الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية0%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الإمامة الإلهية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الصفحات: 592
المشاهدات: 133747
تحميل: 7973


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133747 / تحميل: 7973
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

النظام الإيماني في‏النظام المدني:

خامساً: باب النكاح مع أهل الخلاف، فقد ذهب كثير من المتقدّمين إلى عدم جواز نكاح المؤمنة من غير المؤمن لاسيّما غير المستضعف، كالمعاند. وذهب المتأخّرون إلى الكراهة أو إلى تقيّد المنع إذا خِيف على إيمانها، وفي بعض ما ورد في ألسن الروايات كراهة تزويج المؤمن بغير المستضعفة، ونظير ذلك ورد في باب الذبائح من التفصيل بين ذبيحة المستضعف وبين ذبيحة المعاند.

المشاركة في الأنظمة الوضعية:

سادساً: باب الولايات في الأنظمة الوضعية. فقد ورد أنّ تسلّم أحد المناصب في الأنظمة المزبورة مشروط إمّا بالإكراه، وإمّا بغرض خدمة المؤمنين وقضاء حوائجهم. وفي الحقيقة أنّ هذا الجواز ليس تكليفاً محضاً، وإنّما هو مأذونية منه عليه‌السلام وبما له من الولاية.

الإمامة والنظام المالي:

ونظير ذلك باب إحياء الموات - (من أحيا أرضاً فهي له) - فإنّ الجواز هنا مأذونية منهم عليهم‌السلام لولايتهم. وكذلك باب التعامل المالي في أشكاله المختلفة من المداولات المالية مع الأنظمة الوضعية، كما في شراء المقاسمات، والخراج، وإجارة الأراضي، وقبول المنح، وغيرها. فهو إذن تسهيلي منهم عليهم‌السلام ؛ لكونهم الحكّام الأصليين في الحقيقة، وبيدهم شرعاً زمام الأمور، فلا يكون من مجهول المالك ونحو ذلك.

كما ورد عنهم عليهم‌السلام : (لك المُهنّا وعليهم الوزر)، ومن ثمّ قال الشيخ المفيد في المقنعة: (... ومن تأمّر على الناس من أهل الحقّ بتمكين ظالم له

٢٢١

وكان أميراً من قبله في ظاهر الحال، فإنّما هو أمير في الحقيقة من قبل صاحب الأمر الذي سوّغه ذلك وأذن له فيه، دون المتغلّب من أهل الضلال) (1) .

وقد تقدّم أنّ الصلاحية في باب القضاء وإقامة الحدود والقصاص وغيرها من أبواب إقامة الحكم، هي نيابية لا بالأصالة، ناشئة من المأذونية منه (عج)، لا من تراضي المتنازعين في باب الخصومات، ولا من تولية الناس والأُمّة، ولا من باب قاعدة الحسبة التي مؤدّاها جواز التكليف المحض، وتطاول على ولايته في هذه الأبواب من الحكم والحكومة، كما ورد قول أمير المؤمنين لشريح القاضي: (قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبيّ، أو وصيّ نبيّ، أو شقي) (2) .

والمراد من الحصر في كلامه عليه‌السلام : الحصر في مقام الصلاحية التي هي بالأصالة، فلا تنافي الصلاحية التي هي بالنيابة بالإذن من قبلهم عليهم‌السلام ، حيث يكون فيها الفقيه تابعاً لنظام القضاء عندهم عليهم‌السلام .

والحاصل: أنّ أزمّة وزمام عقال الأبواب الفقهية تتناهى إلى ولايتهم عليهم‌السلام ، التي هي تابعة إلى ولاية الرسول، وبالتالي إلى ولاية اللَّه. والتركيز على هذا اللون والحيثية والجهة في الأبواب الفقهية، يضبط سلامة النتائج في التفاصيل؛ بسبب استقامة البنية الأصلية في قواعد الأبواب المحكّمة فيها.

هذا فضلاً عن حجّية أقوال وفعل وتقرير المعصوم عليه‌السلام كمصدر في الأدلّة الشرعية الأصلية، فالحجّية في إبلاغ الشريعة والأخذ بالأحكام الشرعية عنهم عليهم‌السلام ؛ لدورهم وصلاحيتهم التشريعية التابعة لسنن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التابعة لفرائض اللَّه تعالى، حيثية تغاير حيثية ولايتهم عليهم‌السلام في نظام القانون والفقه بما هم ولاة أمر

____________________

1) المقنعة: ص812، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ط / قم.

