الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة0%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 650
المشاهدات: 239658
تحميل: 32078

توضيحات:

الفقه على المذاهب الخمسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 239658 / تحميل: 32078
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ونقل العلاّمة الحلّي في التذكرة عن بعض الشافعية: عدم الفرق بين الشك في الأثناء والشك بَعد الفراغ، حيث أوجب الإتيان بالمشكوك فيه وما بعده في كلتا الحالتين.

وقال الحنفية: يلاحظ كل عضو مستقلاً، فإن شك فيه قَبل أن ينتقل إلى غيره أعاده وإلاّ فلا، مثلاً - مَن شك بغسل الوجه قَبل الابتداء باليد يعيد، وإن ابتدأ بها مضى ولا يلتفت.

واتفق الجميع على أنّه لا شك لكثير الشك، أي أنّ الوسواسي لا اعتبار بشكّه، فيجب عليه المضي في جميع الحالات.

٤١

الغسل

الأغسال الواجبة على أنواع:

(١) الجنابة.

(٢) الحيض.

(٣) النفاس.

(٤) موت المسلم.

وهذه الأربعة محل وفاق عند الجميع. وزاد الحنابلة نوعاً خامساً، وهو (إسلام الكافر).

وقال الشافعية والإمامية: إذا أسلم الكافر مجنباً وجب عليه الغسل للجنابة لا للإسلام، وإن لَم يكن جنباً فلا يجب عليه الغسل. وقال الحنفية: لا يجب عليه الغسل بحال جنباً كان أو غير جنب. (المغني لابن قدامة ج١ ص ٢٠٧).

وزاد الإمامية على الأغسال الأربعة الأُولى غسلين آخرين، وهما: (غسل المستحاضة، والغسل مَن مس الميت). فإنّهم أوجبوا الغسل على مَن مس ميتاً بَعد برده بالموت، وقَبل تطهيره بالغسل، ويأتي التفصيل.

ومِن هذا يتبين أنّ عدد الأغسال الواجبة أربعة عند الحنفية والشافعية، وخمسة عند الحنابلة والمالكية، وستة عند الامامية.

غسل الجنابة

تتحقق الجنابة الموجبة للغسل بأمرين:

١ - نزول المني في النوم أو اليقظة. قال الإمامية والشافعية: إذا نزل المني

٤٢

وجب الغسل مِن غير فرق بين نزوله بشهوة أو دونها.

وقال الحنفية والمالكية والحنابلة: لا يجب الغسل إلاّ مع مقارنة اللذة لخروج المني، فإن خرج لضربة أو برد أو مرض لا عن شهوة فلا غسل فيه، أمّا إذا انفصل المني مِن صلب الرجل أو ترائب المرأة، ولَم ينتقل إلى الخارج فلا يجب الغسل إلاّ عند الحنابلة.

(فرع)

لو استيقظ النائم فرأى بللاً لا يعلم أنّه مني أو مذي، قال الحنفية: يجب الغسل. وقال الشافعية والإمامية: لا يجب؛ لأنّ الطهارة متيقنة، والحدث مشكوك. وقال الحنابلة: إن كان قَبل نومه قد نظر أو فكّر بلذة فلا يجب الغسل، وإن كان لَم يسبق النوم سبب يوجب اللذة وجب أن يغتسل مِن البلل المشتبه.

٢ - التقاء الختانين، وهو إيلاج رأس الإحليل، أو مقداره مِن مقطوع الحشفة في قُبلٍ أو دبرٍ. واتفقوا على أنّه يوجب الغسل مِن غير إنزال، ولكن اختلفوا في الشروط، وأنّه هل مجرد الإيلاج كيف اتفق يوجب الغسل، أو لا يوجبه إلا بنحو خاص؟

قال الحنفية يجب الغسل بشروط، وهي: (أولاً) البلوغ، فلو كان البالغ المفعول دون الفاعل، أو الفاعل دون المفعول، وجب الغسل على البالغ فقط، ولا يجب عليهما لو كانا صغيرين. (ثانياً) أن لا يوجد حائل سميك يمنع مِن حرارة المحل. (ثالثاً) أن يكون الموطوء إنساناً حياً، فلا يجب الغسل بالإيلاج ببهيمة أو ميت.

