الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة0%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 650
المشاهدات: 239752
تحميل: 32078

توضيحات:

الفقه على المذاهب الخمسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 239752 / تحميل: 32078
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يكون حكمها حكم الوصية. وبذا يتبين أنّ ذكر الأمر السادس في غير محله.

إقرار المريض:

اتفق الأربعة على أنّ المريض إذا أقر بدين لغير الوارث نفذ الإقرار من الأصل تماماً كالإقرار في الصحة، واختلوا إذا أقر للوارث، فقال الحنفية والحنابلة: لا يلزم باقي الورثة بهذا الإقرار، بل يكون الإقرار لغواً إلاّ إذا أقام الوارث بينة شرعية تُثبت الدين.

وقال المالكية: يصحّ الإقرار إذا لم يُتّهم الميت بالمحاباة، ويبطل إذا اتُّهم، كمن له بنت وابن عم فأقر لابنته لم يُقبل، وإن أقر لابن عمه قُبِل؛ لأنّه لا يُتّهم في أنّه يحرم ابنته ويفضّلها على ابن عمه. وعلة منع الإقرار التهمة، فاختص المنع بموضوعها. (المغني ج٥ باب الإقرار).

وقال الإمامية: إذا أقر - وهو في مرض الموت - لوارث أو لأجنبي بدين أو عين، يُنظر، فإن كان هناك قرائن يُظنّ معها أنّه غير صادق في إقراره، بل متّهم فيه، حيث يُستبعد في العادة أن يكون الشيء المقرّ به حقاً ثابتاً للشخص المقر له، ولكن لمريض يريد أن يؤثره على بره لسبب من الأسباب - إن كان الأمر على هذا - فحكم الإقرار حكم الوصية ينفذ من الثلث، وأن كان المريض مأموناً في إقراره بحيث لم يكن هناك أيّة قرينة تدلّ على أنّه كاذب في قوله - كما لو كان بينه وبين المقر له معاملة سابقة تستدعي ذلك بموجب العادة - ينفذ الإقرار من الأصل بالغاً ما بلغ.

هذا إذا عُلِم حال المقر، أمّا إذا جهل: هل هو مُتّهم أو مأمون؟ وقال الوارث: إنّ مورثه غير أمين بإقراره. فعلى المقَرِّ له بالمال أن يُثبت

٤٨١

أنّه يملك الشيء الذي أقر له به المريض، فإن أثبت ذلك بالبينة ينفذ الإقرار من الأصل، وإلاّ يحلف الوارث أنّه لا يعلم أنّ الشيء الذي أقر به المورث هو لفلان، ثمّ ينفذ الإقرار من الثلث. واستدل الإمامية بروايات عن أهل البيت مثل رواية أبي بصير:(إذا كان مصدقاً يجوز) وغيرها، و(إذا) تفيد الشرط، فيكون النفوذ مشروطاً بالأمانة والتصديق(١) .

____________________

(١) ملحق حاشية المكاسب للسيد كاظم اليزدي.

٤٨٢

الوصاية

الوصاية: هي أن يعهد إنسان لآخر بتجهيز وصاياه بعد موته، كوفاء ديونه واستيفائها، ورعاية أطفاله والإنفاق عليهم، وما إلى ذاك، ويعبّر عنها بالولاية، وبالوصية العهدية، ويُسمّى الشخص المعهود إليه بالوصي المختار.

شروط الوصي:

١ - أن يكون مكلّفاً، أي عاقلاً بالغاً؛ لأنّ المجنون والصغير لا ولاية لهما على أنفسهما، فكيف يتوليان أمور الغير؟! سوى أنّ الإمامية قالوا: لا تصحّ وصاية الصبي منفرداً، وتصحّ منضماً إلى البالغ، فيتصرف الكبير منفرداً حتى يبلغ الصغير فيشاركه في التصرف.

وقال الحنفية: إذا أوصى إلى صغير استبدله القاضي بغيره، وإذا تصرّف الصغير قبل أن يعزله القاضي صح تصرفه وكان نافذاً، وكذا إذا بلغ قبل العزل، فإنّه يستمر في الوصاية. (الفقه على المذاهب الأربعة، وتذكرة الحلّي).

