الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة0%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 650
المشاهدات: 239657
تحميل: 32078

توضيحات:

الفقه على المذاهب الخمسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 239657 / تحميل: 32078
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أدائها، وتختص العشاء من آخر النصف الأوّل من الليل بمقدار أدائها، وما بين هذين وقتٌ مشترك بين المغرب والعشاء، ولذا أجازوا الجمع في هذا الوقت المشترك بين الفريضتين.

هذا بالنسبة إلى المختار، أمّا المضطر لنوم أو نسيان فيمتد وقت الصلاتين إلى الفجر على أن تختص صلاة العشاء من آخر الليل بمقدار أدائها، وتختص المغرب من الجزء الأوّل من نصف الليل الثاني بمقدار أدائها أيضاً.

وقت الصبح

وقت الصبح من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس بالاتفاق، إلاّ المالكية قالوا: للصبح وقتان: اختياري، وهو من طلوع الفجر إلى تعارف الوجوه. واضطراري، وهو من تعارف الوجوه إلى طلوع الشمس.

٨١

القبلة

اتفقوا على أنّ الكعبة قبلة القريب الذي يبصرها، واختلفوا في البعيد الذي يتعذر عليه رؤيتها.

فقال الحنفية والحنابلة والمالكية وجماعة من الإمامية: إنّ قبلة البعيد هي الجهة التي تقع فيها الكعبة لا عينها.

وقال الشافعية وكثير من الإمامية: يجب استقبال عين الكعبة للقريب والبعيد على السواء، فإن أمكن حصول العلم باستقبال عين الكعبة تعيّن، وإلاّ فيكفي الظن. وبديهة أنّ البعيد لا يستطيع أن يحقق هذا القول بحال؛ لأنّه تكليف بالمحال ما دامت الأرض كروية، إذن يتعيّن أن تكون قبلة البعيد الجهة لا عين الكعبة.

الجاهل بالقبلة

مَن تعذر عليه معرفة القبلة، يجب عليه أن يتحرّى ويجتهد حتى يعلم أو يظن أنّها في جهة خاصة، وإذا لَم يحصل له العلم ولا الظن، قال الأربعة وجماعة من الإمامية: يصلي لأيّة جهة شاء، وتصحّ صلاته ولا تجب الإعادة إلاّ عند الشافعية.

وقال كثير من الإمامية: يصلي إلى أربع جهات امتثالاً للأمر بالصلاة،

٨٢

وتحصيلاً للواقع، وإذا لَم يتسع الوقت لتكرار الصلاة أربع مرات، أو عجز عن الصلاة إلى الجهات الأربع اكتفى بالصلاة إلى بعض الجهات التي يقدر عليها(١) .

(فرع)

إذا صلّى إلى غير القبلة ثمّ تبيّن خطؤه، قال الإمامية: إذا ظهر الخطأ في أثناء الصلاة وكان منحرفاً عن القبلة إلى ما بين اليمين واليسار، مضى على ما تقدّم من الصلاة واستقام في الباقي، وإذا تبيّن أنّه صلّى إلى المشرق أو إلى المغرب أو الشمال - أي مستدبراً القبلة - أبطل الصلاة واستأنفها من جديد، وإذا تبيّن الخطأ بَعد الفراغ أعاد في الوقت دون خارجه. وقال بعض الإمامية: لا يعيد في الوقت ولا في الخارج إذا انحرف يسيراً عن القبلة، ويعيد في الوقت دون خارجه إذا كان قد صلى إلى المشرق أو المغرب، ويعيد داخل الوقت وخارجه إذا ظهر أنّه كان مستدبراً.

وقال الحنفية والحنابلة: إذا تحرّى واجتهد بحثاً عن القبلة، ولَم يترجح لديه جهة من الجهات فصلى إلى جهة ما، ثمّ ظهر خطؤه، فإن كان في الأثناء تحوّل إلى الجهة المتيقنة أو الراجحة عنده، وإذا تبين بَعد الفراغ صحّت صلاته ولا شيء عليه.

وقال الشافعية: إذا تبيّن الخطأ بطريق الجزم واليقين وجب إعادة الصلاة، وإذا تبيّن بطريق الظن فالصلاة صحيحة من غير فرق بين أن يكون ذلك في الأثناء أو بَعد الفراغ.

