الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية23%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141413 / تحميل: 8973
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

فيجعلون لأنفسهم حقّ التصرّف في تحديد العلاقة بينهم وبين ربّهم، ويجعلون لأنفسهم السلطان المقدَّم على سلطانه تعالى، ومن ثمّ يجعلون أنفسهم أرباباً بدل أن يكونوا عبيداً له تعالى.

فمن ذلك يتبيّن: أنّ الوثنية وشرك عَبَدة الأصنام ينطوي على الاستكبار والكفر الذي هو سنّه إبليس اللعين، لا من جهة ضرورة أصل الواسطة والوسيلة، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ) (١) . وقال تعالى: ( أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ) (٢) .

فالآيتان يشير مفادهما إلى أنّ المحذور، وهو عدم إلاذن - وهو السلطان - من اللَّه في تعيين مصداق الواسطة والوسيلة، لا كون المحذور في وجود الوسيلة.

وكذا قوله تعالى على لسان إبراهيم الحنيف في محاجّته لعَبَدة الأصنام: ( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (٣) .

وقوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِْثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) (٤) .

وقوله تعالى في مشركي قريش في معركة أُحد: ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ) (٥) .

وقوله تعالى على لسان يوسف النبيّ عليه‌السلام : ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ءأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) (٦) .

قابلت

____________________

١) سورة الحج: ٧١.

٢) سورة الروم: ٣٥.

٣) سورة الأنعام: ٨١.

٤) سورة الأعراف: ٣٣.

٥) سورة آل عمران: ١٥١.

٦) سورة يوسف: ٣٩ - ٤٠.

١٢١

بين توحيد الحكم وتوحيد العبادة من جهة، وبين عَبَدة الأرباب من دون اللَّه من جهةٍ أُخرى؛ لكونها بدون سلطان وأمر منه تعالى، ممّا يقتضي أنّ مدار الشرك في العبادة في قبال التوحيد في العبادة يدوران مدار وجود الأمر الإلهي وعدمه.

فتؤكّد هذه الآيات، على أنّ شرك الوثنيين وعَبَدة الأصنام ليس بسبب وجود الواسطة بين البشر والباري، ولا بسبب وجود الوسيلة، بل إنّما شرك الوثنيين هو بسبب استقلالهم باتّخاذ الواسطة من عند أنفسهم، وتقديم اختيارهم وإرادتهم على اختيار اللَّه وإرادته. ففي الآيات تقرير لضرورة الوسيلة والواسطة، فأمّا الوثنيون فأشركوا إرادتهم ومشيئتهم مع إرادة اللَّه ومشيئته، ونازعوه في سلطانه.

ومن ثمّ تكرّر التعبير في هذه السور والآيات لعنوان عدم السلطان لهم بذلك من اللَّه، فجعلوا لأنفسهم سلطاناً يشاركون فيه سلطان اللَّه في تعيين الواسطة والباب إليه تعالى، كما فعل إبليس عندما اقترح على اللَّه نفي الواسطة المنصوبة من قبله تعالى، مقابل أن يعبده كما هو يريد لا كما يريد اللَّه، وكان هذا حال مشركي العرب وعَبَدة الأصنام الذين عبدوا اللَّه من حيث يريدون لا من حيث أراد اللَّه.

فالعقيدة الشركية ليست في الانقياد لواسطة الباري، وإنّما في إشراك إرادة العبد في العبادة مع إرادة المعبود، ومن ثَمّ كان سجود الملائكة لخليفة اللَّه آدم توحيد، وإباء إبليس عن الانقياد للواسطة شرك وكفر؛ لأنّ سجود الملائكة لآدم كان بأمرٍ من اللَّه وسلطانٍ منه، كما قال الإمام الصادق عليه‌السلام في تفسير سجود الملائكة له: (إنّ من سجد بأمر اللَّه فقد سجد للَّه، فكان سجوده للَّه إذ كان عن أمر اللَّه) (١) .

فالشرك يدور مدار إشراك العبد سلطان نفسه في العبادة وكيفيتها مع سلطان الباري، لا في وجود الواسطة من حيث هي واسطة، والوسيلة من حيث هي وسيلة.

____________________

١) البحار، ج ١١، ص ١٣٨.

١٢٢

كيف! وهي ضرورة، كما أنّ مدار التوحيد هو في التسليم لأمر اللَّه وسلطانه، ولو عبر واسطة ووسيلة، لا في نفي الواسطة والحجاب والباب في البين.

ولك أن تقول: إنّ ما قرّره علماء الكلام والمعرفة من العلوم الأُخرى في تعريف الشرك: بأنّه الخضوع لغير اللَّه بما أنّ الخاضع عبدٌ والمخضوع له ربّ. هو الآخر يرجع إلى تحديد سلطان اللَّه والقول بسلطان الغير وتقديمه على سلطان اللَّه.

وبعبارة أُخرى: إنّ الشرك باعتباره من أقسام الكفر يقابل التوحيد في مقامات عديدة، فكما أنّ التوحيد يُقرّر في مقام الذات الإلهية كذلك الشرك - في مقام الذات - يكون عبارة عن القول بتعدّد الذات الإلهية الواجبية.

فكما أنّ التوحيد في الصفات، هو عبارة عن وحدة الصفات الكمالية مع الذات الأزلية، وأنّ تلك الصفات الكمالية الواجبية لا يتّصف بها أحد غير الباري، فكذلك الشرك في الصفات يُقرّر بتعدّد وتغاير ذوات الصفات عن الذات الإلهية، أو باتّصاف غيره تعالى بتلك الصفات. وكما يُقرّر التوحيد - أيضاً - في الأفعال بأن تُسند الأفعال إلى الباري تعالى وأنّ لا مؤثّر في الوجود إلاّ هو، من دون استلزام ذلك الجبر في أفعال المخلوقين، فكذلك الشرك في الأفعال يُقرّر بأسناد الأفعال لغيره بنحو الاستقلال.

كذلك التوحيد في العبادة هو الخضوع له تعالى بما أنّه واجب الوجود، وأنّ له حقّ الطاعة وسلطان الولاية. والشرك في العبادة يُقرّر بالخضوع لغير اللَّه؛ باعتبار أنّ الغير مستقلّ الذات أو الفعل أو مستقلّ الولاية والسلطان ومستقلّ في حقّ الطاعة، فالشرك في العبادة لا ينحصر في النمط الأوّل - أي الشرك في الذات - كما قد يوهمه التعريف الدارج.

بل إنّ مشركي العرب في الجزيرة وعَبَدة الأصنام من غيرهم لا يعتقدون في

١٢٣

الأصنام والأوثان الاستقلال في وجود ذواتها، ولا أزليتها، ولا الأرواح الكلّية المزعوم تعلّقها في الأصنام. وإنّما شركهم - كما تقدّم - لقولهم بحقّ الطاعة لتلك الأصنام والأرواح من دون إذنٍ ولا أمرٍ من اللَّه.

ويشير إلى ذلك قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) (١) ، فاتّضح أنّ الشرك في العَبَدة لا يتحقّق بمجرّد الخضوع لغير اللَّه تعالى، بل فيما كان بغير أمر اللَّه وسلطانه، كما أنّ التوحيد في العبادة لا يتحقّق بمجرّد صورة الخضوع للَّه تعالى، بل إنّما يتحقّق فيما كان بأمر اللَّه وسلطانه.

فالشرك في العبادة يدور مدار معنى العبودية من الخضوع والطوعانية لولاية وسلطان المعبود، فإذا جُعل الخضوع لمبدأ سلطانٍ غير اللَّه فيقع الشرك في العبادة، فتعريف العبادة التي هي عبودية التأليه وربوبية المعبود، كما أشار إلى ذلك الشيخ الكبير كاشف الغطاء في رسالته منهج الرشاد لمن أراد السداد: (إنّها الامتثال والانقياد للعظيم في ذاته، المستوجب للطاعة لا بواسطة أمر غيره) (٢) أي يستوجب الطاعة بذاته.

