الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة0%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 650
المشاهدات: 239707
تحميل: 32078

توضيحات:

الفقه على المذاهب الخمسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 239707 / تحميل: 32078
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ويُلاحَظ أنّ غير الإمامية تكلموا عن طلاق المريض إذا وقع بائناً فقط، أمّا الإمامية فإنّهم قالوا: إذا طلّقها مريضاً ترثه هي، سواء أكان الطلاق رجعياً أو بائناً بشروط أربعة:

١ - أن يموت قبل أن تمضي سنة كاملة على طلاقها، فلو مات بعد السنة بساعة لا ترثه.

٢ - أن لا تتزوج قبل موته، فاذا تزوجت ثمّ مات في أثناء السنة فلا شيء لها.

٣ - أن لا يبرأ من المرض الذي طلّقها فيه، فلو برئ من هذا المرض ثمّ مات في أثناء السنة لم تستحق الميراث.

٤ - أن لا يكون الطلاق بطلب منها.

أين تعتد المطلَّقة؟

اتفقوا على أنّ المطلّقة رجعياً تعتد في بيت الزوج، فلا يجوز له إخراجها، كما لا يجوز لها أن تخرج منه، واختلفوا في المطلّقة بائناً، فقال الأربعة: تعتد في بيت الزوج كالمطلّقة الرجعية من غير فرق؛ لقوله تعالى:( ولاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) .

وقال الإمامية: إنّ أمر البائنة بيدها تعتد في أي مكان تشاء؛ لانقطاع العصمة بينها وبين الزوج، وانتفاء التوارث بينهما، وعدم استحقاقها النفقة إلاّ إذا كانت حاملاً؛ وعليه فلا يحق احتباسها، وخصصوا الآية الكريمة بالرجعيات، وفي ذلك أحاديث عن أئمة أهل البيت.

٤٤١

زواج الأخت في عدة أختها:

إذا تزوج الرجل امرأة حرم عليه أن يجمع بينها وبين أختها، فإذا توفيت أو طلّقها وانتهت العدة حل له العقد على أختها. وهل يحلّ له أن يعقد على أخت المطلّقة قبل أن تنتهي عدتها؟ اتفقوا على تحريم العقد على أخت المطلّقة قبل انتهاء العدة إذا كان الطلاق رجعياً، واختلفوا إذا طُلّقت بائناً:

قال الحنفية والحنابلة: لا يحلّ العقد على الأخت، ولا الخامسة إذا كان عنده أربع، وطلّق واحدة منهن إلاّ بعد انتهاء العدة رجعياً كان الطلاق أم بائناً.

وقال الإمامية والمالكية والشافعية: يجوز العقد على الأخت والخامسة قبل أن تنتهي عدة المطلّقة طلاقاً بائناً.

هل يقع الطلاق بالمعتدة؟

قال الأربعة: إذا طلّقها رجعياً فله أن يطلّقها ثانية ما دامت في العدة دون أن يراجعها، وليس له ذلك إذا كان الطلاق بائناً. (المغني ج٧ باب الخلع وباب الرجعة، والفقه على المذاهب الأربعة مبحث شروط الطلاق).

وقال الإمامية: لا يقع الطلاق بالمعتدة بائنة كانت أم رجعية إلاّ بعد أن يراجعها، اذ لا معنى لطلاق المطلّقة.

٤٤٢

الرجعة

الرجعة في اصطلاح الفقهاء: رد المطلّقة واستبقاء زواجها، وهي جائزة بالإجماع، ولا تفتقر إلى وليّ ولا صداق ولا رضى المرأة ولا علمها؛ لقوله تعالى:( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) ، وقوله:( فَإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) ، أي إذا أشرفن على انتهاء أجل عدتهن. وقد اتفقوا على أنّه يُشترط في المرتجعة أن تكون في عدة الطلاق الرجعي فلا رجعة للبائن غير المدخول بها؛ لأنّه لا عدة لها، ولا للمطلّقة ثلاثاً؛ لأنّها تفتقر إلى محلّل، ولا للمطلّقة في الخلع بعوض؛ لانقطاع العصمة بينهما.

