الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية6%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141416 / تحميل: 8973
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

القراءة الثانية

(ولاية عليّ في الشرائع السابقة)

النقطة الأولى:

فكما قد أخذ اللَّه تعالى على النبيّين والرسل الميثاق بالإقرار بنبوّة خاتم الأنبياء، وبُعثوا بالبشارة بها لأقوامهم، أخذ عليهم وعلى أُممهم الإيمان والتصديق بها: ( وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ * قُلْ آمَنَّا بِالله وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (١) .

فأخذ اللَّه الميثاق على النبيّين في مقابل إيتائهم وبعثهم بالكتاب والحكمة والنبوّة، وشرط عليهم الإيمان بخاتم الأنبياء ونصرته، وكان ذلك الميثاق مشدّداً مغلّظاً وقد أخذ فيه إقرارهم بذلك وأشهدوا عليه تغليظاً.

ولا يخفى أنّ الآية مشحونة بالدلالات على هيمنة مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على جميع

____________________

١) سورة آل عمران: ٨١ - ٨٥.

١٤١

الأنبياء:

منها: التعبير عنهم بالنبوّة والتعبير عنه بالرسالة؛ فإنّ وصف الرسالة أعلى من مقام النبوّة، وفيه إشارة إلى توسّطه صلى‌الله‌عليه‌وآله بين اللَّه تعالى وبين الأنبياء بالرسالة.

ومنها: التعبير عنه (بمصدّق)، والتعبير عنهم بأنّهم (يؤمنون به)، فإنّ ذلك يقتضي اتّباعهم له دونه؛ فإنّه يوثّق نبوّاتهم.

ومنها: التعبير عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ تصديقه أسند إلى ما معهم ممّا قد أُوصي لهم، وهذا يغاير التعبير بأنّه (مصدّق لهم)، بينما التعبير عنهم عليهم‌السلام بأنّهم (يؤمنون به صلّى الله عليه وآله)، أي: جعل متعلّق إيمانهم به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيه بيان لعلوّه عليهم في المقامات الإلهية.

ومنها: قد أخذ عليهم نصرته دونه، ولم يؤخذ ذلك عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله . ثمّ بين تعالى أنّ الإيمان بنبوّة خاتم الأنبياء هو دين اللَّه الذي هو الإسلام، وهو دين إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط، وموسى، وعيسى، والنبيّين.

ونظير هذه الآيات قوله تعالى على لسان نبيّه عيسى عليه‌السلام : ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) (١) ، وكذا قوله تعالى في قضية بني إسرائيل: ( وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ ) (٢) ، فبيّن تعالى أنّ اليهود كانوا قبل بعثة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يستبشرون به، ويستظهرون ببعثته وملكه على المشركين؛ لمعرفتهم ذلك في توراتهم: ( لَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ

____________________

١) سورة الصفّ: ٦.

٢) سورة البقرة: ٨٩.

١٤٢

وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١) .

النبوّة والولاية

وكما قد أُخذ نبوّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والإيمان بها على الأنبياء السابقين وأُممهم؛ لكونها قوام دين الإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء، فكذلك قد أُخذت ولاية عليّ عليه‌السلام وإمامته على الأنبياء السابقين وأُممهم لأخذها في قوام دين الإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء والرسل السابقين. ولبيان ذلك لابدّ من الالتفات إلى نقطتين:

قاعدة أديانية: وحدة الدين وتعدّد الشرايع

الأُولى: إنّ هناك تعدّد بين معنى الدين والشريعة، فإنّ الدين واحد وهو الإسلام الذي قد بُعث به جميع الأنبياء والرسل ولا نسخ فيه، وهو مجموعة أُصول العقائد والمعارف، وأركان الفروع وأُصول المحرّمات والواجبات في الفروع، وهذا بخلاف الشريعة؛ فإنّ لكل رسول شريعة وهي ناسخة لشريعة النبيّ والرسول الذي قبله، والشريعة هي تفاصيل التشريعات في الفروع.

ويشير إلى هذا التغاير قوله تعالى: ( ِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ الله فَإِنَّ الله سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (٢) ، فالدين عند اللَّه واحد وهو الإسلام، ولم يبعث الأنبياء بأديان مختلفة، وإنّما الذي أحدث اختلاف الأديان هم أتباعهم، حيث حرّفوا الدين

____________________

١) سورة الأعراف: ١٥٧.

٢) سورة آل عمران: ١٩.

١٤٣

الواحد وهو دين الإسلام بغياً.

ويشير إلى ذلك أيضاً قوله تعالى: ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ الله وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ) (١) ، فبيّن تعالى تعدّد شرائع ومناهج الأنبياء بخلاف الدين فإنّه واحد، وسيأتي تفصيل هذه النقطة وبسطها.

ونستخلص من هذه النقطة في المقام أنّ الأُصول الاعتقادية وأُصول الإيمان هي من مساحة الدين، ومن مقوّمات دين الإسلام غير القابلة للنسخ والتبدّل والتغيّر، فلا تكون من أجزاء الشريعة ولا من تفاصيل الفروع.

وهذا المبحث والقاعدة الأديانية ينبع منها مناهل عذبة في بحوث المعرفة الدينية واختلاف المذاهب، وينبّه إلى هذا التغاير بين الدين والشريعة، ووحدة الدين وتعدّد الشرايع ما رواه الشيخ المفيد في الاختصاص، من (مسائل عبد اللَّه بن سلام) للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله :

(... قال: صدقت يامحمّد، فأخبرني إلى ما تدعو؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إلى الإسلام والإيمان باللَّه. قال: ما الإسلام؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : شهادة أن لا إله إلاّ اللَّه وحده لاشريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللَّه يبعث من في القبور. قال: صدقت يا محمّد، فاخبرني كم دين لربّ العالمين؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : دينٌ واحد، واللَّه واحد لا شريك له. قال: وما دين اللَّه؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : الإسلام. قال: وبه دان النبيّون من قبلك؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم. قال: فالشرائع؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : كانت مختلفة وقد مضت سنّة الأوّلين. قال: صدقت يامحمّد...) (٢) .

____________________

١) سورة المائدة: ٤٨.

٢) الاختصاص، ص٤٢.

١٤٤

ولاية عليّ عليه‌السلام أصل في الدين لا من فروع الشريعة:

النقطة الثانية: إنّ جملة ما ورد من آيات قرآنية في ولاية عليّ وولده عليهم‌السلام وإمامتهم، وكذلك ما ورد من أحاديث نبويّة متواترة ومستفيضة في ذلك، دالّ على أخذ ولايتهم وإمامتهم أصلاً إيمانياً قوامياً في الاعتقاد، كما أشبع ذلك علماء الإمامية ومتكلّميهم في كتبهم، وهذا يقتضي أخذ ولايتهم وإمامتهم ركناً في الدين الحنيف وهو الإسلام، لا أنّها فريضة في تفاصيل الشريعة بمقتضى ما تبين في النقطة الأُولى السابقة

ويعزّز هذه الحقيقة قوله تعالى في آية الغدير: ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (١) .

وبيان الآية وإن كان له مقام آخر سيأتي، إلاّ أنّ مفادها إجمالاً: إنّ الذي بلغه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك اليوم من أخذ البيعة لعليّ عليه‌السلام في غدير خم من المسلمين، بها يتحقّق كمال الدين، وهو الإسلام وهو الركن الركين لرضا الربّ لدين الإسلام، فبيّنت الآية أنّ ولايته وولاية ولده عليهم‌السلام مأخوذة ركناً في الدين، لا فريضة فرعية في تفاصيل الشريعة.

وسيأتي ثمّة وجه التعبير بأنّها (كمال الدين) ولم يعبّر أنّها (تمام الدين أي الفرق بين الكمال والتمام كما يعزّز هذه الحقيقة قوله تعالى في آية الغدير الثانية وهي: ( يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (٢) ، حيث جعل الباري تعالى تبليغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لبقية أجزاء الدين وللشريعة في طرف، وتبليغه لما أمر به في يوم

____________________

١) سورة المائدة: ٣.

٢) سورة المائدة: ٦٧.

١٤٥

الغدير من حجّة الوداع في سورة المائدة في طرف آخر، وهذا ممّا يقضي بكون ولايته وإمامته هي بتلك المكانة في الشأن والأهميّة في الدين، أي من الأُصول الاعتقادية، فهي من الأركان في الدين الحنيف، لا من التفاصيل الفرعية في الشريعة.

وهذا هو مفاد آية المودّة أيضاً في قوله تعالى: ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) ، حيث جعل الباري تعالى مودّتهم في كفّة والرسالة في كفّة أُخرى، سواء رجع ضمير (عليه) إلى الدين أو إلى جهده صلى‌الله‌عليه‌وآله في تبليغ الدين؛ فإنّ المآل واحد، حيث إنّ قيمة العمل وأجرته هي بقيمة نتيجة العمل وهو الدين، فإذا قوبلت مودّتهم ببقية أجزاء الدين برمّتها اقتضى ذلك كون مودّتهم هي الركن الركين في الدين، وعليه يظهر أنّ ولايته عليه‌السلام وولده المطهرين هي تتلو نبوّة خاتم الرسل في الموقعية فهي من الأركان الثابتة في الدين الحنيف وهو الإسلام. وقد تبيّن ممن مضى أنّ الدين واحد وهو الذي بعث به جميع الأنبياء والرسل)

وهو أمر لا نسخ فيه ولا تبديل، كما قال تعالى: ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ * وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) (٢) ، فبيّن تعالى أنّ الدين الذي بُعث به الأنبياء وأُولو العزم واحد، لم يتفرّقوا فيه، وإنّ تفرّق أتباعهم ليس من الدين في شي‏ء، وإنّما هو لبغي الأتباع والأقوام.

