الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة6%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 248468 / تحميل: 32999
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

هلال ذي الحجة

يصادف في أكثر السنين أن يحكم غير الإمامي بثبوت هلال ذي الحجة، وتلزم حكومة الحرمين الشريفين الحجاج بالعمل بحكمه، دون أن يثبت عند المجتهد الإمامي، فمإذا يصنع الحاج الإمامي في الوقوف بعرفة، وسائر الأعمال المؤقتة، إذا لَم يستطع العمل بمذهبه؟ وهل يبطل حجه إذا وقف مع الناس وأدى سائر الأعمال في الوقت الذي يؤدون فيه أعمالهم؟

قال السيد الحكيم في (مناهج الحج) ص ٩١ طبعة ١٣٨١ ﻫ:

(إذا حكم الحاكم غير الإمامي بثبوت الهلال، وكان موقفهم بعرفة في الثامن مِن ذي الحجة، وفي المشعر في التاسع منه، واقتضت التقية - أي الخوف مِن الضرر - الوقوف معهم، فالظاهر صحة الوقوف وفراغ الذمة به، وكذا إذا كان نائباً عمّن استقر الحج في ذمته أو كان الحج مندوباً عن نفسه أو غيره، ولا فرق في الإجزاء بين صورة العلم بمخالفة الحكم للواقع، وعدم العلم بذلك).

وقال السيد الخوئي في (مناسك الحج) ص ٨٠ طبعة سنة ١٣٨٠ ﻫ:

(إذا ثبت الهلال عند القاضي غير الشيعي وحكم به، ولَم يثبت عند الشيعة، ولكن احتملت مطابقة الحكم للواقع وجبت متابعتهم والوقوف

٢٨١

معهم، ويجزي هذا الحج على الأظهر. ومَن خالف ما تقتضيه التقية - أي خوف الضرر -، وسوّلت له نفسه أنّ الاحتياط في مخالفتهم، ارتكب محرّماً وفسد حجه)(١) .

وليس مَن شكٍ أنّ الله يريد بعباده اليسر، ولا يريد بهم العسر، وإعادة الحج ثانية حرج، حتى على مَن استطاع إليه سبيلاً أكثر مِن مرة، إن صح التعبير.

ومإذا يصنع المسكين لو جرى له في السنة التي أعاد فيها ما جرى له مِن قَبل؟ فهل يجب أن يكرر الحج ثالثاً ورابعاً، وهكذا حتى يصادف مذهبه. والصلاة والسلام على أمير المؤمنين وسيد الوصيين، حيث يقول: (إنّ الله كلف يسيراً، ولَم يكلّف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً).

هذا، إلاّ أنّنا نعلم أنّه قد حدث ذلك في عهد الأئمة الأطهار، ولَم يُعهد أنّ أحداً منهم عليهم أفضل الصلاة والسلام أمر شيعته بإعادة الحج، ولذا قال السيد الحكيم في (دليل الناسك): (جاز ترتيب الآثار على حكم القاضي غير الإمامي، وتقتضيه السيرة القطعية مِن زمن الأئمة (ع) على متابعتهم في الموقف، مِن دون تعرّض لشيء مِن ذلك).

وجاء في (مناسك الحج) للسيد الشاهرودي: (يجوز الرجوع في خصوص هذه المسألة إلى المجتهد المطلق الذي يقول بالجواز).

وصدّقوني إنّ عقلي لَم يهضم مثل هذا مِن مجتهد مطلق، رغم أنّي قرأته،

____________________

(١) يشترط أستاذنا السيد الخوئي لاجزاء هذا الحج والاكتفاء به عدم العلم بالمخالفة، أمّا السيد الحكيم فيعمم الإجزاء والاكتفاء إلى صورة العلم بالمخالفة والجهل على السواء. ونحن هنا مع السيد الحكيم؛ لأنّنا نفهم مِن أدلة التقية أنّ اليوم التاسع إنّما يكون شرطاً للوقوف بعرفة مع الأمن وعدم خوف الضرر، أمّا مع الخوف وعدم الأمن فيسقط هذا الشرط، تماماً كالسجود في الصلاة على غير المأكول والملبوس فإنّه شرط مع عدم خوف الضرر، أمّا معه فلا، وعليه يصحّ السجود في الصلاة على المأكول والملبوس مع عدم الأمن.

٢٨٢

وسمعته مِن أكثر مِن واحد مِنَ الذين يقلدهم العوام؛ لأنّ المجتهد إن كان مطلقاً فعليه أن يبت سلباً أوايجاباً، وإن لَم يكن فليس له أن يتصدى للتقليد.

وإن قال قائل: ليس مِن شرط المجتهد المطلق أن لا يتوقف ويحتاط في شيء، بل على العكس، فإنّ الاحتياط سبيل النجاة.

قلنا في جوابه: هذه مغالطة صريحة، فإنّ وجوب الاحتياط في مورد شيء، وفتواه بالرجوع إلى غيره شيء آخر.. فإنّه إذا رأى وجوب الاحتياط في مسألة ما أفتى به، كما يفعل المقلدون في العديد مِن المسائل.

٢٨٣

زيارة الرسول الأعظم

تستحب زيارة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) استحباباً مؤكداً، فقد ثبت أنّه قال: (مَن زار قبري بَعد موتي كمن هاجر إليَّ في حياتي).

وقال أيضاً: (الصلاة في مسجدي كألف صلاة في غيره، إلاّ المسجد الحرام فإنّ الصلاة فيه كألف صلاة في مسجدي).

ويتأكد استحباب الصلاة في مسجد الرسول أكثر أن تقع بين قبره ومنبره، فإنّها روضة مِن رياض الجنة، كما ثبت بالحديث.

ويستحب إتيان المساجد كلها في المدينة، مثل: مسجد قبا، ومشربة أم إبراهيم، ومسجد الأحزاب، وغيره.

كما تستحب زيارة قبور الشهداء كلهم بخاصة قبر جمزة بأُحد (ع).

وتستحب زيارة أئمة البقيع، وهم: الإمام الحسن، والإمام زين العابدين، والإمام الباقر، والإمام الصادق (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

أمّا زيارة فاطمة أُم الحسنين فكزيارة أبيها؛ لأنّها بضعة منه، وقد تعددت الأقوال في مكان قبرها الشريف، والاقرب والأصوب إنّها دُفنت في بيتها المجاور لمسجد أبيها، وحين زاد الأمويون في المسجد صار القبر مِن جملته. وبهذا قال ابن بأبويه:

وإنّما قلنا: إنّه اقرب؛ لأنّه غير بعيد عن الرواية القائلة إنّ قبرها في الروضة بين القبر والمنبر. والله وحده العالم.

٢٨٤

تاريخ بناء الحرمين الشريفين

الكعبة

هي أوّل بيت وضعه الله للناس مباركاً وهدى، وأقدم معبد مقدس في الشرق الأوسط، فلقد بناه إبراهيم جد الأنبياء، وولده إسماعيل:( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (١٢٧ البقرة).

وكان إسماعيل يجيء بالأحجار وإبراهيم يبنيها، حتى إذا ارتفع البناء إلى قامة الرجل جيء بالحجر الأسود، ووضِع في مكانه.

وتذهب الروايات إلى أنّ البيت العتيق كان حين بناه إبراهيم في علو تسعة أذرع، وفي مساحة تبلغ عشرين ذراعاً في ثلاثين، وأنّه قد كان له بابان، ولَم يكن عليه سقف.

أمّا الحجر الأسود، فقيل: إنّ جبريل أتى به مِن السماء. وقيل: بل صحبه آدم معه مِن الجنة حين هبط إلى الأرض، وإنّه كان أبيض ناصعاً، فاسودّ مِن خطايا الناس. وقيل غير ذلك.

أمّا نحن فما علينا مِن بأس إذا لَم نؤمن بواحد مِن هذه الأقوال وما إليها،

٢٨٥

ولسنا مكلّفين بالبحث عن صدقها، ولا بمعرفة مصدر الحجر وسببه، أجل، إنّنا نقدسه وكفى؛ لأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) كان يقدسه ويعظمه، وإذا سئلنا عن سرّ تقديس النبي لهذا الحجر قلنا: الله ورسوله أعلم.

