الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة0%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 650
المشاهدات: 239649
تحميل: 32078

توضيحات:

الفقه على المذاهب الخمسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 239649 / تحميل: 32078
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

شروط الزوجة على الزوج

قال الحنابلة: إذا شرط للزوجة أن لا يخرجها مِن بلدها أو دارها أو لا يسافر بها أو لا يتزوج عليها صح العقد والشرط، ويجب الوفاء، فإن لَم يفعل فلها فسخ الزواج.

وقال الحنفية والشافعية والمالكية: يبطل الشرط ويصحّ العقد، ولكنّ الشافعية والحنفية أوجبوا لها - والحال هذه - مهر المثل لا المهر المـُسمّى. (المغني لابن قدامة ج٦ باب الزواج).

وقال الحنفية: إذا اشترط الرجل أن يكون الطلاق في يد المراة - كما لو قال لها: تزوجتُك على أن تطلّقي نفسك - كان الشرط فاسداً، أمّا لو اشترطت هي ذلك، وقالت له: زوّجتُك نفسي على أن يكون الطلاق في يدي، وقال: قبِلتُ، يكون العقد والشرط صحيحين، وتطلِّق نفسها متى شاءت.

وقال الإمامية: لو اشترطت الزوجة أثناء العقد أن لا يتزوج عليها، أو لا يطلّقها، ولا يمنعها مِن الخروج متى تشاء وإلى أين تريد، أو أن يكون الطلاق بيدها، أو لا يرثها، وما إلى ذلك ممّا يتنافى مع

٣٠١

مقتضى العقد يبطل الشرط، ويصحّ العقد(١) .

أمّا إذا اشترطت عليه أن لا يخرجها مِن بلدها، أو يسكنها منزلاً معيناً، أو لا يسافر بها يصحّ العقد والشرط معاً، ولكن إذا أخلف لا يحق لها الفسخ، ولو امتنعت عن الانتقال معه في مثل هذه الحال تستحق جميع الحقوق الزوجية مِن النفقة وما إليها(٢) .

إذا ادّعت الزوجة أنّها اشترطت على الزوج في متن العقد شرطاً سائغاً، وأنكر الزوج تُكلف بالبينة؛ لأنّها تدّعي شيئاً زائداً على العقد، ومع عجزها عن إقامتها يحلف هو على نفي الشرط؛ لأنّه منكِر.

____________________

(١) قال الإمامية: إنّ الشرط الفاسد في غير عقد الزواج يكون مفسداً للعقد، أمّا في الزواج فلا يفسد العقد ولا المهر إلاّ اشتراط الخيار، أو عدم ترتب جميع آثار العقد المنافي لطبيعته، واستدلوا على الفرق بين الزواج وغيره بأحاديث صحيحة، وقال بعض الفقهاء: السر إنّ الزواج ليس معاوضة حقيقية كما هي الحال في غيره مِن العقود. ولعلماء الإمامية في الشروط أبحاث لا توجد في غير كتبهم، ومَن أحبّ الاطلاع عليها فليراجع كتاب المكاسب للأنصاري، وتقريرات النائيني للخونساري ج٢، والجزء الثالث مِن فقه الإمام الصادق للمؤلف.

(٢) في كتاب فرق الزواج للاستاذ علي الخفيف: إنّ الإمامية يقولون بأنّ هذا النوع مِن الشرط باطل، وهو اشتباه بين هذا النوع وبين ما يتنافى مع طبيعة العقد.

٣٠٢

دعوى الزواج

إذا ادّعى رجل زوجية امرأة، فأنكرت، أو ادّعت هي، فأنكر، فعلى المدّعي البينة وعلى المنكر اليمين.

واتفقوا على أنّ البينة لا بدّ أن تكون مِن رجلين عدلين، وأنّ شهادة النساء لا تُقبل، لا منفردات ولا منضمات، إلاّ الحنفية فإنّهم قبلوا شهادة رجل وامرأتين على شرط العدالة، فالعدالة عندهم شرط في إثبات الزواج لدى الإنكار والخصومة، وليست شرطاً في صحة العقد لدى وقوعه.

وقال الإمامية والحنفية: يكفي أن يشهد الشاهد بالزواج دون ذكر الشروط والتفاصيل.

وقال الحنابلة: لا بدّ مِن ذكر الشروط؛ لأنّ الناس يختلفون فيها، فمِن الجائز أن يعتقد الشاهد صحة الزواج مع أنّه فاسد.

وقال الإمامية والحنفية والشافعية والحنابلة: يثبت الزواج بالاستفاضة، وإن لَم تبلغ حد التواتر.