ويتّضح من ذلك، أنّ جميع الأنبياء والرسل بُعثوا على الإقرار برسالة خاتم النبيّين ومحبّة قرباه وولاية أهل بيته.

____________________

١) سورة الشورى: ٢٣.

٢) سورة الشورى: ١٣ - ١٤.

١٤٦

القواعد الثلاث الأُمّ

المحيطة في معرفة مقاماتهم

القاعدة الأولى:

من شرائط قبول التوبة التوسّل والتوجّه بهم إلى اللَّه بعد المعرفة والتصديق بولايتهم.

القاعدة الثانية:

إنّ شرط صحّة العبادة وقبولها بل صحّة الإيمان باللَّه وبرسوله وبولايتهم هو التوجّه بهم إلى اللَّه بعد التصديق بولايتهم.

القاعدة الثالثة:

إنّهم عليهم‌السلام باب اللَّه الأعظم الذي منه يُؤتى للقرب والزلفى ونيل كلّ مقام، وإنّ دعاء العبد والعباد لا يستجاب إلاّ بعد أن يطلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من اللَّه تعالى ويسأله إجابة طلبهم، وهو معنى شفاعته ووسيلته عند اللَّه تعالى كما سيتبين من الآيات.

أمّا القاعدة الأولى: وهي شرطية التوسّل والتوجّه بهم إلى اللَّه تعالى في صحّة وقبول التوبة بعد التصديق بولايتهم، فقد ذكر جملة من المتكلّمين والمفسّرين والمحدّثين وفقهاء الإمامية: أنّ ولايتهم عليهم‌السلام من جملة شروط قبول وصحّة التوبة؛

١٤٧

لقوله تعالى: ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ) (١) ، حيث اشترطت الآية في التوبة الهداية علاوة على أصل الإيمان والعمل الصالح، وهي المشار إليها في آيات عديدة، كقوله تعالى: ( اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ) (٢) ، وقوله تعالى: ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد ) (٣) ، وقوله تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) (٤) .

وغيرها من الآيات فضلاً عن الروايات المستفيضة المشيرة إلى وجه دلالة الآيات على ذلك. إلاّ أنّ مقتضى جملة من الآيات والروايات إضافة شرط آخر وهو التوسّل والتوجّه بهم عليهم‌السلام إليه تعالى، ويدلّ عليه جملة من الآيات:

منها: قوله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ الله تَوَّاباً رَّحِيماً ) (٥) ، فذكرت الآية ثلاثة شروط لحصول التوبة:

الأوّل: مجي‏ء مذنبي الأُمّة إلى الرسول. والمراد: الالتجاء والتوسّل والتوجّه به إلى اللَّه تعالى، فجعل تعالى ذكره التوجّه أوّلاً إلى نبيّه الذي هو الوسيلة، لكي يتمّ التوجّه من بعد إليه، كاستقبال المصلّي أوّلاً الكعبة متوجّهاً بها إلى اللَّه تعالى، فهذا الشرط الأوّل من ناموس أدب الدعاء في القرآن الكريم.

ودعوى السلفية بشركية التوجّه في‏ الدعاء إلى النبيّ وأهل بيته رَدٌّ لهذه السنّة القرآنية العظيمة في أدب الدعاء، بل إنّ الآية ناصّة بكل وضوح على أنّ دعاء أي داعي لا يستجاب إلاّ بطلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من اللَّه تعالى، فلا بدّ من سؤال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من

____________________

١) سورة طه: ٨٢.

٢) سورة الفاتحة: ٧.

٣) سورة الرعد: ٧.

٤) سورة الأنبياء: ٧٣.

٥) سورة النساء: ٦٤.

١٤٨

ربّه كي يستجاب طلب الداعي.

الثاني: إعلان التوبة والاستغفار من الذنب.

الثالث: استغفار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لهم بعد ذلك، وهو عبارة عن شفاعته لهم، فأيّ مذنب في هذه الأُمّة إلى يوم القيامة لا يغفر اللَّه له ذنبه إلاّ بشفاعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهذه الآية الكريمة هي من الآيات المتعرّضة لشرائط التوبة، حيث اشترطت لحصولها الشرائط الثلاثة الآنفة الذكر.

وقد حكى الآلوسي في روح المعاني عن ابن عطاء في تفسير قوله تعالى: ( لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ) (١) ، أي: لو جعلوك الوسيلة لديّ لوصلوا إليّ (٢) .

هذا وقد وردت عن أهل البيت عليهم‌السلام روايات مستفيضة تفيد أنّ الدعاء من الأوّلين والآخرين - مطلقاً وبدون استثناء - محجوب حتّى يصلّي الداعي على محمّد وآل محمّد، كصحيح صفوان الجمال عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (كلّ دعاء يُدعى اللَّه عزّ وجلّ به محجوب عن السماء حتّى يصلّي على محمّد وآل محمّد) (٣) .

ومثلها: صحيح هشام بن سالم (٤) .

ومثلها: رواية الخزار بسندٍ متّصل عن أبي ذر، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومثلها: ما رواه الصدوق عن حارث الأعور عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٥) .

وفي موثقة السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (من دعا ولم يذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رفرف الدعاء على رأسه، فإذا ذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رُفع الدعاء) (٦) . وغيرها من الروايات.

____________________

١) سورة النساء: ٦٤.

٢) روح المعاني للآلوسي، ج ٥، ص ١١٠، في ذيل تفسير آية ٧٥.

٣) الوسائل، ج٧، ص٩٢، ب ٣٦، ح ١.

٤) المصدر السابق، الحديث ٥.

٥) المصدر السابق، الحديث ١٦.

٦) المصدر السابق، الحديث ٦.

١٤٩

ومن الواضح أنّ التوبة والاستغفار من الذنب دعاء، فلا يرفع ولا تفتح له أبواب السماء إلاّ بالتوجّه بالنبيّ وآله، وسيأتي أنّ هذه الروايات تشير إلى مضمون عدّة من الآيات، فلابدّ من الالتفات إلى ذلك.

ويصبّ في مضمون قوله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ ) (١) قوله تعالى: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ) (٢) ، لكنّ الآية السابقة صريحة في الشرطية، وأمّا الآية الثانية فغاية دلالتها أنّ التوسّل والتوجّه بالنبيّ في التوبة والتسليم والخضوع والتعظيم لرسول اللَّه من مفاتيح الوَفادة على اللَّه تعالى، ومن علائم الإيمان، والاستكبار عن التوجّه بالنبيّ من صفاة النفاق والمنافقين.

التوجّه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالدعاء

وهذه الآيات القرآنية هي الأُخرى تدلّل على أنّ من سنن ناموس الدعاء في القرآن التوجّه أوّلاً إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والطلب منه للتوسّط عند اللَّه لقضاء الحاجة، وليس من الأدب الإلهي - في دعاء العبد - أن يتوجّه بالدعاء والطلب إلى اللَّه تعالى مباشرة ويصدّ عن التوجّه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تحت شعار الابتعاد عن الشرك والتفويض والغلوّ - كما يدّعيه السلفية -؛ فإنّ هذا عين الاستكبار والنفاق، كما صرحت به هذه الآية الكريمة، وهو عين المرض الذي ابتلى به إبليس، حيث أبى أن يتوجّه بآدم كالملائكة في عبادته وسجوده حيث توجّهت لآدم لتتوجّه بعدُ به إلى اللَّه تعالى - وكانت الملائكة بذلك موحّدين - بخلاف إبليس؛ فإنّه وصِفَ بالكفر.

بل إنّ الآية تحصر استجابه دعاء كلّ داعي بأن يطلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من اللَّه تعالى حاجة العبيد كي

____________________

١) سورة النساء: ٦٤.

٢) سورة المنافقين: ٥.

١٥٠

يستجيب. وهو معنى إستغفاره ‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله وسؤاله، أي لابدّ من طلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومنها: قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ) (١) ، فاشترطت الآية لفتح أبواب السماء التصديق بآيات اللَّه والخضوع لها، والمراد من آياته تعالى حججه المصطفون؛ كما في قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) (٢) ؛ وذلك لأنّ التكذيب في مقابل التصديق، وهما في حقّ الحجّة المنصوب الذي يخبر عن اللَّه تعالى، خلاف الآيات التكوينية في الآفاق مثلاً، فإنّه إليها يقال: غافلون عنها، ولا يسند التكذيب.

فاشترط في الآية المباركة أمران:

الأوّل: التصديق والإيمان بالآيات.

والثاني: الخضوع لها والتوجّه إليها؛ لأن التعبير بـ (استكبروا عنها) متضمّن لمعنى الصدّ، فمقابله الخضوع للآيات والتوجّه إليها.

وممّا يدلّل على أنّ المراد من الآيات الحجج المُصْطَفون، ورود التعبير بنفس الشاكلة في إباء إبليس عن التوجّه بآدم في عبادة ربّه، كما في قوله تعالى: ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا ِلآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (٣) . فشاكل التعبير بالإباء الاستكبار؛ إذ الإباء هو الجحود القلبي، والاستكبار هو في جانب العمل والصد، في مقابل الخضوع والتوجّه. ومن الواضح أنّ فتح أبواب السماء لابدّ منه في التوبة لقبول دعاء الاستغفار.

