الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية0%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الإمامة الإلهية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الصفحات: 592
المشاهدات: 133687
تحميل: 7973


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133687 / تحميل: 7973
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والغسل.

وكذا أشار إليه تعالى في سورة الرعد: ( كَفَى بِالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) (1) ، وهي السورة المكّية التي نزلت في عليّ، وكذا قوله تعالى: ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (2) ، وقال تعالى: ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (3) .

فبيّن تعالى أنّ في هذه الأُمّة ثلّة تعلم تأويل الكتاب كلّه؛ لعلمهم بمحكمات الكتاب التي هي أُمّ الكتاب، فيعلمون أُمّ الكتاب فضلاً عن الكتاب المبين. والقرآن بتمامه آيات بيّنات في صدورهم، فلا يشكل عليهم شي‏ء منه، ولا يكون شي‏ء منه متشابهاً عليهم، ولأجل ذلك يعلمون الذي تشابه على غيرهم من الكتاب، وهو لديهم بيّن.

وقد دلّلت سور الرعد والأحزاب والواقعة على أنّ أهل بيت النبوّة هم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون، الذي هو حقيقة القرآن العلوية، وهو الكتاب المبين، فمن ثَمّ لديهم علم الكتاب كلّه لا علم بعضٍ من الكتاب، كما أشارت إلى ذلك سورة الرعد النازلة في علي عليه‌السلام ، وغيرها.

وإذا تبيّنت هاتان النقطتان، يتبيّن أنّ أهل بيت النبوّة حيث يحيطون بالكتاب والكتاب المبين علماً، فهم يحيطون علماً بكلّ الكتب والصحف المنزلة السابقة، وهم حفظتها، فهم الدعاة إلى كتب اللَّه المنزلة، كما جاء في الزيارة الجامعة التي رواها ابن طاووس في مصباح الزائر: (أشهدُ أنكم أبواب اللَّه، ومفاتيح رحمته، ومقاليد مغفرته، وسحائب رضوانه، ومصابيح جنانه، وحملة فُرقانه، وخزنة علمه، وحفظة سرّه

____________________

1) سورة الرعد: 43.

2) سورة العنكبوت: 49.

3) سورة آل عمران: 7.

١٨١

ومهبط وحيه، وعندكم أمانات النبوّة وودائع الرسالة، أنتم أُمناء اللَّه وأحبّاؤه، وعباده وأصفياءه، وأنصار توحيده، وأركان تمجيده، ودعاته إلى كتبه، وحَرَسة خلائقه، وحفظة ودائعه).

وفي زيارة الإمام الكاظم عليه‌السلام : (... وحامل التوراة والإنجيل...).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة في صفة آل محمّد: (هم موضع سرّه، ولجأ أمره، وعيبة علمه، وموئل حكمه، وكهف كتبه، وجبال دينه).

وفي صحيح هشام بن الحكم في حديث بريه: (أنّه لمّا جاء معه إلى أبي عبد اللَّه عليه‌السلام فلقي أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، فحكى له هشام الحكاية، فلمّا فرغ قال أبو الحسن عليه‌السلام لبريه: يا بريه، كيف علمك بكتاب اللَّه؟ قال: أنا به عالم. ثمّ قال: كيف ثقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي فيه. قال: فابتدأ أبو الحسن عليه‌السلام يقرأ الإنجيل. فقال بريه: إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك... قال أبو عبد اللَّه عليه‌السلام : ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . فقال بريه: أنّى لكم التوراة، والإنجيل، وكتب الأنبياء؟ قال: هي عندنا وراثة من عندهم، نقرؤها كما قرؤوها، ونقولها كما قالوا، إنّ اللَّه لا يجعل حجّة في أرضه يُسأل عن شي‏ء فيقول: لا أعلم) (1) .

وينبّهنا إلى ما تقدّم من الآيات ونسق الارتباط في دلالتها الموصل إلى تلك النتيجة ما رواه الشيخ المفيد في الاختصاص، من مسائل عبد اللَّه بن سلام للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (... صدقت يا محمّد فاخبرني إلى ما تدعو؟ قال: إلى الإسلام والإيمان باللَّه. قال: وما الإسلام؟ قال: شهادة أن لا إله إلاّ اللَّه وحده لا شريك له... قال: وما دين اللَّه؟ قال: الإسلام. قال: وبه دان النبيّون من قبلك؟ قال: نعم. قال: فالشرائع؟ قال: كانت مختلفة وقد مضت سنّة الأوّلين. قال: صدقت) (2) .

____________________

1) الكافي، ج1، ص 227.

2) الاختصاص، للشيخ المفيد، ص43.