٤٨٣

٢ - تعيين الوصي بالذات، فإذا أوصى إلى أحد هذين ولم يعيّن، بطلت الوصية.

٣ - تعيين الموصى به،فإذا أطلق الوصية وقال: فلانٌ وصي، ولم يبين على أي شيء، بطلت الوصاية عند الإمامية والحنفية والشافعية والحنابلة. ونُقل عن مالك أنّه يكون وصياً في كل شيء.

٤ - أن يكون الوصي مسلماً، فلا تصحّ وصية المسلم إلى غير المسلم بالاتفاق، ولكنّ الحنفية قالوا: إذا أوصى إلى غير المسلم كان على القاضي أن يستبدله بمسلم، إلاّ أنّ الوصية تقع صحيحة، فلو تصرّف الوصي غير المسلم قبل أن يخرجه القاضي، أو أسلم، يبقى على الوصاية كما هي الحال في الصبي.

٥ - قال الشافعية: يجب أن يكون الوصي عادلاً.

وقال المالكية والحنفية والمحققون من الإمامية: تكفي الأمانة والوثاقة؛ لأنّ العدالة هنا وسيلة وليست بغاية، فإذا قام الوصي بالمهام كما يجب فقد حصل المطلوب(١) .

وقال الحنابلة: إذا كان الوصي خائناً جعل القاضي معه أميناً، ويتفق هذا مع ما جاء في الجزء الثاني من منهاج الصالحين للسيد الحكيم، حيث قال: (إذا ظهرت منه الخيانة ضمّ إليه أميناً يمنعه عن الخيانة، فإن لم يمكن ذلك عزله ونصّب غيره).

٦ - جاء في الجزء الثالث من الفقه على المذاهب الأربعة باب الوصية: إنّ الحنفية والمالكية والشافعية يشترطون في الوصي أن يكون قادراً على

____________________

(١) اختلف الإمامية فيما بينهم: هل العدالة شرط في الوصي؟ فالمشهور على شرط العدالة، والمحققون على الاكتفاء بالأمانة والوثاقة، وقول ثالث على عدم ظهور الفسق. والحق هو الوسط؛ لعموم الأدلة الشاملة للعادل وغيره، وخرج عن الأدلة غير الأمين، لأنّ تصرفاته لا تحقق غرض الموصي، وتضر بالقاصر.

٤٨٤

القيام بما أوصي إليه به.

وقال العلاّمة الحلّي في التذكرة: الظاهر من مذهب علمائنا - أي الإمامية - جواز الوصية إلى مَن يعجز عن التصرف، وينجبر نقصه بنظر الحاكم، أي أنّ القاضي يشرف على تصرفاته بنفسه، أو يضمّ إليه أميناً قادراً.

رد الوصاية:

للموصي أن يرجع عن الوصاية، وللوصي أن يرفض ويرد مع إعلام الموصي بالرد؛ لأنّ الوصية العهدية في هذه الحال جائزة بالاتفاق. واختلفوا في جواز رد الوصاية من الوصي مع عدم إعلام الموصي، قال الإمامية والحنفية: لا يجوز للوصي أن يرد الوصية بعد الموت بحال من الأحوال، ولا أن يرد في حياة الموصي إلاّ مع إعلامه بالرد.

وقال الشافعية والحنابلة: للوصي أن يرد الإيصاء إليه ابتداء واستدامة دون قيد أو شرط، فيرد قبل قبول الوصية وبعدها، وفي حياة الموصي مع الإعلام وبدونه، وبعد موته أيضاً. (المغني ج٦ باب الوصية).

الوصية لاثنين:

واتفقوا على أنّ للميت أن يجعل الوصاية لاثنين أو أكثر، فإن نص على أنّ لكل منهما الاستقلال في التصرف، عمل بنصه، وكذا إذا نص على العمل مجتمعين فليس لأحدهما الانفراد عن الآخر. واختلفوا فيما إذا أطلق ولم يعيّن الاستقلال ولا الاجتماع، قال الإمامية والمالكية والشافعية والحنابلة: ليس لأحدهما الانفراد بالتصرف في شيء، فان تشاحنا ولم يجتمعا أجبرهما القاضي على الاجتماع، فإن تعذّر استبدل بهما.

