الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة0%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 650
المشاهدات: 239756
تحميل: 32078

توضيحات:

الفقه على المذاهب الخمسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 239756 / تحميل: 32078
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يسرّني أن أعرض في هذا الجزء أهم باب من أبوبا الفقه، وهو الميراث الذي له أبلغ التأثير في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. فقد بينت في الصفحات الآتية أقوال المذاهب الإسلامية، وأوجه الخلاف بين أربابها، والأسس التي بنوا عليها توزيع الميراث.

ويرى القارئ أنّ منهاج الشيعة الإمامية يختلف كل المخالفة عن منهاج السنّة، حيث ساوى أولئك بين الذكور والإناث في استحقاق الإرث، وحرم هؤلاء الإناث ومَن يتقرب بهنّ في كثير من الحالات.

هذا، إلى أنّ الإمامية وزعوا التركة على الوارثين بحسب مراتبهم الطبيعية، فاعتبروا الأبوين والأولاد في المرتبة الأُولى، وأحق الجميع في الميراث؛ لأنّهم يتقربون إلى الميت بلا واسطة. وجعلوا الأخوة والأخوات والأجداد والجدات في المرتبة الثانية؛ لأنّهم يتقربون إليه بواسطة واحدة، وهي الأب أو الأُم. وجعلوا الأعمام والعمات والأخوال والخالات في المرتبة الثالثة؛ لأنّهم يتقربون إليه بواسطتين، هما الجد أو الجدة، والأب أو الأُم. وكل مرتبة من هذه الثلاث أولى وأحق بتركة الميت ممّن يليها، فإذا فُقدت المرتبة الأُولى بكامل أفرادها انتقل استحقاق الإرث إلى الثانية، وإذا لم يوجد واحد من الثانية انتقل إلى الثالثة.

ولم تعتبر السنّة هذا الترتيب، فأشركوا العمّ في الميراث مع البنت، كما أنّهم ورّثوا الذكر وحرموا أخته من الميراث في بعض الحالات، فبنت الأخ لأبوين أو لأب لا ترث - عندهم - مع أخيها من أُمها وأبيها، بل الميراث له دونها، وكذلك العمة لأبوين أو لأب مع أخيها من أُمها وأبيها، ويتضح ذلك في هذه الصفحات بخاصة في الأمثلة التي جاءت في الجدول أو شبه الجدول الموجود في آخر هذا الجزء.

٤٦١

الوصايا

أجمعوا على صحة الوصية وجوازها في الشريعة الإسلامية، وهي تمليك عين أو منفعة مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع، وتصحّ في حالة الصحة والسلامة من الأمراض، وفي مرض الموت وغيره، وحكمها في الحالين سواء عند الجميع.

أركان الوصية:

أركان الوصية أربعة: الصيغة، والموصي، والموصى له، والموصى به.

الصيغة:

ليس للوصية لفظ خاص، فتصحّ بكل لفظ يعبّر عن إنشاء التمليك بعد الموت تبرعاً، فإذا قال الموصي: (أوصيت لفلانٍ بكذا) دلّ اللفظ بنفسه على الوصية دون أن يقيد بما بعد الموت، أمّا إذا قال: إعطوا أو إدفعوا، أو جَعلتُ، أو لفلان كذا، فلا بدّ من التقييد بما بعد الموت؛ لأنّ اللفظ لا يدل على قصد الوصية بدونه.

٤٦٢

وقال الإمامية والشافعية والمالكية: إذا اعتقل لسان المريض تصحّ وصيته بالإشارة المفهمة. ونقل الشعراني في ميزانه عن أبي حنيفة وأحمد عدم صحة الوصية في هذه الحال. وفي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج٣ باب الوصية نقلاً عن الحنفية والحنابلة: (إنّه إذا طرأ على لسانه مرض منعه من النطق فلا تصحّ وصيته إلاّ إذا استمر زمناً طويلاً، فصار كالأخرس بحيث يتكلم بالإشارة المعهودة، وحينئذ تكون إشارته وكتابته كالنطق).

ونقل الشعراني عن أبي حنيفة والشافعي ومالك: (إنّه لو كتب وصيته بخطه، وعلم أنّها بخطه ولكن لم يشهد فيها، لم يُحكم بها - أي لو وجدت وصية بخطه، ولم يكن قد أشهد عليها، ولا أقرّ بها أمام الناس لا تثبت الوصية مع العلم بصدورها عنه -.

وقال أحمد: بل يُحكم بها ما لم يعلم رجوعه عنها).

وقال المحققون من فقهاء الإمامية: تثبت الوصية بالكتابة؛ لأنّ ظواهر الأفعال حجة كظواهر الأقوال، والكتابة أخت اللفظ في الدلالة على ما في النفس، بل هي أدلّ وأولى من سائر القرائن(١) .