أمّا مَن ترك التحرّي والاجتهاد، ثمّ تبيّن أنّه قد أصاب القبلة فصلاته باطلة

____________________

(١) جاء الأمر في الآية ١٤٤ من سورة البقرة أن نتوجّه إلى المسجد الحرام:( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) . وجاء الأمر في الآية ١١٥ بالتوجه أينما شئنا:( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) . فقال قوم: إنّ الأُولى ناسخة لهذه. وقال آخرون: كلا، لا ناسخ ولا منسوخ، ولا خاص ولا عام. وطريق الجمع بين الآيتين أنّ الأُولى خاصة بمن عرف القبلة، فيتعيّن عليه التوجه إليها، والثانية خاصة بالمتحير الذي يجهلها، وحكمه أن يصلي إلى أية جهة شاء. وهذا أقرب.

٨٣

عند المالكية والحنابلة. وصحيحة عند الحنفية والإمامية إذا صلى دون أن يشك، بحيث كان جازماً بالقبلة حين الشروع بالصلاة، لأنّه - والحالة هذه - تتأتى، وتصحّ منه نية القربة، كما قال الإمامية.

٨٤

ما يجب ستره وما يحرم النظر إليه من البَدن

هذا الموضوع من الموضوعات التي يتفرع عنها أحكام شتى، منها تحديد ما يجب على المكلف أن يستره من بدنه، ومنها تحديد ما يحرم أن ينظر إليه من بدن غيره، ومنها الفرق بين المحارم لنسب أو مصاهرة وغير المحارم، والفرق بين نظر الإنسان إلى مَن يماثله أو يخالفه أو يخالفه في الذكورية والأنوثية، ومنها الفرق بين النظر والمس، أو غير ذلك ممّا نتعرض له فيما يلي:

نظر الإنسان إلى نفسه

١ - اختلفوا في ستر عورة الإنسان عن نفسه، وإنّه هل يحرم عليه أن يكشف عن عورته إذا كان في خلوة، وأمن وجود الناظر؟

قال الحنفية والحنابلة: كما لا يجوز للمكلف أن يكشف عن عورته مع وجود مَن لا يحل النظر إليها، كذلك لا يجوز أن يكشف عنها إذا كان في خلوة إلاّ لضرورة من قضاء حاجة أو اغتسال.

وقال المالكية والشافعية: لا يحرم، بل يكره إلاّ لضرورة.

٨٥

وقال الامامية: لا يحرم ولا يكره مع عدم وجود الناظر.

ومن الطريف قول ابن أبي ليلى بمنع الإنسان عن الاغتسال عارياً؛ لأنّ في الماء ساكناً. (المجموع شرح المهذب ج٢ ص ١٩٧).

المرأة والمحارم

٢ - اختلفوا فيما يجب على المرأة أن تستره من بدنها عن محارمها من الرجال - عدا الزوج - وأمثالها من النساء المسلمات(١) ، وبكلمة ثانية ما هو حد العورة في المرأة بالنسبة إلى امرأة مثلها، وإلى محرم لها لنسب أو مصاهرة؟

قال الحنفية والشافعية: يجب عليها في هذه الحال أن تستر ما بين السرة والركبة.

وقال المالكية والحنابلة: تستر عن النساء ما بين السرة والركبة، وعن محارمها الرجال جميع بدنها إلاّ الأطراف كالرأس واليدين.

وقال أكثر الإمامية: يجب أن تستر السوأتين عن النساء والمحارم، أما ستر ما عداهما فأفضل وليس بواجب إلاّ مع خوف الفتنة.

المرأة والأجنبي

٣ - فيما يجب أن تستره المرأة عن الرجل الأجنبي، وقد اتفقوا على أنّ جميع بدنها عورة في هذه الحال، ما عدا الوجه والكفين؛ للآية ٣١ من سورة

____________________

(١) بيّنت الآية ٣١ من سورة النور مَن يجوز للنساء أن يبدين زينتهن أمامهم، وذكرت من هؤلاء (نساءهن)، أي نساء المؤمنات، فقد نهت الآية أن تتجرد المسلمة لغير المسلمة، وحمل الشافعية والمالكية والحنفية النهي على التحريم. وقال أكثر الإمامية والحنابلة: لا فرق بين المسلمة وغير المسلمة، كما أنّه يكره الكشف عند الإمامية لغير المسلمة؛ لأنّها تصف ذلك إلى زوجها.

