الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة0%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 650
المشاهدات: 239673
تحميل: 32078

توضيحات:

الفقه على المذاهب الخمسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 239673 / تحميل: 32078
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

للزوج، له ما للأولاد الشرعيين وعليه ما عليهم(١) .

وإذا اختلف الزوجان في زمن المقاربة، فقالت هي:

قاربتَني منذ ستة أشهر أو أكثر، فالولد لك. فقال هو: بل قاربتُك لأقلّ من ستة أشهر، فالولد لغيري. قال أبو حنيفة: تُصدّق هي، ويُعمل بقولها بلا يمين(٢) .

وقال الإمامية: إن كان هناك وقائع وقرائن تدلّ على قولها أو على قوله عُمل بحسبها، وإن فُقدت الأدلة واشتبهت الحال أخذ القاضي بقولها بعد أن يحلّفها اليمين على أنّه قاربها منذ ستة أشهر، ولُحق الولد بالزوج(٣) .

٢ - إذا طلّق الرجل زوجته بعد أن قاربها، فاعتدت، ثمّ تزوجت وأتت بولد لدون ستة أشهر على زواجها من الثاني، ولكن مضى على مقاربة الزوج لها ستة أشهر فأكثر، على أن لا تزيد مدة المقاربة عن أقصى زمن الحمل - إذا كان الأمر كذلك - لُحق الولد بالأوّل، وإذا مضى على زواجها من الثاني ستة أشهر لُحق بالثاني.

٣ - إذا طلّقها وتزوجت، ثمّ ولدت لدون ستة أشهر من مقاربة الثاني ولأكثر من أقصى زمن الحمل من مقاربة الأوّل نُفي عنهما معاً - مثلاً - لو مضى على طلاق امرأة ثمانية أشهر وبعدها تزوجت بآخر فمكثت عنده خمسة أشهر، وولدت ولداً، وافترضنا أنّ أقصى مدة الحمل سنة، لا يمكن إلحاق الولد بالأوّل؛ لأنّه مضى على المقاربة أكثر من سنة، ولا إلحاقه بالثاني؛ لأنّه لم تمضِ ستة أشهر.

هذه الفروع صحيحة بكاملها إذا حاكمناها على ضوء الواقع.

____________________

(١) كتاب الجواهر للشيعة باب الزواج أحكام الأولاد، وكتاب الأحوال الشخصية لمحمد محي الدين ص٤٧٦.

(٢) الدرر شرح الغرر ج١ ص ٣٠٧.

(٣) الوسيلة الكبرى للسيد أبي الحسن باب الزواج فصل الأولاد.

٣٦١

أقصى مدة الحمل عند السنّة:

قال أبو حنيفة: أقصى مدة الحمل سنتان؛ لقول عائشة: ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين.

وقال مالك والشافعي وابن حنبل: أربع سنين، مستندين في ذلك إلى أنّ امرأة عجلان كان الحمل يمكث في بطنها أربع سنين، ومن الغريب أنّ امرأة ابنه محمد مكث الحمل في بطنها أربع سنين، بل نساء بني عجلان جميعهن يحملن أربع سنين(١) ، ولله في خلقه شؤون.

وهذا الاستدلال إن دلّ على شيء فانّما يدلّ على قداسة هؤلاء الفقهاء، وطيب نياتهم، وكثيراً ما يغلب منطق القداسة منطق الواقع.

وقال عباد بن عوام: أقصى مدة الحمل خمس سنين. وقال الزهري: سبع سنين. وقال أبو عبيد: ليس لأقصى الحمل حد(٢) .

ويترتب على هذه الأقوال المتناقضة المتضاربة أنّه لو طلّقها أو مات عنها الزوج، ولم تتزوج بعده، وأتت بولد لحقه بعد سنتين عند أبي حنيفة، وبعد أربع عند الشافعي والمالكي والحنبلي، وبعد خمس عند بن عوام، وبعد سبع عند الزهري، وبعد عشرين عاماً عند أبي عبيد.

وقد كفانا التشريع المصري محاكمة هذه الأقوال، فقد كان العمل بمحاكم مصر الشرعية على مذهب أبي حنيفة إلى أن صدر القانون رقم ٢٩ سنة ١٩٢٩، فنصّت المادة ١٥ منه على أنّ أكثر مدة الحمل سنة فقط(٣) .

____________________

(١) المغني لابن قدامه طبعة ثالثة ج٧ ص ٤٧٧، وفي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، ج٤ ص ٥٢٣ الطبعة الأُولى: إنّ أقصى مدة الحمل عند المالكية خمس سنين.

(٢) المغني لأبن قدامة طبعة ثالثة ج٧ ص ٤٧٧.

(٣) الأحوال الشخصية لمحمد محيي الدين ص٤٧٤.