واتفقوا على أنّ الرجوع يحصل بالقول، واشترطوا أن يكون اللفظ منجّزاً غير معلق على شيء، فلو أنشأ الرجعة معلقة، وقال: أرجعتكِ إن شئت، فلا تصحّ الرجعة(١) ، وعلى ذلك فإذا لم يصدر منه بعد هذا القول فعل أو لفظ منجّز يدل على الرجعة حتى انتهت العدة تكون

____________________

(١) نقل صاحب الجواهر وصاحب المسالك الشهرة عند فقهاء الإمامية على عدم جواز التعليق في الرجعة، وقال صاحب المسالك ج٢ باب الطلاق: (الأشهر عدم الوقوع حتى عند مَن يجوّز تعليق الطلاق إلحاقاً للرجعة بالنكاح).

٤٤٣

المطلّقة أجنبية عنه.

واختلفوا في حصول الرجعة بالفعل كالوطء ومقدماته من غير أن يسبقه القول، فقال الشافعية: لا بدّ أنّ الرجعة بالقول أو بالكتابة، فلا تصحّ بالوطء حتى لو نوى به الرجعة، ويحرم وطؤها في العدة، وإذا فعل كان عليه مهر المثل؛ لأنّه وطء شبهة.

وقال المالكية: تصحّ الرجعة بالفعل مع نية الرجعة، أمّا إذا وطأ بدون هذه النية فلا تعود إليه المطلّقة، ولكنّ هذا الوطء لا يوجب حداً ولا صداقاً، كما أنّ الولد يُلحق بالواطئ لو حملت، ويجب أن تستبرئ بحيضه مع عدم الحمل.

قال الحنابلة: تصحّ الرجعة بالفعل إذا وطأ فقط، فمتى تحقق منه الوطء رجعت إليه ولو لم ينوِ الرجعة، أمّا غير الوطء كاللمس والتقبيل بشهوة، وما إلى ذاك فلا تحصل به الرجعة.

وقال الحنفية: تتحقق الرجعة بالوطء، وباللمس والتقبيل وما إليهما من المطلّق والمطلّقة بشرط حصول الشهوة، وتصحّ الرجعة بالفعل من النائم والساهي والمكرَه والمجنون، كما لو طلّقها، ثمّ جن ووطأها قبل خروجها من العدة. (مجمع الأنهر باب الرجعة).

وقال الإمامية: تتحقق الرجعة بالوطء والتقبيل واللمس بشهوة وبدونها، أو غير ذلك ممّا لا يحلّ إلاّ للأزواج، ولا يحتاج إلى تقدّم الرجعة بالقول؛ لأنّها زوجة ما دامت في العدة، بل لا يحتاج الفعل إلى نية الرجعة، بل قال صاحب الجواهر: (لعلّ مقتضى إطلاق النص والفتوى ذلك حتى مع قصد عدم الرجوع). وقال السيد أبو الحسن في الوسيلة: (يُحتمل قوياً كونه رجوعاً، وإن قصد العدم). ولا عبرة عند الإمامية بالفعل إذا حصل من النائم والساهي والمشتبه، كما لو قاربها ظاناً أنّها ليست مطلّقته.

٤٤٤

الإشهاد على الرجعة:

قال الإمامية والحنفية والمالكية: لا يجب الإشهاد على الرجعة بل يستحب، وفي ذلك رواية عن أحمد، وقول أصحّ للشافعي، وعليه يمكن دعوى إجماع المذاهب على عدم وجوب الإشهاد.

إرجاع البائنة:

إنّ إرجاع البائنة في العدة ينحصر في المختلعة بعوض بشرط الدخول بها، وأن لا يكون الطلاق مكملاً للثلاث، وقد اتفق الأربعة على أنّ حكم هذه حكم الأجنبية من اشتراط العقد والصداق والولي والرضى، إلاّ أنّه لا يعتبر فيه انقضاء العدة. (بداية المجتهد ج٢).