٨٦

النور:( وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَلْيَـضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) ، حيث إنّ المراد من ظاهر الزينة الوجه والكفّان، أمّا الخمار فهو غطاء الرأس لا غطاء الوجه، والجيب هو الصدر، وقد أُمرن أن يضعن الغطاء على رؤوسهن، ويسدلنه على الصدر. أمّا الآية ٩٥ من سورة الأحزاب:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ ِلأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمنينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ من جَلاَبِيبِهِنَّ ) ، فإنّ الجلباب غير حجاب الوجه، بل هو القميص والثوب.

عورة الرجل

٤ - اختلفوا في حد العورة في الرجل ناظراً ومنظوراً، أي ما يجب عليه ستره من بدنه هو، وما يجب أن يحبس عن بصره من بدن غيره.

قال الحنفية والحنابلة: يجب على الرجل أن يستر ما بين السرة والركبة - عن غير الزوجة - ويحل للغير رجلاً كان أو امرأة، مَحرماً أو غير محرم، أن ينظر إلى ما عدا ذلك من بدن الرجل عند أمن الفتنة.

وقال المالكية والشافعية: لعورة الرجل حالتان: إحداهما بالنسبة إلى أمثاله من الرجال ومحارمه من النساء، وأخرى بالنسبة إلى النساء الأجنبيات، أمّا في الحالة الأُولى فعليه أن يستر ما بين السرة والركبة فقط، وأمّا في الحالة الثانية فجميع بدن الرجل عورة يحرم على الأجنبية أن تنظر إليه، إلاّ أنّ المالكية استثنوا الأطراف عند أمن التلذذ، والشافعية قالوا بتحريم النظر مطلقاً. (الفقه على المذاهب الأربعة ج١ مبحث ستر العورة).

وفرّق الإمامية بين ما يجب على الناظر وما يجب على المـُنظَر، فقالوا: لا يجب على الرجل إلاّ ستر القُبل والدبر، ولكن يجب على الأجنبيات حبس أنظارهن عمّا عدا الوجه والكفين. ويتلخص رأي الإمامية بأنّ الرجل يجوز له أن ينظر إلى بدن مثله، وإلى بدن امرأة من محارمه ما عدا القُبل والدبر بدون

٨٧

ريبة، وكذا المرأة يجوز لها النظر إلى بدن مثلها، أو رجل مَحرم ما عدا السوأتين بدون ريبة.

الصغير

٥ - في عورة الصغير، قال الحنابلة: لا عورة لمن لم يبلغ السابعة من عمره، فيباح جميع مس بدنه والنظر إليه، وما زاد إلى ما قبل تسع فعورته القُبل والدبر إن كان ذكراً، وإن كان أنثى فجميع البدن بالنسبة إلى الأجانب.

وقال الحنفية: لا عورة لابن أربع فما دون، وما زاد فعورته القُبل والدبر ما دام لم يشته، فإذا بلغ حد الشهرة فحكمه حكم البالغين دون فرق بين الذكر والأنثى.

وقال المالكية: يجوز للمرأة أن تنظر وتلمس الصبي حتى يبلغ الثامنة من عمره، وتنظر ولا تلمس إلى الثانية عشرة، ومَن زادت سنّه عن ذلك فحكمه حكم الرجال، ويجوز للرجل أن ينظر ويلمس بنت سنتين وثمانية أشهر، وينظر ولا يلمس إلى أربع.

وقال الشافعية: عورة الصبي المراهق كعورة البالغ، أمّا غير المراهق فإن لم يحسن الوصف فلا عورة له، وإن أحسنه بشهوة كالبالغ، أمّا الصبية غير المراهقة فإن كانت مشتهاة فهي كالبالغة، وإلاّ فلا، ولكن يحرم النظر إلى فرجها لغير القائم على تربيتها.

وقال الإمامية: يجب التستر عن الصبي المميّز الذي يحسن وصف ما يرى، ومَن لا يحسن الوصف لا يجب التستر عنه؛ لأنّه كالحيوانات. هذا فيما يعود إلى وجوب التستر عنه، أمّا جواز النظر إلى عورته، فقال الشيخ جعفر في كتابه (كشف الغطاء): لا يجب حبس النظر عن عورة مَن لم يبلغ خمس سنين، ومع

٨٨

الشهوة لا يجوز مطلقاً، وتبين لي من أحاديث أهل البيت أنّ النظر يجوز إلى بلوغ الست لا الخمس.