١٨٢

والرواية صريحة بأنّ الدين واحد، من آدم عليه‌السلام إلى النبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما التغاير في الشرائع والمنهاج، وهي تفاصيل الفروع، كما أنّها تشير إلى أنّ الشهادتين هما من أُمّهات أُصول الديانة الإسلامية التي بُعث بها الأنبياء، وأنّ الإقرار بخاتم النبيّين يتلو التوحيد في أُصول الديانة الواحدة بين النبيّين، والترتيب في أُصول الدين لا يختلف ولا يتخلّف بين نبيّ وآخر؛ لأنّ الدين واحد كما اتّضح.

وأُصول المعرفة الدينية ليست إلاّ حقائق واقعية يؤمن بها الإنسان، بل يجب أن يؤمن بها؛ فسلسلة مراتب أُصول الديانة تُنبّئ عن موقعية كلّ أصل وأهمّيته وخطورته في الدين الواحد. فمن ثمّ الترتيب في أُصول دين الإسلام الذي بُعث به خاتم النبيّين هو بعينه قد بُعث به جميع الأنبياء والمرسلين، ومن ثمّ فسيادة خاتم النبيّين على الرسل أصل إيماني في الدين الواحد قد أُخذ الإقرار به في الدين الذي بُعث به جميع الأنبياء، كما يشير إلى هذه الحقيقة قوله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) (1) .

وفي رواية عبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام قال: (أوصى موسى عليه‌السلام إلى يوشع بن نون، وأوصى يوشع بن نون إلى ولد هارون، ولم يوصِ إلى ولده، ولا إلى ولد موسى؛ إنّ اللَّه تعالى له الخيرة يختار من يشاء ممّن يشاء. وبشّر موسى ويوشع بالمسيح عليهم‌السلام .

فلمّا أن بعث اللَّه عزّ وجلّ المسيح قال المسيح عليه‌السلام لهم: إنّه سوف يأتي من بعدي نبيّ اسمه أحمد، من ولد إسماعيل عليه‌السلام ، يجي‏ء بتصديقي وتصديقكم، وعذري وعذركم،

____________________

1) سورة آل عمران: 81.

١٨٣

وجرت من بعده في الحواريين في المستحفظين، وإنّما سمّاهم اللَّه المستحفظين؛ لأنّهم استحفظوا الاسم الأكبر، وهو الكتاب الذي يُعلم به علم كلّ شي‏ء، الذي كان مع الأنبياء صلوات اللَّه عليهم، يقول اللَّه تعالى: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ... ) (1) ، ( ... وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ) (2) .

الكتاب: الاسم الأكبر، وإنّما عُرف ممّا يُدعى الكتاب التوراة والإنجيل والفرقان، فيها كتاب نوح وفيها كتاب صالح وشعيب وإبراهيم عليهم‌السلام ، فأخبر اللَّه عزّ وجلّ: ( إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) (3) ، فأين صحف إبراهيم؟ إنّما صحف إبراهيم الاسم الأكبر، وصحف موسى الاسم الأكبر، فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتّى دفعوها إلى محمّد صلّى الله عليه وآله. .. ) (4) .

وفي الرواية دلالة واضحة على أنّ الكتاب العلوي، ذا الوجود الغيبي الذي هو الاسم الأكبر، يتوفّر على جميع الكتب السماوية المنزلة، وأنّها متنزّلة منه، غاية الأمر أنّ إحاطة كلّ نبي وأوصيائه تختلف عن إحاطة النبيّ الآخر وأوصيائه، ومن ثمّ اختلفت الكتب المنزلة عليهم.

وحيث كانت إحاطة الرسول الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله أتمّ إحاطة بالكتاب المبين والكتاب المكنون، كان الكتاب المنزل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الكتاب المهيمن على جميع الكتب، ففي جملة من الروايات عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال: (إنّ عيسى بن مريم عليه‌السلام أُعطي حرفين كان يعمل بهما، وأُعطي موسى أربعة أحرف، وأُعطي إبراهيم ثمانية أحرف، وأُعطي نوح خمسة عشر حرفاً، وأُعطي آدم عليه‌السلام خمسة وعشرين حرفاً، وإنّ اللَّه تعالى جمع ذلك كلّه لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّ اسم اللَّه الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً، أُعطي لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنين وسبعين حرفاً وحُجب عنه حرف

____________________

1) سورة الرعد: 38.

2) سورة الحديد: 25.

3) سورة الأعلى: 19.

4) الكافي، ج1، ص293.

١٨٤

واحد) (1) .

ومن كلّ ما تقدّم يظهر: شطط ما قيل: (كان مذهب جماهير السلف والأئمّة أنّ شَرْعَ من قبلنا شَرْعٌ لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، ومن حكم بالشرع المنسوخ فلم يحكم بما أنزل اللَّه في القرآن وفيه الناسخ والمنسوخ، فهكذا القول في جنس الكتب، قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ . .. مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا (2) ) (3) .

