الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة6%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 248000 / تحميل: 32986
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الإمامية والشافعية قالوا: تجب على الأبناء نفقة الآباء وإن علوا ذكوراً كانوا أو إناثاً، وتجب على الآباء نفقة الأبناء وإن نزلوا ذكوراً كانوا أو إناثاً، ولا يتعدى وجوب النفقة إلى غير عمودي النسب كالأخوة والأعمام والأخوال.

ولكن الشافعية ذهبوا إلى أنّ على الأب أن يزوج الابن مع غنى الأب، وفقر الابن وحاجته إلى الزواج، وأنّ على الابن أن يزوج أباه المعسر إن احتاج إلى الزواج، وأنّ كل من وجبت نفقته فقد وجبت نفقة زوجته. (مقصد البينة باب نفقة الأقارب).

وقال أكثر الإمامية: لا يجب تزويج مَن وجبت نفقته والداً كان أو ولداً، كما أنّه لا يجب على الابن أن ينفق على زوجة أبيه إن لم تكن أُماً، ولا على الأب أن ينفق على زوجة ابنه؛ لأنّ الأدلة التي أوجبت النفقة لا تشمل زوجة الأب، ولا زوجة الابن، والأصل عدم الوجوب.

شروط الوجوب:

يُشترط لوجوب نفقة القريب على قريبه شروط:

١ - أن يكون المنفق عليه محتاجاً، فلا يجب الإنفاق على غير المحتاج. واختلفوا في المحتاج الذي يقدر على الاكتساب ولم يكتسب، هل يجب الإنفاق عليه؟

قال الحنفية والشافعية: لا يُشترط العجز عن التكسب في وجوب النفقة على الآباء والأجداد، فتجب نفقتهم على الأبناء وإن كانوا قادرين على العمل وأهملوا، أمّا غير الآباء والأجداد من القادرين فلا تجب نفقتهم، بل يُلزمون بالتكسب، ومَن أهمل وتكاسل فقد جنى على

٤٠١

نفسه، ولكن الشافعية قالوا بالنسبة إلى البنت: تجب نفقتها على الأب حتى تتزوج.

وقال الإمامية والمالكية والحنابلة: مَن كان قادراً على الكسب اللائق بوضعه ومكانته، ثمّ أهمل فلا تجب نفقته على أحدٍ أباً كان أو أُماً أو ابناً. وقال المالكية في البنت ما قاله الشافعية، والسر أنّهم كانوا يعتبرون الأنثى في العهد السابق عاجزة عن العمل - في الغالب -.

٢ - أن يكون المنفِق موسراً بالاتفاق، ما عدا الحنفية فإنّهم قالوا: يُشترط يسار المنفِق في وجوب نفقة الأقارب غير الأصول والفروع، أمّا إنفاق أحد الأبوين على ابنه، وإنفاق الابن على أحد أبويه فلا يُشترط فيه اليسار، وإنّما الشرط هو القدرة بالفعل أو بالاكتساب، فالأب القادر على العمل يحكم عليه بنفقة ابنه، وكذلك الابن بالنسبة إلى الأب إلاّ إذا كان الأب أو الابن فقيراً وعاجزاً عن التكسب، كالأعمى ومَن إليه.

وقد اختلفوا في حد اليسار الذي يجب معه الإنفاق على القريب، فقال الشافعية: أن يفضل عنه مؤونته ومؤونة زوجته وأولاده يوماً وليلة.

وقال المالكية: يستثنى مع ذلك نفقة دابته وخادمه.

وقال الإمامية والحنابلة: أن يفضل عن نفقته ونفقة زوجته فقط، وعلى هذا تكون نفقة الآباء والأبناء في منزلة واحدة.

واختلفت آراء الحنفية في تحديد اليسار، فمنهم مَن قال: أن يكون مالكاً لنصاب الزكاة. وقال آخر: أن يملك من المال ما يحرم عليه أخذ الزكاة. وفصّل ثالث بين المـُزارع والعامل، فالأوّل يستثني له ولعياله نفقة شهر، والثاني يستثني نفقة يوم وليلة.

٣ - يُشترط الاتحاد في الدِّين، فلو كان أحدهما مسلماً والآخر غير مسلم فلا تجب النفقة عند الحنابلة. (المغني ج٧).

وقال المالكية والشافعية والإمامية: لا يُشترط الاتحاد في الدين، فالمسلم

٤٠٢

ينفق على قريبه غير المسلم، كما هي الحال في نفقة الزوجة إذا كانت كتابية والزوج مسلماً.

وقال الحنفية: لا يُشترط الاتحاد في الدِّين بين الآباء والأبناء، أمّا بين غيرهم من الأقارب فاتحاد الدِّين شرط، فلا ينفق الأخ المسلم على غير المسلم، وبالعكس. (أبو زهرة).

تقدير نفقة القريب:

الواجب في نفقة القريب سد الحاجة الضرورية من الخبز والإدام والكسوة والمسكن؛ لأنّها وجبت لحفظ الحياة، ودفع الضرورة، فتقدّر بقدرها. (المغني ج٧، والجواهر ج٥).

اختلاف الأقارب:

قال المالكية: لا تجب نفقة الأبوين على الابن إلاّ إذا ثبت فقرهما بشهادة عدلين، ولا يكفي عدل وامرأتان، ولا عدل ويمين.

وقال الشافعية: يُصدّق الأب بلا يمين إذا ادعى الحاجة.

وقال الحنفية: الأصل هو الإعسار حتى يقوم الدليل على خلافه، فإذا ادعى طالب النفقة الإعسار فالقول قوله بيمينه، وعلى المطلوب منه أن يُثبت يسار الطالب، وإذا ادعى المطلوب منه الإعسار فالقول قوله بيمينه، وعلى الطالب إثبات اليسار، وإذا كان اليسار ثابتاً في الماضي ثمّ ادعى طروء الإعسار أخذ بالحالة السابقة، حتى يثبت العكس.

والإمامية يوافقون الحنفية على هذا؛ لأنّه وِفق القواعد الشرعية إلاّ إذا كان لمدّعي الفقر مال ظاهر، فتُردّ حينئذ دعواه ويؤخذ بقول مَن يقول بيساره.

٤٠٣

قضاء نفقة الأقارب:

اتفقوا على أنّ نفقة الأقارب لا تقضى إذا لم يقدّرها القاضي؛ لأنّها للمواساة وسد الخلة الذي لا يمكن تداركه بفوات الأوان، واختلفوا فما إذا قدّرها وأمر بها، فهل يجب القضاء بعد أمر القاضي، أو أنّها تسقط، كما لو لم يأمر بها أصلاً؟

قال المالكية: إذا أمر القاضي بنفقة القريب وتجمدت فانّها لا تسقط.

وقال الإمامية والحنفية وبعض الشافعية: إذا أمر القاضي باستدانتها، واستدانها القريب فعلاً فيجب القضاء، أمّا إذا لم يأمر بها، أو أمر ولم تحصل الاستدانة فانّها تسقط. واشترط الحنفية لوجوب القضاء بعد الأمر أن تكون النفقة دون الشهر، فإذا أمر القاضي ومضى شهر على استحقاقها فلا يحق للقريب أن يطالب بنفقة الشهر الذي مضى، وله أن يطالب بنفقة الشهر الحالي.

وينبغي التنبيه إلى أنّ القريب لو حصل على نفقة يوم أو أكثر بطريق الدعوى، أو الهدية، أو من الزكاة، وغير ذلك يسقط من نفقته بمقدار ما حصل له، حتى ولو كان القاضي قد أمر بها.

ترتيب مَن تجب نفقتهم:

قال الحنفية: إذا كان مَن تجب عليه النفقة واحداً أداها، وإن تعدد مَن تجب عليهم وكانوا في درجة واحدة وقوة واحدة كابنين أو بنتين فإنّ النفقة تكون عليهم بالتساوي، حتى ولو تفاوتوا في الثروة مع ثبوت اليسار(١) ، وإذا اختلفت درجاتهم في القربة أو في قوّتها فهنا قد اضطربت

____________________

(١) إنّ بعض القضاة يوزّعون نفقة القريب على مَن تجب نفقته عليهم كلاً بحسب ثروته، فلو كان للأب المعسر ولدان أحدهما في ثراء ضخم والآخر في غنى ولكن دون أخيه ثراءً، يحملون الأوّل أكثر من الثاني. والحنفية لا يعتبرون هذا التفاوت في الثراء، ويساوون بين الإثنين ما دام أصل اليسار متحققاً، وهذا حق تقضيه القواعد الشرعية، وعبارة صاحب الجواهر تشعر به حيث قال: (لو كان له ابن موسر فعلاً، والآخر مكتسب كانا سواء لإطلاق الأدلة).

٤٠٤

أقوال فقهاء الحنفية في ترتيب مَن تجب عليهم النفقة. (الأحوال الشخصية أبو زهرة).