الموصي:

اتفقوا جميعاً على أنّ وصية المجنون في حال جنونه والصبي غير المميّز لا تصحّ. واختلفوا في وصية الصبي المميّز، فقال المالكية والحنابلة والشافعي في أحد قوليه: تجوز وصية مَن أتمّ عشر سنين؛ لأنّ الخليفة عمر أجازها.

وقال الحنفية: لا تجوز إلاّ إذا أوصى بتجهيزه ودفنه. ومعلوم أنّ

____________________

(١) الجواهر باب الوسيلة.

٤٦٣

هذا لا يحتاج إلى وصية.

وقال الإمامية: تجوز وصيته في وجوه البر والإحسان، ولا تجوز في غيرها؛ لأنّ الإمام الصادق أجازها في ذلك. (الجواهر، والأحوال الشخصية لأبي زهرة).

وقال الحنفية: (إذا أوصى البالغ حال إفاقته، ثمّ جن، فإن كان جنونه مطبقاً واستمر ستة أشهر بطلت الوصية، وإلاّ فلا، وإذا أوصى وهو سليم، ثمّ طرأ عليه وسواس حتى صار معتوهاً، واستمر كذلك حتى مات بطلت الوصية. (الفقه على المذاهب الأربعة ج٣ باب الوصية).

وقال الإمامية والمالكية والحنابلة: لا تبطل الوصية بعروض الجنون، وإن دام حتى الممات؛ لأنّ العوارض اللاحقة لا تبطل التصرفات السابقة.

وقال الحنفية والشافعية والمالكية: تجوز وصية السفيه.

وقال الحنابلة: تجوز في ماله، ولا تجوز على أولاده، فلو أقام وصياً عليهم لا يُعمل بوصيته. (الأحوال الشخصية لأبي زهرة، والفقه على المذاهب الأربعة ج٣ باب الوصية).

وقال الإمامية: لا تجوز وصية السفيه في أمواله، وتجوز في غيرها. فإذا أقام وصياً على أولاده صحّت الوصية، وإذا أوصى بإعطاء شيء من ماله بطلت. وتفرّد الإمامية بالقول: إنّ مَن أحدث بنفسه حدثاً بقصد الانتحار، ثمّ أوصى ومات بعد الوصية بطلت وصيته، أمّا إذا أوصى أوّلاً ثمّ انتحر صحّت الوصية.

وقال المالكية والحنابلة: لا تصحّ وصية السكران.

وقال الشافعية: لا تصحّ وصية المغمى عليه، وتصحّ وصية السكران المعتدي بسكره، أي مَن سكر باختياره.

وقال الحنفية: لا تصحّ وصية الهازل والمخطئ والمكرَه. (الفقه على المذاهب الأربعة ج٣ باب الوصية).

٤٦٤

وقال الإمامية: لا تصحّ وصية السكران والمغمى عليه، ولا الهازل، ولا المخطئ ولا المكرَه.

الموصى له:

اتفق الأربعة على عدم جواز الوصية لوارث إلاّ إذا أجاز الورثة.

وقال الإمامية: تجوز للوارث وغير الوارث، ولا تتوقف على إجازة الورثة ما لم تتجاوز الثلث، وكان عمل المحاكم في مصر على المذاهب الأربعة، ثمّ عدلت عنها إلى مذهب الإمامية، وما زال عمل المحاكم الشرعية السنّية في لبنان على عدم صحة الوصية للوارث، ومنذ بضع سنوات قدّم قضاتها مشروعاً إلى الحكومة يجيز الوصية لوارث، ورغبوا إليها في تبنّيه.

واتفقوا جميعاً على أنّ للذمي أن يوصي لمثله ولمسلم، وعلى أنّ للمسلم أن يوصي للذمي؛ لقوله تعالى:( لاَ يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ) (٨ - ٩ الممتحنة).

واختلفوا في صحة الوصية من مسلم لحربي(١) ، فقال المالكية والحنابلة وأكثر الشافعية: تصحّ.

____________________

(١) الذمي: هو الذي يدفع الجزية للمسلمين. أمّا الحربي عند الإمامية: فهو الذي لا يدفع الجزية وإن لم يحارب، وعند سائر المذاهب مَن شهر السلاح، وقطع السبيل. (البداية والنهاية لابن رشد ج٢ باب الحرابة). وقال الشهيد الثاني في المسالك باب الوصية: تصحّ الوصية لكل مَن لم يقاتلنا في الدين ذمياً كان أو حربياً؛ لقوله تعالى:( لاَ يَنْهَاكُمْ اللَّهُ ) الآية، ولقول الإمام الصادق: (إعطِ الوصية لمن أُوصي له، وإن كان يهودياً أو نصرانياً، إنّ الله يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) ولم يفرّق بين الحربي وغيره).

٤٦٥

وقال الحنفية وأكثر الإمامية: لا تصحّ. (المغني ج٦، والجواهر ج٤ باب الوصية).