صوت المرأة

٦ - اتفق الجميع على أنّ صوت الأجنبية ليس بعورة إلاّ إذا كان بتلذذ أو مع خوف الفتنة؛ واستدل صاحب الجواهر على ذلك في أوّل باب الزواج بالسيرة المستمرة في الأعصار والأمصار، وبخطبة الزهراء وبناتها، ومخاطبة النساء للنبي والأئمة والعلماء على وجه لا يمكن إحصاؤه ولا حمله على الاضطرار، وبإقامة النساء المآتم والأعراس بين الرجال منذ القديم، وبمخاطبة الجنسين في المعاملات والمخاطبات، وبقوله تعالى:( ولا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ) ، حيث لم ينه عن أصل القول، بل عن كيفيته والخضوع به.

اللون دون الحجم

٧ - اتفقوا على أنّ الواجب ستر اللون دون الحجم.

(حاشية من الكاتب: إذا كان لون الساتر كلون البشرة بحيث لا يمتاز عنها، كما هي الحال في (كلسات اللحم) فوجود الساتر وعدمه سواء).

بين النظر والمس

٨ - كل ما جاز مسه جاز النظر إليه، وكل ما حرم النظر إليه حرم مسه باتفاق المذاهب كافة؛ لأنّ المس أقوى وأشد في التلذذ والاستمتاع من النظر، ولم يدع أحد من فقهاء المذاهب الملازمة بين جواز النظر وجواز المس، فالرجل يجوز له النظر إلى وجه الأجنبية وكفيّها، ولكن لا يجوز المس إلاّ لضرورة، كعلاج مريض وإنقاذ غريق، وقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق: هل يصافح

٨٩

الرجل المرأة ليست له بذي محرم؟ قال: (لا، إلاّ من وراء ثياب).

واستثنى الحنفية مصافحة العجوز، فقد جاء في كتاب (ابن عابدين ج١ ص ٢٨٤): (إنّ الشابة لا يجوز مس وجهها وكفيها وإن أمن الشهوة، أمّا العجوز لا تُشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها إن أمن الشهوة).

وأجاز الإمامية والحنفية مس جسد المحارم لغير شهوة وتلذذ، ومنع الشافعية من كل ما يجوز النظر إليه من المحارم، حتى أنّه لا يجوز للرجل عندهم أن يمس بطن أُمه ولا ظهرها، ولا يغمز ساقها ورجلها، ولا يُقبّل وجهها، وكذا لا يجوز للرجل أن يأمر ابنته أو أخته أن تغمز رجله. (تذكرة العلاّمة الحلي ج٢ أوّل باب الزواج).

بين النظر والكشف

٩ - قال الإمامية: لا ملازمة بين جواز الكشف عن البدن وجواز النظر إليه، فيجوز عندهم أن يكشف الرجل عن جميع بدنه ما عدا السوأتين، ولا يجوز للأجنبية أن تنظر إليه. ولم أرَ فيما لدي من كتب المذاهب الأربعة على كثرتها مَن قال بذلك.

العجوز

١٠ - قال تعالى:( وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) . (النور/٦٠)

دلّت الآية الكريمة على أنّ العجائز اللاتي لا طمع لهنّ في النكاح لكبر السن، يجوز لهنّ (أن يبرزن وجوههن وبعض شعورهن وأذرعهن، ونحو ذلك ممّا يعتاد في العجائز المسنّة، ويدلّ عليه أحاديث أهل البيت بشرط أن لا يكون

٩٠

ذلك على وجه التبرج، بل للخروج في حوائجهن، ومع ذلك فإنّ التستر خير لهن)(١) .

هذا مع العلم بأنّه لا يجوز شيء من ذلك مع خوف الوقوع في المحرم؛ لأنّ المرأة وإن بلغت ما بلغت فإنّها تظل محلاً لعملية الجنس، فالتسامح مع العجوز المسنّة إنّما نشأ عن كونها كالصغيرة ليست مظنّة الشهوة والتلذذ، فلو افترض حصول شيء من ذلك يكون حكمها حكم الشابة.

لقد تساهل الإسلام مع المسنّات، وشدد على الشابات، ولكن جاء العمل على عكس ما أمر القرآن الكريم، حيث نرى التبرج والتهتك في الشابات، والتستر والتحفظ من المسنّات، فتساهلن فيما شدد الله، وشددن فيما تساهل.

____________________

(١) الجواهر، أوّل باب الزواج.

