الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة0%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 650
المشاهدات: 239654
تحميل: 32078

توضيحات:

الفقه على المذاهب الخمسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 239654 / تحميل: 32078
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

هلال ذي الحجة

يصادف في أكثر السنين أن يحكم غير الإمامي بثبوت هلال ذي الحجة، وتلزم حكومة الحرمين الشريفين الحجاج بالعمل بحكمه، دون أن يثبت عند المجتهد الإمامي، فمإذا يصنع الحاج الإمامي في الوقوف بعرفة، وسائر الأعمال المؤقتة، إذا لَم يستطع العمل بمذهبه؟ وهل يبطل حجه إذا وقف مع الناس وأدى سائر الأعمال في الوقت الذي يؤدون فيه أعمالهم؟

قال السيد الحكيم في (مناهج الحج) ص ٩١ طبعة ١٣٨١ ﻫ:

(إذا حكم الحاكم غير الإمامي بثبوت الهلال، وكان موقفهم بعرفة في الثامن مِن ذي الحجة، وفي المشعر في التاسع منه، واقتضت التقية - أي الخوف مِن الضرر - الوقوف معهم، فالظاهر صحة الوقوف وفراغ الذمة به، وكذا إذا كان نائباً عمّن استقر الحج في ذمته أو كان الحج مندوباً عن نفسه أو غيره، ولا فرق في الإجزاء بين صورة العلم بمخالفة الحكم للواقع، وعدم العلم بذلك).

وقال السيد الخوئي في (مناسك الحج) ص ٨٠ طبعة سنة ١٣٨٠ ﻫ:

(إذا ثبت الهلال عند القاضي غير الشيعي وحكم به، ولَم يثبت عند الشيعة، ولكن احتملت مطابقة الحكم للواقع وجبت متابعتهم والوقوف

٢٨١

معهم، ويجزي هذا الحج على الأظهر. ومَن خالف ما تقتضيه التقية - أي خوف الضرر -، وسوّلت له نفسه أنّ الاحتياط في مخالفتهم، ارتكب محرّماً وفسد حجه)(١) .

وليس مَن شكٍ أنّ الله يريد بعباده اليسر، ولا يريد بهم العسر، وإعادة الحج ثانية حرج، حتى على مَن استطاع إليه سبيلاً أكثر مِن مرة، إن صح التعبير.

ومإذا يصنع المسكين لو جرى له في السنة التي أعاد فيها ما جرى له مِن قَبل؟ فهل يجب أن يكرر الحج ثالثاً ورابعاً، وهكذا حتى يصادف مذهبه. والصلاة والسلام على أمير المؤمنين وسيد الوصيين، حيث يقول: (إنّ الله كلف يسيراً، ولَم يكلّف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً).

هذا، إلاّ أنّنا نعلم أنّه قد حدث ذلك في عهد الأئمة الأطهار، ولَم يُعهد أنّ أحداً منهم عليهم أفضل الصلاة والسلام أمر شيعته بإعادة الحج، ولذا قال السيد الحكيم في (دليل الناسك): (جاز ترتيب الآثار على حكم القاضي غير الإمامي، وتقتضيه السيرة القطعية مِن زمن الأئمة (ع) على متابعتهم في الموقف، مِن دون تعرّض لشيء مِن ذلك).

وجاء في (مناسك الحج) للسيد الشاهرودي: (يجوز الرجوع في خصوص هذه المسألة إلى المجتهد المطلق الذي يقول بالجواز).

وصدّقوني إنّ عقلي لَم يهضم مثل هذا مِن مجتهد مطلق، رغم أنّي قرأته،

____________________

(١) يشترط أستاذنا السيد الخوئي لاجزاء هذا الحج والاكتفاء به عدم العلم بالمخالفة، أمّا السيد الحكيم فيعمم الإجزاء والاكتفاء إلى صورة العلم بالمخالفة والجهل على السواء. ونحن هنا مع السيد الحكيم؛ لأنّنا نفهم مِن أدلة التقية أنّ اليوم التاسع إنّما يكون شرطاً للوقوف بعرفة مع الأمن وعدم خوف الضرر، أمّا مع الخوف وعدم الأمن فيسقط هذا الشرط، تماماً كالسجود في الصلاة على غير المأكول والملبوس فإنّه شرط مع عدم خوف الضرر، أمّا معه فلا، وعليه يصحّ السجود في الصلاة على المأكول والملبوس مع عدم الأمن.