ثمّ إنّ الآية جعلت هذين الشرطين من شروط دخول الجنّة، وأكّدت استحالة ذلك،

____________________

١) سورة الأعراف: ٤٠.

٢) سورة المؤمنون: ٥٠.

٣) سورة البقرة: ٣٤.

١٥١

أي: فتح أبواب السماء ودخول الجنّة، من دون الإيمان بآيات اللَّه الحجج المنصوبين من قِبله تعالى، ومن دون الخضوع والتوجّه بهم إليه تعالى، أي أنّه وإن حصل الإيمان بحجج اللَّه المصطفين لا يُفتح باب السماء للدعاء ولا يُدخل الجنّة من دون التوجّه إليهم والتوسّل بهم؛ ليحصل بذلك التوجّه إلى اللَّه تعالى.

ولا يخدعنّك استكبار إبليس، حيث أبى أن يتوجّه لآدم ويجعلُه قبلةً في سجوده، ليحصل بذلك التوجّه إلى اللَّه تعالى، كما فعلته كلّ الملائكة الموحّدين، بخلافه حيث أراد التوجّه مباشرة إلى اللَّه تعالى؛ استكباراً وصدّاً عن خليفة اللَّه تعالى ووسيلته. فما يقوله السلفية: من أنه يكون تفويض وغلو. هي مقوله إبليس وقد ردّ القرآن مقولته.

ثمّ إنّ هذه الآية لا تقتصر في الدلالة على القاعدة الأُولى، بل هي تدلّ على القاعدة الثانية؛ حيث إنّ فتح أبواب السماء ليس فقط في مقام الاستغفار والتوبة، ولا يقتصر على مطلق الدعاء، بل هو في مطلق التوجّه والنية في مقام العبادة للإقبال والوفود على الحضرة الإلهية، وفي صعود الأعمال والعقائد وقبولها، كما في قوله تعالى: ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (١) ، فإنّ صعود الكلم الطيب وهو المعتقد ورفع العمل الصالح لا يتمّ إلاّ بفتح أبواب السماء، ومفاتيح أبواب السماء هي:

أوّلاً: التصديق بحجج اللَّه المصطفون الذين اصطفاهم بالطهارة.

وثانياً: الخضوع لهم بالتوجّه بهم إلى اللَّه تعالى، لا الاستكبار والصدّ عنهم.

ومعنى التوجّه بهم إليه تعالى: هو التوجّه إليهم لكي يحصل التوجّه إليه تعالى، ولهذا أمر - تعالى - الملائكة بالتوجّه لآدم في السجود كي يحصل التوجّه إليه تعالى،

____________________

١) سورة فاطر: ١٠.

١٥٢

وكما هو الحال في التوجّه في العبادة إلى الكعبة لُيُتوجّه إلى الباري تعالى، ولهذا ابتدأت الآيتان السابقتان بذلك: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ) (١) ، و ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ... ) (٢) ، فالمجي‏ء إلى الحضرة النبويّة هو التوجّه للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أولاً؛ ليطلب لهم من اللَّه تعالى، وليحصل لهم التوجّه إليه تعالى مآلاً، بل إنّ هذه الآية تدلّ على القاعدة الثالثة. وتقريب دلالتها:

أنّ التعبير بأبواب السماء وفتحها هو تعبير عن مسير الوفادة إلى الحضرة الإلهية، وبيان لمسافة القرب والزُلفى إلى الساحة الربوبية. فهو بيان للاستقبال والتوجّه إلى الحضرة الربانية، فكما تُستقبل القبلة ويُتوجّه بها إلى اللَّه فكذلك لابدّ في الاستقبال والتوجّه القلبي من التصديق بآياته، وحججه، والخضوع لطاعتهم والتوجّه بهم إليه في مطلق المقامات القُربية والزُلفية. فيمتنع على المستخفّين بحجج اللَّه والمستهينين بهم، الصادّين عن التوجّه إليهم وبهم إلى اللَّه أن تفتح لهم أبواب القرب الإلهي.

كما طُرد إبليس من درجة القرب وحُرمت عليه الرحمة الإلهية، وأُسقط من مقام الزُلفى إلى حضيض البعد وهاوية اليأس، وقعر الحرمان واللعنة؛ لاستكباره على خليفة اللَّه، وإباءه عن استقبال آدم في السجود والتوجّه به إلى اللَّه، فهو بذلك لم يقصّر في آداب العبودية مع الحضرة الربوبية فقط، بل امتنع عليه الوفود إليه تعالى، وإلى ذلك تشير الآية الكريمة: ( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ) (٣) ، فمن أُصول السنن الإلهية في أدب التوجّه واللقاء

____________________

١) سورة المنافقون: ٥.

٢) سورة النساء: ٦٤.

٣) سورة الأعراف: ١٢ - ١٣.

١٥٣

والقرب هو الخضوع لآياته وأصفياءه الذين نصّبهم حججاً على خلقه، بالتوجّه إليهم ليتّخذهم وسيلة إلى اللَّه.

حقيقة ابتغاء الوسيلة هو قصدها:

ومنها: قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (١) ، والآية يمكن أن يذكر في إعرابها احتمالان:

الأوّل: أن يكون قوله (ابتغوا) قد أُسند إلى كلّ من (إليه) و (الوسيلة) ، فيعمل فعل (ابتغوا) في كلّ من الجار والمجرور والاسم، وهو الوسيلة، وعلى ضوء هذا التقدير في الإعراب يكون الابتغاء - وهو القصد والتوجّه - قد جعل متعلّقاً بكلّ من الجار والمجرور والوسيلة.

وحاصل المعنى حينئذٍ أنّه في مقام القصد يتوجّه إلى كلّ من الساحة الربوبية ويتوجّه إلى الوسيلة، غاية الأمر يكون التوجّه إلى الوسيلة مقدّمة للتوجّه إلى الساحة الربوبية.

الثاني: أن يكون فعل ( ابتغوا ) أُسند إلى (الوسيلة) فقط، أي أنّه يعمل في هذه اللفظة فقط، ويكون مفعول به للفعل، وأمّا الجار والمجرور فهو متعلّق بنفس الوسيلة، والذي يعمل في الجار والمجرور هو لفظ (الوسيلة) بما اشتمل من معنى الحذف، فيكون حاصل المعنى - حينئذٍ - أنّ القصد والتوجّه والابتغاء هو إلى الوسيلة ابتداءً وحصراً، غاية الأمر أنّ الوسيلة التي يتوجّه إليها هي تلك التي بذاتها تُوصّل وتُسلك بالذي يتوجّه إليها وبها إلى الساحة الربوبية، ويعضد هذا المعنى - وهو كون ابتغاء الوسيلة هو بالتوجّه إلى الوسيلة وقصدها ليحصل التوجّه إلى اللَّه

____________________

١) سورة المائدة: ٣٥.

١٥٤

تعالى مآلاً ومنتهىً - جملة من الشواهد:

منها: إنّ اتّخاذ الوسيلة المأذون بها من قِبله تعالى مقتضاه أنّ مقام الإقبال والارتياد للقرب لا يُطوى إلاّ بالوسيلة؛ لأنّ الوسيلة هي ما يُتوسّل به ويُعالج به لبلوغ غاية. فإذاً كان القصد إليه تعالى، والتوجّه إليه، كمنتهى الغايات يتوقّف على الوسيلة، مع أنّ الباري تعالى أقرب إلينا من حبل الوريد من جانبه، لكنّه ليس قرباً مكانياً كقرب جسم من جسم، يستلزم قرب أحد الطرفين قرب الطرف الآخر، بل قربه تعالى منّا قرب قُدرةٍ وهيمنةٍ وقيمومة، وهو كمال سيطرته وقاهريته على عباده.

وأمّا من طرف العباد، فمسيرهم إلى شاهق الساحة الربوبية ذو مسافة بعيدة؛ لبعدهم وقصورهم عن الكمال المطلق، فلا يتسنّى لكلّ وارد أن يهتك الحُجُب. ومنه يظهر أنّ الآية في بيان سنّة إلهية دائمة دائبة في كلّ المخلوقات للتوجّه إلى الحضرة الإلهية.

ومنها: إنّ الآيات وسيلة لمعرفة الربّ عند القلب والعقل؛ فإنّ الباري تعالى من عظمته لا يُكتنه ولا يُكتنف ولا يُحاط به، كما لا يلمس، ولا يُجْبَه، ولا يمسّ، ولا يجسّ؛ إذ ليس هو بجسم، وليس بروح، وليس بعقل، فلا يجسّم ولا يشبّه بأحد من خلقه، إلاّ أنّ نفي التشبيه بمراتبه لا يستلزم التعطيل، بل إنّ فعله دالّ عليه، ولا سيما عظائم خلقه، وهي آياته الكبرى، ومنها يتعرّف العقل، ويهتدي إليه تعالى وإلى عظيم صفاته. كما هو محرّر مبسوط في مباحث المعرفة التوحيدية.

فبين نفي التشبيه ونفي التعطيل إقامة التوحيد، تتحقّق بدلالة الآيات، كما أشارت إلى ذلك الصدّيقة الزهراء فاطمة عليها‌السلام في مستهل خطبتها، حيث قالت: (وأحمد اللَّه، الذي لعظمته ونوره يبتغي مَن في السموات والأرض إليه الوسيلة، ونحن

١٥٥

وسيلته في خلقه، ونحن خاصّته ومحلّ قدسه، ونحن حجّته في غيبه) (١) . فتُعلّل - سلام اللَّه عليها - ضرورة الوسيلة وابتغاءها بشدّة عظمة اللَّه، وحيث إنّ التعطيل مفروغ من بطلانه، فتحتّمت ضرورة الوسيلة. فالبرهان المتقدّم مستفاد من كلامها عليها‌السلام .

