الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية3%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141614 / تحميل: 8989
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

النظام الإيماني في‏النظام المدني:

خامساً: باب النكاح مع أهل الخلاف، فقد ذهب كثير من المتقدّمين إلى عدم جواز نكاح المؤمنة من غير المؤمن لاسيّما غير المستضعف، كالمعاند. وذهب المتأخّرون إلى الكراهة أو إلى تقيّد المنع إذا خِيف على إيمانها، وفي بعض ما ورد في ألسن الروايات كراهة تزويج المؤمن بغير المستضعفة، ونظير ذلك ورد في باب الذبائح من التفصيل بين ذبيحة المستضعف وبين ذبيحة المعاند.

المشاركة في الأنظمة الوضعية:

سادساً: باب الولايات في الأنظمة الوضعية. فقد ورد أنّ تسلّم أحد المناصب في الأنظمة المزبورة مشروط إمّا بالإكراه، وإمّا بغرض خدمة المؤمنين وقضاء حوائجهم. وفي الحقيقة أنّ هذا الجواز ليس تكليفاً محضاً، وإنّما هو مأذونية منه عليه‌السلام وبما له من الولاية.

الإمامة والنظام المالي:

ونظير ذلك باب إحياء الموات - (من أحيا أرضاً فهي له) - فإنّ الجواز هنا مأذونية منهم عليهم‌السلام لولايتهم. وكذلك باب التعامل المالي في أشكاله المختلفة من المداولات المالية مع الأنظمة الوضعية، كما في شراء المقاسمات، والخراج، وإجارة الأراضي، وقبول المنح، وغيرها. فهو إذن تسهيلي منهم عليهم‌السلام ؛ لكونهم الحكّام الأصليين في الحقيقة، وبيدهم شرعاً زمام الأمور، فلا يكون من مجهول المالك ونحو ذلك.

كما ورد عنهم عليهم‌السلام : (لك المُهنّا وعليهم الوزر)، ومن ثمّ قال الشيخ المفيد في المقنعة: (... ومن تأمّر على الناس من أهل الحقّ بتمكين ظالم له

٢٢١

وكان أميراً من قبله في ظاهر الحال، فإنّما هو أمير في الحقيقة من قبل صاحب الأمر الذي سوّغه ذلك وأذن له فيه، دون المتغلّب من أهل الضلال) (١) .

وقد تقدّم أنّ الصلاحية في باب القضاء وإقامة الحدود والقصاص وغيرها من أبواب إقامة الحكم، هي نيابية لا بالأصالة، ناشئة من المأذونية منه (عج)، لا من تراضي المتنازعين في باب الخصومات، ولا من تولية الناس والأُمّة، ولا من باب قاعدة الحسبة التي مؤدّاها جواز التكليف المحض، وتطاول على ولايته في هذه الأبواب من الحكم والحكومة، كما ورد قول أمير المؤمنين لشريح القاضي: (قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبيّ، أو وصيّ نبيّ، أو شقي) (٢) .

والمراد من الحصر في كلامه عليه‌السلام : الحصر في مقام الصلاحية التي هي بالأصالة، فلا تنافي الصلاحية التي هي بالنيابة بالإذن من قبلهم عليهم‌السلام ، حيث يكون فيها الفقيه تابعاً لنظام القضاء عندهم عليهم‌السلام .

والحاصل: أنّ أزمّة وزمام عقال الأبواب الفقهية تتناهى إلى ولايتهم عليهم‌السلام ، التي هي تابعة إلى ولاية الرسول، وبالتالي إلى ولاية اللَّه. والتركيز على هذا اللون والحيثية والجهة في الأبواب الفقهية، يضبط سلامة النتائج في التفاصيل؛ بسبب استقامة البنية الأصلية في قواعد الأبواب المحكّمة فيها.

هذا فضلاً عن حجّية أقوال وفعل وتقرير المعصوم عليه‌السلام كمصدر في الأدلّة الشرعية الأصلية، فالحجّية في إبلاغ الشريعة والأخذ بالأحكام الشرعية عنهم عليهم‌السلام ؛ لدورهم وصلاحيتهم التشريعية التابعة لسنن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التابعة لفرائض اللَّه تعالى، حيثية تغاير حيثية ولايتهم عليهم‌السلام في نظام القانون والفقه بما هم ولاة أمر

____________________

١) المقنعة: ص٨١٢، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ط / قم.