هل يثبت الزواج بالمعاشرة:

ترفع لدى المحاكم الشرعية بين الحين والحين دعوى الزواج، وكثيراً ما

٣٠٣

يدلي المدّعي بأنّهما تعاشرا وسكنا في محل واحد كما يسكن الزوج وزوجته، ويأتي بشهود على ذلك، فهل يثبت - والحال هذه - أم لا؟

الجواب:

إنّ ظاهر الحال يقتضي الحكم بالزواج حتى يثبت العكس، أي أنّ المعاشرة تدل بظاهرها على وجود الزواج، وهذا الظاهر يستلزم الأخذ بقول المدّعي حتى نعلم أنّه كاذب، على أنّ الجزم بكذب مدّعي الزواج صعب جداً بناء على قول الإمامية مِن عدم شرط الشهادة في الزواج.

ولكن هذا الظاهر معارض بالأصل، وهو أصل عدم حدوث الزواج، لأنّ كل حادث شُك في وجوده فالأصل عدمه، حتى يقوم الدليل عليه؛ وعلى هذا يكون قول منكِر الزوجية موافقاً للأصل، فيطلب الإثبات مِن خصمه، فإن عجز عن إقامة البنية يحلف المنكِر وتُردّ الدعوى.

وهذا هو الحق الذي تستدعيه القواعد الشرعية، حيث تسالم فقهاء الإمامية على أنّه إذا تعارض الظاهر مع الأصل يقدم الأصل، ولا يؤخذ بالظاهر إلاّ مع قيام الدليل، ولا دليل في هذه المسألة.

نعم إذا علم بوقوع صيغة العقد، ثمّ شك في أنّها وقعت على الوجه الصحيح أو الفاسد يحكم بالصحة بلا ريب، أمّا إذا كان الشك في أصل وقوع العقد فلا يمكن أن نستكشف وجوده مِن المعاشرة والمساكنة بحال.

ولسائل أن يسأل: إنّ حمل فعل المسلم على الصحة يوجب الأخذ بقول مدّعي الزواج؛ ترجيحاً لجهة الحلال على الحرام والخير على الشر، فنحن مأمورون أن نحمل كل عمل يجوز فيه الصحة والفساد، أن نلغي جانب الفساد، ونرتب آثار الصحة.

الجواب:

إنّ الحمل على الصحة في مسألتنا هذه لا يثبت الزواج، وإنّما يثبت أنّهما لَم يرتكبا محرَّماً بالمعاشرة والمساكنة، وعدم التحريم أعم مِن أن يكون هناك زواج أو شبهة حصلت لهما، كما لو توهما الحلال، ثمّ

٣٠٤

تبين التحريم - ويأتي التفصيل في نكاح الشبهة -. وبديهة أنّ العام لا يثبت الخاص، فإذا قلت: في الدار حيوان، لا يثبت وجود الفرس أو الغزال. وكذلك هنا، فإذا قارب رجل امرأة ولَم نعلم السبب فلا نقول هي زوجة، بل نقول لَم يرتكبا محرَّماً، وقد تكون المقاربة عن زواج، وقد تكون عن شبهة. وإليك هذا المثال زيادة في التوضيح:

لو مر بك شخص، وسمعته يتفوه بكلمة، ولَم تدرِ هل كانت كلمته هذه شتماً أم تحية؟ فليس لك أن تفسرها بالشتم، كما أنّه لا يجب عليك رد التحية - والحال هذه -؛ لأنّك لَم تتأكد مِن وجودها. أمّا لو تيقنت بأنّه تفوه بالتحية، وشككت هل كان ذلك بقصد التحية حقيقة أو بداعي السخرية؟ فيجب الرد حملاً على الصحة، وترجيحاً للخير على الشر.

وكذلك الحال فيما نحن فيه، فإن حمل المعاشرة على الصحة لا يثبت وجود العقد، ولكن لو علمنا بوجود العقد وشككنا في صحته نحمله على الصحة مِن دون توقف.

ومهما يكن، فإنّ المعاشرة وحدها ليست بشيء، ولكنّها إذا ضمت إلى سبب آخر تكون مؤيدة ومقوية، والأمر في ذلك يُناط بنظر القاضي واطمئنانه وتقديره على شريطة أن لا يتخذ المعاشرة سنداً مستقلاً لحكمه(١) .