وقال الإمامية: إنّ للمطلّقة في الخلع حق الرجوع بما بذلته من عوض مالي ما دامت في العدة على شريطة أن يعلم هو برجوعها عن البذل، ولم يتزوج أختها أو الرابعة، فمتى علم ولم يكن مانع فله حق الرجوع بالطلاق، فإن رجع به تصبح زوجة له شرعية من غير حاجة إلى عقد ومهر، ولو علم برجوعها بالبذل، ولم يرجع بالطلاق يتحول الطلاق من البائن إلى الرجعي، وترتّب عليه جميع أحكامه وآثاره، ويلزم المطلّق بإرجاع ما أعطته إيّاه المطلّقة فدية لطلاقها.

الاختلاف في انقضاء العدة:

إذا اختلف المطلّق والمطلّقة الرجعية، فقال هو: رجعت. وقالت هي: كلا. فإن كان ذلك أثناء العدة فادّعاؤه هذا رجوع منه، وكذا لو أنكر الطلاق بالمرة؛ لأنّ قوله هذا يتضمن التمسك بالزوجة.

٤٤٥

وإن اختلفا في الرجوع بعد انقضاء العدة فعليه إثبات أنّ الرجعة حصلت في العدة، ومع عجزه عنه تحلف هي أنّه لم يرجع، إذا دعى الرجوع إليها بالفعل كالوطء ونحوه، وتحلف على عدم علمها بالرجوع، إذا ادّعى الرجعة بالقول لا بالعمل وأنّها تعلم به. وقال أبو حنيفة يُقبل قولها بلا يمين. (ابن عابدين).

وإذا اختلفا في انقضاء العدة، فادعت انتهاءها بالحيض في زمان يمكن أن تُصدّق، فالقول قولها بالاتفاق، وعليها اليمين عند الإمامية والشافعية والحنابلة، فقد نقل صاحب المغني في الجزء السابع باب الرجعة عن الشافعي والخرقي أنّ (كل موضع قلنا فيه القول قولها فأنكر الزوج فعليها اليمين).

وإذا ادعت انقضاء العدة بالشهور، فقال صاحب المغني الحنبلي وصاحب الشرائع الإمامي: القول قول الزوج؛ واستدلا بدليل واحد، وهو أنّ الاختلاف وقع في زمان الطلاق بالحقيقة لا في العدة، والطلاق من فِعله هو فيكون القول قوله.

أمّا صاحب الجواهر فبعد أن قال: إنّ الأخذ بقول الزوج هو مقتضى أصل بقاء العدة، وأصل تأخر الحادث، إلاّ أنّه معارض بظاهر النصوص، وبالشهرة عند الفقهاء في جعل أمر العدة إليها. ثمّ قال: إنّ مجرد احتمال صدقها فيما يرجع إلى العدة كافٍ في تصديقها وتقديم قولها؛ لحديث: (فَوّض الله إلى النساء ثلاثة أشياء: الحيض والطهر والحمل)، وحديث آخر (الحيض والعدة).

٤٤٦

تصديق المدّعي بلا بينة

حيث أشرنا إلى الأخذ بقول المرأة فيما يتعلق بشؤون العدة، ناسب أن نتكلم عن قاعدة شرعية هامة تتصل بما نحن في صدده أوثق اتصال، وتتردد كثيراً في كلمات الفقهاء بخاصة الإمامية والحنفية، ولكنّهم تكلموا عنها استطراداً وبالمناسبات، ولم أرَ مَن عقد لها فصلاً خاصاً فيما اطلعتُ عليه من المصادر غير المرحوم أخي الشيخ عبد الكريم مغنية(١) في كتاب القضاء.

