الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية10%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141368 / تحميل: 8968
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

فيجعلون لأنفسهم حقّ التصرّف في تحديد العلاقة بينهم وبين ربّهم، ويجعلون لأنفسهم السلطان المقدَّم على سلطانه تعالى، ومن ثمّ يجعلون أنفسهم أرباباً بدل أن يكونوا عبيداً له تعالى.

فمن ذلك يتبيّن: أنّ الوثنية وشرك عَبَدة الأصنام ينطوي على الاستكبار والكفر الذي هو سنّه إبليس اللعين، لا من جهة ضرورة أصل الواسطة والوسيلة، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ) (١) . وقال تعالى: ( أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ) (٢) .

فالآيتان يشير مفادهما إلى أنّ المحذور، وهو عدم إلاذن - وهو السلطان - من اللَّه في تعيين مصداق الواسطة والوسيلة، لا كون المحذور في وجود الوسيلة.

وكذا قوله تعالى على لسان إبراهيم الحنيف في محاجّته لعَبَدة الأصنام: ( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (٣) .

وقوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِْثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) (٤) .

وقوله تعالى في مشركي قريش في معركة أُحد: ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ) (٥) .

وقوله تعالى على لسان يوسف النبيّ عليه‌السلام : ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ءأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) (٦) .

قابلت

____________________

١) سورة الحج: ٧١.

٢) سورة الروم: ٣٥.

٣) سورة الأنعام: ٨١.

٤) سورة الأعراف: ٣٣.

٥) سورة آل عمران: ١٥١.

٦) سورة يوسف: ٣٩ - ٤٠.

١٢١

بين توحيد الحكم وتوحيد العبادة من جهة، وبين عَبَدة الأرباب من دون اللَّه من جهةٍ أُخرى؛ لكونها بدون سلطان وأمر منه تعالى، ممّا يقتضي أنّ مدار الشرك في العبادة في قبال التوحيد في العبادة يدوران مدار وجود الأمر الإلهي وعدمه.

فتؤكّد هذه الآيات، على أنّ شرك الوثنيين وعَبَدة الأصنام ليس بسبب وجود الواسطة بين البشر والباري، ولا بسبب وجود الوسيلة، بل إنّما شرك الوثنيين هو بسبب استقلالهم باتّخاذ الواسطة من عند أنفسهم، وتقديم اختيارهم وإرادتهم على اختيار اللَّه وإرادته. ففي الآيات تقرير لضرورة الوسيلة والواسطة، فأمّا الوثنيون فأشركوا إرادتهم ومشيئتهم مع إرادة اللَّه ومشيئته، ونازعوه في سلطانه.

ومن ثمّ تكرّر التعبير في هذه السور والآيات لعنوان عدم السلطان لهم بذلك من اللَّه، فجعلوا لأنفسهم سلطاناً يشاركون فيه سلطان اللَّه في تعيين الواسطة والباب إليه تعالى، كما فعل إبليس عندما اقترح على اللَّه نفي الواسطة المنصوبة من قبله تعالى، مقابل أن يعبده كما هو يريد لا كما يريد اللَّه، وكان هذا حال مشركي العرب وعَبَدة الأصنام الذين عبدوا اللَّه من حيث يريدون لا من حيث أراد اللَّه.

فالعقيدة الشركية ليست في الانقياد لواسطة الباري، وإنّما في إشراك إرادة العبد في العبادة مع إرادة المعبود، ومن ثَمّ كان سجود الملائكة لخليفة اللَّه آدم توحيد، وإباء إبليس عن الانقياد للواسطة شرك وكفر؛ لأنّ سجود الملائكة لآدم كان بأمرٍ من اللَّه وسلطانٍ منه، كما قال الإمام الصادق عليه‌السلام في تفسير سجود الملائكة له: (إنّ من سجد بأمر اللَّه فقد سجد للَّه، فكان سجوده للَّه إذ كان عن أمر اللَّه) (١) .

فالشرك يدور مدار إشراك العبد سلطان نفسه في العبادة وكيفيتها مع سلطان الباري، لا في وجود الواسطة من حيث هي واسطة، والوسيلة من حيث هي وسيلة.

____________________

١) البحار، ج ١١، ص ١٣٨.

١٢٢

كيف! وهي ضرورة، كما أنّ مدار التوحيد هو في التسليم لأمر اللَّه وسلطانه، ولو عبر واسطة ووسيلة، لا في نفي الواسطة والحجاب والباب في البين.

ولك أن تقول: إنّ ما قرّره علماء الكلام والمعرفة من العلوم الأُخرى في تعريف الشرك: بأنّه الخضوع لغير اللَّه بما أنّ الخاضع عبدٌ والمخضوع له ربّ. هو الآخر يرجع إلى تحديد سلطان اللَّه والقول بسلطان الغير وتقديمه على سلطان اللَّه.

وبعبارة أُخرى: إنّ الشرك باعتباره من أقسام الكفر يقابل التوحيد في مقامات عديدة، فكما أنّ التوحيد يُقرّر في مقام الذات الإلهية كذلك الشرك - في مقام الذات - يكون عبارة عن القول بتعدّد الذات الإلهية الواجبية.

فكما أنّ التوحيد في الصفات، هو عبارة عن وحدة الصفات الكمالية مع الذات الأزلية، وأنّ تلك الصفات الكمالية الواجبية لا يتّصف بها أحد غير الباري، فكذلك الشرك في الصفات يُقرّر بتعدّد وتغاير ذوات الصفات عن الذات الإلهية، أو باتّصاف غيره تعالى بتلك الصفات. وكما يُقرّر التوحيد - أيضاً - في الأفعال بأن تُسند الأفعال إلى الباري تعالى وأنّ لا مؤثّر في الوجود إلاّ هو، من دون استلزام ذلك الجبر في أفعال المخلوقين، فكذلك الشرك في الأفعال يُقرّر بأسناد الأفعال لغيره بنحو الاستقلال.

كذلك التوحيد في العبادة هو الخضوع له تعالى بما أنّه واجب الوجود، وأنّ له حقّ الطاعة وسلطان الولاية. والشرك في العبادة يُقرّر بالخضوع لغير اللَّه؛ باعتبار أنّ الغير مستقلّ الذات أو الفعل أو مستقلّ الولاية والسلطان ومستقلّ في حقّ الطاعة، فالشرك في العبادة لا ينحصر في النمط الأوّل - أي الشرك في الذات - كما قد يوهمه التعريف الدارج.

بل إنّ مشركي العرب في الجزيرة وعَبَدة الأصنام من غيرهم لا يعتقدون في

١٢٣

الأصنام والأوثان الاستقلال في وجود ذواتها، ولا أزليتها، ولا الأرواح الكلّية المزعوم تعلّقها في الأصنام. وإنّما شركهم - كما تقدّم - لقولهم بحقّ الطاعة لتلك الأصنام والأرواح من دون إذنٍ ولا أمرٍ من اللَّه.

ويشير إلى ذلك قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) (١) ، فاتّضح أنّ الشرك في العَبَدة لا يتحقّق بمجرّد الخضوع لغير اللَّه تعالى، بل فيما كان بغير أمر اللَّه وسلطانه، كما أنّ التوحيد في العبادة لا يتحقّق بمجرّد صورة الخضوع للَّه تعالى، بل إنّما يتحقّق فيما كان بأمر اللَّه وسلطانه.

فالشرك في العبادة يدور مدار معنى العبودية من الخضوع والطوعانية لولاية وسلطان المعبود، فإذا جُعل الخضوع لمبدأ سلطانٍ غير اللَّه فيقع الشرك في العبادة، فتعريف العبادة التي هي عبودية التأليه وربوبية المعبود، كما أشار إلى ذلك الشيخ الكبير كاشف الغطاء في رسالته منهج الرشاد لمن أراد السداد: (إنّها الامتثال والانقياد للعظيم في ذاته، المستوجب للطاعة لا بواسطة أمر غيره) (٢) أي يستوجب الطاعة بذاته.

ولك أن تقول بأنّها الطاعة والامتثال والخضوع والانقياد للعظيم في ذاته، المستوجب للطاعة لا بأمر غيره، أي المستوجب للولاية بذاته لا بتولية غيره، فالعبادة هي الطوعانية من العابد للمعبود بما له من ولاية ذاتية.

وهذا هو المعنى المصطلح لعبادة التأليه في قبال عَبَدة الخدمة، وعبادة الطاعة بأمر الغير.

____________________

١) سورة الزمر: ٣.

٢) منهج الرشاد لمن أراد السداد، في المقصد الثاني في تحقيق معنى العبادة: ص٥٤.

١٢٤

صورية الطاعات بدون الولاية

الإيمان شرط في قبول الأعمال

إنّ قبول الأعمال والجزاء عليها هي من السنن الإلهية التي تتبع شروطاً تكوينية خاصّة، والشرط المهم في ذلك هو الإيمان؛ لأنّ العمل إذا لم ينل النور والصفاء عن طريق الإيمان والنية السليمة فهو سراب بقيعة، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (١) ، فالآية تقرّر أنّ الأعمال مهما بلغت من العظمة - التي يراها الناس - إذا لم تقترن بالإيمان باللَّه فهي جميعاً عبث، وهباء، وخيال كالسراب.

وقال تعالى في آية أخرى: ( مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْ‏ءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ) (٢) ، وقال تعالى: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) (٣) ، تشير إلى أنّ المجازات على الأعمال في الآخرة مشروط بالبقاء على الإيمان، وقال تعالى: ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِْيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (٤) .

____________________

١) سورة النور: ٣٩.

٢) سورة إبراهيم: ١٨.

٣) سورة الزمر: ٦٥.

٤) سورة المائدة: ٥.

١٢٥

فهذه الآيات الكريمة تبين لنا الموقف من قبول الأعمال أو رفضها من الباري عزّ وجلّ. ونستطيع أن نعبّر: أنّه يشترط في قبول الأعمال الحُسن الفاعلي؛ لأنّ كلّ عمل له بعدان أو حيثيتان في جهات الحسن والقبح، فتارةً يُلحظ العمل بما هو موجود في الخارج فيحكم عليه بالحسن أو القبح، وتارةً يُلحظ العمل من حيث صدوره من الفاعل وبما ينطوي عليه من دوافع لذلك العمل.

كما جاء في الحديث النبويّ: (إنّما الأعمال بالنيّات)، فوزن وقوام الأعمال والعمل هو بالنيات والنية، والثواب والعقاب على الأعمال يلحظ فيه جانب الحسن الفاعلي، قال تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (١) ، فلم يقل عزّ وجلّ: (أكثركم عملاً) حتّى يكون المدار على الحسن الفعلي، بل قال ( أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) ؛ وإلاّ لو كان الحسن الفعلي هو المدار لعُوقب المجبور والمضطرّ على صدور المحرّم منه أو ترك الواجب.