ولك أن تقول بأنّها الطاعة والامتثال والخضوع والانقياد للعظيم في ذاته، المستوجب للطاعة لا بأمر غيره، أي المستوجب للولاية بذاته لا بتولية غيره، فالعبادة هي الطوعانية من العابد للمعبود بما له من ولاية ذاتية.

وهذا هو المعنى المصطلح لعبادة التأليه في قبال عَبَدة الخدمة، وعبادة الطاعة بأمر الغير.

____________________

١) سورة الزمر: ٣.

٢) منهج الرشاد لمن أراد السداد، في المقصد الثاني في تحقيق معنى العبادة: ص٥٤.

١٢٤

صورية الطاعات بدون الولاية

الإيمان شرط في قبول الأعمال

إنّ قبول الأعمال والجزاء عليها هي من السنن الإلهية التي تتبع شروطاً تكوينية خاصّة، والشرط المهم في ذلك هو الإيمان؛ لأنّ العمل إذا لم ينل النور والصفاء عن طريق الإيمان والنية السليمة فهو سراب بقيعة، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (١) ، فالآية تقرّر أنّ الأعمال مهما بلغت من العظمة - التي يراها الناس - إذا لم تقترن بالإيمان باللَّه فهي جميعاً عبث، وهباء، وخيال كالسراب.

وقال تعالى في آية أخرى: ( مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْ‏ءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ) (٢) ، وقال تعالى: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) (٣) ، تشير إلى أنّ المجازات على الأعمال في الآخرة مشروط بالبقاء على الإيمان، وقال تعالى: ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِْيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (٤) .

____________________

١) سورة النور: ٣٩.

٢) سورة إبراهيم: ١٨.

٣) سورة الزمر: ٦٥.

٤) سورة المائدة: ٥.

١٢٥

فهذه الآيات الكريمة تبين لنا الموقف من قبول الأعمال أو رفضها من الباري عزّ وجلّ. ونستطيع أن نعبّر: أنّه يشترط في قبول الأعمال الحُسن الفاعلي؛ لأنّ كلّ عمل له بعدان أو حيثيتان في جهات الحسن والقبح، فتارةً يُلحظ العمل بما هو موجود في الخارج فيحكم عليه بالحسن أو القبح، وتارةً يُلحظ العمل من حيث صدوره من الفاعل وبما ينطوي عليه من دوافع لذلك العمل.

كما جاء في الحديث النبويّ: (إنّما الأعمال بالنيّات)، فوزن وقوام الأعمال والعمل هو بالنيات والنية، والثواب والعقاب على الأعمال يلحظ فيه جانب الحسن الفاعلي، قال تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (١) ، فلم يقل عزّ وجلّ: (أكثركم عملاً) حتّى يكون المدار على الحسن الفعلي، بل قال ( أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) ؛ وإلاّ لو كان الحسن الفعلي هو المدار لعُوقب المجبور والمضطرّ على صدور المحرّم منه أو ترك الواجب.

ولهذا يُلاحظ أنّ بعض الأعمال قد أعطى اللَّه سبحانه وتعالى الثواب عليها لبعض الناس، ولم يعط لآخرين قاموا بأعمال هي في الظاهر أكثر، كما في تصدّق الخاتم من أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الفقير حال الركوع فنزلت بحقّه الآية المباركة: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ، وقوله تعالى: ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ... ) (٣) ، فإنّ القيمة ليست للخاتم التي بسببها نزلت الآية، بل من جهة قيمة خلوص العمل، وهكذا قضية تصدّق الزهراء عليها‌السلام بأقراص الشعير.

وهكذا الأعمال تقاس بهذا المنظار، فالزكاة مع الرياء، أو الجهاد وفتح البلدان

____________________

١) سورة الملك: ٢.

٢) سورة المائدة: ٥٥.

٣) سورة الإنسان: ٩.

١٢٦

بغير خلوص هو سراب يصبّ في نزوات الهوى، وجمع الثروات، والتوسّع في اللذائذ والشهوات.

فالإيمان باللَّه واليوم الآخر شرط أساسي في قبول الأعمال؛ لأنّ الحسن الفاعلي - كما قلنا - لا يمكن أن يتحقّق بدون عقيدة الإيمان؛ لأنّ العمل بدون الإيمان باللَّه سبحانه وتعالى لا يكون إليه، وإنّما يكون للأنا وللذات ونزعاتها السفلية، وهو فارغ عن الغاية التي يريدها اللَّه من الأعمال؛ فإنّ روح الأعمال هو الإخلاص، ( وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (١) .

أمّا العمل بدون الخلوص فهو في حقيقته تمرّد وتكبّر على الباري، كما هي أعمال إبليس التي أوصلته إلى الهلاك والكفر وحبط الأعمال.

فقصّة إبليس الواردة في القرآن الكريم نموذج على ما آلت إليه أعماله التي هي في ظاهرها منتهى العبودية، فإنّه - لعنه اللَّه - كان قد سجد، سجدة واحدة، ستّة آلاف سنة، وكان يقرّ للَّه بالوحدانية، وأنّه مخلوق من مخلوقاته، وكان يقرّ بيوم المعاد وبنبوّة آدم بنصّ القرآن الكريم: ( خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) (٢) ، و ( قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (٣) ، فهذا اعتراف وإقرار منه باللَّه تعالى وأنّه مخلوق من مخلوقاته، وأمّا إقراره بيوم المعاد والآخرة: ( قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (٤) ، ولكن لم ينفعه كلّ ذلك العمل وذلك الإقرار، صار لعيناً مرجوماً كافراً، ( وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (٥) .

وعليه، فالإيمان شرط في قبول الأعمال، وهذه حقيقة مسلّمة عند جميع المسلمين، إنّما الكلام يقع حول أجزاء الإيمان، فهل تقتصر على التوحيد والنبوّة

____________________

١) سورة البينة ٥.

٢) سورة الأعراف ١٢.

٣) سورة ص ٧٩.

٤) سورة الأعراف ١٤.

٥) سورة البقرة ٣٤.

١٢٧

والمعاد؟ أم تشمل معرفة الإمام، والولاية له، وممّا يقرّر ذلك؟ وأنّ ولاية أهل البيت شرط في قبول الأعمال؟

نذكر في مقام الاستدلال على ذلك عدّة وجوه: قرآنية، وحديثية، وعقلية:

ولاية أهل البيت عليهم‌السلام شرط لقبول الأعمال

الدليل الأوّل: الآيات القرآنية:

الآية الأُولى: قوله تعالى: ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) ، ذكر علماء المسلمين من الخاصّة والعامّة، من رواة ومؤرّخين ومفسّرين متواتراً: أنّ كلمة القربى هي خاصّة بأُناس قد عيّنهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعندما يستعرض الباحث للسيرة النبويّة الشريفة يرى أنّ النبيّ لم يكن يدع فرصة أو مناسبة صغيرة كانت أو كبيرة إلاّ ويؤكّد لهم من خلالها على تحديد قُرُباه، في حديث الكساء، والأحاديث الأُخرى: (عليّ منّي وأنا من عليّ)، (فاطمة بضعة منّي. .. )، (حسين منّي وأنا من حسين)، وهكذا توجد أحاديث كثيرة بهذا المضمون.

ولابدّ أن يكون هناك خطب كبير يترتّب على هؤلاء القُربى، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالرسالة التي بعث بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله . والآية المباركة هي من ملاحم الآيات القرآنية التي تبيّن حقيقة الرسالة الخاتمة الكاملة التي جاء بها، والتي تشمل جميع الأعمال من اعتقادات: بالتوحيد، والنبوّة، والمعاد. وعبادات: من صلاة، وصيام، وحجّ وزكاة... إلخ.

وبعبارة أُخرى: من فروع وأُصول، فإنّها جميعاً وقعت طرف معاوضة وتعادل في قبال محبّة أهل البيت، ومقتضى التعادل والمعادلة بين العوض والمعوّض هو

____________________

١) سورة الشورى: ٢٣.