من المعروف في الشرائع القديمة والحديثة أنّ على المدعي البينة، وعلى المنكِر اليمين. والقاعدة التي نتكلم عنها في هذا الفصل تعكس الأمر، فتوجب الأخذ بقول المدعي فيما يعود إلى نيته ولا يُعرف إلاّ من جهته، ولا يستطيع الإشهاد عليه، وأمثلته في الفقه كثيرة سواء منها في العبادات والمعاملات، ونذكر بعضها فيما يلي:

____________________

(١) توفي سنة ١٩٣٦ وترك مؤلفات عديدة كلّها في الفقه والأصول، ولم يطبع منها شيء، وفيها رسالة حسنة ومفيدة في العدالة، وخيرها كتاب كبير في القضاء لا يوجد منه إلاّ نسخة واحدة بخطه، وهو فريد لم يؤلّف مثله في موضوعه، وقد اعتمدتُ عليه أوّلاً لكتابة هذا الفصل، ثمّ على الجواهر وملحقات العروة.

٤٤٧

١ - إذا أعطيت وديعة لإنسان، ثمّ ادعى ردها إليك أو تلفها من غير تهاون وتفريط، فالقول قوله بيمينه مع أنّه مدعٍ.

٢ - لو زوج فضولي صغيرين، وعندما كبر أحد الزوجين أجاز العقد ورضي به، ثمّ مات قبل أن يبلغ الآخر، فيُعزل من تركته بمقدار ميراث الصغير، فإن كبر وأجاز يحلف على أنّه لم يجز العقد طمعاً بالإرث، فإذا حلف أخذ نصيبه من تركة الميت، وما ذاك إلاّ لأنّ النية لا تُعرف إلاّ من جهة صاحبها.

٣ - إذا أوقع رجل صيغة طلاق زوجته، ثمّ ادعى أنّه لم يقصد الطلاق تُقبل دعواه ما دامت في العدة.

٤ - تُقبل دعوى أداء الزكاة والخمس.

٥ - تُقبل دعوى المرأة الطهر والحيض والحمل والعدة.

٦ - دعوى العسر والفقر.

٧ - دعوى المرأة أنّها خلية.

٨ - دعوى الغلام الاحتلام.

٩ - دعوى الرجل أنّه أصاب زوجته بعد أن ادّعت العنة، وأجّله الحاكم سنة، وتقدّم تفصيل ذلك في مسألة العنين.

١٠ - دعوى العامل في المضاربة أنّه اشترى هذه السلعة لنفسه خاصة، مع قول المالك له: بل اشتريتها للمضاربة، أي لي ولك، فيُقدّم قول المشتري؛ لأنّه اعرف بنيته، وما إلى ذلك.

وقد استدل الشيخ عبد الكريم في كتاب القضاء بأدلة ثلاثة:

الأوّل: الإجماع القطعي قولاً وعملاً، فقد رأينا الفقهاء يعلّلون بهذه القاعدة في جميع مواردها، ويفتون بمضمونها في أبواب الفقه، ويرسلونها إرسال المسلّمات، ويكشف هذا عن دليل قطعي وإجماع على الكبرى الحقيقية التي يُرجع إليها في مقام الشك، وقد علّلوا بهذه القاعدة الأخذ

٤٤٨

بقول المعسِر من أنّه لولا الأخذ بقوله للزم تخليده في الحبس، لعدم تمكنه من الإثبات.

الدليل الثاني: ما جاء صريحاً في بعض الروايات عن رجل قال: قلت للرضا: الرجل يتزوج المرأة فيقع في قلبه أنّ لها زوجاً. قال: (ما عليه، أرأيت لو سألها البينة أكانت تجد مَن يشهد أنّ ليس لها زوج؟).

فعدم التمكن من الإشهاد يطرد في كل ما لا يمكن الإشهاد عليه ممّا يكون بين الإنسان وربّه، ولا يُعرف إلاّ من قِبله، هذا، بالإضافة إلى ما جاء في الحديث من الأخذ بقول النساء في الطهر والحيض والعدة والحمل.

الدليل الثالث: إنّه لو لم يؤخذ بقول المدعي فيما لا يُعرف إلاّ من جهته للزم بقاء التشاجر، وعدم وجود مَخرج في الشريعة لحسم الخصومات، وهذا منافٍ للمبدأ القائل من أنّ لكل شيء مَخرجاً في الشرع، فيتعين حينئذ تقديم قوله مع يمينه، إذ لا سبيل لرفع النزاع سواه.

