الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية10%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141408 / تحميل: 8971
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

والضابط ما ذكرناه من اعتبار الاسم كالمقيس عليه ، وعلف الاُمّهات لا يسري إلى الأولاد.

ويبعد ما قيل في غنم مكّة ، لأنّها لو كانت متولّدة من جنسين لم يكن لها نسل كالسِّمع المتولّد من الذئب والضبع(١) ، وكالبغال.

وقال الشافعي : لا تجب سواء كانت الاُمّهات من الظباء أو الغنم ، لأنّه متولّد من وحشي أشبه المتولّد من وحشيّين.

ولأنّ الوجوب إنّما يثبت بنصّ أو إجماع أو قياس ، والكلّ منفي هنا ، لاختصاص النصّ والإِجماع بالإِيجاب في بهيمة الأنعام من الأزواج الثمانية وليست هذه داخلة في اسمها ولا حكمها ولا حقيقتها ولا معناها ، فإنّ المتولّد بين شيئين ينفرد باسمه وجنسه وحكمه عنهما كالبغل فلا يتناوله النصّ ، ولا يمكن القياس ، لتباعد ما بينهما واختلاف حكمهما ، فإنه لا يجزئ في هدي ولا اُضحية ولا دية(٢) ، ولا نزاع معنا إذا لم يبق الاسم.

وقال أبو حنيفة ومالك : إن كانت الاُمّهات أهليةً وجبت الزكاة وإلّا فلا ، لأنّ ولد البهيمة يتبع اُمّه في الاسم والملك فيتبعها في الزكاة ، كما لو كانت الفحول معلوفةً(٣) . ونمنع التبعيّة في الاسم.

____________________

(١) اُنظر : الصحاح ٣ : ١٢٣٢.

(٢) المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٠ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥.

٨١

الفصل الثالث

في زكاة الغنم‌

الزكاة واجبة في الغنم بإجماع علماء الإِسلام.

قالعليه‌السلام : ( كلّ صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تمشي عليه فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلّما انقضى آخرها عاد أولها حتى يقضي الله بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )(١) .

إذا ثبت هذا فإنّ شرائط الزكاة هنا كما هي في الإِبل والبقر بالإِجماع ، نعم تختلف في مقادير النصب ، والضأن والمعز جنس واحد بإجماع العلماء ، والظباء مخالف للغنم إجماعاً.

مسألة ٥٢ : أول نصاب الغنم : أربعون ، فلا زكاة فيما دونها‌ ، فإذا بلغت أربعين ففيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون فلا شي‌ء في الزائد على الأربعين حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ففيه شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، فلا زكاة في الزائد حتى تبلغ مائتين وواحدة ففيه ثلاث شياه ، والكلّ بالإِجماع.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٢ / ٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٤ / ١٦٥٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٨١.

٨٢

وحكي عن معاذ أنّ الفرض لا يتغيّر بعد المائة وإحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين واثنتين وأربعين ليكون مثلَي مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها ثلاث شياه(١) .

والإِجماع على خلافه ، على أنّ الراوي لها الشعبي وهو لم يلق معاذاً(٢) .

الرابع : ثلاثمائة وواحدة وفيه روايتان : إحداهما : أنّه كالثالث ثلاث شياه ، فلا يتغيّر الفرض بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة فتجب في كلّ مائة شاة ، وبه قال المفيد والسيد المرتضى(٣) ، وهو قول أكثر الفقهاء ، والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه للسُّعاة : ( إنّ في الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاةٌ إلى مائة وعشرين ، فإذا زادت ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين ، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت ففي كلّ مائةٍ شاة )(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٢) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة ، شهد بدراً وما بعدها ، مات بالشام سنة ١٨.

والشعبي هو : عامر بن شراحيل أبو عمرو ، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين.

اُنظر : اُسد الغابة ٤ : ٣٧٨ ، الاستيعاب بهامش الإِصابة ٣ : ٣٥٥ - ٣٦٠ ، وتهذيب التهذيب ٥ : ٥٩ / ١١٠ و ١٠ : ١٧٠ / ٣٤٩.