وأيضاً ذهبت بعض الروايات إلى أنّ الكعبة بقيت على بناء إبراهيم وإسماعيل (ع)، إلى أن جدد بناءها قصي بن كلاب الجد الخامس للرسول الأعظم (صلّى الله عليه وسلّم).

وإنّها بقيت على بناء قصي، حتى بلغ النبي الخامسة والثلاثين مِن عمره الشريف، فجاء سيل عظيم فأخذ جدران الكعبة فيما أخذ، فجددت قريش بناءها، ولما ارتفع البناء إلى قامة الرجل، وآن أن يوضع الحجر الأسود في مكانه اختلفت القبائل: أيّها يكون لها فخار وضعه؟ وكادت الحرب أن تنشب لولا أن حكّموا محمداً.

فنشر ثوبه، وأخذ الحجر بيده ووضعه فيه، ثمّ قال: (ليأخذ كبير كل قبيلة بطرف). وحملوه جميعاً، حتى إذا حاذى الموضع تناوله محمد بيده، ووضعه في موضعه.

صلّى الله عليك يا رسول الرحمة رفعته بيدك الشريفة أوّلاً مِن الأرض، ثمّ وضعته بيدك ثانية في موضعه، وأرضيت الله والناس، وكان هذا منك دليلاً قاطعاً على أنّك فوق الجميع، وأنّك رحمة للعالمين قَبل الرسالة وبعدها، وإشارة صريحة بالغة إلى أنّك أهل للرسالة الإلهية، وأنّ الذين كذبوك معاندون وجاحدون للحق والإنسانية.

وبقيت الكعبة على هذا البناء، حتى آلَ الأمر إلى يزيد بن معاوية، وحتى نازعه ابن الزبير ملك الحجاز، فنصب يزيد المنجنيق على جبال مكة، ورمى الكعبة بعشرة آلاف حجر، فشب فيها الحريق، وانتهى الأمر إلى هدمها، فأعاد بناءها ابن الزبير على ما كانت عليه مِن قَبل بدون تعديل، ونصب حولها سياجاً مِن خشب.

٢٨٦

ولما آلَ الأمر إلى عبد الله بن مروان، حاصر الحجاجُ ابن الزبير وقتله بَعد أن كان قد هدم شيئاً مِن الكعبة، وأعاد الحجّاج بناء ما انهدم أو تصدّع، وغيّر جدار الكعبة عمّا كان عليه، وسد أحد أبوابها وهو الباب الغربي.

وبقيت الكعبة على تعديل الحجاج حتى سنة ١٠٤٠ ﻫ، فهطل مطر هتون أودى بجدران الكعبة، فأجمع المسلمون في كل مكان على بنائها، وجمعوا التبرعات مِن شتى الأقطار الإسلامية وأعادوها على الحال التي هي عليها الآن.

مسجد الرسول

دخل رسول الله المدينة مهاجراً إليها مِن مكة، ولا شيء له فيها، فبنى أوّل ما بنى المسجد، ثمّ بنى له بيتاً بجواره، وكان المسجد ٣٥ متراً في ٣٠، ثمّ زاده الرسول وجعله ٥٧ متراً في ٥٠.

ولَم يكن في المسجد منبر حين البناء، فكان إذا خطب استند إلى جذع نخلة كان عماداً مِن عمد المسجد، ثمّ صنع له أصحابه منبراً مِن الخشب بدرجتين. ولما تولى عمر بن الخطاب زاد فيه ٥ أمتار مِن الناحية الجنوبية، ومثلها مِن الناحية الغربية، و١٥ متراً مِن الناحية الشمالية، وترك الناحية الشرقية؛ لأنّ فيها بيوت أزواج الرسول (صلّى الله عليه وسلّم).

وحين تولى عثمان بن عفان هدم المسجد، وزاد فيه على نحو زيادة عمر تاركاً لأزواج النبي بيوتهن. وبقي على بناء عثمان حتى جاء الوليد بن عبد الملك فهدمه، وزاد فيه مِن كل الجهات، وأدخل فيه بيوت الأزواج ومنها بيت عائشة، فصار القبر الشريف ضمن المسجد.

وبقي بناء الوليد قائماً إلى سنة ٢٦٦ ﻫ، فزاد فيه المهدي العباسي مِن الناحية الشمالية زيادة كبيرة، وظل على هذه الزيادة إلى سنة ٦٥٤ ﻫ فاحترق، وأكلت النيران المنبر النبوي والأبواب وغيرها، وسقط السقف.

٢٨٧

وبَعد ست سنوات تولى الظاهر بيبرس أمر البناء، ورجع المسجد كما كان قَبل الحريق.

وفي سنة ٨٨٦ ﻫ انقضّت صاعقة على المسجد فهدمته، ولَم تبقِ منه سوى الحجرة النبوية وقبة بصحن المسجد.

فأعاد بناءه الملك الأشرف على صورة أحسن ممّا كان عليه قَبل الحريق.

وفي القرن العاشر الهجري رممه السلطان سليم العثماني، وشيد فيه محراباً لا يزال قائماً إلى اليوم، ويقع غربي المنبر النبوي.

وفي القرن الثالث الهجري بنى فيه السلطان محمود العثماني القبة الخضراء. وفي أواخر هذا القرن احتاج المسجد إلى العمارة، فأمر السلطان العثماني بذلك، وكان المهندسون يهدمون جزءاً مِن المسجد ويقيمون ما يحلّ محله، ثمّ يهدمون بعده جزءاً آخر ويقيمون مكانه، حتى تمّت عمارته سنة ١٢٧٧ ﻫ.

وصلِّ اللهم على محمد وأهله الطاهرين، وعرِّف بيننا وبينهم، وارزقنا شفاعتهم يوم نلقاك، يا مبدل السيئات بأضعافها مِن الحسنات إنّك ذو الفضل العظيم.

٢٨٨

القِسمُ الثاني

الأَحْوَالُ الشَّخْصيَّة

٢٨٩

٢٩٠

الزَّواج

٢٩١

٢٩٢

العقد وشروطه

اتفقوا على أنّ الزواج يتم بالعقد المشتمل على الإيجاب والقبول مِن المخطوبة والخاطب، أو مَن ينوب عنهما كالوكيل والولي، ولا يتم بمجرد المراضاة مِن غير عقد.

واتفقوا أيضاً على أنّ العقد يصحّ إذا وقع بلفظ زوجتُ أو أنكحتُ مِن المخطوبة أو مَن ينوب عنها، وقبِلتُ أو رضيتُ مِن الخاطب أو مَن ينوب عنه.

واختلفوا في صحة العقد إذا لَم يقع بصيغة الماضي، أو وقع بألفاظ غير مشتقة مِن مادتي الزواج والنكاح، كالهبة والبيع وما أشبه.

قال الحنفية: يجوز العقد بكل ما دل على إرادة الزواج - حتى بلفظ التمليك والهبة والبيع والعطاء والإباحة والإحلال - إن كان العقد مصحوباً بالقرينة الدالة على الزواج، ولا ينعقد بلفظ الإجارة والعارية؛ لأنّهما لا يفيدان الدوام والاستمرار. واستدلوا بما جاء في صحيح البخاري ومسلم مِن أنّ امرأة جاءت إلى النبي وقالت له: يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي، فطأطأ النبي رأسه ولَم يجبها، فقال بعض مَن حضر: إن لَم يكن لك بها حاجة فزوجنيها. فقال له:(هل عندك مِن شيء) ؟

٢٩٣

قال: لا والله. فقال له:(مإذا معك مِن القرآن) ؟ قال: كذا. فقال النبي:(لقد ملكتها بما معك مِن القرآن) (١) .