وقال الشافعية: إذ احتاج إنسان وله أب وجد موسران فالنفقة على الأب وحده، وإذا كان له أُم وأُم أُمٍ فالنفقة على الأُم وحدها، وإذا كان له أب وأُم فالنفقة على الأب، وإذا كان له جد وأُم فالنفقة على الجد، وإذا كان له أُم أبٍ وأُم أمٍ قيل هما سواء، وقيل النفقة على أُم الأب. (مقصد النبيه نفقة الأقارب).

وقال الحنابلة: إذا لم يكن للصبي أب فالنفقة على وارثه، فإن كان له وارثان فالنفقة عليهما على قدر إرثهما منه، وإن كانوا ثلاثة أو أكثر فالنفقة بينهم على قدر إرثهم منه، فإذا كان له أُم وجد فعلى الأُم الثلث والباقي على الجد؛ لأنّهما يرثانه كذلك. (المغني ج٧).

وقال الإمامية: تجب نفقة الولد على الأب، فإن فُقد أو كان معسراً فعلى الجد من جهة الأب، فإن فُقد أو كان معسراً فعلى الأُم، ثمّ على أبيها وأُمها وأُم الأب. وهؤلاء الثلاثة - أي الجد والجدة من جهة الأم والجدة من جهة الأب - يشتركون جميعاً في الإنفاق على الولد بالسوية إن كانوا موسرين، وإذا أيسر بعض دون بعض وجبت النفقة على الموسر منهم خاصة.

وإذا كان للقريب المعسر أب وابن، أو أب مع بنت وِزعت النفقة عليهما بالسوية، وكذا إذا كان له أبناء متعددون تُوزع النفقة عليهم بالسوية وإن اختلفوا ذكوراً وإناثاً. وبالجملة فإنّ الإمامية يراعون في التريب الأقرب فالأقرب، ومع التساوي في الدرجة يوزّعون النفقة بالسوية من غير فرق بين الذكور والإناث، ولا بين الفروع والأصول إلاّ في تقديم الأب والجد من جهته على الأُم.

٤٠٥

٤٠٦

الطَّلاق

٤٠٧

٤٠٨

المطلِّق

يُشترط في المطلِّق شروط:

١ - البلوغ، فلا يصحّ طلاق الصبي وإن كان مميِّزاً بالاتفاق، ما عدا الحنابلة فإنّهم قالوا: يقع طلاق المميِّز وإن كان دون عشر سنين.

٢ - العقل، فلا يصحّ طلاق المجنون مطبقاً كان أو دورياً حال جنونه، ولا المغمى عليه، ولا الذي غاب عقله بسبب الحمّى فصار يهذي، واختلفوا في السكران، فقال الإمامية: لا يصحّ طلاقه بحال. وقال الأربعة(١) : يصحّ إذا تناول المسكر المحرَّم باختياره، أمّا مَن شرب مباحاً فعاب عقله، أو أُكره على الشرب فلا يقع طلاقه.

ويصحّ طلاق الغضبان مع تحقق قصد الطلاق، وإذا خرج عن شعوره وإدراكه بالمرة يكون حكمه حكم المجنون.

٣ - الاختيار، فلا يقع طلاق المكرَه بالاتفاق؛ لحديث (رُفع عن

____________________

(١) صرّح الحنفية والمالكية بصحة طلاق السكران. وعن الشافعي وأحمد قولان أرجحهما أنّه يقع.

٤٠٩

أُمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، ما عدا الحنفية فانّهم قالوا: يقع طلاق المكرَه.

والعمل في محاكم مصر على عدم الأخذ بطلاق المكرَه والسكران.

٤ - القصد، فلو نطق بالطلاق سهواً أو غلطاً أو هزلاً فلا يقع الطلاق عند الإمامية.

وقال أبو زهرة في ص ٢٨٣: (يقع في المذهب الحنفي طلاق كل شخص ما عدا الصغير والمجنون والمعتوه، فيقع طلاق الهازل والسكران من محرَّم والمكرَه). وقال في ص ٢٨٦: (من المقرر في المذهب الحنفي أنّ طلاق المخطئ والناسي يقع). وفي ٢٨٤: (وقد وافق مالك والشافعي أبا حنفية وأصحابه بالنسبة للهازل، وخالفه أحمد، فلم يقع طلاقه عنده). وقال ابن رشد في بداية المجتهد ج٢ ص ٧٤: (قال الشافعي وأبو حنيفة: لا يحتاج الطلاق إلى نية).

وروى الإمامية عن أهل البيت: (لا طلاق إلاّ لمن أراد الطلاق)،(لا طلاق إلاّ بنية) . وقال صاحب الجواهر: لو أوقع الطلاق، وبعد النطق بالصيغة قال: لم أقصد الطلاق، يُقبل منه ما دامت المرأة في العدة؛ لأنّه إخبار عن نيته التي لا تُعلَم إلاّ من قِبله.

طلاق الولي:

قال الإمامية والحنفية والشافعية: ليس للأب أن يطلّق عن ابنه الصغير؛ لحديث: (الطلاق لمن أخذ بالساق). وقال المالكية: للأب أن يخالع زوجة ولده الصغير. وعن أحمد روايتان.

وقال الإمامية: إذا بلغ الصبي فاسد العقل فلأبيه أو جده من جهة الأب أن يطلّق عنه مع وجود المصلحة، فإن لم يكن أب وجد لأب طلّق عنه الحاكم، وقدّمنا أنّ الإمامية يجيزون لزوجة المجنون أن تفسخ الزواج.

٤١٠

وقال الحنفية: إذا تضررت زوجة المجنون من معاشرته، رفعت أمرها إلى القاضي وطلبت منه الفراق، وللقاضي أن يطلّق لدفع الضرر عن الزوجة، وليس لأب الزوج أيّة سلطة.

واتفق الجميع على أنّ السفيه يصحّ طلاقه وخلعه(١) .

المطلَّقة:

يُشترط في المطلَّقة أن تكون زوجة باتفاق الجميع. واشترط الإمامية خاصة لصحة طلاق المدخول بها غير الآيسة والحامل أن تكون في طهر لم يواقعها فيه، فلو طُلّقت وهي في الحيض أو في النفاس أو في طهر المواقعة فسد الطلاق.

قال الرازي في تفسير الآية ١ من سورة الطلاق( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) ، قال ما نصه بالحرف: (أي لزمان عدتهن، وهو الطهر بإجماع الأُمة، وقال جماعة من المفسرين: الطلاق للعدة أن يطلّقها طاهرة من غير جماع، وبالجملة فالطلاق حال الطهر لازم، وإلاّ لا يكون سنّياً، والطلاق في السنّة إنّما يُتصور في البالغة المدخول بها غير الآيسة والحامل). إذ لا سنّة في الصغيرة، وغير المدخول بها والآيسة والحامل.

وهذا عين ما تقوله الإمامية.

____________________

(١) قال الأستاذ الخفيف في كتاب فرق الزواج ص٥٧: (يرى الإمامية جواز طلاق السفيه بإذن وليه كما نُص على ذلك في شرح شرائع الإسلام). ولا وجود لهذا النص في الكتاب المذكور عن الجواهر؛ لأنّ صاحب الكتاب ينقل عنه في غير مكان، بل لا وجود لهذا النص في جميع كتب الإمامية، والموجود في شرح شرائع الإسلام أنّ له أن يطلّق بدون إذن الولي. راجع الجواهر ج٤ باب الحجر.

٤١١

وفي كتاب المغني ج٧ ص٩٨ الطبعة الثالثة: (معنى طلاق السنّة: الطلاق الذي وافق أمر الله تعالى، وأمر رسوله (ص)، وهو الطلاق في طهر لم يصبها فيه). وفي ص٩٩ من الكتاب المذكور: (إنّ طلاق البدعة هو أن يطلّقها حائضاً أو في طهر أصابها فيه، ولكن إذا فعل أثم، ووقع في قول عامة أهل العلم، قال ابن المنذر وابن عبد البر: لم يخالف ذلك إلاّ أهل البدع والضلالة)!!! وإذا كان اتّباع كتاب الله وسنّة نبيه بدعة وضلالة فينبغي أن يكون اتّباع الشيطان سنّة وهداية!!!

ومهما يكن، فإنّ السنّة والشيعة قد اتفقوا على أنّ الإسلام قد نهى عن طلاق الزوجة البالغة المدخول بها غير الحامل إذا كانت غير طاهر، أو في طهر واقعها فيه، ولكنّ السنّة قالوا: إنّ النهي للتحريم لا للفساد، وإنّ مَن أوقع الطلاق بدون تحقق الشروط يأثم ويعاقب، ولكن يصحّ طلاقه. وقال الشيعة: إنّ النهي للفساد لا للتحريم؛ لأنّ مجرد التلفظ بالطلاق غير محرّم، وإنّما القصد وقوع الطلاق لغواً كأنّه لم يكن، تماماً كالنهي عن بيع الخمر والخنزير، فإنّ التلفظ بالبيع لا يحرم، بل لا يتحقق النقل والانتقال.