هذا بالقياس الى ثبوت الزواج، أمّا الأولاد فإنّ الحمل على الصحة يستلزم الحكم بأنّهم شرعيون على كل حال؛ لأنّ المعاشرة إمّا عن زواج وإمّا عن شبهة، وأولاد الشبهة كأولاد الزواج في جميع الآثار الشرعية، ولذا لو ادّعت امرأة على رجل بأنّه زوجها الشرعي وأنّه أولدها، فأنكر الزوج واعترف بالولد يُقبل منه؛ إذ مِن الممكن أن يكون عن شبهة.

____________________

(١) هذا، ولكنّ كلمات الفقهاء في البلغة مسألة اليد، وفي الشرائع والجواهر باب الزواج: تدلّ على أنّ المعاشرة تكشف بظاهرها عن الزواج، ولس هذا ببعيد.

٣٠٥

وبالتالي، فإنّ هذه المسألة إنّما تتم بناءً على عدم شرط الشهادة في العقد، كما تقول الإمامية، أمّا على قول سائر المذاهب فعلى مَن يدّعي الزواج أن يُسمّي الشهود، وإذا ادّعى تعذّر حضورهما لموت أو غياب يتأتى القول المتقدم.

ولا بدّ مِن الإشارة إلى أنّ المعاشرة لا تُثبت الزواج مع الخصومة والنزاع، أمّا مع عدم الخصومة فإنّنا نرتب آثار الزواج مِن الأرث ونحوه كما عليه العمل عند جميع المذاهب.

٣٠٦

المحرِّمات

يُشترط في صحة العقد خلو المرأة مِن الموانع، أي أن تكون محلاًّ صالحاً للعقد، والموانع قسمان: نسب وسبب، الأوّل سبعة أصناف، وتقتضي التحريم المؤبد. والثاني عشرة، منها ما يوجب التحريم المؤبد، وبعضها التحريم المؤقت، وإليك التفصيل:

النسب:

اتفقوا على أنّ النساء اللاتي يحرُمن مِن النسب سبع:

١ - الأُم، وتشمل الجدات لأب كنّ أو لأُم.

٢ - البنات، وتشمل بنات الابن، وبنات البنت وإن نزلن.

٣ - الأخوات لأب أو لأم أو لكليهما.

٤ - العمّات، وتشمل عمات الآباء والأجداد.

٥ - الخالات، وتشمل خالات الآباء والأجداد.

٦ - بنات الأخ وإن نزلن.

٧ - بنات الأخت وإن نزلن.

٣٠٧

والأصل في ذلك الآية ٢٣ مِن سورة النساء:( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ ) .

فهذي أصناف المحرِّمات بالنسب، أمّا أصناف المحرِّمات بالسبب فهي:

الأوّل: المصاهرة

المصاهرة: علاقة بين الرجل والمرأة تستلزم تحريم الزواج عيناً أو جمعاً، وتشمل الحالات التالية:

١ - اتفقوا على أنّ زوجة الأب تُحرم على الابن - وإن نزل - بمجرد العقد، سواء أَدخل الأب أم لَم يدخل، والأصل فيه قوله تعالى:( وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ ) .

٢ - اتقوا على أنّ زوجة الابن تُحرم على الأب - وإن علا - بمجرد العقد، والأصل فيه قوله تعالى:( وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ) .

٣ - اتفقوا على أنّ أُم الزوجة - وإن علت - تُحرم بمجرد العقد على البنت، وإن لَم يدخل؛ لقوله تعالى:( وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ) .

٤ - اتفقوا على أنّ بنات الزوجة لا تُحرم على العاقد بمجرد وقوع العقد، فيجوز له إذا طلقها قَبل أن يدخل وينظر ويلمس بشهوة أن يعقد على بنتها؛ لقوله سبحانه:( وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) ، وقيد(في حجوركم) بيان للأغلب. واتفقوا على تحريم البنت إذا عقد الرجل على الأُم ودخل، واختلفوا فيما إذا عقد ولَم يدخل، ولكن نظر أو لمس بشهوة:

قال الإمامية والشافعية والحنابلة: لا تُحرم البنت إلاّ بالدخول، ولا أثر للمس ولا للنظر بشهوة أو بغيرها.

٣٠٨

وقال الحنفية والمالكية: اللمس والنظر بشهوة يوجبان التحريم تماماً كالدخول. (بداية المجتهد ج٢، والفقه على المذاهب الأربعة ج٤ باب الزواج).