وقال المالكية والحنابلة: ينعقد بلفظ النكاح والزواج وما يشتق منهما، وينعقد أيضاً بلفظ الهبة بشرط أن يكون مقروناً بذكر الصداق، ولا ينعقد بغير هذه الألفاظ، واستدلوا على صحة العقد بلفظ الهبة بآية:( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا ) (٥٠ الأحزاب). (الأحوال الشخصية لأبي زهرة ص ٣٦ طبعة ١٩٤٨).

وقال الشافعية: يجب أن تكون الصيغة مشتقة مِن لفظ التزويج والنكاح فقط، ولا تصلح مِن غيرهما.

وقال الإمامية: يجب أن يكون الإيجاب بلفظ زوجتُ وأنكحتُ، بصيغة الماضي، ولا ينعقد الزواج بغيرها، ولا بغير مادة الزواج والنكاح؛ لأنّهما يدلان على المقصود بدلالة الوضع، ولأنّ صيغة الماضي تفيد الجزم، وقد نص القرآن عليهما:( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ) .( أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ ) ، والأصالة بقاء التحريم في غير مورد الإجماع والاتفاق. وقالوا: يجوز في القبول (قبِلتُ أو رضيتُ) بصيغة الماضي أيضاً.

وقال الإمامية والشافعية والحنابلة: يشترط الفور في العقد، وهو أن يقع القبول عقيب الإيجاب مِن غير فاصل.

وقال المالكية: لا يضر الفاصل اليسير، كما إذا فصل بخطبة يسيرة ونحوها.

____________________

(١) والإمامية رووا الحديث بلفظ آخر، قالوا: جاءت امرأة إلى النبي فقالت له: زوجني. فقال: (مَن لهذه المرأة)؟ فقام رجل مِن الحاضرين، وقال: أنا. فقال له النبي: (ما تعطيها)؟ قال: ما لي شيء. فقال النبي: (لا). فأعادت، فأعاد النبي، فلَم يقم غير الرجل الأوّل. ثمّ أعاد، فأعاد. فقال النبي: (أتحسن مِن القرآن شيئاً)؟ قال: نعم. فقال: (زوجتكها على أن تعلّمها ما تحسن مِن القرآن). فاللفظ كان الزواج لا الملك.

٢٩٤

وقال الحنفية: لا يُشترط الفور، فلو أرسل رجل إلى امرأة كتاباً يخطبها فيه وهو غائب، فأحضرت شهوداً وقرأتْ عليهم الكتاب وقالت: زوجته نفسي، يتم الزواج. (كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج٤ مبحث شروط النكاح، والأحوال الشخصية لمحمد محي الدين عبد الحميد).

واتفقوا أنّ العقد يتم بغير العربية مع العجز عنها. واختلفوا في صحته مع القدرة عليها، قال الحنفية والمالكية والحنابلة: يصحّ.

وقال الشافعية: لا يصحّ. (الأحوال الشخصية. أبو زهرة ص ٢٧) وعليه مذهب الإمامية.

قال الإمامية والحنابلة والشافعية: لا يصحّ العقد بالكتابة.

وقال الحنفية: يصحّ إذا لَم يكن الخاطب والمخطوبة في مكان واحد.

واتفقوا على أنّ الأخرس يكتفى منه بالإشارة الدالة على قصد الزواج صراحة إذا لَم يحسن الكتابة، وإن أحسنها فالأولى الجمع بينها وبين الإشارة.

قال الحنابلة والحنفية: إذا اشترط الزواج والزوجة الخيار في فسخ العقد والرجوع عنه يصحّ العقد، ويبطل الشرط.

وقال المالكية: بل ينظر، فإن كان لَم يدخل بَعد يبطل العقد والشرط، وإن كان قد دخل يصحّ العقد، ويبطل الشرط.

وقال الشافعية والإمامية: يبطل العقد والشرط معاً مِن غير تفصيل بين الدخول وعدمه(١) . (الفقه على المذاهب الأربعة ج٤، وتذكرة العلاّمة ج٢، والمسالك للشهيد الثاني ج٢).

الأصل أن يكون الإيجاب مِن الزوجة والقبول مِن الزوج، فتقول هي:

____________________

(١) هذا الحكم عليه أكثر الإمامية، ومنهم مَن قال - كأبن إدريس مِن المتقدمين، والسيد أبو الحسن الأصفهاني مِن المتأخرين: يصحّ العقد، ويبطل الشرط. وعلى هكذا يكون فقهاء الإمامية على قولين تماماً كفقهاء المذاهب.

٢٩٥

زوجتُكَ. ويقول هو: قبِلتُ. ولو تقدم القبول - فقال الزوج للولي: زوجنيها. فقال له: زوجتُكَها - فهل يصحّ العقد أو لا؟

قال الإمامية والثلاثة: يصحّ. وقال الحنابلة: لا يصحّ. (تذكرة العلاّمة الحلّي ج٢).

قال العلاّمة الحلّي مِن الإمامية في كتاب التذكرة: (عقد النكاح لا يقبل التعليق، بل شرطه الجزم، فلو علقه على وقت أو وصف - مثل إذا جاء رأس الشهر فقد زوجتك، فقال الزوج: قبِلتُ - لَم ينعقد. وبه قال الشافعي).

وقال أبو زهرة مِن الحنفية في كتاب الأحوال الشخصية: (يُشترط تنجيز الزواج؛ لأنّه عقد، والعقد لا يتراخى إحكامه عن أسبابه فلا يمكن أن يضاف إلى المستقبل. وجاء في إعلام الموقِعين عن الإمام أحمد: جواز تعليق النكاح بالشرط).

(فرع) جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج٤ نقلاً عن الحنفية والشافعية: إنّ العامي لو قال: جوّزتُ - بدلاً عن زوجتُ - يصحّ العقد، وبهذا أفتى السيد أبو الحسن الأصفهاني مِن الإمامية في كتاب (وسيلة النجاة، باب الزواج).

شهود العقد:

اتفق الشافعية والحنفية والحنابلة على أنّ الزواج لا ينعقد إلاّ بشهود، واكتفى الحنفية بحضور رجلين أو رجل وامرأتين، ولا يشترطون العدالة في الشهود، ولا تصحّ عندهم شهادة النساء منفردات.

وقال الشافعية والحنابلة: لا بدّ مِن شاهدين ذكرين مسلمين عادلين.

وقال المالكية: لا تجب الشهادة عند العقد، وتجب عند الدخول، فإذا جرى العقد ولَم يحضر أحد صح، ولكن إذا أراد أن يدخل

٢٩٦

الزوج يجب أن يحضر شاهدان، فإذا دخل بلا إشهاد وجب فسخ العقد جبراً عنهما، ويكون هذا الفسخ بمنزلة طلقة بائنة. (بداية المجتهد لابن رشد. ومقصد النبيه لابن جماعة الشافعي).

وقال الإمامية: يستحب الإشهاد على الزواج، ولا يجب(١) .

____________________

(١) قال الدكتور محمد يوسف موسى في كتاب الأحوال الشخصية، ص ٧٤، طبعة ١٩٥٨: إنّ الشيعة يشترطون الإشهاد في الزواج. وساوى بينهم وبين الحنفية والشافعية والحنابلة، ولا مصدر لهذا النقل.

٢٩٧

شروط العاقدين

اتفقوا على شرط العقل والبلوغ في الزواج إلاّ مع الولي - ويأتي الكلام عنه -، وعلى خلو الزوجين مِن المحرِّمات النسبية والسببية الدائمة والمؤقتة المانعة مِن الزواج، وسنبحثها مفصلاً في باب (المحرِّمات).

واتفقوا أيضاً على وجوب التعيين، فلا يصحّ: زوّجتُك إحدى هاتين البنتين، ولا زوجتُ أحد هذين الرجلين.

واتفقوا على وجوب الرضا والاختيار، وعدم انعقاد الزواج مع الإكراه إلاّ الحنفية فأنّهم قالوا: ينعقد الزواج بالإكراه. (القفه على المذاهب الأربعة ٤)(١) .