وقال الامامية والشافعية: إنّ مجرد إيلاج الحشفة أو مقدارها كافٍ في وجوب الغسل مِن غير فرق بين البالغ وغير البالغ، والفاعل والمفعول، ووجود الحائل وعدمه والاضطرار والاختيار، وسواء أكان الموطوء حياً أو ميتاً أو بهيمة أو إنساناً.

وقال الحنابلة والمالكية: يجب الغسل على الفاعل والمفعول مع عدم وجود

٤٣

حائل يمنع اللذة، مِن غير فرق بين إنسان أو بهيمة، وسواء أكان الموطوء حياً أو ميتاً.

أمّا البلوغ فقال المالكية: يجب الغسل على الفاعل إذا كان مكلّفاً، والمفعول يحتمل الوطء، ويجب على المفعول إذا كان الواطئ بالغاً، فالتي وطأها صبي لا يجب عليها الغسل إذا لَم تنزل. واشترط الحنابلة أن لا ينقص سن الذكر عن عشر سنين، والأنثى عن تسع.

ما يتوقف على غسل الجنابة

يتوقف على غسل الجنابة كل ما يتوقف على الوضوء، كالصلاة والطواف ومس كتابة المصحف، ويزيد على ذلك المكث في المسجد، فقد اتفق الجميع على أنّه لا يجوز للجنب أن يمكث في المسجد، واختلفوا في جواز المرور، كما لو دخل الجنب مِن باب وخرج مِن باب.

قال المالكية والحنفية: لا يجوز إلاّ لضرورة.

وقال الشافعية والحنابلة: يجوز المرور مِن غير مكث.

وقال الإمامية: لا يجوز المكث ولا المرور في المسجد الحرام ومسجد الرسول، ويجوز المرور دون المكث في غيرهما مِن المساجد للآية ٤٣ مِن سورة النساء:( وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ ) ، أي لا تقربوا مواقع الصلاة مِن المساجد إلاّ عابري سبيل. واستثنوا مِن الآية المسجدين السابقين للأدلة الخاصة.

أمّا تلاوة القرآن، فقال المالكية: يحرم على الجنب أن يقرأ شيئاً مِن القرآن إلاّ يسيراً بقصد التحصّن والاستدلال، ويقرب مِن قولهم هذا ما ذهب إليه الحنابلة.

وقال الحنفية: لا يجوز إلاّ إذا كان الجنب معلّماً للقرآن كلمة كلمة. وقال الشافعية: يحرم حتى الحرف الواحد إلاّ إذا كان بقصد الذكر، كالتسمية على الأكل.

٤٤

وقال الإمامية: لا يحرم على الجنب إلا تلاوة سور العزائم الأربع، حتى بعضها، وهي: اقرأ، والنجم، وحم السجدة، والم تنزيل. ويجوز قراءة ما عداها، ولكن يكره ما زاد على سبع آيات، وتتأكد الكراهة فيما زاد على سبعين.

وزاد الإمامية (صوم شهر رمضان وقضاءه)، فإنّهم قالوا: لا يصح الصوم إذا أصبح الصائم جنباً متعمداً أو ناسياً، أمّا إذا نام في النهار أو في الليل وأصبح محتلماً، فلا يبطل صومه. وانفردت الامامية بهذا الحكم عن سائر المذاهب.

واجبات غسل الجنابة

يجب في غسل الجنابة ما يجب في الوضوء مِن إطلاق الماء وطهارته مع طهارة الجسم، وعدم حاجب يمنع مِن إيصال الماء إلى البشرة كما تقدم في الوضوء، ويجب فيه النية إلاّ عند الحنفية فإنّهم لَم يعدّوها مِن الشروط لصحة الغسل.

والمذاهب الأربعة لَم توجب الغسل بكيفية خاصة، وإنّما أوجب أن يعم الماء جميع البدن كيف اتفق، مِن غير فرق بين الابتداء مِن أعلى أو مِن أسفل، وزاد الحنفية وجوب المضمضة والاستنشاق، وقالوا: يستحب البدء بغسل الرأس، ثمّ الأيمن، ثمّ الأيسر.

وقال الشافعية والمالكية: تستحب البداءة بأعالي الجسد قَبل أسافله، ما عدا الفرج حيث يستحب تقديمه على الجميع.