أمّا الحاجة إلى اليمين فللإجماع على أنّ كل دعوى يُقدّم فيها قول المدعي فعليه اليمين، ولأنّ الخصومات إنّما تفصل بالبينات والأيمان، فإذا تعذرت البينة تعينت اليمين على المدعي بالذات وهنا لا يمكن توجيهها إلى المنكِر بحال؛ لأنّ من شروط اليمين الاطلاع والجزم على ما يحلف عليه، ولا سبيل للمنكِر إلى الاطلاع على نية المدعي. ولا بدّ من التنبيه إلى أنّ الحاجة إلى يمين هذا المدعي إنّما هي مع الخصومة والتنازع، حيث لا سبيل لحسم الخصومة إلاّ باليمين، أمّا إذا لم يكن هناك نزاع واختلاف فيُقبل قوله بلا يمين، مثال ذلك دعواه أداء الزكاة والخمس، أو عدم وجوبهما عليه لعدم توفر الشروط المعتبرة.

ثمّ إنّه يُشترط لتصديق هذا المدعي أن لا توجد قرينة تكذّبه في دعواه، وتكون حجة عليه، فلو صدر منه ما يدلّ على النية والقصد، كما لو باع أو اشترى ثمّ ادعى عدم القصد يكون مكذّباً لنفسه؛ لأنّ ظاهر

٤٤٩

حاله يدلّ على النية والقصد، وأمّا تصديق المدعي في عدم قصد الطلاق - كما أشرنا - فمختص بالطلاق الرجعي ما دامت المطلّقة في العدة، حيث يعتبر هذا رجوعاً منه، ولذا لا يُعتد بقوله، ولا تُسمع دعواه لو كان الطلاق بائناً، أو ادعى ذلك بعد انتهاء العدة.

٤٥٠

طلاق القاضي

هل للقاضي أن يُطلّق زوجة الرجل قهراً عنه؟

قال أبو حنيفة: لا يملك القاضي الطلاق مهما كانت الأسباب إلاّ إذا كان الزوج مجبوباً أو خصياً أو عنيناً - كما أسلفنا في باب العيوب -، فعدم الإنفاق والغيبة المنقطعة والحبس المؤبد، وما إلى ذلك لا يسوّغ طلاق المرأة من زوجها بدون رضاه؛ لأنّ الطلاق لمن أخذ بالساق.

وأجاز مالك والشافعي وابن حنبل أن تطلب المرأة التفريق من القاضي لأسباب:

(منها) عدم الإنفاق، فقد اتفق هؤلاء الثلاثة على أنّ الزوج إذا ثبت عجزه عن النفقة الضرورية جاز لزوجته طلب التفريق، وإذا لم يثبت العجز وامتنع عن الإنفاق فقال الشافعي: لا يفرق بينهما. وقال مالك وأحمد: يفرق؛ لتعذر الإنفاق عليها كحال الإعسار. وقد نص القانون المصري على جواز التفريق مع تعذر الإنفاق.

و(منها) تضرر الزوجة بالقول أو الفعل، قال أبو زهرة في (الأحوال الشخصية) ص ٣٥٨: (قد بيّن القانون المصري رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩: إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يُستطاع معه دوام

٤٥١

العشرة بين أمثالها فإن أثبتت دعواها، وعجز القاضي عن الإصلاح طلّقها طلقة بائنة، وإن عجزت عن إثبات دعواها، وتكررت منها الشكوى بعث حكمين عدلين من أهلهما يتعرفان أسباب الشقاق، ويبذلان الجهد للإصلاح، ومع عجزها ينظر من أيّ جانب كانت الإساءة، فإن كانت من الرجل أو منهما قررا التفريق بطلقة بائنة يحكم بها القاضي وقد أخذ القانون ذلك من مذهب مالك وأحمد). والمحاكم الشرعية السنّية في لبنان تفرق بين الزوجين إذا حصل بينهما الشقاق، وقرر الحكمان لزوم التفريق.