٢٨٢

وسمعته مِن أكثر مِن واحد مِنَ الذين يقلدهم العوام؛ لأنّ المجتهد إن كان مطلقاً فعليه أن يبت سلباً أوايجاباً، وإن لَم يكن فليس له أن يتصدى للتقليد.

وإن قال قائل: ليس مِن شرط المجتهد المطلق أن لا يتوقف ويحتاط في شيء، بل على العكس، فإنّ الاحتياط سبيل النجاة.

قلنا في جوابه: هذه مغالطة صريحة، فإنّ وجوب الاحتياط في مورد شيء، وفتواه بالرجوع إلى غيره شيء آخر.. فإنّه إذا رأى وجوب الاحتياط في مسألة ما أفتى به، كما يفعل المقلدون في العديد مِن المسائل.

٢٨٣

زيارة الرسول الأعظم

تستحب زيارة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) استحباباً مؤكداً، فقد ثبت أنّه قال: (مَن زار قبري بَعد موتي كمن هاجر إليَّ في حياتي).

وقال أيضاً: (الصلاة في مسجدي كألف صلاة في غيره، إلاّ المسجد الحرام فإنّ الصلاة فيه كألف صلاة في مسجدي).

ويتأكد استحباب الصلاة في مسجد الرسول أكثر أن تقع بين قبره ومنبره، فإنّها روضة مِن رياض الجنة، كما ثبت بالحديث.

ويستحب إتيان المساجد كلها في المدينة، مثل: مسجد قبا، ومشربة أم إبراهيم، ومسجد الأحزاب، وغيره.

كما تستحب زيارة قبور الشهداء كلهم بخاصة قبر جمزة بأُحد (ع).

وتستحب زيارة أئمة البقيع، وهم: الإمام الحسن، والإمام زين العابدين، والإمام الباقر، والإمام الصادق (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

أمّا زيارة فاطمة أُم الحسنين فكزيارة أبيها؛ لأنّها بضعة منه، وقد تعددت الأقوال في مكان قبرها الشريف، والاقرب والأصوب إنّها دُفنت في بيتها المجاور لمسجد أبيها، وحين زاد الأمويون في المسجد صار القبر مِن جملته. وبهذا قال ابن بأبويه:

وإنّما قلنا: إنّه اقرب؛ لأنّه غير بعيد عن الرواية القائلة إنّ قبرها في الروضة بين القبر والمنبر. والله وحده العالم.

٢٨٤

تاريخ بناء الحرمين الشريفين

الكعبة

هي أوّل بيت وضعه الله للناس مباركاً وهدى، وأقدم معبد مقدس في الشرق الأوسط، فلقد بناه إبراهيم جد الأنبياء، وولده إسماعيل:( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (١٢٧ البقرة).

وكان إسماعيل يجيء بالأحجار وإبراهيم يبنيها، حتى إذا ارتفع البناء إلى قامة الرجل جيء بالحجر الأسود، ووضِع في مكانه.

وتذهب الروايات إلى أنّ البيت العتيق كان حين بناه إبراهيم في علو تسعة أذرع، وفي مساحة تبلغ عشرين ذراعاً في ثلاثين، وأنّه قد كان له بابان، ولَم يكن عليه سقف.

أمّا الحجر الأسود، فقيل: إنّ جبريل أتى به مِن السماء. وقيل: بل صحبه آدم معه مِن الجنة حين هبط إلى الأرض، وإنّه كان أبيض ناصعاً، فاسودّ مِن خطايا الناس. وقيل غير ذلك.

أمّا نحن فما علينا مِن بأس إذا لَم نؤمن بواحد مِن هذه الأقوال وما إليها،

٢٨٥

ولسنا مكلّفين بالبحث عن صدقها، ولا بمعرفة مصدر الحجر وسببه، أجل، إنّنا نقدسه وكفى؛ لأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) كان يقدسه ويعظمه، وإذا سئلنا عن سرّ تقديس النبي لهذا الحجر قلنا: الله ورسوله أعلم.