ثمّ إنّ الإمامية أجازوا طلاق خمس من الزوجات في الحيض أو في غيره:

١ - الصغيرة التي لم تبلغ التاسعة.

٢ - التي لم يدخل بها الزوج ثيباً كانت أو بكراً، حصلت الخلوة بها أو لم تحصل.

٣ - الآيسة، وهي البالغة سن الخمسين إن كانت غير قرشية والستين إن تكنها.

٤ - الحامل.

٥ - التي غاب عنها زوجها شهراً كاملاً، على أن يقع الطلاق

٤١٢

حال غيابه عنها بحيث يتعذر عليه معرفة حالها: هل هي في حيض أو في طهر؟ والمحبوس كالغائب.

وقال الإمامية: إنّ الزوجة التي في سن مَن تحيض، ولا ترى الدم خلقة، أو لمرض، أو نفاس لا يصحّ طلاقها إلاّ بعد أن يمسك عنها الزوج ثلاثة أشهر، وتُسمّى هذه بالمسترابة.

الصيغة:

قال الإمامية: لا يقع الطلاق إلاّ بصيغة خاصة، وهي: أنتِ طالق، أو فلانة طالق، أو هي طالق، فلو قال: الطالق أو المطلّقة أو طُلّقت أو الطلاق أو من المطلّقات، وما إلى ذلك لم يكن شيئاً، حتى ولو نوى الطلاق؛ لأنّ هيئة (طالق) لم تتحقق، وإن تحققت المادة. ويُشترط أن تكون الصيغة فصيحة غير ملحونة ولا مصحّفة، وأن تكون مجردة عن كل قيد حتى ولو كان معلوم التحقق، مثل: إذا طلعت الشمس ونحو ذلك.

ولو خيّر زوجته، وقصد تفويض الطلاق إليها، فاختارت نفسها بقصد الطلاق لا يقع عند المحققين من الإمامية , وكذلك لا يقع لو قيل له: هل طلّقت زوجتك؟ فقال: (نعم) قاصداً إنشاء الطلاق. ولو قال: أنتِ طالق ثلاثاً، أو أنتِ طالق أنتِ طالق أنتِ طالق تقع طلقة واحدة مع تحقق الشروط. ولا يقع الطلاق بالكتابة ولا بالإشارة إلاّ من الأخرس العاجز عن النطق. ولا يقع بغير العربية مع القدرة على التلفظ بها، والأولى للأعجمي والأخرس أن يوكلا بالطلاق عنهما إن أمكن. وكذلك لا يقع الطلاق عند الإمامية بالحلف واليمين، ولا بالنذر والعهد، ولا بشيء إلاّ بلفظ (طالق) مع تحقق الشروط والقيود.

قال صاحب الجواهر نقلاً عن الكافي: (ليس الطلاق إلاّ كما روى

٤١٣

بكير بن أعين، وهو أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع: (انتِ طالق)، ويشهد شاهدين عدلين، وكل ما سوى ذلك فهو ملغى). ثمّ نقل صاحب الجواهر عن الانتصار إجماع الإمامية على ذلك.

وبالتالي، فإنّ الإمامية يضيّقون دائرة الطلاق إلى أقصى الحدود، ويفرضون القيود الصارمة على المطلِّق والمطلَّقة، وصيغة الطلاق وشهوده، كل ذلك لأنّ الزواج عصمة ومودة ورحمة، وميثاق من الله، قال تعالى في الآية (٢٠) من سورة النساء:( وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً ) . وفي الآية (٢١) من سورة الروم:( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) . وفي الآية (١٠) من سورة الممتحنة:( وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) .

إذن لا يجوز بحال أن ننقض هذه العصمة والمودة والرحمة وهذا العهد والميثاق، إلاّ بعد أن نعلم علماً قاطعاً لكل شك بأنّ الشرع قد حلّ الزواج، ونقضه بعد أن أثبته وأبرمه.

ولكنّ المذاهب الأخرى قد أجازت الطلاق بكل ما دلّ عليه لفظاً وكتابة وصراحة وكناية، مثل: أنتِ عليَّ حرام، وأنتِ بتلة وبرية، واذهبي فتزوجي، وحبلك على غاربك، وألحقي بأهلك، وما إلى ذلك. كما أجازت أن يكون الطلاق مطلقاً ومقيداً، مثل: إن خرجت من الدار فأنتِ طالق، وإن كلّمك أبوك فأنتِ طالق، وإن فعلتُ أنا كذا فأنتِ طالق، وكل امرأة أتزوجها فهي طالق، فيقع الطلاق بمجرد حصول العقد عليها، وما إلى ذلك ممّا لا يتسع له المقام. وقد أجازت المذاهب أيضاً الطلاق بتفويضه إلى المرأة وإلى غيرها، كما أجازت وقوع الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد. وقد سوّد فقهاء المذاهب الصفحات الطوال العراض التي لا طائل تحتها إلاّ هدم كيان الأسرة، ووضعها في كف

٤١٤

عفريت(١) .

وقد أحسنت الحكومة المصرية بأخذها في كثير من شؤون الطلاق بالمذهب الإمامي. هذا، وإنّ المذاهب الأربعة لم تشترط الإشهاد لصحة الطلاق بخلاف الإمامية، حيث اعتبروه ركناً من أركانه، ونحن ندع الكلام فيه إلى الشيخ (أبو زهرة).

الإشهاد على الطلاق:

قال الشيخ أبو زهرة في الأحوال الشخصية ص٣٦٥:

قال فقهاء الشيعة الإمامية الاثنا عشرية والإسماعيلية: إنّ الطلاق لا يقع من غير إشهاد عدلين؛ لقوله تعالى في أحكام الطلاق وإنشائه في سورة الطلاق:( وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ) . فهذا الأمر بالشهادة جاء بعد ذكر إنشاء الطلاق وجواز الرجعة، فكان المناسب أن يكون راجعاً إليه، وإنّ تعليل الاشهاد بأنّه يوعظ به مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر يرشح ذلك ويقويه؛ لأنّ حضور الشهود العدول لا يخلو من موعظة حسنة يزجونها إلى الزوجين، فيكون لهما مخرج من الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله سبحانه وتعالى. وإنّه لو كان لنا أن نختار للمعمول به في مصر لاخترنا هذا الرأي، فيُشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين.

وكما فرض الإمامية قيوداً على المطلِّق والمطلَّقة والصيغة فقد فرضوا

____________________

(١) نقل صاحب (تأسيس النظر) عن الإمام مالك أنّه قال: لو عزم الرجل أن يطلّق امرأته يقع الطلاق بنفس العزم وإن لم ينطق به. ٤٩ الطبعة الأُولى.

٤١٥

قيوداً أيضاً على الشهادة، وحكموا بأنّه لو كملت جميع الشروط ولم يسمع إنشاء الطلاق شاهدان عدلان لم يقع الطلاق، فلا يكفي شاهد واحد ولو كان بدلاً بل (معصوماً)(١) ، ولا أن يشهد أحدهما بالإنشاء والآخر بالإقرار، ولا شهادة جماعة ولو بلغوا حد الشياع وأفادوا العلم، ولا شهادة النساء منفردات ولا منضمات إلى الرجال، كما أنّه لو طلّق ثمّ أشهد لم يكن شيئاً.

إذا طلّق السنّي زوجته الشيعية:

إذا كان الزوج سنّياً والزوجة شيعية وطلّقها طلاقاً معلّقاً، أو في طهر المقاربة، أو في حال الحيض أو النفاس، أو بغير شاهدين عدلين، أو حلف عليها بالطلاق، أو طلّقها بقوله: حبلك على غاربك، وما إلى ذلك ممّا هو صحيح عند السنّة فاسد عند الشيعة، فهل يحكم الشيعة بصحة هذا الطلاق، وتكون المطلّقة على هذه الحال خلية يجوز التزويج بها بعد انقضاء العدة؟

الجواب:

لقد أجمع الإمامية كلمة واحدة على إلزام كل طائفة بما تدين(٢) ، وترتيب آثار الصحة على بيوعات أتباعها وميراثهم وزواجهم وطلاقهم إذا أوقعوها على وفق شريعتهم، فقد ثبتت الرواية عن أئمة أهل البيت: (ألزموهم من ذلك ما ألزموا أنفسهم). وفي رواية أخرى أنّ الإمام الصادق سئل عن امرأة طلّقها سنّي على غير السنّة التي هي شرط في

____________________

(١) التعبير بلفظ معصوم لصاحب الجواهر.

(٢) في كتاب (تأسيس النظر) لأبي زيد الدبوسي الحنفي: إنّ الأصل عند أبي حنيفة أن يُترك أهل الذمة على ما يعتقدون ويدينون. وعند صاحبيه أبي يوسف ومحمد لا يُتركون.

٤١٦

صحة الطلاق عند الشيعة، فقال:(تتزوج، ولا تُترك المرأة من غير زوج) . وفي رواية ثالثة: (يجوز على أهل كل دين ما يستحلّون). وفي رابعة: (مَن دان بدين قوم لزمته أحكامهم). (الجواهر ج٥ مبحث صيغة الطلاق).