ويُستفاد البرهان المتقدّم أيضاً من قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : (اللَّه عزّ وجلّ حامل العرش والسماوات والأرض... ( أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ) (٢) ... وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة...) (٣) ، ومثلها عن الإمام أبي الحسن موسى عليه‌السلام (٤) .

فإذا كانت معرفة العقل هي بوسيلة الآيات والتوجّه إليها، والتدبّر فيها، يحصل التوجّه مآلا إليه تعالى، ومعرفة العقل والقلب هي الإيمان، وهي عبادة العقل والقلب؛ لأنّ الإيمان إخبات، وتسليم، وإذعان، وخضوع، وانقياد، وهو معنى العبادة، ومن ثمّ أُشير في تفسير قوله تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) (٥) ، أي: ليعرفون. ففُسّرت العبادة بالمعرفة، كما في النصوص المستفيضة وتفاسير الفريقين؛ لأنّ المعرفة والإيمان من العقل، يعني عدم إباءه، وعدم جحوده، وعدم تمرّده وطوعانيته، وخضوعه للحقّ، وهو حقيقة العبادة المتصوّرة من جوهر العقل.

فإذا كانت معرفة التوحيد والعبادة التوحيدية في العقل لا تقام إلاّ بالتوسّل بالآيات، والتوجّه إليها وقصدها؛ ليحصل التوجه والقصد إليه تعالى فهي بابه الأعظم الذي منه يُؤتي، فبماذا يلهج هؤلاء السلفية؟ وأنّى يُصرفون عن التوجّه إلى الوسيلة، ويزعمون أنّهم يتوجّهون مباشرة إليه تعالى؟ وهل وجدوا من أنفسهم أنّهم أقرب

____________________

١) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد،ج ١٦، ص ٢١١.

٢) سورة فاطر: ٤١.

٣) الكافي، ج١، ص ١٢٩.

٤) الكافي، ج٨، ص ١٢٤.

٥) سورة الذاريات: ٥٦.

١٥٦

الخلق إليه تعالى؟ وإذا كان هذا حال العقل فكيف بمن دونه؟

فالعبادة لا تقتصر على بدن الإنسان وحركاته، ولا على النفس وأفعالها الجانحية من النية والقصد، بل يعمّ عبادة أفعال العقل والقلب والروح، وإذا كانت هذه الثلاثة - التي هي أقرب إلى اللَّه تعالى - تحتاج في عبادتها، بل مطلق قصدها وتوجّهها إلى اللَّه تعالى، إلى التوجّه إلى الآيات وقصدها، فكيف بما دونها؟ وإذا كان للآيات أخطر دور في علاقة العبد بالباري وهو مقام المعرفة، وأنّ معرفتها معرفته تعالى، والتوجّه إليها توجّه إليه تعالى، يتّضح أنّ آياته الكبرى هي بابه الأعظم الذي منه يُؤتى، ومنه الوفاد إلى الحضرة الإلهية. وبذلك يتّضح ما ورد (بنا عُبد اللَّه وبنا عُرف) (١) .

ومنها: تعاضد دلالة آية الوسيلة مع الآية السابقة، الدالّة على كون الآيات مفتاح أبواب السماء ومفتاح دخول الجنّة، حيث دلّت على أنّ الآيات الإلهية ممّا يتوجّه بها إليه تعالى، وأنّها مفتاح التوجّه والسير إليه عزّ شأنه، والآية هي العلامة الدالّة، فيتطابق معناها مع الاسم؛ لأنّ الاسم من الوسم، وهو العلامة أيضاً.

فتكون الآيات الإلهية هي أسماءه الحُسنى التي قال عنها تعالى: ( وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) (٢) فأتى في الآية بلفظ الجمع، ممّا يدلّ على كثرتها، مع أنّ اللَّه هو الواحد الأحد، فالأسماء كثرة لكن المسمّى هو الواحد الأحد، فهي دوالٌّ عليه.

وهذه الدلالة هي حقيقة الآيات؛ إذ العبادة للمسمّى الواحد الأحد، لا للكثرة ولا للأسماء ولا للآيات الدالّة عليه، كما يستفاد هذا البيان العقلي من قول الإمام الصادق عليه‌السلام ، من صحيحة هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد اللَّه عليه‌السلام عن أسماء اللَّه

____________________

١) الكافي، ج١، ص ١٤٥.

٢) سورة الأعراف: ١٨٠.

١٥٧

واشتقاقها: (اللَّه ممّا هو مشتقّ؟ فقال: يا هشام، اللَّه مشتقّ من إله، وإله يقتضي مألوهاً، والاسم غير المسمّى، فمن عَبَد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد، أفهمت يا هشام؟ قال: قلت: زدني. قال: للَّه تسع وتسعون اسماً، فلو كان الاسم هو المسمّى لكان كلّ اسم منها إلهاً، ولكن اللَّه معنى يدلّ عليه بهذه الأسماء وكلها غيره. يا هشام، الخبز اسم للمأكول، والماء اسم للمشروب، والثوب اسم للملبوس، والنار اسم للمحرق، أفهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعدائنا المتّخذين مع اللَّه غيره؟ قلت: نعم. فقال: نفَعكَ اللَّه به وثبّتك يا هشام. قال: فو اللَّه ما قهرني أحد في التوحيد حتّى قمت مقامي هذا) (١) .

فإذاً، تبيّن أنّ الأسماء الحُسنى هي التي يُدعى بها الربّ ويُتوجّه إليها وبها إليه، وهي الأبواب التي منها يُقصد، وهي الآيات الكبرى التي أُمر العباد بتصديقها والخضوع لها والتوجّه بها، وأُنذروا عن التكذيب بها، والاستكبار عنها، وهي حججه المصطفين، وهي كلماته التامّات.

كما أُطلق لفظ الآية والكلمة على عيسى، في قوله تعالى: ( وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً ) (٢) ، وكما في قوله تعالى في وصف يحيى أنّه مصدّق بعيسى، خطاباً لزكريا: ( أنَّ الله يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله ) (٣) ، فأطلق على عيسى أنّه الكلمة التي يُصدق بها، نظير الأمر بتصديق آيات اللَّه وعدم التكذيب بها، كما ورد في وصف مريم: ( وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ ) (٤) ،

____________________

١) الكافي، ج١، ص١١٤، باب معاني الأسماء واشتقاقها.

٢) سورة مريم: ٢١.

٣) سورة آل عمران: ٣٩.

٤) سورة التحريم: ١٢.

١٥٨

فغاير بين الكلمات والكتب، فجعلت الكلمات مقابل الكتب، وأنّها عليها‌السلام صدّقت بالكلمات.

فيظهر من ذلك: إنّ الكلمات التي يُصدَّق بها، وكذا الآيات التي يصدق بها ولا يكذّب بها، ولأنّ التكذيب والتصديق للخبر، فالآية التي توصف بذلك هي ذات مؤدّى خبري وهو: الحجّة المنصوب من قِبله تعالى يخبر عنه، فالحجج المصطفون هم الآيات التي لا يُكذّب بها ولا يُستكبر عنها، كما قد أطلقت على النبيّ عيسى ليتبين أنّ المراد بها هم الحجج الذين اصطفاهم اللَّه، كما أنّهم هم الأسماء الحسنى التي يُتوسّل بها ويتوجّه، ويُدعى الربّ بها، بعد ما تبين تطابق معنى الاسم والآية والكلمة في أصل المعنى لغةً بمعنى العلامة الدالّة.

ثمّ إنّ الآية الأُولى، وهي قوله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ الله تَوَّاباً رَّحِيماً ) (١) ، دالّة على القاعدة الثانية والثالثة، ولا تقتصر دلالتها على القاعدة الأُولى.

انحصار إجابة الدعاء بطلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله منه تعالى:

وذلك لأنّه إذا كان التوسّل والتوجّه بالنبيّ شرط في التوبة لكلّ من أذنب من هذه الأُمّة، بل اشترط علاوة على ذلك في قبول التوبة تشفّع وشفاعة الرسول ووساطته، والتوبة من العبد هي الأوبة والإياب والرجوع إلى الساحة الإلهية، بتوطين النفس على الطاعة والانقياد، وترك التمرّد والإعراض، فماهية التوبة ذاتياً الخضوع العبادي، والانقياد القربي، وبالتالي فهذان الشرطان، وهما: التوجّه بالنبيّ، وشفاعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، دخيلان في قبول هذه العبادة؛ إذ توبة اللَّه على العبد التي هي

____________________

١) سورة النساء: ٦٤.

١٥٩

معنى ( لَوَجَدُواْ الله تَوَّاباً رَّحِيماً ) هو قبول الباري لهذه العبادة، وإقباله على العبد بالرحمة وفيض الكمالات، والعطاء بالمنح والهبات، والفضل العميم والمنّ الكثير.

والأَوْبة من العبد في حقيقتها هي حالة وصفة الانقياد السارية في حقيقة كلّ العبادات؛ لأنّ كلّ عبادة هي نمط من الانقياد والخضوع وقوامها بذلك، فإذا كانت السنّة الإلهية في الانقياد هي اشتراطه بالتوجّه والتوسّل بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليس مجرّد ذلك فقط! بل لابدّ من قيام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفاعة والتشفّع لدى اللَّه في قبول عبادات أُمّته كي يقبلها الباري.