وأيضاً ذهبت بعض الروايات إلى أنّ الكعبة بقيت على بناء إبراهيم وإسماعيل (ع)، إلى أن جدد بناءها قصي بن كلاب الجد الخامس للرسول الأعظم (صلّى الله عليه وسلّم).

وإنّها بقيت على بناء قصي، حتى بلغ النبي الخامسة والثلاثين مِن عمره الشريف، فجاء سيل عظيم فأخذ جدران الكعبة فيما أخذ، فجددت قريش بناءها، ولما ارتفع البناء إلى قامة الرجل، وآن أن يوضع الحجر الأسود في مكانه اختلفت القبائل: أيّها يكون لها فخار وضعه؟ وكادت الحرب أن تنشب لولا أن حكّموا محمداً.

فنشر ثوبه، وأخذ الحجر بيده ووضعه فيه، ثمّ قال: (ليأخذ كبير كل قبيلة بطرف). وحملوه جميعاً، حتى إذا حاذى الموضع تناوله محمد بيده، ووضعه في موضعه.

صلّى الله عليك يا رسول الرحمة رفعته بيدك الشريفة أوّلاً مِن الأرض، ثمّ وضعته بيدك ثانية في موضعه، وأرضيت الله والناس، وكان هذا منك دليلاً قاطعاً على أنّك فوق الجميع، وأنّك رحمة للعالمين قَبل الرسالة وبعدها، وإشارة صريحة بالغة إلى أنّك أهل للرسالة الإلهية، وأنّ الذين كذبوك معاندون وجاحدون للحق والإنسانية.

وبقيت الكعبة على هذا البناء، حتى آلَ الأمر إلى يزيد بن معاوية، وحتى نازعه ابن الزبير ملك الحجاز، فنصب يزيد المنجنيق على جبال مكة، ورمى الكعبة بعشرة آلاف حجر، فشب فيها الحريق، وانتهى الأمر إلى هدمها، فأعاد بناءها ابن الزبير على ما كانت عليه مِن قَبل بدون تعديل، ونصب حولها سياجاً مِن خشب.

٢٨٦

ولما آلَ الأمر إلى عبد الله بن مروان، حاصر الحجاجُ ابن الزبير وقتله بَعد أن كان قد هدم شيئاً مِن الكعبة، وأعاد الحجّاج بناء ما انهدم أو تصدّع، وغيّر جدار الكعبة عمّا كان عليه، وسد أحد أبوابها وهو الباب الغربي.

وبقيت الكعبة على تعديل الحجاج حتى سنة ١٠٤٠ ﻫ، فهطل مطر هتون أودى بجدران الكعبة، فأجمع المسلمون في كل مكان على بنائها، وجمعوا التبرعات مِن شتى الأقطار الإسلامية وأعادوها على الحال التي هي عليها الآن.

مسجد الرسول

دخل رسول الله المدينة مهاجراً إليها مِن مكة، ولا شيء له فيها، فبنى أوّل ما بنى المسجد، ثمّ بنى له بيتاً بجواره، وكان المسجد ٣٥ متراً في ٣٠، ثمّ زاده الرسول وجعله ٥٧ متراً في ٥٠.

ولَم يكن في المسجد منبر حين البناء، فكان إذا خطب استند إلى جذع نخلة كان عماداً مِن عمد المسجد، ثمّ صنع له أصحابه منبراً مِن الخشب بدرجتين. ولما تولى عمر بن الخطاب زاد فيه ٥ أمتار مِن الناحية الجنوبية، ومثلها مِن الناحية الغربية، و١٥ متراً مِن الناحية الشمالية، وترك الناحية الشرقية؛ لأنّ فيها بيوت أزواج الرسول (صلّى الله عليه وسلّم).

وحين تولى عثمان بن عفان هدم المسجد، وزاد فيه على نحو زيادة عمر تاركاً لأزواج النبي بيوتهن. وبقي على بناء عثمان حتى جاء الوليد بن عبد الملك فهدمه، وزاد فيه مِن كل الجهات، وأدخل فيه بيوت الأزواج ومنها بيت عائشة، فصار القبر الشريف ضمن المسجد.

