومعنى ذلك أنّ هذا الغسل لا يرفع حدثاً، ولا يقصد منه إلاّ النظافة، هذا، إلى أنّنا نعلم أنّ التراب يكون بدلاً عن الماء في الطهارة الحديثة، ولا يكون بدلاً عنه في الطهارة الخبثية، كالدم والبول، ونشك: هل يكون بدلاً عنه في هذا الغسل؟ ولا يسوغ التمسك بهذه العموميات لرفع الشك، وإثبات البدلية الشرعية؛ لأنّه مِن باب التمسك بالعام في الشبهات أو المصداقية.

أُرسِلت هذه الملاحظة لسماحة السيد فعلّق عليها بقوله: (إنّ مشروعية الغسل المستحب للطهارة، والطهارة إنّما تكون عن الحدث، فالغسل المستحب مطهِّر مِن مرتبة مِن الحدث، وبدلية التراب عن الماء شاملة لموارد الغسل المستحب، وشمولها لذلك لا يقتضي شمولها للغسل عن النجاسة، لاختلاف السنخية بين الحدث والخبث، والاختلاف في المحل، فإنّ مورد الأوّل النفس ونحوها، ومورد الثاني الجسم مع وحدة السنخية بين طهارة الغسل الواجب

٢١٢

والمستحب، ودليل البدلية عام للأمرين، وبالجملة فالغسل المستحب مطهِّر مِن الحدث بالجملة، ولو مِن بعض مراتبه فشمله دليل البدلية، والغسل مِن الحائض مطهِّر مِن مرتبة مِن الحدث، كما أنّها إذا اغتسلت مِن الجنابة طهرت مِنها، وإن بقي حدث الحيض. والله هو العالم العاصم).

وقال الإمامية: يستحب توفير شعر الرأس.

وقال الشافعية والحنفية والحنابلة: بل يستحب حلقه. (الفقه على المذاهب الأربعة).

وقال الحنفية: يُسنّ لمن يريد الإحرام التطيُّب في البدن والثوب بطيب لا يبقى عينه بَعد الإحرام، وإن بقيت رائحته.

وقال الشافعية: يُسنّ تطييب البدن بَعد الغسل إلاّ للصائم، ولا يضر تعطير الثوب.

وقال الحنابلة: يُطيّب بدنه، ويُكره تطييب الثوب. (الفقه على المذاهب الأربعة).

وقال الحنفية والمالكية والشافعية: يستحب للمـُحْرِم أن يصلّي ركعتين قَبل الإحرام. (المصدر السابق).

وقال الإمامية: الأولى أن يكون الإحرام عقب صلاة الظهر، أو فريضة غيرها، وإن لَم تكن عليه فريضة وقت الإحرام صلّى للإحرام ست ركعات، أو أربعاً، وأقلها ركعتان. (الجواهر).

الاشتراط

قال في التذكرة: يستحب لمن أراد الإحرام أن يشترط على ربه عند عقد الإحرام، كأن يقول المـُحْرِم: (اللهمّ إنّي أريد ما امرتني به، فإن منعني مانع

٢١٣

عن تمامه وحبسني عنه حابس فاجعلني في حل). وباستحباب ذلك قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد، إلاّ أنّ هذا الاشتراط لا يفيد سقوط فرض الحج إن وجد المانع عن الإتمام.

واجبات الإحرام

واجبات الإحرام ثلاثة: النية، والتلبية، ولبس ثوب الإحرام على خلاف بين المذاهب في بعضها.

النية

لا مجال للكلام في النية، إذ لا عمل إرادي بلا نية بمعنى الباعث على العمل فهي في الحقيقة مِن الضروريات، لذا قال بعض العلماء: لو كُلّفنا بعمل بلا نية لكان تكليفاً بغير المقدور. إذن ينبغي صرف الكلام إلى أنّ الناسك: هل يصير محرِماً بمجرد نية الإحرام، أو لا بدّ مِن إضافة شيء آخر معها؟ هذا، مع العلم بأنّه لو أحرم ذاهلاً أو عابثاً بدون نية يكون إحرامه باطلاً.