١٢٨

كون العوض بدرجة قيمة المعوّض، ولا ريب أنّ عمدة وثقل الرسالة هي في أُصول الدين وأركانه، لا مجرّد الفروع، فإذا كان في المعوّض والتي هي الرسالة جملة أُصول الدين، فلا بدّ أن يكون العوض هو أيضاً من أُصول الدين؛ بمقتضى الموازنة والمعادلة.

وجعل العوض في قبال جملة أُصول الدين في المعوّض دالّ على كون مودّة القربى وولايتهم هو مفتاح لمعرفة بقية أُصول الدين. وهذا يدلّ ويقضي بالترابط بين مجموع هذه الأُصول وأنّ الباب والمفتاح لبقية حقائق أُصول الدين يمرّ بولايتهم.

فمن أراد مدينة الإيمان فلابدّ عليه أن يأتيها من بابها، فمغزى إفراد الولاية، والمودّة للقربى، في كفّة وطرف المعاوضة، في قبال جملة بقية أُصول الدين في طرف آخر، هو إشارة لهذا المعنى وبيان لهذا الترابط العضوي في محاور أُصول الدين، وأنّ الوصول إلى حقائق الإيمان - لا مجرّد ظاهر الإسلام - هو بولاية القربى ومودّتهم؛ لأنّها الهداية إلى بقية الأُصول، والعاصمة عن الضلال، كما هو مؤدّى حديث الثقلين؛ حيث اشترط في العصمة من الضلال لزوم التمسّك بالكتاب والعترة.

وهذا ممّا يفيد أنّ صحّة التوحيد وصحّة الإيمان بالنبوّة والمعاد لا بدّ في تحققهما من ولاية ومودّة ذي القربى، فضلاً عن الثواب والجزاء عليها، فإذا كان هكذا الحال في أُصول الدين ففي فروعه أوضح؛ حيث إنّها في الرتبة الثانية من أجزاء الرسالة.

فتبين من مفاد هذه الآية الشريفة: أنّ مودّة القربى شرط في تحقّق أُصول الدين، فضلاً عن الثواب عليها. ناهيك عن أعمال الفروع والثواب عليها. وبالتالي، فولاية القربى شرط في صحّة الأعمال فضلاً عن قبولها، وأنّ المراد

١٢٩

بتلك الأعمال ما يشمل الاعتقاد لا صرف أفعال الجوارح، وهذه قراءة عميقة لقاعدة شرطية الولاية في صحّة الأعمال.

الآية الثانية: وهي قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلامَ دِينًا ) (١) النازلة بعد قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (٢) .

ومن الواضح من الآيتين أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أُمر من قِبله تعالى بإبلاغ أمر بالغ الخطورة والأهميّة، بحيث لولا إبلاغه لما كانت هناك أيّة جدوى في إبلاغ التوحيد والنبوّة والمعاد وأركان الدين، فضلاً عن تفاصيل الفروع؛ إذ عمدة اسم الرسالة قد طُبّق على الأُصول والأركان.

وكان ذلك الأمر المأمور بإبلاغه شديد الوقع على نفوس المسلمين؛ إلى درجة كان الرسول يتخوّف تمرّدهم عن الطاعة والتسليم. وكلّ هذا المفاد يجده المتمعّن اللبيب في أجواء ألفاظ الآيتين، وقد ذكر المفسّرون ورواة الحديث نزولهما في إبلاغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لإمامة وولاية عليّ عليه‌السلام من بعده في غدير خم (٣) .

ومفاد الآيتين يتناغم بشدة مع مفاد آية المودّة؛ حيث يشير إلى التقابل بين جملة الرسالة والديانة في طرف، وما أُبلغ في ذلك اليوم في طرف آخر، كما مرّ ذلك في مفاد آية التبليغ، حيث علّق رضاه تعالى بمجمل الرسالة والدين على ذلك الأمر، أي علّق رضاه بالتوحيد والنبوّة والمعاد وأركان الدين على ذلك الأمر، فقبولها موقوف عليه، بل في الآية دلالة على توقّف صحّتها عليه حيث علّق إكمال الدين عليه.

____________________

١) سورة المائدة: ٣.

٢) المائدة: ٦٧.

٣) لاحظ: كتاب الغدير، للأميني، ج١،ص٢١٤ - ٢٤٧.

١٣٠

والإكمال يغاير الإتمام الذي في النعمة، حيث إنّ كمال الشي‏ء يغاير تمامه؛ إذ كمال الشي‏ء هو بصورته التي هي قوام هويته، وأمّا تمام الشي‏ء فهي نعوته الطارئة بعد تحقّق هويته، فمفاد هذه الآية يدلّ على ما تقدّم استنتاجه واستظهاره في آية المودّة من أنّ أُصول الدين وأركانه فضلاً عن الفروع مشروطة بالولاية، كما أنّ المشروط في الأعمال بالولاية هو صحّتها فضلاً عن قبولها.

الآية الثالثة: وهي قوله تعالى: ( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ) (١) ، وقد تقدّم دلالة الآيات المتعرّضة لقصّة آدم وإبليس على المطلوب إجمالاً، حيث إنّ إبليس كان مقرّاً بالتوحيد والمعاد حينما قال: ( رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (٢) ، وكذا كان مقرّاً بنبوّة لآدم عليه‌السلام حينما قال: ( أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) (٣) .

ولكنّه لم يكن يأتمّ بآدم ويتولاه ويتابعه ويطيعه، حيث إنّ السجود عنوان لكلّ ذلك فالإباء عن السجود عبارة عن ذلك، ومع كلّ إقراره بالثلاثة من الأُصول، ولكنّه استحقّ الطرد والرجم والذمّ من اللَّه تعالى. وظاهر هذه الأحكام هو عدم صحّة صور ما أقرّ به من توحيد ومعاد ونبوّة، إذ حُكم على صورة إيمانه بالكفر، مضافاً إلى العقوبة؛ فليس التولّي لوليّ اللَّه والائتمام به مجرّد شرط لقبول بقية

____________________

١) سورة ص: ٧١ - ٧٨.

٢) سورة ص: ٧٩.

٣) سورة الإسراء: ٦٢.

١٣١

الاعتقادات، بل هو شرط صحة لها. فالأُصول الاعتقادية عبارة عن نسيج مترابط كلّ منها دخيل في صحّة الآخر.

ويظهر من مفاد هذه الآيات ما ظهر من مفاد الآيات السابقة؛ من كون ولاية خليفة اللَّه وحجّته شرط في صحّة الأعمال - لا في مجرّد قبولها فقط -، وشرطٌ في صحّة الاعتقادات، لامجرّد أعمال الجوارح.

وهناك طوائف أُخرى من الآيات الواردة في ولايتهم عليهم‌السلام دالّة على ذلك، لكن نكتفي بهذا القدر من الإشارة في المقام.

الدليل الثاني: الأحاديث النبويّة والقدسيّة المستفيضة الواردة عند الفريقين:

(لو أن عبداً عمّره اللَّه ما بين الركن والمقام، يصوم النهار ويقوم الليل حتّى يسقط حاجباه على عينيه، ثمّ ذُبح مظلوماً كما يُذبح الكبش، ثمّ لقي اللَّه بغير ولايتهم عليهم‌السلام ، لكان حقيقاً على اللَّه عزّ وجلّ أن يكبّه على منخريه في نار جهنّم) (١) .

وفي الحديث القدسي: (ثمّ لقيني جاحداً لولاية عليّ لأكببته في سقر) (٢) .

بل في بعضه: (إنّ للَّه في وقت كلّ صلاة يصلّيها هذا الخلق لعنة، قال: قلت: جُعلت فداك ولم؟ قال: بجحودهم حقّنا وتكذيبهم إيّانا) (٣) .

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام في جواب الزنديق مدّعي التناقض في القرآن، قال: (..