٤٨٥

وقال الحنيفة: ينفرد كل واحد منهما بسبعة أشياء: كفن الميت، وقضاء دينه، وإنفاذ وصيته، ورد الوديعة بعينها، وشراء ما لا بدّ منه من الكسوة والطعام للصغير، وقبول الهبة له، والخصومة عن الميت فيما يدّعى له أو عليه؛ لأنّ هذه يشقّ الاجتماع عليها، ويضرّ تأخيرها، فجاز الانفراد بها. (وسيلة النجاة للسيد أبي الحسن في فقه الإمامية، والمغني ج٦ باب الوصية).

وقال في الوسيلة: لو مات أحد الوصيين، أو طرأ عليه الجنون، أو غير ذلك ممّا يوجب ارتفاع وصايته استقلّ الآخر، ولا يحتاج إلى ضم شخص جديد.

وقال في المغني: بل على القاضي أن يضمّ إليه أميناً؛ لأنّ الموصي لم يرضَ بنظر الباقي منهما وحده، ولم يُذكر خلافاً في ذلك إلاّ عن أصحاب الشافعي.

وإن ماتا معاً أو تغيّر حالهما بما يوجب عزلهما، فهل على القاضي أن يقيم اثنين مقامهما أو يكتفي بالواحد؟ فيه خلاف، والحق أنّ على القاضي أن يراعي المصلحة، فإن اقتضت إقامة اثنين فعل، وإلاّ اكتفى بالواحد؛ لأنّ المهم تأدية الوصية على وجهها، وتعدد الأوصياء غالباً ما يكون لسبب خاص من شفقة الوصي وعطفه على القاصر، أو لصداقة بينه وبين الموصي. ومهما شككنا في شيء فإنّنا لا نشكّ في أنّه إذا مات الوصي واحداً كان أو أكثر تكون الحال كأنّه لم يكن وصي من أوّل الأمر.

وقال الإمامية والشافعية والحنابلة في أظهر الروايتين عن أحمد: ليس للوصي أن يفوض أمر الوصاية إلى غيره بدون إذن الموصي.

وقال الحنفية والمالكية: يجوز للوصي أن يوصي إلى غيره بما أوصى به إليه غيره.

٤٨٦

الإيصاء بالزواج:

اختلفوا: هل لمن له الولاية في الزواج أن يوصي به، فيقول للوصي: أقمتكَ وصياً على زواج ابنتي فلانة أو ابني فلاناً؟ قال مالك: يجوز ذلك. وقال أحمد: إن نص الأب على زوج معيّن صحّت الوصاية بالزواج، وإلاّ فلا.

ونقل الشيخ أبو زهرة في كتاب الأحوال الشخصية باب الولاية عن جمهور الفقهاء أنّ الإيصاء بالزواج لا يجوز، وبه قال الإمامية.

إقرار الوصي:

إذا أقر الوصي بدين أو عين على الميت، فلا ينفذ إقراره بحق الصغير، ولا بحق غيره من الورثة؛ لأنّه إقرار بحق الغير، وعند الخصومة يُعتبر الوصي شاهداً يُشترط فيه ما يُشترط في الشاهد، إذا لم يكن هو أحد طرفي الدعوى.

وإذا شهد الوصي للأطفال أو للميت لا تُقبل شهادته؛ لأنّه يثبت لنفسه التصرف فيما يشهد به.

ضمان الوصي:

إذا تلف شيء في يد الوصي فلا ضمان عليه إلاّ مع التعدي والتقصير.

إذا كبر الصغير وادّعى الخيانة على الوصي أو التقصير، فالبينة على الصغير واليمين على الوصي؛ لأنّ الوصي أمين، وفي الحديث: (ليس على الأمين إلاّ اليمين).

ولكل إنسان أن يُقيم الدعوى على الوصي بأنّه خائن أو مقصّر، على

٤٨٧

شريطة أن يكون مخلصاً في قصده متقرباً إلى الله بعمله، أمّا إذا عُلِم بأنّه لا يبغي إلاّ التنكيل والتشهير بالوصي لعداوة بينهما فلا تُسمع دعواه.