واتفقوا على صحة الوصية للحمل بشرط انفصاله حياً؛ لأنّ الوصية تجري مجرى الميراث، والحمل يرث بالإجماع، فيجب أن يملك الموصى به أيضاً.

واختلفوا: هل يُشترط وجود الحمل حال الوصية أو لا؟

قال الإمامية والحنفية والحنابلة والشافعي في أصحّ قوليه: يُشترط ذلك، ولا يرث إلاّ إذا عُلم أنّه كان موجوداً حين الوصية، ويحصل العلم بذلك إذا وضعته حياً في مدة تقلّ عن ستة أشهر من تاريخ الوصية إذا كان لها زوج متمكن من مقاربتها، وإذا ولدته لستة أشهر أو أكثر لم يُعطَ الحمل شيئاً من الوصية لجواز تجدده، والأصل عدم الحمل حين الوصية. وهذا القول يبتني على عدم جواز الوصية للمعدوم.

وقال المالكية: تصحّ الوصية للحمل الموجود فعلاً، ولمن سيوجد في المستقبل، حيث ذهبوا إلى جواز الوصية للمعدوم(١) . (تذكرة الحلّي، والفقه على المذاهب الأربعة، والعدة في فقه الحنابلة باب الوصية).

وإذا أوصى للحمل فولدت ذكراً وأنثى قُسّم الموصى به بينهما بالسوية؛ لأنّ الوصية عطية لا ميراث، فأشبه ما لو أعطاهما شيئاً بعد ولادتهما.

واتفقوا على صحة الوصية للجهات العامة، كالفقراء والمساكين، وطلبة العلم، والمساجد والمدارس، واستثنى أبو حنيفة الوصية للمسجد وما إليه؛ لأنّ المسجد لا أهلية له للتمليك، وقال صاحبه محمد بن

____________________

(١) ومن فقهاء الإمامية الشيخ أحمد كاشف الغطاء يوافق المالكية على جواز الوصية للمعدوم، حيث قال في وسيلة النجاة باب الوصية: لا مانع من أن يُنشئ الموصي التمليكَ معلقاً على وجود الموصى له، فلا يملك إلاّ بعد الوجود، كا هي الحال في الوقف. ولكن قيّد ذلك بعدم قيام الإجماع على خلافه.

٤٦٦

الحسن: تصحّ، ويُصرف ناتج الموصى به في مصالح المسجد. وعلى هذا جرت سيرة المسلمين في شرق الأرض وغربها قديماً وحديثاً(١) .

واختلفوا فيما إذا كان الموصى به شخصاً معيناً: هل يُشترط القبول، ويكفي عدم الرد؟ قال الإمامية والحنفية: يكفي عدم الرد، فإذا سكت الموصى له، ولم يرد الوصية يملك الشيء الموصى به عند موت الموصي.

وقال الإمامية: إذا قَبِل في حياة الموصي فله الرد بعد موته، وإذا ردّ فله القبول أيضاً بعد الموت، إذ لا أثر للرد ولا للقبول في حال الحياة لعدم تحقق الملك. وقال الحنفية: إذا ردّ في الحياة فله القبول بعد الموت، وإذا قَبِل في الحياة فليس له الرد.

وقال الشافعية والمالكية: لا بدّ من القبول بعد الموت، ولا يكفي السكوت وعدم الرد. (تذكرة الحلّي، والفقه على المذاهب الأربعة).

وقال الأربعة: إذا مات الموصى له قبل موت الموصي بطلت الوصية، لأنّ الوصية عطية صادفت المعطي ميتاً فتبطل. (المغني ج٦ باب الوصية).

وقال الإمامية: إذا توفي الموصى له قبل الموصي، ولم يرجع الموصي عن وصيته قام ورثة الموصى له مقامه، ومثّلوا دوره في القبول والرد، فإذا لم يردّوا كان الموصى به ملكاً خاصاً بهم يقتسمونه بينهم قسمة ميراث، ولا يجب عليهم أن يفوا منه ديون مورّثهم، ولا أن ينفّذوا منه وصاياه، واستدلوا بأنّ القبول حق للمورث فينتقل هذا

____________________

(١) يختلف معنى المِلك باختلاف ما يُنسب إليه، فاذا نُسب إلى الإنسان يكون معناه السلطة والتصرف فيه كيف يشاء، وإذا نُسب إلى المسجد يكون معناه اختصاص فائدته به، ولا معنى لقول مَن قال: إنّ للمسجد وما إليه شخصية معنوية تصلح للإمتلاك والتمليك.

٤٦٧

الحق لورثته كخيار الرد، كما استدلوا بروايات عن أهل البيت(١) .

وقال مالك والشافعي في أحد قوليه: تصحّ الوصية للقاتل سواء أكان القتل عمداً أم خطأ.

وقال الحنفية: تصحّ مع إجازة الورثة، وتبطل بدونها.