____________________

١) ورواه جملة من العامة ومنهم الحاكم في المستدرك ج ٣، ص ١٤٨، ط / حيدرآباد، وقال: إنّه صحيح على شرط مسلم. ومنهم العلامة الطبراني في ذخائرالعقبى، ص ١٨، ط / مكتبة القدس بمصر. ومنهم السيوطي في إحياء الميت ص ١١١، ط / مصطفى الحلبي مصر. ونقله في الخصائص الكبرى، ج ٢، ص ٢٦٥. ومنهم: الهيثمي في مجمع الزوائد، ج٩، ص ١٧١، ط/ مكتبة القدسي بالقاهرة. ومنهم: القندوزي في ينابيع المودة، ص ١٩٢، وغيرهم، فلاحظ: إحقاق الحق، ج ٩، ص ٤٩٢ - ص ٢٩٤، وكذلك: ج ١٥، ص ٥٩٩ و ج ١٩، ص ٢٨٤.

٢) المحاسن للبرقي، ج١، ص٩٠، روضة الواعظين للنيسابورى، ص ١٢٦.

٣) الوسائل، ج ١، ص ٩٥، البحار، ج ٦٩، ص ١٣٢.

١٣٢

وأمّا قوله: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ) (١) . وقوله: ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) (٢) ، فإنّ ذلك كلّه لا يغني إلاّ مع الاهتداء، وليس كلّ من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقاً بالنجاة ممّا هلك به الغواة، ولو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد، وإقرارها باللَّه، ونجا سائر المقرّين بالوحدانية، من إبليس فمَن دونه في الكفر، وقد بيّن اللَّه ذلك بقوله: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) (٣) ، وبقوله: ( الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ) (٤) .

وللإيمان حالات ومنازل يطول شرحها، ومن ذلك: إنّ الإيمان قد يكون على وجهين: إيمان بالقلب، وإيمان باللسان كما كان إيمان المنافقين على عهد رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لمّا قهرهم السيف، وشملهم الخوف، فإنّهم آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم.

فالإيمان بالقلب هو التسليم للربّ، ومن سلّم الأمور لمالكها لم يستكبر عن أمره، كما استكبر إبليس عن السجود لآدم، واستكبر أكثر الأمم عن طاعة أنبيائهم، فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل، فإنّه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام لم يُرد بها غير زخرف الدنيا والتمكين من النظرة، فلذلك لا تنفع الصلاة والصدقة إلاّ مع الاهتداء إلى سبيل النجاة وطريق الحقّ) (٥) .

وفي بعض الروايات عن الإمام الصادق عليه‌السلام : (فلو كان لك بدل أعمالك هذه عبادة الدهر من أوّله إلى آخره، وبدل صدقاتك والصدقة بكلّ أموال الدنيا، بل بمل‏ء الأرض ذهباً، لما زادك ذلك [ بدون ولاية أهل البيت عليهم‌السلام ] من رحمة اللَّه إلاّ بُعداً، ومن سخط اللَّه إلاّ

____________________

١) سورة الأنبياء: ٩٤.

٢) سورة طه: ٨٢.

٣) سورة الأنعام: ٨٢.

٤) سورة المائدة: ٤١.

٥) الاحتجاج للطبرسي، ج١، ص ٣٦٨، البحار، ج٢٧، ص ١٧٤.

١٣٣

قرباً) (١) .

ونُقل عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (رجلٌ حضر الجهاد في سبيل اللَّه فقُتل مقبلاً غير مدبر، والحور العين يطلعن إليه، والخزّان يتطلّعون ورود روحه عليهم، وأملاك الأرض يتطلّعون نزول حور العين إليه، والملائكة وخزّان الجنان، فلا يأتونه! فتقول ملائكة الأرض - حوالي ذلك المقتول -: ما بال الحور العين لا ينزلنّ إليه؟ وما بال خزّان الجنان لا يردون عليه؟ فيُنادَون من فوق السماء السابعة: يا أيّتها الملائكة، انظروا إلى آفاق السماء ودوينها. فينظرون، فإذا توحيد هذا العبد، وإيمانه برسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصلاته، وزكاته، وصدقته، وأعمال برّه، كلّها محبوسات دوين السماء، قد طبّقت آفاق السماء كلّها كالقافلة العظيمة قد ملأت ما بين أقصى المشارق والمغارب ومهاب الشمال والجنوب، تنادي أملاك تلك الأثقال الحاملون لها الواردون به: ما بالنا لا تفتح لنا أبواب السماء لندخل إليها بأعمال هذا الشهيد؟ ... ).

وفي تتمّة الرواية أنّه يُأمر بتلك الأعمال فتوضع في سواء الجحيم؛ لأنّ ليس لذلك الرجل موالاة عليّ والطيبين من آله، ومعاداة أعدائه، ويُقلّب اللَّه تلك الأثقال من الأعمال أوزاراً وبلايا على فاعلها؛ لمّا فارقها عن مطاياها من موالاة أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ ولموالاته لأعدائه (٢) .

قراءة ثالثة للقاعدة:

العبادة من دون الولاية عصيان وعدوان، والأعمال بدون الولاية آثام.

ومضمون هذه الروايات يتضمّن ما تقدّم، من أنّ الولاية شرط في الصحّة فضلاً عن القبول، وشرط في أُصول العقائد فضلاً عن الفروع. ويزيد ويمتاز بمعنى

____________________

١) البحار، ج٢٧، ص ١٨٧.

٢) البحار، ج ٢٧، ص ١٨٧ - ١٩٠.

١٣٤

ثالث، وهو أنّ تلك الأعمال التي صورتها إيمان وطاعة، هي في حقيقتها كفر ومعصية.

وهذا المعنى يثقُل على السامع تصوّره، فضلاً عن تصديقه في الوهلة الأُولى، وتمجّه النفوس وتنفر منه الأذهان وتتلّكأ عنده الألسن، لكنّ الحقيقة إذا اتضحت معالمها لا مفرّ من الأخذ بها واتّباعها، وإذا حصحص الصبح انقشعت غياهب الظلمة، وليكن تقرير مفاد هذه الروايات هو تقرير الدليل العقلي كما ترشد إليه الروايات بل والقرآن أيضاً، فالأحرى في المقام تقريره.

الدليل العقلي، ويقرّر بأنحاء:

الأوّل: قد مرّ أنّ حقيقة، وروح، ومخّ وقوام العبادة، هو بالطوعانية والضَراعة والخضوع والتذلّل للباري، والتسليم والسِلم والانقياد له، وهو جوهر العبادة والعبودية، وقلب ومركز وقطب معناها، فمع خلوّها عنه لا تعدوا أن تكون قشور خاوية اللب، وبدن جائف ميتة بلا روح، فهو قوام القربة والتقرّب، فالعبادة والعبودية هي الطاعة والطوعانية، والطاعة هو الانقياد لإرادة اللَّه والخضوع لها. وأمّا تحكيم إرادة النفس على إرادة الربّ فهو تجرّي واستكبار على العظيم - عزّ وجلّ - وعصيان له.

وإرادة اللَّه لا يهتدي إليها البشر من أنفسهم، ومن ثمّ احتاجوا إلى بعثة الرسل، وبمجملات الشريعة ومتشابهاتها لا يحيط البشر بتفاصيل إرادة الربّ من قبل أنفسهم، ومن ثمّ اضطرّوا إلى الحجّة والإمام الراسخ في العلم الذي تكون إرادته ومشيئته هي مظهر مشيئة وإرادة اللَّه.

فمِن ثمّ امتنع الاطّلاع على إرادات الربّ من دون حجّته وخليفته في أرضه، ومِن ثمّ اضطرّ البشر إلى ولاية خليفة اللَّه والمطهَّر من عترة نبيّه؛ لكي يطلعوا على مواطن إرادات اللَّه ورضاه، وإلاّ امتنع عليهم عبادة اللَّه، وكانوا فيما يمارسونه من طقوس وصور عبادية هي معاصي وتجرّي على اللَّه؛ بتحكيمهم إراداتهم وميولهم وأهوائهم على إرادة

١٣٥

اللَّه، وكانوا يطيعونه من حيث تريد أنفسهم، ولا يطيعونه من حيث يريد، ولأجل ذلك احتاجوا - في تحقّق عبادتهم للَّه تعالى - إلى دلالة وهداية الإمام والحجّة المنصوب من قبله.