وبقي بناء الوليد قائماً إلى سنة ٢٦٦ ﻫ، فزاد فيه المهدي العباسي مِن الناحية الشمالية زيادة كبيرة، وظل على هذه الزيادة إلى سنة ٦٥٤ ﻫ فاحترق، وأكلت النيران المنبر النبوي والأبواب وغيرها، وسقط السقف.

٢٨٧

وبَعد ست سنوات تولى الظاهر بيبرس أمر البناء، ورجع المسجد كما كان قَبل الحريق.

وفي سنة ٨٨٦ ﻫ انقضّت صاعقة على المسجد فهدمته، ولَم تبقِ منه سوى الحجرة النبوية وقبة بصحن المسجد.

فأعاد بناءه الملك الأشرف على صورة أحسن ممّا كان عليه قَبل الحريق.

وفي القرن العاشر الهجري رممه السلطان سليم العثماني، وشيد فيه محراباً لا يزال قائماً إلى اليوم، ويقع غربي المنبر النبوي.

وفي القرن الثالث الهجري بنى فيه السلطان محمود العثماني القبة الخضراء. وفي أواخر هذا القرن احتاج المسجد إلى العمارة، فأمر السلطان العثماني بذلك، وكان المهندسون يهدمون جزءاً مِن المسجد ويقيمون ما يحلّ محله، ثمّ يهدمون بعده جزءاً آخر ويقيمون مكانه، حتى تمّت عمارته سنة ١٢٧٧ ﻫ.

وصلِّ اللهم على محمد وأهله الطاهرين، وعرِّف بيننا وبينهم، وارزقنا شفاعتهم يوم نلقاك، يا مبدل السيئات بأضعافها مِن الحسنات إنّك ذو الفضل العظيم.

٢٨٨

القِسمُ الثاني

الأَحْوَالُ الشَّخْصيَّة

٢٨٩

٢٩٠

الزَّواج

٢٩١

٢٩٢

العقد وشروطه

اتفقوا على أنّ الزواج يتم بالعقد المشتمل على الإيجاب والقبول مِن المخطوبة والخاطب، أو مَن ينوب عنهما كالوكيل والولي، ولا يتم بمجرد المراضاة مِن غير عقد.

واتفقوا أيضاً على أنّ العقد يصحّ إذا وقع بلفظ زوجتُ أو أنكحتُ مِن المخطوبة أو مَن ينوب عنها، وقبِلتُ أو رضيتُ مِن الخاطب أو مَن ينوب عنه.

واختلفوا في صحة العقد إذا لَم يقع بصيغة الماضي، أو وقع بألفاظ غير مشتقة مِن مادتي الزواج والنكاح، كالهبة والبيع وما أشبه.

قال الحنفية: يجوز العقد بكل ما دل على إرادة الزواج - حتى بلفظ التمليك والهبة والبيع والعطاء والإباحة والإحلال - إن كان العقد مصحوباً بالقرينة الدالة على الزواج، ولا ينعقد بلفظ الإجارة والعارية؛ لأنّهما لا يفيدان الدوام والاستمرار. واستدلوا بما جاء في صحيح البخاري ومسلم مِن أنّ امرأة جاءت إلى النبي وقالت له: يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي، فطأطأ النبي رأسه ولَم يجبها، فقال بعض مَن حضر: إن لَم يكن لك بها حاجة فزوجنيها. فقال له:(هل عندك مِن شيء) ؟

٢٩٣

قال: لا والله. فقال له:(مإذا معك مِن القرآن) ؟ قال: كذا. فقال النبي:(لقد ملكتها بما معك مِن القرآن) (١) .

وقال المالكية والحنابلة: ينعقد بلفظ النكاح والزواج وما يشتق منهما، وينعقد أيضاً بلفظ الهبة بشرط أن يكون مقروناً بذكر الصداق، ولا ينعقد بغير هذه الألفاظ، واستدلوا على صحة العقد بلفظ الهبة بآية:( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا ) (٥٠ الأحزاب). (الأحوال الشخصية لأبي زهرة ص ٣٦ طبعة ١٩٤٨).