٢) الوسائل، أبواب صفات القاضي، الباب الثالث، حديث ٢ و ٣.

٢٢٢

وحكّام من قِبَل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن قِبَله تعالى عزّ اسمه، فلا يكفي في البحث الفقهي الالتفات إلى إحدى الحيثيتين وهي الحجّية مع الغفلة عن الحيثية الأُخرى وهي ولايتهم في الحكم والحكومة، بل اللازم الالتفات إلى تمام الحيثيات التي لهم عليهم‌السلام في الأبواب الفقهية، لا الاقتصار على الاثنتين، فضلاً عن الاقتصار على الواحدة منهما.

٢٢٣

٢٢٤

حرمة طاعة حكام الجور والطواغيت

قال بعض: إنّ مثل معاوية ويزيد والحجّاج طاعتهم لازمة، وتولّي الجائرين واجب بالعنوان الثانوي، ويستدلّ على ذلك بضرورة حفظ النظام، وأنّه لابدّ للناس من أمير برّ أو فاجر. والدليل أجنبي عمّا يتديّن به القائل من طاعة حكّام الجور وتولّيهم، وبيان ذلك بوجوه:

الأوّل: إنّ ضرورة الفعل، وهو النظم، لا تدلّ على مشروعية فاعلية الفاعل. نظير السجّان الذي يسقي المحبوس لديه المشرف على الهلاك ماءً غصبياً لا يدلّ على إباحة الماء؛ لأنّ شرب الماء للسجين المظلوم لا يوجب حُسناً فاعلياً للفاعل، بل يوجب سوءاً في فاعلية الفاعل. ولهذا الأمر أمثلة عديدة ذكرها علماء الأُصول، نظير من يتوسّط الدار الغصبية فإنّ خروجه ضرورةٌ بحكم العقل، ولكنّ ذلك لا يعني عدم العقاب للفاعل على الخروج مع كونه بضرورة العقل. ونظير ذلك قوله تعالى: ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ ) (١) ، فإنّه تعالى أحلّ الميتة عند الضرورة لأكلها، واستثنى من يتعمّد إلقاء نفسه في الهَلَكَة، كأن يسلك طريقاً صحراوياً من دون مؤونة فيضطرّ إلى أكل الميتة، فإنّ مثل هذا الشخص الذي يوقع نفسه في هذا الاضطرار أكله ضروري بحكم العقل، ولكن تلك الضرورة لا ترفع عنه العقاب وسوء فاعليته.

____________________

١) سورة البقرة: ١٧٣.

٢٢٥

وكذلك من يذهب بنفسه إلى مجلس يعلم بأنّه سيُكره على الفعل الحرام كالزنا، والفاحشة، وشرب الخمر، فإنّه بعد ذهابه إلى ذلك المجلس يكون إتيانه للفعل ضرورة؛ لوقوعه في الإكراه، ولكنّ ذلك لا يكون عنواناً ثانوياً رافعاً لحرمة الفعل.

ومن ثمّ قال علماء الأُصول: إنّ التسبّب للوقوع في الاضطرار للضرورات لا يرفع الحرمة، وإن كان رافعاً لفاعلية (خطاب الحكم) ومحرّكية حرمة الفعل، المسمّاة: بخطاب الحرمة.

الثاني: إنّه بمقتضى تمسّكه بوجوب حفظ النظام المدني من الأموال والأعراض والنفوس، يجب تولّي الحاكم الكافر والاستعمار الأجنبي - على حسب كلام هذا القائل - وإطاعته، ويلزم مشروعية حكومته؛ للضرورة المزبورة حسب ذلك الزعم.