ولهذا يُلاحظ أنّ بعض الأعمال قد أعطى اللَّه سبحانه وتعالى الثواب عليها لبعض الناس، ولم يعط لآخرين قاموا بأعمال هي في الظاهر أكثر، كما في تصدّق الخاتم من أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الفقير حال الركوع فنزلت بحقّه الآية المباركة: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ، وقوله تعالى: ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ... ) (٣) ، فإنّ القيمة ليست للخاتم التي بسببها نزلت الآية، بل من جهة قيمة خلوص العمل، وهكذا قضية تصدّق الزهراء عليها‌السلام بأقراص الشعير.

وهكذا الأعمال تقاس بهذا المنظار، فالزكاة مع الرياء، أو الجهاد وفتح البلدان

____________________

١) سورة الملك: ٢.

٢) سورة المائدة: ٥٥.

٣) سورة الإنسان: ٩.

١٢٦

بغير خلوص هو سراب يصبّ في نزوات الهوى، وجمع الثروات، والتوسّع في اللذائذ والشهوات.

فالإيمان باللَّه واليوم الآخر شرط أساسي في قبول الأعمال؛ لأنّ الحسن الفاعلي - كما قلنا - لا يمكن أن يتحقّق بدون عقيدة الإيمان؛ لأنّ العمل بدون الإيمان باللَّه سبحانه وتعالى لا يكون إليه، وإنّما يكون للأنا وللذات ونزعاتها السفلية، وهو فارغ عن الغاية التي يريدها اللَّه من الأعمال؛ فإنّ روح الأعمال هو الإخلاص، ( وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (١) .

أمّا العمل بدون الخلوص فهو في حقيقته تمرّد وتكبّر على الباري، كما هي أعمال إبليس التي أوصلته إلى الهلاك والكفر وحبط الأعمال.

فقصّة إبليس الواردة في القرآن الكريم نموذج على ما آلت إليه أعماله التي هي في ظاهرها منتهى العبودية، فإنّه - لعنه اللَّه - كان قد سجد، سجدة واحدة، ستّة آلاف سنة، وكان يقرّ للَّه بالوحدانية، وأنّه مخلوق من مخلوقاته، وكان يقرّ بيوم المعاد وبنبوّة آدم بنصّ القرآن الكريم: ( خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) (٢) ، و ( قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (٣) ، فهذا اعتراف وإقرار منه باللَّه تعالى وأنّه مخلوق من مخلوقاته، وأمّا إقراره بيوم المعاد والآخرة: ( قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (٤) ، ولكن لم ينفعه كلّ ذلك العمل وذلك الإقرار، صار لعيناً مرجوماً كافراً، ( وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (٥) .

وعليه، فالإيمان شرط في قبول الأعمال، وهذه حقيقة مسلّمة عند جميع المسلمين، إنّما الكلام يقع حول أجزاء الإيمان، فهل تقتصر على التوحيد والنبوّة

____________________

١) سورة البينة ٥.

٢) سورة الأعراف ١٢.

٣) سورة ص ٧٩.

٤) سورة الأعراف ١٤.

٥) سورة البقرة ٣٤.

١٢٧

والمعاد؟ أم تشمل معرفة الإمام، والولاية له، وممّا يقرّر ذلك؟ وأنّ ولاية أهل البيت شرط في قبول الأعمال؟

نذكر في مقام الاستدلال على ذلك عدّة وجوه: قرآنية، وحديثية، وعقلية:

ولاية أهل البيت عليهم‌السلام شرط لقبول الأعمال

الدليل الأوّل: الآيات القرآنية:

الآية الأُولى: قوله تعالى: ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) ، ذكر علماء المسلمين من الخاصّة والعامّة، من رواة ومؤرّخين ومفسّرين متواتراً: أنّ كلمة القربى هي خاصّة بأُناس قد عيّنهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعندما يستعرض الباحث للسيرة النبويّة الشريفة يرى أنّ النبيّ لم يكن يدع فرصة أو مناسبة صغيرة كانت أو كبيرة إلاّ ويؤكّد لهم من خلالها على تحديد قُرُباه، في حديث الكساء، والأحاديث الأُخرى: (عليّ منّي وأنا من عليّ)، (فاطمة بضعة منّي. .. )، (حسين منّي وأنا من حسين)، وهكذا توجد أحاديث كثيرة بهذا المضمون.

ولابدّ أن يكون هناك خطب كبير يترتّب على هؤلاء القُربى، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالرسالة التي بعث بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله . والآية المباركة هي من ملاحم الآيات القرآنية التي تبيّن حقيقة الرسالة الخاتمة الكاملة التي جاء بها، والتي تشمل جميع الأعمال من اعتقادات: بالتوحيد، والنبوّة، والمعاد. وعبادات: من صلاة، وصيام، وحجّ وزكاة... إلخ.

وبعبارة أُخرى: من فروع وأُصول، فإنّها جميعاً وقعت طرف معاوضة وتعادل في قبال محبّة أهل البيت، ومقتضى التعادل والمعادلة بين العوض والمعوّض هو

____________________

١) سورة الشورى: ٢٣.

١٢٨

كون العوض بدرجة قيمة المعوّض، ولا ريب أنّ عمدة وثقل الرسالة هي في أُصول الدين وأركانه، لا مجرّد الفروع، فإذا كان في المعوّض والتي هي الرسالة جملة أُصول الدين، فلا بدّ أن يكون العوض هو أيضاً من أُصول الدين؛ بمقتضى الموازنة والمعادلة.

وجعل العوض في قبال جملة أُصول الدين في المعوّض دالّ على كون مودّة القربى وولايتهم هو مفتاح لمعرفة بقية أُصول الدين. وهذا يدلّ ويقضي بالترابط بين مجموع هذه الأُصول وأنّ الباب والمفتاح لبقية حقائق أُصول الدين يمرّ بولايتهم.

فمن أراد مدينة الإيمان فلابدّ عليه أن يأتيها من بابها، فمغزى إفراد الولاية، والمودّة للقربى، في كفّة وطرف المعاوضة، في قبال جملة بقية أُصول الدين في طرف آخر، هو إشارة لهذا المعنى وبيان لهذا الترابط العضوي في محاور أُصول الدين، وأنّ الوصول إلى حقائق الإيمان - لا مجرّد ظاهر الإسلام - هو بولاية القربى ومودّتهم؛ لأنّها الهداية إلى بقية الأُصول، والعاصمة عن الضلال، كما هو مؤدّى حديث الثقلين؛ حيث اشترط في العصمة من الضلال لزوم التمسّك بالكتاب والعترة.

وهذا ممّا يفيد أنّ صحّة التوحيد وصحّة الإيمان بالنبوّة والمعاد لا بدّ في تحققهما من ولاية ومودّة ذي القربى، فضلاً عن الثواب والجزاء عليها، فإذا كان هكذا الحال في أُصول الدين ففي فروعه أوضح؛ حيث إنّها في الرتبة الثانية من أجزاء الرسالة.

فتبين من مفاد هذه الآية الشريفة: أنّ مودّة القربى شرط في تحقّق أُصول الدين، فضلاً عن الثواب عليها. ناهيك عن أعمال الفروع والثواب عليها. وبالتالي، فولاية القربى شرط في صحّة الأعمال فضلاً عن قبولها، وأنّ المراد

١٢٩

بتلك الأعمال ما يشمل الاعتقاد لا صرف أفعال الجوارح، وهذه قراءة عميقة لقاعدة شرطية الولاية في صحّة الأعمال.

الآية الثانية: وهي قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلامَ دِينًا ) (١) النازلة بعد قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (٢) .

ومن الواضح من الآيتين أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أُمر من قِبله تعالى بإبلاغ أمر بالغ الخطورة والأهميّة، بحيث لولا إبلاغه لما كانت هناك أيّة جدوى في إبلاغ التوحيد والنبوّة والمعاد وأركان الدين، فضلاً عن تفاصيل الفروع؛ إذ عمدة اسم الرسالة قد طُبّق على الأُصول والأركان.

وكان ذلك الأمر المأمور بإبلاغه شديد الوقع على نفوس المسلمين؛ إلى درجة كان الرسول يتخوّف تمرّدهم عن الطاعة والتسليم. وكلّ هذا المفاد يجده المتمعّن اللبيب في أجواء ألفاظ الآيتين، وقد ذكر المفسّرون ورواة الحديث نزولهما في إبلاغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لإمامة وولاية عليّ عليه‌السلام من بعده في غدير خم (٣) .

ومفاد الآيتين يتناغم بشدة مع مفاد آية المودّة؛ حيث يشير إلى التقابل بين جملة الرسالة والديانة في طرف، وما أُبلغ في ذلك اليوم في طرف آخر، كما مرّ ذلك في مفاد آية التبليغ، حيث علّق رضاه تعالى بمجمل الرسالة والدين على ذلك الأمر، أي علّق رضاه بالتوحيد والنبوّة والمعاد وأركان الدين على ذلك الأمر، فقبولها موقوف عليه، بل في الآية دلالة على توقّف صحّتها عليه حيث علّق إكمال الدين عليه.

____________________

١) سورة المائدة: ٣.

٢) المائدة: ٦٧.

٣) لاحظ: كتاب الغدير، للأميني، ج١،ص٢١٤ - ٢٤٧.

١٣٠

والإكمال يغاير الإتمام الذي في النعمة، حيث إنّ كمال الشي‏ء يغاير تمامه؛ إذ كمال الشي‏ء هو بصورته التي هي قوام هويته، وأمّا تمام الشي‏ء فهي نعوته الطارئة بعد تحقّق هويته، فمفاد هذه الآية يدلّ على ما تقدّم استنتاجه واستظهاره في آية المودّة من أنّ أُصول الدين وأركانه فضلاً عن الفروع مشروطة بالولاية، كما أنّ المشروط في الأعمال بالولاية هو صحّتها فضلاً عن قبولها.

الآية الثالثة: وهي قوله تعالى: ( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ) (١) ، وقد تقدّم دلالة الآيات المتعرّضة لقصّة آدم وإبليس على المطلوب إجمالاً، حيث إنّ إبليس كان مقرّاً بالتوحيد والمعاد حينما قال: ( رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (٢) ، وكذا كان مقرّاً بنبوّة لآدم عليه‌السلام حينما قال: ( أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) (٣) .

ولكنّه لم يكن يأتمّ بآدم ويتولاه ويتابعه ويطيعه، حيث إنّ السجود عنوان لكلّ ذلك فالإباء عن السجود عبارة عن ذلك، ومع كلّ إقراره بالثلاثة من الأُصول، ولكنّه استحقّ الطرد والرجم والذمّ من اللَّه تعالى. وظاهر هذه الأحكام هو عدم صحّة صور ما أقرّ به من توحيد ومعاد ونبوّة، إذ حُكم على صورة إيمانه بالكفر، مضافاً إلى العقوبة؛ فليس التولّي لوليّ اللَّه والائتمام به مجرّد شرط لقبول بقية

____________________

١) سورة ص: ٧١ - ٧٨.