(٣) المقنعة : ٣٩ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ١٢٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤١٧ - ٤١٨ ، فتح العزيز ٥ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٥٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٨ ، اللباب ١ : ١٤٢ ، المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

٨٣

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الأربعين شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة »(١) .

الثانية(٢) : أنّها إذا زادت على ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه ، ثم لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ خمسمائة ، وهو اختيار الشيخ -(٣) رحمه‌الله - وأحمد في الرواية الاُخرى ، وبه قال النخعي والحسن بن صالح بن حي(٤) .

لقول الباقرعليه‌السلام في الشاة : « في كلّ أربعين شاةً شاةٌ ، وليس فيما دون الأربعين شاةً شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زاد على عشرين ومائة ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإن تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة شاة »(٥) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل ثلاثمائة حدّاً للوقص وغايةً له(٦) ؛

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

(٢) أي : الرواية الثانية.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢١ ، المسألة ١٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، وفيها عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

(٦) اُنظر : سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٦.

٨٤

فتجب أن يتعقّبه النصاب كالمائتين.

إذا ثبت هذا ، فلا خلاف في أنّ في أربعمائة أربع شياه ، وفي خمسمائة خمس ، وهكذا بالغاً ما بلغت.

* * *

٨٥

الفصل الرابع

في الأشناق‌

الشّنق بفتح النون : ما بين الفرضين(١) ، والوقص قال الفقهاء : بسكون القاف(٢) .

وقال بعض أهل اللغة : بفتحه(٣) ، لأنّه يجمع على ( أوقاص ) و ( أفعال ) جمع ( فَعَلْ ) لا جمع ( فَعْلْ ) فإنّ ( فَعْلاً ) يجمع على ( أفْعُل ).

وقد جاء - كما قال الفقهاء - هول وأهوال ، وحوْل وأحوال ، وكبْر وأكبار ، وبالجملة فهو ما بين النصابين(٤) أيضاً.

قال الأصمعي : الشنق يختص بأوقاص الإِبل ، والوقص بالبقر والغنم(٥) .

وبعض الفقهاء يخصّ الوقص بالبقر أيضاً ، ويجعل ناقص الغنم والنقدين والغلّات عفواً ، وكلّ ذلك لفظي.

وقيل : الوقص ما بين الفرضين كما بين الثلاثين إلى الأربعين في البقر ،

____________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٠٣.

(٢) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

(٣ و ٤ ) الصحاح ٣ : ١٠٦١.

(٥) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

٨٦

والشنق ما دون الفريضة كالأربع من الإِبل(١) .

مسألة ٥٣ : ما نقص عن النصاب الأول لا شي‌ء فيه‌ إجماعاً ، وكذا ما بين النصابين عند علمائنا ، وإنّما تتعلّق الزكاة بالنصاب خاصّة - وبه قال الشافعي في كتبه القديمة والجديدة ، وأبو حنيفة ، والمزني(٢) - لأنّه عدد ناقص عن نصاب إذا بلغه وجبت فيه الزكاة ، فلا تتعلّق به كالأربع.

ولقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى يبلغ أربعين - إلى أن قالاعليهما‌السلام - وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء »(٣) .

وقال الشافعي في الإِملاء : تتعلّق الزكاة بالنصاب وبما زاد عليه من الوقص ، وبه قال محمد بن الحسن.

لقولهعليه‌السلام : ( فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض )(٤) .

ولأنّه حقّ يتعلّق بنصاب فوجب أن يتعلّق به وبما زاد عليه إذا وجد معه ولم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة(٥) .

والنصّ أقوى من المفهوم والقياس.

فعلى قولنا ، لو ملك خمسين من الغنم وتلفت العشرة الزائدة قبل‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٥٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٩١ و ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧ - ٣٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٩ ، اللباب ١ : ١٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ - ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٤ / ١٧٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩ و ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١١ و ٢ : ١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٥٤٨ و ٥٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨.