إذا مات إنسان بدون وصية وتعذّر الرجوع إلى القاضي، يجوز لثقة أمين من المسلمين أن يتولى أموره فيما فيه الخير والصلاح، بخاصة في المسائل الضرورية التي لا يمكن تأخيرها، وعلى القاضي فيما بعد أن يمضي تصرفاته، ولا يجوز له فسخها.

إثبات الوصية:

اتفقوا على أنّ الوصية بالمال والمنفعة تثبت بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين من عدول المسلمين؛ لقوله تعالى:( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ ) . واختلفوا في قبول شهادة العدول من أهل الذمة في خصوص إثبات الوصية، قال الإمامية والحنابلة: تجوز شهادة أهل الكتاب في الوصية في خصوص السفر إذا لم يوجد غيرهم؛ لقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ) (١٠٦ المائدة).

وقال الحنفية والمالكية والشافعية: لا تُقبل شهادة غير المسلم بحال لا في الوصية ولا في غيرها، وقالوا: إنّ المراد بقوله تعالى( مِنْ غَيْرِكُمْ ) أي من غير عشرتكم، لا من غير دينكم. (المغني ج٩ باب الشهادة).

وقال الشافعية والحنابلة والإمامية: يثبت المال بشاهد واحد ويمين.

وقال الحنفية: لا يقضى بشاهد ويمين. (المغني ج٩ باب الشهادة، والجواهر باب الشهادة).

وقال الإمامية: يثبت ربع المال الموصى به بشهادة امرأة واحدة، ونصفه بشهادة امرأتين، وثلاثة أرباعه بثلاث نساء، والكل بأربع،

٤٨٨

بشرط العدالة في جميع الحالات، وهذا الحكم ممّا اختص به الإمامية من دون المذاهب؛ للنصوص الصحيحة عن أهل البيت.

هذا بالنسبة إلى الوصية بالمال أو المنفعة، أمّا الوصاية فلا تثبت إلاّ بشهادة رجلين مسلمين عدلين، فلا تُقبل شهادة أهل الكتاب، ولا شهادة النساء منفردات ولا منضمات، ولا شهادة رجل ويمين باتفاق الجميع.

٤٨٩

٤٩٠

المـَواريث

٤٩١

٤٩٢

أحكام التركة

التركة:

المراد بتركة الميت الأشياء التالية:

١ - ما ملكه قبل الموت عيناً كان أو ديناً، أو حقاً مالياً - كحق التحجير - كما لو قصد إحياء أرض موات فحجرها بحائط ونحوه، فيكون أولى بها من غيره، أو حق الخيار في بيع أو شراء، أو حق الشفعة، أو القصاص والجناية إذا كان ولياً عن المقتول، كما لو قتل ولده شخص، ثمّ مات القاتل قبل الاستيفاء منه، فإنّ حق القصاص ينقلب مالاً يؤخذ من تركة القاتل تماماً كالدين.

٢ - ما يملكه بالموت، كالدية خطأً أو عمداً، كما إذا أخذ الأولياء الدية من القاتل بدلاً عن القصاص، فحكم الدية حكم سائر الأموال يرث منها الجميع، حتى الزوج والزوجة(١) .

٣ - ما يملكه بعد الموت، كالصيد الواقع في الشبكة التي نصبها في حياته، وكما إذا كان مديوناً فأبراه صاحب الدين بعد مماته، أو

____________________

(١) قال صاحب الجواهر: إنّ المشهور بين فقهاء الإمامية عدم توريث مَن يتقرب بالأُم من دية الخطأ والعمد، أمّا القصاص فيرثه مَن يرث المال عدا الزوج والزوجة، ولكنّهما يرثان دية القصاص.

٤٩٣

تبرع متبرع بوفاء ديونه، أو جنى عليه جانٍ بعد موته، فقطع يده أو رجله، فأخذ منه الدية، كل هذه تُحسب من التركة(١) .