وقال الحنابلة: يستحب تقديم الشق الأيمن على الأيسر.

وقسّم الإمامية غسل الجنابة إلى نوعين: ترتيب، وارتماس. والترتيب: هو أن يصب المغتسِل الماء على جسمه صباً، وفي هذا الحال أوجبوا الابتداء بالرأس ثمّ بالأيمن ثمّ بالأيسر، فلو أخلّ وقدّم المؤخَّر أو أخّر المقدَّم، بطل الغسل.

٤٥

والارتماس: هو غمس تمام الجسم تحت الماء دفعة واحدة، فلو خرج جزء منه عن الماء لَم يكف.

والغسل مِن الجنابة يغني عند الإمامية عن الوضوء، حيث قالوا: كل غسل معه وضوء إلاّ غسل الجنابة. والمذاهب الأربعة لَم تفرق بين غسل الجنابة وغيره مِن الأغسال، مِن حيث عدم الاكتفاء به فيما يشترط به الوضوء.

٤٦

الحيض

الحيض في اللغة: السيل. وفي اصطلاح الفقهاء: الدم الذي تعتاد المرأة رؤيته في أيام معلومة، وله تأثير في ترك العبادة وانقضاء عدة المطلقة، وهو في الأغلب أسود أو أحمر غليظ حار، له دفع، وقد يأتي على غير هذه الأوصاف حسبما تستدعيه الأمزجة.

سن الحائض

اتفق الجميع على أنّ ما تراه الأنثى قَبل بلوغها تسع سنين لا يمكن أن يكون حيضاً، بل هو دم علّة وفساد، وكذا ما تراه الآيس المتقدمة في السن. واختلفوا في تحديد سن اليأس، فقال الحنابلة: خمسون.

وقال الحنفية: خمس وخمسون.

وقال المالكية: سبعون.

وقال الشافعية: ما دامت الحياة فالحيض ممكن، وإن كان الغالب انقطاعه بعد سن ٦٢.

٤٧

وقال الإمامية: حد اليأس ٥٠ سنة لغير القرشية وللمشكوك في أنّها قرشية، أمّا القرشية المعلومة فستون.

مدة الحيض

قال الحنفية والإمامية: أقل مدة الحيض ثلاثة أيام، وأكثرها عشرة، وكل دم لا يستمر ثلاثاً أو يتجاوز عشراً فليس بحيض.

وقال الحنابلة والشافعية: أقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً.

وقال المالكية: أكثره خمسة عشر لغير الحامل، ولا حد لأقله.

واتفق الجميع على أنّه لا حد لأكثر الطهر الفاصل بين حيضتين، أمّا أقله فثلاثة عشر يوماً عند الحنابلة، و١٥ عند الحنفية والشافعية والمالكية.

وقال الإمامية: أقل الطهر أكثر مدة الحيض، أي ١٠.

(فرع)

اختلفوا في اجتماع الحيض مع الحمل، وإنّ ما تراه الحامل مِن الدم هل يمكن أن يكون حيضاً؟ قال الشافعية والمالكية وأكثر فقهاء الامامية: يجتمع الحيض والحمل.

وقال الحنفية والحنابلة والشيخ المفيد مِن الإمامية: لا يجتمعان بحال.

أحكام الحائض

يحرم على الحائض كل ما يحرم على الجنب مِن مس كتابة المصحف، والمكث في المسجد، ولا يقبل منها الصوم والصلاة أيام الحيض، ولكن عليها أن تقضي ما فاتها مِن صوم رمضان دون ما فاتها مِن الصلاة؛ للأحاديث، ودفعاً للمشقة بتكرار الصلاة بكثرة دون الصيام. ويحرم طلاق الحائض، ولكن إذا وقع صح ويأثم المطلِّق، عند الأربعة، ويبطل الطلاق عند الإمامية، إذا

٤٨

كان قد دخل بها، أو كان الزوج حاضراً، أو لَم تكن حاملاً. ويصح طلاق الحائض والحامل وغير المدخول بها والتي غاب عنها زوجها، والتفصيل يأتي إن شاء الله في باب الطلاق.