حيث لم يفرّق بين دائرة الدين الواحد، الذي بُعث به جميع الأنبياء والذي لا نسخ فيه بل تكامل وزيادة بيان، وبين الشريعة والمنهاج الذي هو محلّ النسخ، وتخيل أنّ ما تضمّنته الكتب السماوية المنُزلة يقتصر على الشريعة، فهل التوحيد الذي تضمّنته الكتب السماوية قابل للنسخ؟ وكيف حال المعاد كذلك، وكذلك نبوّة الأنبياء؟ مضافاً إلى ما بشّرت به بنبوّة الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما أنبئَت به من الآخرة والجنّة والنار، والعوالم، ومطلق المعارف الاعتقادية، هل هو قابل للنسخ؟!

لكن، لا عجب في الوقوع في مثل هذا الخلط؛ لمن ترك التمسّك بالثقلين اللذين أمر بهما النبيّ (صلّى الله عليه وآله، ولا يخفى أنّ هذا القائل قد أسقط في استشهاده تمام الآية؛ لأنّه مناقض لدعواه، إذ لفظها: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) ، فأسقط وصف ( مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ ) ، وليس في الآية لكلّ منكم جعلنا ديناً، بل قال تعالى: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِْسْلامُ ) (4) ، فلاحظ ما تقدّم في صدر المقالة.

____________________

1) الكافي، ج1، ص230.

2) سورة المائدة: 48.

3) التفسير الكبير، لابن تيمية، ج4، ص 108.

4) سورة آل عمران: 19.

١٨٥

١٨٦

العصمة النوعية

الولاية والإمامة النوعية

المعروف لدى مذاهب الصوفية القول بالإمامة النوعية، سواء على صعيد المقام الباطني وهي الإمامة المَلَكُوتية، أو على صعيد الإمامة في مقام الظاهر وهي الإمامة السياسية، ويستدلّون لكون الولاية المطلقة نوعية لعموم أفراد الحقيقة الإنسانية، وكون الباب مفتوحاً لكلّ سالك واصل، أنّه يؤهّل لمقام الخلافة العظمى الإلهية إذا طوى منازل السائرين إلى اللَّه، ويستدلّون لذلك بوجوهٍ: نقلية، وعقلية، وكشفية :

أمّا النقلية:

فبالعمومات الواردة في الكتاب والسنّة، مثل قوله تعالى: ( وَاتَّقُواْ الله وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ ) (1) ، وقوله تعالى: ( يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ) (2) ، وقوله تعالى: ( وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) (3) ، وقوله تعالى: ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) (4) ، وقوله تعالى: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (5) .

ومن السنّة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (اتّقوا فراسة المؤمن؛ فإنّه ينظر بنور اللَّه) (6) . وما ورد في الحديث: (إنّ اللَّه جلّ جلاله قال: ما يتقرّب إليّ عبد من عبادي بشي‏ء أحبّ إليّ ممّا

____________________

1) سورة البقرة: 282.

2) سورة الأنفال: 29.

3) سورة البقرة: 269.

4) سورة يوسف: 22.

5) سورة الحجرات: 13.

6) الكافي، ج1، ص 218.

١٨٧

افترضتُ عليه، وأنّه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته) (1) .

وكذلك حديث قرب الفرائض، وكذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من أخلص للَّه أربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) (2) .

فكلّ هذه الآيات والأحاديث دالّة على أنّ أبواب السلوك والسير والمقامات مفتوحة لجميع أفراد البشرية، كمقام الإحسان، ومقام التقوى، وباب الحكمة والعلم والفرقان، وغيرها من أبواب ولاية اللَّه، فمن أدّى الفرائض وأقامها بحدّها كان عين اللَّه، وسمع اللَّه، وجنب اللَّه، ولسان اللَّه... فضلاً عن مقام قرب النوافل، بل يستطيع الوصول إلى مقام الخلافة الإلهية العظمى، فيكون خليفة اللَّه في أرضه وصاحب الولاية المطلقة.

أمّا الدليل العقلي:

فلأنّ العقل لا يحيل وقوع الكمالات الممكنة للماهية الإنسانية في أيّ فرد من أفرادها بعد إمكان توفّر الشرائط الحاصلة بالإرادة الاختيارية، وأنّ فيض الذات الأزلية على استواء مع الذوات القابلة الإمكانية.

أمّا دليل الكشف فيُقرّر بوجوه:

منها: فلأنّ الأسماء الإلهية تطلب الظهور من خلال مظاهر ومجالي، وقد قُرّر في محلّه أنّ مجمع الأسماء هو الحقيقة الإنسانية، وهو مظهر الاسم الجامع وصراط الحقيقة الإنسانية، هو السبيل لظهور جميع الكمالات الأسمائية، ومن ثمّ

____________________

1) الوسائل، أبواب أعداد الفرائض، باب 17، حديث 6.