ومن ذلك يتبيّن أنّ السجود الطويل من قبل إبليس حيث لم يكن منطوياً على الخضوع للَّه؛ لعدم خضوع إبليس لمن أمره اللَّه تعالى بالخضوع له، وهو خضوعه لآدم وتوليّه له. فلم يكن إبليس في صورة طاعته مقيمٌ على الطاعة ولا خاضع لإرادة الربّ، بل كان في سجوده مقيم على الجموح والطغيان والتعدّي على الربّ، وتحكيم إرادته على إرادة اللَّه، وكان سجوده الصوري حقيقته معصية وطغيان، واستكبار وعدوان، على ساحة القدس الإلهي.

وبذلك يتبين أنّ صورة العبادات من دون طاعة اللَّه بولاية وليّه هي عدوان وعصيان، وترك للمواطن الحقيقية لعبادة اللَّه، وانتهاج لمناهج عبادية تتطاول فيها إرادة العبد على إرادة المعبود. وبهذا البيان العقلي يتبين المعنى الثالث للقاعدة وهي شرطية الولاية في العبادات والأعمال، وأنّ بدونها تكون تلك الأفعال هتوك واجتراءات على المولى العزيز، يُؤزر فاعلها ويأثم بها بدل أن يُثاب، لا أن يُحرم من مجرّد الثواب.

هذا تقرير لهذا الوجه في الأعمال، وأمّا تقريره على صعيد الإيمان والاعتقادات، فبيانه:

أنّ الإيمان عمل كلّه وطاعة كلّه، فليس الطاعة والعمل مخصوصين بأعمال الجوارح، بل يعمّان أعمال الجوانح، كما يعمّان أعمال القلوب من الإيمان بالأصول الاعتقادية، ولذلك ورد: أنّ أوّل الفرائض التي افترضها اللَّه على العباد هو التوحيد والمعرفة، بمعنى الإيمان والإذعان والإخبات والتسليم، وكذلك الإقرار القلبي ببعثة الرسل، والمعاد، والكتب، وكذلك بأوصياء الرسل، وهم الأئمّة المستخلفين بعدهم. كما مرّ في مفاد آية المودّة الدالّة على أنّ

١٣٦

تولّي العترة المطهّرة هو من أصول الديانة، وكذلك هو مفاد آيتي المائدة النازلتين في بيعة الغدير، وغيرها من طوائف الآيات والأحاديث النبويّة الدالّة على ذلك.

فإذا تقرّر أنّ الإيمان بأُصول الدين فريضةٌ، وطاعةٌ، وعملٌ - بل هو من أكبر الفرائض وأعظم الطاعات والأعمال -، يتبين أنّ الإيمان أيضاً لابدّ فيه من الإخبات والخضوع والانقياد والتسليم، ونحو ذلك. بخلاف ما إذا امتزج بجموح واستكبار وعناد، وجرأة على ساحة الباري، فإنّه لن يعود طاعة وعملاً عبادياً، بل سيكون معصية وطغياناً وفرعنة وصَنَمية للنفس، وعبادة للطاغوت، لا عبادةً للَّه.

فالإباء، والاستكبار عن الإخبات والتسليم والإيمان بوليّ اللَّه وخليفته، يدلّ على انقلاب حقيقة الإيمان إلى طغيان وكفر، أي يدلّ على صورية الإيمان بالتوحيد والمعاد؛ إذ مقتضى الإقرار بالتوحيد هو الإقرار بكلّ الصفات الكمالية للباري، وأنّه الغنيّ المطلق، وأنّ المخلوقات هي عين الفقر المحض والافتقار إليه تعالى، وأنّ له الملك وهو مالك جميع الأشياء، فله ملك ذوات المخلوقات ووجوداتها وأفعالها، وله مالكية الخضوع والطاعة.

فالتمرّد عليه في أُمّهات الطاعات استكبار وإنكار لهذه المالكية، فيرجع إلى الخلل في الإيمان بالتوحيد، وبالتالي يتّضح أنّ عصيان اللَّه في التولّي لوليه هو كفر بمالكية اللَّه واستحقاقه للطاعة، نظير الخلل الواقع في الإيمان بالمعاد أو بالرسالة، فإنّه يؤول إلى الخلل في التوحيد أيضاً، فيكون هناك غاية وراء اللَّه، فتكون - والعياذ باللَّه - ذاته محدودة.

وكذلك الحال في إنكار الرسالة، فإنّه يرجع إلى إنكار كون صلاحية الحكم والتشريع للباري، وبالتالي يؤول إلى عدم الإقرار بعلم الباري النافذ ولا بحكمته، ولا بإحاطته بخفيات وعواقب الأُمور. فالإقرار والإيمان بالتوحيد بمنزلة الإقرار المبهم المجمل الذي لا يتمّ تفصيله

١٣٧

وكماله إلاّ بالإقرار بالتوحيد في مقامات أُخرى، فالإيمان بالمعاد هو مقام آخر من مقامات التوحيد - وهو التوحيد في الغاية - كما أنّ أصل التوحيد هو توحيد في مقام المبدأ والأوّلية، ولا يكمل التوحيد بالاعتقاد بأنّه أوّل من دون الاعتقاد بأنّه آخر، كذلك الحال في الاعتقاد بالرسالة، وببعثة الرسل والكتب المنزّلة، هو اعتقاد بالتوحيد في مقام التشريع ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلَّهِ ) .

ونفس الشي‏ء يقال في الولاية والإمامة، هو اعتقاد بالتوحيد في مقام الطاعة والولاية، فهذه مقامات وأركان للتوحيد لا يتمّ صرح الاعتقاد بالتوحيد إلاّ بها. وفي تفسير القمّي عنه عليه‌السلام حينما سئل عن التوحيد قال: (هو لا إله إلاّ اللَّه، محمّد رسول، عليّ وليّ اللَّه، إلى ها هنا التوحيد) (١) .

وفي البصائر والتوحيد: عن الصادق عليه‌السلام في بيان فطرة التوحيد، قال عليه‌السلام : (فَطَرَهم على التوحيد، ومحمّد رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله، وعليّ أمير المؤمنين - عليه‌السلام -) (٢) .

وبذلك يتبيّن أنّ الاعتقاد ببعض الأُصول والتخلّف عن البعض الآخر، هو كالاعتقاد ببعض الصفات الإلهية وإنكار البعض الآخر، ويؤدّي إلى القول بمحدودية الذات، وتركيبها وتجزّئها، ومن ثَمّ ورد قوله تعالى: ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) (٣) .

الثاني: قد تقدّم في الأدلّة القرآنية والروائية السابقة أنّ الأعمال تُحبط، وهي حابطة بدون الإيمان، وهذا غير مختصّ بالفروع بل شامل للأُصول أيضاً، والحبط الأخروي للعمل والاعتقاد وإن لم يكن في الاصطلاح الفقهي ملازماً لعدم صحّة العمل والاعتقاد، كذلك في المصطلح الكلامي الدارج، وأنّه فساد بلحاظ الثواب

____________________

١) تفسير الصافي، ج٤، ص ١٣٢.

٢) المصدر السابق.

٣) سورة يوسف: ١٠٦.

١٣٨

الأخروي والقبول، لا بلحاظ ماهية العمل. إلاّ أنّ الحبط وفق نظرية تجسّم الأعمال هو كون الجزاء هو عين العمل وحقيقته الباقية، ويكون موجِب الحبط كاشفاً عن دخالة ذلك الشي‏ء في الوجود البقائي للعمل والاعتقاد.

وبعبارة أُخرى عندما لا يكون للعمل أجر وثواب فذلك يعني أنّه ليس للعمل حقيقة باقية في الأبد الأخروي، فليس هناك إلاّ صورة العمل لا حقيقته، ويستلزم ذلك كون الموجِب للحبط دخيلاً في حقيقة العمل وبقائه، وكذلك دخيلاً في حقيقة الاعتقاد وبقائه.