وعليه إذا طلّق الشيعي زوجته السنّية حسب ما تعتقد هي لا ما يعتقد هو فالطلاق فاسد، وإذا طلّق السنّي زوجته الشيعية على ما يعتقد هو فالطلاق صحيح.

٤١٧

الطلاق رجعي وبائن

ينقسم الطلاق إلى رجعي وبائن، واتفقوا على أنّ الطلاق الرجعي هو الذي يملك فيه الزوج الرجوع إلى المطلّقة ما دامت في العدة، سواء أرضيت أم لم ترضَ، ومن شرطه أن تكون المرأة مدخولاً بها؛ لأنّ المطلّقة قبل الدخول لا عدة لها؛ لقوله تعالى في الآية ٤٩ من سورة الأحزاب:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ) . ومن شرط الطلاق الرجعي أيضاً أن لا يكون على بذل مال، وأن لا يكون مكمّلاً للثلاث.

والمطلَّقة الرجعية بحكم الزوجة، وللمطلّق كل حقوق الزوج فيحصل التوارث بين الزوجين لو مات أحدهما قبل انتهاء العدة، ولا يحلّ المهر المؤجل لأقرب الأجلين إلاّ بعد مضي العدة دون أن يرجعها المطلّق إلى عصمته، وبالجملة فالطلاق الرجعي لا يحدث شيئاً سوى عدّهِ من الطلقات الثلاث.

أمّا الطلاق البائن فلا يملك فيه المطلّق الرجوع إلى المطلّقة، وهو يشمل عدداً من المطلّقات:

٤١٨

١ - غير المدخول بها بالاتفاق.

٢ - المطلّقة ثلاثاً بالاتفاق.

٣ - الطلاق الخلعي، وقال بعضهم إنّه فسخ وليس بطلاق.

٤ - ألآيسة عند الإمامية خاصة، حيث قالوا: لا عدة عليها، وإنّ حكمها حكم غير المدخول بها، أمّا الآية ٤ من سورة الطلاق:( وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ ) ، فليس المراد من اللائي يئسن: المعلوم يأسهن، بل معناه أنّ اللائي ارتفع حيضهن، ولا تدرون هل انقطع لمرض أو لكبرٍ فعدتهن ثلاثة أشهر، فالشك لم يكن في حكم مَن علم يأسهن، بل في مَن شُك بيأسهن؛ بدليل قوله تعالى:( إِنْ ارْتَبْتُمْ ) ، حيث لم يُعرف من طريقة الشارع إذا أراد أن يبيّن حكماً من الأحكام أن يقول: إن شككتم بحكم هذا الشيء فحكمه كذا، فتعيّن أن يكون المراد إذا شككتم في نفس المرأة أنّها آيسة أو غير آيسة فحكمها أن تعتدّ ثلاثة أشهر، وأمّا قوله:( وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ ) فالمراد به الشابات اللائي هنّ في سن مَن تحيض، ومع ذلك انقطع عنهن الدم خلقة أو لعارض، وقد ثبت عن أئمة أهل البيت روايات كثيرة تُفسر الآية بهذا المعنى.

٥ - قال الحنفية: الخلوة بالزوجة من دون دخول توجب العدة، ولكن لا يجوز للمطلّق الرجوع إليها أثناء العدة؛ لأنّها بائنة، وقال الحنابلة: الخلوة كالدخول تماماً بالنسبة إلى وجوب العدة وجواز الرجوع. وقدّمنا أنّه لا أثر للخلوة عند الإمامية والشافعية.

٦ - قال الحنفية: إذا قال لها: أنتِ طالق طلاقاً بائناً، أو طلقة شديدة، أو كالجبل، أو أفحش الطلاق، أو أشده، وما إلى ذلك يكون الطلاق بائناً لا يحق للمطلّق أن يرجع أثناء العدة، وكذلك يكون الطلاق بائناً إذ طلّقها بألفاظ الكنايات التي تدلّ على الانفصال في الحال، كأنتِ بتة وبتلة وبرية.

٤١٩

المطلَّقة ثلاثاً:

اتفقوا على أنّ مَن طلّق زوجته ثلاثاً لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً، ويدخل بها المحلِّل حقيقة؛ لقوله تعالى في الآية ٢٣٠ من سورة البقرة:( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) .

واشترط الإمامية والمالكية أن يكون المحلِّل بالغاً. واكتفى الحنفية والشافعية والحنابلة بأن يكون قادراً على الجماع، وإن كان دون البلوغ. وقال الإمامية والحنفية: إذا اشترط التحليل أثناء العقد، كما لو قال: تزوجتكِ على أن أُحلّلكِ لمطلّقك، يبطل الشرط، ويصحّ العقد، ولكنّ الحنفية قالوا: إذا خافت المرأة أن لا يطلّقها المحلِّل فيمكنها أن تقول له: زوجتكَ نفسي على أن يكون أمر طلاقي بيدي، فيقول لها: قبلتُ هذا الشرط، وحينئذ يصحّ العقد ويكون لها الحق في تطليق نفسها متى أرادت، أمّا إذا قال لها هو: تزوجتكِ على أن يكون أمرك بيدك، فإنّ النكاح يصحّ ويُلغى الشرط.

وقال المالكية والشافعية والحنابلة: يبطل العقد بالمرة إذا اشترط فيه التحليل، بل قال المالكية والحنابلة: لو قصد التحليل ولم يتلفظ به يبطل العقد.

واشترط المالكية وبعض الإمامية أن يطأها الزوج الثاني وطءاً حلالاً، كأن تكون خالية من الحيض والنفاس، وأن لا يكونا صائمين صيام رمضان، ولكنّ أكثر الإمامية على عدم اعتبار هذا الشرط؛ لأنّ الوطء في هذه الحال وإن كان محرّماً فإنّه كافٍ في التحليل.

ومهما يكن، فمتى تزوجت بآخر، وفارقها بموت أو طلاق وانقضت عدتها جاز للأوّل أن يعقد عليها من جديد، فإذا عاد وطلّق ثلاثاً تحرم عليه حتى تنكح غيره، وهكذا تحرم بعد كل طلاق ثالث، وتحلّ بنكاح المحلِّل وإن طُلّقت مئة مرة.

٤٢٠

ولكنّ الإمامية قالوا: إذا طُلّقت تسع مرات للعدة، وتزوجت مرتين فإنّها تحرم مؤبداً، ومعنى طلاق العدة عندهم: أن يطلّقها، ثمّ يراجعها ويطأها، ثمّ يطلّقها في طهر آخر، ثمّ يراجعها ويطأها، ثمّ يطلّقها ويحلّلها المحلِّل، وبعد أن يتزوجها الأوّل بعقد جديد يطلّقها ثلاثاً للعدة، ثمّ يحلّلها المحللِّ، ثمّ يتزوجها الأوّل، فإذا طلّقها ثلاثاً، وثمّ طلاق العدة تسع مرات حرمت على المطلّق تسعاً إلى الأبد، أمّا إذا لم يكن الطلاق للعدة، كما لو طلّقها، ثمّ راجعها، ثمّ طلّقها قبل الدخول، فإنّها لا تحرم مؤبداً، بل تحلّ بمحلّل وإن بلغت الطلقات ما لا يحصيه العد.

الشك في عدد الطلاق:

اتفقوا على أنّ مَن شك في عدد الطلاق - هل وقع مرة أو أكثر؟ - يبني على الأقل، ما عدا المالكية فانّهم قالوا: يغلب جانب الطلاق ويبني على الأكثر.

إخبار المطلّقة بالتحليل:

قال الإمامية والشافعية والحنفية: لو طلّقها ثلاثاً، وغاب عنها أو غابت عنه مدة، ثمّ ادعت أنّها تزوجت، وفارقها الزوج الثاني، ومضت العدة، وكانت المدة تتسع لذلك كله يُقبل قولها بلا يمين، وللأوّل أن يتزوجها إذا اطمأن إلى صدقها ولا يجب عليه الفحص والبحث. (الجواهر، وابن عابدين، ومقصد النبيه).

٤٢١

الخُلع

الخُلع: إبانة الزوجة على مال تفتدي به نفسها من الزوج. وهنا مسائل:

هل يُشترط في الخلع كراهية الزوجة للزوج؟

إذا تراضيا على الخلع، وبذلت مالاً كي يطلّقها، والحال عامرة، والأخلاق ملتئمة بينهما، فهل تصحّ المخالعة؟

قل الأربعة: يصحّ الخلع، وتترتب عليه جميع الأحكام والآثار، ولكنّهم قالوا: إنّه مكروه(١) .

وقال الإمامية: لا يصحّ الخلع، ولا يملك المطلّق الفدية، ولكن يصحّ الطلاق، ويكون رجعياً مع اجتماع شرائطه؛ واستدلوا بأحاديث عن أئمة أهل البيت، وبالآية ٢٢٩ من سورة البقرة:( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) ، حيث علّقت الآية جواز الفدية على الخوف من الوقوع في المعصية إذا استمرت الزوجية.