الثالث: إنّ ضرورة حفظ النظام أيّ علاقة لها مع مشروعية حكم الحاكم الجائر ومشروعية تولّيه والركون إليه قلباً وقالباً، بل غاية لزوم حفظ النظام هو لزوم الكفّ عمّا يسبّب المزيد من الفساد والهرج والمرج، إذا كان أهل الحقّ لا قدرة لهم على إزالة الجائر، ولزوم اعتماد جانب التقية (سياسة الأمن)، لا الموالاة للظالم الجائر، وكم البون بعيد بين الأمرين؟

الرابع: إنّ حفظ النظام هو الذي يوجب إزالة النظام الجائر في جملة من الصور والموارد، كما إنّ حفظ النظام يقتضي دوام إنكار المنكر. وهو على درجات: بدءاً من القلب - وهو لا يسقط بحال - ثمّ اللسان (المعارضة الإعلامية)، فاليد (المعارضة التغييرية)؛ وذلك لأنّ الجور يتعدّى على أوّليات الحقوق الأوّلية في النظام الاجتماعي، فكيف يُتوهّم أنّ حفظ النظام يقتضي ترك إنكار المنكر، فضلاً عن اقتضائه التولّي والذوبان في الجور وولاء الظلم؟!

٢٢٦

الخامس: قوله تعالى: ( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (١) ، و: ( يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ ) (٢) و: ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِالله فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا ) (٣) ، تبين هذه الآيات حرمة الركون إلى الظالم الجائر والطاغوت، بل يجب الكفر به والتمرّد عليه، كما قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من رأى سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرام أو تاركاً لعهد اللَّه ومخالفاً لسنّة رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعَمَلَ في عباد اللَّه بالإثم والعدوان، ثمّ لم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قول كان حقّاً على اللَّه أن يُدخله مَدخله) (٤) .

السادس: إنّ ملف سيرة الغاصبين لخلافة أهل البيت عليهم‌السلام ، وبدعهم وضلالاتهم، يبرهن امتناع مشروعية خلافتهم مع منكر أفعالهم. فهل مع هذا الملف من الضلالات تبقى مشروعية خلافتهم تحت عنوان ضرورة حفظ النظام؟ وهل ضرورة حفظ النظام تستلزم الضلالات والبدعة، والظلم في الحكم؟

السابع: إنّ العنوان الثانوي، كما حُرّر في علم الأُصول، لا يرفع واقع الحكم وملاكه من المصلحة أو المفسدة في الفعل، وإنّما يرفع العقوبة والمؤاخذة، بشرط أن لا يكون الإقدام على الاضطرار بسوء الاختيار، وإلاّ فلا ترتفع العقوبة أيضاً.

الثامن: ما قام به أمير المؤمنين عليه‌السلام من الامتناع على أصحاب السقيفة في مؤامرتهم، وكذلك مواجهة الصدّيقة الزهراء لأبي بكر، وكذلك مقاطعة الحسن لمعاوية، ومواجهة الحسين عليه‌السلام ليزيد، وهم أهل بيت التطهير الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وهم الثقل الثاني الذين أُمرنا بالتمسّك بهم، بل

____________________

١) سورة هود: ١١٣.

٢) سورة النساء: ٦٠.

٣) سورة البقرة: ٢٥٦.

٤) البحار، ج٤٤، ص٣٨٢، تاريخ الطبري، ج٤، ص٣٠٤، ابن الأثير، ج٣، ص٢٨٠، مقتل الخوارزمي، ج١، ص٢٣٤.

٢٢٧

كلّ أئمّة أهل البيت من الحسن المجتبى والسجّاد وبقية الأئمّة عليهم‌السلام ، كانوا على حرب مقاطعة مع سلطات بني أُمية وبني العبّاس، ومجانبة للحكم الجائر، ولذلك قُتلوا وسُبوا وشُرّدوا عن أوطانهم.

٢٢٨

الفصل السادس

أقسام الصلاحيات المفوّضة لهم عليهم‌السلام

٢٢٩

٢٣٠

أقسام الصلاحيات المفوَّضة لهم عليهم‌السلام

والغرض من الخوض في بحث التفويض (الصلاحيات المفوّضة) ليس بسط الكلام فيه، ولا استعراض أدلّة وجوه البطلان في أقسامه أو الصحيحة منه، بل الغاية من ذلك التنبيه على تعدّد أقسامه وتكثّرها، وتباينها عن بعضها البعض، وأنّ جملة من أقسام الصلاحيات المفوّضة ليست تفويضاً عُزْلياً بعزل قدرة وهيمنة الباري تعالى، كما يتوهّمه غير المتضلّع في علوم المعارف، بل هي من باب إقداره تعالى، وهو أقدر فيما أقدر غيره على ذلك الشي‏ء.