فلا يكفي الحُسن الذاتي لعبادة العبد - وهو ما يعرف بالحسن الفعلي - ولا يكفي ضمّ الحُسن الفاعلي أيضاً - وهو انقياد العبد إلى اللَّه وإلى نبيه بالتوجّه إليهما والتوسّل برسوله - بل لابدّ من ضمّ وساطة الرسول وشفاعته وتشفّعه لدى اللَّه في قبول عبادات أُمّته، والعبادات أعظم أعمال الأُمّة، ولابدّ من تشفّعه صلى‌الله‌عليه‌وآله لدى الباري؛ كي يقبل عبادات وأعمال الأُمّة، وهذا وجه قوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) (١) .

فوصفَ - تعالى - نبيه بالرحمة الواسعة العظيمة، الشاملة لكلّ العالمين والعوالم؛ إذ العالم هو اسم جمع، فكيف بجمع الجمع؟ وكيف مع دخول (أل) للاستغراق؟ فمِن ثَمّ كان صاحب الشفاعة الكبرى والوسيلة العظمى، كما ورد في روايات الفريقين.

وهو وجه قوله تعالى: ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ) (٢) ، وصلاته على الأُمّة دعاءه وتشفّعه لدى اللَّه في حق أمته، ومثله قوله تعالى: ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ

____________________

١) سورة الأنبياء: ١٠٧.

٢) سورة التوبة: ١٠٣.

١٦٠

أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (1) ، فخلع تعالى عليه خلعة ربانية عظيمة، وهي وصفين من الأسماء الحُسنى: الرؤوف والرحيم (2) ، وقال تعالى في وصفه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ ) (3) .

فكرّر تعالى في وصفه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه: الرحمة الإلهية والأمان للمؤمنين. وقال: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) (4) ، فاشترط تعالى لحصول محبّته لعباده اتّباع نبيّه.

حقيقةُ التوسّل والتوجّه بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تقديمُه أمام التوجّه والطلب من اللَّه تعالى، وهو معنى الوفادة به على اللَّه:

فيُعلم من ذلك أنّ الأُمّة في وفودها على باريها بعباداتها، وأعمالها، لابدّ عليها من أن تأتي إلى باب اللَّه الأعظم الذي منه يُؤتى، وهو سيّد أنبياءه. ومع كلّ ذلك لابدّ لكي يعود الربّ تعالى بالرحمة على هذه الأُمّة، ولكي يقبل وفادتها إليه، أن تَفِدَ بنبيّها، وتقدّمه بين يدي اللَّه.

وبعبارة أُخرى: إنّ التوجّه بالشي‏ء لغةً عبارة عن جعله وجهاً وأماما وإماماً، فالتوجّه بالنبيّ عبارة عن جعله الوجه المتقدّم للوفود على الساحة الربوبية، وكذلك معنى التوسّل بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لغةً فإنّ معنى الوسيلة هو بالتوجّه إليها أوّلاً، ليمهّد ويوطّد ويهيّئ له الوصول إلى الشي‏ء الآخر، وليس معنى التوسّل بالوسيلة الإعراض عن التوجّه إليها بالتوجّه مباشرة إلى الغاية والمنتهى؛ فإنّ هذا ترك للأخذ بالوسيلة.

____________________

1) سورة التوبة: 128.

2) اللهمّ أعنا على طاعته، وصِلة أهلِ بيته، وموالاتهِ وآلهِ، والبراءة من التمرد ومن المتمردين عليه.

3) سورة التوبة: 61.

4) سورة آل عمران: 31.

١٦١

ولابدّ في كلّ ذلك من أن يشفع لهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لدى الباري تعالى، ويطلب منه ويسأله في قضاء حوائجهم، وشفاعته وبابيته ووساطته لا تقتصر على محو ذنوب الأُمّة، بل وكذلك تشمل في نيل الدرجات والمقامات، بل لا يقتصر ذلك على هذه الأُمّة، بل تعم جميع الأُمم من الأوّلين والآخرين.

وساطة النبيّ وشفاعته في نيل جميع الأنبياء والمرسلين للنبوّة والمقامات:

بل تعم جميع الأنبياء والمرسلين، كيف لا؟ ولم يعطِ الباري تعالى نبوّة لنبيّ من الأنبياء إلاّ بعد تسليمهم لولاية النبيّ وطاعته والخضوع له، وأخذ في ذلك عليهم العهد المغلظ الشديد، ولم يكتفِ بذلك، بل أشهدهم على ذلك، وأشهد عليهم ذاته الأزلية، وهذا مفاد قوله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ) (1) .

فالميثاق الذي أخذه اللَّه على النبيّين هو على ولِما أتاهم من نبوّة وحكمة، وفي مقابل ذلك شرط عليهم وأخذ العهد على أن يؤمنوا ويتدينوا بنبوّة سيد الرسل، وبأن يلتزموا بمناصرته وطاعته وموالاته. ثمّ أخذ تعالى بعد ذلك الميثاق، أخذ الإقرار والالتزام والتعهّد منهم بتلك المشارطة والمعاوضة. ثمّ في ‏المرتبة الثالثة شدّد عليهم عهده، وغلّظ، وبيّن عظمته. ثمّ في المرتبة الرابعة أشهد عليهم.

فلم يستحصل الأنبياء على النبوّة، والكتاب والحكمة، فضلاً عن بقية المقامات الغيبية، إلاّ بالموالاة والطاعة والخضوع لسيد الأنبياء، والتوجّه به إلى اللَّه، فشفاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله يضطرّ إليها جميع الأنبياء والمرسلين، فضلاً عن جميع الأُمم، فنيل

____________________

1) سورة آل عمران: 81.

١٦٢

كلّ مقام للأصفياء المصطفين لا يتمّ لهم إلّا بالتوجّه إلى باب الله الأعظم، وهو سيد الأنبياء.

ويشير إلى توسّل الأُمم السابقة بسيد الأنبياء ما في قوله تعالى: ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (1) ، والآية نازلة في اليهود، حيث كانوا يؤمنون بمجيء خاتم الأنبياء من قبل، وكانوا في حروبهم مع الكفّار يستفتحون بالنبيّ ويتوسّلون به إلى الله؛ لكي ينزل النصر عليهم، فلمّا جاءهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يعرفونه وكانوا يتوسّلون به كفروا به، فمفاد الآية أنّ مقتضى‌ الإيمان بخاتم الأنبياء هو الاستفتاح به.

والاستفتاح هو طلب الفتح لكلّ باب من أبواب البركة والنصر والخير والسعادة والنعيم والنصر، وكلّ فوز عظيم وغنم جزيل، فالاستفتاح ينطوي على معنى طلب الفتح والمفتاح، وقد تقدّم قوله تعالى‌: ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَاتُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ) (2) ، حيث بينت هذه الآية أنّ الإيمان بآيات اللَّه والتصديق والإقبال والتوجّه إليها وتعظيمها هو المفتاح الذي تُفتح به أبواب السموات، أي أنّه الباب الذي يفتح منه كلّ باب، فهو باب الأبواب وباب اللَّه الأعظم، وقد أقرّ الباري تعالى استفتاح أهل الكتاب بالنبيّ، وأنّ ذلك من تشريع اللَّه لهم في الديانة التي بعث بها أنبيائهم في جميع الشرائع السماوية السابقة، أي أنّ التوسّل والتوجّه بسيد الرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله كان من الدين الواحد المتّفق الذي بُعث به جميع الأنبياء على‌ اختلاف شرائعهم.

____________________

(1) سورة البقرة 2: 89.

(2) سورة الأعراف 7: 40.

١٦٣

كيف لا يكون سيد الأنبياء استفتاح لكلّ شي‌ء بعد اسم اللَّه مع أنّ كلّ شي‌ء يستفتح بـ (بسم اللَّه الرحمن الرحيم)، إلّاأنّ فتح هذا الاستفتاح لابدّ أن يقرن باسم الحبيب المصطفى‌، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله استفتاح لكلّ خير ولنيل كلّ مقام وفضل وكمال وإسعاد، كيف لا يكون ذلك وقد تقدّم قوله تعالى‌: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ .. ) (1) ، إن جميع الأنبياء استأهلوا النبوّة بشرف الإقرار بولاية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وولاية عليّ عليه‌السلام كما سيأتي.

وقد روى الفريقان: أنّ آدم لما اقترف الخطيئة ما كان اللَّه ليغفر له لولا توسّله وتوجّهه إليه تعالى‌ بسيد الأنبياء وأهل بيته (2) ، وهي الكلمات التي تلقّاها في قوله تعالى‌: ( فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ) (3) ، بل ورد أنّ هذه الكلمات هي الكلمات التي امتحن بها إبراهيم فأُعطي مقام الإمامة، كما في قوله تعالى‌: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ .. ) (4) ، ويُشاهد أنّ التعبير ورد (بكلمات) لا بكلمه، أي بصيغة الجمع.

وقد تقدّم أنّ الكلمة أُطلقت على‌ النبيّ عيسى‌، وتصديق مريم بالكلمات أُطلقت على‌ أولياء اللَّه الحجج في مقابل التصديق بكتبه، وأنّ (الكلمة) متطابقة مع (الآية)، وقد أطلقت (الآية) على‌ النبيّ عيسى‌. فظاهر التعبير بالجمع في الكلمات التي تلقّاها آدم، والتي قد رويت في طرق أهل سنّة الجماعة أنّه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله -

____________________

(1) سورة آل عمران 3: 81.