2) نهج الفصاحة، ج2، ص534.

١٨٨

استحقّ أن يكون خليفة دون بقية الممكنات.

ومنها: إنّ كلّ موجود له إضافة من الجهة التي تلي الربّ، كما قيل إنّ الطرق إلى اللَّه بعدد أنفاس الخلائق، فكلّ ممكن، وإن كان في سلسلة التجلّيات والظهورات والصدور والإفاضة، يتوسّط بينه وبين الذات الربوبية الوسائط الإمكانية، إلاّ أنّ هذا من الجهة التي تلي الخلق، لا من الجهة التي تلي الربّ، فلكلّ موجود ظهر وبطن، وظهره وإن كان محجوباً بوسائط إلاّ أنّ بطنه لا حجاب بينه وبين الواجب.

وأمّا مذهب الإمامية، فإنّ عقيدتهم أنّ الإمامة محصورة في عدد الاثني عشر، والولاية المطلقة محصورة بهم بعد خاتم النبيّين، وكذلك الخلافة الإلهية، استدلّوا على ذلك بالنصوص المتظافرة القرآنية والأحاديث النبوية، وملأوا في ذلك أسفاراً من الكتب.

إلاّ أنّنا نذكر نبذة ممّا له صلة خاصّة في المقام، ممّا نُصّ فيه على أنّ هذه المقامات الخاصّة الإلهية ليست كسبية في دار الدنيا وغيرها من النشآت، بل هي وهْبِية اصطفائية في هذه الدار، وأنّها محصورة بذلك العدد.

أمّا الدليل النقلي :

كقوله تعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1) ، فدلّت الآية - كما بسّط ذلك علماء الإمامية في كتب التفسير والكلام - أنّ الذي تقع منه المعصية ظالم لنفسه، في بدء كتابة التكليف عليه أو في طول عمره ونهايته، لا يتأهّل لإعطاء الإمامة ولا تكون له قابلية لنيل هذا العهد الإلهي، فلابدّ أن تكون ذاته مطهّرة معصومة من البدو إلى الختم، وهذه القابلية في الذات لا تكون كسبية.

____________________

1) سورة البقرة: 124.

١٨٩

وكقوله تعالى: ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ الله الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللهِ ) (1) ، فتنفي الآية قابلية الفرد البشري لحمل النبوة أو الإمامة أو الحجّية على الخلق إذا لم تكن ذاته مأمونة عن الوقوع في الزيغ والانحراف. فالتعبير في الآية الكريمة ليس ما كان ليؤتيه النبوّة، أي ليست في صدد نفي السنّة الإلهية والإفاضة منه تعالى، بل التعبير في صَدد نفي الإمكانية والقابلية: ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ ) .

وكذلك هنا طائفة من الآيات تُدلّل على أنّ الإمامة في نسل إبراهيم وذرّيته وعقبه، باقيةً إلى يوم القيامة، كقوله تعالى: ( نَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) (2) ، وقوله تعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ * وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ * وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ الله اصْطَفَى لَكُمُ

____________________

1) سورة آل عمران: 79.

2) سورة آل عمران: 33 - 34.

١٩٠

الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (1) .

فمجموع هذه الآيات تدلّ على دعاء إبراهيم في أن تكون الإمامة في ذرّيته، وعلى استجابة ذلك الدعاء، وبقاء أُمّة مسلمة في ذرّيته لم تنجسّهم الجاهلية بأنجاسها وأرجاسها، ولم تُلبسهم من مُدْلَهِمّات ثيابها، وأنّ إمامتهم هي وصية إبراهيم في بنيه، وهي اصطفاء اللَّه لهم.

وممّا يشير إلى توارث الإمامة بالإرث الإلهي، في خصوص نسل وعقب إبراهيم في هذه الأُمّة دون غيرهم، قوله تعالى: ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) (2) .

فتشير الآية إلى أنّ من نسل إبراهيم عليه‌السلام أُمّة تكون شهداء على الناس والرسول عليهم شهيداً، ومقام الشهادة على الناس أجمعين لا يمكن أن يرقى إليه إلاّ من تحلّى بالعصمة علماً وعملاً؛ وإلاّ فغير المعصوم من الزلل والخطل، والجهل والضلال، حقيقٌ أن يُشهَد عليه لا أن يَشهد على الناس.

فهذه الأُمّة المسلمة، الموحّدة، المعصومة، الشاهدة على الناس، أبوها إبراهيم وهي من ذرّيته، وهي المشار إليها في قوله تعالى: ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) (3) ، أي أُخرجت من عقب إبراهيم عليه‌السلام ،

____________________

1) سورة البقرة: 133.