٨٧

التمكّن من الأداء بعد الحول لم يسقط هنا شي‌ء ، لأنّ التالف لم تتعلّق الزكاة به ، ولو تلف عشرون سقط ربع الشاة ، لأنّ الاعتبار بتلف جزء من النصاب ، وإنّما تلف من النصاب ربعه.

فروع :

أ - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده وبعد إمكان الأداء يجب جميع الفرض ، لأنّه تلف بعد تفريطه في التأخير فضمن ، وإن تلف بعد الحول وقبل إمكان الأداء سقط عندنا من الزكاة بقدر التالف.

وللشافعي قولان بناءً على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب أو الضمان ، فعلى الأول لا شي‌ء ، لنقصه قبل الوجوب(١) .

ب - لو كان معه تسع من الإِبل فتلف أربع قبل الحول أو بعده وبعد الإِمكان وجبت الشاة(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن كان بعد الحول وقبل الإِمكان فكذلك عندنا.

وعند الشافعي كذلك على تقدير أن يكون الإِمكان شرطاً في الوجوب ، لأنّ التالف قبل الوجوب إذا لم ينقص به النصاب لا حكم له ، وعلى تقدير أن يكون من شرائط الضمان فكذلك إن لم تتعلّق بمجموع النصاب والوقص ، وإن تعلّقت بهما سقط قدر الحصّة أربعة أتساع الشاة(٤) .

وقال بعضهم - على هذا التقدير - : لا يسقط شي‌ء ، لأنّ الزيادة لمـّا لم تكن شرطاً في وجوب الشاة لم يسقط شي‌ء بتلفها وإن تعلّقت بها ، كما لو شهد ثمانية بالزنا ورجع أربعة بعد قتله لم يجب عليهم شي‌ء ، ولو رجع خمسة وجب‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) في نسخة « ط » : الزكاة.

(٣ و ٤ ) المجموع ٥ : ٣٧٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

٨٨

عليهم الضمان ، لنقص ما بقي من العدد المشترط(١) .

ج - لو ذهب خمس من التسع قبل الحول فلا زكاة ، وإن كان بعده وقبل إمكان الأداء سقط خمس الشاة ، وبه قال الشافعي على تقدير أنّ الإِمكان من شرائط الضمان وتعلّق الزكاة بالنصاب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الوجوب فكقبل الحول لنقص النصاب قبل الوجوب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الضمان وتعلّق الزكاة بالمجموع تسقط خمسة أتساع الشاة(٢) .

د - لو كان معه خمس وعشرون وأوجبنا بنت المخاض فيه فتلف منها خمسة قبل إمكان الأداء وجب أربعة أخماس بنت مخاض - وبه قال الشافعي على تقدير كونه شرطاً في الضمان(٣) ، وأبو يوسف ومحمد(٤) - لأنّ الواجب بحؤول الحول بنت مخاض ، فإذا تلف البعض لم يتغيّر الفرض ، بل كان التالف منه ومن المساكين.

وقال أبو حنيفة : تجب أربع شياه(٥) . فجعل التالف كأنّه لم يكن.

قال الشيخ : لو كان معه ستّ وعشرون فهلك خمس قبل الإِمكان فقد هلك خُمس المال إلّا خُمس الخُمس فيكون عليه أربعة أخماس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها ، وعلى المساكين خُمس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها(٦) .

ه- حكم غير الإِبل حكمها في جميع ذلك ، فلو تلف من نصاب الغنم‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٩٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٢) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨ - ٣٩.

(٤ و ٥ ) حلية العلماء ٣ : ٣٩.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٤‌

٨٩

شي‌ء سقط من الفريضة بنسبته.

وهل الشاتان في مجموع النصاب الثاني أو في كلّ واحد شاة؟

احتمالان(١) ، فعلى الأول لو تلف شي‌ء بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب في النصب بقدر التالف ، وعلى الثاني يوزّع على ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف.