وقال الشيخ مرتضى الأنصاري مِن الإمامية في كتاب المكاسب بعد أن ذكر أنّ الاختيار شرط: (إنّ المشهور بين فقهاء الإمامية في العصور المتأخرة أنّه لو رضي المكرِه بما فعله صح، بل عن كتاب الحدائق

____________________

(١) في أوّل باب الطلاق مِن كتاب مجمع الأنهر الحنفية ج١: يصحّ الإكراه في الطلاق والزواج والرجعة والحلف بالطلاق والإعتاق، ويصحّ أيضاً بالظهار والإيلاء والخلع على مال، وإيجاب الحج والصدقة والعفو عن العمد والإكراه على الإسلام، والصلح عن دم العمد بمال والتدبير والاستيلاء والرضاع واليمين والنذور والوديعة.

٢٩٨

والرياض أنّ عليه اتفاقهم). وقال السيد أبو الحسن الأصفهاني الإمامي في الوسيلة باب الزواج: يشترط في صحة العقد اختيار الزوجين، فلو أُكرها أو أُكره أحدهما لَم يصحّ، نعم لو لحقه الرضا صح على الأقوى.

وعلى هذا لو ادّعت امرأة أنّها أُكرهت على العقد، أو ادّعى هو ذلك، ثمّ تعاشرا معاشرة الأزواج وانبسطا انبساط العروسين، أو قُبض المهر، أو غير ذلك ممّا يدل على الرضا تُرد دعوى مَن يدّعي الإكراه، ولا يُسمع إلى أقواله، ولا إلى بينة بَعد أن ثبت الرضا المتأخر.

واتفقت المذاهب الأربعة على أنّ الزواج ينعقد بالهزل، فإذا قالت: زوّجتُك نفسي. وقال: قبِلت. وكانا يهزلان انعقد الزواج. وكذا يقع الطلاق والعتق بالهزل؛ لحديث:(ثلاث جِدّهن جِد، وهزلهن جِد: الزواج والطلاق والعتق) .

وقال الإمامية: كل هزل فهو لغو؛ لعدم القصد، ولا يثقون برواة الحديث.

قال الحنفية والحنابلة: يصحّ زواج السفيه، أذِن الولي أو لَم يأذن.

وقال الإمامية والشافعية: لا بدّ مِن إذنِ الولي.

قال الإمامية والحنفية: يثبت الزواج بالإقرار مع العقل والبلوغ؛ لحديث: (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز).

وذهب الشافعي في قوله الجديد: إلى أنّ العاقلة البالغة إذا أقرت بالزواج، وصدّقها الزوج يثبت الزواج؛ لأنّه حق للطرفين.

وفصّل مالك بين أن يكون الزوج والزوجة غريبين عن الوطن فيثبت الزواج بإقرارهما، وبين أن يكونا وطنيين فيطالَبان بالبينة لسهولة إقامتها عليهما.

وبهذا قال الشافعي في القديم. (تذكرة العلاّمة الحلّي).

٢٩٩

البلوغ:

اتفقوا على أنّ الحيض والحمل يدلان على بلوغ الأنثى، أمّا الحمل فلأنّ الولد يتكون مِن اختلاط ماء الرجل والمرأة معاً، وأمّا الحيض فلأنّه في النساء بمنزلة المني في الرجال.

وقال الإمامية والمالكية والشافعية والحنابلة: إنّ ظهور الشعر الخشن على العانة يدل على البلوغ.

وقال الحنفية: لا يدل؛ لأنّه كسائر شعر البدن.

وقال الشافعية والحنابلة: إنّ البلوغ بالسن يتحقق بخمس عشرة سنة في الغلام والجارية.

وقال المالكية: سبع عشرة سنة فيهما.

وقال الحنفية: ثمان عشرة في الغلام، وسبع عشرة في الجارية. (المغني لابن قدامة ج٤، باب الحجر).

وقال الإمامية: خمس عشرة في الغلام، وتسع في الجارية؛ لحديث ابن سنان: (إذا بلغت الجارية تسع سنين دُفع إليها مالها، وجاز أمرها، وأُقيمت الحدود التامة لها وعليها). وأثبتت التجارب أنّها قد حملت وهي بنت تسع، وقابلية الحمل كالحمل تماماً.

تنبيه:

ما قاله الحنفية في السنة هو تحديد لأقصى مدة البلوغ، أمّا الحد الأدنى له عندهم فهو إثنتا عشرة سنة للغلام، وتسع للجارية، حيث يمكن الإحتلام والإحبال والإنزال منه، والإحتلام والحيض والحبل منها في هذه السنة. (ابن عابدين ص ١٠٠ ج٥ طبعة ١٣٢٦ﻫ باب الحجر).

٣٠٠

شروط الزوجة على الزوج

قال الحنابلة: إذا شرط للزوجة أن لا يخرجها مِن بلدها أو دارها أو لا يسافر بها أو لا يتزوج عليها صح العقد والشرط، ويجب الوفاء، فإن لَم يفعل فلها فسخ الزواج.

وقال الحنفية والشافعية والمالكية: يبطل الشرط ويصحّ العقد، ولكنّ الشافعية والحنفية أوجبوا لها - والحال هذه - مهر المثل لا المهر المـُسمّى. (المغني لابن قدامة ج٦ باب الزواج).

وقال الحنفية: إذا اشترط الرجل أن يكون الطلاق في يد المراة - كما لو قال لها: تزوجتُك على أن تطلّقي نفسك - كان الشرط فاسداً، أمّا لو اشترطت هي ذلك، وقالت له: زوّجتُك نفسي على أن يكون الطلاق في يدي، وقال: قبِلتُ، يكون العقد والشرط صحيحين، وتطلِّق نفسها متى شاءت.

وقال الإمامية: لو اشترطت الزوجة أثناء العقد أن لا يتزوج عليها، أو لا يطلّقها، ولا يمنعها مِن الخروج متى تشاء وإلى أين تريد، أو أن يكون الطلاق بيدها، أو لا يرثها، وما إلى ذلك ممّا يتنافى مع

٣٠١

مقتضى العقد يبطل الشرط، ويصحّ العقد(١) .

أمّا إذا اشترطت عليه أن لا يخرجها مِن بلدها، أو يسكنها منزلاً معيناً، أو لا يسافر بها يصحّ العقد والشرط معاً، ولكن إذا أخلف لا يحق لها الفسخ، ولو امتنعت عن الانتقال معه في مثل هذه الحال تستحق جميع الحقوق الزوجية مِن النفقة وما إليها(٢) .

إذا ادّعت الزوجة أنّها اشترطت على الزوج في متن العقد شرطاً سائغاً، وأنكر الزوج تُكلف بالبينة؛ لأنّها تدّعي شيئاً زائداً على العقد، ومع عجزها عن إقامتها يحلف هو على نفي الشرط؛ لأنّه منكِر.

____________________

(١) قال الإمامية: إنّ الشرط الفاسد في غير عقد الزواج يكون مفسداً للعقد، أمّا في الزواج فلا يفسد العقد ولا المهر إلاّ اشتراط الخيار، أو عدم ترتب جميع آثار العقد المنافي لطبيعته، واستدلوا على الفرق بين الزواج وغيره بأحاديث صحيحة، وقال بعض الفقهاء: السر إنّ الزواج ليس معاوضة حقيقية كما هي الحال في غيره مِن العقود. ولعلماء الإمامية في الشروط أبحاث لا توجد في غير كتبهم، ومَن أحبّ الاطلاع عليها فليراجع كتاب المكاسب للأنصاري، وتقريرات النائيني للخونساري ج٢، والجزء الثالث مِن فقه الإمام الصادق للمؤلف.

(٢) في كتاب فرق الزواج للاستاذ علي الخفيف: إنّ الإمامية يقولون بأنّ هذا النوع مِن الشرط باطل، وهو اشتباه بين هذا النوع وبين ما يتنافى مع طبيعة العقد.

٣٠٢

دعوى الزواج

إذا ادّعى رجل زوجية امرأة، فأنكرت، أو ادّعت هي، فأنكر، فعلى المدّعي البينة وعلى المنكر اليمين.