2) سورة الحج: 78.

3) سورة آل عمران: 110.

١٩١

وكذلك قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (1) .

وليس المراد بالأُمّة الوسط الأُمّة الإسلامية جمعاء؛ فإنّ فيها من لا تُقبل شهادته على بقلة خُضار، فكيف يشهد على جميع أعمال الناس يوم يقوم الأشهاد؟ ومن أين له العلم والإحاطة بأعمال الناس، كي يقوم بأداء الشهادة يوم الحساب؟

فهذه الأُمّة الوسط هي التي أُشير إليها في آخر سورة الحجّ في قوله تعالى: ( مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ) (2) ، وهي الذرّية التي دعا إبراهيم بأن تكون مسلمةً في قوله: ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً ) (3) ، والتي دعا ربّه أن يجعل الإمامة فيها في قوله تعالى: ( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ) (4) ، وهي التي دعا إليها إبراهيم في قوله تعالى:

( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى الله مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء * الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء ) (5) .

وهذه الذرّية هي التي سلّم اللَّه عليها في قوله تعالى: ( سَلامٌ عَلَى إِلْ

____________________

1) سورة البقرة: 143.

2) سورة الحج: 78.

3) سورة البقرة: 128.

4) سورة البقرة: 124.

5) سورة إبراهيم: 40.

١٩٢

يَاسِينَ ) (1) ، أي آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ ياسين اسم للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاه به القرآن الكريم في سورة يس، وهم الذين نزلت فيهم آية التطهير في قوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً ) (2) .

وقوله تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ ) (3) ، والآية باتّفاق جمهور المفسّرين ونصوص الفريقين (4) ، نزلت في عليّ عليه‌السلام ، وهي نصّ في حصر الولاية المطلقة في اللَّه تعالى، ثمّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ عليّ عليه‌السلام .

وهذا ينافي، أو يتنافى، مع نظرية الصوفية؛ من دعوى الولاية والإمامة النوعية، فإنّه على وفق تلك النظرية لا وجه للحصر في أيّ زمن من الأزمان، حتّى زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والزمن الذي يليه.

وبعبارة أُخرى: إنّه على نظرية الإمامة النوعية لا حصر لها على صعيد النظرية والتنظير، وإن كان القطب أو قطب الأقطاب، ذو الولاية العامّة يتعاقب على هذا المقام واحداً تلو آخر، وأمّا على صعيد الإمكان والتنظير، أو التعاقب الزمني، فلا حصر بل هو شِرعةٌ لكلّ وارد، واحد بعد آخر.

____________________

1) سورة الصافات: 130. كما في قراءة: نافع، وابن عامر، ويعقوب، ورويس، والأعرج، وشيبة، وزيد بن علي، وعبد اللَّه، لاحظ: معجم القراءات القرآنية، ج5، ص246، فقد ذكرها عن ستّة عشر مصدراً من كتب القراءات، ورواه جملة آخرون عن ابن عبّاس: كالسيوطي في الدرّ المنثور، ج5، ص136. والرازي في التفسير الكبير، ج26، ص162. والاسكافي، في شواهد التنزيل، ج2، ص109، والآلوسي، في روح المعاني، ج23، ص129، وتفسير الخازن، ج4، ص24.

2) سورة الأحزاب: 33.

3) سورة المائدة: 55 - 56.

4) أورد الجمهور في كتب الحديث، والكلام، والفقه، روايات كثيرة نصّوا على صحّتها والوثوق بها، فلاحظ ما ذكره: العلّامة الأميني في الغدير، ج2، ص25، والسيد شرف الدين في المراجعات، والنصّ والاجتهاد. والفيروزآبادي في الفضائل الخمس من الصحاح الستّة.

١٩٣

وكذلك قوله تعالى: ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِالله وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ) (1) .

وكذا قوله تعالى: ( مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ ) (2) .

فإنّ تخصيص الفي‏ء وضريبة الخمس بذوي القربى يعني: ملكية التدبير والتصرّف لهم؛ لموضع اللام في الآية، حيث أُضيفت إلى اللَّه ورسوله وذوي القربى دون الموارد الثلاثة الأُخرى؛ لبيان أنّ ملكية ولاية التدبير لهم عليهم‌السلام خاصّة إلى يوم الإشهاد، وأنّ الموارد الثلاثة الأخيرة مواردٌ للصرف، وهذا الحكم ثابت إلى يوم القيامة.