2) الوسائل، أبواب صفات القاضي، الباب الثالث، حديث 2 و 3.

٢٢٢

وحكّام من قِبَل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن قِبَله تعالى عزّ اسمه، فلا يكفي في البحث الفقهي الالتفات إلى إحدى الحيثيتين وهي الحجّية مع الغفلة عن الحيثية الأُخرى وهي ولايتهم في الحكم والحكومة، بل اللازم الالتفات إلى تمام الحيثيات التي لهم عليهم‌السلام في الأبواب الفقهية، لا الاقتصار على الاثنتين، فضلاً عن الاقتصار على الواحدة منهما.

٢٢٣

٢٢٤

حرمة طاعة حكام الجور والطواغيت

قال بعض: إنّ مثل معاوية ويزيد والحجّاج طاعتهم لازمة، وتولّي الجائرين واجب بالعنوان الثانوي، ويستدلّ على ذلك بضرورة حفظ النظام، وأنّه لابدّ للناس من أمير برّ أو فاجر. والدليل أجنبي عمّا يتديّن به القائل من طاعة حكّام الجور وتولّيهم، وبيان ذلك بوجوه:

الأوّل: إنّ ضرورة الفعل، وهو النظم، لا تدلّ على مشروعية فاعلية الفاعل. نظير السجّان الذي يسقي المحبوس لديه المشرف على الهلاك ماءً غصبياً لا يدلّ على إباحة الماء؛ لأنّ شرب الماء للسجين المظلوم لا يوجب حُسناً فاعلياً للفاعل، بل يوجب سوءاً في فاعلية الفاعل. ولهذا الأمر أمثلة عديدة ذكرها علماء الأُصول، نظير من يتوسّط الدار الغصبية فإنّ خروجه ضرورةٌ بحكم العقل، ولكنّ ذلك لا يعني عدم العقاب للفاعل على الخروج مع كونه بضرورة العقل. ونظير ذلك قوله تعالى: ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ ) (1) ، فإنّه تعالى أحلّ الميتة عند الضرورة لأكلها، واستثنى من يتعمّد إلقاء نفسه في الهَلَكَة، كأن يسلك طريقاً صحراوياً من دون مؤونة فيضطرّ إلى أكل الميتة، فإنّ مثل هذا الشخص الذي يوقع نفسه في هذا الاضطرار أكله ضروري بحكم العقل، ولكن تلك الضرورة لا ترفع عنه العقاب وسوء فاعليته.

____________________

1) سورة البقرة: 173.

٢٢٥

وكذلك من يذهب بنفسه إلى مجلس يعلم بأنّه سيُكره على الفعل الحرام كالزنا، والفاحشة، وشرب الخمر، فإنّه بعد ذهابه إلى ذلك المجلس يكون إتيانه للفعل ضرورة؛ لوقوعه في الإكراه، ولكنّ ذلك لا يكون عنواناً ثانوياً رافعاً لحرمة الفعل.

ومن ثمّ قال علماء الأُصول: إنّ التسبّب للوقوع في الاضطرار للضرورات لا يرفع الحرمة، وإن كان رافعاً لفاعلية (خطاب الحكم) ومحرّكية حرمة الفعل، المسمّاة: بخطاب الحرمة.

الثاني: إنّه بمقتضى تمسّكه بوجوب حفظ النظام المدني من الأموال والأعراض والنفوس، يجب تولّي الحاكم الكافر والاستعمار الأجنبي - على حسب كلام هذا القائل - وإطاعته، ويلزم مشروعية حكومته؛ للضرورة المزبورة حسب ذلك الزعم.