واتفقوا على أنّ حكم وطء الشبهة حكم الزواج الصحيح في ثبوت النسب وحرمة المصاهرة. ومعنى وطء الشبهة: أن تحصل المقاربة بين رجل وامرأة باعتقاد أنّهما زوجان شرعيان، ثمّ يتبين أنّهما أجنبيان، وأنّ المقاربة حصلت لمحض الاشتباه، ويفرق بينهما حالاً، وتجب العدة على المرأة، ومهر المثل على الرجل. ويثبت بالشبهة النسب وحرمة المصاهرة، ولا توارث بينهما، ولا نفقة للمرأة.

الثاني: الجمع بين المحارم:

اتفقوا على تحريم الجمع بين الأختين؛ لقوله تعالى:( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ ) . واتفقت المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بين امرأة وعمتها، ولا بينها وبين خالتها؛ لأنّ عندهم قاعدة كلية، وهي: لا يجوز الجمع بين إثنتين لو كانت إحداهما ذكراً لحرم عليه تزويج الأخرى، فلو فرضنا العمة ذكراً لكانت عماً، والعم لا يجوز له الزواج مِن بنت أخيه، ولو فرضنا بنت الأخ ذكراً لكان ابن أخر، ولا يجوز لابن الأخ الزواج مِن عمته، وهكذا الحال بالقياس إلى الخالة وبنت الأخت.

وقال الخوارج: يجوز الجمع بينهما، سواء أذنت العمة بالزواج مِن بنت أخيها أو لَم تأذن.

واختلف فقهاء الإمامية: فمنهم مَن قال بقول المذاهب الأربعة، والأكثرية منهم ذهبوا إلى أنّه إذا تزوج أوّلاً بنت الأخ، أو بنت الأخت فله أن يتزوج العمة أو الخالة، وإن لَم تأذن بنت الأخ أو بنت

٣٠٩

الأخت، وإذا تزوج أوّلاً العمة أو الخالة، فلا يجوز له أن يعقد على بنت الأخ أو بنت الأخت إلاّ إذا أذنت العمة أو الخالة، واستدلوا بالآية ٢٤ مِن سورة النساء:( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ) ، فبَعد أن عددت المحرَّمات أباحت غيرهن، وهذه الإباحة تشمل الجمع بين العمة وبنت الأخ، والخالة وبنت الأخت، ولو كان هذا الجمع محرَّماً لنص عليه القرآن، كما نص على تحريم الجمع بين الأختين. أمّا التعليل بأنّه لو كانت إحداهما ذكراً الخ، فمجرد استحسان، وهو غير معتبر عند الإمامية، هذا إلى أنّ أبا حنيفة أجاز للرجل أن يتزوج المرأة وامرأة أبيها، مع أنّه لا يجوز له أن يتزوج ابنته ولا ربيبته، كما أنّه لا يجوز له أن يتزوج أُمه، ولا امرأة أبيه. (أنظر كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، باب النكاح).

الثالث: الزنا

وفيه مسائل:

١ - قال الشافعية والمالكية: يجوز للرجل أن يتزوج بنته مِن الزنا، وأخته، وبنت ابنه، وبنت بنته، وبنت أخيه، وبنت أخته؛ لأنّها أجنبية عنه شرعاً، ولا يجري بينهما توارث ولا نفقة. (المغني ج٦ باب الزواج).

وقال الحنفية والإمامية والحنابلة: تحرم كما تحرم البنت الشرعية؛ لأنّها متكونة مِن مائه، فهي بنته لغة وعرفاً، ونفيها شرعاً لا يوجب مِن حيث الإرث نفيها حقيقة، بل يوجب نفي الآثار الشرعية فقط، كالميراث والنفقة.

٢ - قال الإمامية: مَن زنا بامرأة، أو دخل بها شبهة، وهي

٣١٠

متزوجة، أو معتدة مِن طلاق رجعي تحرم عليه مؤبداً، أي لا يجوز له أن يعقد عليها، ولو بانت مِن الأوّل بطلاق أو موت، أمّا لو زنا بها وهي خلية أو معتدة عدة وفاة، أو مِن طلاق بأئن فلا تحرم عليه.

وعند المذاهب الأربعة: لا يوجب الزنا تحريم الزانية على الزاني بها، خلية أو غير خلية.

٣ - قال الحنفية والحنابلة: الزنا يوجب حرمة المصاهرة، فمن زنا بامرأة حرُمت عليه أُمها وبنتها، وحرُمت هي على أبي الزاني وابنه، ولَم يفرقوا بين حصول الزنا قَبل الزواج أو بَعده، فإذا زنا الرجل بأُم زوجته، أو زنا ابن الرجل بزوجة أبيه حرُمت الزوجة على زوجها مؤبداً، بل في كتاب ملتقى الأنهر للحنفية ج١ باب الزواج: (لو أيقظ زوجته ليجامعها فوصلت يده إلى ابنةٍ منها فقرصها بشهوة، وهي ممّن تُشتهى، لظنٍ أنّها اُمّها حرُمت عليه الأُم حرمة مؤبدة، ولك أن تصورها مِن جانبها بأن أيقظته هي كذلك، فقرصت ابنه مِن غيرها).