٢) سورة ص: ٧٩.

٣) سورة الإسراء: ٦٢.

١٣١

الاعتقادات، بل هو شرط صحة لها. فالأُصول الاعتقادية عبارة عن نسيج مترابط كلّ منها دخيل في صحّة الآخر.

ويظهر من مفاد هذه الآيات ما ظهر من مفاد الآيات السابقة؛ من كون ولاية خليفة اللَّه وحجّته شرط في صحّة الأعمال - لا في مجرّد قبولها فقط -، وشرطٌ في صحّة الاعتقادات، لامجرّد أعمال الجوارح.

وهناك طوائف أُخرى من الآيات الواردة في ولايتهم عليهم‌السلام دالّة على ذلك، لكن نكتفي بهذا القدر من الإشارة في المقام.

الدليل الثاني: الأحاديث النبويّة والقدسيّة المستفيضة الواردة عند الفريقين:

(لو أن عبداً عمّره اللَّه ما بين الركن والمقام، يصوم النهار ويقوم الليل حتّى يسقط حاجباه على عينيه، ثمّ ذُبح مظلوماً كما يُذبح الكبش، ثمّ لقي اللَّه بغير ولايتهم عليهم‌السلام ، لكان حقيقاً على اللَّه عزّ وجلّ أن يكبّه على منخريه في نار جهنّم) (١) .

وفي الحديث القدسي: (ثمّ لقيني جاحداً لولاية عليّ لأكببته في سقر) (٢) .

بل في بعضه: (إنّ للَّه في وقت كلّ صلاة يصلّيها هذا الخلق لعنة، قال: قلت: جُعلت فداك ولم؟ قال: بجحودهم حقّنا وتكذيبهم إيّانا) (٣) .

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام في جواب الزنديق مدّعي التناقض في القرآن، قال: (..

____________________

١) ورواه جملة من العامة ومنهم الحاكم في المستدرك ج ٣، ص ١٤٨، ط / حيدرآباد، وقال: إنّه صحيح على شرط مسلم. ومنهم العلامة الطبراني في ذخائرالعقبى، ص ١٨، ط / مكتبة القدس بمصر. ومنهم السيوطي في إحياء الميت ص ١١١، ط / مصطفى الحلبي مصر. ونقله في الخصائص الكبرى، ج ٢، ص ٢٦٥. ومنهم: الهيثمي في مجمع الزوائد، ج٩، ص ١٧١، ط/ مكتبة القدسي بالقاهرة. ومنهم: القندوزي في ينابيع المودة، ص ١٩٢، وغيرهم، فلاحظ: إحقاق الحق، ج ٩، ص ٤٩٢ - ص ٢٩٤، وكذلك: ج ١٥، ص ٥٩٩ و ج ١٩، ص ٢٨٤.

٢) المحاسن للبرقي، ج١، ص٩٠، روضة الواعظين للنيسابورى، ص ١٢٦.

٣) الوسائل، ج ١، ص ٩٥، البحار، ج ٦٩، ص ١٣٢.

١٣٢

وأمّا قوله: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ) (١) . وقوله: ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) (٢) ، فإنّ ذلك كلّه لا يغني إلاّ مع الاهتداء، وليس كلّ من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقاً بالنجاة ممّا هلك به الغواة، ولو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد، وإقرارها باللَّه، ونجا سائر المقرّين بالوحدانية، من إبليس فمَن دونه في الكفر، وقد بيّن اللَّه ذلك بقوله: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) (٣) ، وبقوله: ( الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ) (٤) .

وللإيمان حالات ومنازل يطول شرحها، ومن ذلك: إنّ الإيمان قد يكون على وجهين: إيمان بالقلب، وإيمان باللسان كما كان إيمان المنافقين على عهد رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لمّا قهرهم السيف، وشملهم الخوف، فإنّهم آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم.

فالإيمان بالقلب هو التسليم للربّ، ومن سلّم الأمور لمالكها لم يستكبر عن أمره، كما استكبر إبليس عن السجود لآدم، واستكبر أكثر الأمم عن طاعة أنبيائهم، فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل، فإنّه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام لم يُرد بها غير زخرف الدنيا والتمكين من النظرة، فلذلك لا تنفع الصلاة والصدقة إلاّ مع الاهتداء إلى سبيل النجاة وطريق الحقّ) (٥) .

وفي بعض الروايات عن الإمام الصادق عليه‌السلام : (فلو كان لك بدل أعمالك هذه عبادة الدهر من أوّله إلى آخره، وبدل صدقاتك والصدقة بكلّ أموال الدنيا، بل بمل‏ء الأرض ذهباً، لما زادك ذلك [ بدون ولاية أهل البيت عليهم‌السلام ] من رحمة اللَّه إلاّ بُعداً، ومن سخط اللَّه إلاّ

____________________

١) سورة الأنبياء: ٩٤.

٢) سورة طه: ٨٢.

٣) سورة الأنعام: ٨٢.

٤) سورة المائدة: ٤١.

٥) الاحتجاج للطبرسي، ج١، ص ٣٦٨، البحار، ج٢٧، ص ١٧٤.

١٣٣

قرباً) (١) .

ونُقل عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (رجلٌ حضر الجهاد في سبيل اللَّه فقُتل مقبلاً غير مدبر، والحور العين يطلعن إليه، والخزّان يتطلّعون ورود روحه عليهم، وأملاك الأرض يتطلّعون نزول حور العين إليه، والملائكة وخزّان الجنان، فلا يأتونه! فتقول ملائكة الأرض - حوالي ذلك المقتول -: ما بال الحور العين لا ينزلنّ إليه؟ وما بال خزّان الجنان لا يردون عليه؟ فيُنادَون من فوق السماء السابعة: يا أيّتها الملائكة، انظروا إلى آفاق السماء ودوينها. فينظرون، فإذا توحيد هذا العبد، وإيمانه برسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصلاته، وزكاته، وصدقته، وأعمال برّه، كلّها محبوسات دوين السماء، قد طبّقت آفاق السماء كلّها كالقافلة العظيمة قد ملأت ما بين أقصى المشارق والمغارب ومهاب الشمال والجنوب، تنادي أملاك تلك الأثقال الحاملون لها الواردون به: ما بالنا لا تفتح لنا أبواب السماء لندخل إليها بأعمال هذا الشهيد؟ ... ).

وفي تتمّة الرواية أنّه يُأمر بتلك الأعمال فتوضع في سواء الجحيم؛ لأنّ ليس لذلك الرجل موالاة عليّ والطيبين من آله، ومعاداة أعدائه، ويُقلّب اللَّه تلك الأثقال من الأعمال أوزاراً وبلايا على فاعلها؛ لمّا فارقها عن مطاياها من موالاة أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ ولموالاته لأعدائه (٢) .

قراءة ثالثة للقاعدة:

العبادة من دون الولاية عصيان وعدوان، والأعمال بدون الولاية آثام.

ومضمون هذه الروايات يتضمّن ما تقدّم، من أنّ الولاية شرط في الصحّة فضلاً عن القبول، وشرط في أُصول العقائد فضلاً عن الفروع. ويزيد ويمتاز بمعنى

____________________

١) البحار، ج٢٧، ص ١٨٧.

٢) البحار، ج ٢٧، ص ١٨٧ - ١٩٠.

١٣٤

ثالث، وهو أنّ تلك الأعمال التي صورتها إيمان وطاعة، هي في حقيقتها كفر ومعصية.

وهذا المعنى يثقُل على السامع تصوّره، فضلاً عن تصديقه في الوهلة الأُولى، وتمجّه النفوس وتنفر منه الأذهان وتتلّكأ عنده الألسن، لكنّ الحقيقة إذا اتضحت معالمها لا مفرّ من الأخذ بها واتّباعها، وإذا حصحص الصبح انقشعت غياهب الظلمة، وليكن تقرير مفاد هذه الروايات هو تقرير الدليل العقلي كما ترشد إليه الروايات بل والقرآن أيضاً، فالأحرى في المقام تقريره.

الدليل العقلي، ويقرّر بأنحاء:

الأوّل: قد مرّ أنّ حقيقة، وروح، ومخّ وقوام العبادة، هو بالطوعانية والضَراعة والخضوع والتذلّل للباري، والتسليم والسِلم والانقياد له، وهو جوهر العبادة والعبودية، وقلب ومركز وقطب معناها، فمع خلوّها عنه لا تعدوا أن تكون قشور خاوية اللب، وبدن جائف ميتة بلا روح، فهو قوام القربة والتقرّب، فالعبادة والعبودية هي الطاعة والطوعانية، والطاعة هو الانقياد لإرادة اللَّه والخضوع لها. وأمّا تحكيم إرادة النفس على إرادة الربّ فهو تجرّي واستكبار على العظيم - عزّ وجلّ - وعصيان له.

وإرادة اللَّه لا يهتدي إليها البشر من أنفسهم، ومن ثمّ احتاجوا إلى بعثة الرسل، وبمجملات الشريعة ومتشابهاتها لا يحيط البشر بتفاصيل إرادة الربّ من قبل أنفسهم، ومن ثمّ اضطرّوا إلى الحجّة والإمام الراسخ في العلم الذي تكون إرادته ومشيئته هي مظهر مشيئة وإرادة اللَّه.

فمِن ثمّ امتنع الاطّلاع على إرادات الربّ من دون حجّته وخليفته في أرضه، ومِن ثمّ اضطرّ البشر إلى ولاية خليفة اللَّه والمطهَّر من عترة نبيّه؛ لكي يطلعوا على مواطن إرادات اللَّه ورضاه، وإلاّ امتنع عليهم عبادة اللَّه، وكانوا فيما يمارسونه من طقوس وصور عبادية هي معاصي وتجرّي على اللَّه؛ بتحكيمهم إراداتهم وميولهم وأهوائهم على إرادة

١٣٥

اللَّه، وكانوا يطيعونه من حيث تريد أنفسهم، ولا يطيعونه من حيث يريد، ولأجل ذلك احتاجوا - في تحقّق عبادتهم للَّه تعالى - إلى دلالة وهداية الإمام والحجّة المنصوب من قبله.

ومن ذلك يتبيّن أنّ السجود الطويل من قبل إبليس حيث لم يكن منطوياً على الخضوع للَّه؛ لعدم خضوع إبليس لمن أمره اللَّه تعالى بالخضوع له، وهو خضوعه لآدم وتوليّه له. فلم يكن إبليس في صورة طاعته مقيمٌ على الطاعة ولا خاضع لإرادة الربّ، بل كان في سجوده مقيم على الجموح والطغيان والتعدّي على الربّ، وتحكيم إرادته على إرادة اللَّه، وكان سجوده الصوري حقيقته معصية وطغيان، واستكبار وعدوان، على ساحة القدس الإلهي.