____________________

(١) فرق الزواج للأستاذ الخفيف ص١٥٩ طبعة ١٩٥٨.

٤٢٢

المخالعة على أكثر من المهر:

اتفقوا على أنّ الفدية يجب أن تكون ذات قيمة، وأنّه يجوز أن تكون بمقدار المهر أو أقلّ أو أكثر.

شروط عوض الخلع:

قال الأربعة: يصحّ الخلع مع غير الزوجة، فإذا قال أجنبي للزوج: طلّق امرأتك بألف عليَّ، وطلّقها على ذلك صحّ، وإن لم تعلم الزوجة ولم ترضَ بعد العلم، ووجب على الأجنبي أن يدفع المبلغ للمطلّق. (رحمة الأُمة وفرق الزواج للأستاذ الخفيف).

وقال الإمامية: لا يصحّ الخلع، ولا يجب على الأجنبي أن يدفع شيئاً، أجل، يصحّ أن يضمن الأجنبي الفدية بإذنها، فيقول للزوج طلّقها بكذا وعليَّ ضمان المبلغ بعد أن تأذن هي بذلك، فإن طلّق على هذا الشرط وجب على الضامن أن يدفع المبلغ للمطلّق ويرجع به على المطلّقة.

ثمّ إنّ كل ما يصحّ أن يكون مهراً يصحّ أن يكون فدية في الخلع بالاتفاق، ولا يُشترط أن يكون معلوماً بالتفصيل إذا آل أمره إلى العلم، مثل: أخلعني على ما في البيت أو في الصندوق أو على ميراثي من أبي أو ثمرة بستاني.

وإذا وقع الخلع على ما لا يُملك كالخمر والخنزير، قال الحنفية والمالكية والحنابلة: إذا كانا يعلمان بالتحريم يصحّ الخلع، ولا يستحق المطلّق شيئاً، فيكون خلعاً بلا عوض. وقال الشافعية: يصحّ، ولها مثل المهر. (المغني ج٧).

وقال أكثر الإمامية: يبطل الخلع، ويقع الطلاق رجعياً إذا كان

٤٢٣

مورداً له، وإلاّ كان بائناً، وفي جميع الحالات لا يستحق المطلّق شيئاً.

وإذا خالعها على ما يعتقد أنّه حلال، فتبين أنّه حرام، كما لو قالت له: اخلعني على هذا الدن من الخل فظهر خمراً، قال الإمامية والحنابلة: يرجع عليها بمثله خلاً. وقال الحنفية: يرجع عليها بالمهر المسمّى. وقال الشافعية: يرجع عليها بمهر المثل.

وإذ خالعته على مال باعتقاد أنّه لها فبان لغيرها، قال الحنفية وأكثر الإمامية: إذا أجاز المالك صح الخلع، وأخذ الزوج المال، وإن لم يجز كان له البدل من المثل أو القيمة. وقال الشافعية: له مهر المثل استناداً إلى قاعدة عندهم، وهي: (متى ذكر بدل فاسد يبطل البدل، ويثبت مهر المثل.) (مقصد النبيه). وقال المالكية: يقع الطلاق بائناً، ويبطل العوض، وليس للمطلّق شيء حتى ولو أجاز المالك. (الفقه على المذاهب الأربعة ج٤).

وإذا خالعته على إرضاع ولده ونفقته مدة معينة صح ولزمها القيام بالرضاع والنفقة بالاتفاق. وصرح الحنفية والمالكية والحنابلة بأنّه يصحّ للحامل أن تخالع زوجها على نفقة الحمل الذي في بطنها، تماماً كما تصحّ المخالعة على نفقة الولد الموجود. ولم أرَ فيما لدي من مصادر الإمامية والشافعية مَن تعرّض لذلك، ولكنّ القواعد الشرعية لا تمنع منه؛ لأنّ السبب موجود وهو الحمل، ولأنّ تعهدها بمنزلة الشرط على نفسها بأنّ الولد إذا خُلق حياً لزمها أن تقوم بإرضاعها ونفقته مدة معينة، والمسلمون عند شروطهم ما لم يحلّل الشرط حراماً، أو يحرّم حلالاً، وهذا الشرط سائغ في نفسه، ولا يستدعي أيّ لازم باطل، ويجب الوفاء لأنّه أُخذ في عقد لازم. أمّا الجهل بكونه يولد حياً أو ميتاً، وعلى فرض أنّه وِلد حياً ربّما لا يبقى المدة المتفق عليها، أمّا هذا الجهل فيُغتفر في الخلع.

وأقصى ما يمكن أن يبرر به المنع وعدم الجواز هو قياس التعهد بالنفقة على الإبراء منها، فاذا كان الإبراء منها غير جائز لأنّه إسقاط

٤٢٤

لغير الواجب، فكذلك التعهد بالنفقة لا يجوز؛ لأنّها غير واجبة فعلاً. ولكنّ الفرق كبير جداً بين التعهد والإبراء إذ لا بدّ أن يكون الإبراء من شيء موجود ومتحقق بالفعل، أمّا التعهد فلا يلزم فيه ذلك. هذا وقد سبق الكلام في باب الزواج عن الخلع على إسقاط حق الأب أو الأُم على حضانة الولد.

(فرع) إذا خلعها على نفقة الولد، ثمّ عجزت عن الإنفاق عليه، فلها مطالبة أبيه بالنفقة، ويجيز عليها، ولكنّه يرجع على الأُم إذا أيسرت، وإذا مات الولد أثناء المدة المعينة كان للمطلّق استيفاء المدة الباقية منها؛ لعموم قوله تعالى:( فِيمَا افْتَدَتْ بِه ) ، والأولى للمرأة أن تتعهد برضاع الولد ونفقته في المدة المعينة ما دام حياً، وحينئذ لا يحق للمطلّق الرجوع عليها بشيء إذا مات الولد.

شروط الزوجة المخالعة:

اتفقوا على أنّ الزوجة المخالعة يجب أن تكون بالغة عاقلة. واتفقوا أيضاً على أنّ السفيهة لا يصحّ خلعها من غير إذن الولي، واختلفوا في صحة الخلع إذا أذن لها الولي، فقال الحنفية: إن التزم الولي الأداء من ماله الخاص صح الخلع، وإلاّ بطل البذل، ووقع الطلاق على أصحّ الروايتين. (أبو زهرة).

وقال الإمامية والمالكية: مع إذن الولي لها بالبذل يصحّ الخلع من مالها هي لا ماله هو. (الجواهر، والفقه على المذاهب الأربعة).

وقال الشافعية والحنابلة: لا يصحّ الخلع من السفيه مطلقاً، أذِنَ الولي لها أو لم يأذن، واستثنى الشافعية صورة واحدة، وهي: إذا خشي الولي أن يبدد الزوج أموالها، فحينئذ يأذن لها الولي بالاختلاع منه صيانة لمالها. ثمّ إنّ الشافعية قالوا: يفسد الخلع، ويقع الطلاق رجعياً. وقال

٤٢٥

الحنابلة: لا يقع خلعاً ولا طلاقاً إلاّ أن ينوي الزوج الطلاق من الخلع، أو يكون الخلع بلفظ الطلاق.

وإذا خالعت المرأة وهي في مرض الموت صح الخلع عند الجميع، ولكن اختلفوا فيما إذا بذلت أكثر من ثلث مالها، أو كان المبذول أكثر من ميراثه منها على فرض موتها في العدة، وقلنا بالتوارث بينهما في هذه الحال:

قال الإمامية والشافعية: إن خالعته بمهر مثلها جاز، ونفذ من الأصل، أمّا إذا زاد عن مهر المثل فتخرج الزيادة من ثلث المال.

وقال الحنفية: يصحّ الخلع، ويستحق المطلّق العوض بشرط أن لا يزيد عن الثلث، ولا عن نصيبه في الميراث إن ماتت أثناء العدة، أي يأخذ أقلّ المقادير الثلاثة من بدل الخلع وثلث التركة ونصيبه من الميراث، فإذ كان بدل الخلع ٥ ونصيبه ٤ والثلث ٣، استحق ٣.

وقال الحنابلة: إذا خالعته بمقدار ميراثه منها فما دون صح بكل ما خالعته عليه، وإن خالعته بزيادة بطلت الزيادة فقط. (المغني ج٧).

ثمّ إنّ الإمامية اشترطوا في المختلعة جميع ما اشترطوه في المطلّقة: من كونها في طهر لم يواقعها فيه إذا كانت مدخولاً بها، وغير آيسة ولا حامل، ولا صغيرة دون التسع، كما اشترطوا لصحة الخلع وجود شاهدين عدلين. أمّا بقية المذاهب فيصحّ الخلع عندها على أيّة حال تكون عليها المختلعة تماماً كالمطلّقة.