و(منها) تضرر الزوجة من غياب الزوج عند مالك وأحمد، حتى ولو ترك لها ما تحتاج إليه من نفقة مدة غيابه، وأدنى مدة تطلب الزوجة التفريق بعدها ستة أشهر عند أحمد، وثلاث سنين عند مالك، وقيل: سنة، وبالسنة أخذ القانون المصري، ومهما يكن فلا تُطلّق إلاّ إذا أبى الزوج أن يحضر إليها، أو ينقلها حيث هو، ثمّ إنّ مالكاً لم يفرق في الحكم بين غيبة الزوج لعذر أو لغير عذر، فكلاهما يستوجب الفرقة، أمّا الحنابلة فإنّهم قالوا: لا يجوز التفريق إلاّ إذا كانت الغيبة لعذر. (الأحوال الشخصية لأبي زهرة، وفرق الزواج للخفيف).

و(منها) التضرر بحبس الزوج، نص عليه ابن تيمية الحنبلي. وجاء في القانون المصري أنّ المحبوس إذا حُكم بثلاث سنوات وأكثر، فلزوجته أن تطلب التفريق للضرر بعد سنة من حبسه، والقاضي يحكم لها بذلك.

وقال أكثر الإمامية: لا ولاية للقاضي بحال من الأحوال، ما عدا زوجة المفقود متى تحققت الشروط التي ذكرناها فيما سبق، وقوفاً على ظاهر النص: (الطلاق بيد مَن أخذ بالساق).

ولكنّ جماعة من المراجع الكبار أجازوا ذلك على اختلاف بينهم في الشروط والقيود، وننقل كلماتهم فيما يلي:

قال السيد كاظم في ملحقات العروة باب العدة: (لا يبعد جواز

٤٥٢

طلاق الزوجة للحاكم الشرعي إذا علم أنّ زوجها محبوس في مكان لا يمكن مجيئه أبداً، وكذا في الحاضر المعسِر الذي لا يتمكن من الإنفاق مع عدم صبر زوجته في هذه الحال).

وقال السيد أبو الحسن في الوسيلة باب الزواج تحت عنوان (القول في الكفر): (لو كان الزوج ممتنعاً عن الإنفاق مع اليسار ورفعت أمرها إلى الحاكم ألزمه بالإنفاق أو الطلاق، فإذا امتنع ولم يمكن الإنفاق عليها من ماله ولا إجباره على الطلاق، فالظاهر أنّ للحاكم أن يطلّقها إن أرادت الطلاق). وبهذا أفتى السيد محسن الحكيم في رسالته (منهاج الصالحين باب النفقات).

ونقل صاحب كتاب (المختلف) عن ابن الجنيد أنّ للزوجة الخيار في فسخ الزواج بالإعسار من النفقة. وقال صاحب كتاب (المسالك) عند الكلام على طلاق زوجة الغائب: إنّ للمرأة الخروج من النكاح بالإعسار بالنفقة، على قول، لفوات المال. وذكر صاحب (روضات الجنات) في المجلّد الرابع ، وهو يُترجم لابن آقا محمد باقر البهبهاني، وهو من كبار العلماء: (إنّ له رسالة في حكم النكاح مع الإعسار سمّاها (مظهر المختار)، وذهب فيها إلى جواز فسخ المرأة نكاحها في صورة حضور الزوج وامتناعه من الإنفاق والطلاق، وإن كان من جهة الفقر والإملاق).

وقد ثبت عن أئمة أهل البيت قولهم: (مَن كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها، كان حقاً على الإمام أن يفرق بينهما)، وهذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة بخصوص حديث (الطلاق لمن أخذ بالساق). وعلى ذلك يسوغ للفقيه الإمامي أن يطلّق مع تحقيق الشروط، ولا يحق لآخر أن يرد عليه ما دام عمله متفقاً مع أصول الإسلام والمذاهب.