ولا يخفى أنّ ذلك يعني أنّ القدرة المالية المطلقة في دين الإسلام وأُمّة المسلمين إلى يوم القيامة هي لذوي القربى؛ لأنّ الفي‏ء كما مرّ هو مطلق المنابع المالية، والخمس الذي يعني 20% من مجموع أموال المسلمين، كلّ ذلك يشكّل سلطة وإقتدار مالي لا نظير له، وقد علّل هذه الصلاحية لهم عليهم‌السلام ؛ لأجل إرساء العدالة في الأُمّة الإسلامية ( كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ ) ؛ لأنّ سلطة المال يتمكّن بها من إرساء العدالة، ليس فقط في المجال المالي، بل كذلك في المجال السياسي والقضائي والحقوقي والأمني، وغيرها من الحقول.

الوجه النقلي في الأحاديث النبويّة:

هم الذين قال فيهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديث المتواتر: (إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعِترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً؛ فإنّهما لن يفترقا

____________________

1) سورة الأنفال: 41.

2) سورة الحشر: 7.

١٩٤

حتّى يردا عليّ الحوض) (1) ، فبيّن صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الحديث أنّ وراثة حقيقة القرآن إلى يوم القيامة والإمامة هي في العِترة دون غيرها.

ومثله حديث السفينة: (مَثَلُ أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نَجى، ومن تخلّف عنها هلك) (2) ، ومفاده: حصر النجاة بولايتهم، كما كان طريق النجاة من الطوفان منحصراً بركوب سفينة نوح.

وكذلك قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديث المتواتر: (لن يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً ظاهراً على من ناواه حتّى يملك اثنى عشر كلّهم من قريش) (3) ، وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت ذهبوا، وأهل بيتي أمان للأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض) (4) .

وهذا الحديث مفاده انحصار النجاة والولاية العامّة بأهل البيت عليهم‌السلام ، كما أنّ الحديث يشير إلى تأبيد حصر الأمان بهم إلى يوم القيامة؛ لمكان تشبيههم بالنجوم لأهل السماء، فإنّ أمان أهل السماء دوامه بدوام النجوم، وهذا موضع آخر لوجه التشبيه.

وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث النور الذي تقدّم: (كنت أنا وعليّ نوراً بين يدي اللَّه تعالى من قبل أن يُخلق الخلق بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق اللَّه تعالى آدم سلك ذلك

____________________

1) ورواه الترمذي في سننه، ج13، ص 200 - 201، باختلاف يسير في اللفظ. ومسلم في صحيحه، ج7، ص122 - 123. وأحمد في مسنده، ج3، ص14 و17 و26 و59، وكذا: ج4، ص366. والدارمي في سننه، ج2، ص432.

2) لم يذكر مصدره.[ هذا الكلام لمصحح الكتاب يجب أن يحذف ويذكر بدل عنه المصدر]

3) لاحظ: ملحقات إحقاق الحق، ج13، ص1 - 48.

4) صحيح مسند أحمد بن حنبل، ج4، ص 107 و ج6، ص 292، و ج1، ص 330، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة في باب فضائل اهل البيت، ونور الأبصار للشبنلجي، ص111، التاج الجامع للأصول، ج3، ص247.

١٩٥

النور في صلبه، فلم يزل اللَّه تعالى ينقله من صُلب إلى صُلب حتّى أقرّه في صُلب عبد المطّلب، ثمّ أخرجه من صلب عبد المطّلب فقسّمه قسمين، فجعل نوري في صُلب عبد اللَّه، ونور عليّ في صُلب أبي طالب، فعليّ منّي وأنا منه، لحمه لحمي، ودمه دمي، فمن أحبّه فيحبّني أحبّه فمن أبغضه فيبغضني أبغضه) (1) ، والحديث الشريف يدلّ على تخصيص الولاية العامّة والإمامة بالذوات النورية المخلوقة بخلق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ هذا المقام لابدّ أن يسبقه اصطفاء في العوالم السابقة من عالم النور والميثاق والذرّ والأصلاب والأرحام، فليس يُنال بالكسب الدنيوي المجرّد.

وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليقصد الباب) (2) .

الحديث السابع في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ضمن حديث تبليغ سورة البراءة: (لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ) (3) ، وتقريب الدلالة في مفاد هذا الحديث والحديث الذي سبقه هو ما تقدّم في آية حصر الولاية: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ

____________________

1) تقدّم مصادر الحديث، وأنّه متوافر عند العامّة فضلاً عن الخاصّة، في مقال بعنوان: (قاعدة بمعرفتهم بالخلقة النورية).

2) قد عقد صاحب العبقات السيد حامد اللكهنوي مجلّداً في‏ مصادر هذا الحديث وأثبت تواتره عند العامّة، فقد أخرجوه عمّا يزيد عن عشرة من الصحابة، ورواه عنهم ما يزيد على أربعة عشر تابعياً، ثمّ ذكر عدد الحفّاظ والمحدّثين الذين رووه في كلّ قرن قرن إلى القرن الثالث عشر، ثمّ ذكر عددَ مَن نصّ على صحّة الحديث ومن أرسله إرسال المسلمات. لاحظ: خلاصة عبقات الأنوار، ج 10.