واتفقوا على أنّ البينة لا بدّ أن تكون مِن رجلين عدلين، وأنّ شهادة النساء لا تُقبل، لا منفردات ولا منضمات، إلاّ الحنفية فإنّهم قبلوا شهادة رجل وامرأتين على شرط العدالة، فالعدالة عندهم شرط في إثبات الزواج لدى الإنكار والخصومة، وليست شرطاً في صحة العقد لدى وقوعه.

وقال الإمامية والحنفية: يكفي أن يشهد الشاهد بالزواج دون ذكر الشروط والتفاصيل.

وقال الحنابلة: لا بدّ مِن ذكر الشروط؛ لأنّ الناس يختلفون فيها، فمِن الجائز أن يعتقد الشاهد صحة الزواج مع أنّه فاسد.

وقال الإمامية والحنفية والشافعية والحنابلة: يثبت الزواج بالاستفاضة، وإن لَم تبلغ حد التواتر.

هل يثبت الزواج بالمعاشرة:

ترفع لدى المحاكم الشرعية بين الحين والحين دعوى الزواج، وكثيراً ما

٣٠٣

يدلي المدّعي بأنّهما تعاشرا وسكنا في محل واحد كما يسكن الزوج وزوجته، ويأتي بشهود على ذلك، فهل يثبت - والحال هذه - أم لا؟

الجواب:

إنّ ظاهر الحال يقتضي الحكم بالزواج حتى يثبت العكس، أي أنّ المعاشرة تدل بظاهرها على وجود الزواج، وهذا الظاهر يستلزم الأخذ بقول المدّعي حتى نعلم أنّه كاذب، على أنّ الجزم بكذب مدّعي الزواج صعب جداً بناء على قول الإمامية مِن عدم شرط الشهادة في الزواج.

ولكن هذا الظاهر معارض بالأصل، وهو أصل عدم حدوث الزواج، لأنّ كل حادث شُك في وجوده فالأصل عدمه، حتى يقوم الدليل عليه؛ وعلى هذا يكون قول منكِر الزوجية موافقاً للأصل، فيطلب الإثبات مِن خصمه، فإن عجز عن إقامة البنية يحلف المنكِر وتُردّ الدعوى.

وهذا هو الحق الذي تستدعيه القواعد الشرعية، حيث تسالم فقهاء الإمامية على أنّه إذا تعارض الظاهر مع الأصل يقدم الأصل، ولا يؤخذ بالظاهر إلاّ مع قيام الدليل، ولا دليل في هذه المسألة.

نعم إذا علم بوقوع صيغة العقد، ثمّ شك في أنّها وقعت على الوجه الصحيح أو الفاسد يحكم بالصحة بلا ريب، أمّا إذا كان الشك في أصل وقوع العقد فلا يمكن أن نستكشف وجوده مِن المعاشرة والمساكنة بحال.

ولسائل أن يسأل: إنّ حمل فعل المسلم على الصحة يوجب الأخذ بقول مدّعي الزواج؛ ترجيحاً لجهة الحلال على الحرام والخير على الشر، فنحن مأمورون أن نحمل كل عمل يجوز فيه الصحة والفساد، أن نلغي جانب الفساد، ونرتب آثار الصحة.

الجواب:

إنّ الحمل على الصحة في مسألتنا هذه لا يثبت الزواج، وإنّما يثبت أنّهما لَم يرتكبا محرَّماً بالمعاشرة والمساكنة، وعدم التحريم أعم مِن أن يكون هناك زواج أو شبهة حصلت لهما، كما لو توهما الحلال، ثمّ

٣٠٤

تبين التحريم - ويأتي التفصيل في نكاح الشبهة -. وبديهة أنّ العام لا يثبت الخاص، فإذا قلت: في الدار حيوان، لا يثبت وجود الفرس أو الغزال. وكذلك هنا، فإذا قارب رجل امرأة ولَم نعلم السبب فلا نقول هي زوجة، بل نقول لَم يرتكبا محرَّماً، وقد تكون المقاربة عن زواج، وقد تكون عن شبهة. وإليك هذا المثال زيادة في التوضيح:

لو مر بك شخص، وسمعته يتفوه بكلمة، ولَم تدرِ هل كانت كلمته هذه شتماً أم تحية؟ فليس لك أن تفسرها بالشتم، كما أنّه لا يجب عليك رد التحية - والحال هذه -؛ لأنّك لَم تتأكد مِن وجودها. أمّا لو تيقنت بأنّه تفوه بالتحية، وشككت هل كان ذلك بقصد التحية حقيقة أو بداعي السخرية؟ فيجب الرد حملاً على الصحة، وترجيحاً للخير على الشر.

وكذلك الحال فيما نحن فيه، فإن حمل المعاشرة على الصحة لا يثبت وجود العقد، ولكن لو علمنا بوجود العقد وشككنا في صحته نحمله على الصحة مِن دون توقف.

ومهما يكن، فإنّ المعاشرة وحدها ليست بشيء، ولكنّها إذا ضمت إلى سبب آخر تكون مؤيدة ومقوية، والأمر في ذلك يُناط بنظر القاضي واطمئنانه وتقديره على شريطة أن لا يتخذ المعاشرة سنداً مستقلاً لحكمه(١) .

هذا بالقياس الى ثبوت الزواج، أمّا الأولاد فإنّ الحمل على الصحة يستلزم الحكم بأنّهم شرعيون على كل حال؛ لأنّ المعاشرة إمّا عن زواج وإمّا عن شبهة، وأولاد الشبهة كأولاد الزواج في جميع الآثار الشرعية، ولذا لو ادّعت امرأة على رجل بأنّه زوجها الشرعي وأنّه أولدها، فأنكر الزوج واعترف بالولد يُقبل منه؛ إذ مِن الممكن أن يكون عن شبهة.

____________________

(١) هذا، ولكنّ كلمات الفقهاء في البلغة مسألة اليد، وفي الشرائع والجواهر باب الزواج: تدلّ على أنّ المعاشرة تكشف بظاهرها عن الزواج، ولس هذا ببعيد.

٣٠٥

وبالتالي، فإنّ هذه المسألة إنّما تتم بناءً على عدم شرط الشهادة في العقد، كما تقول الإمامية، أمّا على قول سائر المذاهب فعلى مَن يدّعي الزواج أن يُسمّي الشهود، وإذا ادّعى تعذّر حضورهما لموت أو غياب يتأتى القول المتقدم.

ولا بدّ مِن الإشارة إلى أنّ المعاشرة لا تُثبت الزواج مع الخصومة والنزاع، أمّا مع عدم الخصومة فإنّنا نرتب آثار الزواج مِن الأرث ونحوه كما عليه العمل عند جميع المذاهب.

٣٠٦

المحرِّمات

يُشترط في صحة العقد خلو المرأة مِن الموانع، أي أن تكون محلاًّ صالحاً للعقد، والموانع قسمان: نسب وسبب، الأوّل سبعة أصناف، وتقتضي التحريم المؤبد. والثاني عشرة، منها ما يوجب التحريم المؤبد، وبعضها التحريم المؤقت، وإليك التفصيل:

النسب:

اتفقوا على أنّ النساء اللاتي يحرُمن مِن النسب سبع:

١ - الأُم، وتشمل الجدات لأب كنّ أو لأُم.

٢ - البنات، وتشمل بنات الابن، وبنات البنت وإن نزلن.

٣ - الأخوات لأب أو لأم أو لكليهما.

٤ - العمّات، وتشمل عمات الآباء والأجداد.

٥ - الخالات، وتشمل خالات الآباء والأجداد.

٦ - بنات الأخ وإن نزلن.

٧ - بنات الأخت وإن نزلن.

٣٠٧

والأصل في ذلك الآية ٢٣ مِن سورة النساء:( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ ) .

فهذي أصناف المحرِّمات بالنسب، أمّا أصناف المحرِّمات بالسبب فهي:

الأوّل: المصاهرة

المصاهرة: علاقة بين الرجل والمرأة تستلزم تحريم الزواج عيناً أو جمعاً، وتشمل الحالات التالية:

١ - اتفقوا على أنّ زوجة الأب تُحرم على الابن - وإن نزل - بمجرد العقد، سواء أَدخل الأب أم لَم يدخل، والأصل فيه قوله تعالى:( وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ ) .