مسألة ٥٤ : لا تأثير للخلطة عندنا في الزكاة‌ سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف ، بل يزكّى كلٌّ منهما زكاة الانفراد ، فإن كان نصيب كلّ منهما نصاباً وجب عليه زكاة بانفراده.

وإن كان المال مشتركاً كما لو كانا مشتركين في ثمانين من الغنم بإرث أو شراء أو هبة فإنّه يجب على كلّ واحد منهما شاة بانفراده.

ولو كانا مشتركين في أربعين فلا زكاة هنا ، وبه قال أبو حنيفة والثوري(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فلا شي‌ء فيها )(٣) .

وقال : ( ليس على المرء في ما دون خمس ذود من الإِبل صدقة )(٤) ولم يفصّل.

وقالعليه‌السلام : « في أربعين شاةً شاةٌ »(٥) .

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية : احتمال. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية هو الصحيح.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٤ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥ ، و ١٠٠ بتفاوت يسير.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٤ و ١٠٧ و ١٢٠.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ و ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

٩٠

فإذا ملكا ثمانين وجب شاتان.

ولأنّ ملك كلّ واحد منهما ناقص عن النصاب فلا تجب عليه الزكاة ، كما لو كان منفرداً.

وقال الشافعي : الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف بأن يكون ملك كلّ منهما متميّزاً عن الآخر ، وإنّما اجتمعت ماشيتهما في المرعى والمسرح - على ما يأتي(١) - سواء تساويا في الشركة أو اختلفا بأن يكون لرجل شاة ولآخر تسعة وثلاثون ، أو يكون لأربعين رجلاً أربعون شاةً لكلّ منهم شاة ، وبه قال عطاء والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع )(٣) أراد إذا كان لجماعة لا يجمع بين متفرّق فإنّه إذا كان للواحد يجمع للزكاة وإن تفرّقت أماكنه ، وقوله : ( ولا يفرّق بين مجتمع ) يقتضي إذا كان لجماعة لا يفرّق ، ونحن نحمله على أنّه لا يجمع بين متفرّق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد فلا يفرّق بين مجتمع في الملك فإنّ الزكاة تجب على الواحد وإن تفرّقت أمواله.

وقال مالك : تصحّ الخلطة إذا كان مال كلّ واحد منهما نصاباً(٤) .

____________________

(١) يأتي في المسألة اللاحقة (٥٥).

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٩ - ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦٠ - ٦١ ، الاُم ٢ : ١٤ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠١ و ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٣ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

٩١

وحكى بعض الشافعيّة عن الشافعي وجها آخر : أنّ العبرة إنّما هي بخلطة الأعيان دون خلطة الأوصاف(١) .

مسألة ٥٥ : قد بيّنا أنّه لا اعتبار بالخلطة بنوعيها‌ - خلافاً للشافعي ومن تقدّم(٢) - فلا شرط عندنا وعند أبي حنيفة ، لعدم الحكم.

أمّا الشافعي فقد شرط فيها أموراً :

الأول : أن يكون مجموع المالين نصاباً.

الثاني : أن يكون الخليطان معاً من أهل فرض الزكاة ، فلو كان أحدهما ذمّيّاً أو مكاتباً لم تؤثّر الخلطة ، وزكّى المسلم والحرّ كما في حالة الانفراد ، وهذان شرطان عامّان ، وفي اشتراط دوام الخلطة السنة؟ ما يأتي.

وتختصّ خلطة الجوار باُمور :

الأول : اتّحاد المسرح ، والمراد به المرعى.

الثاني : اتّحاد المراح ، وهو مأواها ليلاً.

الثالث : اتّحاد المشرع وهو أن يرد غنمهما ماءً واحداً من نهر أو عين أو بئر أو حوض.

وإنّما شرط(٣) اجتماع المالين في هذه الاُمور ليكون سبيلها سبيل مال المالك [ الواحد ](٤) وليس المقصود أن لا يكون لها إلّا مسرح أو مرعى أو مراح واحد بالذات ، بل يجوز تعدّدها لكن ينبغي أن لا تختص ماشية هذا بمسرح ومراح ، وماشية الآخر بمسرح ومراح.