(2) أمّا روايات أهل البيت فمستفيضة في ذلك، لاحظ: تفسير البرهان، ونور الثقلين، وغيرهما في ذيل قوله تعالى: ( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ) . أمّا مصادر العامّة فلاحظ: مستدرك الحاكم على الصحيحين ج 2 ص 615 التضمّن: لولا محمّد ما خلقت آدم ولا الجنّة ولا النار. ولا كبس العرش على الماء.

(3) سورة البقرة 2: 37.

١٦٤

والجمع يقتضي أنّه سيد الأنبياء، وكذا أهل بيته الذين قُرنوا معه في آية التطهير وأُشركوا معه في إرادة الربّ بتطهيرهم، كما قُرنوا معه صلى‌الله‌عليه‌وآله في احتجاج اللَّه بهم على‌ أهل الكتاب، أي أنّهم حجّة للَّه‌على‌ أهل الكتاب والأُمم إلى‌ يوم القيامة، كما شهد لهم القرآن بأنّهم يعلمون الكتاب المكنون في اللوح المحفوظ الذي لا يمسّه إلّا المطهّرون كما ورد في سورة الواقعة- فهم أصحاب وصف التطهير في هذه الأمة بتخصيص القرآن.

كما يعطي امتحان إبراهيم بتلك الكلمات أنّ أُولئك الحجج الذين امتُحن بهم النبيّ إبراهيم هم ممّن نال مقام الإمامة بالتوجه بهم إلى‌ اللَّه والتصديق والإقرار والتسليم بولايتهم.

وقد مرّت دلالة آية الميثاق على‌ النبيّين أنّهم لم ينالوا مقام النبوّة إلّابالتصديق والتسليم لولاية سيد الأنبياء، كما قد تقدّم في المقالات السابقة من هذا الفصل أنّ جملة من الآيات القرآنية في السور المتعدّدة دلّت على‌ أخذ ولاية عليّ عليه‌السلام في أُصول الدين الواحد، وهو الإسلام الذي بُعث به جميع الأنبياء من آدم إلى‌ النبيّ عيسى‌، وإن اختلفت شرائعهم.

ومنها: قوله تعالى‌: ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (1)

وهذه الآية وإن خصّها جمع من مفسّري الفريقين في الشأن العام السياسي، ولكنّ الصحيح كما بسطنا الكلام فيه في ما تقدّم- أنّها في مطلق شؤون الدين؛ إذ طاعة اللَّه لا تُحدّ بحدود، بل هي بسعة الدين كلّه، فكذلك طاعة الرسول وأُولي الأمر، لا سيما أنّ الأمر المراد منه هو الأمر المتنزّل في ليلة القدر، كما في سورة القدر والدخان والنحل وغافر، وغيرها من السور.

____________________

(1) سورة النساء 4: 59.

١٦٥

معنى شرطية الولاية في صحّة العبادات:

فالأمر في (أولي الأمر) عالم الأمر من الملكوت، وكما في سورة الشورى: ( رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ) (1) ، فأصحاب وأولياء الأمر هم أصحاب روح القدس الأمري، هؤلاء طاعتهم بتبع طاعة الرسول، وطاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله بتبع طاعة اللَّه تعالى، وهي في كلّ دائرة الدين، ومنها أبواب العبادات، فكما يتعلّق الأمر الإلهي بالعبادات كالصلاة وغيرها، فكذلك الأمر النبوّي والأمر الولوي قد تعلّق برسم حدود العبادات وأجزاءها وشرائطها، ولذلك فقد اشتملت العبادات على فرائض إلهية، وسنن نبوية، وسنن ولوية. والقرب العبادي للَّه تعالى في العبادة - وإن لم يذكر في علم أُصول الفقه - لا يتمّ إلاّ بطاعة الأصناف الثلاثة من الأوامر في العبادات، فالطاعات الثلاث هي التي تحقّق القرب العبادي للَّه تعالى، وهذا بيان آخر لكون التوجّه بهم يحقّق القرب إلى الباري تعالى وبدونه لا يتحقق.

وبعبارة أُخرى ، أنّه قد حُرّر في مبحث التعبّدي والتوصّلي في علم أُصول الفقه: قوام العبادية في العبادات بنية القربى، وأنّ نية القربى هي قصد للمسبّب لا تحصل إلاّ بنية وقصد السبب، وهو قصد امتثال الأمر الإلهي المتعلّق بالصلاة والصوم والحجّ وغيرها من العبادات، حيث إنّ قصد المكلّف كونه ماثلاً أمام الإرادة الإلهية وخاضعاً وطائعاً للأمر الإلهي، يوجب الزلفى والاقتراب من الساحة الإلهية.

وما ذكره علماء الأُصول وإن كان متيناً، إلاّ أنّهم لم يستوفوا تمام أطراف البحث، فإنّ العبادات كما قد تعلّق بها الأمر الإلهي كـ: ( أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ) و ( َآتُواْ الزَّكَاة َ ) و ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) و ( قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله ) وغيرها من الأوامر الإلهية

____________________

1) سورة الشورى: 52.

١٦٦

المتعلّقة بالعبادات، فكذلك قد تعلّق الأمر النبويّ بتلك العبادات؛ فإنّ جملة عديدة من أجزاء العبادات إنّما هي سنن نبويّة بأمر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، نظير السبع ركعات التي أمر بها صلى‌الله‌عليه‌وآله في الفرائض، كما روى ذلك الفريقان، ومن الواضح حينئذٍ، أنّ صحّة الصلاة اليومية مثلاً متوقّفة على امتثال أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً.

فقصد امتثال الأمر يعمّ كلّ من أمر اللَّه تعالى وأمر رسوله في العبادات، والامتثال والطاعة هي شاملة لكلّ من امتثال وطاعة أمر اللَّه وأمر رسوله.

وكذلك الحال لأُولي الأمر المتنزّل في ليلة القدر، فإنّ جملة غفيرة من الشرائط والموانع، وتفاصيل الأجزاء، إنّما هي بأوامر أئمّة أهل البيت ‏ عليه‌السلام ومنهاجهم وهديهم، فالعبادة والصلاة والصوم والزكاة، وغيرها، لابدّ أن يؤتى بها على صورة منهاجهم وهديهم وطريقتهم، وذلك بامتثال أوامرهم المتعلّقة بالعبادات.

فيتّضح بذلك أنّ قصد الأمر المحقّق لنية القربى في العبادات - الذي ذكره علماء الفقه والأُصول - لابدّ أن يعمّ الأوامر الثلاثة، وأنّ الامتثال والطاعة في عبادية العبادة هي لكلّ من أمر اللَّه، وأمر رسوله، وأمر أولياءِ أمره.

وبذلك تتحقّق العبادة الخالصة للَّه تعالى وحده من دون استكبار النفس، وهو الذي أخفق فيه إبليس اللعين حينما ترك التوجّه بآدم في العبادة. ويتّضح عموم آية الطاعة للعبادات ولدائرة الدين، وأنّ هذا المعنى قراءة جديدة لمعنى أخذ ولايتهم عليهم‌السلام في صحّة العبادات.

ثمّ إنّه قد اتّفقت كلمات فقهاء الإمامية على رجحان دعاء التوجّه قبل تكبيرة الإحرام في الصلاة، بل جملة كلمات المتقدّمين والمتأخّرين على رجحانه بعد تكبيرة الإحرام قبل قراءة الحمد، وهي فتوى بالنصّ المأثور (وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، على ملّة إبراهيم ودين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنهاج عليّ، حنيفاً مسلماً

١٦٧

وما أنا من المشركين) (1) .

وفي النصّ الآخر بعد ومنهاج عليّ (والائتمام بآل محمّد حنيفاً مسلم) (2) .

وفي بعض النصوص (وهدي عليّ أمير المؤمنين - عليه‌السلام -) (3) .

وفي مصباح المتهجّد للشيخ الطوسي: (اللهمّ ربّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة بلّغ محمّداً - صلّى الله عليه وآله - الدرجة والوسيلة والفضل والفضيلة، باللَّه استفتح وباللَّه أستنجح، وبمحمّد رسول اللَّه - صلّى الله عليه وآله - أتوجّه، اللهم صلّي على محمّد وآل محمّد، واجعلني بهم عندك وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين) (4) .

وقد اتّفقت - أيضاً - كلمة جمهور مذاهب المسلمين على رجحان التسليم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بلفظ: (السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللَّه وبركاته) وذلك قبل التسليم المُخرِج من الصلاة، أي: إنّ التسليم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي به المصلّي ولمّا يخرج بعدُ من الصلاة.

ومؤدّى هذا التسليم من المصلّي - وهو في صلاته - أنّه زيارة من المصلّي إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من كلّ الأُمّة، من كلّ مؤمنٍ ومسلمٍ في اليوم خمس مرّات، بل في كلّ صلاة يأتي بها، كما أنّ هذه الزيارة والتسليم للنبيّ ينطوي على مخاطبة النبيّ بـ (كاف) الخطاب، كما ينطوي على نداء النبيّ ومخاطبته صلى‌الله‌عليه‌وآله بـ (ياء) النداء القريب: (أيّها).

وهذا كلّه من التسليم والزيارة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ومخاطبته بالنداء القريب والمصلّي في صلاته ونجواه لربّه وخطابه مع بارئه، ففي محضر الوفادة الربانية والضيافة الإلهية يتوجّه المصلّي بالالتفات لنبيّه؛ إذ هو باب اللَّه الأعظم، فكما بدأ صلاته

____________________

1) من لا يحضره الفقيه، ج1، ص204، باب وصف الصلاة وأدب المصلّي.