ونحن لا نشكّ أنّ العلماء الذين امتنعوا عن التطليق إنّما أحجموا تورعاً

٤٥٣

وخوفاً أن يتطفل مَن ليس أهلاً للعلم، ولا أميناً على الدين، فيوقع الطلاق دون أن تتوفر أسبابه الشرعية، وهذا وحده يدعوني إلى الإحجام، مع العلم بأنّي لو فعلت لكنتُ معذوراً عند الله سبحانه. والذي أراه حلاً معقولاً لهذه المشكلة، ورادعاً لكل متطفل أن يوكل المرجِع في العراق أو في إيران مَن يثق به، ويحدد له الشروط والقيود على أن يوقع الطلاق في نطاقها، كما فعل من قبل السيد أبو الحسن الأصفهاني.

٤٥٤

الظهار والإيلاء

الظهار:

وهو أن يقول الرجل لزوجته: أنتِ عليَّ كظهر أُمي، وقد اتفقوا على أنّه إذا قال لها ذلك فلا يحلّ له وطؤها حتى يكفّر بعتق رقبة، فإن عجز عنها صام شهرين متتابعين، فإن عجز عن الصيام أطعم ستين مسكيناً.

واتفقوا على أنّه إذا وطأ قبل أن يكفّر يعتبر عاصياً، ولكنّ الإمامية أوجبوا عليه - والحال هذه - كفارتين.

واشترط الإمامية لصحة الظهار أن يقع بحضور عدلين يسمعان قول الزوج، وأن تكون الزوجة في طهر لم يواقعها فيه تماماً كما هو الشأن في المطلّقة، كما اشترط المحققون منهم أن تكون مدخولاً بها، وإلاّ لم يقع الظهار.

والأصل في جعل الظهار باباً من أبوب الفقه عند المسلمين ما جاء في أوّل سورة المجادلة، فقد ذكر المفسرون أنّ أحد أصحاب الرسول (ص) - وهو أوس بن صامت - كانت له امرأة حسنة الجسم، فرآها ساجدة في صلاتها، فلمّا انصرفت أرادها، فأبت عليه، فغضب وقال: أنتِ

٤٥٥

عليّ كظهر أُمي، ثمّ ندم على ما قال - وكان الظهار من طلاق أهل الجاهلية - فقال لها: ما أظنك إلاّ حرمتِ عليَّ. قالت: لا تقل ذلك، واذهب إلى الرسول فاسأله. قال: استحي أن أسأله عن مثل هذا. قالت: دعني أنا أسأله. قال: سليه.

فذهبت إلى النبي - وعائشة تغسل رأسه - فقالت: يا رسول الله، إنّ زوجي أوس تزوجني وأنا شابة غانية ذات مال وأهل، حتى إذا أكل مالي وأفنى شبابي وتفرق أهلي وكبر سنّي ظاهَرَ، ثمّ ندم، فهل من شيء يجمعني وإيّاه فتنعشني به؟

قال النبي (ص): (ما أراكِ إلاّ حرمتِ عليه). وقالت: يا رسول الله، والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقاً، وإنّه أبو ولدي، وأحب الناس إليَّ. فقال لها: (لم أُؤمر بشأنك). فجعلت تراجع رسول الله، فإذا دافعها الرسول هتفت وقالت: أشكو إلى الله فاقتي وحاجتي وشدة حالي فأنزل اللهمّ على نبيك ما يكشف كرْبي، وأعادت على الرسول واستعطفته قائلة: جعلتُ فداك يا نبي الله أنظر في أمري. فقالت لها عائشة: اقصري حديثك ومجادلتك، أما ترين وجه رسول الله؟! وكان إذا نزل عليه الوحي أخذه مثل السبات.

ثمّ التفت إليها الرسول، وقال: (إدعي زوجك). ولما أتاه تلا عليه قوله تعالى:

( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ ٌ

٤٥٦

عَذَابٌ أَلِيم ) .