الرابع : اشتراك المالين في الراعي أو الرعاة - على أظهر الوجهين عنده - كالمراح.

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٩٠ - ٣٩١ ، المجموع ٥ : ٤٣٣.

(٢) تقدّم ذكرهم في المسألة السابقة (٥٤).

(٣) في نسختي « ن وف » : شرطوا.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٩٢

الخامس : اشتراكهما في الفحل ، فلو تميّزت ماشية أحدهما بفحولة ، وماشية الآخر باُخرى فلا خلطة - على أظهر الوجهين - عنده.

السادس : اشتراكهما في موضع الحلب ، فلو حلب هذا ماشيته في أهله ، والآخر في أهله فلا خلطة(١) .

وهل يشترط الاشتراك في الحالب والمحلب؟ أظهر الوجهين عنده عدمه ، كما لا يشترط الاشتراك في الجازّ وآلات الجزّ(٢) .

وإن شرط الاشتراك في المحلب فهل يشترط خلط اللبن؟ وجهان ، أصحهما عنده : المنع ، لأدائه إلى الربا عند القسمة إذ قد يكثر لبن أحدهما(٣) .

وقيل : لا ربا كالمسافرين يستحب خلط أزوادهم وإن اختلف أكلهم(٤) .

وربما يفرّق بأنّ كلّ واحد يدعو غيره إلى طعامه فكان إباحةً ، بخلافه هنا.

وهل يشترط نيّة الخلطة؟ وجهان عندهم : الاشتراط ، لأنّه معنى يتغيّر به حكم الزكاة تخفيفاً كالشاة في الثمانين ، ولو لا الخلطة لوجب شاتان ، وتغليظاً كالشاة في الأربعين ، ولولاها لم يجب شي‌ء فافتقر إلى النيّة ، ولا ينبغي أن يغلظ عليه من غير رضاه ، ولا أن ينقص حقّ الفقراء إذا لم يقصده.

والمنع ، لأنّ تأثير الخلطة لخفّة المؤونة باتّحاد المرافق وذلك لا يختلف‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٢ - ٣٩٤ ، الاُم ٢ : ١٣ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٨ - ٥٣٠.

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٧ - ٣٩٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٨ - ٣٩٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩.

٩٣

بالقصد وعدمه(١) .

وهل يشترط وجود الاختلاط في أول السنة واتّفاق أوائل الأحوال؟

قولان(٢) .

وفي تأثير الخلطة في الثمار والزرع ثلاثة أقوال له : القديم : عدم التأثير ، وبه قال مالك وأحمد في رواية.

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي )(٣) وإنّما تتحقّق في المواشي.

والجديد : عدمه(٤) ، وتأثير خلطة الشيوع دون الجوار(٥) ، فعلى الجديد تؤثّر ، لحصول الاتّفاق باتّحاد العامل والناطور(٦) والنهر الذي تسقى منه.

وقال بعض أصحاب مالك : لا يشترط من هذه الشروط شي‌ء سوى الخلطة في المرعى ، وأضاف بعض أصحابه إليه الاشتراك في الراعي أيضاً(٧) ، والكلّ عندنا باطل.

فروع على القول بشركة الخلطاء :

أ - إذا اختلطا خلطة جوار ولم يمكن أخذ مال كلّ منهما من ماله كأربعين لكُلٍّ عشرون ، أخذ الساعي شاةً من أيّهما كان ، فإن لم يجد الواجب إلّا في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٠٢ - ٤٠٣.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٤ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٦ وفيهما : ( الراعي ) بدل ( الرعي ).

(٤) أي عدم عدم التأثير الملازم للثبوت.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٠ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧١ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٣ ، بلغة السالك ١ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٤.

(٦) الناطور : حافظ الزرع والثمر والكرم. لسان العرب ٥ : ٢١٥ « نطر ».

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٧ و ١٣٨ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٣١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢.

٩٤

مال أحدهما أخذ منه.