٩١

ما يجب ستره من البدن في حال الصلاة

اتفقوا على أنّه يجب على كل من المرأة والرجل أن يستر مِن بدنه في حال الصلاة ما وجب عليه ستره عن الأجانب خارج الصلاة. واختلفوا فيما زاد على ذلك، أي هل يجب أيضاً أن تستر المرأة الوجه والكفين أو شيئاً منهما حال الصلاة، مع أنّه لا يجب ذلك عليها في خارجها؟ وهل على الرجل أن يستر ما زاد عمّا بين السرة والركبة حين الصلاة، مع أنّ ذلك غير واجب إذا لَم يكن في الصلاة؟

قال الحنفية: على المرأة أن تستر ظاهر الكفين وباطن القدمين أيضاً، وعلى الرجل أن يستر الركبة علاوة عما بينها وبين السرة.

وقال الشافعية والمالكية: يجوز للمرأة حين الصلاة أن تكشف عن الوجه والكفين ظاهرهما وباطنهما.

وقال الحنابلة: لا يجوز لها إلاّ كشف الوجه فقط.

وقال الإمامية: يجب على كل مِن المرأة والرجل حال الصلاة يجب عليه في خارجها، مع وجود ناظر أجنبي، فللمرأة أن تكشف مِن وجهها حين الصلاة بالمقدار الذي يغسل في الوضوء والكفين إلى الزندين، والقدمين إلى الساقين

٩٢

ظاهرهما وباطنهما، ويجب على الرجل أن يستر السوأتين، والأفضل ستر ما بين السرة والركبة.

شرائط الساتر في الصلاة

للساتر شرائط لابدّ منها مع القدرة والاختيار: وهي:

الطهارة

١ - طهارة الساتر والبدن شرط في صحة الصلاة باتفاق الجميع، إلاّ أنّ كل مذهب مِن المذاهب قد استثنى أشياء يُعفى عنها في الصلاة حسب التفصيل التالي:

قال الإمامية: يعفى عن دم الجروح والقروح قليلاً كان أو كثيراً في اللباس والبدن، إذا كان في إزالته مشقة وحرج، وعن الدم الأقل مِن الدرهم مِن المصلي أو مِن غيره، على شريطة أن يكون مجتمعاً لا متفرقاً، وأن لا يكون مِن الدماء الثلاثة: الحيض والنفاس والاستحاضة، ولا مِن دم نجس العين كالكلب والخنزير، ولا مِن دم الميتة، ويعفى أيضاً عن نجاسة ما لا تتم فيه الصلاة، كالتكة والقلنسوة والجورب والنعل والخاتم والخلخال، وعمّا يحمل كالسكين وورق النقد، ويعفى عن ثوب المربية للصبي أُماً كانت أو غيرها على شريطة أن تغسله مرة واحدة في كل يوم، وأن يتعذر عليها إبداله، وبالتالي يعفى عندهم عن كل نجاسة في الثوب أو البدن في حال الاضطرار.

وقال المالكية: يعفى عن سلس البول والغائط، وبلل البواسير، وعمّا يصيب ثوب أو بدن المرضعة مِن بول أو غائط رضيعها، وعمّا يصيب ثوب أو بدن الجزار، ونازح المراحيض والطبيب الجراح، وعن الدم ولو مِن خنزير شرط أن لا يزيد على مقدار الدرهم، وعمّا يخرج مِن الدمامل، وعن خرء

٩٣

البراغيث، وعدّوا أشياء أخرى غير هذه تركناها لأنّها قليلة الوقوع.

وقال الحنفية: يعفى عن كل نجاسة إذا كانت قليلة لا يدركها البصر، وعن طين الشوارع المختلطة بالنجاسة المخففة، وعن دود الفاكهة والجبن، وعن المائعات النجسة التي تضاف على الأدوية والروائح العطرية، وعن خرء الطيور، وعن شعر قليل نجس مِن غير الكلب والخنزير، وغيرها كما هو مذكور في المطوّلات.

وقال الحنابلة: يعفى عن الدم والقيح اليسيرين، وعن طين الشوارع الذي تحققت نجاسته، وعن النجاسة تصيب عين الإنسان ويتضرر بغسلها.

لبس الحرير

٢ - اتفقوا على أنّ لبس الحرير والذهب محرّم على الرجال في الصلاة وخارجها، وجائز للنساء؛ لقول الرسول (صلّى الله عليه وسلّم): (حرّم لباس الحرير والذهب على ذكور أُمتي، وأحلّ لإناثهم).