الثالث: إنّ ضرورة حفظ النظام أيّ علاقة لها مع مشروعية حكم الحاكم الجائر ومشروعية تولّيه والركون إليه قلباً وقالباً، بل غاية لزوم حفظ النظام هو لزوم الكفّ عمّا يسبّب المزيد من الفساد والهرج والمرج، إذا كان أهل الحقّ لا قدرة لهم على إزالة الجائر، ولزوم اعتماد جانب التقية (سياسة الأمن)، لا الموالاة للظالم الجائر، وكم البون بعيد بين الأمرين؟

الرابع: إنّ حفظ النظام هو الذي يوجب إزالة النظام الجائر في جملة من الصور والموارد، كما إنّ حفظ النظام يقتضي دوام إنكار المنكر. وهو على درجات: بدءاً من القلب - وهو لا يسقط بحال - ثمّ اللسان (المعارضة الإعلامية)، فاليد (المعارضة التغييرية)؛ وذلك لأنّ الجور يتعدّى على أوّليات الحقوق الأوّلية في النظام الاجتماعي، فكيف يُتوهّم أنّ حفظ النظام يقتضي ترك إنكار المنكر، فضلاً عن اقتضائه التولّي والذوبان في الجور وولاء الظلم؟!

٢٢٦

الخامس: قوله تعالى: ( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (1) ، و: ( يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ ) (2) و: ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِالله فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا ) (3) ، تبين هذه الآيات حرمة الركون إلى الظالم الجائر والطاغوت، بل يجب الكفر به والتمرّد عليه، كما قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من رأى سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرام أو تاركاً لعهد اللَّه ومخالفاً لسنّة رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعَمَلَ في عباد اللَّه بالإثم والعدوان، ثمّ لم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قول كان حقّاً على اللَّه أن يُدخله مَدخله) (4) .

السادس: إنّ ملف سيرة الغاصبين لخلافة أهل البيت عليهم‌السلام ، وبدعهم وضلالاتهم، يبرهن امتناع مشروعية خلافتهم مع منكر أفعالهم. فهل مع هذا الملف من الضلالات تبقى مشروعية خلافتهم تحت عنوان ضرورة حفظ النظام؟ وهل ضرورة حفظ النظام تستلزم الضلالات والبدعة، والظلم في الحكم؟

السابع: إنّ العنوان الثانوي، كما حُرّر في علم الأُصول، لا يرفع واقع الحكم وملاكه من المصلحة أو المفسدة في الفعل، وإنّما يرفع العقوبة والمؤاخذة، بشرط أن لا يكون الإقدام على الاضطرار بسوء الاختيار، وإلاّ فلا ترتفع العقوبة أيضاً.

الثامن: ما قام به أمير المؤمنين عليه‌السلام من الامتناع على أصحاب السقيفة في مؤامرتهم، وكذلك مواجهة الصدّيقة الزهراء لأبي بكر، وكذلك مقاطعة الحسن لمعاوية، ومواجهة الحسين عليه‌السلام ليزيد، وهم أهل بيت التطهير الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وهم الثقل الثاني الذين أُمرنا بالتمسّك بهم، بل

____________________

1) سورة هود: 113.

2) سورة النساء: 60.

3) سورة البقرة: 256.

4) البحار، ج44، ص382، تاريخ الطبري، ج4، ص304، ابن الأثير، ج3، ص280، مقتل الخوارزمي، ج1، ص234.

٢٢٧

كلّ أئمّة أهل البيت من الحسن المجتبى والسجّاد وبقية الأئمّة عليهم‌السلام ، كانوا على حرب مقاطعة مع سلطات بني أُمية وبني العبّاس، ومجانبة للحكم الجائر، ولذلك قُتلوا وسُبوا وشُرّدوا عن أوطانهم.

٢٢٨

الفصل السادس

أقسام الصلاحيات المفوّضة لهم عليهم‌السلام

٢٢٩

٢٣٠

أقسام الصلاحيات المفوَّضة لهم عليهم‌السلام

والغرض من الخوض في بحث التفويض (الصلاحيات المفوّضة) ليس بسط الكلام فيه، ولا استعراض أدلّة وجوه البطلان في أقسامه أو الصحيحة منه، بل الغاية من ذلك التنبيه على تعدّد أقسامه وتكثّرها، وتباينها عن بعضها البعض، وأنّ جملة من أقسام الصلاحيات المفوّضة ليست تفويضاً عُزْلياً بعزل قدرة وهيمنة الباري تعالى، كما يتوهّمه غير المتضلّع في علوم المعارف، بل هي من باب إقداره تعالى، وهو أقدر فيما أقدر غيره على ذلك الشي‏ء.