وإن أمكن أخذ ما يخصّ كلّ [ واحد ](١) منهما لو انفرد فوجهان : أن يأخذ من كلّ منهما حصّة ماله ليغنيهما عن التراجع ، وأن يأخذ من عرض المال ما يتّفق ، لأنّهما مع الخلطة كمال واحد ، والمأخوذ زكاة جميع المال(٢) .

فعلى هذا لو أخذ من كلّ منهما حصّة ماله بقي التراجع بينهما ، فإذا أخذ من هذا شاةً ، ومن هذا اُخرى رجع كلٌّ منهما على صاحبه بنصف قيمة ما اُخذ منه.

ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما ، وثلاثون للآخر ، فالتبيع والمسنّة واجبان على الشيوع ، على صاحب الأربعين أربعة أسباعهما ، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما.

فإن أخذهما من صاحب الأربعين رجع على صاحب الثلاثين بثلاثة أسباعهما وبالعكس.

ولو أخذ التبيع من صاحب الأربعين والمسنّة من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على الآخر ، والآخر بقيمة أربعة أسباع المسنّة على الأول.

وإن أخذ المسنّة من صاحب الأربعين والتبيع من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنّة على الآخر ، والآخر عليه بقيمة أربعة أسباع التبيع ، هذا كلّه في خلطه الجوار.

أمّا خلطة الأعيان فالأخذ منه يقع على حسب ملكهما ، فلو كان لهما ثلاثمائة من الإِبل فعليهما ستّ حقاق ولا تراجع.

ولو كان لأحدهما ثلاثمائة وللآخر مائتان فله عشر حقاق بالنسبة ، وهذا‌

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الوجهان للشافعية ، راجع فتح العزيز ٥ : ٤٠٨.

٩٥

يأتي على مذهبنا.

ب - لو ورثا أو ابتاعا شائعاً وأداما الخلطة زكّيا - عندهم - زكاة الخلطة ، وكذا لو ملك كلٌّ منهما دون النصاب ثم خلطا وبلغ النصاب(١) .

ولو انعقد الحول على مال كلّ منهما منفرداً ثم طرأت الخلطة ، فإن اتّفق الحولان بأن ملكا غرّة المحرّم وخلطا غرّة صفر ، ففي الجديد : لا يثبت حكم الخلطة في السنة الاُولى - وبه قال أحمد - لأنّ الأصل الانفراد ، والخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد على الانفراد ، وتجب على كلّ منهما شاة إذا جاء المحرّم(٢) .

وفي القديم - وبه قال مالك - ثبوت حكم الخلطة نظراً إلى آخر الحول ، فإنّ الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول ، فيجب على كلّ منهما نصف شاة إذا جاء المحرّم(٣) .

ولو اختلف الحولان ، فملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر وخلطا غرّة ربيع ، فعلى الجديد ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني شاة.

وعلى القديم ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول نصف شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة.

ثم في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين ، فعلى الأول عند غرّة كلّ محرّم نصف شاة ، وعلى الثاني عند غرّة كلّ صفر كذلك ، وبه قال مالك وأحمد(٤) .

وقال ابن سريج : إنّ حكم الخلطة لا يثبت في سائر الأحوال ، بل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٤٤١.

(٢ و ٣ ) المجموع ٥ : ٤٤٠ ، الوجيز ١ : ٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٣ - ٤٤٦ ، المغني ٢ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٤٤٧ - ٤٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٠ - ٤٤١.

٩٦

يزكّيان زكاة الانفراد أبداً(١) .

ولو انعقد الحول على الانفراد في حق أحد الخليطين دون الآخر كما لو ملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر ، وكما ملك خلطا ، فإذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة في الجديد ، ونصف شاة في القديم(٢) .

وأمّا الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة - في القديم - وفي الجديد ، وجهان : شاة ، لأنّ الأول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الأول ، وأظهرهما : نصف شاة ، لأنّه كان خليطاً في جميع الحول ، وفي سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين إلّا عند ابن سريج(٣) .