وقال الحنابلة: تصحّ إن حصلت بعد الجرح الذي أفضى إلى الموت، وتبطل إن حصل القتل بعد الوصية. (أبو زهرة الأحوال الشخصية باب الوصية).

وقال الإمامية: تصحّ الوصية للقاتل ولغيره؛ لأنّ أدلة جواز الوصية عامة، فقوله تعالى:( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) يشمل القاتل وغيره، والاختصاص بغير القاتل يحتاج إلى دليل.

الموصى به:

اتفقوا على أنّ الشيء الموصى به يجب أن يكون قابلاً للتمليك، كالمال والدار ومنافعها، فلا تصحّ الوصية بما لا يقبل التمليك عرفاً كالحشرات، أو شرعاً كالخمر إذا كان الموصي مسلماً؛ لأنّ التمليك أُخذ في مفهوم الوصية، فإذا انتفى لم يبقَ لها موضوع.

واتفقوا على صحة الوصية بثمرة البستان سنة معينة، أو دائماً.

وتوسّع الإمامية في مفهوم الوصية إلى أقصى الحدود، وأجازوا فيها ما لم يجيزوه في البيع ولا في غيره، حيث ذهبوا إلى صحة الوصية بالمعدوم

____________________

(١) ويلزم الإمامية أنّه إذا رد الموصى له الوصية في حياة الموصي، ثمّ مات الموصى له بعد الرد وبعده مات الموصي، يلزمهم أن ينتقل القبول إلى الوارث في مثل هذه الحال؛ لأنّهم قالوا: لا أثر للرد ولا للقبول في حياة الموصي، ومن هنا التزم بعض علمائهم بذلك، وقال بانتقال حق القبول للوارث في مثل هذه الحال.

٤٦٨

المتوقع الوجود، وبما لا يقدر الموصي على تسليمه كالطير في الهواء والحيوان الشارد، وبالمجهول كالوصية بثوب أو حيوان، بل قالوا يجوز أن يتوغل الموصي في المبهمات إلى حد بعيد، فيقول: إعطوا فلاناً شيئاً أو قليلاً أو كثيراً أو جزءاً أو سهماً أو نصيباً(١) ، وما إلى ذلك، كل هذه لا يجوز فيها البيع، وتجوز فيها الوصية. وقال صاحب الجواهر: (لعلّ ذلك كله لعموم أدلة الوصية الشاملة لذلك كله، ولكل حق قابل للانتقال بل لعلّ الضابط في الوصية تعلّقها بكل شيء إلاّ ما علم خلافه)، أي ما خرج بالدليل كالخمر والخنزير والوقف، وحق القصاص وحد القذف، وما إلى ذاك. وقال بعضهم: لا يجوز بيع الفيل، وتجوز الوصية به.

وقال الشيخ محمد أبو زهرة في كتاب الأحوال الشخصية باب الوصية: (توسع الفقهاء في أحكام الوصية، وأجازوا فيها ما لم يجيزوه في غيرها، كالوصية بالمجهول، فإذا أوصيت بسهم أو بطائفة أو بشيء أو بقليل، وما إلى ذلك صحّت الوصية، وكان للورثة أن يعطوه أيّ قدر شاؤوا ممّا يتحمله اللفظ).

وهذا يتفق مع مذهب الإمامية، وعليه تكون هذه المسألة محل وفاق.

____________________

(١) في الشرائع والمسالك والجواهر أنّ الوصي إذا أوصى بلفظ مجمل لم يفسره الشرع رجع في تفسيره إلى الوارث، فإذا قال: إعطوه حظاً من مال، أو قسطاً، أو نصيباً، أو قليلاً، أو كثيراً وما إلى ذلك ممّا لا مقدّر له لغة وعرفاً وشرعاً، أعطاه الوارث كل ما يصدق عليه التموّل.

٤٦٩

مقدار الوصية

تنفذ الوصية التبرعية في مقدار الثلث فقط مع وجود الوارث، سواء أَصَدرت في المرض أو الصحة، وما زاد عن الثلث يفتقر إلى إجازة الورثة بالاتفاق. فإن أجازوا جميعاً جازت الوصية، وإن رفضوا بطلت، وإن أجاز البعض دون البعض نفذت في حق المجيز فيما زاد عن الثلث، ولا أثر لإجازة الوارث إلاّ إذا كانت من العاقل البالغ الراشد.

وقال الإمامية: إذا أجاز الورثة فلا يحق لهم العدول عن إجازتهم، سواء أكانت الإجازة في حياة الموصي أو بعد وفاته.

وقال الحنفية والشافعية والحنابلة:

لا يُعتبر الرد والإجازة إلاّ بعد موت الموصي، فلو أجازوا في حياته، ثمّ بدا لهم فردوا بعد وفاته كان لهم ذلك، سواء أكانت الإجازة في صحة الموصي أو في مرضه. (المغني).