قال الحنفية: (لا يصير شارعاً في الإحرام بمجرد النية ما لَم يأتِ بالتلبية). (فتح القدير).

وقال الشافعية والإمامية والحنابلة: ينعقد الإحرام بمجرد النية. (الجواهر وفقه السنّة).

وقال الإمامية: يجب أن تكون النية مقارنة للشروع بالإحرام، ولا يكفي حصولها في أثنائه، وأن يعيّن جهة الإحرام مِن أنّه لحج أو عمرة، وأنّ الحج تمتع أو قران أو إفراد، وأنّه عن نفسه أو نيابة عن غيره، وأنّه حجة إسلام أو غيرها، ولو نوى مِن غير تعيين، وأوكله إلى ما بَعد ذلك بطل. (العروة الوثقى).

٢١٤

وجاء في كتاب (المغني) - للحنابلة - ما خلاصته: (يستحب أن يعيّن ما أحرم به، وبهذا قال مالك. وقال الشافعي في أحد قوليه: الإطلاق أولى.. فإن أطلق الإحرام، فنوى الإحرام بنسك، ولّم يعيّن حجاً ولا عمرة صح وصار مُحرماً.. وله بَعد ذلك صرفه إلى أيّ الأنساك شاء).

واتفقوا على أنّه لو نوى بإحرامه ما أحرم به فلان صحّ إذا كانت نية المذكورة معينة. (الجواهر، والمغني).

التلبية

اتفقوا على أنّ التلبية مشروعة في الإحرام، واختلفوا في حكمها مِن حيث الوجوب والندب، وفي وقتها:

قال الشافعية والحنابلة: إنّها سنّة ويستحب اتصالها بالإحرام، ولو نوى الإحرام بدون تلبية صح.

وقال الإمامية والحنفية(١) والمالكية: التلبية واجبة، ثمّ اختلفوا في التفاصيل، فقال الحنفية: إنّ التلبية أو ما يقوم مقامها - كالتسبيح وسوق الهدي - شرط مِن شروط الإحرام. وقال المالكية: لا يبطل الإحرام بالفاصل الطويل بين التلبية وبين الإحرام، ولا بتركها كلية، وإنّما يلزم التارك دم، أي يُضحي.

وقال الإمامية: لا ينعقد إحرام حج التمتع، ولا حج الإفراد، ولا عمرتهما والعمرة المفردة إلاّ بالتلبية، ولا بدّ مِن تكرارها أربع مرات، أمّا مَن يريد حج القران فيتخير بين التلبية وبين الإشعار أو التقليد(٢) . والإشعار عندهم

____________________

(١) وسوق الهدي عند الحنفية يقوم مقام التلبية، كما جاء في ابن عابدين وفتح القدير.

(٢) معنى الإشعار: أن يشقّ الجانب الأيمن مِن سنام البدنة، أي الناقة. والتقليد: أن يجعل في عنق الهدي نعلا بالية؛ ليُعرف بها أنّه هدي.

٢١٥

مختص بالبدن، والتقليد مشترك بينها وبين غيرها مِن أنواع الهدي.

صيغة التلبية

وصيغة التلبية: (لبيك اللهمّ لبيك، لا شريك لك لبيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).

ولا يشترط في التلبية الطهارة بالإجماع. (التذكرة).

أمّا وقتها فيبدأ بها المـُحرِم مِن وقت الإحرام، ويستحب الاستمرار بها إلى رمي جمرة العقبة بالاتفاق. ويستحب الجهر بها لغير المرأة إلاّ في مسجد الجماعات، بخاصة مسجد عرفة. وقال الإمامية: يستحب أن يقطعها إذا شاهد بيوت مكة، أمّا المرأة فتُسْمِع نفسها ومَن يليها، ويستحب أيضاً الصلاة على النبي وآله. (التذكرة وفقه السنّة).