ولو طرأت خلطة الشيوع على الانفراد كما لو ملك أربعين شاة ، ثم باع بعد ستّة أشهر نصفها مشاعاً ، فالظاهر أنّ الحول لا ينقطع ، لاستمرار النصاب بصفة الاشتراك ، فإذا مضت ستّة أشهر من وقت البيع فعلى البائع نصف شاة ولا شي‌ء على المشتري إن أخرج البائع واجبة من المشترك ، لنقصان النصاب.

وإن أخرجها من غيره ، وقلنا : الزكاة في الذمة ، فعليه أيضاً نصف شاة عند تمام حوله ، وإن قلنا : تتعلّق بالعين ففي انقطاع حول المشتري قولان : أرجحهما : الانقطاع ، لأنّ إخراج الواجب من غير النصاب يفيد عود الملك بعد الزوال لا أنّه يمنع الزوال(٤) .

ج - إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة ، واُخرى من جنسها منفردة كما لو خلط عشرين شاة بمثلها لغيره وله أربعون ينفرد [ بها ](٥) ففيما يخرجان الزكاة؟ قولان مبنيّان على أنّ الخلطة خلطة ملك أي يثبت حكم الخلطة في‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٨٣ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٩ - ٤٦٢.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٩٧

كلّ ما في ملكه ؛ لأنّ الخلطة تجعل مال الاثنين كمال الواحد ، ومال الواحد يضمّ بعضه إلى بعض وإن تفرّقت أماكنه ، فعلى هذا كان صاحب الستّين خلط جميع ماله بعشرين ، فعليه ثلاثة أرباع شاة ، وعلى الآخر ربعها.

أو أنّها خلطة عين أي يقتصر حكمها على عين المخلوط ، لأنّ خفّة المؤونة إنّما تحصل في القدر المخلوط وهو السبب في تأثير الخلطة ، فعلى صاحب العشرين نصف شاة ، لأنّ جميع ماله خليط عشرين ، وفي أربعين شاة ، فحصّة العشرين نصفها(١) .

وفي صاحب الستّين وجوه : أصحّها عنده : أنه يلزمه شاة ، لأنّه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فغلّب حكم الانفراد ، كما لو انفرد بالمال في بعض الحول فكأنّه منفرد بجميع الستّين ، وفيها شاة.

والثاني : يلزمه ثلاثة أرباع شاة ، لأنّ جميع ماله ستّون ، وبعضه مختلط حقيقةً ، وملك الواحد لا يتبعّض حكمه فيلزم إثبات حكم الخلطة للباقي ، فكأنّه خلط جميع الستّين بالعشرين ، وواجبها شاة حصّة الستّين ثلاثة أرباعها.

الثالث : يلزمه خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، ففي الأربعين حصّتها من الواجب لو انفرد بالكلّ وهو شاة حصّة الأربعين ثُلثا شاة ، وفي العشرين حصّتها من الواجب لو خلط الكلّ وهي ربع شاة لأنّ الكلّ ثمانون ، وواجبها شاة.

الرابع : أنّ عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة ، كما أنّه واجب خليطه في ماله ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة وذلك حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله.

الخامس : أنّ عليه شاة في الأربعين ونصف شاة في العشرين ، كما لو‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

٩٨

كانا لمالكين(١) .

ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكلّ منهما أربعون منفردة ، إن قلنا بخلطة الملك فعليهما شاة ، لأنّ الكلّ مائة وعشرون

وإن قلنا بخلطة العين فوجوه : أصحها : أنّ على كلّ منهما شاة.

الثاني : ثلاثة أرباع ، لأنّ كلّاً منهما يملك ستّين بعضها خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكلّ ، والكلّ ثمانون ، حصّة ستّين ما قلنا.

الثالث : على كلّ منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين الاعتبارين ، فيقدّر كلّ واحد منهما كأنّه منفرد بالستّين ، وفيها شاة ، فحصّة الأربعين منها ثُلثا شاة ، ثم يقدّر أنّه خلط جميع الستّين بالعشرين والمبلغ ثمانون ، وفيها شاة ، فحصّة العشرين منها ربع شاة.