وبذلك يتبين أنّ صورة العبادات من دون طاعة اللَّه بولاية وليّه هي عدوان وعصيان، وترك للمواطن الحقيقية لعبادة اللَّه، وانتهاج لمناهج عبادية تتطاول فيها إرادة العبد على إرادة المعبود. وبهذا البيان العقلي يتبين المعنى الثالث للقاعدة وهي شرطية الولاية في العبادات والأعمال، وأنّ بدونها تكون تلك الأفعال هتوك واجتراءات على المولى العزيز، يُؤزر فاعلها ويأثم بها بدل أن يُثاب، لا أن يُحرم من مجرّد الثواب.

هذا تقرير لهذا الوجه في الأعمال، وأمّا تقريره على صعيد الإيمان والاعتقادات، فبيانه:

أنّ الإيمان عمل كلّه وطاعة كلّه، فليس الطاعة والعمل مخصوصين بأعمال الجوارح، بل يعمّان أعمال الجوانح، كما يعمّان أعمال القلوب من الإيمان بالأصول الاعتقادية، ولذلك ورد: أنّ أوّل الفرائض التي افترضها اللَّه على العباد هو التوحيد والمعرفة، بمعنى الإيمان والإذعان والإخبات والتسليم، وكذلك الإقرار القلبي ببعثة الرسل، والمعاد، والكتب، وكذلك بأوصياء الرسل، وهم الأئمّة المستخلفين بعدهم. كما مرّ في مفاد آية المودّة الدالّة على أنّ

١٣٦

تولّي العترة المطهّرة هو من أصول الديانة، وكذلك هو مفاد آيتي المائدة النازلتين في بيعة الغدير، وغيرها من طوائف الآيات والأحاديث النبويّة الدالّة على ذلك.

فإذا تقرّر أنّ الإيمان بأُصول الدين فريضةٌ، وطاعةٌ، وعملٌ - بل هو من أكبر الفرائض وأعظم الطاعات والأعمال -، يتبين أنّ الإيمان أيضاً لابدّ فيه من الإخبات والخضوع والانقياد والتسليم، ونحو ذلك. بخلاف ما إذا امتزج بجموح واستكبار وعناد، وجرأة على ساحة الباري، فإنّه لن يعود طاعة وعملاً عبادياً، بل سيكون معصية وطغياناً وفرعنة وصَنَمية للنفس، وعبادة للطاغوت، لا عبادةً للَّه.

فالإباء، والاستكبار عن الإخبات والتسليم والإيمان بوليّ اللَّه وخليفته، يدلّ على انقلاب حقيقة الإيمان إلى طغيان وكفر، أي يدلّ على صورية الإيمان بالتوحيد والمعاد؛ إذ مقتضى الإقرار بالتوحيد هو الإقرار بكلّ الصفات الكمالية للباري، وأنّه الغنيّ المطلق، وأنّ المخلوقات هي عين الفقر المحض والافتقار إليه تعالى، وأنّ له الملك وهو مالك جميع الأشياء، فله ملك ذوات المخلوقات ووجوداتها وأفعالها، وله مالكية الخضوع والطاعة.

فالتمرّد عليه في أُمّهات الطاعات استكبار وإنكار لهذه المالكية، فيرجع إلى الخلل في الإيمان بالتوحيد، وبالتالي يتّضح أنّ عصيان اللَّه في التولّي لوليه هو كفر بمالكية اللَّه واستحقاقه للطاعة، نظير الخلل الواقع في الإيمان بالمعاد أو بالرسالة، فإنّه يؤول إلى الخلل في التوحيد أيضاً، فيكون هناك غاية وراء اللَّه، فتكون - والعياذ باللَّه - ذاته محدودة.

وكذلك الحال في إنكار الرسالة، فإنّه يرجع إلى إنكار كون صلاحية الحكم والتشريع للباري، وبالتالي يؤول إلى عدم الإقرار بعلم الباري النافذ ولا بحكمته، ولا بإحاطته بخفيات وعواقب الأُمور. فالإقرار والإيمان بالتوحيد بمنزلة الإقرار المبهم المجمل الذي لا يتمّ تفصيله

١٣٧

وكماله إلاّ بالإقرار بالتوحيد في مقامات أُخرى، فالإيمان بالمعاد هو مقام آخر من مقامات التوحيد - وهو التوحيد في الغاية - كما أنّ أصل التوحيد هو توحيد في مقام المبدأ والأوّلية، ولا يكمل التوحيد بالاعتقاد بأنّه أوّل من دون الاعتقاد بأنّه آخر، كذلك الحال في الاعتقاد بالرسالة، وببعثة الرسل والكتب المنزّلة، هو اعتقاد بالتوحيد في مقام التشريع ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلَّهِ ) .

ونفس الشي‏ء يقال في الولاية والإمامة، هو اعتقاد بالتوحيد في مقام الطاعة والولاية، فهذه مقامات وأركان للتوحيد لا يتمّ صرح الاعتقاد بالتوحيد إلاّ بها. وفي تفسير القمّي عنه عليه‌السلام حينما سئل عن التوحيد قال: (هو لا إله إلاّ اللَّه، محمّد رسول، عليّ وليّ اللَّه، إلى ها هنا التوحيد) (١) .

وفي البصائر والتوحيد: عن الصادق عليه‌السلام في بيان فطرة التوحيد، قال عليه‌السلام : (فَطَرَهم على التوحيد، ومحمّد رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله، وعليّ أمير المؤمنين - عليه‌السلام -) (٢) .

وبذلك يتبيّن أنّ الاعتقاد ببعض الأُصول والتخلّف عن البعض الآخر، هو كالاعتقاد ببعض الصفات الإلهية وإنكار البعض الآخر، ويؤدّي إلى القول بمحدودية الذات، وتركيبها وتجزّئها، ومن ثَمّ ورد قوله تعالى: ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) (٣) .

الثاني: قد تقدّم في الأدلّة القرآنية والروائية السابقة أنّ الأعمال تُحبط، وهي حابطة بدون الإيمان، وهذا غير مختصّ بالفروع بل شامل للأُصول أيضاً، والحبط الأخروي للعمل والاعتقاد وإن لم يكن في الاصطلاح الفقهي ملازماً لعدم صحّة العمل والاعتقاد، كذلك في المصطلح الكلامي الدارج، وأنّه فساد بلحاظ الثواب

____________________

١) تفسير الصافي، ج٤، ص ١٣٢.

٢) المصدر السابق.

٣) سورة يوسف: ١٠٦.

١٣٨

الأخروي والقبول، لا بلحاظ ماهية العمل. إلاّ أنّ الحبط وفق نظرية تجسّم الأعمال هو كون الجزاء هو عين العمل وحقيقته الباقية، ويكون موجِب الحبط كاشفاً عن دخالة ذلك الشي‏ء في الوجود البقائي للعمل والاعتقاد.

وبعبارة أُخرى عندما لا يكون للعمل أجر وثواب فذلك يعني أنّه ليس للعمل حقيقة باقية في الأبد الأخروي، فليس هناك إلاّ صورة العمل لا حقيقته، ويستلزم ذلك كون الموجِب للحبط دخيلاً في حقيقة العمل وبقائه، وكذلك دخيلاً في حقيقة الاعتقاد وبقائه.

ويتبيّن صورية الاعتقاد والأعمال بدون الإيمان، وليس المقصود من صورية الاعتقاد مجرّد الإقرار اللساني، بل إنّ عقد القلب هو على الصورة لا على الحقيقة، فما رواه الفريقان من حبط الأعمال والاعتقادات من دون حبّ علي عليه‌السلام وولايته - كما مرّت الإشارة إلى المصادر - وكذلك ما رواه الفريقان: أنّه قسيم الجنّة والنار، وأنّ حبّه إيمان وبغضه نفاق. دالّ على حبط الاعتقاد، فضلاً عن العمل بدون ولايته.

فقد روى الصدوق في الأمالي بإسناده، عن ابن عبّاس، قال: (قال رسول اللَّه - صلّى الله عليه وآله -: المخالف على عليّ بن أبي طالب بعدي كافر، والمشرك به مشرك، والمحبّ له مؤمن، والمبغض له منافق، والمقتفي لأثره لاحِق، والمحارب له مارق، والراد عليه زاهق. عليٌّ نور اللَّه في بلاده، وحجّته على عباده، وعلي سيف اللَّه على أعدائه، ووارث علم أنبيائه، عليّ كلمة اللَّه العليا، وكلمة أعدائه السفلى، عليّ سيّد الأوصياء ووصيّ سيّد الأنبياء، عليّ أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين وإمام المسلمين، لا يقبل اللَّه الإيمان إلاّ بولايته وطاعته) (١) .

____________________

١) الأمالي، ص ٦١.

١٣٩

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

ابن زياد بحبسهما بعد أن شتم المختار ، واستعرض وجهه بالقضيب فشتر عينه(١) .وبقيا في السجن إلى أن قتل الحسينعليه‌السلام (٢) .

__________________

(١) أنساب الأشراف للبلاذري ، ج ٥ ص ٢١٥.

(٢) المصدر السابق.

٥٠١

الفصل الخامس عشر :

عزم الحسينعليه‌السلام على المسير إلى العراق

(ونصائح الأصحاب)

إضافة لما ورد في هذا الفصل ، تراجع في الفصول السابقة من هذا الباب (النصائح) المتعددة الموجهة للحسينعليه‌السلام ، وردّ الإمام على هذه النصائح ، ففيها لمحات من فلسفة نهضة الحسينعليه‌السلام ، وفيها الإجابة على تساؤلات كثيرة حول أسباب نهضته المباركة ومراميها البعيدة.

وقد بدأت النصائح من المدينة ، واستمرت أثناء إقامته في مكة.

٥٨٨ ـ أقسام الناصحين :

يمكن تقسيم الذين نصحوا الحسينعليه‌السلام بعدم المسير إلى نوعين :

١ ـ المشفقون : وهم الذين نصحوه من منطلق المحبة والخوف عليه ، ومنهم محمّد بن الحنفية وعبد الله بن عباس وعمر الأطرف والسيدة أم سلمة ، وعبد الله بن مطيع العدوي والمسوّر بن مخرمة وعمرو بن عبد الرحمن المخزومي وغيرهم.

٢ ـ المندّدون : وهم الذين أنكروا عليه خروجه ، ونصحوه من منطلق أنه مخطئ ولا يجوز له ذلك ، وهم غالبا من غير خطّ أهل البيتعليهم‌السلام ، منهم : عبد الله بن عمر وأبو واقد الليثي وعمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية وسعيد بن المسيّب ...وغيرهم.

وأما عبد الله بن الزبير ، فظاهره الإشفاق وباطنه غير ذلك.