الأقوال في التفويض:

قال الشيخ المفيد (قدس سره):

(التفويض: هو القول برفع الحظر عن الخلق في الأفعال والإباحة بما شاءوا من الأعمال، وهذا قول الزنادقة وأصحاب الإباحات، والواسطة بين هذين القولين أنّ اللَّه أقدر الخلق على أفعالهم، ومكّنهم من أعمالهم، وحدّ لهم الحدود في ذلك، ورسم لهم الرسوم، ونهاهم عن القبائح بالزجر والتخويف، والوعد والوعيد، فلم يكن بتمكينهم من الأعمال مجبراً لهم عليها، ولم يفوّض لهم الأعمال لمنعهم من أكثرها، ووضع الحدود لهم فيها وأمرهم بحسنها ونهاهم

٢٣١

عن قبيحها، فهذا هو الفصل بين الجبر والتفويض) (١) .

قال المجلسي في البحار:

(وأمّا التفويض: فيطلق على معاني بعضها منفي عنهم عليهم‌السلام وبعضها مثبّت لهم. فالأوّل: التفويض في الخلق، والرزق، والتربية، والإماتة، والإحياء. فإنّ قوماً قالوا إنّ اللَّه تعالى خلقهم وفوّض إليهم أمر الخلق فهم يخلقون، ويرزقون، ويميتون، ويحيون... - ثمّ ذكر لهذا القول وجهين، حكم بأنّ أحدهما كفرٌ صريح، والآخر دلّت الأخبار على المنع عنه، ثمّ قال: -

الثاني: التفويض في أمر الدين وهذا أيضاً يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون اللَّه فوّض إلى النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام عموماً أن يحلّوا ما شاءوا ويحرّموا ما شاءوا من غير وحي وإلهام، أو يغيّروا ما أُوحي إليهم بآرائهم، وهذا باطل لا يقول به عاقل؛ فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ينتظر الوحي أياماً كثيرة لجواب سائل ولا يجيبه من عنده، وقد قال تعالى: ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (٢) .

وثانيهما: أنّه تعالى لمّا أكمل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث لم يكن يختار من الأُمور شيئاً إلاّ ما يوافق الحقّ والصواب، ولا يحلّ بباله ما يخالف مشيئته تعالى في كلّ باب، فوّض إليه تعيين بعض الأُمور، كالزيادة في الصلاة، وتعيين بعض النوافل في الصلاة والصوم وطعمة الجدّ، وغير ذلك ممّا مضى - وسيأتي - إظهاراً لشرفه وكرامته عنده، ولم يكن أصل التعيين إلاّ بالوحي، ولم يكن الاختيار إلاّ بالإلهام، ثمّ كان يؤكّد ما اختاره صلى‌الله‌عليه‌وآله بالوحي، ولا فساد في ذلك عقلاً، وقد دلّت النصوص

____________________

١) تصحيح اعتقادات الإمامية، ص٤٧.

٢) سورة النجم: ٣ - ٤.

٢٣٢

المستفيضة عليه ممّا تقدّم في هذا الباب وفي أبواب فضائل نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولعلّ الصدوق إنّما نفى المعنى الأوّل؛ حيث قال في الفقيه: وقد فوّض اللَّه عزّ وجلّ إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر دينه ولم يفوّض إليه تعدّي حدوده، وأيضاً هو رحمه اللَّه قد روى كثيراً من أخبار التفويض في كتبه ولم يتعرّض لتأويلها.

الثالث: تفويض أُمور الخلق إليهم من: سياستهم، وتأديبهم، وتكميلهم، وتعليمهم، وأمر الخلق بإطاعتهم فيما أحبّوا وكرهوا، وفيما علموا جهة المصلحة فيه وما يعلموا، وهذا حقّ لقوله تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ، وغير ذلك من الآيات والأخبار، وعليه يحمل قولهم عليهم‌السلام : (نحن المحلّلون حلاله والمحرّمون حرامه)، أي: بيانهما علينا ويجب على الناس الرجوع فيهما إلينا، وبهذا الوجه ورد خبر أبي إسحاق والميثمي.