واتفق الجميع على أنّ غسل الحيض لا يغني عن الوضوء، وأنّ وضوء الحائض وغسلها لا يرفع حدثاً، واتفقوا أيضاً على تحريم وطئها أيام الحيض، أمّا الاستمتاع فيما بين السرة والركبة، فقال الإمامية والحنابلة: يجوز مطلقاً مع الحائل ودونه.

والمشهور مِن قول المالكية عدم الجواز ولو مع الحائل.

وقال الحنفية والشافعية: يحرم بغير حائل، ويجوز معه.

وقال أكثر فقهاء الإمامية: إذا غلبت الشهوة على الزوج وقارب زوجته الحائض، فعليه أن يكفّر بدينار إن فعل في أوّل الحيض، وبنصفه في وسطه، وبربعه في آخره.

وقال الشافعية والمالكية: يستحب التصدق ولا يجب، أمّا المرأة فلا كفارة عليها عند الجميع، وإن كانت آثمة لو رضيت وطاوعت.

كيفية الغسل

الغسل مِن الحيض كالغسل مِن الجنابة تماماً، مِن لزوم طهارة الماء وإطلاقه وطهارة البدن، وعدم وجود الحائل، والنية، والابتداء بالرأس ثمّ بالأيمن ثمّ بالأيسر عند الإمامية، والاكتفاء بالارتماس وغمس البدن دفعة واحدة تحت الماء.

وعند المذاهب الأربعة: شمول الماء لجميع البدن كيف اتفق، كما قدّمنا في غسل الجنابة دون تفاوت.

٤٩

الاستحاضة

الاستحاضة: هي في اصطلاح الفقهاء: ما تراه المرأة مِن الدم في غير وقت الحيض والنفاس، ولا يمكن أن يكون حيضاً، كالزائد عن أكثر مدة الحيض، أو الناقص عن أقله، وهو في الغالب أصفر بارد رقيق يخرج بفتور على عكس صفات الحيض.

وقد قسّم الإمامية المستحاضة إلى ثلاثةٍ أقسام:

(١) صغرى، إذا تلوثت القطنة بدمٍ لا يغمسها. وحكمها أن تتوضأ لكل صلاة مع تغيير القطنة، بحيث لا يجوز أن تجمع بين صلاتين بوضوء واحد.

(٢) وسطى، إذا غمس الدم القطنة ولَم يسل عنها. وحكمها غسل واحد في كل يوم قَبل الغداة، مع تغيير القطنة والوضوء لكل صلاة.

(٣) كبرى، إذا غمست القطنة بالدم وسال عنها. وحكمها الغسل ثلاث مرات في كل يوم، غسل قَبل صلاة الغداة، وآخر تجمع به بين صلاة الظهرين، وثالث لصلاة العشاءين.

وقال أكثر الإمامية: لابدّ مِن الوضوء في هذه الحال، مع تغيير القطنة أيضاً.

ولَم تَعتبر المذاهب الأخرى هذا التقسيم، كما أنّها لَم توجب الغسل على المستحاضة، فقد جاء في كتاب (فقه السنّة) للسيد سابق ص ١٥٥ طبعة ١٩٥٧:

٥٠

(لا يجب عليها الغسل لشيء مِن الصلاة، ولا في وقت مِن الأوقات إلاّ مرّة واحد حينما ينقطع حيضها - أي أنّ الغسل للحيض لا للاستحاضة - وبهذا قال الجمهور مِن السلف والخَلف).

ولا تمنع الاستحاضة عند الأربعة: (شيئاً ممّا يمنعه الحيض مِن قراءة القرآن ومس المصحف ودخول مسجد واعتكاف وطواف ووطء، وغير ذلك ممّا سبق تفصيله في مبحث الأمور التي يمنع منها الحدث الأكبر). (كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج١ مبحث الاستحاضة).

وقال الإمامية: إنّ الصغرى محدِثة بالحدث الأصغر، فلا يستباح لها شيء ممّا يتوقف على الوضوء إلاّ بَعد أن تتوضأ، والوسطى والكبرى محدِثتان بالحدث الأكبر، فتمنعان عن كلّ ما يشترط فيه الغسل، فهما كالحائض ما دامتا لَم تؤديّا ما يجب عليهما، ومتى فعلتا الواجب فهما بحكم الطاهر، تستباح لهما الصلاة ودخول المسجد والطواف والوطء. والغسل مِن الاستحاضة عند الإمامية كالغسل مِن الحيض بدون تفاوت.