وقال المالكية: إذا أجازوا في مرض الموصي فلهم الرد، وإذا أجازوا في صحته نفذ في حقهم، ولا يحق لهم الرد.

وقال الإمامية والحنفية والمالكية: متى حصلت الإجازة من الوارث لما زاد عن الثلث كان ذلك إمضاء لفعل الموصي وتنفيذاً له، وليس هبة

٤٧٠

من الوارث إلى الموصى له، وعليه فلا يفتقر إلى القبض، ولا تجري على الوصية أحكام الهبة.

واختلفوا فيمن أوصى بجميع أمواله وليس له وارث خاص، قال مالك: لا تجوز الوصية إلاّ في الثلث، وقال أبو حنيفة: تجوز في الجميع، وللشافعي وأحمد قولان، وللإمامية أيضاً قولان أصحّهما الجواز. (البداية والنهاية، وتذكرة الحلّي باب الوصية).

واتفقوا على أنّه لا ميراث ولا وصية إلاّ بعد وفاء الدين، أو البراءة منه، فالثلث الذي تنفذ فيه الوصايا إنّما هو الثلث الفاضل عن الدين، واختلفوا في الوقت الذي يقدّر فيه الثلث: هل هو الثلث عند الوفاة، أو عند قسمة التركة؟

قال الحنفية: يقدّر الثلث عند قسمة التركة، فكل زيادة أو نقص يعرض على التركة يشمل الورثة والموصى لهم، وقد وافق على ذلك بعض الحنابلة وبعض المالكية.

وقال الشافعية: يُعتبر الثلث وقت الوفاة. (أبو زهرة).

وقال الإمامية: يُحسب من التركة ما يملكه بعد الموت، كالدية في قتل الخطأ، وفي قتل العمد إذا صالح الأولياء على الدية، وكما إذا كان الميت قد نصب شبكة في حياته فوقع فيها طير أو سمك بعد وفاته، فكل ذلك يُضم إلى أصل التركة، ويخرج منه الثلث. وقولهم هذا قريب من قول الحنفية.

وقال الإمامية والشافعية والحنابلة: إذا كان على الميت زكاة أو كفارة واجبة أو حجة إسلام، وما إلى ذلك من الواجبات المالية تنفذ من أصل المال لا من الثلث، سواء أوصى بها أو لم يوصِ؛ لأنّها حق الله، وحق الله أحق أن يُقضى، كما جاء في الحديث، وإذا أوصى بها الميت، وعيّن مخرجها من الثلث يؤخذ بقوله رفقاً بالوارث.

وقال الحنفية والمالكية: إن أوصى بها تخرج من الثلث لا من الأصل،

٤٧١

وإن لم يوصِ بها تسقط بموته. (المغني، وتذكرة الحلّي، والبداية والنهاية).

واتفقوا على أنّ الوصية بالعبادة المستحبة تخرج من الثلث.

تزاحم الوصايا:

إذا تزاحمت الوصايا وضاق الثلث عن جميعها، كما لو أوصى لزيد بألف، وللفقراء بألفين، ولمسجد بثلاثة، وكان الثلث خمسة، ولم يُجز الوراثة الزائد، فما هو الحكم؟

قال المالكية والحنابلة والشافعية: يُقسّم الثلث بينهم على قدر وصاياهم، أي أنّ النقص يدخل على كل بنسبة وصيته. (المغني).

وقال الإمامية: إذا أوصى بوصايا عديدة لا يسعها الثلث، ولم يُجز الورثة الزائد، فإن كان بينها تضاد - كما لو قال: ثلثي لزيد، ثمّ قال: ثلثي لخالد - عُمل باللاحق دون السابق، إلاّ فإن كان بينها واجب وغير واجب قدّم الواجب على غيره، وإذا تساوت الوصايا في الأهمية فإن جمع الموصي بينها بكلام واحد فقال: إعطوا جَمالاً وأحمد ألفاً، وكان الثلث ٥٠٠، قُسّم هذا المبلغ بين الاثنين لكل واحد ٢٥٠، وإن قدّم وأخّر فقال: إعطوا جَمالاً ٥٠٠ وأحمد ٥٠٠، أُعطي المبلغ للأوّل وأُلغيت الوصية الثانية، لأنّ الأُولى استغرقت الثلث بكامله ولم يبقَ للثانية موضوع.

وقال الأربعة: إذا أوصى بشيء معيّن لإنسان، ثمّ أوصى به لآخر فهي بينهما مناصفة، فإذا قال: إعطوا السيارة لزيد بعد موتي، ثمّ قال: إعطوها لخالد، كانت شراكة بين الاثنين.

وقال الإمامية: بل هي للثاني؛ لأنّ الوصية الثانية عدول عن الأُولى.