الأقوال في التفويض:

قال الشيخ المفيد (قدس سره):

(التفويض: هو القول برفع الحظر عن الخلق في الأفعال والإباحة بما شاءوا من الأعمال، وهذا قول الزنادقة وأصحاب الإباحات، والواسطة بين هذين القولين أنّ اللَّه أقدر الخلق على أفعالهم، ومكّنهم من أعمالهم، وحدّ لهم الحدود في ذلك، ورسم لهم الرسوم، ونهاهم عن القبائح بالزجر والتخويف، والوعد والوعيد، فلم يكن بتمكينهم من الأعمال مجبراً لهم عليها، ولم يفوّض لهم الأعمال لمنعهم من أكثرها، ووضع الحدود لهم فيها وأمرهم بحسنها ونهاهم

٢٣١

عن قبيحها، فهذا هو الفصل بين الجبر والتفويض) (1) .

قال المجلسي في البحار:

(وأمّا التفويض: فيطلق على معاني بعضها منفي عنهم عليهم‌السلام وبعضها مثبّت لهم. فالأوّل: التفويض في الخلق، والرزق، والتربية، والإماتة، والإحياء. فإنّ قوماً قالوا إنّ اللَّه تعالى خلقهم وفوّض إليهم أمر الخلق فهم يخلقون، ويرزقون، ويميتون، ويحيون... - ثمّ ذكر لهذا القول وجهين، حكم بأنّ أحدهما كفرٌ صريح، والآخر دلّت الأخبار على المنع عنه، ثمّ قال: -

الثاني: التفويض في أمر الدين وهذا أيضاً يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون اللَّه فوّض إلى النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام عموماً أن يحلّوا ما شاءوا ويحرّموا ما شاءوا من غير وحي وإلهام، أو يغيّروا ما أُوحي إليهم بآرائهم، وهذا باطل لا يقول به عاقل؛ فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ينتظر الوحي أياماً كثيرة لجواب سائل ولا يجيبه من عنده، وقد قال تعالى: ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) .

وثانيهما: أنّه تعالى لمّا أكمل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث لم يكن يختار من الأُمور شيئاً إلاّ ما يوافق الحقّ والصواب، ولا يحلّ بباله ما يخالف مشيئته تعالى في كلّ باب، فوّض إليه تعيين بعض الأُمور، كالزيادة في الصلاة، وتعيين بعض النوافل في الصلاة والصوم وطعمة الجدّ، وغير ذلك ممّا مضى - وسيأتي - إظهاراً لشرفه وكرامته عنده، ولم يكن أصل التعيين إلاّ بالوحي، ولم يكن الاختيار إلاّ بالإلهام، ثمّ كان يؤكّد ما اختاره صلى‌الله‌عليه‌وآله بالوحي، ولا فساد في ذلك عقلاً، وقد دلّت النصوص

____________________

1) تصحيح اعتقادات الإمامية، ص47.

2) سورة النجم: 3 - 4.

٢٣٢

المستفيضة عليه ممّا تقدّم في هذا الباب وفي أبواب فضائل نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولعلّ الصدوق إنّما نفى المعنى الأوّل؛ حيث قال في الفقيه: وقد فوّض اللَّه عزّ وجلّ إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر دينه ولم يفوّض إليه تعدّي حدوده، وأيضاً هو رحمه اللَّه قد روى كثيراً من أخبار التفويض في كتبه ولم يتعرّض لتأويلها.

الثالث: تفويض أُمور الخلق إليهم من: سياستهم، وتأديبهم، وتكميلهم، وتعليمهم، وأمر الخلق بإطاعتهم فيما أحبّوا وكرهوا، وفيما علموا جهة المصلحة فيه وما يعلموا، وهذا حقّ لقوله تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (1) ، وغير ذلك من الآيات والأخبار، وعليه يحمل قولهم عليهم‌السلام : (نحن المحلّلون حلاله والمحرّمون حرامه)، أي: بيانهما علينا ويجب على الناس الرجوع فيهما إلينا، وبهذا الوجه ورد خبر أبي إسحاق والميثمي.