٢ - اتقوا على أنّ زوجة الابن تُحرم على الأب - وإن علا - بمجرد العقد، والأصل فيه قوله تعالى:( وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ) .

٣ - اتفقوا على أنّ أُم الزوجة - وإن علت - تُحرم بمجرد العقد على البنت، وإن لَم يدخل؛ لقوله تعالى:( وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ) .

٤ - اتفقوا على أنّ بنات الزوجة لا تُحرم على العاقد بمجرد وقوع العقد، فيجوز له إذا طلقها قَبل أن يدخل وينظر ويلمس بشهوة أن يعقد على بنتها؛ لقوله سبحانه:( وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) ، وقيد(في حجوركم) بيان للأغلب. واتفقوا على تحريم البنت إذا عقد الرجل على الأُم ودخل، واختلفوا فيما إذا عقد ولَم يدخل، ولكن نظر أو لمس بشهوة:

قال الإمامية والشافعية والحنابلة: لا تُحرم البنت إلاّ بالدخول، ولا أثر للمس ولا للنظر بشهوة أو بغيرها.

٣٠٨

وقال الحنفية والمالكية: اللمس والنظر بشهوة يوجبان التحريم تماماً كالدخول. (بداية المجتهد ج٢، والفقه على المذاهب الأربعة ج٤ باب الزواج).

واتفقوا على أنّ حكم وطء الشبهة حكم الزواج الصحيح في ثبوت النسب وحرمة المصاهرة. ومعنى وطء الشبهة: أن تحصل المقاربة بين رجل وامرأة باعتقاد أنّهما زوجان شرعيان، ثمّ يتبين أنّهما أجنبيان، وأنّ المقاربة حصلت لمحض الاشتباه، ويفرق بينهما حالاً، وتجب العدة على المرأة، ومهر المثل على الرجل. ويثبت بالشبهة النسب وحرمة المصاهرة، ولا توارث بينهما، ولا نفقة للمرأة.

الثاني: الجمع بين المحارم:

اتفقوا على تحريم الجمع بين الأختين؛ لقوله تعالى:( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ ) . واتفقت المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بين امرأة وعمتها، ولا بينها وبين خالتها؛ لأنّ عندهم قاعدة كلية، وهي: لا يجوز الجمع بين إثنتين لو كانت إحداهما ذكراً لحرم عليه تزويج الأخرى، فلو فرضنا العمة ذكراً لكانت عماً، والعم لا يجوز له الزواج مِن بنت أخيه، ولو فرضنا بنت الأخ ذكراً لكان ابن أخر، ولا يجوز لابن الأخ الزواج مِن عمته، وهكذا الحال بالقياس إلى الخالة وبنت الأخت.

وقال الخوارج: يجوز الجمع بينهما، سواء أذنت العمة بالزواج مِن بنت أخيها أو لَم تأذن.

واختلف فقهاء الإمامية: فمنهم مَن قال بقول المذاهب الأربعة، والأكثرية منهم ذهبوا إلى أنّه إذا تزوج أوّلاً بنت الأخ، أو بنت الأخت فله أن يتزوج العمة أو الخالة، وإن لَم تأذن بنت الأخ أو بنت

٣٠٩

الأخت، وإذا تزوج أوّلاً العمة أو الخالة، فلا يجوز له أن يعقد على بنت الأخ أو بنت الأخت إلاّ إذا أذنت العمة أو الخالة، واستدلوا بالآية ٢٤ مِن سورة النساء:( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ) ، فبَعد أن عددت المحرَّمات أباحت غيرهن، وهذه الإباحة تشمل الجمع بين العمة وبنت الأخ، والخالة وبنت الأخت، ولو كان هذا الجمع محرَّماً لنص عليه القرآن، كما نص على تحريم الجمع بين الأختين. أمّا التعليل بأنّه لو كانت إحداهما ذكراً الخ، فمجرد استحسان، وهو غير معتبر عند الإمامية، هذا إلى أنّ أبا حنيفة أجاز للرجل أن يتزوج المرأة وامرأة أبيها، مع أنّه لا يجوز له أن يتزوج ابنته ولا ربيبته، كما أنّه لا يجوز له أن يتزوج أُمه، ولا امرأة أبيه. (أنظر كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، باب النكاح).

الثالث: الزنا

وفيه مسائل:

١ - قال الشافعية والمالكية: يجوز للرجل أن يتزوج بنته مِن الزنا، وأخته، وبنت ابنه، وبنت بنته، وبنت أخيه، وبنت أخته؛ لأنّها أجنبية عنه شرعاً، ولا يجري بينهما توارث ولا نفقة. (المغني ج٦ باب الزواج).

وقال الحنفية والإمامية والحنابلة: تحرم كما تحرم البنت الشرعية؛ لأنّها متكونة مِن مائه، فهي بنته لغة وعرفاً، ونفيها شرعاً لا يوجب مِن حيث الإرث نفيها حقيقة، بل يوجب نفي الآثار الشرعية فقط، كالميراث والنفقة.

٢ - قال الإمامية: مَن زنا بامرأة، أو دخل بها شبهة، وهي

٣١٠

متزوجة، أو معتدة مِن طلاق رجعي تحرم عليه مؤبداً، أي لا يجوز له أن يعقد عليها، ولو بانت مِن الأوّل بطلاق أو موت، أمّا لو زنا بها وهي خلية أو معتدة عدة وفاة، أو مِن طلاق بأئن فلا تحرم عليه.

وعند المذاهب الأربعة: لا يوجب الزنا تحريم الزانية على الزاني بها، خلية أو غير خلية.

٣ - قال الحنفية والحنابلة: الزنا يوجب حرمة المصاهرة، فمن زنا بامرأة حرُمت عليه أُمها وبنتها، وحرُمت هي على أبي الزاني وابنه، ولَم يفرقوا بين حصول الزنا قَبل الزواج أو بَعده، فإذا زنا الرجل بأُم زوجته، أو زنا ابن الرجل بزوجة أبيه حرُمت الزوجة على زوجها مؤبداً، بل في كتاب ملتقى الأنهر للحنفية ج١ باب الزواج: (لو أيقظ زوجته ليجامعها فوصلت يده إلى ابنةٍ منها فقرصها بشهوة، وهي ممّن تُشتهى، لظنٍ أنّها اُمّها حرُمت عليه الأُم حرمة مؤبدة، ولك أن تصورها مِن جانبها بأن أيقظته هي كذلك، فقرصت ابنه مِن غيرها).

وقال الشافعية: الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة؛ لحديث (الحرام لا يحرّم الحلال). وعن مالك روايتان: إحداهما مع الشافعية، والثانية مع الحنفية.

وقال الإمامية: الزنا قَبل العقد يوجب تحريم المصاهرة، فمن زنا بامرأة فليس لأبيه ولا لابنه أن يعقد عليها. أمّا الزنا الواقع بَعد العقد فلا يوجب التحريم، فمن زنا بأُم زوجته أو بنتها تبقى الزوجية على حالها. وكذا لو زنا الأب بزوجة ابنه، أو الابن بزوجة أبيه لَم تحرم الزوجة على زوجها الشرعي.

٣١١

الرابع: عدد الزوجات

اتفقوا على أنّ للرجل أن يجمع بين أربع نساء، ولا تجوز له الخامسة، الآية( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) (١) .

وإذا خرجت إحداهن مِن عصمة الزوج بموت أو طلاق جاز له التزوّج مِن أخرى.

وقال الإمامية والشافعية: إذا طلق إحدى الأربع طلاقاً رجعياً، فلا يجوز أن يعقد على غيرها حتى تنتهي العدة، أمّا إذا كان الطلاق بائناً فيجوز له ذلك، وكذا يجوز أن يعقد على الأخت في عدة أختها المطلّقة بائناً؛ لأنّ الطلاق البائن ينهي الزواج ويقطع العصمة.