الحقوق المتعلقة بالتركة:

يتعلق بتركة الميت حقوق متنوعة، منها ما يخرج من الثلث، وتقدّم الكلام عنها في باب الوصية. ومنها ما يخرج من الأصل، وهي أيضاً على أنواع: فإن وفى بها المال نفذت بكاملها، وما يفضل عنها وعن الوصية فللورثة بالاتفاق، وإن ضاق المال عن جميعها يُقدّم الأهم على المهم، فإن بقي شيء بعد استيفاء السابق بُدئ باللاحق، وإلاّ اختصر التنفيذ على المتقدم. واختلفوا في كيفية ترتيب الحقوق وتعيين الأهم منها:

قال الإمامية: يُبتدأ أوّلاً وقبل كل شيء بالتجهيز الواجب من ثمن الكفن، وتكاليف الغسل، وأجرة الحمل والحفر إن دعت الحاجة إليها، أوصى بذلك أو لم يوصِ، فتجهيز الميت عندهم مقدم على الديون، سواء أكانت حقاً لله أم حقاً للناس، وممّا استدلوا به رواية السكوني عن الإمام جعفر الصادق: (أوّل شيء يبدأ به من المال الكفن، ثمّ الدين، ثمّ الوصية، ثمّ الميراث). واختلف فقهاء الإمامية فيما بينهم في صورة ما لو تعلق حق الغير بعين التركة، كما إذا مات عن عين بعد أن رهنها عند زيد، وكانت كل ما يملك، فذهب جماعة منهم إلى أنّ حق التجهيز مقدّم على حق الرهانة؛ لإطلاق الروايات، ومنها رواية السكوني المتقدمة التي لم تفرق بين المال المرهون وغير المرهون، وذهب آخرون إلى أنّ حق الرهانة مقدّم؛ لأنّ صاحب المال ممنوع شرعاً

____________________

(١) سفينة النجاة للشيخ أحمد كاشف الغطاء باب الوصايا.

٤٩٤

من التصرف في المرهون، والممنوع شرعاً كالممنوع عقلاً(١) .

وبعد التجهيز يبدأ بوفاء الدين، سواء أكان للناس، أم لله، كالخمس والزكاة والكفارات ورد المظالم(٢) وحجة الإسلام، وما إلى ذلك من الحقوق المالية الإلهية وغير الإلهية، فإنّها جميعاً في مرتبة واحدة، فإذا لم يفِ المال وزِّع على الجميع بالنسبة تماماً كغرماء المفلس(٣) ، ولا يُستثنى من ذلك إلاّ الخمس والزكاة إذا تعلقا بعين النصاب الموجودة بالفعل، فيقدمان - والحال هذه - على غيرهما، أمّا إذا كانا في الذمة فحالهما كحال سائر الديون.

وتتفق المذاهب الأربعة مع الإمامية على أنّ التجهيز يقدّم على الديون التي تتعلق بالتركة قبل الوفاة، ثمّ اختلف الأربعة فيما بينهم في تقديم التجهيز على الديون المتعلقة بالتركة، كالعين التي رهنها المالك قبل موته، قال الحنفية والمالكية والشافعية: إنّ الحقوق المتعلقة بأعيان التركة تُقدّم على التجهيز. (حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم ج١ فصل الميت، وأبو زهرة الميراث عند الجعفرية ص٤٠ طبعة ١٩٥٥).

____________________

(١) هذا دليل السيد الحكيم في المستمسك باب كفن الميت. وقال الشيخ محمد أبو زهرة في كتاب (الميراث عند الجعفرية): (يظهر في هذه الحال أنّ حق الدائنين حق عيني يسبق كل الحقوق)، ينسب الشيخ بعبارته هذه إلى الإمامية الاتفاق على تقديم حق الرهانة على التجهيز، مع أنّ المسألة خلافية بينهم، ولا شهرة لأحد القولين حتى تصحّ نسبة الاتفاق.

(٢) تفترق أموال المظالم عن المغصوب: إنّ المظالم أن يختلط المال الحرام بغيره ولا يمكن تمييزه مع الجهل بصاحبه، والمغصوب معلوم مالكه. وتفترق المظالم عن مجهول المالك: إنّ مجهول المالك لا يُشترط فيه الجهل بالمال والاختلاط بالغير، وحكم المظالم التصدق بها عن صاحبها بعد اليأس من معرفته.