الرابع: تفويض بيان العلوم والأحكام بما رأوا المصلحة فيها بسبب اختلاف عقولهم - أي عقول الناس - أو بسبب التقية، فيفتون بعض الناس بالواقع من الأحكام وبعضهم بالتقية، ويبيّنون تفسير الآيات وتأويلها، وبيان المعارف بحسب ما يحتمل عقل كلّ سائل، ولهم أن يبيّنوا ولهم أن يسكتوا، كما ورد في أخبار كثيرة: (عليكم المسألة وليس علينا الجواب)، كلّ ذلك بحسب ما يريهم اللَّه من مصالح الوقت، كما ورد في خبر ابن أشيم (2) ، وغيره.

وهو أحد معاني خبر محمّد بن سنان في تأويل قوله تعالى: ( لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ ) (3) ، ولعلّ تخصيصه بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّة عليهم‌السلام ؛ لعدم تيسّر هذه التوسعة لسائر الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، بل كانوا مكلّفين بعدم التقية في بعض الموارد، وإن

____________________

1) سورة الحشر: 7.

2) قد مرّ ذكره.

3) سورة النساء: 105.

٢٣٣

أصابهم الضرر. والتفويض بهذا المعنى أيضاً ثابت وحقّ بالأخبار المستفيضة.

الخامس: الاختيار في أن يحكموا بظاهر الشريعة أو بعلمهم وبما يلهمهم اللَّه من الواقع ومخّ الحقّ في كلّ واقعة، وهذا أظهر محامل خبر ابن سنان، وعليه أيضاً دلّت الأخبار.

السادس: التفويض في العطاء، فإن اللَّه تعالى خلق لهم الأرض وما فيها، وجعل لهم الأنفال، والخمس، والصفايا، وغيرها، فلهم أن يعطوا ما شاءوا ويمنعوا ما شاءوا، كما مرّ في خبر الثمالي، وسيأتي في مواضعه.

وإذا أحطت خُبراً بما ذكرنا من معاني التفويض سهل عليك فهم الأخبار الواردة فيه، وعرفت ضَعف قول من نفى التفويض مطلقاً ولمّا يحط بمعانيه (1) .

وقال الحكيم الفقيه الشاه آبادي في كتابه رَشحات البحار:

(المطلب الثالث عشر في الولاية التشريعية، وهي قسمان:

الأوّل: معرفة النبيّ، والوليّ، بأنّهم المقرّبون الواقعون في مرتبة الإطلاق والمشيئة، بحيث لم يكن بينهم وبين اللَّه أحد، وهي من العقائد اللازمة في الشريعة. ومعرفتهم بالنورانية؛ لأنّهم أولياء النعم، حيث إنّ نعمة الوجود وكمالاته تحصل بمشيئته وهم صاروا مشيئته، والفرق بينهم وبين الوجود المطلق هو المشيئة، إنّ النقطة قد أخذت القرب من غير اختيار وهم أخذوها.. بالاختيار والامتحان، وليست الحقيقة الإطلاقية إلاّ أمراً واحداً، والأفراد عين الطبيعة المطلقة، فتدبّر فيه.

الثاني: الاعتقاد بأنّهم ولاة الأمر وأنّهم أَولى بالأنفس، كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله في الغدير: (أَلستُ أَولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فهذا علي مولاه)، كما

____________________

1) البحار، ج25، ص350 - 347.

٢٣٤

رواه العامّة في أزيد من ثمانين طريقاً، والخاصّة أزيد من أربعين طريقاً واصلاً إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بداهة أنّ الوليّ في المقام لا يمكن أن يكون معناه إلاّ السيد والأولى بالأمر؛ لعدم مناسبة سائر المعاني من استنطاقه صلى‌الله‌عليه‌وآله وإقرارهم له صلى‌الله‌عليه‌وآله بأولويّته على الأنفس، كما لا يخفى على المنصف غير المتعصّب.

مضافاً إلى أن هذه الولاية والأولويّة من توابع الولاية الأوّلية؛ فالتشريع على طبق التكوين، يعني: فكما أنّهم توابع لهم وجوداً وتحقّقاً في الواقع، وهم تحت لوائهم ذاتاً وأصلاً، فلابدَّ وأن يكونوا لهم طوعاً وتبعاً في الظاهر؛ حتّى يطابق الظاهر الباطن، اللّهمّ اجعلنا ممّن اعتقد بولايتهم ظاهراً وباطناً، وممّن يواليهم ظاهراً وباطناً). انتهى كلامه (قدس سره).