٥٨٩ ـ الذين نصحوا الحسينعليه‌السلام كان الأولى بهم مناصرته :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٨ طبع حجر إيران)

يقول الفاضل الدربندي : ثم لا يخفى عليك أن علماء أهل الخلاف لو كانوا أخذوا طريق الإنصاف وتركوا الاعتساف ، وتتبعوا الأخبار وتفحصوا السير والآثار ، لعلموا أن ما ظنّ به ابن عمر وابن عباس من أن سيد الشهداءعليه‌السلام لو

٥٠٢

خرج إلى العراق لقتل فيه ، إنما كان منبعثا من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإخباره بشهادة ولده وريحانته في أرض العراق ، فإنه يقتله أشرار هذه الأمة ، فلا تنالهم شفاعته ، وأن أنصار ولده والمستشهدين بين يديه يكونون في أعلى درجات الجنان معه. فلو كان النصحاء من الكاملين المؤمنين ، لاختاروا نصرة ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتركوا النصيحة له. لأنه كما نص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبر بشهادته مرارا متضافرة ، إخبارا منجّزا ، بأنه يخرج إلى العراق ويقتل ، وأنه قد شاء الله تعالى أن يراه مقتولا ، لا معلّقا بأنه لو خرج لقتل ؛ فكذا قد نصّ بأنه إمام مفترض الطاعة ، وحجة الله على جميع أهل السموات والأرضين بعد أبيه وأخيهعليه‌السلام .

٥٩٠ ـ شخوص الحسينعليه‌السلام إلى المدينة لزيارة قبر جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٣٩)

قال أبو مخنف : لما قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة انقطع خبرهما عن الحسينعليه‌السلام فقلق قلقا عظيما. فجمع أهله وأخبرهم بما حدّثته به نفسه. وأمرهم بالرحيل إلى المدينة ، فخرجوا سائرين بين يديه إلى المدينة حتى دخلوها.

٥٩١ ـ زيارة الحسينعليه‌السلام لقبر جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورؤياه :

(المصدر السابق)

فأتى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتزمه وبكى بكاء شديدا ، فهوّمت عيناه بالنوم [أي نام نوما خفيفا] فرأى جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : يا ولدي الوحا الوحا العجل العجل ، فبادر إلينا فنحن مشتاقون إليك. فانتبه الحسينعليه‌السلام قلقا مشوقا إلى جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥٩٢ ـ زيارة الحسينعليه‌السلام لأخيه محمّد بن الحنفية :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ١٤١)

وجاء الحسينعليه‌السلام إلى أخيه محمّد بن الحنفية وهو عليل ، فحدّثه بما رأى وبكى. فقال له : يا أخي ماذا تريد أن تصنع؟. قال : أريد الرحيل إلى العراق ، فإني على قلق من أجل ابن عمي مسلم بن عقيل. فقال له محمّد بن الحنفية : سألتك بحق جدك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا تفارق حرم جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن لك فيه أعوانا كثيرة. فقال الحسينعليه‌السلام : لا بدّ من العراق. فقال محمّد بن الحنفية : إني والله ليحزنني فراقك ، وما أقعدني عن المسير معك إلا لأجل ما أجده من المرض

٥٠٣

الشديد ، فوالله يا أخي ما أقدر أن أقبض على قائم سيف ولا كعب رمح. فوالله لا فرحت بعدك أبدا. ثم بكى بكاء شديدا حتّى غشي عليه. فلما أفاق من غشيته قال :يا أخي أستودعك الله من شهيد مظلوم.

وودعه الحسينعليه‌السلام ورجع إلى مكة.

٥٩٣ ـ عبد الله بن عمر يشير على الحسينعليه‌السلام بالخضوع ، والحسين يبيّن هوان الدنيا ، وأن الله سينتقم من قتلته كما انتقم من بني إسرائيل :

(المنتخب للطريحي ، ص ٣٨٩)

روى بعض الثقات أن عبد الله بن عمر لما بلغه أن الحسينعليه‌السلام متوجه إلى العراق ، جاء إليه وأشار عليه بالطاعة والانقياد لابن زياد ، وحذّره من مشاقّة أهل العناد.

فقال له الحسينعليه‌السلام : يا عبد الله ، إنّ من هوان هذه الدنيا على الله ، أن رأس يحيى بن زكرياعليه‌السلام أهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل ، فامتلأ به سرورا ، ولم يعجّل الله عليهم بالانتقام ، وعاشوا في الدنيا مغتبطين. ألم تعلم يا عبد الله أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنهم لم يفعلوا شيئا ، ولم يعجّل الله عليهم بانتقام ، بل أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.

ثم قال : يا عبد الله ، اتّق الله ولا تدعنّ نصرتي ، ولا تركنن إلى الدنيا ، لأنها دار لا يدوم فيها نعيم ، ولا يبقى أحد من شرّها سليم. متواترة محنها ، متكاثرة فتنها.أعظم الناس فيها بلاء الأنبياء ، ثم الأئمة الأمناء ، ثم المؤمنون ، ثم الأمثل بالأمثل.

٥٩٤ ـ خطبة الحسينعليه‌السلام قبيل خروجه من مكة إلى العراق :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٩٣)

ولما عزم الحسينعليه‌السلام على الخروج إلى العراق ، قام خطيبا فقال :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله وما شاء الله ولا قوة إلا بالله وصلّى الله على رسوله.

٥٠٤

خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة. وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف!. وخير لي مصرع أنا لاقيه. كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس(١) وكربلا ، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا(٢) . لا محيص عن يوم خطّ بالقلم. رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين. لن تشذّ عن رسول الله لحمته ، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس(٣) ، تقرّبهم عينه ، وينجز بهم وعده. ألا ومن كان فينا باذلا مهجته ، موطّنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى.

٥٩٥ ـ نصيحة عمر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي للحسينعليه‌السلام بالعدول عن المسير إلى العراق :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٥)

دخل عمر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي على الحسينعليه‌السلام وقد عزم على المسير إلى العراق ، فقال : يابن رسول الله أتيتك لحاجة أريد أن أذكرها لك ، وأنا غير غاشّ لك فيها ، فهل لك أن تسمعها؟. فقالعليه‌السلام : قل ما أحببت ، فقال : أنشدك الله يابن عم ألا تخرج إلى العراق ، فإنهم من قد عرفت ، وهم أصحاب أبيك ، وولاتهم عندهم ، وهم يجبون البلاد ، والناس عبيد المال ، ولا آمن أن يقاتلك من كتب إليك يستقدمك. فقال الحسينعليه‌السلام : سأنظر فيما قلت ، وقد علمت أنك أشرت بنصح ، ومهما يقض الله من أمر فهو كائن البتة ، أخذت برأيك أم تركت.

__________________

(١) النواويس : أرض تقع شمال غربي كربلاء. والنواويس جمع ناووس : وهو من القبر ما سدّ لحده. وكانت بها مجموعة مقابر للنصارى والأنباط ، واليوم يقال لها أراضي الجمالية.وقيل : إنها في المكان الّذي فيه مزار الحر بن يزيد الرياحي. وعسلان الفلوات : ذئابها.والأوصال : الأعضاء.

(٢) الأكراش : جمع كرش. وجوفا : أي واسعة. والأجربة : الأوعية. والسّغب : الجائعة.وهذا الكلام كناية عن قتلهعليه‌السلام ونبذه بالعراء وتركه عرضة لما ذكر. والمعنى هنا مجازي ، إذ أن جسم المعصوم لا تقربه الوحوش ولا تمسّه بسوء. والمعنى أنهعليه‌السلام ستقتله عصابة وتسلبه ، وتوزّع أهله وتسبي نساءه وأولاده ، عصابة هي أشبه ما تكون بذئاب الفلوات الجائعة ، تقطّع أوصال القتيل وتبعثر أعضاءه. وكنّىعليه‌السلام عن أهله وأولاده بالأوصال ، لأن صلتها به تنقطع بوفاته.

(٣) حظيرة القدس : الجنة.

٥٠٥

فانصرف عنه عمر بن عبد الرحمن وهو يقول :

ربّ مستنصح سيعصى ويؤذى

ونصيح بالغيب يلفى نصيحا

وفي رواية (مثير الأحزان) لابن نما الحلي ، ص ٢٧ :

كم ترى ناصحا يقول فيعصى

وظنين المغيب يلفى نصيحا

٥٩٦ ـ نصيحة المسوّر بن مخرمة :(تاريخ ابن عساكر ، ص ٢٠٢)

وكتب إليه المسوّر بن مخرمة : إياك أن تغترّ بكتب أهل العراق ، ويقول لك ابن الزبير : الحق بهم فإنهم ناصروك. إياك أن تبرح الحرم ، فإنهم إن كانت لهم بك حاجة ، فسيضربون إليك آباط الإبل حتّى يوافوك ، فتخرج في قوة وعدّة.

فجزاه الحسينعليه‌السلام خيرا ، وقال : أستخير الله في ذلك.

٥٩٧ ـ كتاب عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد الأنصارية :

(تاريخ ابن عساكر ، بعد الحديث ٦٥٣ ، ص ١٩٨)

كتبت إلى الحسينعليه‌السلام عمرة بنت عبد الرحمن تعظّم عليه ما يريد أن يصنع ، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة ، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه : أشهد لحدّثتني عائشة أنها سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «يقتل حسين بأرض بابل».

فلما قرأعليه‌السلام كتابها ، قال : فلا بدّ لي إذا من مصرعي ، ومضى.

٥٩٨ ـ عبد الله بن الزبير يحمّس الحسينعليه‌السلام على الخروج إلى العراق ليصفو له الجو :(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٧)

قال الخوارزمي : ثم أقبل عبد الله بن الزبير فسلّم على الحسينعليه‌السلام وجلس ساعة. ثم قال : أما والله يابن رسول الله ، لو كان لي بالعراق مثل شيعتك لما أقمت بمكة يوما واحدا ، ولو أنك أقمت بالحجاز ما خالفك أحد ، فعلى ماذا نعطي هؤلاء الدنيّة ونطمعهم في حقنا ، ونحن أبناء المهاجرين ، وهم أبناء المنافقين؟!.

قال : وكان هذا الكلام مكرا من ابن الزبير ، لأنه لا يحب أن يكون بالحجاز أحد يناويه. فسكت الحسينعليه‌السلام وعلم ما يريد.

٥٩٩ ـ كتاب عبد الله بن جعفر الطيار للحسينعليه‌السلام من المدينة يطلب منه عدم التعجل بالمسير إلى العراق :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٧)

٥٠٦

وبعث عبد الله بن جعفر كتابا مع ابنيه محمّد وعون من المدينة هذا نصه :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . للحسين بن علي ، من عبد الله بن جعفر. أما بعد فإني أنشدك الله ألا تخرج من مكة ، فإني خائف عليك من هذا الأمر الّذي قد أزمعت عليه ، أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، فإنك إن قتلت خفت أن يطفأ نور الله ، فأنت علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين. فلا تعجل بالمسير إلى العراق(١) فإني آخذ لك الأمان من يزيد ، ومن جميع بني أمية لنفسك ولمالك وأولادك وأهلك ، والسلام.