وقال الشافعية: الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة؛ لحديث (الحرام لا يحرّم الحلال). وعن مالك روايتان: إحداهما مع الشافعية، والثانية مع الحنفية.

وقال الإمامية: الزنا قَبل العقد يوجب تحريم المصاهرة، فمن زنا بامرأة فليس لأبيه ولا لابنه أن يعقد عليها. أمّا الزنا الواقع بَعد العقد فلا يوجب التحريم، فمن زنا بأُم زوجته أو بنتها تبقى الزوجية على حالها. وكذا لو زنا الأب بزوجة ابنه، أو الابن بزوجة أبيه لَم تحرم الزوجة على زوجها الشرعي.

٣١١

الرابع: عدد الزوجات

اتفقوا على أنّ للرجل أن يجمع بين أربع نساء، ولا تجوز له الخامسة، الآية( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) (١) .

وإذا خرجت إحداهن مِن عصمة الزوج بموت أو طلاق جاز له التزوّج مِن أخرى.

وقال الإمامية والشافعية: إذا طلق إحدى الأربع طلاقاً رجعياً، فلا يجوز أن يعقد على غيرها حتى تنتهي العدة، أمّا إذا كان الطلاق بائناً فيجوز له ذلك، وكذا يجوز أن يعقد على الأخت في عدة أختها المطلّقة بائناً؛ لأنّ الطلاق البائن ينهي الزواج ويقطع العصمة.

وقالت سائر المذاهب: ليس له أن يتزوج خامسة، ولا أخت المطلّقة إلاّ بَعد انقضاء العدة، مِن غير فرق بين الطلاق الرجعي والبائن.

الخامس: اللعان

إذا قذف رجل زوجته بالزنا، أو نفى مَن ولِد على فراشه، وأكذبته هي ولا بينة له، جاز له أن يلاعنها. أمّا كيفية الملاعنة: فهي أن يشهد الرجل بالله أربع مرات أنّه لمن الصادقين فيما رماها به، ثُمّ يقول في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان مِن الكاذبين، ثُمّ تشهد المرأة أربع مرات أنّه لمن الكاذبين، ثُمّ تقول في الخامسة: أن غضب الله عليها إن

____________________

(١) مِن الغرائب أن ينسب الشيخ أبو زهرة في كتاب الأحوال الشخصية ص٨٣ إلى بعض الشيعة جواز الجمع بين تسع، لأنّ معنى مثنى وثلاث وربعا: ٢ و٣ و٤، فالمجموع ٩! ولا مصدر لهذه النسبة. قال العلاّمة الحلّي في كتاب التذكرة: نُسب هذا القول لبعض الزيدية، وقد أنكروه إنكاراً باتاً، ولَم أرَ أحداً يقول به.

٣١٢

كان مِن الصادقين، فإذا امتنع هو عن الملاعنة أُقيم عليه الحد، وإذا لاعن وامتنعت هي أُقيم عليها الحد، وإذا تمت الملاعنة مِن الطرفين يسقط الحد عنهما، ويفرق بينهما، ولا يُلحق به الولد الذي نفاه عنه.

والأصل في ذلك الآية ٧ مِن سورة النور:( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ ) .

واتفقوا جميعاً على وجوب التفرقة بينهما بَعد الملاعنة، واختلفوا: هل تحرم الزوجة على الزوج مؤبداً بحيث لا يجوز له العقد عليها بَعد ذلك، حتى ولو أكذب نفسه، أو تحرم مؤقتاً ويجوز له العقد بَعد أن يكذب نفسه؟

قال الشافعية والإمامية والحنابلة والمالكية: إنّها تحرم مؤبداً، ولا تحلّ له ولو أكذب نفسه.

وقال الحنفية: الملاعنة كالطلاق، فلا تحرم مؤبداً؛ لأنّ التحريم جاء مِن الملاعنة، فإن أكذب نفسه ارتفع التحريم. (المغني ج٧، وميزان الشعراني - باب الملاعنة).