أقسام التفويض:

ولنبسّط الكلام في أقسام صلاحياتهم وما خُوّل إليهم في شؤون الدين الحنيف بترتيب آخر، سواء في التبليغ أو التشريع أو إقامة الشرع الحنيف:

القسم الأوّل: في كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام هم الباب، والدلائل، على شرع اللَّه تعالى، وهو ما يعبّر عنه في علم القانون الحديث بالناطق الرسمي لإمضاء ونفوذ القانون، فلا يؤدّي عن اللَّه تعالى إلاّ هو صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل بيته عليهم‌السلام عنه.

وبعبارة أُخرى: إنّ التشريع في مرحلته الإنشائية لا يكون نافذاً ولا مدوّناً وثابتاً في منظومة التشريع إلاّ بعد أن يُصوّب إنفاذه، فما لم يبرز إنشاء التشريع عبر القناة المخوّلة لذلك لا يكون ذلك التشريع إلاّ في مرحلة الأطوار البدائية للحكم، غير الواصل إلى مرحلة البلوغ التامّ. وهذه المراحل في الحكم الإنشائي وأطواره مغايرة لمرحلة تطبيق التشريع في الخارج على الموضوعات، أي ما يسمى بالحكم الفعلي الجزئي.

٢٣٥

فقناة التبليغ والمبلّغ لهما تمام الموضوعية في رسمية القانون والتشريع المُبرَم المحكم، وفي الحقيقة مقتضى ما حُقّق في علم الأُصول من أنّه ليس هناك إنشاء محض خالي عن الإخبار، بل كلّ من الإنشاء والإخبار ممتزج ومتداخل مع الآخر، غاية الأمر أحدهما بالمطابقة والآخر بالدلالة الالتزامية. ففي الإخبار المُخبِر وإن لم يكن يُنشئ المخبر به بل يحكيه ويدلّ عليه، إلاّ أنّ الحكاية والدلالة أمر ينشأ فيُوجد، فالمخبر به وإن لم يكن إنشائياً إلاّ أنّ الإخبار نفسه كفعل أمر إنشائي بضرب من ضروب الإنشاء، بل هناك دلالة إنشائية أُخرى في الإخبار أيضاً، وهي إنشاء المخبر للشهادة بمضمون الإخبار، ويتعهّد ويلتزم بصدق ما يخبر به هذا في الإخبار.

أمّا في الإنشاء، فهو وإن كان بالمطابقة إيجاد اعتباري للمعنى المُنشأ، إلاّ أنّ فيه مداليل خبرية أيضاً، منها:

إخبار عن وجود إرادة جدّية له بمضمون الإنشاء.

ومنها: الإخبار عن وجود مصلحة أو مفسدة فيما يأمر به أو ينهى عنه في موارد إنشاء الطلب والتشريع والتقنين.

ومنها: الإخبار عن وجود داعي للإنشاء، وهذا في جميع الأقسام الثمانية أو التسعة من أبواب الإنشاء، وغير ذلك من المداليل الأُخرى.

وإذا اتّضحت هذه المقدّمة، يتبيّن عدم وجود إخبار محض في بيان الأحكام عن اللَّه تعالى، بل هو مندمج ومشوب بضرب من الإنشاء، ومن ثمّ كان النطق الرسمي في القنوات الوضعية في الأنظمة السياسية في الدول إنشاء تفعيلي للتشريع، فإبراز وإيصال الأحكام من قبل الناطق عن السماء منصبٌ تشريعيّ يرسم فعلية التشريع، ومن ذلك يتبين الغفلة السطحية في حسبان أنّ الأئمة عليهم‌السلام قناة تبليغية معتادة كالرواة، أو عملية خُبرَوية معتادة كالفقهاء، والقانونيين، في إيصال الأحكام.