2) وسائل الشيعة، ج6، ص25، الحديث 3، ولاحظ أيضاً: مستدرك الوسائل.

3) المصدر السابق.

4) مصباح المتهجّد، ص73، فصل في ذكر الأذان.

١٦٨

بالإقرار بالرسالة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الإقرار بالتوحيد في الأذان والإقامة وتوجّه به في بدو الصلاة، عاود التوجّه إليه، وبه، إلى اللَّه. فهذه الصلاة التي هي عمود الدين ومعراج المؤمن إلى ربّه ونجواه مع خالقه، يزدلف إلى ربّه بالولاية لنبيّه والتعظيم له وتوقيره.

( الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (1) ، وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) (2) .

فترى ما أوجب تعالى من التعظيم والمهابة لنبيّه؛ أن افترض عدّة من السنن والآداب والخضوع في محضر النبيّ، جعل جزاء الإخلال بها - ولو كرفع الصوت - حبط جميع الأعمال، وأنّ تعظيم النبيّ وإجلاله هو من تقوى القلوب، وأنّ الذين يستخفّون بمقام النبيّ ليس لهم شعور ولا عقل، أي: من زمرة البهائم.

وكلّ هذا التعظيم الإلهي، بمراسم ورسوم في سنن الآداب الإلهية لنبيّه لم يَرِد في حقّ نبيّ من الأنبياء، فهذا المحلّ من القدس من الباري هداية منه تعالى إلى الباب الذي منه يُؤتى، وجعل تعالى الصدّ عن هذا الباب الأعظم وعن الالتجاء إليه

____________________

1) سورة الأعراف: 157.

2) سورة الحجرات: 1 - 4.

١٦٩

من صفات المنافقين، حيث قال: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ) (1) .

كما قرن تعالى رضاه برضا رسوله، فقال: ( يَحْلِفُونَ بِالله لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَالله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ) (2) ، فجعل باب رضاه رضا رسوله، كما قرن حبّه بحبّ رسوله، فقال: ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) (3) ، فجعل محبّة الرسول باب لمحبّته، فلم يقتصر تعالى على حبّ العبد له، ولا على مجرّد حبّ الأعمال الصالحة، بل اشترط أن يُقرن بحبّ الرسول، كما اشترط في الهجرة إلى اللَّه الهجرةَ إلى الرسول، فقال تعالى: ( وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى الله وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً ) (4) ، فجعل باب الهجرة إليه تعالى الهجرة إلى الرسول، والهجرة سفرٌ وقصدٌ وتوجّه.

والتوجّه بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله شرط زائد على شرطية الإيمان به، كما مرّ في قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا... ) (5) ، هو الإقرار بولاية النبيّ والإخبات والخضوع لها، إذ الولاية مجموع كلّ من التصديق والطاعة، حيث تضمن الميثاق على النبيّين، ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ) (6) ، وقد عُبّر عن الاستفتاح به صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً بقوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (7) أي أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يستمطر به كلّ رحمة لكلّ

____________________

1) سورة المنافقين: 5.

2) سورة التوبة: 62.

3) سورة التوبة: 24.

4) سورة النساء: 100.

5) سورة الأعراف: 40.

6) سورة آل عمران: 81.

7) سورة الأنبياء: 107.

١٧٠

عالم من العوالم والنشآت، فهو باب اللَّه الأعظم الذي تجري منه الرحمة الإلهية، وقد قَرَن اللَّه تعالى ولايته بولايته، فقيّد جلَّ آيات الأمر بطاعة اللَّه بطاعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجعل التمرّد على ولاية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عين التمرّد على ولاية اللَّه وطاعته.

كما قرن طاعته وطاعة رسوله بطاعة أُولي الأمر، حيث قال تعالى: ( أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (1) ، فجعل باب النبيّ هو أهل بيته، وباب طاعة النبيّ طاعة أهل بيته، وباب حبّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حبّ أهل بيته، وباب الهجرة إلى النبيّ الهجرة إلى أهل بيته، وباب رضا النبيّ رضا أهل بيته، وقد أوضح أصحاب هذا الأمر أنّهم الذين يتنزّل عليهم الأمر في ليلة القدر في كلّ عام إلى يوم القيامة، حيث قال تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) (2) وقال تعالى: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (3) ، وقال تعالى: ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (4) .

فالأمر هذا هو روح القدس، وأصحابه هم الذين يتنزّل عليهم هذا الروح في ليلة القدر، كما سيأتي تفصيله في الفصل السابع. وأنّهم أصحاب علم الكتاب المطهّرون في هذه الأُمّة بشهادة آية التطهير وهم أهل البيت عليهم‌السلام .

فَقَرن طاعتهم عليهم‌السلام بطاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وولايتهم عليهم‌السلام بولايته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقتضي إرادتهم من لفظ الآيات في قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ... ) (5) .

تبيّن ممّا مرّ أنّ التصديق بالآيات والتوجّه والخضوع لها عبارة عن التسليم

____________________

1) سورة النساء: 59.

2) سورة القدر: 4.

3) سورة الدخان: 2 - 6.

4) سورة غافر: 15.

5) سورة الأعراف: 40.

١٧١

لولايتهم؛ لأنّ مقتضى كلّ من كون التسليم لولاية الآيات مفتاح أبواب السماء، مع جعل النبيّ استفتاحاً في شرائع الأنبياء يُستفتح به، وإطلاق الآية على النبيّ عيسى.

هذه الأُمور الثلاثة، وغيرها من الشواهد المتقدمة، نظير ما مرّ من أن الآية التي يصدّق بها هو صاحب المنصب الإلهي الذي يخبِر عن اللَّه تعالى، لا الآية التكوينية - فإنّ التعبير عنها ورد وهم عنها غافلون -، وكذا ما تقدّم من إطلاق الكلمات على النبيّ وأهل بيته، كلّ ذلك يقتضي إرادة سيد الأنبياء من تلك الآيات، وولاية أهل بيته، الذين قرنت ولايتهم بولايته، وأنّ أهل البيت هم الباب لسيد الأنبياء.

وقد ورد في أحاديث الفريقين أنّ عليّاً باب مدينة الرسول: (أنا مدينة العلم وعليّ بابها) (1) ، وقد نزّلت آية المُباهلةُ عليّاً بمنزلة نفس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ذلك في قوله تعالى: ( وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) (2) .

فحقيقة الطاعة للرسول وأُولي الأمر الخضوعُ والتسليمُ والانقيادُ والتعظيم له ولهم سلام اللَّه عليهم، وقد تقدّم أنّ الكلمات التي تلقّاها آدم - من نصوص الفريقين - منها اسم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فيتبيّن من ذلك: أنّ هناك أسماء أُخرى توجّه بها آدم ليتوب اللَّه بها عليه، كذلك في الكلمات التي امْتُحِن بها إبراهيم لنيل مقام الإمامة، الامتحان كان بكلمات، لا بكلمة واحدة، وأنّ هناك جناس في لفظ (الكلمات) في قصّة آدم وإبراهيم عليهما‌السلام ، فهناك أسماء مقرونة مع اسم النبيّ، وولايتها مقرونة بولاية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعسى من تكون تلك الأسماء غير أهل بيته الذين قُرنوا به في جملة المقامات الإلهية، كآية

____________________

1) قد عقد صاحب العبقات مجلّداً كاملاً في إثبات تواتر الحديث في مصادر العامّة، فضلاً عن طرق الخاصّة، لاحظ: خلاصة عبقات الأنوار، ج 1.

2) سورة آل عمران: 61.

١٧٢

الطاعة والولاية، وآية التطهير، وآية الاحتجاج في المُباهلة، وآية شهادة الأعمال في قوله تعالى: ( هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ) (1) ، فهؤلاء الشهداء على جميع الناس هم من نسل إبراهيم، وعلى ملّة أبيهم إبراهيم، وقُرنوا مع النبيّ في الشهادة، إلاّ أنّ النبيّ شاهد عليهم.

وهم الذرّية، كما دعا إبراهيم ربّه أن تكون الإمامة في ذرّيته: ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (2 ، فهم المقصودون من قوله تعالى: ( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) (3) ، فيُتوجّه بهم إلى رسول اللَّه وإلى اللَّه تعالى، كما يتوجّه بالرسول إلى اللَّه، وقد قال تعالى: ( قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (4) ، وقال تعالى: ( قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) (5) ، وقال تعالى: ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إلاّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ) (6) .

فبيّن تعالى أنّ مودّتهم وتولّيهم وولايتهم نفعها عائد إلى الأُمّة نفسها؛ وذلك لأنّ مودّة وولاية أهل البيت السبيل والوسيلة إلى اللَّه تعالى، فهذه الآيات بمنزلة مفاد آية الوسيلة مع تعيين لهوية الوسيلة، ومن ثمّ ورد في الزيارة الجامعة: (ومن وحّده قَبِل عنكم، ومن قصده توجّه بكم) (7) وهذه الفقرة إشارة إلى القواعد الثلاثة.

____________________

1) سورة الحج: 78.

2) سورة البقرة: 124.

3) سورة التوبة: 105.

4) سورة الشورى: 23.

5) سورة سبأ: 47.

6) سورة الفرقان: 57.

7) من لا يحضره الفقيه للصدوق، ج2، ص 615.