ومن هنا قال الإمامية: لا تصح الصلاة بالحرير المحض للرجال، ولا بالثوب المموّه بالذهب، سواء أكان تكة أو قلنسوة أو جورباً، حتى ولو كان الذهب خاتماً، وأجازوا لبس الحرير والصلاة فيه لمرض وفي حال الحرب.

وقال الشافعية: إذا صلّى الرجل بالحرير أو عليه يفعل حراماً، ولكنّ

٩٤

صلاته صحيحة. (النوري شرح المهذب ج٣ ص ١٧٩).

ولم أجد نصاً صريحاً لبقية المذاهب على فساد الصلاة أو صحتها بالحرير، ولكنّ الحنفية يوافقون الشافعية، وكذا الحنابلة في إحدى الروايتين على قاعدة عامة، وهي أنّ النهي إذا لم يكن من أجل الصلاة ولا يعود إليها، كالنهي عن الغصب، تكون الصلاة - والحال هذه - صحيحة، ولكنّ المكلَّف يكون فاعلاً للحرام والواجب معاً، وعليه تكون الصلاة بالحرير صحيحة.

ونقل صاحب كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) الاتفاق على أنّ للمضطر أن يصلّي بالحرير، ولا تجب عليه الإعادة.

إباحة الساتر

٣ - اشترط الإمامية أن يكون الساتر مباحاً، فلو صلّى بثوب مغصوب مع العمل بالغصب تبطل الصلاة، وهو إحدى الروايتين عن ابن حنبل.

وقالت بقية المذاهب بصحة الصلاة بالمغصوب؛ لأنّ النهي لا يعود إلى إذا صلّى بثوب فيه خيط مغصوب، أو حمل سكيناً أو درهماً مغصوباً، أو أي شيء فلا تصحّ منه الصلاة. ولكنّهم قالوا: إذا صلّى في المغصوب جهلاً أو نسياناً تصحّ الصلاة.

جلد ما لا يؤكل لحمه

٤ - انفرد الإمامية بالقول بعدم صحة الصلاة في جلد غير مأكول اللحم وإن دبغ، ولا في شعره وصوفه وريشه ووبره، ولا في شيء من فضلائه، كعرفه وريقه ما دام رطباً، ولو سقطت شعرة واحدة من هرّة ونحوها على ثوب المصلّي ومضى في الصلاة مع علمه بها تبطل صلاته.

٩٥

واستثنوا الشمع والعسل، ودم البق والقمل والبراغيث، وما إليها ممّا لا لحم له، كما استثنوا شعر الإنسان وعرقه وريقه.

وقالوا أيضاً ببطلان الصلاة إذا كان في الساتر جزء مِن حيوان ميت، سواء أكان مأكول اللحم أو غير مأكول، له نفس سائلة أو لا نفس له، مدبوغ الجلد أو غير مدبوغ.

(فرع)

إذا انحصر الساتر بالثوب المتنجس نجاسة لا يعفى عنها، بحيث يدور الأمر بين الصلاة بالنجاسة أو عُرياناً، فمإذا يصنع؟

قال الحنابلة: يصلّي بالثوب المتنجس، وتجب عليه الإعادة.

وقال المالكية وكثير مِن الإمامية: يصلّي به ولا تجب عليه الإعادة.

وقال الحنفية والشافعية: يصلّي عرياناً، ولا يجوز له لبس المتنجس في الصلاة.

٩٦

مكان المصلّي

المكان المغصوب

ذهب الإمامية إلى بطلان الصلاة في المكان المغصوب، وعلى الثوب المغصوب اختياراً مع العمل بالغصب. وقال غيرهم: تصحّ الصلاة ويأثم المصلّي؛ لأنّ النهي لا يعود إليها، وإنّما يعود إلى التصرف، تماماً كالصلاة بالثوب المغصوب.

وما أبعد ما بين قول المذاهب الأربعة بصحة الصلاة من الغاصب في المال المغصوب، وبين قول الزيدية بأنّ المالك لا تصلح صلاته في ملكه ما دام مغتصباً في يد الغير، للنهي عن التصرف بالغصب.

وقول الإمامية وسط بين الإثنين، حيث صححوا صلاة المالك والمأذون منه، وأبطلوا صلاة الغاصب وغير المأذون مِن المالك. وقد أجاز الإمامية الصلاة في الأراضي الواسعة متى يتعذر أو يتعسر على الناس اجتنابها، وإن لم يحصل الإذن مِن صاحب المالك.