دم النفاس

قال الإمامية والمالكية: دم النفاس هو الذي يقذفه الرحم بسبب الولادة معها أو بَعدها لا قَبلها.

وقال الحنابلة: هو الدم النازل مع الولادة وبَعدها وقَبلها بيومين أو ثلاثة مع أمارات الطلق.

وقال الشافعية: هو الخارج بَعد الولادة لا قَبلها ولا معها.

وقال الحنفية: هو الخارج بَعدها أو عند خروج أكثر الوَلد، أمّا الخارج قَبلها أو عند خروج أقلّ الوَلد فليس بنفاس.

إذا وِلدت الحامل ولَم ترَ دماً وجب عليها الغسل عند الشافعية والحنفية

٥١

والمالكية، ولا يجب عند الإمامية والحنابلة.

واتفق الجميع على أنّه ليس لأقلّ النفاس حد، أمّا أكثره فالمشهور عند الإمامية عشرة أيام.

وعند الحنابلة والحنفية أربعون.

وعند الشافعية والمالكية ستون.

وإذا خرج الولد مِن غير المكان المعتاد بسبب عملية جراحية لا تكون نفساء، ولكن تنقضي عدّة الطلاق بخروج الولد كيف اتفق.

والنفاس في حكم الحيض مِن عدم صحة الصلاة والصوم، ووجوب قضاء الثاني دون الأوّل، وتحريم الوطء عليها وعليه، ومس كتابة القرآن، والمكث في المسجد أو دخوله على اختلاف المذاهب، وعدم صحة طلاقها - عند الإمامية - وما إلى ذلك مِن الأحكام.

أمّا كيفية الغسل وشروطه فكالحائض تماماً.

٥٢

مس الميت

إذا مس الإنسان ميتاً إنسانياً، فهل يجب عليه الوضوء أو الغسل، أو لا يجب عليه شيء؟

قال الأربعة: مس الميت ليس بحدث أصغر ولا أكبر، أي لا يوجب وضوءاً ولا غسلاً، وإنّما يستحب الغسل مِن تغسيل الميت لا من لمسه.

قال أكثر الإمامية: يجب الغسل مِن المس بشرط أن يبرد جسم الميت، وأن يكون المس قَبل التغسيل الشرعي، فإذا حصل المس قَبل بَرده وبَعد الموت بلا فصل أو بَعد أن تمّ التغسيل، فلا شيء على الماس.

ولَم يفرّقوا في وجوب الغسل بين أن يكون الميت مسلماً أو غير مسلم، ولا بين أن يكون كبيراً أو صغيراً، حتى ولو كان سقطاً تمّ له أربعة أشهر، وسواء أحصل المس اختياراً أو اضطراراً، عاقلاً كان الماسّ أو مجنوناً، صغيراً أو كبيراً، فيجب الغسل على المجنون بَعد الإفاقة، وعلى الصغير بَعد البلوغ، بل أوجب الإمامية الغسل بمس القطعة المنانة مِن حي أو مِن ميت إذا كانت مشتملة على عَظم، فإذا لمس إصبعاً قطعت مِن حي وجب الغسل. وكذا لو لمست سِناً منفصلة مِن ميت، أمّا إذا لمست السنّ بَعد انفصالها مِن الحي فيجب الغسل إذا كان عليها لحم، ولا يجب إذا كانت مجردة.

ومع أنّ الإمامية أوجبوا الغسل مِن مس الميت فإنّهم يعتبرونه بحكم الحدث

٥٣

الأصغر، أي أنّ الماسّ يمنع مِن الأعمال التي يشترط فيها الوضوء فقط دون الأعمال التي يشترط فيها الغسل، فيجوز للماسّ دخول المسجد والمكث فيه، وقراءة القرآن.

والغسل مِن المس كالغسل مِن الجنابة.

الميت وأحكامه

يقع الكلام هنا في فصول:

الفصل الأوّل: في الاحتضار

الاحتضار هو: التوجيه إلى القبلة. واختلفوا في كيفية التوجيه إليها، فقال الإمامية والشافعية: أن يُلقى الميت على ظهره، ويُجعل باطن قدميه إلى القبلة بحيث لو جلس كان مستقبلاً.