وقال الشافعية: يجب أن تكون الصيغة مشتقة مِن لفظ التزويج والنكاح فقط، ولا تصلح مِن غيرهما.

وقال الإمامية: يجب أن يكون الإيجاب بلفظ زوجتُ وأنكحتُ، بصيغة الماضي، ولا ينعقد الزواج بغيرها، ولا بغير مادة الزواج والنكاح؛ لأنّهما يدلان على المقصود بدلالة الوضع، ولأنّ صيغة الماضي تفيد الجزم، وقد نص القرآن عليهما:( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ) .( أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ ) ، والأصالة بقاء التحريم في غير مورد الإجماع والاتفاق. وقالوا: يجوز في القبول (قبِلتُ أو رضيتُ) بصيغة الماضي أيضاً.

وقال الإمامية والشافعية والحنابلة: يشترط الفور في العقد، وهو أن يقع القبول عقيب الإيجاب مِن غير فاصل.

وقال المالكية: لا يضر الفاصل اليسير، كما إذا فصل بخطبة يسيرة ونحوها.

____________________

(١) والإمامية رووا الحديث بلفظ آخر، قالوا: جاءت امرأة إلى النبي فقالت له: زوجني. فقال: (مَن لهذه المرأة)؟ فقام رجل مِن الحاضرين، وقال: أنا. فقال له النبي: (ما تعطيها)؟ قال: ما لي شيء. فقال النبي: (لا). فأعادت، فأعاد النبي، فلَم يقم غير الرجل الأوّل. ثمّ أعاد، فأعاد. فقال النبي: (أتحسن مِن القرآن شيئاً)؟ قال: نعم. فقال: (زوجتكها على أن تعلّمها ما تحسن مِن القرآن). فاللفظ كان الزواج لا الملك.

٢٩٤

وقال الحنفية: لا يُشترط الفور، فلو أرسل رجل إلى امرأة كتاباً يخطبها فيه وهو غائب، فأحضرت شهوداً وقرأتْ عليهم الكتاب وقالت: زوجته نفسي، يتم الزواج. (كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج٤ مبحث شروط النكاح، والأحوال الشخصية لمحمد محي الدين عبد الحميد).

واتفقوا أنّ العقد يتم بغير العربية مع العجز عنها. واختلفوا في صحته مع القدرة عليها، قال الحنفية والمالكية والحنابلة: يصحّ.

وقال الشافعية: لا يصحّ. (الأحوال الشخصية. أبو زهرة ص ٢٧) وعليه مذهب الإمامية.

قال الإمامية والحنابلة والشافعية: لا يصحّ العقد بالكتابة.

وقال الحنفية: يصحّ إذا لَم يكن الخاطب والمخطوبة في مكان واحد.

واتفقوا على أنّ الأخرس يكتفى منه بالإشارة الدالة على قصد الزواج صراحة إذا لَم يحسن الكتابة، وإن أحسنها فالأولى الجمع بينها وبين الإشارة.

قال الحنابلة والحنفية: إذا اشترط الزواج والزوجة الخيار في فسخ العقد والرجوع عنه يصحّ العقد، ويبطل الشرط.

وقال المالكية: بل ينظر، فإن كان لَم يدخل بَعد يبطل العقد والشرط، وإن كان قد دخل يصحّ العقد، ويبطل الشرط.

وقال الشافعية والإمامية: يبطل العقد والشرط معاً مِن غير تفصيل بين الدخول وعدمه(١) . (الفقه على المذاهب الأربعة ج٤، وتذكرة العلاّمة ج٢، والمسالك للشهيد الثاني ج٢).

الأصل أن يكون الإيجاب مِن الزوجة والقبول مِن الزوج، فتقول هي:

____________________

(١) هذا الحكم عليه أكثر الإمامية، ومنهم مَن قال - كأبن إدريس مِن المتقدمين، والسيد أبو الحسن الأصفهاني مِن المتأخرين: يصحّ العقد، ويبطل الشرط. وعلى هكذا يكون فقهاء الإمامية على قولين تماماً كفقهاء المذاهب.