السادس: عدد الطلاق

اتفقوا على أنّ الرجل إذا طلق زوجته ثلاثاً بينهما رجعتان حرمت عليه، ولا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره، وذلك أن تعتد بَعد الطلاق الثالث، وعند انتهاء العدة تتزوج زواجاً شرعياً دائماً، ويدخل بها الزوج، فإذا فارقها الثاني بموت أو طلاق وانتهت عدتها جاز للأوّل أن يعقد عليها ثانية، فإذا عاد وطلقها ثلاثاً حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره،

٣١٣

وهكذا تحرم عليه بَعد كل طلاق ثالث، وتحلّ له بمحلل وإن طُلقت مئة مرة، وعلى هذا يكون الطلاق ثلاثاً مِن أسباب التحريم المؤقت لا المؤبد.

ولكن الإمامية قالوا: لو طُلقت المرأة تسعاً طلاق العدة تحرم مؤبداً، ومعنى طلاق العدة عندهم: أن يطلقها، ثُمّ يراجعها ويطأها، ثُمّ يطلقها في طهر آخر، ثُمّ يراجعها ويواقعها، ثُمّ يطلقها في طهر آخر، وحينئذ لا تحلّ له لاّ بمحلل، فإذا عقد عليها ثانية بَعد مفارقة المحلل، وطلقها ثلاثاً طلاق العدة حلّت له بمحلل، ثُمّ عقد عليها، ثُمّ طلقها طلاق العدة، وأكملت الطلقات حرمت عليه مؤبداً. أمّا إذا لَم يكن الطلاق طلاق العدة، كما لو أرجعها ثُمّ طلقها قَبل الوطء، أو تزوجها بعقد بَعد انتهاء العدة فلا تحرم عليه، ولو طُلقت مئة مرة.

السابع: اختلاف الدين

اتفقوا على أنّه لا يجوز للمسلم ولا للمسلمة التزويج ممّن لا كتاب سماوي لهم، ولا شبهة كتاب، وهم: عبدة الأوثان والنيران والشمس وسائر الكواكب وما يستحسنونه مِن الصور، وكل زنديق لا يؤمن بالله.

واتفق الأربعة على أنّ مَن لهم شبهة كتاب كالمجوس، لا يحلّ التزويج منهم، ومعنى شبهة كتاب: هو ما قيل بأنّه كان للمجوس كتاب فتبدلوه، فأصبحوا وقد رفع عنهم.

واتفق الأربعة أيضاً على أنّ للمسلم أن يتزوج الكتابية، وهي النصرانية واليهودية، ولا يجوز للمسلمة أن تتزوج كتابياً.

أمّا فقهاء الإمامية فقد اتفقوا على تحريم زواج المسلمة مِن كتابي، كما قالت المذاهب الأربعة، واختلفوا في زواج المسلم مِن كتابية، فبعضهم قال: لا يجوز دواماً وانقطاعاً؛ واستدلوا بقوله تعالى:( وَلاَ تُمْسِكُوا

٣١٤

بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) ، وقوله:( وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) ، إذ فسروا الشرك بالكفر وعدم الإسلام. وأهل الكتاب باصطلاح القرآن غير المشركين؛ بدليل قوله تعالى: ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ ) (البينة - ١). وقال آخرون: يجوز دواماً وانقطاعاً؛ واستدلوا بقوله تعالى:( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) (المائدة - ٥)، وهو ظاهر في حل نساء أهل الكتاب. وقال ثالث: تجوز انقطاعاً ولا يجوز دواماً، جمعاً بين الأدلة المانعة والمبيحة، فإنّ ما دل على المنع يُحمل على الزواج الدائم، وما دل على الإباحة يُحمل على المنقطع.

ومهما يكن، فإنّ الكثيرين مِن فقهاء الإمامية في هذا العصر يجيزون تزويج الكتابية دواماً، والمحاكم الشرعية الجعفرية في لبنان تزوج المسلم مِن الكتابية، وتسجل الزواج وترتب عليه جميع الآثار.

واتفقوا ما عدا المالكية على أنّ أنكحة غير المسلمين كلها صحيحة إذا وقعت على ما يعتقدون في دينهم، ونحن المسلمين نرتب عليها جميع آثار الصحة مِن غير فرق بين أهل الكتاب وغيرهم حتى الذين يجيزون نكاح المحارم.

وقال المالكية لا تصحّ أنكحة غير المسلمين؛ لأنّها لو وقعت مِن مسلم لكانت فاسدة، فكذلك إذا وقعت منهم. وليس بجيد؛ لأنّ هذا ينفر غير المسلمين مِن الإسلام، ويوجب الفوضى واختلال النظام، وقد ثبت في الحديث عند الإمامية: (مَن دان بدين قوم لزمته أحكامهم)، (وألزموهم بما ألزموا به أنفسهم)(١) .