وقالت المالكية والحنابلة والحنفية: أن يُجعل الميت على شقّه الأيمن، ووجهه إلى القبلة، كما يُفعل به حال الدفن.

وكما اختلفوا في معنى التوجيه اختلفوا في وجوبه، فقال الأربعة وجماعة مِن الإمامية: هو مستحب وليس بواجب.

وذهب أكثر الإمامية إلى أنّه واجب كفاية، كالغسل والتكفين. وجاء في كتاب (مصباح الفقيه) للإمامية: (إنّ وجوب الاستقبال يشمل الكبير والصغير).

وليعلم أنّ كل واحد مِن واجبات الميت الآتية إنّما يجب على سبيل الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الجميع، وإذا تركه الجميع كانوا مسؤولين ومؤاخَذين.

٥٤

الفصل الثاني: في الغسل

وفيه مسائل:

اتفقوا على أنّ الشهيد - وهو الذي مات بسبب قتال الكفار - لا يغسّل(١) ، واتفقوا أيضاً على أنّ غير المسلم لا يجوز غسله إلاّ الشافعية، فقد ذهبوا إلى جوازه، واتفقوا على أنّ السقط الذي لَم يتمّ في بطن أمّه أربعة أشهر لا يغسَل.

واختلفوا فيما إذا تمّ له الأربعة، فقال الحنابلة والإمامية: يجب أن يغسّل.

وقال الحنفية: إن نزل وفيه حياة ثمّ فارقها، أو نزل ميتاً تام الخلقة، غُسّل وإلاّ فلا.

وقال المالكية: لا يجب غسل السقط إلاّ إذا كان قابلاً للحياة بحيث يقول أهل الخبرة إنّ مثله يقبل الحياة المستقرّة.

وقال الشافعية: إن نزل بَعد ستة أشهر يغسّل، وإن نزل قَبلها: فإن كان تام الخلقة غسّل أيضاً، وإن لَم يكن تام الخلقة: فإن عَلم أنّه كان حياً يغسّل وإلاّ فلا.

(فرع)

إذا ذهب مِن جسم الميت بعضه؛ لمرض أو حرق أو أكلِ حيوان أو غير ذلك، فهل يجب غسل الباقي؟

قال الحنفية: لا يفرض الغسل إلاّ إذا وجِد أكثر البدن أو نصفه مع الرأس.

وقال المالكية: يجب الغسل إذا وجِد ثلثا البدن.

وقال الحنابلة والشافعية: يُغسل ولو بقي قليل مِن الميت.

وقال الإمامية: إن وجدت قطعة مِن الميت، يُنظر: فإن كانت الصدر أو بعضه المشتمل على القلب كان حكمها حكم الميت التام مِن وجوب الغسل

____________________

(١) قال الحنفية: الشهيد، كل مَن قُتل ظلماً، سواء قُتل في الحرب أو بَغى عليه لِص أو قاطع طريق. واشترطوا لعدم غسله أن لا يكون محدِثاً بالحدث الأكبر.

٥٥

والتكفين والصلاة، وإن لم تكن القطعة مشتملة على الصدر أو بعضه، فإن كان فيها عظم تغسل وتُلفّ بخرقة وتُدفن، وإن لم يكن فيها عتُلفّ بخرقة وتُدفن بلا غسل.

الغاسل

يجب المماثلة بين الغاسل والمغسول، فالرجال يغسلون الرجال، والنساء يغسلن النساء.

وأجاز الإمامية والشافعية والمالكية والحنابلة أن يغسل كل من الزوجين الآخر.

وقال الحنفية: ليس للزوج أن يغسل زوجته؛ لأنّها خرجت من عصمته بالموت، أمّا الزوجة لتغسل زوجها؛ لأنّها في عدّته، أي أنّ الزوجية باقية في حقّها، منتفية في حقّه، وإذا طلّقها ثمّ ماتت، فإن كان الطلاق بائناً فلا تغسله ولا يغسلها بالاتفاق، وإن كان رجعياً فقد أجاز الإمامية أن يغسل كل منهما الآخر.

وقال الحنفية والحنابلة: تغسله ولا يغسلها.

وقال المالكية والشافعية: لا تغسله ولا يغسلها، ولم يفرّقوا بين الطلاق البائن والرجعي.