٢٩٥

زوجتُكَ. ويقول هو: قبِلتُ. ولو تقدم القبول - فقال الزوج للولي: زوجنيها. فقال له: زوجتُكَها - فهل يصحّ العقد أو لا؟

قال الإمامية والثلاثة: يصحّ. وقال الحنابلة: لا يصحّ. (تذكرة العلاّمة الحلّي ج٢).

قال العلاّمة الحلّي مِن الإمامية في كتاب التذكرة: (عقد النكاح لا يقبل التعليق، بل شرطه الجزم، فلو علقه على وقت أو وصف - مثل إذا جاء رأس الشهر فقد زوجتك، فقال الزوج: قبِلتُ - لَم ينعقد. وبه قال الشافعي).

وقال أبو زهرة مِن الحنفية في كتاب الأحوال الشخصية: (يُشترط تنجيز الزواج؛ لأنّه عقد، والعقد لا يتراخى إحكامه عن أسبابه فلا يمكن أن يضاف إلى المستقبل. وجاء في إعلام الموقِعين عن الإمام أحمد: جواز تعليق النكاح بالشرط).

(فرع) جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج٤ نقلاً عن الحنفية والشافعية: إنّ العامي لو قال: جوّزتُ - بدلاً عن زوجتُ - يصحّ العقد، وبهذا أفتى السيد أبو الحسن الأصفهاني مِن الإمامية في كتاب (وسيلة النجاة، باب الزواج).

شهود العقد:

اتفق الشافعية والحنفية والحنابلة على أنّ الزواج لا ينعقد إلاّ بشهود، واكتفى الحنفية بحضور رجلين أو رجل وامرأتين، ولا يشترطون العدالة في الشهود، ولا تصحّ عندهم شهادة النساء منفردات.

وقال الشافعية والحنابلة: لا بدّ مِن شاهدين ذكرين مسلمين عادلين.

وقال المالكية: لا تجب الشهادة عند العقد، وتجب عند الدخول، فإذا جرى العقد ولَم يحضر أحد صح، ولكن إذا أراد أن يدخل

٢٩٦

الزوج يجب أن يحضر شاهدان، فإذا دخل بلا إشهاد وجب فسخ العقد جبراً عنهما، ويكون هذا الفسخ بمنزلة طلقة بائنة. (بداية المجتهد لابن رشد. ومقصد النبيه لابن جماعة الشافعي).

وقال الإمامية: يستحب الإشهاد على الزواج، ولا يجب(١) .

____________________

(١) قال الدكتور محمد يوسف موسى في كتاب الأحوال الشخصية، ص ٧٤، طبعة ١٩٥٨: إنّ الشيعة يشترطون الإشهاد في الزواج. وساوى بينهم وبين الحنفية والشافعية والحنابلة، ولا مصدر لهذا النقل.

٢٩٧

شروط العاقدين

اتفقوا على شرط العقل والبلوغ في الزواج إلاّ مع الولي - ويأتي الكلام عنه -، وعلى خلو الزوجين مِن المحرِّمات النسبية والسببية الدائمة والمؤقتة المانعة مِن الزواج، وسنبحثها مفصلاً في باب (المحرِّمات).

واتفقوا أيضاً على وجوب التعيين، فلا يصحّ: زوّجتُك إحدى هاتين البنتين، ولا زوجتُ أحد هذين الرجلين.

واتفقوا على وجوب الرضا والاختيار، وعدم انعقاد الزواج مع الإكراه إلاّ الحنفية فأنّهم قالوا: ينعقد الزواج بالإكراه. (القفه على المذاهب الأربعة ٤)(١) .

وقال الشيخ مرتضى الأنصاري مِن الإمامية في كتاب المكاسب بعد أن ذكر أنّ الاختيار شرط: (إنّ المشهور بين فقهاء الإمامية في العصور المتأخرة أنّه لو رضي المكرِه بما فعله صح، بل عن كتاب الحدائق

____________________

(١) في أوّل باب الطلاق مِن كتاب مجمع الأنهر الحنفية ج١: يصحّ الإكراه في الطلاق والزواج والرجعة والحلف بالطلاق والإعتاق، ويصحّ أيضاً بالظهار والإيلاء والخلع على مال، وإيجاب الحج والصدقة والعفو عن العمد والإكراه على الإسلام، والصلح عن دم العمد بمال والتدبير والاستيلاء والرضاع واليمين والنذور والوديعة.