٢٣٦

وفي ظلّ هذا القسم يتبيّن دَخالة موقعية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في التشريعات الصادرة من الباري تعالى، عطية منه لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالمخبر بالقرآن والمبلّغ لكلّ ما فيه عن اللَّه إنّما هو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكذلك الحال في بقية فرائض اللَّه في الأحاديث القدسيّة، وهذه المرتبة الخطيرة في شؤون التشريع من المصادقة على تشريعات السماء، فضيلة منه تعالى حَباها لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا الموقع في شؤون الدين ثابت في الجملة للأئمّة عليهم‌السلام فيما يبلّغونه عن الرسول عن اللَّه تعالى، في تلك الموارد التي لم يتلقّاها الناس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما أدّاها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا زال يؤدّيها إلى خاصّة عِترته، بحسب ما لديه ولديهم من ارتباط لدني غير مقصور على حال الحياة.

ومن أمثلة هذا القسم: تبليغ سورة البراءة، ويشير إلى هذا القسم قوله تعالى: ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (1) ، وقوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) (2) ، وغيرها من الآيات المتضافرة في هذا الشأن له صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا الآيات المتعرّضة لإثبات هذا الشأن لهم عليهم‌السلام ، فقوله تعالى: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (3) ، بضميمة قوله الآخر: ( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاّ الظَّالِمُونَ ) (4) ، فدلّت الآيتان على وجود مجموعة في هذه الأُمّة قد أُودعوا الكتاب مُبيّناً كلّه في صدورهم، ومع دوام وأبدية حاجة الناس إلى الكتاب، الذي لا تنفذ كلماته وبحور

____________________

1) سورة النحل: 44.

2) سورة الجمعة: 2.

3) سورة النحل: 89.

4) سورة العنكبوت: 48 - 49.

٢٣٧

علومه، فتدوم الحاجة لوجود هذه المجموعة الذين شهد لهم القرآن بالقدرة على بيان الكتاب كلّه إلى يوم القيامة، ونظيره قوله تعالى: ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) (1) ، بضميمة قوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (2) ، وغيرها من الآيات التي سنستعرضها في الأبحاث اللاحقة.

أمّا الروايات، فهي ما رواه الفريقان عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: (لا يبلّغ عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي أو قال: من أهل بيتي) (3) ، وهذا الحديث النبويّ أصله حديث قدسيّ جاء به جبرائيل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا يبلّغ عنك إلاّ أنت أو رجل منك)، ونُقل أيضاً في حديث، قال: ثمّ بعثَ أبا بكر بسورة التوبة فبعث عليّاً عليه‌السلام خلْفه فأخذها منه، قال: (لا يذهب بها إلاّ رجل منّي وأنا منه) (4) .

____________________

1) سورة الواقعة: 75 - 80.

2) سورة الأحزاب: 33.

3) كفاية الطالب، لمحمّد بن يوسف الكنجي، ص151، ط / الغري. وكذلك: المعتصر من المختصر، للقاضي أبي الوليد المالكي، ج2، ص332، ط / حيدر آباد - الدكن.

4) مسند أحمد بن حنبل،ج1، ص330، ط / مصر. وذكره كذلك في الفضائل، ج2، ص240، مخطوط. وفي الخصائص، ص 8. ونقله النيسابوري في المستدرك على الصحيحين، ج3، ص132. ونقله ابن المؤيّد الموفّق بن أحمد في كتابه المناقب، ص74، ط / تبريز. ونقله كذلك محبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى، ص86، ط / مكتبة القدسي بمصر. ومنهم الذهبي في تلخيص المستدرك، ج3، ص132. ومنهم: الحمويني في فرائد السِمطين، وكذلك في البداية والنهاية، عماد الدين أبو الفداء، ج7، ص337. وكذلك مجمع الزوائد، ج9، ص118. وكذلك: الإصابة لابن حجر العسقلاني، ج2، ص502. وكذلك: في مفتاح النجاة في مناقب آل العبا، للميرزا محمّد خان ابن رستمخان المعتمد البدخشي، ص50، مخطوط. وكذلك: في القول الفصل، للسيد علوي بن طاهر الحدّاد، ج2، ص218. وتفسير القرطبي، ج 8، ص 68، في ذيل سورة براءة. والدرّ المنثور، في ذيل سورة براءة، وقد تضمّن بعض الطرق أنّه = (يتبع في الصفحة اللاحقة)

٢٣٨

والظاهر أنّ مفاد صدور هذا الحديث في عدّة مواطن، منها: إبلاغ سورة البراءة كما تقدّم.