وقال الإمامية: إذا أوصى لكل وارث بعين خاصة بقدر نصيبه

٤٧٢

تصحّ الوصية، مثلاً إذا قال: البستان لولدي إبراهيم، والدار لأخيه حسن، ولم يكن في ذلك محاباة تنفذ الوصية، لعدم المزاحمة لحق أحد من الوراث، ووافقهم على ذلك بعض الشافعية وبعض الحنابلة.

واتفقوا جميعاً على أنّ الشيء الموصى به إذا كان سهماً مشاعاً كالثلث أو الربع من مجموع التركة، أو من شيء خاص فيملكه الموصى له بوفاة الموصي، غائباً كان الموصى به أو حاضراً، فهو شريك للورثة في الحاضر يأخذ نصيبه منه، وكذلك متى حضر الغائب.

وإذا كان الموصى به متميزاً مستقلاً بعين معينة قال الإمامية والحنفية: لا يملك الموصى له هذه العين إلاّ إذا كان ضعف قيمتها في يد الورثة، أمّا إذا كان للموصي مال غائب أو ديون، وكان الشيء الموصى به أكثر من ثلث ما في أيدي الورثة كان لهم الحق في معارضة الموصى له، ومنعه عمّا زاد عن ثلث مجموع الموجود في أيديهم، بخاصة إذا كان الغائب في معرض الضياع أو يتعذر استيفاؤه، وإذا حضر شيء من الغائب استحق الموصى له من باقي العين الموصى بها ما يساوي ثلث المال الذي حضر، فإن لم يحضر شيء كان باقي العين للورثة.

الرجوع عن الوصية:

اتفقوا على أنّ الوصية ليست لازمة من طرف الموصي، ولا من طرف الموصى له، فللأوّل الرجوع عن وصيته سواء أكانت بعين أو بمنفعة أو بولاية، ويأتي الكلام عن الثاني، ويتحقق رجوع الموصي بالقول وبالفعل مثل أن يوصي بطعام فيأكله، أو يهبه أو يبيعه. ونُقل عن الحنفية أنّ البيع لا يُعد رجوعاً، وإنّما يكون للموصى له ثمن المبيع.

٤٧٣

الوصية بالمنفعة:

اتفقوا على صحة الوصية بالمنافع، كإجارة الدار، وسكناها، وثمرة البستان، ولبن الشاة، وما إلى ذلك من المنافع التي ستحدث، سواء أَحَصر المنفعة في مدة معينة أو أطلقها في كل زمان.

واختلفوا في كيفية خروج المنفعة من الثلث، قال الحنفية: إنّ الوصية بالمنفعة تقدّر بنفس العين الموصى بها، سواء أكانت المدة مؤقتة أو مؤبدة، فإذا أوصى بسكنى الدار سنة أو أكثر قوّمت الدار بكاملها، فإن وفّى ثمنها بمقدار الثلث نفذت الوصية، وإلاّ فلا تنفذ وتكون لغواً.

وقال الشافعية والحنابلة: تقدّر قيمة المنافع مجردة عن العين، فإن اتسع لها الثلث نفذت الوصية بكاملها، وإلاّ فبقدر ما يتسع له الثلث. (أبو زهرة).

وقال المحققون من الإمامية: إذا كانت المنفعة الموصى بها غير مؤبدة فأمرها سهل؛ لأنّ العين تبقى لها قيمة بعد إخراج تلك المنفعة، فإذا أوصى بمنفعة خمس سنوات قُوّم البستان بمجموعه أوّلاً، فإذا كانت قيمته عشرة آلاف قُوّم ثانيةً مسلوب المنفعة خمس سنوات، فإذا كانت خمسة آلاف يكون التفاوت خمسة آلاف تخرج من الثلث إن تحمّلها، وإلاّ كان للموصى له ما يتحمله الثلث سنة أو أكثر، أمّا إذا كانت المنفعة مؤبدة قُوّم البستان بكامله مع المنفعة، وجرت الحال كما في المنفعة المؤقتة.

إن قلتَ: كيف؟ وبأيّ شيء نُقوّم العين مسلوبة المنفعة، فإنّ ما لا منفعة منه لا قيمة له؟

قلتُ: بل هناك منافع لها قيمة وإن تكن يسيرة، فالبستان يُنتفع

٤٧٤

بما ينكسر من جذوعه، وبما يصيبه من اليبس، وإذا زال الشجر لسبب من الأسباب يُنتفع بأرضه، وإذا خربت الدار ولم يعمّرها الموصى له ينتفع الوارث بأحجارها وأرضها، والشاة ينتفع بلحمها وجلدها إذا ذُبحت، وعلى أيّة حال فلا تخلو العين من فائدة غير المنفعة الموصى بها.