تحاكم اهل الكتاب عند قاض مسلم:

في كتاب الجواهر للإمامية - باب الجهاد - بحثٌ مفيد يتناسب مع هذا المقام نلخصه فيما يلي:

____________________

(١) كتاب الجواهر باب الطلاق.

٣١٥

لو تحاكم غير المسلمين عند قاضٍ مسلم: فهل يحكم بأحكام دينهم، أو بحكم الإسلام؟

الجواب: على القاضي أن ينظر، فإن كان المتخاصمان ذميين كان مخيراً بين أن يحكم بحكم الإسلام، وبين الإعراض عنهما وعدم سماع الدعوى بالمرة؛ للآية ٤٢ مِن سورة المائدة:( فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ) .

وسئل الإمام جعفر الصادق عن رجلين مِن أهل الكتاب بينهما خصومة ترافعا إلى حاكم منهم، ولما قضى بينهما أبى الذي قضى عليه، وطلب أن يحاكم عند المسلمين، فقال الإمام: (يحكم بينهما بحكم الإسلام).

وإذا كانا حربيين فلا يجب على القاضي أن يحكم بينهما، إذ لا يجب دفع بعضهم عن بعض، كما هي الحال في أهل الذمة.

وإذا كانا ذمياً ومسلماً، أو حربياً ومسلماً، وجب على القاضي قبول الدعوى، وأن يحكم بينهما بما أنزل الله؛ لقوله تعالى في الآية ٤٩ مِن سورة المائدة:( وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) .

ولو استعدت زوجة الذمي على زوجها حُكم عليه بحكم الإسلام.

وبالتالي، فقد تبيّن ممّا تقدم أنّ علينا نحن المسلمين أن نبني على صحة المعاملات التي تجريها الطوائف غير الإسلامية إذا كانت على طبق دينهم ما داموا لَم يتقاضوا إلينا، أمّا إذا تحاكموا عندنا فيجب أن نحكم عليها بحكم الإسلام في جميع الحالات، كما تقتضيه عموم الآيات والأحاديث الدالة على وجوب الحكم بالحق والعدل.

٣١٦

الثامن: الرضاع

اتفقوا جميعاً على صحة الحديث: (يحرم مِن الرضاع ما يحرم مِن النسب)؛ وعليه، فكل امرأة حرمت مِن النسب تحرم مثلها مِن الرضاع، فأيّ امرأة تصير بسبب الرضاع: أُماً أو بنتاً أو أختاً أو عمة أو خالة أو بنت أخ أو بنت أخت يحرم الزواج منها بالاتفاق. واختلفوا في عدد الرضعات التي توجب التحريم، وفي شروط المرضعة والرضيع.

١ - قال الإمامية: يُشترط أن يحصل لبن المرأة مِن وطء شرعي، فلو درّت مِن دون زواج، أو بسبب الحمل مِن الزنا لَم تنشر الحرمة. ولا يُشترط بقاء المرضعة في عصمة صاحب اللبن، فلو طلقها أو مات عنها، وهي حامل منه أو مرضع، ثُمّ أرضعت ولداً تنشر الحرمة، حتى ولو تزوجت ودخل بها الثاني.

وقال الحنفية والشافعية والمالكية: لا فرق بين أن تكون المرأة بكراً أو ثيّباً، ولا بين أن تكون متزوجة أو غير متزوجة متى كان لها لبن يشربه الرضيع.

وقال الحنابلة: لا تترتب أحكام الرضاع شرعاً إلاّ إذا درّت بسبب الحمل، ولَم يشترطوا أن يكون الحمل عن وطء شرعي. (الأحوال الشخصية لمحمد محي الدين عبد الحميد).

٢ - قال الإمامية: يُشترط أن يمتص الرضيع اللبن مِن الثدي، فلو وجر في حلقه، أو شربه بأي طريق غير الامتصاص مباشرة لَم تتحقق الحرمة.

وقال الأربعة: يكفي وصول اللبن إلى جوف الطفل كيف اتفق. (بداية المجتهد، وحاشية الباجوري باب الرضاع). بل جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة أنّ الحنابلة يكتفون بوصول اللبن إلى جوف الطفل مِن أنفه لا مِن فمه.