3) مسند أحمد، ج2، ص164 - 165، بخمسة طرق، وخصائص النسائي:19 - 20 بطريقين، وصحيح البخاري، ج3، ص229، والتاج الجامع للأُصول، ج3، ص335، والصواعق المحرقة، ص74، وتاريخ الخلفاء، ص169، وسنن البيهقي، ج2، ص5، وصحيح الترمذي، ج2، ص297، ومجمع الزوائد، ج9، ص127، ومستدرك الحاكم، ج3، ص110، ومسند أبي داود، ج3، ص111، وكنز العمال، ج6، ص399.

١٩٦

الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) ، من حصر هذه المقامات بعليّ والعِترة، ولا ينسجم مع الولاية والإمامة النوعية في جميع الأزمان.

أمّا الدليل العقلي والكشفي:

فنقول:

إنّ مسألة كون العصمة وهبية إلهية، أو كسبية اختيارية، أو جبرية، هي من المسائل والقواعد المعرفية الحسّاسة الهامّة، إلاّ أنّه بعد إلقاء الضوء على هذه المسألة يتّضح عدم كون العصمة المعهودة للمقامات المتقدّمة ممّا يمكن أن تُكتسب في دار الدنيا، فلا تكون كسبية دنيوية.

وتوضيح ذلك: إنّ العصمة لها جهات اختيارية، وإن كان لها أيضاً جهات غير اختيارية، فمن تلك الجهات الاختيارية الأفعال الصادرة عن العصمة، فإنّها اختيارية؛ حيث إنّها تصدر عن علمٍ وقدرةٍ؛ إذ العلم اللدنّي الخاصّ الاصطفائي، والقدرة المتولّدة منه، تستتبع صدور الأفعال عنها، وكلّ فعل يصدر عن علم وقدرة فهو اختياري.

ومن الجهات الاختيارية في العصمة هي أصل العصمة، كملكةٍ أو جوهرٍ نوراني من سنخ العلم في الذوات المطهّرة، ومعنى الاختيارية في أصل العصمة ليس بمعنى إمكان اكتسابها في دار الدنيا بعد أن لم تكن، بل بمعانٍ أُخرى:

منها: ما أُشير إليه في صدر دعاء الندبة الشريف، عند قوله عليه‌السلام : (اللّهمّ لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك، الذين استخلَصتَهم لنفسك ودينك، إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوالَ له ولا اضمحلال، بعد أن شرطتَ عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزُخرفها وزِبرِجِها، فشرطوا لك ذلك، وعلمت منهم

____________________

1) سورة المائدة: 55.

١٩٧

الوفاء فقبلتهم وقرّبتهم، وقدّمت لهم الذكر العليّ، والثناء الجليّ، وأهبطت عليهم ملائكتَك، وكرّمتهم بوحيك ورَفدتهم بعلمك، وجعلتهم الذريعة إليك والوسيلة إلى رضوانك) (1) .

فبيّن عليه‌السلام أنّ العصمة المعطاة لهم والتي عبّر عنها عليه‌السلام بقوله: (فقبلتهم... وجعلتهم)، أي إهباط الوحي والملائكة عليهم، والإرفاد بالوحي اللدنّي وتقديم الذكر العلي، وغيرها من شؤون العصمة الوهبية، إنّما أعطاها الباري لهم منذ بدو نشأتهم؛ لعلمه تعالى بخصوصية في ذواتهم، وهي اشتراطهم وتعهّدهم بطاعة اللَّه من بدو تولّدهم إلى منتهى عمرهم في دار الدنيا، وزهدهم في كلّ درجات الدنيا وزخرفها وزبرجها.

وهذا نظير المعلّم الذي يتفرّس في بعض تلاميذه النبوغ والأهلية والقابلية والجدّ والاجتهاد منذ أوائل حقبة التعليم، فيولّيه عناية خاصّة تزيد على بقية الطلاب؛ لاستحقاق ذلك التلميذ وتأهّله بقابلية تفوق البقية، فيكون من الحكمة والجود أن يولّي المعلّم مزيد اهتمام ورعاية وتفقّد وتعليم لذلك التلميذ دون الآخرين، وذلك مثل الزارع إذا كانت له أنواع من قطع الأرضين، فواحدة خصبة حيّة منتعشة طيبة، وأُخرى متوسّطة معتادة الأوصاف، وثالثة سبخة أقرب إلى الميتة، فإنّه - والحال هذه - يخصّ الأرض الخصبة بالبذر الثمين المنتج والمثمر ويولّيها مزيد من الخصائص، كالماء العذب وتقليب التربة ونحو ذلك، دون القطعتين الأُخرتين، بل الثالثة لا يُزرع فيها إلاّ العشب وما تقتاته الحيوانات.