وقالت سائر المذاهب: ليس له أن يتزوج خامسة، ولا أخت المطلّقة إلاّ بَعد انقضاء العدة، مِن غير فرق بين الطلاق الرجعي والبائن.

الخامس: اللعان

إذا قذف رجل زوجته بالزنا، أو نفى مَن ولِد على فراشه، وأكذبته هي ولا بينة له، جاز له أن يلاعنها. أمّا كيفية الملاعنة: فهي أن يشهد الرجل بالله أربع مرات أنّه لمن الصادقين فيما رماها به، ثُمّ يقول في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان مِن الكاذبين، ثُمّ تشهد المرأة أربع مرات أنّه لمن الكاذبين، ثُمّ تقول في الخامسة: أن غضب الله عليها إن

____________________

(١) مِن الغرائب أن ينسب الشيخ أبو زهرة في كتاب الأحوال الشخصية ص٨٣ إلى بعض الشيعة جواز الجمع بين تسع، لأنّ معنى مثنى وثلاث وربعا: ٢ و٣ و٤، فالمجموع ٩! ولا مصدر لهذه النسبة. قال العلاّمة الحلّي في كتاب التذكرة: نُسب هذا القول لبعض الزيدية، وقد أنكروه إنكاراً باتاً، ولَم أرَ أحداً يقول به.

٣١٢

كان مِن الصادقين، فإذا امتنع هو عن الملاعنة أُقيم عليه الحد، وإذا لاعن وامتنعت هي أُقيم عليها الحد، وإذا تمت الملاعنة مِن الطرفين يسقط الحد عنهما، ويفرق بينهما، ولا يُلحق به الولد الذي نفاه عنه.

والأصل في ذلك الآية ٧ مِن سورة النور:( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ ) .

واتفقوا جميعاً على وجوب التفرقة بينهما بَعد الملاعنة، واختلفوا: هل تحرم الزوجة على الزوج مؤبداً بحيث لا يجوز له العقد عليها بَعد ذلك، حتى ولو أكذب نفسه، أو تحرم مؤقتاً ويجوز له العقد بَعد أن يكذب نفسه؟

قال الشافعية والإمامية والحنابلة والمالكية: إنّها تحرم مؤبداً، ولا تحلّ له ولو أكذب نفسه.

وقال الحنفية: الملاعنة كالطلاق، فلا تحرم مؤبداً؛ لأنّ التحريم جاء مِن الملاعنة، فإن أكذب نفسه ارتفع التحريم. (المغني ج٧، وميزان الشعراني - باب الملاعنة).

السادس: عدد الطلاق

اتفقوا على أنّ الرجل إذا طلق زوجته ثلاثاً بينهما رجعتان حرمت عليه، ولا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره، وذلك أن تعتد بَعد الطلاق الثالث، وعند انتهاء العدة تتزوج زواجاً شرعياً دائماً، ويدخل بها الزوج، فإذا فارقها الثاني بموت أو طلاق وانتهت عدتها جاز للأوّل أن يعقد عليها ثانية، فإذا عاد وطلقها ثلاثاً حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره،

٣١٣

وهكذا تحرم عليه بَعد كل طلاق ثالث، وتحلّ له بمحلل وإن طُلقت مئة مرة، وعلى هذا يكون الطلاق ثلاثاً مِن أسباب التحريم المؤقت لا المؤبد.

ولكن الإمامية قالوا: لو طُلقت المرأة تسعاً طلاق العدة تحرم مؤبداً، ومعنى طلاق العدة عندهم: أن يطلقها، ثُمّ يراجعها ويطأها، ثُمّ يطلقها في طهر آخر، ثُمّ يراجعها ويواقعها، ثُمّ يطلقها في طهر آخر، وحينئذ لا تحلّ له لاّ بمحلل، فإذا عقد عليها ثانية بَعد مفارقة المحلل، وطلقها ثلاثاً طلاق العدة حلّت له بمحلل، ثُمّ عقد عليها، ثُمّ طلقها طلاق العدة، وأكملت الطلقات حرمت عليه مؤبداً. أمّا إذا لَم يكن الطلاق طلاق العدة، كما لو أرجعها ثُمّ طلقها قَبل الوطء، أو تزوجها بعقد بَعد انتهاء العدة فلا تحرم عليه، ولو طُلقت مئة مرة.

السابع: اختلاف الدين

اتفقوا على أنّه لا يجوز للمسلم ولا للمسلمة التزويج ممّن لا كتاب سماوي لهم، ولا شبهة كتاب، وهم: عبدة الأوثان والنيران والشمس وسائر الكواكب وما يستحسنونه مِن الصور، وكل زنديق لا يؤمن بالله.

واتفق الأربعة على أنّ مَن لهم شبهة كتاب كالمجوس، لا يحلّ التزويج منهم، ومعنى شبهة كتاب: هو ما قيل بأنّه كان للمجوس كتاب فتبدلوه، فأصبحوا وقد رفع عنهم.

واتفق الأربعة أيضاً على أنّ للمسلم أن يتزوج الكتابية، وهي النصرانية واليهودية، ولا يجوز للمسلمة أن تتزوج كتابياً.

أمّا فقهاء الإمامية فقد اتفقوا على تحريم زواج المسلمة مِن كتابي، كما قالت المذاهب الأربعة، واختلفوا في زواج المسلم مِن كتابية، فبعضهم قال: لا يجوز دواماً وانقطاعاً؛ واستدلوا بقوله تعالى:( وَلاَ تُمْسِكُوا

٣١٤

بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) ، وقوله:( وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) ، إذ فسروا الشرك بالكفر وعدم الإسلام. وأهل الكتاب باصطلاح القرآن غير المشركين؛ بدليل قوله تعالى: ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ ) (البينة - ١). وقال آخرون: يجوز دواماً وانقطاعاً؛ واستدلوا بقوله تعالى:( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) (المائدة - ٥)، وهو ظاهر في حل نساء أهل الكتاب. وقال ثالث: تجوز انقطاعاً ولا يجوز دواماً، جمعاً بين الأدلة المانعة والمبيحة، فإنّ ما دل على المنع يُحمل على الزواج الدائم، وما دل على الإباحة يُحمل على المنقطع.

ومهما يكن، فإنّ الكثيرين مِن فقهاء الإمامية في هذا العصر يجيزون تزويج الكتابية دواماً، والمحاكم الشرعية الجعفرية في لبنان تزوج المسلم مِن الكتابية، وتسجل الزواج وترتب عليه جميع الآثار.

واتفقوا ما عدا المالكية على أنّ أنكحة غير المسلمين كلها صحيحة إذا وقعت على ما يعتقدون في دينهم، ونحن المسلمين نرتب عليها جميع آثار الصحة مِن غير فرق بين أهل الكتاب وغيرهم حتى الذين يجيزون نكاح المحارم.

وقال المالكية لا تصحّ أنكحة غير المسلمين؛ لأنّها لو وقعت مِن مسلم لكانت فاسدة، فكذلك إذا وقعت منهم. وليس بجيد؛ لأنّ هذا ينفر غير المسلمين مِن الإسلام، ويوجب الفوضى واختلال النظام، وقد ثبت في الحديث عند الإمامية: (مَن دان بدين قوم لزمته أحكامهم)، (وألزموهم بما ألزموا به أنفسهم)(١) .

تحاكم اهل الكتاب عند قاض مسلم:

في كتاب الجواهر للإمامية - باب الجهاد - بحثٌ مفيد يتناسب مع هذا المقام نلخصه فيما يلي:

____________________

(١) كتاب الجواهر باب الطلاق.

٣١٥

لو تحاكم غير المسلمين عند قاضٍ مسلم: فهل يحكم بأحكام دينهم، أو بحكم الإسلام؟

الجواب: على القاضي أن ينظر، فإن كان المتخاصمان ذميين كان مخيراً بين أن يحكم بحكم الإسلام، وبين الإعراض عنهما وعدم سماع الدعوى بالمرة؛ للآية ٤٢ مِن سورة المائدة:( فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ) .