طهارة المكان

وقال الأربعة: يُشترط طهارة المكان من النجاسة المتعدية وغير المتعدية،

٩٧

أي الرطبة واليابسة. وبالغ الشافعية حيث قالوا: تجب طهارة كل ما يمسّ ويلاقي بدن المصلّي وثيابه، فإذا احتك بحائط نجس أو ثوب نجس، أو قبض على نجاسة أو قبض على حبل ملقى على نجاسة تبطل الصلاة. واكتفى الحنفية بطهارة موضع القدمين والجبهة فقط. واشترط الإمامية طهارة موضع الجبهة خاصة - أي مكان السجود - أمّا نجاسة ما عداها فلا تبطل الصلاة على شريطة أن لا تتعدى إلى بدن المصلي أو ثوبه.

الصلاة على الدابة

واشترط الحنفية والإمامية أن يكون المكان قاراً، فلا تصلح الصلاة عندهم على الدابة، ولا في الأرجوحة، وما إلى ذاك إلاّ لضرورة؛ لأنّ المعذور يصلّي حسب قدرته.

وقال الشافعية والمالكية والحنابلة: تصح الصلاة على الدابة عند الأمن والقدرة إذا أتى بها كاملة مستوفية الشرائط.

الصلاة في الكعبة

قال الإمامية والشافعية والحنفية: تجوز الصلاة في جوف الكعبة فريضة ونافلة.

وقال المالكية والحنابلة: تجوز نافلة ولا تجوز فريضة.

صلاة المرأة بجانب الرجل

قال جماعة مِن الإمامية: إذا صلّى رجل وامرأة في مكان واحد، وكانت هي متقدمة عليه أو مساوية له، ولَم يكن بينهما حائل أو بُعد عشرة أذرع

٩٨

بذراع اليد، لا تبطل صلاة مَن شرع أولاً، ولا تصح صلاة اللاحق، وإن شرعا معاً تبطل الصلاتان.

وقال الحنفية: إذا تقدمت المرأة أو ساوت الرجل، تبطل الصلاة على شريطة أن يكون مكانهما واحداً، ولا يفصل بينهما حائل قدر ذراع، وأن لا تكون المرأة مشتهاة، وأن لا تحاذيه بالساق والكعب، وأن لا تكون في صلاة جنازة، وأن تكون الصلاة مشتركة كأن تقتدي به، أو يقتديان بإمام واحد.

وقال الشافعية والحنابلة وكثير مِن الإمامية بصحة الصلاة على كراهة.

مسجد الجبهة

اتفقوا على أنّ موضع الجبهة يجب أن يكون مستقراً، وأن لا يرتفع عن موضع الركبتين ارتفاعاً غير معتاد. واختلفوا فيما يصحّ السجود عليه.

فقال الإمامية: لا يجوز السجود إلاّ على الأرض أو ما أنبتته ممّا لا يؤكل ولا يلبس، فلا يسجد المصلي على الصوف والقطن والمعادن، ولا ما نبت على وجه الماء؛ لأنّ الماء غير الأرض.

وأجازوا السجود على القرطاس؛ لأنّ مادته مِن نبات الأرض، واستدلوا لمذهبهم بأنّ السجود عبادة شرعية تتوقف كيفيته على النص. وأجتمع فقهاء المذاهب كافة على صحة السجود على الأرض وما أنبتت، فيقتصر على القدر المتيقن، ولقول الرسول (صلّى الله عليه وسلّم): (لا تتم صلاة أحدكم حتى يتوضأ كما أمر الله، ثُمّ يسجد ممكناً جبهته مِن الأرض)، وقوله: (خلقت الأرض مسجداً وطهوراً).

وقال خباب: شكونا إلى رسول الله حرّ الرمضاء في جباهنا، فلم يشكنا. ولو كان السجود على الفراش سائغاً لما شكوا.

٩٩

وأجاز الإمامية السجود على القطن والكتان للضرورة.

وقال الأربعة: يجوز السجود على كل نوع حتى حنك العمامة وكورها(١) بشرط أن يكون طاهراً، بل أجاز الحنفية السجود على الكف على كراهة مع عدم الضرورة.

____________________

(١) كور العمامة: الدور منها المعروف عند العامة (بالكة).

١٠٠