٣٦٢

أقصى مدة الحمل عند الشيعة:

اختلف علماء الإمامية في أقصى مدة الحمل، فقال أكثرهم: إنّها تسعة أشهر. وقال بعضهم: عشرة أشهر. وبعض آخر: سنة كاملة. وأجمعوا بكاملهم على أنّها لا تزيد ساعة واحدة عن السنة، فإذا طلّقها الزوج أو مات عنها، ثمّ ولدت بعد سنة ولو ساعة لم يلحقه الولد؛ لقول الصادق:(إذا طلّق الرجل زوجته، وقالت: أنا حبلى، وجاءت به لأكثر من سنة ولو ساعة واحدة لم تُصدّق في دعواها) (١) .

ولَدُ الشبهة:

الشبهة: أن يقارب الرجل امرأة تحرم عليه مع جهله بالتحريم، وهي على قسمين: شبهة عقد، وشبهة فعل.

١ - شبهة العقد: أن يجري رجل عقد زواجه على امرأة، كسائر الأزواج الشرعيين، ثمّ يتبين فساد العقد، لسبب من الأسباب الموجبة للفساد.

٢ - شبهة الفعل: يقارب رجل امرأة من غير أن يكون بينهما عقد صحيح ولا فاسد، بل يقاربها غير منتبه إلى شيء أبداً، أو اعتقد أنّها تحلّ له ثمّ تبين العكس.

ويدخل في هذه مقاربة المجنون والسكران والنائم، ومَن قارب امرأة على أنّها زوجته ثمّ ظهر أنّها أجنبية عنه.

وتوسع أبو حنيفة في معنى الشبهة إلى أبعد الحدود حيث قال: (إذا استأجر رجل امرأة لعمل شيء فزنى بها، أو استأجرها ليزني بها، وفعل ذلك فلا حد عليهما؛ لأنّ مِلك منفعتها شبهةٌ)(٢) .

____________________

(١) كتاب الجواهر وكتاب المسالك والحدائق وسائر كتب الشيعة.

(٢) المغني لأبن قدامة طبعة ثالثة ج٨ ص ٢١١.

٣٦٣

وعلى هذا لو كانت عاملة في محل تجاري أو مصنع، وقاربها صاحب المحل معتقداً أنّ المقاربة من جملة منافعها التي تدخل في ملكه لا يكون ذلك زنا، بل شبهة يُعذر لأجلها عند أبي حنيفة.

ويترتب على ما تقدم أنّ مَن تولّد بسبب الشبهة فهو ولد شرعي كمن تولّد من الزواج الصحيح من دون تفاوت، سواء أكانت الشبهة عقد أم شبهة فعل، فمن قارب امرأة وهو سكران أو نائم أو مجنون أو مكروه، أو قبل أن يدرك سن البلوغ، أو ظن أنّها زوجته ثمّ تبين العكس، وولدت ولداً لحق به شرعاً.

وقال الإمامية: يثبت النسب الشرعي بكل ما تتحقق به الشبهة، ولو نفى المشتبه الولد لا ينتفي عنه بحال، بل يُلزم به قهراً عنه(١) .

وفي كتاب الأحوال الشخصية لمحمد محيي الدين ص ٤٨٠: إنّ النسب لا يثبت بأي نوع من أنواع الشبهة إلاّ إذا ادعى المشتبِه الولد، وأقرّ به؛ لأنّه أعلم بنفسه. ويلاحظ على هذا القول: إنّه لا يصحّ بالقياس إلى المجنون والنائم والسكران؛ لأنّهم لا يعملون بأنفسهم، ولا يتم أيضاً في شبهة العقد؛ لأنّه لا فرق بين العقد الصحيح والعقد الفاسد بشيء إلاّ في وجوب التفريق بين الرجل والمرأة إذا تبين العكس، هذا وقد اتفق السنّة والشيعة على أنّه متى تحققت الشبهة بأحد معانيها تجب على المرأة العدة كالمطلّقة، كما يجب لها المهر كاملاً، فهي في حكم الزوجة عدةً ومهراً وثبوت نسب(٢) .

ثمّ إنّ الشبهة قد تكون من الرجل والمرأة، بأن يكون كل منهما غير عالم ولا ملتفت، وقد تكون الشبهة من طرف واحد، كما لو كانت المرأة عالمة أنّ لها زوجاً شرعياً، واخفته عن الرجل، أو كان هو منتبهاً،

____________________

(١) الجواهر والحدائق وسائر كتب الشيعة.

(٢) كتاب المغني لابن قدامة ج٧ ص ٤٨٣ - و ج٦ ص ٥٣٤، وكتاب الجواهر والمسالك للشيعة.

٣٦٤

وهي مجنونة أو سكرانة. فاذا كانت الشبهة من الطرفين لحق الولد بهما معاً، وإذا كانت من طرف واحد لحق الولد بالمشتبِه، ونُفي عن غير المشتبِه.

ومَن قارب امرأة، وادعى الجهل بالتحريم قُبِل قوله بلا بينة ولا يمين(١) .