فكتب إليه الحسينعليه‌السلام : أما بعد ، فإن كتابك ورد عليّ ، فقرأته وفهمت ما فيه. اعلم أني رأيت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامي ، فأخبرني بأمر

أنا ماض له ، كان لي الأمر أو عليّ ، فو الله يابن عم لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني حتّى يقتلوني. وو الله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في يوم السبت ، والسلام(٢) .

٦٠٠ ـ كتاب عمرو بن سعيد بن العاص(٣) من المدينة للحسينعليه‌السلام يعيذه فيه من الشقاق ويدعوه إلى المدينة :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٨)

وكتب عمرو بن سعيد بن العاص والي الحجاز إلى الحسينعليه‌السلام من المدينة :أما بعد ، فقد بلغني أنك قد عزمت على الخروج إلى العراق ، ولقد علمت ما نزل بابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته ، وأنا أعيذك بالله تعالى من الشقاق ، فإني خائف عليك منه ، ولقد بعثت إليك بأخي (يحيى بن سعيد) فأقبل إليّ معه ، فلك عندنا الأمان والصلة ، والبر والاحسان ، وحسن الجوار ، والله بذلك عليّ شهيد ووكيل وراع وكفيل ، والسلام.

فكتب الحسينعليه‌السلام : أما بعد فإنه لم يشاقّ من دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين. وقد دعوتني إلى البر والإحسان ، وخير الأمان أمان الله ، ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا. ونحن نسأله لك ولنا في هذه الدنيا

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٩٦.

(٢) المناقب لابن شهراشوب ، ج ٢ ص ٢٤٥ طبع نجف.

(٣) كان عمرو بن سعيد بن العاص والي مكة ، والوليد بن عتبة والي المدينة ، فلما بلغ يزيد ما صنع الوليد عزله عن المدينة وولاها عمرو بن سعيد بن العاص إضافة لمكة ، فقدمها في شهر رمضان من سنة ٦٠ ه‍.

٥٠٧

عملا يرضى لنا يوم القيامة. فإن كنت بكتابك هذا إليّ أردت برّي وصلتي ، فجزيت بذلك خيرا في الدنيا والآخرة ، والسلام.

٦٠١ ـ كتاب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عباس بمكة :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ ط ٢ نجف)

قال الواقدي : ولما نزل الحسينعليه‌السلام مكة ، كتب يزيد بن معاوية إلى ابن عباس :

أما بعد ، فإن ابن عمك حسينا ، وعدوّ الله ابن الزبير ، التويا ببيعتي ولحقا بمكة ، مرصدين للفتنة ، معرّضين أنفسهما للهلكة.

فأما ابن الزبير ، فإنه صريع الفنا ، وقتيل السيف غدا.

وأما الحسين ، فقد أحببت الإعذار إليكم أهل البيت مما كان منه. وقد بلغني أن رجالا من شيعته من أهل العراق يكاتبونه ويكاتبهم ، ويمنّونه الخلافة ويمنّيهم الإمرة. وقد تعلمون ما بيني وبينكم من الوصلة وعظيم الحرمة ونتائج الأرحام. وقد قطع ذلك الحسين وبتّه ، وأنت زعيم أهل بيتك وسيد أهل بلادك. فالقه فاردده عن السعي في الفرقة ، وردّ هذه الأمة عن الفتنة ، فإن قبل منك وأناب إليك ، فله عندي الأمان والكرامة الواسعة ، وأجري عليه ما كان أبي يجريه على أخيه ، وإن طلب الزيادة فاضمن له ما أراك الله ، أنفّذ ضمانك وأقوم له بذلك ، وله عليّ الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكدة ، بما تطمئن به نفسه ويعتمد في كل الأمور عليه.

عجّل بجواب كتابي ، وبكل حاجة لك إليّ وقبلي ، والسلام.

قال هشام بن محمّد : وكتب يزيد في أسفل الكتاب :

يا أيها الراكب العادي مطيّته

على عذافرة(١) في سيرها قحم

أبلغ قريشا على نأي المزار بها

بيني وبين الحسين : الله والرّحم

وموقف بفناء البيت أنشده

عهد الإله غدا يوفى به الذّمم

عنّيتم قومكم فخرا بأمّكم

أمّ لعمري حصان عفّة كرم

هي التي لا يداني فضلها أحد

بنت الرسول وخير الناس قد علموا

وفضلها لكم فضل ، وغيركم

من قومكم لهم في فضلها قسم

__________________

(١) العذافرة : الناقة الشديدة ، الوثيقة الظهر.

٥٠٨

إني لأعلم أو ظنّا كعالمه

والظنّ يصدق أحيانا فينتظم

أن سوف يترككم ما تدّعون بها

قتلى تهاداكم العقبان والرّخم

يا قومنا لا تشبّوا الحرب إذ سكنت

وأمسكوا بحبال السلم واعتصموا

قد غرّت الحرب من قد كان قبلكم

من القرون وقد بادت بها الأمم

فأنصفوا قومكم لا تهلكوا بذخا

فربّ ذي بذخ زلّت به القدم

قال الخوارزمي في مقتله ، ج ١ ص ٢١٩ :

وأتى كتاب من يزيد بن معاوية إلى عمرو بن سعيد يأمره فيه أن يقرأه على الموسم ، وفيه القصيدة السابقة.

ثم قال : وأتى مثله إلى أهل المدينة ؛ من قريش وغيرهم.

قال : فوجّه أهل المدينة بهذه الأبيات إلى الحسين ولم يعلموه أنها من يزيد.فلما نظرها الحسين علم أنها منه ، وكتب إليهم في الجواب :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ) (٤١) [يونس : ٤١].

٦٠٢ ـ جواب ابن عباس ليزيد على كتابه ، ونصيحته له :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٩ ط ٢ نجف)

فكتب ابن عباس ليزيد :

أما بعد ، فقد ورد كتابك تذكر فيه لحاق الحسين وابن الزبير بمكة.

فأما ابن الزبير فرجل منقطع عنا برأيه وهواه ، يكاتمنا مع ذلك أضغانا يسرّها في صدره ، يوري علينا وري الزّناد ، لا فكّ الله أسيرها ، فارأ في أمره ما أنت راء.

وأما الحسين فإنه لما نزل مكة وترك حرم جده ومنازل آبائه ، سألته عن مقدمه ، فأخبرني أن عمّالك بالمدينة أساؤوا إليه وعجلوا عليه بالكلام الفاحش ، فأقبل إلى حرم الله مستجيرا به ، وسألقاه فيما أشرت إليه ، ولن أدع النصيحة فيما يجمع الله به الكلمة ، ويطفئ به النائرة [أي الحرب] ، ويخمد به الفتنة ، ويحقن به دماء الأمة.

فاتقّ الله في السرّ والعلانية ، ولا تبيتنّ ليلة وأنت تريد لمسلم غائلة ، ولا ترصده بمظلمة ، ولا تحفر له مهواة. فكم من حافر لغيره حفرا وقع فيه ، وكم من مؤمّل أملا لم يؤت أمله. وخذ بحظك من تلاوة القرآن ونشر السنّة ، وعليك بالصيام

٥٠٩

والقيام ، لا تشغلك عنهما ملاهي الدنيا وأباطيلها ، فإنّ كل ما اشتغلت به عن الله يضرّ ويفنى ، وكل ما اشتغلت به من أسباب الآخرة ينفع ويبقى ، والسلام.

فلما قرأ يزيد كتاب ابن عباس أخذته العزة بالإثم ، وهمّ بقتل ابن عباس ، فشغله عنه أمر ابن الزبير ، ثم أخذه الله ـ بعد ذلك بيسير ـ أخذا عزيزا.

٦٠٣ ـ نصيحة عبد الله بن عباس للحسينعليه‌السلام وفيها يتخوّف عليه من أهل الكوفة ويدعوه للبقاء في مكة :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٦)

وقدم ابن عباس في تلك الأيام إلى مكة ، وقد بلغه أن الحسين عزم على المسير ، فأتى إليه ودخل عليه مسلّما. ثم قال له : جعلت فداك ، إنه قد شاع الخبر بين الناس وأرجفوا بأنك سائر إلى العراق ، فبيّن لي ما أنت عليه. فقال : نعم قد أزمعت على ذلك في أيامي هذه إنشاء الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فقال ابن عباس : أعيذك بالله من ذلك ، فإنك إن سرت إلى قوم قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم واتقوا عدوهم ، ففي مسيرك إليهم لعمري الرشاد والسداد ، وإن سرت إلى قوم دعوك إليهم وأميرهم قاهر لهم ، وعمّالهم يجبون بلادهم ، فإنما دعوك إلى الحرب والقتال. وأنت تعلم أنه بلد قد قتل فيه.

أبوك ، واغتيل فيه أخوك ، وقتل فيه ابن عمك(١) وقد بايعه الناس ، وعبيد الله في البلد يفرض ويعطي ، والناس اليوم عبيد الدينار والدرهم ، فلا آمن عليك أن تقتل.فاتّق الله والزم هذا الحرم ، فإن كنت على حال لا بدّ أن تشخص ، فصر إلى اليمن ، فإن بها حصونا لك ، وشيعة لأبيك ، فتكون منقطعا عن الناس. فقال الحسينعليه‌السلام : لا بدّ من العراق!. قال : فإن عصيتني فلا تخرج أهلك ونساءك ، فيقال إن دم عثمان عندك وعند أبيك ، فو الله ما آمن أن تقتل ونساؤك ينظرن كما قتل عثمان. فقال الحسينعليه‌السلام : والله يابن عم لأن أقتل بالعراق أحبّ إليّ من أن أقتل بمكة ، وما قضى الله فهو كائن ، ومع ذلك أستخير الله وأنظر ما يكون.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٠ :

__________________

(١) يقصد به مسلم بن عقيل. ويستفاد من هذا الكلام أن الحسينعليه‌السلام علم بمقتل مسلم وهو في مكة ، مع أن مسلما استشهد يوم التروية في اليوم الّذي سار فيه الحسينعليه‌السلام إلى العراق.وتدل الروايات المؤكدة على أنهعليه‌السلام لم يبلغه ذلك إلا وهو في منتصف الطريق في (زرود).

٥١٠

قال هشام بن محمّد : ثم إن حسينعليه‌السلام كثرت عليه كتب أهل الكوفة وتواترت إليه رسلهم : «إن لم تصل إلينا ، فأنت آثم». فعزم على المسير ، فجاء إليه ابن عباس ونهاه عن ذلك ، وقال له : يابن عم ، إن أهل الكوفة قوم غدر ؛ قتلوا أباك ، وخذلوا أخاك وطعنوه وسلبوه وأسلموه إلى عدوه ، وفعلوا ما فعلوا.