الرابع: تفويض بيان العلوم والأحكام بما رأوا المصلحة فيها بسبب اختلاف عقولهم - أي عقول الناس - أو بسبب التقية، فيفتون بعض الناس بالواقع من الأحكام وبعضهم بالتقية، ويبيّنون تفسير الآيات وتأويلها، وبيان المعارف بحسب ما يحتمل عقل كلّ سائل، ولهم أن يبيّنوا ولهم أن يسكتوا، كما ورد في أخبار كثيرة: (عليكم المسألة وليس علينا الجواب)، كلّ ذلك بحسب ما يريهم اللَّه من مصالح الوقت، كما ورد في خبر ابن أشيم (٢) ، وغيره.

وهو أحد معاني خبر محمّد بن سنان في تأويل قوله تعالى: ( لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ ) (٣) ، ولعلّ تخصيصه بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّة عليهم‌السلام ؛ لعدم تيسّر هذه التوسعة لسائر الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، بل كانوا مكلّفين بعدم التقية في بعض الموارد، وإن

____________________

١) سورة الحشر: ٧.

٢) قد مرّ ذكره.

٣) سورة النساء: ١٠٥.

٢٣٣

أصابهم الضرر. والتفويض بهذا المعنى أيضاً ثابت وحقّ بالأخبار المستفيضة.

الخامس: الاختيار في أن يحكموا بظاهر الشريعة أو بعلمهم وبما يلهمهم اللَّه من الواقع ومخّ الحقّ في كلّ واقعة، وهذا أظهر محامل خبر ابن سنان، وعليه أيضاً دلّت الأخبار.

السادس: التفويض في العطاء، فإن اللَّه تعالى خلق لهم الأرض وما فيها، وجعل لهم الأنفال، والخمس، والصفايا، وغيرها، فلهم أن يعطوا ما شاءوا ويمنعوا ما شاءوا، كما مرّ في خبر الثمالي، وسيأتي في مواضعه.

وإذا أحطت خُبراً بما ذكرنا من معاني التفويض سهل عليك فهم الأخبار الواردة فيه، وعرفت ضَعف قول من نفى التفويض مطلقاً ولمّا يحط بمعانيه (١) .

وقال الحكيم الفقيه الشاه آبادي في كتابه رَشحات البحار:

(المطلب الثالث عشر في الولاية التشريعية، وهي قسمان:

الأوّل: معرفة النبيّ، والوليّ، بأنّهم المقرّبون الواقعون في مرتبة الإطلاق والمشيئة، بحيث لم يكن بينهم وبين اللَّه أحد، وهي من العقائد اللازمة في الشريعة. ومعرفتهم بالنورانية؛ لأنّهم أولياء النعم، حيث إنّ نعمة الوجود وكمالاته تحصل بمشيئته وهم صاروا مشيئته، والفرق بينهم وبين الوجود المطلق هو المشيئة، إنّ النقطة قد أخذت القرب من غير اختيار وهم أخذوها.. بالاختيار والامتحان، وليست الحقيقة الإطلاقية إلاّ أمراً واحداً، والأفراد عين الطبيعة المطلقة، فتدبّر فيه.

الثاني: الاعتقاد بأنّهم ولاة الأمر وأنّهم أَولى بالأنفس، كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله في الغدير: (أَلستُ أَولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فهذا علي مولاه)، كما

____________________

١) البحار، ج٢٥، ص٣٥٠ - ٣٤٧.

٢٣٤

رواه العامّة في أزيد من ثمانين طريقاً، والخاصّة أزيد من أربعين طريقاً واصلاً إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بداهة أنّ الوليّ في المقام لا يمكن أن يكون معناه إلاّ السيد والأولى بالأمر؛ لعدم مناسبة سائر المعاني من استنطاقه صلى‌الله‌عليه‌وآله وإقرارهم له صلى‌الله‌عليه‌وآله بأولويّته على الأنفس، كما لا يخفى على المنصف غير المتعصّب.

مضافاً إلى أن هذه الولاية والأولويّة من توابع الولاية الأوّلية؛ فالتشريع على طبق التكوين، يعني: فكما أنّهم توابع لهم وجوداً وتحقّقاً في الواقع، وهم تحت لوائهم ذاتاً وأصلاً، فلابدَّ وأن يكونوا لهم طوعاً وتبعاً في الظاهر؛ حتّى يطابق الظاهر الباطن، اللّهمّ اجعلنا ممّن اعتقد بولايتهم ظاهراً وباطناً، وممّن يواليهم ظاهراً وباطناً). انتهى كلامه (قدس سره).