شروط الزوج المخالِع:

اتفقوا على اشتراط البلوغ والعقل في الزوج، ما عدا الحنابلة فانّهم قالوا: يصحّ الخلع من المميِّز كما يصحّ منه الطلاق. وتقدّم في أوّل الطلاق أنّ الحنفية يجيزون طلاق الهازل والمكرَه والسكران، وأنّ الشافعية

٤٢٦

والمالكية يوافقونهم في طلاق الهازل. ويصحّ الخلع مع الغضب إذا لم يكن رافعاً للقصد.

واتفقوا على صحة الخلع من السفيه، ولكنّ المال يُسلّم إلى وليه، ولا يصحّ تسليمه له.

أمّا الخلع من المريض مرض الموت فيصحّ بلا ريب؛ لأنّه لو طلّق بغير عوض لصح، فالطلاق بعوض أولى.

صيغة الخلع:

أجاز الأربعة أن تكون الصيغة باللفظ الصريح، كالخلع والفسخ، وبالكناية مثل بارأتكِ وأبنتكِ. وقال الحنفية: يجوز بلفظ البيع والشراء، فيقول الزوج للزوجة: بعتكِ نفْسكِ بكذا. فتقول هي: اشتريتُ. أو يقول لها: اشتري طلاقك بكذا. فتقول قبلتُ. وكذلك عند الشافعية يصحّ أن يكون الخلع بلفظ البيع.

وأجاز الحنفية التعليق والخيار، والفاصل بين البذل والخلع، فلو كان الزوج غائباً وبلغه أنّها قالت: اختلعتُ نفسي بكذا وقَبِل لصح. وكذلك عند المالكية لا يضر الفاصل.

ويصحّ الخلع عند الحنابلة من دون نية إذا كان اللفظ صريحاً كالخلع والفسخ والمفادة، ولكنّهم اشترطوا اتحاد المجلس وعدم التعليق.

وقال الإمامية: لا يقع الخلع بلفظ الكناية، ولا بشيء من الألفاظ الصريحة إلاّ بلفظتين فقط، وهما: الخلع والطلاق، فإن شاء جمع بينهما معاً أو اكتفى بواحدة، فتقول هي: بذلتُ لك كذا لتطلّقني. فيقول هو: خلعتكِ على ذلك فأنتِ طالق - وهذه الصيغة هي الأحوط

٤٢٧

والأولى عند جميع الإمامية -، ويكفي أن يقول لها: أنتِ طالق على ذلك، أو خلعتكِ على ذلك. ويشترط الإمامية الفور وعدم الفاصل بين البذل والخلع وأن يكون الخلع مطلقاً غير معلّق على شيء، تماماً كما هي الحال في الطلاق.

٤٢٨

العدة

أجمع المسلمون كافة على وجوب العدة في الجملة، والأصل فيه الكتاب والسنّة، فمن الكتاب قوله تعالى:( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ ) ، ومن السنّة قوله (صلّى الله عليه وسلّم): لفاطمة بنت قيس:(اعتدّي في بيت ابن أُم مكتوم) . ويقع الكلام في عدة مَن فارقها الزوج بطلاق أو فسخ، وفي عدة المتوفى عنها زوجها، وفي عدة مَن وطِئت بشبهة، واستبراء الزانية، وفي عدة زوجة المفقود.

عدة المطلَّقة:

اتفقوا على أنّ المطلّقة قبل الدخول والخلوة لا عدة عليها، وقال الحنفية والمالكية والحنابلة: إن خلا بها الزوج ولم يصبها، ثمّ طلّقها فعليها العدة، تماماً كالمدخول بها. وقال الإمامية والشافعية: لا أثر للخلوة. وتقدّمت الإشارة إلى ذلك، كما أشرنا - عند تقسيم الطلاق إلى رجعي وبائن - إلى رأي الإمامية من عدم وجوب العدة على الآيسة المدخول بها، وما استندوا إليه من الدليل.

٤٢٩

وكل فرقة بين زوجين ما عدا الموت فعدتها عدة الطلاق، سواء أكانت بخلع أو لعانٍ، أو بفسخ بعيب أو انفساخ برضاع أو اختلاف دين(١) .

ومهما يكن، فقد اتفقوا على وجوب العدة على مَن طُلّقت بعد الدخول، وأنّها تعتد بواحد من ثلاثة على التفصيل التالي:

١ - تعتد بوضع الحمل بالاتفاق إذا كانت حاملاً؛ لقوله تعالى:( وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) . وإذ كان الحمل أكثر من واحد فلا تخرج من العدة إلاّ بوضع الأخير بالإجماع. واختلفوا في السقط إذا لم يكن مخلقاً - أي تام الخلقة - قال الحنفية والشافعية والحنابلة: لا تخرج من العدة بانفصاله عنها. وقال الإمامية والمالكية: بل تخرج، ولو كان قطعة لحم ما دام مبدأ إنسان.

وأقصى مدة الحمل عند الحنفية سنتان، وعند الشافعية والحنابلة أربع، وعند المالكية خمس كما في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، وعن مالك أربع كما في كتاب المغني، وتقدّم التفصيل في باب الزواج.

والحامل لا يمكن أن تحيض عند الحنفية والحنابلة، ويمكن أن تحيض عند الإمامية والشافعية والمالكية.

٢ - أن تعتد بثلاثة أشهر هلالية، وهي التي بلغت ولم ترَ الحيض أبداً، والتي بلغت سن اليأس(٢) . وحد اليأس عند المالكية سبعون سنة، وعند الحنابلة خمسون، وعند الحنفية خمس وخمسون، وعند الشافعية اثنتان وستون على الأصح، وعند الإمامية ستون للقرشية وخمسون لغيرها.

____________________

(١) قال الإمامية: إذا ارتد الزوج، وكان ارتداده عن فطرة اعتدّت زوجته عدة وفاة، وإن كان ارتداده عن ملة اعتدت عدة طلاق.

(٢) تقدّم أنّ الإمامية لا يوجبون العدة على الآيسة، ولكنّهم قالوا: إذا طلّقها ورأت حيضة ثمّ يئست أكملت العدة بشهرين. وقال الأربعة: بل تستأنف العدة بثلاثة أشهر، ولا تُحسب الحيضة من العدة.

٤٣٠

أمّا الزوجة المدخول بها قبل أن تكمل التسع فقال الحنفية: تجب عليها العدة، ولو كانت طفلة. وقال المالكية والشافعية: لا تجب العدة على الصغيرة التي لا تطيق الوطء، وتجب على مَن تطيقه وإن كانت دون التسع. وقال الإمامية والحنابلة: لا تجب العدة على مَن لم تكمل التسع وإن طاقت الوطء. (الفقه على المذاهب الأربعة ج٤ مبحث عدة المطلّقة الآيسة).

٣ - تعتد بثلاثة قروء، وهي مَن أكملت التسع ولم تكن حاملاً، ولا آيسة، وكانت من ذوات الحيض بالاتفاق. وقد فسر الإمامية والمالكية والشافعية القرء بالطهر، فإذا طلّقها في آخر لحظة من طهرها احتسب من العدة، وأكملت بعده طهرين. وفسره الحنفية والحنابلة بالحيض، فلا بدّ من ثلاث حيضات بعد الطلاق، ولا يحتسب حيض طُلّقت فيه. (مجمع الأنهر).

وإذا أخبرت المطلّقة التي اعتدّت بالأقراء بانقضاء عدتها تُصدّق إذا مضت مدة تحتمل انقضاء العدة، وأقلّ ما تُصدّق به المعتدة بالأقراء ستة وعشرون يوماً عند الإمامية ولحظتان، بأن يقدّر أنّه طلّقها في آخر لحظة من الطهر، ثمّ تحيض ثلاثة أيام، وهي أقلّ مدة الحيض، ثمّ ترى أقلّ الطهر وهو عشرة أيام عند الإمامية، ثمّ تحيض ثلاثة أيام، ثمّ ترى أقلّ الطهر عشرة أيام، ثمّ تحيض، فبمجرد رؤية الدم الأخير تخرج من العدة، واللحظة الأُولى من الحيض الثالث لا بدّ منها للعمل بتمامية الطهر الأخير. ودم النفاس عند الإمامية كدم الحيض، وعليه يمكن أن تنقضي العدة بثلاثة وعشرين يوماً، كما إذا طلّقها بعد الوضع وقبل رؤية الدم، وبعد الطلاق رأت الدم لحظة، ثمّ مضى أقلّ الطهر عشرة أيام، ثمّ أقلّ الحيض ثلاثة، ثمّ أقلّ الطهر عشرة، فيكون المجموع ثلاثة وعشرين يوماً.

وأقلّ ما تُصدّق به عند الحنفية تسعة وثلاثون يوماً، بأن يقدّر أنّه طلّقها

٤٣١

في آخر الطهر، ويقدّر أقلّ مدة للحيض وهي ثلاثة أيام، وأقلّ مدة الطهر وهي خمسة عشر يوماً عند الحنفية، فثلاث حيضات بتسعة أيام يتخللها طهران بثلاثين يوماً فيكون المجموع تسعة وثلاثين.