ولما انتهى الرسول من التلاوة قال للزوج: (هل تستطيع أن تعتق رقبة؟). قال: إذن يذهب مالي كله. فقال: (هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟). قال: والله إذا لم آكل كل يوم ثلاث مرات كَلَّ بصري، وخشيت أن تعشى عيناي. قال: (هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟). قال: ألا أن تُعينني على ذلك يا رسول الله؟. فقال: (إنّي مُعينك بخمسة عشر صاعاً، وأنا داعٍ لك بالبركة). فأخذ أوس ما أمر له به الرسول وأطعم المساكين وأكل معهم، واجتمع أمره مع زوجته.

الإيلاء:

الإيلاء: أن يحلف الزوج بالله على ترك وطء زوجته، والأصل فيه الآية ٢٢٦ من سورة البقرة:( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .

واشترط الإمامية أن تكون الزوجة مدخولاً بها، وإلاّ لم يقع الإيلاء.

واتفقت المذاهب على أنّ الإيلاء يقع إذا حلف الزوج على ترك وطء الزوجة مدة حياتها، أو مدة تزيد على أربعة أشهر(١) ، واختلفوا في الأربعة أشهر، فقال الحنفية: يقع الإيلاء. ولا يقع عند سائر المذاهب.

واتفقوا على أنّه إذا وطأ في الأربعة الأشهر يكفّر، ويزول المانع من استمرار الزواج. واختلفوا فيما إذا مضت الأربعة ولم يطأ، فقال الحنفية:

____________________

(١) السر في تحديد المدة بذلك أنّ للزوجة حق المواقعة مرة في كل أربعة أشهر على الأقل. وقيل: إنّ الخلاف يرجع إلى تفسير آية( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ ) ، فمِن قائل بأنّها لم تُحدد مدة للإيلاء، وقائل بأنّه لا بدّ أن تمضي الأربعة أشهر حتى يسوغ للحاكم أن ينذر الزوج بالرجوع أو الطلاق، وهذا يقتضي حتماً الزيادة على الأربعة أشهر ولو بلحظة.

٤٥٧

تطلّق تلقائياً طلقة بائنة دون أن ترفع أمرها إلى القاضي، أو يطلّقها الزوج. (بداية المجتهد).

وقال المالكية والشافعية والحنابلة: إذا مضى أكثر من أربعة أشهر ولم يفعل، رفعت أمرها إلى الحاكم لكي يأمره بالوطء، فإن امتنع أمَره بالطلاق، فإن امتنع طلّقها الحاكم ويكون الطلاق رجعياً على كل حال. (فرق الزواج للخفيف).

وقال الإمامية: إن مضى أكثر من الأربعة أشهر ولم يطأ، فإن صبرت ورضيت فلها ذلك، ولا يحق لأحد أن يعترض، وإن لم تصبر رَفَعت أمرها إلى الحاكم، وبعد مضي الأربعة أشهر(١) يجبره على الرجوع أو الطلاق، فإن امتنع ضيّق عليه وحبسه حتى يختار أحد الأمرين، ولا يحق للحاكم أن يطلّق قهراً عن الزوج.

واتفقوا جميعاً على أنّ كفارة اليمين أن يخير الحالف بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.

ثمّ إنّ الإمامية ذهبوا إلى أنّ كل يمين لا تنعقد إلاّ إذا كان المـُقسَم به ذات الله المقدسة، ولا تنعقد أيضاً من الولد والزوجة مع منع الوالد والزوج إلاّ في فعل الواجب أو ترك المحرم. ولا تنعقد أيضاً من أحد كائناً مَن كان إذا حلف على الإتيان بفعل تركه أولى من فعله، أو حلف على ترك فعلٍ فعله أولى من تركه، إلاّ يمين الإيلاء فإنّها تنعقد مع أنّ تركها أولى.

____________________

(١) قال أكثر الإمامية: إنّ الحاكم يؤجل الزوج أربعة أشهر من حين رفع الأمر إليه، لا من حين الحلف.

٤٥٨

الوَصَايا

٤٥٩

٤٦٠