١٧٣

١٧٤

بقاء جميع الكتب السماوية بهم عليهم‌السلام

لكونهم دعاته تعالى إلى كتبه

إنّ إحدى مقاماتهم عليهم‌السلام في الديانة الإلهية هو كونهم دعاة اللَّه إلى جميع كتبه وصحفه السماوية المُنزّلة، وهم حفظة تلك الودائع؛ إذ قد تبيّن من المقالة السابقة (1) :

إنّ الدين عند اللَّه واحد وهو الإسلام ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإِسْلاَمُ ) (2) ، وهو الذي بُعث به جميع الأنبياء والرسل من آدم عليه‌السلام إلى النبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّ الاختلاف بين بعثات الأنبياء إنّما هو في الشرائع، حيث قال تعالى: ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ) (3) .

والدين عبارة عن مجموعة من العقائد الحقّة، وأركان الفروع وأُصول الواجبات والمحرّمات. وأمّا الشريعة، فهي تفاصيل التشريعات الفرعية. وإذا تبيّنت هذه النقطة - وتبيّن لك من أنّ الصحف والكتب السماوية المنزّلة في جملة وعمدة ما اشتملت عليه هو في العقائد وأركان الفروع، وشطر يسير منها في الشريعة وتفاصيل الفروع - فيتبيّن من ذلك: أنّ الجملة الغالبة ممّا اشتملت عليه تلك الكتب غير منسوخ بل ثابت وماضٍ إلى يوم القيامة؛ لأنّه لا نسخ في الدين ودائرته وهو الإسلام، وإنّما

____________________

1) ولاية عليّ في الشرائع السابقة.

2) سورة آل عمران: 19.

3) سورة المائدة: 48.

١٧٥

النسخ في شرائع الأنبياء السابقين، وبالتالي يلزم الإيمان والتصديق بتلك الكتب والتقيّد بما فيها، ممّا كان من دائرة الدين، لا من دائرة الشريعة المنسوخة، كما قال تعالى: ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِالله وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ) (1) ، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِالله وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ) (2) .

لكن لا النُّسَخ المحرّفة عند أتباع وأُمم الأنبياء، بل النُّسَخ المصونة عن التحريف، المُودعة كمواريث عند الأوصياء وهم أهل بيت النبوّة عليهم‌السلام ، كما سيتبيّن من الآيات الآتية، ومن ثمّ يتجلّى بقاء قدسية الكتب والصحف السماوية غير المحرّفة لوحدة الدين عند أصحاب الكتب، وهم الأنبياء والرسل المبعوثون بها.

غاية الأمر أنّ بين الكتب السماوية تمايز من جهة أُخرى، وهو أنّ المعارف العقائدية في كلّ كتاب دائرتها بحسب مقام ودرجة ذلك النبيّ، قال تعالى: ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) (3) ، وقال تعالى: ( وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ ) (4) ، وقال تعالى: ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) (5) ، فالعقائد والمعارف الواردة في الكتب الإلهية وإن لم يكن فيها تبدّل أو تغيير، ولا هي قابلة للنسخ، إلاّ أنّ كلّ نبيّ وكلّ كتاب يُبعث به يمتاز عن الآخر في سعة ما يُنبئَهُ وضيقه وعمقه وتوسّطه، بحسب مقام ذلك النبيّ ودرجة كتابه الذي تلقّاه عن اللَّه تعالى. فخاتم الأنبياء حيث كان سيدهم كان كتابه أُمّ الكتب الإلهية والجامع لِما فيها

____________________

1) سورة البقرة: 285.

2) سورة النساء: 136.

3) سورة البقرة: 253.

4) سورة الإسراء: 55.

5) سورة المائدة: 48.

١٧٦

والمهيمن عليها، إلاّ أنّ كلّ ذلك لا يَسلب ولا يُفقد الكتب الإلهية - غير المحرّفة - الأُخرى قدسيتها وحقانيتها، ولا درجات مواقعها التي هي فيها، ومن ثمّ نجد إشادة القرآن الكريم ومديحه لها، كما قال تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) (1) .

وقال تعالى: ( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ الله ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ الله وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) (2) .

وقال تعالى في سياق ما سبق: ( وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ * وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ الله فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ الله وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ) (3) .

وقال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ... ) (4) ، ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) (5) ، وقال تعالى: ( إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ

____________________

1) سورة الأعلى: 14 - 19.

2) سورة المائدة: 43 - 43.

3) سورة المائدة: 46 - 48.

4) سورة المائدة: 66.

5) سورة المائدة: 68.

١٧٧

وَالْقُرْآنِ ) (1) ...، وغيرها من الآيات.

ومع هذه الموقعية للكتب والصحف المنزلة السابقة، وتأكيد الباري تعالى على الإيمان بها، فلا يمكن أن تذهب سدى أدراج الرياح، بل لابدَّ أن تكون محفوظة مودَعة عند من أودِع علم القرآن عندهم، حيث إنّ الكتب والصحف المنزلة السابقة كلّها كأجزاء متنزّلة من الكتاب المبين الذي هو أصل حقيقة القرآن، وقد أسند القرآن الكريم علم الكتاب كلّه والكتاب المبين إلى أهل البيت المطهّرين. فها هنا نقطتان لابدّ من بيانهما:

الأُولى: كون الكتب والصحف المنزلة السابقة هي أبعاض وأجزاء متنزّلة من الكتاب المبيّن المكنون، فقد قال تعالى في شأن موسى عليه‌السلام : ( وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (2) ، وقال تعالى في شأن عيسى عليه‌السلام : ( وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ) (3) ، وقال تعالى في شأن عموم الأنبياء: ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ الله الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ الله وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ) (4) ، فجعل الكتاب مقابل الفرقان والتوراة والإنجيل، وكذلك في مقابل الحُكْم والنبوّة، مع أنّ عنوان الكتاب قد أُطلق على التوراة والإنجيل وغيرها من الكتب المنزلة، كما قال تعالى: ( ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ) (5) ، وقال تعالى: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ) (6) .

وقد أطلق على أتباع موسى وعيسى عنوان أهل الكتاب، وعنوان الذين أوتوا

____________________

1) سورة التوبة: 111.

2) سورة البقرة: 53.

3) سورة المائدة: 110.

4) سورة آل عمران: 79.

5) سورة الأنعام: 154.

6) سورة هود: 110.

١٧٨

الكتاب كراراً في مواضع كثيرة في السور القرآنية، والذي أوتوه هو التوراة والإنجيل، فأُطلق اسم الكتاب عليهما، نظير ذلك قوله تعالى: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ) (1) ، وفي مواضع أُخرى من القرآن قد وصف الفرقان أو التوراة أو الإنجيل بأنّه بعض الكتاب لا كلّه، كما في قوله تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً ِ ) (2) .

وكرّر هذا التعبير في سورة النساء مرّتين (3) ، ووصفت التوراة في قوله تعالى: ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (4) ، فلم يكتب فيها كلّ شي‏ء، بل من كلّ شي‏ء، وقال تعالى عن وصي سليمان آصف بن برخيا: ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (5) ، فوصف علمه الذي ورثه من سليمان بأنّه علم من بعض الكتاب.

وقال تعالى في شأن الإنجيل وعيسى عليه‌السلام : ( قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) (6) ، أنّ فيه بيان بعض ما يختلف فيه بنو إسرائيل، لا بيان كلّ ما يختلفون فيه، مع أنّ القرآن قد وصف بأنّه بيان لكلّ شي‏ء، فقال تعالى: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (7) .

فتحصّل: أنّ الكتب والصحف المتنزّلة السابقة، وإن كانت هي من الكتاب، إلاّ أنّها أبعاضٌ وأجزاء له لا تمامه، بخلاف القرآن الكريم؛ حيث يقول الباري: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) ، وقال تعالى: ( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ الله وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ

____________________

1) سورة الجاثية: 16.

2) سورة آل عمران: 23.

3) سورة النساء: 44 و 51.

4) سورة الأعراف: 145.

5) سورة النمل: 40.

6) سورة الزخرف: 63.

7) سورة النحل: 89.

١٧٩

الْعَالَمِينَ ) (1) .

والكتاب، والكتاب المبين، والكتاب المكنون، هو وجود عُلويٌّ غيبي، قد وصف بأوصاف عديدة، كما في قوله: ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) (2) ، فالقرآن النازل هو تنزيل للكتاب المبين، وقال تعالى: ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (3) ، فالقرآن المتنزّل في الصورة العربية هو إنزال للكتاب المبين، والقرآن له وجود علوي الذي هو أُمّ الكتاب.

قال تعالى: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) (4) ، فوصف القرآن بوجود علوي في الكتاب المكنون، وأنّ القرآن النازل هو تنزيل لذلك الوجود العلوي، وقال تعالى: ( طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ) (5) ، وقال تعالى: ( الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ ) (6) ، وقال تعالى: ( ... وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (7) ، وقال تعالى: ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (8) .

النقطة الثانية: بيّن تعالى في القرآن الكريم أنّ أهل البيت عليهم‌السلام يمسُّون الكتاب المكنون كما مرّ في الآية في سورة الواقعة؛ إذ هم أهل آية التطهير المطهّرون دون سائر الأُمّة، وفرقٌ بين المطهّر ذاتاً وخلقةً والمتطهّر بالوضوء

____________________

1) سورة يونس: 37.

2) سورة الدخان: 1 - 3.

3) سورة الزخرف: 1 - 4.

4) سورة الواقعة: 77 - 80.

5) سورة النمل: 1.

6) سورة الحجر: 1.

7) سورة يونس: 61.

8) سورة الأنعام: 59.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592