لباس المـُحرِم

اتفقوا على أنّ الرجل المـُحرِم لا يجوز له أن يلبس مخيطاً، ولا ثوباً يزرره، ولا قميصاً ولا سراويل، ولا أن يغطي رأسه ووجهه. وقال الشافعي وأحمد يجوز له أن يغطي وجهه، ولا يجوز له أن يلبس الخفّين إلاّ إذا لَم يجد نعلاً فيلبس خفّين بَعد أن يقطع أسفل مِن الكعبين(١) .

وأمّا المرأة فتغطي رأسها، وتكشف وجهها إلاّ مع خوف نظر الرجال إليها بريبة، ولا يجوز لها أن تلبس القفاز - أي الكفوف - ولها أن تلبس الحرير والخفّين. وقال أبو حنيفة: يجوز لها لبس القفاز. (التذكرة والبداية والنهاية لابن رشد).

____________________

(١) النعل له أسفل وليس له كعب وجوانب ولا ما يستر ظهر القدمين. والخُف: حذاء تام في كعبه وجوانبه، كما هو المتعارف المألوف، ويُسمّى كندرة أو صباط، وما إلى ذاك.

٢١٦

وجاء في كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) بعنوان: (ما يُطلب مِن مريد الإحرام قَبل أن يشرع فيه).

قال الحنفية: ومِن ذلك لبس إزار ورداء. والإزار: هو ما يستتر به مِن سرّته إلى ركبته. والرداء: هو ما يكون على الظهر والصدر والكتفين، وهو مستحب.

وقال المالكية: يُندب أن يلبس إزاراً ورداء ونعلين، ولو لبس غير الرداء والإزار ممّا ليس مخيطاً ولا محيطاً، فلا يضر. والمحيط: هو الثوب الذي يحيط بالعضو.

وقال الحنابلة: يسن له قَبل إحرامه لبس إزار ورداء أبيض نظيفين جديدين ونعلين.

وقال الشافعية: ومِن ذلك أن يلبس إزاراً ورداء أبيضين جديدين وإلاّ فمغسولين.

وقال الإمامية: إنّ الإزار والرداء واجبان، وإنّه يستحب أن يكونا مِن القطن الأبيض، ويجوز للمحرم أن يلبس أكثر مِن ثوبين على شريطة أن لا يكون مخيطاً، كما يجوز له أن يبدل ثياب الإحرام، ولكن الأفضل عندهم أن يطوف بالثوبين اللذين أحرم بهما. واشترطوا في لباس المـُحرِم كل ما اشترطوه في لباس المصلّي مِن الطهارة، وعدم كونه حريراً للرجال أو جلداً مِن غير مأكول اللحم، بل قال جماعة: لا يجوز أن يكون مِن نوع الجلد إطلاقاً.

ومهما يكن، فإنّ الخلاف في لبس المـُحرِم بسيط جداً، ويكفي للتدليل على ذلك أنّ كل ما هو مجزٍ عند الإمامية مجزٍ أيضاً عند الأربعة.

٢١٧

مخطورات الإحرام

نهي الشرعُ المـُحرِم عن أشياء نذكر أكثرها فيما يلي:

الزواج

قال الإمامية والشافعية والمالكية والحنابلة: لا يجوز للمحرم أن يعقد الزواج لنفسه، ولا لغيره، ولا أن يوكل فيه، ولو فعل لَم ينعقد، وقال الإمامية: وكذا لا يجوز له أن يشهد عليه.

وقال أبو حنيفة: بل يجوز عقد الزواج، ويقع صحيحاً.

وقال الحنفية والمالكية والشافعية والإمامية: يجوز للمحرم مراجعة زوجته المطلّقة في عدتها.

وقال الحنابلة: لا يجوز.

وقال الإمامية: إذا أجرى المـُحرِم عقد الزواج وهو عالم بالتحريم، حرمت عليه المرأة أبداً بمجرد العقد، وإن لَم يدخل. أمّا إذا كان جاهلاً بالتحريم فلا تحرم عليه، وإن دخل. (الجواهر، وفقه السنّة، والفقه على المذاهب الأربعة).