فقال : هذه كتبهم ورسلهم ، وقد وجب عليّ المسير لقتال أعداء الله.

فبكى ابن عباس ، وقال : وا حسيناه.

وأورد المقرّم في مقتله ، ص ١٩٦ هذا الكلام على النحو التالي :

وقال ابن عباس للحسينعليه‌السلام : يابن العم إني أتصبّر وما أصبر ، وأتخوّف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال. إن أهل العراق قوم غدر فلا تقربهم. أقم في هذا البلد ، فإنك سيد أهل الحجاز. وأهل العراق إن كانوا يريدونك كما زعموا فلينفوا عاملهم وعدوهم ، ثم اقدم عليهم. فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن ، فإن بها حصونا وشعابا(١) وهي أرض عريضة طويلة ، ولأبيك بها شيعة ، وأنت عن الناس في عزلة ، فتكتب إلى الناس وترسل وتبثّ دعاتك ، فإني أرجو أن يأتيك عند ذلك الّذي تحب في عافية.

فقال الحسينعليه‌السلام : يابن العم إني والله لأعلم أنك ناصح مشفق ، وقد أزمعت على المسير. فقال ابن عباس : إن كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك ، فإني لخائف أن تقتل وهم ينظرون إليك. فقال الحسينعليه‌السلام : والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام المرأة(٢) .

(وفي رواية) قال ابن عباس : استشارني الحسينعليه‌السلام في الخروج من مكة فقلت : لو لا أن يزري بي وبك لتشبّثت بيدي في رأسك. فقالعليه‌السلام : ما أحبّ أن تستحلّ بي (يعني مكة).

وفي (تاريخ مدينة دمشق) لابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسينعليه‌السلام ص

__________________

(١) روى بعض هذا الكلام أبو مخنف في مقتله ، ص ٤١.

(٢) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٦ ؛ وفي القاموس المحيط وتاج العروس : الفرام دواء تضيّق به المرأة المسلك. وفي لواعج الأشجان للأمين ص ٧٤ : الفرام هو خرقة الحيض.

٥١١

٢٠٤ ، قال ابن عباس : وكان قوله هذا هو الّذي سلا بنفسي عنه. ثم بكى وقال :أقررت عين ابن الزبير.

ثم خرج عبد الله بن عباس من عنده وهو مغضب ، وابن الزبير على الباب. فلما رآه قال : يابن الزبير قد أتى ما أحببت قرّت عينك ، هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك والحجاز. ثم قال :

يا لك من قبّرة بمعمر

خلا لك الجوّ فبيضي واصفري

ونقّري ما شئت أن تنقّري

(أقول) : وفي أغلب المصادر أن هذه النصائح من ابن عباس كانت في يومين متتاليين.

وبعث الحسينعليه‌السلام إلى المدينة ، فقدم عليه من خفّ معه من بني عبد المطلب ، وهم تسعة عشر رجلا ، ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم.

٦٠٤ ـ نصيحة عبد الله بن عمر للحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥١ ط ٢ نجف)

قال الواقدي : ولما بلغ عبد الله بن عمر ما عزم عليه الحسينعليه‌السلام دخل عليه بنفر ، فلامه ووبخه ونهاه عن المسير ، وقال له : يا أبا عبد الله ، سمعت جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «مالي وللدنيا ، وما للدنيا ومالي». وأنت بضعة منه. وذكر له نحو ما ذكر ابن عباس.

فلما رآه مصرّا على المسير ، قبّله ما بين عينيه وبكى ، وقال : أستودعك الله من قتيل.

٦٠٥ ـ نصيحة عبد الله بن الزبير للحسينعليه‌السلام وردّها :

(الحسين في طريقه إلى الشهادة ، ص ١١)

(ذكر الطبري عن أبي مخنف) عن عبد الله بن سليم والمنذر بن المشمعل الأسديين ، قالا : خرجنا حاجّين من الكوفة حتّى قدمنا مكة ، فدخلنا يوم التروية فإذا نحن بالحسينعليه‌السلام وعبد الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب. قال : فتقربنا منهما ، فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسينعليه‌السلام : إن شئت أن تقيم أقمت فوليت هذا الأمر ، فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك. فقال الحسينعليه‌السلام : إن أبي حدثني أن بها كبشا سيستحلّ حرمتها ، فما أحبّ أن أكون

٥١٢

أنا ذلك الكبش. فقال له ابن الزبير : فأقم إن شئت وتوليني أنا الأمر ، فتطاع ولا تعصى. فقال : وما أريد هذا أيضا.

(قالا) : ثم إنهما أخفيا كلامهما دوننا ، فما زالا يتناجيان حتّى سمعنا دعاء الناس متوجهين إلى منى عند الظهر.

(قالا) : فطاف الحسين بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، وقصّ شعره ، وحلّ من عمرته. ثم توجه نحو العراق ، وتوجهنا نحو منى(١) .

وفي رواية (مقتل الخوارزمي) ص ٢١٩ : قال عبد الله بن الزبير للحسين بن عليعليه‌السلام : أين تذهب؟. إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك!. فقال له الحسين :لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن تستحلّ بي (يعني مكة).

وفي رواية المقرّم ، ص ١٩٤ : إن الحسينعليه‌السلام قال لابن الزبير : إن أبي حدثني أن بمكة كبشا به تستحلّ حرمتها ، فما أحبّ أن أكون ذلك الكبش ، ولئن أقتل خارجا منها بشبر أحبّ إليّ من أن أقتل فيها(٢) . وايم الله لو كنت في ثقب هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيّ حاجتهم ، والله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت.

وعن معمّر ، قال : وسمعت رجلا يحدّث عن الحسين بن عليعليه‌السلام قال :سمعته يقول لعبد الله بن الزبير : أتتني بيعة أربعين ألفا يحلفون لي بالطلاق والعتاق ، من أهل الكوفة (وفي رواية : من أهل العراق). فقال له عبد الله بن الزبير : أتخرج إلى قوم قتلوا أباك وأخرجوا أخاك؟!.

٦٠٦ ـ موقف عبد الله بن الزبير من الحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥١ ط ٢ نجف)

ولما بلغ ابن الزبير عزمه ، دخل عليه وقال : لو أقمت ههنا بايعناك ، فأنت أحقّ من يزيد وأبيه.

وكان ابن الزبير أسرّ الناس بخروجه من مكة ، وإنما قال له هذا ، لئلا ينسبه إلى شيء آخر.

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٧.

(٢) في (تاريخ مكة) للأزرقي ، ج ٢ ص ١٠٥ أنه قال ذلك لابن عباس.

٥١٣

وفي كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٦ :

ولما خرج من عنده ابن الزبير قال الحسين لمن حضر عنده : إن هذا ليس شيء من الدنيا أحب إليه من أن أخرج من الحجاز ، وقد علم أن الناس لا يعدلونه بي ، فودّ أني خرجت حتّى يخلو له.

٦٠٧ ـ نصيحة أبي محمّد الواقدي :(لواعج الأشجان ، ص ٦٥)

قال أبو محمّد الواقدي وزرارة بن خلج [ذكر ذلك في الله وف ص ٢٦] : لقينا الحسين بن عليعليهما‌السلام قبل أن يخرج إلى العراق ، فأخبرناه ضعف الناس بالكوفة ، وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه. فأومأ بيده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ، ونزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلا اللهعزوجل ، فقالعليه‌السلام : لو لا تقارب الأشياء وحبوط الأجر ، لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكن أعلم يقينا أن من هناك مصرعي وهناك مصارع أصحابي ، لا ينجو منهم إلا ولدي (علي)عليه‌السلام .

٦٠٨ ـ الحسينعليه‌السلام يرفض نصرة الملائكة ، حتّى يحرز الشهادة ::

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٦٢)

عن زرارة بن صالح قال : لقينا الحسين بن عليعليهما‌السلام قبل أن يخرج إلى العراق بثلاث.

إلى أن قال : فأومأ بيده إلى السماء ، ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيه إلا الله. فقالعليه‌السلام : لو لا تقارب الأشياء وحبوط الأجر نقاتلهم بهؤلاء.

٦٠٩ ـ جبرئيلعليه‌السلام يدعو إلى بيعة الله :(المصدر السابق)

ومن رواية ابن عباس قال : رأيت الحسينعليه‌السلام قبل أن يتوجه إلى العراق على باب الكعبة ، وكفّ جبرئيل في كفه ، وجبرئيل ينادي : هلمّوا إلى بيعة الله. فقال : إن أصحاب الحسينعليه‌السلام لم ينقصوا رجلا ولم يزيدوا رجلا ، نعرفهم بأسمائهم قبل شهودهم.

وفي هذا دلالة تامة على علوّ شأن من استشهدوا بين يدي الحسينعليه‌السلام ، وأن منزلتهم أعلى من الشهداء الذين سبقوهم. وبيان ذلك أن هذا النحو من الدعوة المتمثلة في نداء جبرئيل ودعوته إلى البيعة ، لم يتحقق في شأن دعوة نبي من

٥١٤

الأنبياء. وهذا يدل على أن المتخلّف عن نصرة الحسينعليه‌السلام لا لعذر ، ليس من أهل الإيقان والإيمان.

٦١٠ ـ وصية الحسينعليه‌السلام إلى بني هاشم :

(اللهوف ، ص ٣٦)

ذكر الكليني في كتاب (الرسائل) عن حمزة بن حمران عن الصادقعليه‌السلام قال :ذكرنا خروج الحسينعليه‌السلام وتخلّف ابن الحنفية عنه ، فقال الصادقعليه‌السلام : يا حمزة إني سأحدثك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا. إن الحسين لما فصل متوجها ، أمر بقرطاس وكتب :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . من الحسين بن علي إلى بني هاشم : أما بعد ، إنه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلّف عني لم يبلغ الفتح ، والسلام. وقيل بعثه إلى محمّد بن الحنفية(١) .

يقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٢١٥ ، معلقا على قول الإمام الحسينعليه‌السلام لبني هاشم : ومن تخلّف لم يبلغ الفتح». أي من تخلّف عن نصرة الحسينعليه‌السلام لم يحرز النجاة والفلاح ، الّذي يحرزه من استشهد مع الحسينعليه‌السلام .

٦١١ ـ يزيد يأمر والي مكة بقتل الحسينعليه‌السلام غيلة ولو في حرم مكة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٦٢ ط نجف)

كان يزيد بن معاوية عزل الوليد بن عتبة عن المدينة ، وولّى عمرو بن سعيد ابن العاص على المدينة ومكة معا ، فأقام عمرو في المدينة. ثم أمره يزيد بالمسير إلى مكة في عسكر عظيم ، وولاه أمر الموسم ، وأمّره على الحاجّ كلهم.