أقسام التفويض:

ولنبسّط الكلام في أقسام صلاحياتهم وما خُوّل إليهم في شؤون الدين الحنيف بترتيب آخر، سواء في التبليغ أو التشريع أو إقامة الشرع الحنيف:

القسم الأوّل: في كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام هم الباب، والدلائل، على شرع اللَّه تعالى، وهو ما يعبّر عنه في علم القانون الحديث بالناطق الرسمي لإمضاء ونفوذ القانون، فلا يؤدّي عن اللَّه تعالى إلاّ هو صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل بيته عليهم‌السلام عنه.

وبعبارة أُخرى: إنّ التشريع في مرحلته الإنشائية لا يكون نافذاً ولا مدوّناً وثابتاً في منظومة التشريع إلاّ بعد أن يُصوّب إنفاذه، فما لم يبرز إنشاء التشريع عبر القناة المخوّلة لذلك لا يكون ذلك التشريع إلاّ في مرحلة الأطوار البدائية للحكم، غير الواصل إلى مرحلة البلوغ التامّ. وهذه المراحل في الحكم الإنشائي وأطواره مغايرة لمرحلة تطبيق التشريع في الخارج على الموضوعات، أي ما يسمى بالحكم الفعلي الجزئي.

٢٣٥

فقناة التبليغ والمبلّغ لهما تمام الموضوعية في رسمية القانون والتشريع المُبرَم المحكم، وفي الحقيقة مقتضى ما حُقّق في علم الأُصول من أنّه ليس هناك إنشاء محض خالي عن الإخبار، بل كلّ من الإنشاء والإخبار ممتزج ومتداخل مع الآخر، غاية الأمر أحدهما بالمطابقة والآخر بالدلالة الالتزامية. ففي الإخبار المُخبِر وإن لم يكن يُنشئ المخبر به بل يحكيه ويدلّ عليه، إلاّ أنّ الحكاية والدلالة أمر ينشأ فيُوجد، فالمخبر به وإن لم يكن إنشائياً إلاّ أنّ الإخبار نفسه كفعل أمر إنشائي بضرب من ضروب الإنشاء، بل هناك دلالة إنشائية أُخرى في الإخبار أيضاً، وهي إنشاء المخبر للشهادة بمضمون الإخبار، ويتعهّد ويلتزم بصدق ما يخبر به هذا في الإخبار.

أمّا في الإنشاء، فهو وإن كان بالمطابقة إيجاد اعتباري للمعنى المُنشأ، إلاّ أنّ فيه مداليل خبرية أيضاً، منها:

إخبار عن وجود إرادة جدّية له بمضمون الإنشاء.

ومنها: الإخبار عن وجود مصلحة أو مفسدة فيما يأمر به أو ينهى عنه في موارد إنشاء الطلب والتشريع والتقنين.

ومنها: الإخبار عن وجود داعي للإنشاء، وهذا في جميع الأقسام الثمانية أو التسعة من أبواب الإنشاء، وغير ذلك من المداليل الأُخرى.

وإذا اتّضحت هذه المقدّمة، يتبيّن عدم وجود إخبار محض في بيان الأحكام عن اللَّه تعالى، بل هو مندمج ومشوب بضرب من الإنشاء، ومن ثمّ كان النطق الرسمي في القنوات الوضعية في الأنظمة السياسية في الدول إنشاء تفعيلي للتشريع، فإبراز وإيصال الأحكام من قبل الناطق عن السماء منصبٌ تشريعيّ يرسم فعلية التشريع، ومن ذلك يتبين الغفلة السطحية في حسبان أنّ الأئمة عليهم‌السلام قناة تبليغية معتادة كالرواة، أو عملية خُبرَوية معتادة كالفقهاء، والقانونيين، في إيصال الأحكام.

٢٣٦

وفي ظلّ هذا القسم يتبيّن دَخالة موقعية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في التشريعات الصادرة من الباري تعالى، عطية منه لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالمخبر بالقرآن والمبلّغ لكلّ ما فيه عن اللَّه إنّما هو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكذلك الحال في بقية فرائض اللَّه في الأحاديث القدسيّة، وهذه المرتبة الخطيرة في شؤون التشريع من المصادقة على تشريعات السماء، فضيلة منه تعالى حَباها لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا الموقع في شؤون الدين ثابت في الجملة للأئمّة عليهم‌السلام فيما يبلّغونه عن الرسول عن اللَّه تعالى، في تلك الموارد التي لم يتلقّاها الناس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما أدّاها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا زال يؤدّيها إلى خاصّة عِترته، بحسب ما لديه ولديهم من ارتباط لدني غير مقصور على حال الحياة.