وسئل الإمام جعفر الصادق عن رجلين مِن أهل الكتاب بينهما خصومة ترافعا إلى حاكم منهم، ولما قضى بينهما أبى الذي قضى عليه، وطلب أن يحاكم عند المسلمين، فقال الإمام: (يحكم بينهما بحكم الإسلام).

وإذا كانا حربيين فلا يجب على القاضي أن يحكم بينهما، إذ لا يجب دفع بعضهم عن بعض، كما هي الحال في أهل الذمة.

وإذا كانا ذمياً ومسلماً، أو حربياً ومسلماً، وجب على القاضي قبول الدعوى، وأن يحكم بينهما بما أنزل الله؛ لقوله تعالى في الآية ٤٩ مِن سورة المائدة:( وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) .

ولو استعدت زوجة الذمي على زوجها حُكم عليه بحكم الإسلام.

وبالتالي، فقد تبيّن ممّا تقدم أنّ علينا نحن المسلمين أن نبني على صحة المعاملات التي تجريها الطوائف غير الإسلامية إذا كانت على طبق دينهم ما داموا لَم يتقاضوا إلينا، أمّا إذا تحاكموا عندنا فيجب أن نحكم عليها بحكم الإسلام في جميع الحالات، كما تقتضيه عموم الآيات والأحاديث الدالة على وجوب الحكم بالحق والعدل.

٣١٦

الثامن: الرضاع

اتفقوا جميعاً على صحة الحديث: (يحرم مِن الرضاع ما يحرم مِن النسب)؛ وعليه، فكل امرأة حرمت مِن النسب تحرم مثلها مِن الرضاع، فأيّ امرأة تصير بسبب الرضاع: أُماً أو بنتاً أو أختاً أو عمة أو خالة أو بنت أخ أو بنت أخت يحرم الزواج منها بالاتفاق. واختلفوا في عدد الرضعات التي توجب التحريم، وفي شروط المرضعة والرضيع.

١ - قال الإمامية: يُشترط أن يحصل لبن المرأة مِن وطء شرعي، فلو درّت مِن دون زواج، أو بسبب الحمل مِن الزنا لَم تنشر الحرمة. ولا يُشترط بقاء المرضعة في عصمة صاحب اللبن، فلو طلقها أو مات عنها، وهي حامل منه أو مرضع، ثُمّ أرضعت ولداً تنشر الحرمة، حتى ولو تزوجت ودخل بها الثاني.

وقال الحنفية والشافعية والمالكية: لا فرق بين أن تكون المرأة بكراً أو ثيّباً، ولا بين أن تكون متزوجة أو غير متزوجة متى كان لها لبن يشربه الرضيع.

وقال الحنابلة: لا تترتب أحكام الرضاع شرعاً إلاّ إذا درّت بسبب الحمل، ولَم يشترطوا أن يكون الحمل عن وطء شرعي. (الأحوال الشخصية لمحمد محي الدين عبد الحميد).

٢ - قال الإمامية: يُشترط أن يمتص الرضيع اللبن مِن الثدي، فلو وجر في حلقه، أو شربه بأي طريق غير الامتصاص مباشرة لَم تتحقق الحرمة.

وقال الأربعة: يكفي وصول اللبن إلى جوف الطفل كيف اتفق. (بداية المجتهد، وحاشية الباجوري باب الرضاع). بل جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة أنّ الحنابلة يكتفون بوصول اللبن إلى جوف الطفل مِن أنفه لا مِن فمه.

٣١٧

٣ - قال الإمامية: لا تتحق الحرمة ألاّ إذا رضع الطفل مِن المرأة يوماً وليلة، على أن يكون غذاؤه في هذه المدة منحصراً بلبن المرأة فقط لا يتخلله طعام، أو خمس عشرة رضعة كاملة، لا يفصل بينها رضعة امرأة أخرى، وفي المسالك: لا بأس بالطعام؛ وعللوا ذلك بأنّ في هذه الكمية مِن اللبن ينبت اللحم ويشتد العظم.

وقال الشافعية والحنابلة لا بدّ مِن خمس رضعات على الأقل.

وقال الحنفية والمالكية: يثبت التحريم بمجرد حصول الرضاع كثيراً كان أو قليلاً، ولو قطرة. (الفقه على المذاهب الأربعة).

٤ - قال الحنفية والمالكية والحنابلة: لا يُشترط أن تكون المرضعة على قيد الحياة، فإذا ماتت، ودب إليها الطفل وارتضع مِن ثديها يكفي في التحريم، بل قال المالكية: إذا شك: هل الذي رضعه الطفل هو لبن أو غيره؟ فإنّه ينشر الحرمة. (الفقه على المذاهب الأربعة).

وقال الإمامية والشافعية: حياة المرضعة شرط لازم حين الرضاع، فلو ماتت قَبل إكمال الرضعات لَم تتحقق الحرمة.

واتفقوا على أنّ صاحب اللبن، وهو زوج المرضعة يصير أباً للرضيع، ويحرم بينهما ما يحرم بين الآباء والأبناء، فأُم صاحب اللبن جدة للرضيع، وأخته عمة له، كما تصبح المرضعة أُماً له، وأُمها جدة، وأُختها خالة.

التاسع: العدة

اتفقوا على أنّ المعتدة لا يجوز العقد عليها، كالمتزوجة تماماً، سواء أكانت معتدة مِن وفاة، أو طلاق رجعي أو بائن؛ لقوله تعالى:( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ ) ، وقوله:( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ

٣١٨

مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَـشْراً ) . والتربص معناه: الصبر والانتظار.

واختلفوا فيمن تزوج امرأة في عدتها: هل تحرم عليه؟ قال المالكية: إذا دخل تحرم مؤبداً، ولا تحرم مع عدم الدخول.

وقال الحنفية والشافعية: يفرق بينهما، فإذا انقضت العدة فلا مانع مِن تزويجه بها ثانية. (بداية المجتهد).

وفي الجزء السابع مِن كتاب المغني للحنابلة باب العدد: (إذا تزوج معتدة، وهما عالمان بالعدة وتحريم النكاح، ووطأها فهما زانيان، عليهما حد الزنا). وفي الجزء السادس مِن الكتاب المذكور باب الزواج: (إذا زنت المرأة لَم يحلّ نكاحها لمن يعلم ذلك ألاّ بشرطين: انقضاء العدة، والتوبة مِن الزنا وإذا وجِد الشرطان حل نكاحها للزاني وغيره)؛ وعليه فالزواج في العدة لا يوجب التحريم المؤبد عند الحنابلة.

وقال الإمامية: لا يجوز العقد على المعتدة الرجعية والبائنة، وإذا عقد عليها مع العلم بالعدة والحرمة بطل النكاح، وحرمت مؤبداً، سواء أدخل أم لّم يدخل، ومع الجهل بالعدة والتحريم لا تحرم مؤبداً إلاّ إذا دخل، وإذا لَم يدخل يبطل العقد فقط، وله استئناف العقد بَعد العدة التي كانت فيها. (المسالك ج٢ باب الطلاق).

العاشر: الإحرام

قال الإمامية والشافعية والمالكية والحنابلة: المحرِم للحج أو للعمرة لا يتزوج ولا يزوّج، رجلاً كان أو امرأة، وكيلاً أو ولياً، وإن حصل الزواج كان باطلاً؛ لحديث: (لا يَنكح المحرِم، ولا يُنكح، ولا يخطب).

وقال الحنفية: الإحرام لا يمنع مِن الزواج.

وقال الإمامية: إذا حصل العقد حال الإحرام: فإن كان مع الجهل

٣١٩

بالتحريم حرمت المرأة مؤقتاً، فإذا أحلاّ، أو أحلّ الرجل إن لَم تكن المرأة محرِمة جاز له العقد عليها، وإن كان مع العلم بالتحريم فُرّق بينهما وحرمت مؤبداً.

وقالت سائر المذاهب: تحرم مؤقتاً لا مؤبداً. (تذكرة العلاّمة الحلّي للإمامية ج١ باب الحج، وبداية المجتهد باب الزواج).

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650