ومهما يكن، فإنّ أصول التشريع عند السنّة والشيعة تستدعي عدم جواز الحكم على إنسان تولّد من ماء إنسان أنّه ابن زنا، متى أمكن حمله على أنّه ابن شبهة، فإذا توفر لدى القاضي ٩٩ حيثية للحكم بأنّه ابن زنا، وحيثية واحدة بأنّه ابن شبهة وجب عليه الأخذ بهذه الحيثية وطرح الـ ٩٩، ترجيحاً للحلال على الحرام وللصحيح على الفاسد؛ لقوله تعالى:( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ...ً ) ، ( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) . وذكر المفسرون أنّ النبي خطب يوماً، فقام إليه رجل يطعن الناس بنسبه، وقال: يا نبي الله، مَن أبي؟ فقال له: (أبوك حذافة بن قيس). وقام إليه آخر وقال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال: (أبوك في النار). فنزلت الآية ١٠١ من سورة المائدة:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (٢) .

وثبت عن النبي بطريق السنّة والشيعة:(الحدود تدرأ بالشبهات) ، (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)(٣) .

وقال الإمام علي بن أبي طالب: (ضع أمر أخيك على أحسنه). وقال الإمام الصادق: (كذِّب سمعك وبصرك عن أخيك)(٤) .

____________________

(١) المغني ج٨ ص ١٨٥.

(٢) مجمع البيان في تفسير القرآن.

(٣) رسائل الشيخ الأنصاري باب البراءة.

(٤) نفس المرجع باب أصل الصحة.

٣٦٥

فهذه الآيات والأحاديث الصحيحة الصريحة وكثير غيرها تُحتّم على كل إنسان أن لا يشهد ولا يحكم على أحد أنّه تولّد من حرام، إلاّ بعد الجزم واليقين أنّه ليس في واقع الأمر أي نوع من أنواع الشبهة.

ولد المتعة:

هنا حقيقة يجهلها الكثيرون، وإنّي أشكر مَن سألني الكتابة في هذا الموضوع، حيث أتاح لي الفرصة لبيان هذه الحقيقة الشرعية والتاريخية، وسأتوخى الاختصار ما استطعت على أن أكون راوياً وناقلاً، لا مغرظاً ولا ناقداً، بل أدَع الحكم للقارئ وحده، ولا أقطع عليه الطريق بالتخطئة أو التصويت.

اتفق الشيعة والسنّة على أنّ نكاح المتعة كان حلالاً بحكم الرسول، وأنّ المسلمين تمتعوا في عهده. ولكنّهم اختلفوا في ثبوت النَّسخ، فقال السنّة: إنّ المتعة نُسخت وحُرّمت بعد أن كانت حلالاً(١) .

وقال الشيعة: لم يثبت النسخ، كانت حلالاً ولم تزل كذلك إلى يوم القيامة. وممّا استدل به الشيعة الآية ٢٣ من سورة النساء:( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) ، وما رواه مسلم في صحيحه:(استمتع الأصحاب في عهد رسول الله وأبي بكر وعمر) .

وزواج المتعة زواج إلى أجل معيّن، وهو عند الشيعة كالزواج الدائم لا يتم إلاّ بعقد صحيح دالٍ على قصد الزواج صراحة، وكل مقاربة تحصل بين رجل وامرأة من دون عقد فلا تكون متعة حتى مع التراضي والرغبة، ومتى تم العقد كان لازماً يجب الوفاء به.

____________________

(١) المغني طبعة ثالثة ج٦ ص٦٤٤.

٣٦٦

ولا بدّ في عقد المتعة من ذكر المهر، وهو كمهر الزوجة الدائمة لا يتقدر بقلّة أو كثرة، ويسقط نصفه بهبة الأجل أو انقضائه قبل الدخول، كما يسقط نصف مهر الزوجة الدائمة بالطلاق قبل الدخول.

وعلى المتمتَّع بها أن تعتد بعد انقضاء الأجل كالمطلّقة، سوى إنّ المطلّقة تعتد بثلاثة أشهر أو ثلاث حيضات، وهي تعتد بحيضتين أو خمسة وأربعين يوماً، أمّا عدة الوفاء فأربعة أشهر وعشرة أيام كالزوجة الدائمة، سواء حصل الدخول أو لم يحصل.

وولدُ المتعة ولدٌ شرعي، له جميع ما للأولاد الشرعيين من غير استثناء لحق من الحقوق الشرعية والأخلاقية.

ولا بدّ في المتعة من أجل معيّن يُذكر في متن العقد، ولا ترث الزوجة المتمتَّع بها من تركة الزوج، ولا تجب لها النفقة على الزوج، والزوجة الدائمة لها الميراث والنفقة، ولكنّ للمتمتَّع بها أن تشترط على الزوج ضمن العقد النفقة والميراث وإذا تم هذا الشرط كانت الزوجة من المتعة كالزوجة الدائمة(١) .

هذا، ولكنّ شيعة لبنان وسوريا والعراق لا يستعملون المتعة على الرغم من إيمانهم بجوازها وإباحتها، وهذه المحاكم الشرعية الجعفرية في لبنان لم تجز ولم تأذن بزواج المتعة منذ إنشائها إلى اليوم.

ولد الزنا:

مَن تتبع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وكلمات الفقهاء، يجد أنّ الإسلام لم يدع مجالاً لأحد أن يتّهم غيره بالزنا، وقد جعل طريق

____________________

(١) كتاب الجواهر.