ومن أمثلة هذا القسم: تبليغ سورة البراءة، ويشير إلى هذا القسم قوله تعالى: ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (١) ، وقوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) (٢) ، وغيرها من الآيات المتضافرة في هذا الشأن له صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا الآيات المتعرّضة لإثبات هذا الشأن لهم عليهم‌السلام ، فقوله تعالى: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (٣) ، بضميمة قوله الآخر: ( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاّ الظَّالِمُونَ ) (٤) ، فدلّت الآيتان على وجود مجموعة في هذه الأُمّة قد أُودعوا الكتاب مُبيّناً كلّه في صدورهم، ومع دوام وأبدية حاجة الناس إلى الكتاب، الذي لا تنفذ كلماته وبحور

____________________

١) سورة النحل: ٤٤.

٢) سورة الجمعة: ٢.

٣) سورة النحل: ٨٩.

٤) سورة العنكبوت: ٤٨ - ٤٩.

٢٣٧

علومه، فتدوم الحاجة لوجود هذه المجموعة الذين شهد لهم القرآن بالقدرة على بيان الكتاب كلّه إلى يوم القيامة، ونظيره قوله تعالى: ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) (١) ، بضميمة قوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) ، وغيرها من الآيات التي سنستعرضها في الأبحاث اللاحقة.

أمّا الروايات، فهي ما رواه الفريقان عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: (لا يبلّغ عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي أو قال: من أهل بيتي) (٣) ، وهذا الحديث النبويّ أصله حديث قدسيّ جاء به جبرائيل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا يبلّغ عنك إلاّ أنت أو رجل منك)، ونُقل أيضاً في حديث، قال: ثمّ بعثَ أبا بكر بسورة التوبة فبعث عليّاً عليه‌السلام خلْفه فأخذها منه، قال: (لا يذهب بها إلاّ رجل منّي وأنا منه) (٤) .

____________________

١) سورة الواقعة: ٧٥ - ٨٠.

٢) سورة الأحزاب: ٣٣.

٣) كفاية الطالب، لمحمّد بن يوسف الكنجي، ص١٥١، ط / الغري. وكذلك: المعتصر من المختصر، للقاضي أبي الوليد المالكي، ج٢، ص٣٣٢، ط / حيدر آباد - الدكن.

٤) مسند أحمد بن حنبل،ج١، ص٣٣٠، ط / مصر. وذكره كذلك في الفضائل، ج٢، ص٢٤٠، مخطوط. وفي الخصائص، ص ٨. ونقله النيسابوري في المستدرك على الصحيحين، ج٣، ص١٣٢. ونقله ابن المؤيّد الموفّق بن أحمد في كتابه المناقب، ص٧٤، ط / تبريز. ونقله كذلك محبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى، ص٨٦، ط / مكتبة القدسي بمصر. ومنهم الذهبي في تلخيص المستدرك، ج٣، ص١٣٢. ومنهم: الحمويني في فرائد السِمطين، وكذلك في البداية والنهاية، عماد الدين أبو الفداء، ج٧، ص٣٣٧. وكذلك مجمع الزوائد، ج٩، ص١١٨. وكذلك: الإصابة لابن حجر العسقلاني، ج٢، ص٥٠٢. وكذلك: في مفتاح النجاة في مناقب آل العبا، للميرزا محمّد خان ابن رستمخان المعتمد البدخشي، ص٥٠، مخطوط. وكذلك: في القول الفصل، للسيد علوي بن طاهر الحدّاد، ج٢، ص٢١٨. وتفسير القرطبي، ج ٨، ص ٦٨، في ذيل سورة براءة. والدرّ المنثور، في ذيل سورة براءة، وقد تضمّن بعض الطرق أنّه = (يتبع في الصفحة اللاحقة)

٢٣٨

والظاهر أنّ مفاد صدور هذا الحديث في عدّة مواطن، منها: إبلاغ سورة البراءة كما تقدّم.