٢٩٨

والرياض أنّ عليه اتفاقهم). وقال السيد أبو الحسن الأصفهاني الإمامي في الوسيلة باب الزواج: يشترط في صحة العقد اختيار الزوجين، فلو أُكرها أو أُكره أحدهما لَم يصحّ، نعم لو لحقه الرضا صح على الأقوى.

وعلى هذا لو ادّعت امرأة أنّها أُكرهت على العقد، أو ادّعى هو ذلك، ثمّ تعاشرا معاشرة الأزواج وانبسطا انبساط العروسين، أو قُبض المهر، أو غير ذلك ممّا يدل على الرضا تُرد دعوى مَن يدّعي الإكراه، ولا يُسمع إلى أقواله، ولا إلى بينة بَعد أن ثبت الرضا المتأخر.

واتفقت المذاهب الأربعة على أنّ الزواج ينعقد بالهزل، فإذا قالت: زوّجتُك نفسي. وقال: قبِلت. وكانا يهزلان انعقد الزواج. وكذا يقع الطلاق والعتق بالهزل؛ لحديث:(ثلاث جِدّهن جِد، وهزلهن جِد: الزواج والطلاق والعتق) .

وقال الإمامية: كل هزل فهو لغو؛ لعدم القصد، ولا يثقون برواة الحديث.

قال الحنفية والحنابلة: يصحّ زواج السفيه، أذِن الولي أو لَم يأذن.

وقال الإمامية والشافعية: لا بدّ مِن إذنِ الولي.

قال الإمامية والحنفية: يثبت الزواج بالإقرار مع العقل والبلوغ؛ لحديث: (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز).

وذهب الشافعي في قوله الجديد: إلى أنّ العاقلة البالغة إذا أقرت بالزواج، وصدّقها الزوج يثبت الزواج؛ لأنّه حق للطرفين.

وفصّل مالك بين أن يكون الزوج والزوجة غريبين عن الوطن فيثبت الزواج بإقرارهما، وبين أن يكونا وطنيين فيطالَبان بالبينة لسهولة إقامتها عليهما.

وبهذا قال الشافعي في القديم. (تذكرة العلاّمة الحلّي).

٢٩٩

البلوغ:

اتفقوا على أنّ الحيض والحمل يدلان على بلوغ الأنثى، أمّا الحمل فلأنّ الولد يتكون مِن اختلاط ماء الرجل والمرأة معاً، وأمّا الحيض فلأنّه في النساء بمنزلة المني في الرجال.

وقال الإمامية والمالكية والشافعية والحنابلة: إنّ ظهور الشعر الخشن على العانة يدل على البلوغ.

وقال الحنفية: لا يدل؛ لأنّه كسائر شعر البدن.

وقال الشافعية والحنابلة: إنّ البلوغ بالسن يتحقق بخمس عشرة سنة في الغلام والجارية.

وقال المالكية: سبع عشرة سنة فيهما.

وقال الحنفية: ثمان عشرة في الغلام، وسبع عشرة في الجارية. (المغني لابن قدامة ج٤، باب الحجر).

وقال الإمامية: خمس عشرة في الغلام، وتسع في الجارية؛ لحديث ابن سنان: (إذا بلغت الجارية تسع سنين دُفع إليها مالها، وجاز أمرها، وأُقيمت الحدود التامة لها وعليها). وأثبتت التجارب أنّها قد حملت وهي بنت تسع، وقابلية الحمل كالحمل تماماً.

تنبيه:

ما قاله الحنفية في السنة هو تحديد لأقصى مدة البلوغ، أمّا الحد الأدنى له عندهم فهو إثنتا عشرة سنة للغلام، وتسع للجارية، حيث يمكن الإحتلام والإحبال والإنزال منه، والإحتلام والحيض والحبل منها في هذه السنة. (ابن عابدين ص ١٠٠ ج٥ طبعة ١٣٢٦ﻫ باب الحجر).

٣٠٠