ومنها: في عام حجّة الوداع حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّ عليّاً منّي وأنا من علي، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي، لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ) (1) .

ومفاد هذا الحديث وحديث البراءة وإن كان سيأتي بسط دراية معناه لاحقاً، إلاّ أنّه تجدر الإشارة إلى المعنى الظريف في مفاده، وهو تعبيره تعالى: (لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك)، لا يخلو من ظَرافة بلاغية ومعرفية استعمل فيها التجريد، حيث افترض في الحديث القدسيّ والنبويّ أداء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن نفسه، وهو لا يتمّ تصوّره إلاّ بتجريد مرتبة ومقام عالي للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يؤدّي عنه، أي: عن تلك المرتبة منه تؤدّي المرتبة النازلة منه، أي يؤدّي المرتبة الجسمانية النفسانية منه عن المرتبة النورية منه القلبية، وهذا يقتضي أنّ علياً عليه‌السلام يتحمّل عن المرتبة النورية من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ويبلِّغ عنه بلحاظ ذلك المقام النوري، لا عن الجسماني فقط، لا سيّما وأنّ أحد مواطن صدور الحديث هو في إبلاغ سورة من القرآن إلى أسماع

____________________

= حديث قدسي جاء به جبريل عليه‌السلام ، وقد أخرج ذلك الحديث القدسي عن عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند، وعن أبي الشيخ، وعن ابن مردويه، وذكره الشوكاني في فتح الباري، ج2، ص334، في ذيل سورة براءة.

1) مسند أحمد، ج4، ص164 - 165، بخمسة طرق. أخرجه في مسند الشاميّين حديث حبشي بن جنادة السلولي، وهو ممّن قد شهد حجّة الوداع. وخصائص النسائي، ص19 - 20، بطريقين، وصحيح البخاري، ج2، ص 229، كتاب المناقب، مناقب الصحابة، مناقب عليّ. والتاج الجامع للأصول، ج3، ص 335. والصواعق المحرقة، ص74. وتاريخ الخلفاء، ص169. وسنن البيهقي، ج8، ص 5. وصحيح الترمذي، ج2، ص 297. ومجمع الزوائد، ج9، ص127. ومستدرك الحاكم، ج3، ص 110. ومسند أبو داود، ج3، ص111. وكنز العمال، ج6، ص399. وفضائل الخمسة من الصحاح الستّة، ج1، ص337. وقد أخرج العلاّمة الأميني مصادر الحديث في الغدير، ج6، ص338، ط / دار الكتب الإسلامية، عن 73 من حفّاظ أئمّة الحديث. وكذلك في الاختصاص، ص200.

٢٣٩

البشرية تبليغاً عن السماء في أوّل نطق رسمي بهذه السورة.

القسم الثاني: التفويض في بيان تأويل الكتاب وبطونه قال تعالى: ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) (1) ، فأجزاء الشريعة جلّها في بطون الكتاب وتأويله، وإن كانت أُصولها في ظاهر الكتاب، سواء ذلك في المعارف والأُصول الاعتقادية، أو في الأحكام والفروع، ومن ثمّ كان بطون الكتاب سبعين بطناً وظاهره واحد، مع أنّ السبعين كناية عن الكثرة التي لا تُحصى، كقوله تعالى: ( إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ ) (2) .

وكذلك الحال في التأويل فإن التأويل للكتاب لا يقف على موارد النزول، بل يدور مدار العصور والدهور، بل يعمّ النشأتين، والنشآت وما فوقها من العالم الربوبي، وقد قال تعالى: ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (3) ، وقال تعالى: ( وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) (4) ، وقال تعالى: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) (5) ، وقال تعالى: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (6) ، وقال تعالى: ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (7) .

____________________

1) سورة آل عمران: 7.

2) سورة التوبة: 80.

3) سورة النحل: 44.

4) سورة النحل: 64.

5) سورة القيامة: 16 - 19.

6) سورة النحل: 89.

7) سورة العنكبوت: 49.

٢٤٠