(٣) قال السيد الحكيم في الجزء السابع من مستمسك العروة مسألة ٨٣: (هذا - أي التوزيع بالنسبة - هو المعروف بيننا، وتقتضيه قاعدة الترجيح بلا مرجح)، وقول الرسول: (دين الله أحق أن يُقضى) لا يراد منه التفضيل، بل مجرد البيان بأنّ حق الله يجب قضاؤه ولا يجوز إهماله.

٤٩٥

وقال الحنابلة: يقدّم التجهيز على جميع الحقوق والديون، ولو برهن وإرش الجناية وغيرهما. (التنفيح في فقه الحنابلة ص٧١ المطبعة السلفية).

وإجمالاً يقدّم التجهيز على الديون غير المتعلقة بأعيان التركة عند الجميع، وتُقدّم الديون المتعلقة بالتركة على التجهيز عند الحنفية والشافعية والمالكية، ويقدّم التجهيز في هذه الصورة عند الحنابلة، أمّا الإمامية فمنهم مَن وافق الثلاثة، ومنهم مَن وافق الحنابلة.

الورثة وتركة الميت:

اتفقوا على أنّ التركة تنتقل إلى ملك الورثة بمجرد الموت إذا لم يكن هناك دين ولا وصية، كما اتفقوا أيضاً على انتقال ما زاد على الدين والوصية إلى الورثة. واختلفوا فيما يساوي الدين والوصية من التركة: هل ينتقل إلى الورثة أم لا؟

قال الحنفية: إنّ الجزء الذي تساوي قيمته مقدار الدين لا يدخل في ملك الورثة، وعليه فإذا كانت مستغرقة بالدين فالورثة لا يملكون شيئاً منها، ولكنّ لهم حق استخلاصها من الدائن بسداد ما عليها من الدين، وإذا لم تكن التركة مستغرقة بالدين فيملكون منها ما لا يقابل الدين.

وقال الشافعية وجمهور الحنابلة: إنّ ملكية الورثة تثبت في التركة المدينة، سواء أكان الدين يقابل جميع التركة أو بعضها، إلاّ أنّ الدين يتعلق بها جميعاً، وهي ضامنة له. (أبو زهرة الميراث عند الجعفرية).

واختلف الإمامية فيما بينهم، فذهب أكثر فقهائهم إلى أنّ التركة تنتقل إلى الورثة في الدين المستغرق لها وغير المستغرق، وأنّ الدين يتعلق بها بنحو من الأنحاء، إمّا كتعلق حق الرهانة، وإمّا كتعلق حق الجناية القائم بالعبد الجاني، وإمّا تعلقاً مستقلاً لا يشبه هذا ولا ذاك. وعلى أيّة

٤٩٦

حال فالدين لا يمنع من أصل الميراث، وإنّما يُمنع من التصرف فيما يقابل الدين، وهذا قريب من رأي الشافعية. (الجواهر، والمسالك باب الميراث).

وتظهر فائدة الخلاف في النماء المتخلل بين الوفاء ووفاء الدين، فعلى قول الشافعية والحنابلة وأكثر الإمامية يكون النماء للورثة، يتصرفون فيه دون معارض من أصحاب الدين وغيرهم، وعلى رأي الحنفية يكون النماء تابعاً للتركة في تعلق الديون المتعلقة به.

٤٩٧

الموجبات والموانع

الموجبات:

القرابة، والنكاح بعقد صحيح، والولاء. ولنا أن نُرجع هذه الموجبات إلى أمرين فقط، إلى سبب ونسب، فالنسب: هو القرابة، والسبب: يشمل النكاح والولاء. والولاء: رابطة بين شخصين تجعل بينهما لحمة كلحمة النسب، فمن اعتق عبده يصبح مولى له، ويرث إن لم يكن للعبد المعتَق وارث، ونترك الحديث عن الولاء بشتى معانيه وأقسامه؛ لأنّه لا وجود له اليوم، ونتكلم عن الموجبين الآخرين:

وتتحقق القرابة بعلاقة الولادة الشرعية بين شخصين، أمّا بانتهاء أحدهما إلى الآخر، كالآباء وإن علو، والأبناء وإن نزلوا، وأمّا بانتهائهما إلى ثالث، كالإخوة والأعمام والأخوال. والولادة الشرعية تشمل الزواج الشرعي، والنكاح بشبهة. أمّا الزوجية فلا تتحقق إلاّ بعقد صحيح بين الرجل والمرأة. ولا خلاف في ثبوت التوارث بين الزوجين، وإنّما الخلاف في توريث بعض الأقارب، فقد نفاهم الشافعية والمالكية من الميراث كلية، واعتبروهم تماماً كالأجانب، وهم:

٤٩٨

ولد البنات، وولد الأخوات، وبنات الإخوة، وولد الإخوة من الأُم، والعمات من جميع الجهات، والعم من الأُم، والأخوال والخالات، وبنات الأعمام، والجد أبو الأم، فإذا مات إنسان ولا قريب له إلاّ واحد من هؤلاء تكون تركته لبيت المال، ولا يُعطون شيئاً عند الشافعي والمالكي؛ لأنّهم ليسوا من ذوي الفروض، ولا من العصبات. (المغني ج٦ ص ٢٢٩ الطبعة الثالثة).

وذهب الحنفية والحنابلة إلى توريثهم في حالة خاصة، وهي إذا فُقد أصحاب الفروض والعصبات.

وقال الإمامية بتوريثهم بدون هذا القيد، ويأتي التفصيل:

موانع الإرث:

اتفقوا على أنّ موانع الإرث ثلاثة: اختلاف الدِّين، والقتل، والرق. ونهمل الكلام عن الرق، ونتكلم عن المانعين الآخرين.

اختلاف الدِّين:

اتفقوا على أنّ غير المسلم لا يرث المسلم(١) . واختلفوا هل يرث المسلم من غير المسلم؟

قال الإمامية: يرث.

وقال الأربعة: لا يرث.

وإذا كان أحد أبناء الميت أو أقاربه غير مسلم، ثمّ أسلم بعد موت

____________________

(١) المسلم يعمّ جميع أهل القبلة، فالسنّي يرث الشيعي وبالعكس بنص الكتاب والسنّة والإجماع، بل هذا الحكم من ضرورات الدين تماماً كوجوب الصوم والصلاة.

٤٩٩

المورِّث وبعد قسمة التركة بين الورثة فلا يرث بالاتفاق، واختلفوا إذا أسلم بعد الموت وقبل القسمة: هل يرث أو لا؟

قال الإمامية والحنابلة: يرث.

وقال الشافعية والمالكية والحنفية: لا يرث.

وقال الإمامية: إذا كان الوارث المسلم واحداً يختص بالإرث، ولا ينفع إسلام مَن أسلم في استحقاق الإرث.

المرتد:

والمرتد عن دين الإسلام لا يرث عند الأربعة، سواء أكان ارتداده عن فطرة أم عن ملّة(١) ، إلاّ أن يرجع ويتوب قبل القسمة. (المغني ج٦).

وقال الإمامية: المرتد عن فطرة إذا كان رجلاً يُقتل ولا يُستتاب، وتعتدّ امرأته عدة الوفاة من حين الارتداد، وتُقسّم تركته وإن لم يُقتل، ولا تُقبل توبته بالنسبة إلى فسخ الزواج وتقسيم التركة ووجوب القتل، وتُقبل في الواقع وعند الله، وبالنسبة إلى الأمور الأخرى من طهارة بدنه وصحة عبادته، كما أنّه يملك بعد التوبة الأموال الجديدة بسبب العمل والتجارة والإرث.

أمّا المرتد عن ملّة فإنّه يُستتاب، فإن تاب فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، وإلاّ قُتل، وتعتدّ زوجته من حين الارتداد عدة الطلاق، فإن تاب في العدة رجعت إليه، ولا تُقسّم تركته حتى يُقتل أو يموت.

أمّا المرأة فلا تُقتل، سواء أكان ارتدادها عن فطرة أم عن ملّة، بل

____________________

(١) المرتد عن فطرة: مَن ولِد مسلماً ثمّ رجع عن الإسلام. والمرتد عن ملّة: مَن ولِد كافراً فأسلم وبعد الإسلام رجع عنه.

٥٠٠