أطول عدة:

قدّمنا أنّها إذا بلغت ولم ترَ الدم أصلاً فعدتها ثلاثة أشهر بالإجماع، أمّا إذا رأته ثمّ انقطع عنها بسبب رضاع أو مرض: فقال الحنابلة والمالكية: تعتد سنة كاملة. وقال الشافعي في الجديد من أحد قوليه: بل تبقى في العدة أبداً حتى تحيض، أو تبلغ سن الإياس، وتعتد بعدها بثلاثة أشهر. (المغني ج٧ باب العدد).

وقال الحنفية: إذا حاضت مرة واحدة ثمّ انقطع عنها الحيض لمرض أو رضاع، ولم تره أبداً فلا تنقضي عدتها حتى تبلغ سن اليأس، وعليه فقد تبلغ العدة عند الحنفية والشافعية أكثر من ٤٠ سنة. (الفقه على المذاهب الأربعة ج٤ مبحث عدة المطلّقة إذ كانت من ذوات الحيض).

وقال الإمامية: إذا انقطع الحيض عنها لعارض بعد رؤيته ثمّ طُلّقت تعتد بثلاثة أشهر، كالتي لم ترَ الحيض أصلاً، وإذا عاد إليها بعد الطلاق تعتد بأسبق الأمرين من ثلاثة أشهر أو ثلاثة أقراء، بمعنى أنّه مضى لها ثلاثة أقراء قبل ثلاثة أشهر انقضت عدتها أيضاً، وإن مضى ثلاثة أشهر بيض قبل أن تتم الأقراء انقضت عدتها أيضاً، وإن رأت الحيض قبل انقضاء الأشهر الثلاثة ولو بلحظة صبرت تسعة أشهر، ولا يجديها نفعاً أن تمرّ بعد ذلك ثلاثة أشهر بلا دم، وبعد انتهاء الأشهر التسعة فإن وضعت قبل انتهاء السنة خرجت من العدة، وكذلك إذا حاضت وأتمت الأطهار، وإذا لم تلد ولم تتم الأقراء قبل سنة اعتدّت

٤٣٢

بثلاثة مضافة إلى التسعة، فيكون المجموع سنة كاملة، وهذه أطول عدة عند الإمامية(١) .

عدة الوفاة:

اتقوا على أنّ عدة المتوفى عنها زوجها وهي غير حامل، أربعة أشهر وعشرة أيام، كبيرة كانت أو صغيرة، آيسة أو غيرها، دخل بها أو لم يدخل؛ لقوله تعالى:( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) . هذا إذ حصل لها الجزم بأنّها غير حامل، أمّا إذا ظنّت أو احتملت الحمل فعليها الانتظار حتى تضع أو يحصل الجزم بعدم الحمل عند كثير من فقهاء المذاهب.

وقال الأربعة: إنّ عدة الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي بوضع الحمل، ولو بعد وفاته بلحظة، بحيث يحلّ لها أن تتزوج بعد انفصال الحمل ولو قبل دفن زوجها؛ لقوله تعالى:( وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) .

وقال الإمامية: إنّ عدتها أبعد الأجلين من وضع الحمل والأربعة أشهر وعشرة أيام، فإن مضت الأربعة والعشرة قبل الوضع اعتدّت بالوضع، وإن وضعت قبل مضي الأربعة والعشرة اعتدّت بالأربعة والعشرة، واستدلوا على ذلك بضرورة الجمع بين آية( يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) وآية( أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) ، فالآية الأُولى جعلت العدة أربعة وعشرة، وهي تشمل الحامل وغير الحامل، والثانية

____________________

(١) نقل صاحب الجواهر وصاحب المسالك المشهور على ذلك عملاً بخبر سودة بن كليب، وقد أطالا الكلام في هذه المسألة، ونقلا أقوالاً غير مشهورة، وكثير من فقهاء الإمامية تجاهلها وأهملها.

٤٣٣

جعلت عدة الحامل وضع الحمل، وهي تشمل المطلّقة ومَن توفّى عنها الزوج، فيحصل التنافي بين ظاهر الآيتين في المرأة الحامل التي تضع قبل الأربعة والعشرة، فمبوجب الآية الثانية تنتهي العدة؛ لأنّها وضعت الحمل، وبموجب الآية الأُولى لا تنتهي؛ لأنّ الأربعة والعشرة لم تنته، ويحصل التنافي أيضاً إذا مضت الأربعة والعشرة ولم تضع، فمبوجب الآية الأُولى تنتهي العدة؛ لأنّ مدة الأربعة والعشرة مضت، وبموجب الآية الثانية لم تنته؛ لأنّها لم تضع الحمل، وكلام القرآن واحد يجب أن يلائم بعضه بعضاً. وإذا جمعنا الآيتين هكذا( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ،وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) يكون المعنى: إنّ عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام لغير الحامل، وللحامل التي تضع قبل مضي الأربعة والعشرة وضع الحمل.

وإذا قال قائل: كيف جعل الإمامية عدة الحامل المتوفى عنها الزوج أبعد الأجلين، من وضع الحمل والأربعة والعشرة، مع أنّ آية( وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) صريحة بأنّ الحامل تنتهي عدتها بوضع الحمل؟ أجابه الإمامية: كيف قال الأربعة: إنّ عدة الحامل المتوفى عنها الزوج سنتان إذا استمر الحمل هذه المدة مع أنّ آية( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) صريحة بأنّ العدة أربعة وعشرة، واذا قال القائل: عملاً بآية أُولات الأحمال، قال الإمامية عملاً بآية والذين يتوفّون. إذن لا مجال للعمل بالآيتين إلاّ القول بأبعد الأجلين.

واتفقوا على وجوب الحداد على المتوفى عنها زوجها كبيرة كانت أو صغيرة، مسلمة أو غير مسلمة، ما عدا الحنفية فإنّهم ذهبوا إلى عدم وجوبه على الذمية والصغيرة؛ لأنّهما غير مكلّفتين.

ومعنى الحداد: أن تجتنب المرأة الحادة على زوجها كل ما يُحسّنها،

٤٣٤

ويُرغّب في النظر إليها، ويدعو إلى اشتهائها، وتشخيص ذلك يعود إلى أهل العرف.

قال الإمامية: إنّ مبدأ عدة الطلاق من حين وقوعه حاضراً كان الزوج أو غائباً، ومبدأ عدة الوفاة من حين بلوغها الخبر إذا كان الزوج غائباً، أمّا إذا كان حاضراً وافتُرض عدم علمها بموته إلاّ بعد حين، فمبدأ العدة من حين الوفاة على ما هو المشهور بين فقهاء الإمامية.

واتفقوا على أنّ المطلّقة طلاقاً رجعياً إذا توفي زوجها وهي في أثناء العدة فعليها أن تستأنف عدة الوفاة من حين موته، سواء أكان الطلاق في حال مرض الموت، أو في حال الصحة؛ لأنّ العصمة بينها وبين المطلّق لم تنقطع بعد، أمّا لو كان الطلاق بائناً فيُنظر، فإن كان قد طلّقها في حال الصحة أتمت عدة الطلاق، ولا عدة عليها بسبب الموت بالاتفاق، حتى ولو كان الطلاق بدون رضاها، وكذلك الحال إذا طلّقها في مرض الموت بطلب منها. أمّا إذا طلّقها في مرضه بدون طلب منها، ثمّ مات قبل أن تنتهي العدة فهل تتحول إلى عدة الوفاة كالرجعية، أو تستمر في عدة الطلاق؟

قال الإمامية والمالكية والشافعية: تمضي في عدة الطلاق، ولا تتحول إلى عدة الوفاة.

وقال الحنفية والحنابلة: بل تتحول إلى عدة الوفاة. فتلخّص أنّ المطلّقة الرجعية تستأنف عدة الوفاة إذا توفّي المطلّق قبل انتهاء العدة، والبائنة تستمر في عدة الطلاق باتفاق الجميع، ما عدا الحنفية والحنابلة فإنّهم استثنوا من البائنة ما إذا وقع الطلاق في مرض موت المطلّق بدون رضى المطلّقة.

٤٣٥

عدة وطء الشبهة:

قال الإمامية: إنّ عدة وطء الشبهة كعدة المطلّقة، فإن كانت حاملاً اعتدّت بوضع الحمل، وإن كانت من ذوات القروء اعتدّت بثلاثة منها، وإلاّ فبثلاثة أشهر بيض، والشبهة عندهم الوطء الذي يعذر فيه صاحبه، ولا يجب عليه الحد، سواء أكانت الموطوءة ممّن يحرم العقد عليها كأخت الزوجة والمتزوجة، أو كانت ممّن يحلّ عليها العقد كالأجنبية الخلية. وقريب من هذا قول الحنابلة حيث ذهبوا إلى أنّ كل وطء يوجب العدة مهما كان نوعه، ولا يختلفون عن الإمامية إلاّ في بعض التفاصيل، وتأتي الإشارة إليها عند الكلام على عدة الزانية.