٣٦٧

إثباته والحكم به متعسراً ومتعذراً، حيث اكتفى بشاهدي عدل لثبوت جريمة القتل، أمّا الزنا فلا يثبت شرعاً إلاّ بأربعة عدول يشهدون أنّهم رأوا المرود في المكحلة، ولا يكفي في شهادتهم أن يقولوا: فلان زنى بفلانة، أو إنّهم رأوهما عاريين متعانقين في فراش واحد تحت لحاف واحد. وإذا شهد بالزنا ثلاثة شهود، ولم يشهد الرابع وجب أن يُجلد كل واحد من الشهود ثمانين جلدة، وكذا مَن اتهم رجلاً أو امرأة بالزنا جُلد ثمانين(١) .

والغرض من ذلك كله الستر على الناس وعدم الهتك، والمحافظة على العائلة والأسرة خوفاً من ضياع النسل وتشريد الأطفال.

والزنا هو صدور الفعل بمعناه الحقيقي من البالغ العاقل العالم بالتحريم المختار في الفعل، فلا يتحقق ممّن هو دون البلوغ، ولا من المجنون والجاهل، ولا من المكرَه والسكران، بل يكون فعلهم - والحالة هذه - شبهة، وقدّمنا الكلام عليها وعلى حكمها.

ومن هنا يتبين أنّ الشريعة الإسلامية قد ضيقت الأمر في مسألة الزنا أيّ تضييق، ضيقت معناه: إذ جعلته الفعل عن علم وتصميم على نحو لا يمكن الحمل على الغلط والاشتباه بحال من الأحوال، وضيقت طريق إثباته: إذ حصرته بأربعة عدول يرون بالعين ولا يمكن رؤيته بحسب العادة، وعلى افتراض أنّ شاهداً واحداً رأى ذلك فلا يمكن أن يراه ثلاثة، ولو رآه ثلاثة لا يمكن أن يراه أربعة، كل ذلك يدلّ دلالة صريحة على أنّ الإسلام سد هذا الباب سداً محكماً في وجه مَن يحاول الكلام في هذا الموضوع الشائك؛ لأنّ الله سبحانه لا يحب أن تشيع الفاحشة في خلقه.

وقد أجمع فقهاء المذاهب - إذا تحقق الزنا بهذا المعنى وهذه الطريق -

____________________

(١) كتاب اللمعة للشيعة ج٢ باب الحدود، وكتاب المغني للسنّة ج٨ ص ١٩٨ وما بعدها.

٣٦٨

على أن لا توارث بين ولد الزنا ومَن تولد من مائه؛ لانّه لا يُنسب إليه شرعاً.

ولكنّهم وقعوا في معضلة شرعية من جراء فتواهم بحرمان ابن الزنا من الإرث، وحاروا في وجود المـَخرج، وصعب عليهم التخلص، وهي: إذا كان ولد الزنا لا يُنسب شرعاً إلى مَن تولد من مائه فعليه ينبغي - والحالة هذه - أن لا يحرم على الرجل زواج بنته من الزنا، ولا يحرم على ابن الزنا أن يتزوج أخته وعمّته ما دام أجنبياً عمّن خُلق من مائه، فابن الزنا إمّا ولد شرعي فيثبت له جميع ما يثبت للأولاد الشرعيين حتى الإرث والنفقة، وإمّا ليس بولد شرعي فيثبت له جميع ما للأولاد غير الشرعيين حتى الزواج بالبنت والأخت، والتفكيك بين آثار الشيء الواحد الذي لا يتجزأ تحكُّم، وترجيح بلا مرجح؛ لذلك نرى الفقهاء اختلفوا هنا بعد أن اتفقوا هناك، أي على حرمانه من الإرث، فقال مالك والشافعي: (يجوز للرجل نكاح بنته وأخته وبنت ابنه وبنت بنته وبنت أخيه وأخته من الزنا؛ لأنّها أجنبية لا تُنسب إليه شرعاً)(١) . وهذا تخلّص من مشكل إلى (أشكل).

وقال الإمامية وأبو حنيفة وابن حنبل: نلتزم بالتفصيل، فنمنعه من الإرث ونحرّم عليه وعلى أبيه المصاهرة والزواج بذات مَحرم، بل يحرم عليهما اللمس والنظر فضلاً عن الزواج، فلا يجوز للأب أن ينظر أو يلمس ابنته من الزنا، ومع ذلك لا يرثها ولا ترثه(٢) .

واستدلوا على تحريم المصاهرة بأن ولد الزنا ولد لغة وعرفاً فيحرم عليه وعلى أبيه ما يحرم على الآباء والأبناء، واستدلوا على عدم التوارث بأنه ليس بولد شرعي، بصريح الآيات والروايات.

____________________

(١) المغني لابن قدامة طبعة ثالثة ج٦ ص٥٧٨.

(٢) المغني ج٦ ص٥٧٧ للسنّة، وكتاب المسالك للشيعة ج١ باب الزواج فصل المصاهرة.