٢١٨

الجماع

اتفقوا على أنّه لا يجوز للمحرم أن يجامع زوجته أو يستمتع بها بشتى أنواع الاستمتاع، وإذا جامع قَبل التحليل(١) فسد حجه، ولكن عليه المضي في حجه وإتمامه، ثُمّ القضاء في العام القادم، على أن يفرق بين الزوجين في حج القضاء(٢) وجوباً عند الإمامية والمالكية والحنابلة، وندباً عند الشافعية والحنفية. (الحدائق، وفقه السنّة).

وقال الإمامية والمالكية والشافعية والحنابلة: تلزمه بدنة بالإضافة الى فساد حجه.

وقال الحنفية: بل شاة.

واتفقوا على أنّه إذا جامع بَعد التحليل الأوّل فلا يفسد حجه، ولا قضاء عليه، ولكن عليه بدنة عند الإمامية والحنفية والشافعي في أحد قوليه، أمّا مالك فقال: تلزمه شاة. (الحدائق، وفقه السنّة).

وإذا كانت المرأة مطاوعة فسد حجها، وعليها أن تكفّر ببدنة، وأن تقضي في العام القادم. وإذا كانت مكرهة لَم يكن عليها شيء، وعلى الزوج أن يكفّر ببدنتين: إحداهما عنه، والثانية عنها. وإذا كانت مُحلة وهو محرِم فلا يتعلق بها شيء، ولا يجب عليها كفارة، ولا على الرجل بسببها. (التذكرة).

وإذا قبّل زوجته، ولَم ينزل فلا يفسد حجه بالاتفاق. وقال الأربعة: عليه

____________________

(١) إذا رمى الجمرة وحلق يحلّ للمحرم أشياء ممّا كانت محرّمة عليه، كلبس المخيط ونحوه، وهذا هو الحِلّ الأوّل ولكن لَم تحلّ له النساء والطيب. وإذا طاف الطواف الأخير حلّ له كل شيء حتى النساء، وهذا هو الحِلّ الثاني، ويأتي التفصيل.

(٢) قال في التذكرة: ينبغي أن يكون التفريق في حج القضاء مِن المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا، في الحجة الأُولى. ومعنى التفريق: أن لا يخلو بنفسيهما، ومتى اجتمعا كان معهما ثالث محرم؛ لأنّ وجوده يمنع مِن الإقدام على المواقعة.

٢١٩

دم - أي يكفّر - ولو بشاة. وقال صاحب التذكرة - مِن الإمامية - إن قبّلها بشهوة فجزور، وإلاّ فشاة.

أمّا إذا أنزل، فقال المالكية: يفسد حجه. وأجمع البقية على صحة حجه، وتجب عليه كفارة، وهي بدنة عند الحنابلة وجماعة مِن الإمامية، وشاة عند الشافعية والحنفية. (الحدائق والمغني).

وإذا نظر إلى أجنبية فأمنى لَم يفسد حجه. وعليه بدنة عند الإمامية والشافعي وأبي حنيفة وأحمد؛ لأنّه أنزال مِن دون مباشرة. ولكنّ الإمامية قالوا: عليه بدنة إن كان موسراً، وإن كان متوسطاً فبقرة، وإن كان معسراً فشاة. وقال مالك: إن ردد النظر، حتى أجنب فسد حجه وعليه القضاء. وقال صاحب التذكرة: عليه أن يكفّر ببدنة.

الطيب

اتفقوا على أنّ كل محرم - رجلاً كان أو امرأة - يحرم عليه الطيب شماً وتطيباً وأكلاً وأنّ المـُحرِم إذا مات لا يجوز تغسيله، ولا تحنيطه بالكافور، ولا بغيره مِن أنواع الطيب. وإذا تطيب المـُحرِم ناسياً أو جاهلاً، قال الإمامية والشافعية: لا كفارة عليه. وقال الحنفية والمالكية: عليه فدية. وعن أحمد روايتان.

وإذا اضطر إلى استعمال الطيب لمرض جاز له ذلك، ولا فدية عليه.

وقال الإمامية: لو استعمل الطيب عامداً كان عليه شاة، سواء استعمله صبغاً أو أكلاً. ولا بأس بخلوق الكعبة، ولو كان فيه زعفران، وكذا الفواكه والرياحين. (الجواهر).

٢٢٠