ويتبيّن صورية الاعتقاد والأعمال بدون الإيمان، وليس المقصود من صورية الاعتقاد مجرّد الإقرار اللساني، بل إنّ عقد القلب هو على الصورة لا على الحقيقة، فما رواه الفريقان من حبط الأعمال والاعتقادات من دون حبّ علي عليه‌السلام وولايته - كما مرّت الإشارة إلى المصادر - وكذلك ما رواه الفريقان: أنّه قسيم الجنّة والنار، وأنّ حبّه إيمان وبغضه نفاق. دالّ على حبط الاعتقاد، فضلاً عن العمل بدون ولايته.

فقد روى الصدوق في الأمالي بإسناده، عن ابن عبّاس، قال: (قال رسول اللَّه - صلّى الله عليه وآله -: المخالف على عليّ بن أبي طالب بعدي كافر، والمشرك به مشرك، والمحبّ له مؤمن، والمبغض له منافق، والمقتفي لأثره لاحِق، والمحارب له مارق، والراد عليه زاهق. عليٌّ نور اللَّه في بلاده، وحجّته على عباده، وعلي سيف اللَّه على أعدائه، ووارث علم أنبيائه، عليّ كلمة اللَّه العليا، وكلمة أعدائه السفلى، عليّ سيّد الأوصياء ووصيّ سيّد الأنبياء، عليّ أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين وإمام المسلمين، لا يقبل اللَّه الإيمان إلاّ بولايته وطاعته) (١) .

____________________

١) الأمالي، ص ٦١.

١٣٩

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

٦٩٣ ـ اغتنموا الفرص فإنها تمرّ مرّ السحاب :

(سيد الشهداء للسيد مصطفى الاعتماد ، ص ٦٣)

لقد صدق الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام حيث قال :

«اغتنموا الفرص ، فإنها تمرّ مرّ السحاب».

وأية فرصة مواتية كهذه الفرصة التي سنحت لعبيد الله بن الحر الجعفي ، حيث جاءه الحسينعليه‌السلام يتخطى الأرض بقدميه ، وهو يدعوه إلى النجاة والتشرف بمثل هذا المصرع العظيم الّذي تتمناه الملايين من البشر ، فيعرض عنها ، ويندم بعده بما يشاء الندم ، فلم ينفع الظالمين الندم ، بعد تفويتهم الفرصة ، مكابرة وعنادا ، أو تجهّلا وغباء( يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (٥٢) [غافر : ٥٢].

٦٩٤ ـ شخصان يعتذران عن نصرة الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٢٦ ط ٣ نجف)

وفي هذا الموضع اجتمع بالحسينعليه‌السلام عمرو بن قيس المشرقي وابن عمه ، فقال لهما الحسينعليه‌السلام : جئتما لنصرتي؟. قالا له : إنا كثيرو العيال ، وفي أيدينا بضائع للناس ، ولم ندر ماذا يكون ، ونكره أن نضيّع الأمانة.

فقال لهماعليه‌السلام : انطلقا فلا تسمعا لي واعية ، ولا تريا لي سوادا ، فإنه من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا ، فلم يجبنا أو يغثنا ، كان حقا على اللهعزوجل أن يكبّه على منخريه في النار(١) .

٦٩٥ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع ابنه علي الأكبرعليه‌السلام وقد رأى رؤيا أثناء رحيله من قصر بني مقاتل :

(لواعج الأشجان ، ص ٨٧)

فلما كان آخر الليل أمر الحسينعليه‌السلام فتيانه فاستقوا من الماء ، ثم أمر بالرحيل.ثم ارتحل من (قصر بني مقاتل) ليلا.

__________________

(١) عقاب الأعمال للصدوق ص ٣٥ ؛ ورجال الكشّي ص ٧٤.

٥٨١

قال عقبة بن سمعان : فسرنا معه ساعة ، فخفق وهو على ظهر فرسه خفقة(١) [الخفقة : النومة اليسيرة] ثم انتبه ، وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين. وكرر ذلك مرتينأو ثلاثا.

فأقبل إليه ابنه علي بن الحسينعليهما‌السلام فقال : يا أبة جعلت فداك ، ممّ حمدت واسترجعت؟. قال : يا بني إني خفقت برأسي خفقة ، فعنّ لي فارس على فرس ، وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا.

فقال له علي الأكبرعليه‌السلام : يا أبة لا أراك الله سوءا ، ألسنا على الحق؟!. قال :بلى والذي إليه مرجع العباد. قال : إذن لا نبالي أن نموت محقّين. فقال له الحسينعليه‌السلام : جزاك الله من ولد ، خير ما جزى ولدا عن والده.

[قرى طف كربلاء]

«نينوى»

٦٩٦ ـ الحسينعليه‌السلام يتياسر حتّى يصل إلى نينوى :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٨٨)

فلما أصبح الحسينعليه‌السلام نزل فصلى الغداة ، ثم عجّل الركوب. فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّ بهم ، فيأتيه الحرّ فيردّه وأصحابه. فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردا شديدا يتياسرون كذلك ، حتّى انتهوا إلى (نينوى).

٦٩٧ ـ كتاب ابن زياد إلى الحر بالتضييق على الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق)

فإذا براكب على نجيب له وعليه السلاح متنكب قوسا ، مقبل من الكوفة ، وهو مالك بن النّسر الكندي ، فوقفوا جميعا ينتظرونه. فلما انتهى إليهم سلّم على الحر وأصحابه ، ولم يسلّم على الحسينعليه‌السلام وأصحابه. ودفع إلى الحر كتابا من ابن

__________________

(١) كذا في تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣١ ؛ وفي مقتل الخوارزمي ج ١ ص ٢٢٦ ومناقب ابن شهراشوب ج ٢ ص ٢٤٥ : أن الحسينعليه‌السلام رأى ذلك في (الثعلبية). وفي مقتل العوالم ص ٤٨ أنهعليه‌السلام نام القيلولة في (العذيب) ، ومثل ذلك في مقتل أبي مخنف ص ٤٨. ذكر هذا كله السيد المقرم في مقتله من حاشية ص ٢٢٧.

٥٨٢

زياد ، فإذا فيه : أما بعد ، فجعجع بالحسين [أي ضيّق عليه واحبسه] حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي ، ولا تنزله إلا بالعراء ، في غير حصن ولا ماء. (وفي مثير ابن نما : لأنه عات ظلوم). وقد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يفارقك حتّى تأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام.

٦٩٨ ـ الحر يمنع الحسينعليه‌السلام من نزول (نينوى) أو (الغاضرية) أو (شفية)(١) :

(المصدر السابق)

فعرض لهم الحر وأصحابه ومنعوهم من المسير ، وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان ، على غير ماء ولا قرية.

فقال الحسينعليه‌السلام : ويلك ما دهاك ، ألست قد أمرتنا أن نأخذ على غير الطريق ، فأخذنا وقبلنا مشورتك؟. فقال الحر : صدقت يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن هذا كتاب الأمير عبيد الله قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك.

فقال له الحسينعليه‌السلام : دعنا ويحك ننزل هذه القرية (يعني : نينوى) أو هذه (يعني : الغاضرية) أو هذه (يعني : شفية). فقال : لا أستطيع ، هذا رجل قد بعث عليّ عينا.

٦٩٩ ـ من كلام لهعليه‌السلام وقد دعاه زهير بن القين إلى مبادءة أصحاب الحر بالقتال بعد أن منعوه من نزول نينوى :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٤)

فقال للحسينعليه‌السلام رجل من أصحابه يقال له زهير بن القين البجلي :

يابن رسول الله ذرنا نقاتل هؤلاء القوم ، فإن قتالنا إياهم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا معهم بعد هذا(٢) فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به. فقال له الحسينعليه‌السلام : صدقت يا زهير ، ولكن ما كنت لأبدأهم بالقتال حتّى يبدؤوني.