٣٦٩

اللقيط:

اللقيط: أن يجد إنسان طفلاً لا يستطيع أن يجلب لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضراً، فيضمه إليه، ويكفله مع سائر عياله. وقد أجمعت كلمة المذاهب الإسلامية على أنّه لا توارث بين اللقيط والملتقِط؛ لأنّه عمل متمحض للخير والإحسان والتعاون على البر والتقوى، فمثله مثل إنسان وهب آخر مبلغاً كبيراً من المال تقرباً إلى الله، فجعله غنياً بعد الفقر وعزيزاً بعد الذل، فكما أنّ هذا الإحسان لا يكون سبباً للتوارث، كذلك الالتقاط.

التبنّي:

التبنّي: أن يقصد إنسان إلى ولد معروف النسب فينسبه إلى نفسه. والشريعة الإسلامية لا تعتبر التبنّي سبباً من أسباب الإرث؛ لأنّه لا يغير الواقع عن حقيقته بعد أن كان نسب الولد ثابتاً ومعروفاً، والنسب لا يقبل الفسخ، ولا يسقط بالإسقاط، وبذلك صرحت الآية (٤) من سورة الاحزاب:( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ ِلأَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ...) . وذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية قصة طريفة: سُبي زيد بن حارثة في الجاهلية، فاشتراه رسول الله، وبعد الإسلام جاء حارثة إلى مكة وطلب من الرسول أن يبيعه ابنه زيداً أو يعتقه، فقال الرسول: (هو حرّ فليذهب حيث شاء). فأبى زيد أن يفارق رسول الله، فغضب أبوه حارثة، وقال: يا معشر قريش، اشهدوا أنّ زيداً ليس ابني. فقال الرسول: (اشهدوا أنّ زيداً هو ابني)(١) .

____________________

(١) مجمع البيان في تفسير القرآن.

٣٧٠

وذكر الفقهاء في هذا الباب فروعاً كثيرة، منها: ما لا يقبله عقل ولا شرع، كالذي نقله صاحب كتاب المغني ج٧ ص٤٣٩ عن أبي حنيفة: (لو تزوج رجل امرأة في مجلس ثمّ طلّقها فيه قبل غيبته عنه، أو تزوجها وهو في المشرق وهي في المغرب ثمّ أتت بولد لستة أشهر من حين العقد لحقه الولد). ومنها: لا نعلم مكانه من الصحة في نظر الطب، كالذي ذكره صاحب المغني أيضاً في نفس المجلد والصفحة: (إن كان الزوج طفلاً له من العمر عشر سنين، فحملت امرأته لحقه ولدها)، وكالذي نقله صاحب المسالك من الشيعة ج٢ فصل أحكام الأولاد: (إذا تحقق الدخول من الرجل ولم يُنزل لحقه الولد).

٣٧١

التلقيح الصناعي

يدور الآن نقاش حاد في العالم الغربي حول الجواب عن السؤال التالي:

إذا كان الزوج عقيماً لا يولد له، واتفق مع زوجته على أن تُلقّح تلقيحاً صناعياً بنطفة رجل أجنبي دون مقاربة، فهل يجوز ذلك؟

وقد أُثيرت هذه المشكلة بمجلس العموم البريطاني، وأُحيلت إلى لجنة مختصة لبحثها. وفي ايطاليا أصدر البابا أمراً بالتحريم. وفي فرنسا قال الأطباء: إنّه جائز إذا كان بموافقة الزوجين. وفي النمسا تعترف الدولة بالمولود كطفل شرعي للزوجين إلاّ إذا اعترض الزوج قانونياً على ذلك.

ولم يتعرض فقهاء الإسلام لهذه المسألة فيما أظن، لأنّها موضوعٌ حديث، ولكن نقل علماء الإمامية في باب الحدود: إنّ الحسن بن علي سئل عن امرأة قاربها زوجها، ولما قام عنها وقعت على بكر فساحقتها وألقت فيها النطفة، فحملت البكر، فقال:(يؤخذ من الكبيرة مهر البكر؛ لأنّ الولد لا يخرج حتى تذهب عُذرتها، ثمّ تُرجم الكبيرة؛ لأنّها محصنة، وينتظر بالصغيرة حتى تضع ما في بطنها، ويرد إلى أبيه

٣٧٢

صاحب النقطة، ثمّ تُجلد أُم الولد) (١) .

ويستفاد من هذا أربعة أحكام:

١ - رجم الكبيرة.

٢ - تغريمها مهر الصغيرة عوضاً عن البكارة.

٣ - جلد الصغيرة.

٤ - إلحاق الحمل بصاحب الماء.