وأجاز الإمامية للمرأة أن تغسل الصبي إذا لم يتجاوز العام الثالث من عمره، وللرجل أن يغسل الصبية إذا لم تتعدّ هذه السن. وقال الحنفية: يجوز إلى السن الرابعة.

وقال الحنابلة: إلى ما دون السابعة.

وقال المالكية: تغسل المرأة ابن ثماني سنين، ويغسل الرجل بنت سنتين وثمانية أشهر.

٥٦

كيفية الغسل

الإمامية: يجب أن يُغسل الميت ثلاثة أغسال:

الغسل الأوّل: أن يكون في مائه قليل من السدر. وفي الثاني: قليل من الكافور. أمّا الغسل الثالث: فبالماء القراح، وأن يبتدئ الغاسل في غسله بالرأس، ثمّ بالجانب الأيمن، ثمّ الأيسر.

وقال الأربعة: الواجب غسل واحد بالماء القراح، والغسلان الآخران مستحبان، ولا يشترط كيفية خاصة بالغسل، فيصح كيف اتفق كغسل الجنابة، ولا يجب عندهم السدر والكافور بل يستحب أن يجعل في ماء الغسل الأخير كافور ونحوه من الطيب.

ويشترط في صحة الغسل (النية)، وإطلاق الماء وطهارته، وإزالة النجاسة عن بدن الميت، وعدم الحاجب المانع من وصول الماء الى البشرة.

وقال الإمامية: يكره غسل الميت بالماء الساخن. وقال الحنفية: الساخن أفضل. وقال الحنابلة والمالكية والشافعية: البارد مستحب.

واتفق الجميع على أنّ المـُحرم في الحج لا يوضع الكافور في ماء غسله، كما اتفقوا على ابتعاده عن كل نوع من أنواع الطيب.

وإذا تغذر الغسل؛ لفقد الماء او حرق أو مرض بحيث يتناثر لحمه من الماء، يقوم التيمم مقام الغسل بالاتفاق، أمّا كيفيته فهو كتيمم الحي، وسيأتي البيان في باب التيمم. وقال جماعة من فقهاء الإمامية: يجب التيمم ثلاث مرات: الأُولى بدل عن الغسل بماء السدر، والثانية بدل عن الغسل بماء الكافور، والثالثة بدل عن الغسل بالماء القراح. أمّا المحققون منهم فاكتفوا بتيمم واحد.

الحنوط

وهو مسح مساجد الميت السبعة بالكافور بعد الغسل، وهذه المساجد هي:

٥٧

الجبهة، واليدان - يمسح به باطنها -، والركبتان، وإبهاما القدمين - يمسح رأسهما -. وقد أوجب الإمامية الحنوط بهذا النحو دون سائر المذاهب، ولم يفرّقوا بين الكبير والصغير حتى السقط، ولا بين الأنثى والذكر، ولم يستثنوا إلاّ المـُحرم في الحج، وأضافوا الى المساجد السبعة الأنف استحباباً.

الكفن

الكفن واجب عند الجميع، وقال الأربعة: الواجب في التكفين ثوب واحد يعمّ جميع الميت، والمستحب ثلاث قطع.

وقال الإمامية: القطع الثلاث واجبة وليست مستحبة، الأولى منها: المئزر، وهو أشبه بالوزرة، تبتدئ من السرّة وتنتهي إلى الركبة. الثانية: القميص، من المنكبين إلى نصف الساق. الثالثة: الإزار، يغطي تمام البدن.

ويُشترط في الكفن ما يُشترط في الساتر الواجب حين الصلاة من الطهارة والإباحة، وعدم كونه حريراً أو من حيوان لا يؤكل لحمه، أو ذهباً للرجال والنساء، وما إلى ذاك ممّا يأتي الكلام عنه في محله.

وكفن المرأة على زوجها إن كان موسراً عند الإمامية والشافعية والحنفية.

وقال المالكية والحنابلة: لا يلزم الزوج بتكفين زوجته، ولو كانت فقيرة. والمقدار من الكفن الواجب وغيره من الميت يؤخذ من أصل التركة - في غير الزوجة - مقدّماً على الدين والوصية والميراث، ما عدا العين التي تعلّق بها حق الرهن.