__________________

(١) انظر التعريف ببعض قرى الطف بعد قليل ، مع المصور الجغرافي لفرع نهر الفرات المار قريبا من كربلاء ، والمسمى : نهر العلقمي (الشكل ١١).

(٢) مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٧ ط نجف.

٥٨٣

فقال له زهير : فسر بنا حتّى ننزل كربلاء(١) فإنها على شاطئ الفرات ، فنكون هناك ، فإن قاتلونا قاتلناهم واستعنا بالله عليهم. فدمعت عينا الحسينعليه‌السلام حين ذكر (كربلاء) وقال : الله م إني أعوذ بك من الكرب والبلاء.

(وفي مقتل المقرم ، ص ٢٢٨) : قال زهير بن القين : يابن رسول الله إن قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا ما لا قبل لنا به. فقال الحسينعليه‌السلام : ما كنت لأبدأهم بقتال. ثم قال زهير : ههنا قرية بالقرب منا على شط الفرات ، وهي في عاقول(٢) حصينة ، والفرات يحدق بها إلا من وجه واحد.قال الحسينعليه‌السلام : ما اسمها؟. فقال : تسمى العقر(٣) . فقالعليه‌السلام : نعوذ بالله من العقر. والتفت الحسين إلى الحر وقال : سر بنا قليلا ثم ننزل. فساروا جميعا حتّى إذا أتوا أرض كربلاء وقف الحر وأصحابه أمام الحسينعليه‌السلام ومنعوهم عن المسير ، وقالوا : إن هذا المكان قريب من الفرات.

ويقال : بينا هم يسيرون إذ وقف جواد الحسينعليه‌السلام ولم يتحرك ، كما أوقف الله ناقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الحديبية. فعندها سأل الحسين عن الأرض؟ فقال له زهير : سر راشدا ولا تسأل عن شيء حتّى يأذن الله بالفرج. إن هذه الأرض تسمى الطف(٤) . فقالعليه‌السلام : فهل لها اسم غيره؟. قال : تعرف كربلاء. فدمعت عيناه وقال : الله م أعوذ بك من الكرب والبلاء ، ههنا محطّ ركابنا ومسفك دمائنا

__________________

(١) كربلاء : موضع في طريق البرية عند الكوفة. وتقع كربلاء على خط الطول ٤٣ درجة و ٥٥ دقيقة شرقي غرينتش ، وعلى خط العرض ٣٤ درجة و ٤٥ دقيقة شمال خط الاستواء ، في المنطقة المعتدلة الشمالية. وذكر المؤرخون أن كربلاء كانت في عهد البابليين معبدا ، وأن اسمها محرّف من كلمتي (كرب) بمعنى معبد أو مصلّى أو حرم ، و (أبلا) بمعنى (إله) باللغة الآرامية ، فيكون معناها (حرم الإله).

(٢) العاقول : منعطف الوادي والنهر.

(٣) جاء في كتاب (الحسين في طريقه إلى الشهادة) ص ١٢٨ أن هناك قريتين مندرستين تقعان على الفرات جنوب الأنبار (الفلوجة اليوم) يقال لهما عقر الغربي ، وهي التي أشار إليها زهير على الحسينعليه‌السلام أن ينزل بها.

(٤) الطف في اللغة : ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق. وسمي (الطف) لأنه مشرف على العراق ، من أطفّ على الشيء ، بمعنى أطلّ. وطف الفرات : هو الشاطئ الّذي به قتل الحسينعليه‌السلام وأصحابه ، وهي أرض بادية قريبة من الريف.

٥٨٤

ومحل قبورنا. (وفي لواعج الأشجان ، ص ١٠٣ : ههنا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا) بهذا حدّثني جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

٧٠٠ ـ تعريف ببعض قرى طف كربلاء :

ينقسم نهر الفرات عند وصوله إلى منطقة كربلاء إلى فرعين :

ـ الأول : فرع شرقي ، يشكل شط الحلة أو (سورا).

ـ الثاني : فرع غربي ، يشكل نهر العلقمي ، وهو يمرّ قريبا من كربلاء في الشمال ، ثم يمرّ من الكوفة في الجنوب ، وكان لذلك يسمى : شط الكوفة ، ويسمى اليوم شط (الهندية).

ويقع على نهر العلقمي في الشمال تجمّع قرى طف كربلاء (انظر الشكل ١١ التالي) مثل : نينوى والغاضرية وشفية والعقر.

ـ فأما (نينوى) : فتقع شرق كربلاء على الضفة الشرقية لنهر نينوى ، الّذي يتفرع عن الفرات الأصلي.

وقال شيخنا المظفر : كانت نينوى قرية مسكونة ، وأراد الحسينعليه‌السلام النزول بها ، فمنعه الحر.

وفي (مجلة المقتبس ، ج ١٠ سنة ١٣٣٠ ه‍) : كانت نينوى من قرى الطف الزاهرة بالعلوم ، وصادف عمرانها زمن الإمام الصادقعليه‌السلام . وفي أوائل القرن الثالث لم يبق لها خبر.

ومنطقة نينوى تمتد من أراضي السليمانية اليوم إلى سور بلدة كربلاء. ولا بأس أن ننوه بأن نينوى هذه هي غير (نينوى) التي في شمال العراق ، الواقعة على الضفة الشرقية لنهر دجلة في محاذاة الموصل.

ـ وأما (الغاضرية) أو الغاضريات : نسبة إلى غاضرة ، وهي امرأة من بني عامر ، وهم بطن من أسد ، كانوا يسكنون هذه الأرض. وتقع اليوم شمالي

(الهيابي) التي فيها مصانع الآجر. وتبعد شمالا عن بلدة كربلاء كيلومترا تقريبا ، وهي تمتد من (لجنقة) فما دونها إلى بلدة كربلاء.

ـ وأما (شفية) : فهي بئر لبني أسد.

ـ وأما (العقر) : فقد كانت بها منازل بخت نصّر.

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ١٠ ص ١٨٨ ؛ واللهوف على قتلى الطفوف ، ص ٤٥.

٥٨٥

(الشكل ١١) : خارطة كربلاء يوم ورود الحسين (ع) إليها

مأخوذة من كتاب (بغية النبلاء في تاريخ كربلاء للسيد عبد الحسين الكليدار)

(الشكل ١٢) مصور الحائر الحسيني والمخيّم والقبر الشريف

٥٨٦

٧٠١ ـ جواد الحسينعليه‌السلام يتوقف عن المسير في كربلاء :

(المنتخب لفخر الدين الطريحي ، ص ٤٣٩ ط ٢)

فسار الحسينعليه‌السلام والحر ، حتّى انتهوا إلى أرض كربلاء ، إذ وقف الجواد الّذي تحت الحسينعليه‌السلام ولم ينبعث من تحته ، وكلما حثّه على المسير لم ينبعث خطوة واحدة. فقال الإمامعليه‌السلام : يا قوم ما يقال لهذه الأرض؟. فقالوا : نينوى.فقال : هل لها اسم غير هذا؟. قالوا : نعم ، تسمى (كربلاء). فعند ذلك تنفّس الصعداء ، فقال : هذه والله كرب وبلاء. ههنا والله ترمّل النسوان ، وتذبّح الأطفال ، وههنا والله تهتك الحريم. فانزلوا بنا يا كرام. فههنا محل قبورنا ، وههنا والله محشرنا ومنشرنا ، وبهذا أوعدني جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا خلف لوعده.

٧٠٢ ـ ما اسم هذه الأرض؟ :

(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٧)

ذكر الدميري في (حياة الحيوان) أن الحسينعليه‌السلام لما وصل إلى كربلاء سأل عن اسم المكان؟. فقالوا له : كربلاء ، فقال : كرب وبلاء. لقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفين ، وأنا معه. فوقف ، وسأل عن هذا المكان؟. وقال : ههنا محطّ ركابهم ، وههنا مهراق دمائهم. فسئل عن ذلك؟. فقال : نفر من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتلون ههنا ثم أمر بأثقاله فحطّت في ذلك المكان.