وقد اختلف فقهاء الإمامية في العمل بهذا الحديث، فمنهم مَن عمل بفقراته كلها، وهم: الشيخ الطوسي وأتباعه، ومنهم مَن أخذ بالفقرات الثلاث الأخيرة دون الأُولى، وهو: صاحب كتاب الشرائع، حيث أوجب الجلد على الكبيرة دون الرجم(٢) . وردّ ابن إدريس الحديث بجميع فقراته معترضاً على رجم الكبيرة بأنّ حد السحق هو الجلد دون الرجم، واعترض على إلحاق الولد بصاحب الماء بأنّه لم يولد على فراشه لا زواجاً ولا شبهة، واعترض ابن إدريس أيضاً على تغريم الكبيرة المهر بأنّ البكر مختارة غير مكرهة، والمساحقة مع الرضا كالزنا لا توجب مهراً. هذا ما وجدته في كتب الفقه ممّا يشبه المسألة من قريب أو بعيد. ومهما يكن فإنّ لدينا مسألتين: الأُولى: هل مثل هذا التلقيح جائز أو محرّم في الشريعة الإسلامية؟ الثانية: لو حصل التلقيح والحمل فما هو حكم الولد، وبمن يُلحق؟

____________________

(١) كتاب الجواهر، وكتاب المسالك باب الحدود.

(٢) قال أكثر فقهاء الإمامية - كما في الجواهر -: إنّ الحد في السحق مائة جلدة، للمتزوجة وغيرها، وللفاعلة والمفعولة. وفي كتاب المغني لابن قدامة ج٨ ص١٨٩ الطبعة الثالثة: لا حدّ في السحق؛ لأنّه ليس بإيلاج، وعليهما التعزير.

٣٧٣

التلقيح الصناعي محرّم:

أمّا المسألة الأُولى فليس من شك في تحريم التلقيح، والدليل على ذلك، أوّلاً: إنّنا علمنا من طريقة الشرع وتحذيره وتشديده في أمر الفروج: إنّها لا تستباح إلاّ بإذنٍ شرعي، فمجرد احتمال التحريم كاف في وجوب الكف والاحتياط.

ثانياً: الآية ٣٠ من سورة النور:( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) . أمر الله سبحانه بحفظ العضو التناسلي من المرأة، ولم يذكر متعلق الحفظ، ولم يخصه بالمقاربة أو بأيّ شيء آخر. وقد اتفق الأصوليون وعلماء العربية على أنّ حذف المتعلق يدلّ على العموم، كما أنّ ذكره يدلّ على التخصيص - مثلاً - إذا قيل: احفظ مالك من السارق. دلّ على وجوب التحفظ وصيانة المال من السرقة فحسب، أمّا إذا قيل: احفظ مالك - ولم يذكر المتعلق -. فيدلّ على حفظه من السرقة والإسراف والتلف وغير ذلك. وعلى هذا تدل الآية على حفظ العضو من كل شيء حتى التلقيح. وتُعزّز هذه الآية بالآية (٤) من (سورة المؤمنون):( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ ) ، فقوله( فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ) يدلّ على أنّ أيّ عمل يتنافى مع حفظ العضو فهو اعتداء وتجاوز عن الحدود المشروعة إلاّ إذا كان بطريق الزواج أو ملك اليمين، أمّا اختصاص لفظ الآية بالرجال فلا يمنع من الاستدلال على ما نحن فيه؛ لمكان الإجماع على عدم الفرق بين الرجال والنساء في مثل هذه الأحكام.

وربّ قائل يقول: إنّ الآية( يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) لا تدلّ على تحريم التلقيح، وإنّما تدلّ على المنع من المقاربة والمباشرة، وهذا هو المعنى المرتكز في الأذهان والمتبادر من اللفظ. وبكلمة:( يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) تدلّ

٣٧٤

بحسب الوضع على المعنى العام الشامل للتلقيح وغيره، ولكنّ الظاهر من اللفظ هو خصوص الزنا، وبديهة أنّ المعول لاستخراج الأحكام الشرعية على الظاهر من اللفظ، لا على المعنى الموضوع له اللفظ.

والجواب: إنّ هذا الظهور طارئ وليس بأصيل، حيث نشأ من أغلبية المباشرة وكثرتها، فهو أشبه بانصراف لفظ الماء في بغداد إلى ماء دجلة، وفي القاهرة إلى ماء النيل، وهذا الظهور لا أثر له أبداً؛ لأنّه يزول بأدنى انتباه، وليس لأحدٍ أن يدّعي أنّ لفظ الماء في بغداد موضوع لماء دجلة فقط، وفي القاهرة لماء النيل فقط، هذا ولو جاز التلقيح الصناعي لجاز لحس الكلاب ...؛ لأنّ كلاً منهما بعيد عن الأذهان.

حكم الحمل:

لو حصل من هذا التلقيح المحرّم حمل، فهل هو ولد شرعي؟ وبمن يُلحق؟ والجواب: أمّا بالنسبة إلى الزوج فلا يلحق به بحال؛ لأنّه لم يتولد من مائه، والتبنّي في الإسلام غير جائز( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ) . وأمّا بالنسبة إلى المرأة الحامل فيلحق بها عند بعض المذاهب الإسلامية؛ لأنّ ولد الزنا يرث أُمه وأقاربه من جهتها، وهؤلاء يرثونه(١) ، وإذا كان ابن الزنا يلحق بأُمه فابن التلقيح بطريق أولى.