٣١٧

٣ - قال الإمامية: لا تتحق الحرمة ألاّ إذا رضع الطفل مِن المرأة يوماً وليلة، على أن يكون غذاؤه في هذه المدة منحصراً بلبن المرأة فقط لا يتخلله طعام، أو خمس عشرة رضعة كاملة، لا يفصل بينها رضعة امرأة أخرى، وفي المسالك: لا بأس بالطعام؛ وعللوا ذلك بأنّ في هذه الكمية مِن اللبن ينبت اللحم ويشتد العظم.

وقال الشافعية والحنابلة لا بدّ مِن خمس رضعات على الأقل.

وقال الحنفية والمالكية: يثبت التحريم بمجرد حصول الرضاع كثيراً كان أو قليلاً، ولو قطرة. (الفقه على المذاهب الأربعة).

٤ - قال الحنفية والمالكية والحنابلة: لا يُشترط أن تكون المرضعة على قيد الحياة، فإذا ماتت، ودب إليها الطفل وارتضع مِن ثديها يكفي في التحريم، بل قال المالكية: إذا شك: هل الذي رضعه الطفل هو لبن أو غيره؟ فإنّه ينشر الحرمة. (الفقه على المذاهب الأربعة).

وقال الإمامية والشافعية: حياة المرضعة شرط لازم حين الرضاع، فلو ماتت قَبل إكمال الرضعات لَم تتحقق الحرمة.

واتفقوا على أنّ صاحب اللبن، وهو زوج المرضعة يصير أباً للرضيع، ويحرم بينهما ما يحرم بين الآباء والأبناء، فأُم صاحب اللبن جدة للرضيع، وأخته عمة له، كما تصبح المرضعة أُماً له، وأُمها جدة، وأُختها خالة.

التاسع: العدة

اتفقوا على أنّ المعتدة لا يجوز العقد عليها، كالمتزوجة تماماً، سواء أكانت معتدة مِن وفاة، أو طلاق رجعي أو بائن؛ لقوله تعالى:( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ ) ، وقوله:( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ

٣١٨

مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَـشْراً ) . والتربص معناه: الصبر والانتظار.

واختلفوا فيمن تزوج امرأة في عدتها: هل تحرم عليه؟ قال المالكية: إذا دخل تحرم مؤبداً، ولا تحرم مع عدم الدخول.

وقال الحنفية والشافعية: يفرق بينهما، فإذا انقضت العدة فلا مانع مِن تزويجه بها ثانية. (بداية المجتهد).

وفي الجزء السابع مِن كتاب المغني للحنابلة باب العدد: (إذا تزوج معتدة، وهما عالمان بالعدة وتحريم النكاح، ووطأها فهما زانيان، عليهما حد الزنا). وفي الجزء السادس مِن الكتاب المذكور باب الزواج: (إذا زنت المرأة لَم يحلّ نكاحها لمن يعلم ذلك ألاّ بشرطين: انقضاء العدة، والتوبة مِن الزنا وإذا وجِد الشرطان حل نكاحها للزاني وغيره)؛ وعليه فالزواج في العدة لا يوجب التحريم المؤبد عند الحنابلة.

وقال الإمامية: لا يجوز العقد على المعتدة الرجعية والبائنة، وإذا عقد عليها مع العلم بالعدة والحرمة بطل النكاح، وحرمت مؤبداً، سواء أدخل أم لّم يدخل، ومع الجهل بالعدة والتحريم لا تحرم مؤبداً إلاّ إذا دخل، وإذا لَم يدخل يبطل العقد فقط، وله استئناف العقد بَعد العدة التي كانت فيها. (المسالك ج٢ باب الطلاق).

العاشر: الإحرام

قال الإمامية والشافعية والمالكية والحنابلة: المحرِم للحج أو للعمرة لا يتزوج ولا يزوّج، رجلاً كان أو امرأة، وكيلاً أو ولياً، وإن حصل الزواج كان باطلاً؛ لحديث: (لا يَنكح المحرِم، ولا يُنكح، ولا يخطب).

وقال الحنفية: الإحرام لا يمنع مِن الزواج.

وقال الإمامية: إذا حصل العقد حال الإحرام: فإن كان مع الجهل

٣١٩

بالتحريم حرمت المرأة مؤقتاً، فإذا أحلاّ، أو أحلّ الرجل إن لَم تكن المرأة محرِمة جاز له العقد عليها، وإن كان مع العلم بالتحريم فُرّق بينهما وحرمت مؤبداً.

وقالت سائر المذاهب: تحرم مؤقتاً لا مؤبداً. (تذكرة العلاّمة الحلّي للإمامية ج١ باب الحج، وبداية المجتهد باب الزواج).

٣٢٠