٧٠٣ ـ سؤال الحسينعليه‌السلام عن اسم كربلاء ، وخبر القارورة :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٩ ط ٢ نجف)

ثم قال الحسينعليه‌السلام : ما يقال لهذه الأرض؟. فقالوا : كربلا ، ويقال لها أرض نينوى ، قرية بها. فبكى ، وقال : كرب وبلاء. أخبرتني أم سلمة قالت : كان جبرئيل عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنت معي ، فبكيت ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعي ابني ، فتركتك. فأخذك ووضعك في حجره. فقال جبرئيل : أتحبه؟. قال : نعم. قال : فإن أمتك ستقتله!. قال : وإن شئت أن أريك تربة أرضه التي يقتل فيها؟. قال : نعم.قالت : فبسط جبرئيل جناحيه على أرض كربلاء فأراه إياها.

فلما قيل للحسينعليه‌السلام : هذه أرض كربلاء ، شمّها وقال : هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنني أقتل فيها. (وفي رواية) :فقبض منها قبضة فشمّها.

٥٨٧

٧٠٤ ـ أول نزول الحسينعليه‌السلام كربلاء :

(الفاجعة العظمى للسيد عبد الحسين الموسوي الحائري ، ص ١١٧)

قال في (روضة الشهداء) : فلما سمع الحسينعليه‌السلام باسم [كربلاء] نزل عن الفرس. فلما وطئ الأرض بأقدامه الشريفة تغيّر لون التراب وصار كلون الزعفران ، وسطع منه غبار علا وجهه ولحيته بحيث اغبرّ رأسه ولحيته الشريفة. فنظرت أم كلثومعليها‌السلام إليه ، قالت : واعجباه من هذه البيداء ، ما أشدّ وأعظم هولها ، أرى منها هولا عظيما. فسلّاها الحسينعليه‌السلام .

٧٠٥ ـ الحسينعليه‌السلام ينعى نفسه :(المصدر السابق)

وفي بعض كتب التواريخ : أن الحسينعليه‌السلام أخذ من تراب كربلاء وشمّها ، وقال : ههنا والله تخضب لحيتي بدمي. ههنا والله تقطّع أوداجي ، ويعزّى جدي وأبي وأمي من ملائكة السماء. هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيلعليه‌السلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأني أقتل فيها.

٧٠٦ ـ نزول كربلاء :

(في سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٣٠٨) : فعدل الحسينعليه‌السلام

إلى كربلاء ، وأسند ظهره إلى [قصميا] ، (وفي تذكرة الخواص لسبط

ابن الجوزي ، ص ٢٥٧ : إلى [قصب]) حتّى لا يقاتل إلا من وجه واحد. وكان معه خمسة وأربعون فارسا ، ونحو من مئة راجل.

٧٠٧ ـ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج ٢ ، ص ٥)

قال : فلقيه الجيش على خيولهم بوادي السباع ، فلقوهم وليس معهم ماء.فقالوا : يابن بنت رسول الله ، اسقنا. قال : فأخرج لكل فارس صحفة من ماء ، فسقاهم بقدر ما يمسك برمقهم. ثم قالوا : سر يابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما زالوا يرجونه ، وأخذوا به على الجرف ، حتّى نزلوا بكربلاء.

فقال الحسينعليه‌السلام : أي أرض هذه؟. قالوا : كربلاء. قال : هذا كرب وبلاء.قال : فنزلوا وبينهم وبين الماء ربوة ، فأراد الحسينعليه‌السلام وأصحابه الماء ، فحالوا بينهم وبينه!. فقال له شهر بن حوشب : لا تشربوا منه حتّى تشربوا من الحميم!.

٥٨٨

الباب الخامس

في كربلاء

الفصل ١٨ ـ كربلاء ونزول كربلاء

ـ اليوم الثالث من المحرّم : لقاء عمر بن سعد

ـ اليوم السادس من المحرم : تجهيز الجيوش

ـ اليوم السابع من المحرم : الحصار ومنع الماء

الفصل ١٩ ـ اليوم التاسع من المحرّم : خطبة امتحان الأصحاب

ـ ليلة العاشر من المحرم : صلاة ودعاء

الفصل ٢٠ ـ يوم عاشوراء : خطبة الحسينعليه‌السلام الأولى والثانية

ـ فهارس الجزء الأول من الموسوعة

٥٨٩
٥٩٠

الفصل الثامن عشر

في كربلاء

(الخميس ٢ محرم سنة ٦١ ه‍)

وكان نزول الحسينعليه‌السلام في كربلاء يوم الخميس الثاني من شهر المحرّم سنة ٦١ هجرية. وقد قطع في مسيرته ستة عشر منزلا ، مكث في بعضها يوما أو يومين أو ثلاثة أيام ، وكان مجموع سفره ٢٤ يوما.

* تعريف بالباب الخامس :

يشمل هذا الباب إقامة الحسينعليه‌السلام في كربلاء من اليوم الثاني من المحرم وحتى اليوم العاشر منه ، حين وضع عمر بن سعد السهم في كبد قوسه ، وقال :اشهدوا لي عند الأمير أنني أول من رمى. فينتهي بذلك الجزء الأول من الموسوعة ، ليبدأ الجزء الثاني مع بداية القتال يوم عاشوراء.

وسوف يتمّ تقسيم هذا الباب إلى فصول متميزة حسب التوقيت الزمني للأيام التسعة التي قضاها الحسينعليه‌السلام في كربلاء ففي اليوم الثاني قامعليه‌السلام بنصب الخيام وترتيبها. وفي اليوم الثالث التقى مع طلائع جيش عمر بن سعد الذين جاؤوا لقتاله. وفي اليوم السادس وردت عليه الجيوش إلى كربلاء حتّى تكاملت ثلاثين ألفا. وفي اليوم السابع جاء الأمر من ابن زياد بمنع الماء عن الحسينعليه‌السلام ، فنزل عمرو بن الحجاج واستحل مشرعة الفرات ، وبدأ الحصار على الحسينعليه‌السلام .وفي الأثناء كانت المفاوضات تتمّ بين الحسينعليه‌السلام وعمر بن سعد دون جدوى.وفي اليوم التاسع من المحرم بدأ زحف الجيش الأموي نحو مخيّم الحسينعليه‌السلام ، فطلب منهم الحسينعليه‌السلام بواسطة أخيه العباس الإمهال إلى اليوم التالي ليقضوا آخر ليلة من حياتهم بالصلاة والدعاء. ثم يشمل الفصل الأخير حوادث اليوم العاشر من المحرم ، من الصباح وحتى بدء القتال بعد صلاة الظهر وسوف نبدأ هذا الباب بإعطاء لمحة عن نهر الفرات ، ثم عن كربلاء : تاريخها وجغرافيتها وفضلها.

٥٩١

«نهر الفرات»

٧٠٨ ـ مجرى نهر الفرات :

ينبع نهر الفرات من تركيا ، ثم يمرّ بسورية حيث يرفده البليخ عند الرقة ، والخابور عند البصيرة. ثم يدخل الأراضي العراقية عند (البوكمال) فيمرّ بعانة وهيت والرمادي [انظر المصور] ثم الفلوجة والمسيّب ، حيث ينقسم إلى فرعين.

(الشكل ١٣) : مجرى نهر الفرات ودجلة

يقول الأستاذ طه الهاشمي في كتابه (مفصّل جغرافية العراق) ص ١٤٧ : وفي جنوب قرية المسيّب الواقعة على الضفة اليسرى ، ينقسم نهر الفرات إلى فرعين :الفرع الغربي ويسمى بشط الهندية ، والفرع الشرقي ويسمى بشط الحلة.

وفى شمال (السماوة) قليلا يجتمع الفرعان معا [انظر الشكل ١٣ و ١٤].

٥٩٢