٤٧٥

تصرفات المريض

المريض:

المراد بالمريض - هنا - مَن اتصل مرضه بموته، على أن يكون المرض مخوفاً، بحيث يظنّ الناس أنّ حياته في خطر، فوجع الضرس والعين والصداع الخفيف وما إليه لا يُعد من المرض المخوف، فهذا المريض ومَن تمرّض مرضاً مخوفاً، ثمّ عوفي منه، ومات بعد ذلك حكم عطيتهما حكم عطايا الصحيح.

تصرفات الصحيح:

ليس من شك ولا خلاف بين المذاهب أنّ الصحيح إذا تصرّف في أمواله تصرفاً مطلقاً ومنجزاً - أي غير معلق على الموت - نفذ تصرفه من الأصل، سواء أكان تصرفاً واجباً كوفاء الدين، أو محاباة كالهبة والوقف.

وإذا علق الصحيح تصرفاته على الموت كانت وصية كما تقدم، فإن

٤٧٦

لم تكن بالواجب المالي خرجت من الثلث، وإن كانت به فإن كانت قضاء دين فمن الأصل عند الإمامية والشافعية والحنابلة، ومن الثلث عند الحنفية والمالكية، كما مَر.

تصرفات المريض:

أمّا تصرفات المريض، فإن كانت معلقة على الموت فهي وصية، وحكمها ما أسلفنا في وصية الصحيح، إذ لا فرق في الوصية بين صدروها في حالة الصحة وحالة المرض، ما دام المريض ثابت العقل، كامل الإدراك والشعور.

وإذا تصرّف المريض تصرفاً مطلقاً غير معلق على الموت يُنظر، فإن عاد التصرف إلى نفسه كما لو اشترى ثياباً مثمنة، وتلذذ في مأكله ومشربه، وأنفق على دوائه وتحسين صحته، وسافر للراحة والاستجمام، وما إلى ذاك فكل تصرفاته صحيحة ليس لأحد عليه من سبيل وارثاً كان أو غير وارث.

وإن تصرّف بدون محاباة - كما لو باع أو أجّر، أو استبدل شيئاً من ممتلكاته بعوضه الحقيقي - ينفذ عمله من أصل المال، وليس للوارث معارضته؛ لأنّه لم يفوّت عليه شيئاً.

واذا تصرّف تصرفاً منجّزاً غير معلق على الموت وكان فيه محاباة، كما لو وهب أو تصدّق أو أبرأ من الدين، أو عفا عن الجناية الموجبة للمال، أو باع بأقل من قيمة المثل، أو اشترى بالأكثر، أو غير ذلك من التصرفات التي تستدعي ضرراً مالياً بالوارث - إذا كان

٤٧٧

تصرفه من هذا النوع - فإنّه يخرج من الثلث(١) . ومعنى كونه من الثلث أن نوقف التنفيذ إلى ما بعد الموت، فإن مات في مرضه واتسع الثلث للتبرعات المنجزة كُشف عن كونها نافذة من أوّل الأمر، وإن ضاق الثلث عنها كُشف عن فساد التصرف بمقدار الزائد عن الثلث، مع عدم إجازة الورثة.

بين الوصية ومنجّزات المريض:

الفرق بين الوصية ومنجّزات المريض: إنّ التصرف في الوصية معلق على الموت، أمّا المنجّزات فهي التي لم تعلق على الموت، سواء لم تعلق أبداً، أو علّقت على أمر آخر يصحّ فيه التعليق، كما لو نذر في مرضه أن يضحي بهذا الكبش إذا رُزق ذكراً، ثمّ ولِد له ذكر بعد موته، فيدخل في منجّزات المريض. وقد جاء في كتاب المغني في فقه الحنابلة، وكتاب التذكرة في فقه الإمامية أنّ منجّزات المريض تشترك مع الوصية في خمسة أشياء، وتفترق عنها في ستة. ويظهر من الاتفاق في لفظ العبارتين أنّ العلاّمة الحلّي صاحب التذكرة الذي توفي سنة ٧٢٦ﻫ قد

____________________

(١) أمّا الأربعة فقد اتفقوا على خروجها من الثلث، واختلف الإمامية فيما بينهم، فأكثر فقهائهم المتقدمين: على النفوذ من الأصل، وأكثر المتأخرين: على النفوذ من الثلث، ومن أنصار الثلث العلاّمة الحلّي والشهيدان وصاحب الجواهر، وصاحب الشرائع؛ لخبر أبي بصير عن الإمام الصادق: (للرجل عند موته ثلث ماله)، ولصحيح ابن يقطين:(للرجل عند موته الثلث والثلث كثير) ، ولم تفرق الأخبار بين الوصية والمنجّزات. وفي خبر علي بن عقبة في رجل أعتق مملوكاً له،(لا يعتق منه إلاّ الثلث) ، ولو قال الإمام بعد موته لا عند موته لكان حمل قوله على الوصية في محله.