أمّا الإمامية فينفون ولد الزنا عن الزانية والزاني، ويقولون: لا توارث بينه وبين أُمه، ولا بينه وبين أبيه. وفرّق آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم بين ابن الزنا وابن التلقيح، حيث قال ما نصه بالحرف الواحد: (ابن التلقيح يلحق بأُمه؛ لأنّه ولد حقيقة، ولا دليل على نفيه، وما دلّ على نفيه عن الزانية لا يشمل المقام).

____________________

(١) كتاب الميراث في الشريعة الإسلامية للأستاذ علي حسب الله ص٩٤ الطبعة الثنية، وابن عابدين وابن قدامة في كتاب المغني باب الميراث فصل العصبات.

٣٧٥

أمّا بالنسبة إلى صاحب النطفة، فقال السيد الحكيم: إنّ الحمل لا يلحق به؛ لأنّ إلحاق الحمل بالرجل يتوقف على أن يباشر بنفسه عملية الجنس، سواء أقدر عليها أم عجز عنها، ولكن سبق منه الماء إلى العضو التناسلي أثناء المحاولة أو انتقل ماء الرجل إلى عضو المرأة بواسطة المساحقة، كما جاء في الرواية المتقدمة عن الإمام الحسن:(ولا يلحق الولد في غير ذلك بصاحب النطقة وإن كان زوجاً) (١) .

وعلى أيّة حال فإنّ التلقيح الصناعي حرام، لا يجرأ على القول بحلّيته مسلم، ولكن التحريم لا يستلزم أن يكون الحمل بسببه ولد زنا، فقد تحرم المقاربة ومع ذلك يكون الولد شرعياً، كمن قارب زوجته وهي في الحيض أو في صوم رمضان، فإنّه يفعل محرماً، ولكنّها لو حملت يثبت النسب بين الحمل وبين الأبوين، وعلى هذا لو ارتكب هذا التلقيح المحرّم إنسان، وحصل الحمل فلا يُنسب الولد إلى الزوج؛ لأنّه لم يتولد من مائه، ولا إلى صاحب النطفة؛ لأنّه لم يباشر عملية الجنس بنفسه لا زواجاً ولا شبهة، ولكنّه يُنسب إلى الحامل؛ لأنّه ولدها حقيقة، فيكون ولدها شرعاً، وكل ولد حقيقي فهو ولد شرعي حتى يثبت العكس.

____________________

(١) من كتاب لسيادة الحكيم مؤرَّخ ٧ رمضان سنة ١٣٧٧ﻫ، جواباً على سؤال يتعلق بالموضوع.

٣٧٦

الحضانة

ليس للحضانة أيّة علاقة بالولاية على زواج الطفل، ولا على أُمواله، وإنّما هي رعايته من أجل تربيته وصيانته في المدة التي يحتاج فيها إلى النساء، وهي حق للأُم بالاتفاق. واختلفوا في المدة التي تنتهي فيها حضانة الأُم، وفي الأولى بها بعد الأُم، وفيما يشترط بالحاضنة، واستحقاقها للأجرة، إلى غير ذلك ممّا نبيّنه فيما يلي:

مستحق الحضانة:

إذا تعذّر على الأُم أن تحضن ولدها فإلى مَن ينتقل حق الحضانة؟

الحنفية قالوا: تنتقل من الأُم إلى أُم الأُم، ثمّ أُم الأب، ثمّ الأخوات الشقيقات، ثمّ اللائي لأُم، ثمّ اللائي لأبٍ، ثمّ بنت الأخت الشقيقة، ثمّ بنت الأخت لأُم، وهكذا حتى تنتهي إلى الخالات والعمات.

المالكية قالوا: تنتقل من الأُم إلى أُمها وإن علت، ثمّ الخالة الشقيقة، ثمّ الخالة لأُم، ثمّ خالة الأُم، ثمّ عمة الأُم، ثمّ عمة الأب، ثمّ أُم أُمه، ثمّ أُم أبيه الخ.

٣٧٧

الشافعية قالوا: الأُم، ثمّ أُم الأُم وإن علت بشرط أن تكون وارثة، ثمّ الأب، ثمّ أُمه، ثمّ أُم أُمه وإن علت بشرط أن تكون وارثة، ثمّ الأقرب من الإناث، ثمّ الأقرب من الذكور.

الحنابلة قالوا: الأُم، ثمّ أُمها ثمّ أُم أُمها، ثمّ الأب، ثمّ أُمهاته، ثمّ الجد، ثمّ أُمهاته، ثمّ الأخت لأبوين، ثم لأُمٍ، ثمّ لأبٍ، ثمّ الخالة لأبوين، ثمّ لأُمٍ الخ.