ومنها: من الجهات الاختيارية، في أصل وجود صفة العصمة، ما أُشير إليه في خطبة الصدّيقة وزيارتها عليها‌السلام :

____________________

1) المزار للمشهدي.

١٩٨

(... وأشهد أنّ أبي محمّداً عبده ورسوله، اختاره قبل أن يجتبِلَه، واصطفاه قبل أن يبتعِثه، وسمّاه قبل أن ينتجبه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة وبستر الأهاويل مصونة وبنهاية العدم مقرونة، علماً منه بمآل الأُمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة منه بمواقع المقدور، وابتعثه إتماماً لعلمه، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حقّه) (1) .

وكذلك ما ورد في زيارتها: (يا ممتحنة، امتحنك اللَّه - الذي خلقكِ - قبل أن يخلقكِ، فوجدكِ لما امتحنكِ صابرة) (2) ، فإنّ الامتحان في رتبة العلم الربوبي، والاصطفاء والاختيار والانتجاب في أُفق العلم الإلهي قبل خلق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقبل خلق الزهراء عليها‌السلام ، يدلّ على وقوع العلم الإلهي على خصوصية في تلك الذوات المطهّرة التي حباها اللَّه بختم النبوّة والحجّية على الخلق.

ونظير ذلك ما يصنعه الزارع، فإنّه يرجع في انتخاب البذر والزرع إلى علمه بخصائص البذور وأنواع ثمارها، وصالحها من طالِحها، ثمّ يختار أَنفَسَها جودةً وطيبة، ويُسمّى هذا بالامتحان في مقام العلم قبل الإيجاد والوجود الخارجي.

ومنها: ما وقع من امتحانات في العوالم السابقة كعالم الذرّ، المشار إليه بقوله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) (3) ، ومثله: عالم الميثاق، وخلق الطينة، وعالم الأصلاب والأرحام والنطفة، وغيرها من العوالم السابقة على نشأة الإنسان في دار الدنيا، فإنّ في تلك العوالم سِنخُ امتحانٍ واختبار يختلف عن سنخ الامتحان والاختبار في دار الدنيا، ولا يُؤهّل للمقام الخاصّ من

____________________

1) كشف الغمة، ص482.

2) مصباح المتهجد للطوسي، ص711.

3) سورة الأعراف: 172.

١٩٩

النبوّة والإمامة والحجّية على الخلق إلاّ من قد فاز في تلك الامتحانات وانتُجب واصطُفي ها هناك. فمن ثمّ لا تكون كسبية في دار الدنيا.

ومنها: لا يمكن أن تتحقّق فيمن يفترض فيه إمكان الزلل، أي فيمن يُفترض فيه عدم الأمان من الوقوع في المعصية، ولأجل خفاء تلك الامتحانات في تلك العوالم عن الخلق وخفاء قابليات البشر، وخفاء معادنهم وطينتهم، كان من الضروري في البديهة التكوينية والعقلية أن يكون تعين صاحب مقام النبوّة أو الرسالة، أو الإمامة والولاية المطلقة والحجّية على الخلق، هو باطلاع الله تعالى المخلوقاتِ على معرفة ذلك، بالنصّ الإلهي المُوحى والمعجزة، وإلى ذلك يشير تعالى: ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ) (1) .

ولأجل ذلك، أطبقت الإمامية على ضرورة المعجزة والنصّ الإلهي على صاحب الإمامة والولاية المطلقة والحجّية على الخلق، وأنّها تستحيل أن تكون كسبية في دار الدنيا. وهذا بخلاف نظرية الصوفية وبعض العُرفاء؛ حيث زعموا أنّ مقام الولاية المطلقة مفتوح بابه لكلّ وارد وسالك للطريقة، ويتحقّق بالحقيقة.

وقد عرفت أنّ الوجوه التي تشبثّوا بها من الآيات والأحاديث غاية مفادِها هو إمكان الوصول إلى المقامات المعنوية العامّة، كمقام استجابة الدعوة بنحوٍ محدود، أو نيل شي‏ءٍ من الحكمة، وبعض درجات التقى، والصدق، والإحسان، والعبودية، وغيرها. لا بنحو الاستيفاء التامّ بكلّ درجاتها لتبلغ المقامات الخاصّة، كالولاية المطلقة، والإمامة، والحجّية على الخلق.

ومن ثَمّ لم يتجرّوا على دعوى بلوغ النبوّة التشريعية، أو مقام إبلاغ الرسالة

____________________

1) سورة القصص: 68 - 69.

٢٠٠