٤٧٨

أخذ عن ابن قدامة صاحب المغني المتوفى سنة ٦٢٠ﻫ(١) . ومن المفيد أن نلخص أقوالهما فيما يلي:

أمّا الخمسة التي تشترك بها المنجّزات مع الوصية فهي:

١ - إنّ كلاً منهما يقف نفوذها على الخروج من الثلث، أو إجازة الورثة.

٢ - إنّ المنجّزات تصحّ للوارث عند الإمامية، تماماً كالوصية، وعند الأربعة لا تصحّ للوارث، كما أنّ الوصية كذلك.

٣ - إنّ كلاً منهما أقلّ ثواباً عند الله من الصدقة في حال الصحة.

٤ - إنّ المنجّزات يزاحم بها الوصايا في الثلث.

٥ - إنّ خروجها من الثلث معتبر حال الموت لا قبله ولا بعده. وأمّا الستة التي تفترق بها المنجّزات عن الوصية فهي:

١ - إنّ الموصي يجوز له الرجوع عن وصيته، ولا يجوز الرجوع للمعطي في المرض من عطيته إذا تحقق القبول والقبض من المعطى له، والسر أنّ الوصية تبرّع مشروط بالموت، فما دام الشرط لم يتحقق فإنّه يجوز العدول، أمّا العطية في المرض فهي مطلقة وغير مشروطة بشيء.

٢ - إنّ المنجّزات يكون قبولها أو ردها على الفور وفي حياة

____________________

(١) كثيراً ما ينقل العلاّمة عبارات المغني بالحرف، ويعتمد عليه في معرفة أقوال المذاهب، وقد تبين لي من الاستقراء والتتبع أنّ التعاون العلمي بين السنّة والشيعة فيما مضى كان أقوى بكثير ممّا عليه الآن، فالعلاّمة الحلّي ينقل في التذكرة أقوال المذاهب الأربعة والظاهرية وغيرهم من مذاهب السنّة، وزين الدين العاملي المعروف بالشهيد الثاني كان يدرس الفقه على المذاهب الخمسة في بعلبك ٩٥٣، وقد درس في دمشق والأزهر، وكذا الشيخ علي بن عبد العال المعروف بالمحقق الثاني (ت ٩٤٠ﻫ) درس في الشام والأزهر. وإن دل هذا على شيء فإنّما يدلّ على تجرد علماء الإمامية، وطلبهم العلم للعلم، وعلى عملهم بالحديث الشريف: (الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنّى وجدها)، كما يدلّ في الوقت نفسه على وحدة أصول الفقه ومصادره عند جميع المذاهب.

٤٧٩

المعطي، أمّا الوصية فلا حكم لقبولها ولا لردها إلاّ بعد الموت.

٣ - إنّ المنجّزات تفتقر إلى شروط، كالعلم بحقيقة العطية وعدم الضرر، والوصية لا يُشترط فيها ذلك.

٤ - إنّ المنجّزات تُقدّم على الوصية إذا ضاق الثلث عنهما معاً، إلاّ في العتق فإنّ الوصية به تُقدّم على غيره من العطايا المنجّزة، وهو رأي الإمامية والحنفية والشافعية. (التذكرة باب الوصية).

٥ - إنّ المنجّزات إذا ضاق عنها الثلث بُدئ بالأوّل فالأوّل عند الشافعية والحنابلة، أمّا الوصية إذا ضاق عنها الثلث فيدخل النقص على الجميع، كما أشرنا في تزاحم الوصايا. والإمامية يبدؤون بالأوّل فالأوّل في المنجّزات والوصايا.

٦ - إنّ المريض إذا مات قبل أن يُقبض المعطى له العطية كانت الخيرة للورثة، إن شاؤوا أعطوا وإن شاؤوا منعوا، أمّا الوصية فتلزم بالقبول بعد الموت بغير رضاهم.

ذكر هذا الأمر السادس صاحب المغني، ولم يذكره صاحب التذكرة، والأولى تركه، كما فعل العلاّمة الحلّي؛ لأنّ منجّزات المريض تشتمل على موضوعات شتى، منها الهبة، ومنها الإبراء من الدين، ومنها المحاباة في البيع أو الشراء، إلى غير ذلك. وإذا لم تنحصر المنجّزات في الهبة فلا يأتي القول (بأنّ المريض إذا مات قبل أن يُقبض المعطى له) هذا أوّلاً، وثانياً: إنّ المريض إذا وهب ومات قبل أن يُقبض الموهوب له تبطل الهبة عند الحنابلة والشافعية والإمامية والحنفية؛ لأنّ القبض شرط في اتمامها، وإن قبض الموهوب له قبل الموت تمت الهبة، وحُسبت من الثلث كالوصية، ولا يتوقف نفوذها على إجازة الورثة ما دامت لا تتجاوز الثلث، فهي قبل القبض وبعد الموت ليست من المنجّزات أصلاً، حتى يقال بأنّها تفترق عن الوصية وتجتمع معها، وبعد القبض

٤٨٠