الإمامية قالوا: الأُم، ثمّ الأب، وإذا مات الأب أو جنّ بعد أن انتقلت إليه الحضانة، وكانت الأُم ما زالت في قيد الحياة عادت إليها الحضانة، وكانت أحق من جميع الأقارب بما فيهم الجد لأبٍ، حتى ولو كانت متزوجة من أجنبي، وإذا فُقد الأبوان انتقلت الحضانة إلى الجد لأبٍ، وإذا فُقد ولم يكن له وصي كانت الحضانة لأقارب الولد على ترتيب الميراث، الأقرب منهم يمنع الأبعد، ومع التعدد والتساوي - كجدة لأُمٍ وجدة لأبٍ وكالعمة والخالة - أُقرِع بينهم مع الخصومة والتشاح، فمن خرجت القرعة باسمه كان أحق بالحضانة إلى أن يموت أو يُعرض عن حقه(١) ، وهذا هو رأي الحنابلة. (المغني ج٩ باب الحضانة).

شروط الحضانة:

اتفقوا على أنّه يشترط في الحاضنة أن تكون عاقلة أمينة عفيفة، لا فاجرة ولا راقصة، ولا تشرب الخمر، ولا تهمل رعاية الطفل، والغاية من هذه الصفات الاحتفاظ بالطفل صحياً وخلقياً. وهذه الشروط معتبرة أيضاً في الحاضن.

____________________

(١) الجواهر والمسالك باب الزواج مسألة الحضانة.

٣٧٨

واختلفوا: هل الإسلام شرط؟ قال الإمامية والشافعية: لا حضانة لكافرٍ على مسلم.

وبقية المذاهب لم يشترطوا الإسلام، إلاّ أنّ الحنفية قالوا: ارتداد الحاضن أو الحاضنة يسقط الحضانة.

وقال الإمامية: يجب أن تكون الحاضنة سليمة من الأمراض السارية.

وقال الحنابلة: تجب سلامتها من البرص والجذام، والمهم أن لا يتضرر الطفل.

وقال الأربعة: إذا طُلّقت الأُم وتزوجت برجل أجنبي عن الطفل تسقط حضانتها، أمّا إذا كان الزوج رحماً للصغير فتبقى الحضانة.

وقال الإمامية: تسقط حضانتها بالزواج مطلقاً، سواء أكان الزوج رحماً أم أجنبياً.

وقال الحنفية والشافعية والإمامية والحنابلة: إذا طُلّقت الأُم من الزوج الثاني يرتفع المانع، وتعود حضانتها بعد أن سقطت بالزواج.

وقال المالكية: لا تعود.

مدة الحضانة:

قال الحنفية: مدة الحضانة سبع سنين للذكر، وتسع للأنثى.

وقال الشافعية: ليس للحضانة مدة معلومة، بل يبقى الطفل عند أُمه حتى يُميّز ويمكنه أن يختار أحد أبويه، فإذا وصل إلى هذه المرحلة يُخيّر بين أُمه وأبيه، فإن اختار الولد الذكرُ الأُم مكث عندها في الليل، وعند أبيه في النهار؛ كي يقوم بتعليمه، وإذا اختارتها الأنثى تستمر عندها ليلاً ونهاراً، وإن اختار الطفل الأب والأُم معاً أُقرع بينهما، وإذا سكت ولم يختر أحداً منهما كان للأُم.

٣٧٩

وقال المالكية: مدة حضانة الغلام من حين الولادة إلى أن يبلغ، والأنثى حتى تتزوج.

وقال الحنابلة: مدة الحضانة سبع سنين للذكر والأنثى، وبعدها يُخيّر الطفل بينهما، ويكون مع من يختار منهما.

وقال الإمامية: مدة الحضانة للذكر سنتان، وللأنثى سبع سنين، وبعدها تكون للأب إلى أن تتم الأنثى تسعاً، والذكر خمس عشرة سنة يختار أي الأبوين يشاء(١) .

أجرة الحضانة:

قال الشافعية والحنابلة: للحاضنة الحق في طلب الأجرة على الحضانة أُماً كانت أو غيرها، وصرح الشافعية بأنّه إن كان للصغير مال فالأجرة في ماله، وإلاّ فعلى الأب أو مَن تلزمه نفقته.

وقال المالكية والإمامية(٢) : لا تستحق الحاضنة أجرة على الحضانة، ولكنّ الإمامية قالوا: لها أجرة الرضاع، فإن كان للرضيع مال أُعطيت منه الأجرة وإلاّ فعلى الأب إن كان موسعاً. (الفقه على المذاهب الأربعة ج٤، والمسالك ج٢).

وقال الحنفية: تجب الأجرة للحاضنة إن لم تكن الزوجية قائمة بينها وبين أبي الولد، ولم تكن معتدة من طلاقه الرجعي، وكذلك إذا

____________________

(١) إنّ تخيير الطفل بين الانضمام إلى أُمه أو أبيه في هذه السن لا يتنافى مع نص القانون على أنّ سِنّ البلوغ ١٨ سنة؛ لأنّ هذه السن قد اعتبرها القانون شرطاً للزواج، لا للتخيير في الانضمام.

(٢) مال صاحب المسالك إلى عدم الأجرة على الحضانة، ومال صاحب الجواهر إلى ثبوتها، وحيث لم يرد نص في الشرع على الوجوب، ولم تجرِ عادة العرف على الأجرة يكون الحق - والحال هذه - في جانب صاحب المسالك.

٣٨٠