ومنها: في عام حجّة الوداع حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّ عليّاً منّي وأنا من علي، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي، لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ) (١) .

ومفاد هذا الحديث وحديث البراءة وإن كان سيأتي بسط دراية معناه لاحقاً، إلاّ أنّه تجدر الإشارة إلى المعنى الظريف في مفاده، وهو تعبيره تعالى: (لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك)، لا يخلو من ظَرافة بلاغية ومعرفية استعمل فيها التجريد، حيث افترض في الحديث القدسيّ والنبويّ أداء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن نفسه، وهو لا يتمّ تصوّره إلاّ بتجريد مرتبة ومقام عالي للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يؤدّي عنه، أي: عن تلك المرتبة منه تؤدّي المرتبة النازلة منه، أي يؤدّي المرتبة الجسمانية النفسانية منه عن المرتبة النورية منه القلبية، وهذا يقتضي أنّ علياً عليه‌السلام يتحمّل عن المرتبة النورية من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ويبلِّغ عنه بلحاظ ذلك المقام النوري، لا عن الجسماني فقط، لا سيّما وأنّ أحد مواطن صدور الحديث هو في إبلاغ سورة من القرآن إلى أسماع

____________________

= حديث قدسي جاء به جبريل عليه‌السلام ، وقد أخرج ذلك الحديث القدسي عن عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند، وعن أبي الشيخ، وعن ابن مردويه، وذكره الشوكاني في فتح الباري، ج٢، ص٣٣٤، في ذيل سورة براءة.

١) مسند أحمد، ج٤، ص١٦٤ - ١٦٥، بخمسة طرق. أخرجه في مسند الشاميّين حديث حبشي بن جنادة السلولي، وهو ممّن قد شهد حجّة الوداع. وخصائص النسائي، ص١٩ - ٢٠، بطريقين، وصحيح البخاري، ج٢، ص ٢٢٩، كتاب المناقب، مناقب الصحابة، مناقب عليّ. والتاج الجامع للأصول، ج٣، ص ٣٣٥. والصواعق المحرقة، ص٧٤. وتاريخ الخلفاء، ص١٦٩. وسنن البيهقي، ج٨، ص ٥. وصحيح الترمذي، ج٢، ص ٢٩٧. ومجمع الزوائد، ج٩، ص١٢٧. ومستدرك الحاكم، ج٣، ص ١١٠. ومسند أبو داود، ج٣، ص١١١. وكنز العمال، ج٦، ص٣٩٩. وفضائل الخمسة من الصحاح الستّة، ج١، ص٣٣٧. وقد أخرج العلاّمة الأميني مصادر الحديث في الغدير، ج٦، ص٣٣٨، ط / دار الكتب الإسلامية، عن ٧٣ من حفّاظ أئمّة الحديث. وكذلك في الاختصاص، ص٢٠٠.

٢٣٩

البشرية تبليغاً عن السماء في أوّل نطق رسمي بهذه السورة.

القسم الثاني: التفويض في بيان تأويل الكتاب وبطونه قال تعالى: ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) (١) ، فأجزاء الشريعة جلّها في بطون الكتاب وتأويله، وإن كانت أُصولها في ظاهر الكتاب، سواء ذلك في المعارف والأُصول الاعتقادية، أو في الأحكام والفروع، ومن ثمّ كان بطون الكتاب سبعين بطناً وظاهره واحد، مع أنّ السبعين كناية عن الكثرة التي لا تُحصى، كقوله تعالى: ( إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ ) (٢) .

وكذلك الحال في التأويل فإن التأويل للكتاب لا يقف على موارد النزول، بل يدور مدار العصور والدهور، بل يعمّ النشأتين، والنشآت وما فوقها من العالم الربوبي، وقد قال تعالى: ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (٣) ، وقال تعالى: ( وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) (٤) ، وقال تعالى: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) (٥) ، وقال تعالى: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (٦) ، وقال تعالى: ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (٧) .

____________________

١) سورة آل عمران: ٧.

٢) سورة التوبة: ٨٠.

٣) سورة النحل: ٤٤.

٤) سورة النحل: ٦٤.

٥) سورة القيامة: ١٦ - ١٩.

٦) سورة النحل: ٨٩.

٧) سورة العنكبوت: ٤٩.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592