وقال الحنفية: تجب العدة بوطء الشبهة، وبالعقد الفاسد، ولا تجب بالعقد الباطل، ومثال الشبهة: أن يطأ نائمة بشبهة أنّها زوجته. والعقد الفاسد: أن يعقد على امرأة يحلّ له العقد عليها، ولكن لم تتحق بعض الشروط المعتبرة، كما لو جرى العقد بدون شهود. والعقد الباطل: أن يعقد على امرأة من محارمه كأخته وعمته. وعدة وطء الشبهة عندهم ٣ حيضات إن كانت تحيض وإلاّ فثلاثة أشهر إن لم تكن حاملاً، وإن تكنها فبوضع الحمل. (ابن عابدين، وأبو زهرة، والفقه على المذاهب الأربعة).

وقال المالكية: تستبرئ بقدر العدة ثلاثة قروء وإن لم تحض فبثلاثة أشهر، وإن حاملاً فبوضع الحمل.

ومهما يكن، فإذا مات الواطئ بشبهة فلا تعتد المرأة عدة وفاة؛ لأنّ العدة للوطء لا للعقد.

عدة الزانية:

قال الحنفية والشافعية وأكثر الإمامية: لا تجب العدة من الزنا؛ لأنّه لا حرمة لماء الزاني، فيجوز العقد على الزانية ووطؤها وإن كانت

٤٣٦

حاملاً، ولكنّ الحنفية قالوا: يجوز العقد على الحُبلى من الزنا، ولا يجوز وطؤها، بل يدعها حتى تلد.

وقال المالكية: الوطء بالزنا تماماً كالوطء بالشبهة، فتستبرئ بقدر العدة إلاّ إذا أُريد إقامة الحد عليها فإنّها تستبرئ بحيضة واحدة.

وقال الحنابلة: تجب العدة على الزانية كما تجب على المطلّقة. (المغني ج٦، ومجمع الأنهر).

عدة الكتابية:

اتفقوا على أنّ الكتابية إذا كانت زوجة لمسلم فحكمها حكم المسلمة من حيث وجوب العدة عليها والحداد في عدة الوفاة، أمّا إذا كانت زوجة لكتابي مثلها فقال الإمامية(١) والشافعية والمالكية والحنابلة: تجب عليها العدة، ولكنّ الشافعية والمالكية والحنابلة لم يوجبوا عليها الحداد في عدة الوفاة.

وقال الحنفية: لا عدة على غير المسلمة المتزوجة بغير المسلم. (ميران الشعراني باب العدد والاستبراء).

زوجة المفقود:

الغائب على حالين، أحداهما: أن تكون غيبته غير منقطة بحيث يُعرف موضعه، ويأتي خبره، وهذا لا يحلّ لزوجته أن تتزوج بالاتفاق.

____________________

(١) قال في الجواهر ج٥ باب العدد: (عدة الذمية كالحرة في الطلاق والوفاة بلا خلاف محقّق أجده؛ لإطلاق الأدلة، وصريح السراج عن الصادق قلت له: النصرانية مات زوجها، وهو نصراني ما عدّتها؟ قال: (عدّتها أربعة أشهر وعشرة).

٤٣٧

الحال الثانية: أن ينقطع خبره، ولا يُعلم موضعه، وقد اختلف أئمة المذاهب في حكم زوجته:

قال أبو حنيفة والشافعي في القول الجديد الراجح، وأحمد في إحدى روايتيه: إنّ زوجة هذا المفقود لا تحلّ للأزواج حتى تمضي مدة لا يعيش في مثلها غالباً، وحدَّها أبو حنيفة بمئة وعشرين سنة، والشافعي وأحمد بتسعين.

وقال مالك: تتربص أربع سنوات، ثمّ تعتد بأربعة أشهر وعشرة، وتحلّ بعدها للأزواج.

وقال أبو حنيفة والشافعي في أصحّ القولين: إذا قدم زوجها الأوّل وقد تزوجت، يبطل الزواج الثاني وتكون للزوج الأوّل.

وقال مالك: إذا جاء الأوّل قبل أن يدخل الثاني فهي للأوّل، وإن جاء بعد الدخول تبقى للثاني، ولكن يجب عليه أن يدفع الصداق للأوّل.

وقال أحمد: إن لم يدخل بها الثاني فهي للأوّل، وإن دخل يكون أمرها بيد الأوّل، فإن شاء أخذها من الثاني ودفع له الصداق، وإن شاء تركها له وأخذ منه الصداق. (المغني ج٧، ورحمة الأُمة)(١) .

وقال الإمامية: إنّ المفقود الذي لا يُعلم موته ولا حياته يُنظر، فإن كان له مال تنفق منه زوجته، أو كان له ولي ينفق عليها، أو وجد متبرع بالإنفاق وجب على زوجته الصبر والانتظار، ولا يجوز لها أن تتزوج بحال حتى تعلم بوفاة الزوج أو طلاقه، وإن لم يكن له مال ولا مَن ينفق عليها فإن صبرت فبها، وإن أرادت الزواج رفعت أمرها إلى الحاكم فيؤجلها أربع سنين من حين رفع الأمر إليه، ثمّ يفحص عنه

____________________

(١) هذا إذا لم ترفع أمرها إلى القاضي، أمّا إذا تضررت من غياب الزوج وشكت أمرها إلى القاضي طالبة التفريق فقد أجاز أحمد ومالك طلاقها، والحال هذه، ويأتي الكلام في فصل طلاق القاضي.

٤٣٨

في تلك المدة، فإن لم يتبين شيء ينظر، فإن كان للغائب وليّ يتولى أموره أو وكيل، أمره الحاكم بالطلاق، وإن لم يكن له وليّ ولا وكيل، أو كان ولكن امتنع الولي أو الوكيل من الطلاق، ولم يمكن إجباره طلّقها الحاكم بولايته الشرعية، وتعتد بعد هذا الطلاق بأربعة أشهر وعشرة، ويحلّ لها بعد ذلك أن تتزوج.

وكيفية الفحص: أن يسأل عنه في مكان وجوده، ويستخبر عنه القادمون من البلد الذي يُحتمل وجوده فيه. وخير وسيلة للفحص أن يستنيب الحاكم مَن يثق به من المقيمين في محل السؤال، ليتولى البحث عنه، ثمّ يكتب للحاكم بالنتيجة. ويكفي من الفحص المقدار المعتاد، ولا يُشترط السؤال في كل مكان يمكن أن يصل إليه، ولا أن يكون البحث بصورة مستمرة. وإذا تم الفحص المطلوب بأقلّ من أربع سنوات بحيث نعلم أنّ متابعة السؤال لا تجدي يسقط وجوب الفحص، ولكن لا بدّ من الانتظار أربع سنوات عملاً بظاهر النص، ومراعاة للاحتياط في الفروج، واحتمال ظهور الزوج أثناء السنوات الأربع.

وبعد هذه المدة يقع الطلاق، وتعتد أربعة أشهر وعشرة، ولكن لا حداد عليها، وتستحق النفقة أيام العدة، ويتوارثان ما دامت فيها، وإذا جاء الزوج قبل انتهاء العدة فله الرجوع إليها إن شاء، كما أنّ له إبقاءها على حالها، وإن جاء بعد انتهاء العدة، وقبل أن تتزوج فالقول الراجح أنّه لا سبيل له عليها، وبالأولى إذا وجدها متزوجة(١) .

____________________

(١) الجواهر وملحقات العروة للسيد كاظم والوسيلة للسيد أبو الحسن وغيرها من كتب الفقه للإمامية، ولكن أكثر التعبير لصاحب الوسيلة؛ لأنّه أجمع وأوضح.

٤٣٩

أحكام العدة:

نقلنا في باب النفقة على أنّ المعتد من طلاق رجعي تستحق النفقة، ونقلنا أيضاً الاختلاف في المعتدة من طلاق بائن. ونتكلم هنا في مسائل:

التوارث بين المطلِّق والمطلَّقة:

اتفقوا على أنّ الرجل إذا طلّق امرأته رجعياً لم يسقط التوارث بينهما ما دامت في العدة، سواء أكان الطلاق في مرض الموت أو في حال الصحة، ويسقط التوارث بانقضاء العدة. واتفقوا أيضاً على عدم التوارث إن طلّقها طلاقاً بائناً في حال الصحة.

طلاق المريض:

واختلفوا فيما إذا طلّقها بائناً، ثمّ مات في مرضه الذي مات فيه، فقال الحنفية: ترثه هي ما دامت في العدة، بشرط أن يعتبر الزوج فاراً من ميراثها، وأن لا يكون الطلاق برضاها، ومع انتفاء أحد هذين الشرطين لا تستحق الميراث.

وقال الحنابلة: ترثه ما لم تتزوج، وإن خرجت من العدة وطالت المدة.

وقال المالكية: ترثه وإن تزوجت.

ونقل عن الشافعي أقوال ثلاثة، أحدها: إنّها لا ترث، حتى ولو مات وهي في العدة، تماماً كالمطلّقة بائناً في الصحة.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650