موت الفقير

قال الأربعة وجماعة من الإمامية: إذا لم يترك الميت مالاً يكفّن به فكفنه على مَن تلزمه نفقته حين حياته، وإن لم يكن له كفيل أو كان كفيله فقيراً

٥٨

كُفّن من بيت المال أو من الزكاة إن امكن، وإلاّ فعلى جميع المسلمين القادرين.

وقال جماعة من الإمامية: مَن مات بلا مال ولا كفيل لا يجب على أحد بذل المال لتكفينه؛ لأنّ الواجب مباشرة العمل لا بذل المال، وعليه فالبذل مستحب من باب الإحسان، ومع عدم وجود المحسن يدفن عارياً.

الصلاة على الشهيد

اتفقوا على أنّ الصلاة تجب على المسلمين وأولادهم من غير فرق بين مذاهبهم وفرقهم، وعلى أنّ الصلاة لا تصحّ إلاّ بعد الغسل والكفن، وأنّ الشهيد لا يغسّل ولا يكفّن بل يدفن في ثيابه، وخيّر الشافعية بين دفنه بثيابه وبين نزعها وتكفينه من جديد، واختلفوا في الصلاة عليه، فقال الشافعية والمالكية والحنابلة: لا يُصلّى عليه.

وقال الإمامية والحنفية: تجب الصلاة عليه كغيره من الأموات.

الصلاة على الصغار

اختلفوا في الصلاة على الطفل، فقال الشافعية والمالكية: يُصلّى عليه إذا صرخ واستهل حين الولادة، أي أنّ حكم الصلاة حكم الميراث.

وقال الحنابلة والحنفية: يُصلّى عليه إذا تمّ له في بطن أُمه أربعة أشهر. وقال الإمامية: لا تجب الصلاة على اطفال المسلمين إلاّ بعد بلوغهم ست سنين، وتستحب على كل مَن كان دون هذه السن.

الصلاة على الغائب

قال الإمامية والمالكية والحنفية: لا تجوز الصلاة على الغائب بحال؛

٥٩

واستدلوا بأنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) والصحابة لو فعلوا ذلك لاشتهر وتواتر، وبأنّ استقبال القبلة بالميت وحضور المصلي على الجنازة حين الصلاة من الشروط اللازمة.

وقال الحنابلة والشافعية: تجوز صلاة الغائب؛ واستدلوا بأنّ النبي صلّى على النجاشي، حين نُعي له. وأُجيبوا بأنّه عمل خاص بالرسول، أو لخصوصية بالنجاشي، ولذا لم يكرر هذا العمل من النبي مع العلم بموت كثير من عيون الأصحاب وهم بعيدون عنه.

الأولياء

قال الإمامية: جميع الواجبات المتعلقة بتجهيز الميت تتوقف صحتها على إذن الولي، من غير فرق بين التغسيل والتكفين والتحنيط والصلاة، ومَن فَعل شيئاً من ذلك دون أن يأذن الولي بطريق من الطرق يبطل العمل وتجب الإعادة، فالولي إمّا أن يباشر بنفسه، وإمّا أن يأذن بالمباشرة لغيره، فإن امتنع عن المباشرة والإذن يسقط اعتبار إذنه.

والزوج عند الإمامية مقدّم في الولاية على جميع الأرحام بالنسبة الى زوجته، والأولياء غير الزوج يأتون بترتيب الإرث، فالمرتبة الأُولى - وهي الآباء والأبناء - تُقدّم على المرتبة الثانية - وهي الإخوة والاجداد - والمرتبة الثانية تُقدّم على الثالثة - وهي الأعمام والأخوال - والأب أولى من الجميع في المرتبة الأُولى، والجد أولى من الإخوة في المرتبة الثانية، وإذا لم يكن في المرتبة ذكور فالولاية للإناث، وإذا تعدد الإخوة أو الأعمام والأخوال توقّف العمل على إذنهم جميعاً.

والأربعة لم يتعرضوا للولي سلباً ولا إيجاباً في مبحث الغسل والكفن، ممّا يدل على أنّ إذنه لا يعتبر في شيء من ذلك عندهم، وتكلموا عمّا هو أولى وأحق بالصلاة على الميت، فقال الحنفية: إنّ الذين يقدّمون في الصلاة يترتبون على هذا

٦٠