وأوصاه بالقبض على الحسينعليه‌السلام سرا ، وإن لم يتمكن منه يقتله غيلة. وأمره أن يناجز الحسينعليه‌السلام القتال إن هو ناجزه. فلما كان يوم التروية قدم عمرو بن سعيد إلى مكة في جند كثيف.

ثم إن يزيد دسّ مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية ، وأمرهم بقتل الحسينعليه‌السلام على أي حال اتفق [نقل ذلك العلامة المجلسي في كتاب البحار].

__________________

(١) كتاب (الحسين في طريقه إلى الشهادة) للسيد علي بن الحسين الهاشمي ، ص ١٢٥.

٥١٥

فلما علم الحسينعليه‌السلام بذلك ، عزم على التوجه إلى العراق ، وحلّ من إحرام الحج ، وجعلها عمرة مفردة.

٦١٢ ـ الإمام الحسينعليه‌السلام يقصّر حجه إلى عمرة مفردة ، استعدادا للمسير إلى العراق :(مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٩٣)

لما بلغ الحسينعليه‌السلام أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر كثيف ، وأمّره على الحاج وولاه أمر الموسم ، وأوصاه بالفتك بالحسين أينما وجد(١) وبقتله على أي حال اتفق(٢) ، عزمعليه‌السلام على الخروج من مكة قبل إتمام الحج ، وجعلها عمرة مفردة ، وذلك كراهية أن تستباح به حرمة البيت(٣) .

وكان خروجهعليه‌السلام من مكة يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجة ، ومعه أهل بيته ومواليه وشيعته ، من أهل الحجاز والبصرة والكوفة ، الذين انضموا إليه أيام إقامته بمكة فكان الناس يخرجون إلى منى للتزود بالماء ، والحسينعليه‌السلام يخرج إلى العراق. ولم يكن علمعليه‌السلام بمقتل مسلم بن عقيل الّذي استشهد في ذلك اليوم(٤) .

٦١٣ ـ الفرق بين العمرة والحج :

(الكافي للكليني ، ج ٤ ص ٥٣٥)

عن معاوية بن عمار عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : إن المتمتّع مرتبط بالحج ، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء. وقد اعتمر الحسينعليه‌السلام في ذي الحجة ، ثم راح يوم التروية إلى العراق ، والناس يروحون إلى (منى). ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج.

٦١٤ ـ ابن الزبير يودّع الحسينعليه‌السلام عند ما أزمع على السفر :

(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ، ج ١٧ ص ١٥٥)

عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : إن الحسينعليه‌السلام خرج من مكة قبل التروية بيوم ، فشيّعه عبد الله بن الزبير. فقال : يا أبا عبد الله ، قد حضر الحج وتدعه وتأتي

__________________

(١) المنتخب للطريحي ، ص ٣٠٤ الليلة العاشرة.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧١.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ١٧٧ ؛ ومثير الأحزان لابن نما ، ص ٨٩.

(٤) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٢.

٥١٦

العراق؟!. فقالعليه‌السلام : يابن الزبير لأن أدفن بشاطئ الفرات أحبّ إليّ من أن أدفن بفناء الكعبة(١) .

٦١٥ ـ نصيحة محمّد بن الحنفية لأخيه الحسينعليه‌السلام ، وفيها يخبر الحسين أخاه برؤياه :(المنتخب للطريحي ، ص ٤٣٥ ط ٢)

وعن بعض الناقلين : إن محمّد بن الحنفية لما بلغه الخبر ، أن أخاه الحسينعليه‌السلام خارج من مكة يريد العراق ، كان في يده طشت فيه ماء وهو يتوضأ ، فجعل يبكي بكاء شديدا ، حتّى سمع وكف دموعه في الطّشت مثل المطر.

ثم إنه صلّى المغرب ، ثم سار إلى أخيه الحسينعليه‌السلام . فلما صار إليه قال له :يا أخي إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم ومكرهم بأبيك وأخيك من قبلك ، وإني أخشى عليك أن يكون حالك كحال من مضى من قبلك. فإن أطعت رأيي قم بمكة ، وكن أعزّ من في الحرم المشرّف. فقال : يا أخي إني أخشى أن تغتالني أجناد بني أمية في حرم مكة ، فأكون كالذي يستباح دمه في حرم الله. فقال :

يا أخي فصر إلى اليمن ، فإنك أمنع الناس به. فقال الحسينعليه‌السلام : والله يا أخي لو كنت في جحر هامة من هوامّ الأرض لاستخرجوني منه حتّى يقتلوني. ثم قال : يا أخي سأنظر فيما قلت.

فلما كان وقت السحر ، عزم الحسينعليه‌السلام على الرحيل إلى العراق. فجاءه أخوه محمّد بن الحنفية وأخذ بزمام ناقته التي هو راكبها ، وقال : يا أخي ألم تعدني النظر فيما أشرت به عليك؟. فقال : بلى. قال : فما حداك على الخروج عاجلا؟.فقال : يا أخي إن جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاني بعد ما فارقتك وأنا نائم ، فضمّني إلى صدره ، وقبّل ما بين عينيّ ، وقال : يا حسين قرة عيني ، اخرج إلى العراق ، فإن اللهعزوجل قد شاء أن يراك قتيلا مخضبا بدمائك.

فبكى ابن الحنفية بكاء شديدا ، وقال له : يا أخي إذا كان الحال هكذا ، فما معنى حملك هذه النسوة وأنت ماض إلى القتل؟. فقال : يا أخي قد قال لي جدي أيضا :إن اللهعزوجل قد شاء أن يراهنّ سبايا مهتكات ، يسقن في أسر الذل ، وهن أيضا لا يفارقنني ما دمت حيا.

__________________

(١) كامل الزيارات ، ج ٦ ص ٧٣ ؛ والبحار ، ج ٤٥ ص ٨٦.

٥١٧

فبكى ابن الحنفية بكاء شديدا ، وجعل يقول : أودعتك الله يا حسين في وداعة الله يا حسين.

٦١٦ ـ ورود عمرو بن سعيد إلى مكة يوم التروية :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، ج ٢ ص ٣)

ثم خرج [والي المدينة] إلى مكة ، فقدمها يوم التروية. فصلى الحسينعليه‌السلام ثم خرج.

فقال الناس للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، لو تقدمت فصليت بالناس. فإنه ليهمّ بذلك إذ جاء المؤذن ، فأقام الصلاة. فتقدم عثمان (والأصح : عمرو ابن سعيد) فكبّر ، فقال للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، إذا أبيت أن تتقدم فاخرج. فقال :الصلاة في الجماعة أفضل.

فلما انصرف عمرو بن سعيد بلغه أن الحسينعليه‌السلام خرج ، فقال : اركبوا كل بعير بين السماء والأرض فاطلبوه.

قال : فكان الناس يعجبون من قوله هذا. قال : فطلبوه ، فلم يدركوه.

٦١٧ ـ محاولة عبد الله بن جعفر إرجاع الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق)

فأرسل عبد الله بن جعفر ابنيه (عونا ومحمدا) ليردّا الحسينعليه‌السلام فأبى أن يرجع. وخرج الحسينعليه‌السلام بابني عبد الله بن جعفر معه. ورجع عمرو بن سعيد بن العاص إلى المدينة. فأرسل إلى ابن الزبير فأبى أن يأتيه ، وامتنع برجال معه من قريش وغيرهم.

٦١٨ ـ سؤال الحسينعليه‌السلام للشاعر الفرزدق عن حال الناس ، وقد لقيه في الحرم المكي :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢١٨ ط نجف)

روي عن الفرزدق الشاعر أنه قال : حججت بأمّي في سنة ستين ، فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم ، إذ لقيت الحسينعليه‌السلام خارجا من مكة مع أسيافه وأتراسه. فقلت : لمن هذا القطار؟. فقيل : للحسينعليه‌السلام . فأتيته ، فسلمت عليه

٥١٨

وقلت : أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب يابن رسول الله ، ما أعجلك عن الحج؟. فقال : لو لم أعجل لأخذت!.

ثم قال لي : من أنت؟. فقلت : رجل من العرب ، فما فتّشني أكثر من ذلك. قال:أخبرني عن الناس خلفك. فقلت : الخبير سألت : «قلوب الناس معك وأسيافهم عليك». ثم حرّك راحلته ومضى (راجع مثير ابن نما ، ص ٢٨).

٦١٩ ـ عبد الله بن عمرو بن العاص يستنكر مقاتلة الحسينعليه‌السلام بالسلاح :

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٨)

كان عبد الله بن عمرو بن العاص من الصحابة ، يأمر الناس باتباع الإمام الحسينعليه‌السلام .

قال الفرزدق بعد ذكر لقائه السابق بالامامعليه‌السلام : ثم مضيت فإذا بفسطاط مضروب في الحرم وهيئته حسنة. فأتيته ، فإذا هو لعبد الله بن عمرو بن العاص ، فسألني فأخبرته بلقاء الحسين بن عليعليهما‌السلام . فقال لي : ويلك فهلّا اتّبعته؟. فوالله سيملكنّ ، ولا يجوز السلاح فيه ولا في أصحابه.

قال الفرزدق : فهممت والله أن ألحق به ، ووقع في قلبي مقالته ، ثم ذكرت الأنبياء وقتلهم ، فصدّني ذلك عن اللحاق بهم.

٦٢٠ ـ كتاب من الوليد بن عتبة إلى ابن زياد بعدم الإساءة للحسينعليه‌السلام :

(مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري ، ص ٣٣)

قال المجلسي : واتصل خبر توجّه الحسينعليه‌السلام إلى العراق بالوليد بن عتبة أمير المدينة ، فكتب إلى ابن زياد : أما بعد ، فإن الحسين قد توجه إلى العراق ، وهو ابن فاطمة ، وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فاحذر يابن زياد أن تأتي إليه بسوء ، فتهيج على نفسك وقومك أمرا في هذه الدنيا لا يصدّه شيء ، ولا تنساه الخاصة والعامة أبدا ما دامت الدنيا.

توضيح : أورد الجواهري هذا الكتاب في مثيره أثناء مسير الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء. والذي يجب توضيحه أن الوليد بن عتبة لم يكن في ذلك الوقت واليا عليا المدينة ، فقد سبق أن يزيد عزله في منتصف شهر رمضان. فإن صحّت هذه الرواية

٥١٩

فالمقصود بها الوليد بن عتبة الّذي كان أميرا على المدينة. ويظهر في هذا الكتاب موقف الوليد بن عتبة الطيّب من الحسينعليه‌السلام ، والذي بدأه حين استدعى الحسينعليه‌السلام في المدينة لأخذ البيعة ، فساعده على الرحيل إلى مكة حتّى لا يبتلى بدمه ، وكان موقفه لا يقارن بموقف مروان الغادر ، وكلاهما من بني أمية.

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592