وقيل : على كلّ واحد خمسة أسداس شاة بلا زيادة تجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطاً وهو مائة وعشرون وواجبها شاة ، فحصة العشرين سدس شاة وفي الأربعين ثُلثا شاة(٢) .

الرابع : على كلّ منهما شاة وسدس شاة ، نصف شاة في العشرين المختلطة قصراً لِحكم الخلطة على الأربعين ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة.

الخامس : على كلّ واحد شاة ونصف شاة ، شاة للأربعين المنفردة ، ونصف للعشرين المختلطة(٣) .

د - لو خالط الشخص ببعض ماله واحداً وببعضه آخر ولم يتشارك الآخران بأن يكون له أربعون فخلط منها عشرين بعشرين لرجل لا يملك غيرها ،

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، الوجيز ١ : ٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧١ - ٤٧٣.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٧٤.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ - ٤٧٥.

٩٩

وعشرين بعشرين لآخر كذلك ، فإن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة ، لأنّه خليطهما ومبلغ الأموال ثمانون ، وحصّة الأربعين منها النصف ، وكلّ واحد من خليطيه يضمّ ماله إلى جميع مال صاحب الأربعين.

وهل يضمّه إلى مال الآخر؟ وجهان : الضمّ ، لينضمّ الكلّ في حقّهما كما انضمّ في حق صاحب الأربعين ، فعلى كلّ واحد منهما ربع شاة.

والعدم ، لأنّ كلّاً منهما لم يخالط الآخر بماله بخلاف صاحب الأربعين فإنه خالط لكلِّ واحد منهما ، فعلى كلّ واحد ثُلث شاة.

وإن قلنا بخلطة العين فعلى كلّ من الآخَرَين نصف شاة ، لأنّ مبلغ ماله وما خالط ماله أربعون(١) .

وفي صاحب الأربعين وجوه :

أحدها : تلزمه شاة تغليباً للانفراد وإن لم يكن منفرداً حقيقةً لكن ما لم يخالط به أحدهما فهو منفرد عنه فيعطى حكم الانفراد ، ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالباقي أيضاً ، وكذا بالإِضافة إلى الخليط الثاني فكأنّه لم يخالط أحداً.

الثاني : يلزمه نصف شاة ، تغليباً للخلطة ، فإنّه لا بدّ من إثبات حكم الخلطة حيث وجدت حقيقةً ، واتّحاد المال يقتضي ضمّ أحد ماليه إلى الآخر ، فكلّ المال ثمانون ، فكأنّه خلط أربعين بأربعين.

الثالث : يلزمه ثُلثا شاة جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، بأن يقال : لو كان جميع ماله مع [ مال ](٢) زيد لكان المبلغ ستّين وواجبها شاة ، حصّة العشرين الثُلث ، وكذا يفرض في حقّ الثاني فيجتمع عليه ثُلثان(٣) .

مسألة ٥٦ : قد بيّنا أنّه إذا ملك أربعين وجب عليه الشاة وإن تعدّدت‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٦ - ٤٧٧.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٧ - ٤٧٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

الميزان، فالآية تشير إلى أنّ الموصوفين بجعلهم أئمّة من قبله تعالى مؤيدون بحقيقة أمرية من عالم الأمر، وهو روح القدس الطاهرة، ومسدّدون بقوّة ربانية ينبعث منهم بتوسّطها فعل الخيرات.

والقرينة الأُخرى على إرادة الوحي التسديدي في الآية المزبورة: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) ، أنّه لو أُريد الوحي التشريعي لفُصل بين كلمة الوحي وكلمة فعل الخيرات بأنّ، ونحوها، كما هو الشائع في الاستعمال القرآني واللغوي.

وممّا يعضد استعمال الوحي في الأعمّ من الوحي التشريعي (الإنبائي) والتسديدي قوله تعالي: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ ) (١) ، فإنّ الإيحاء بالروح الأمري (أي: من عالم الأمر) المراد به تسديده صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك الروح لا صِرف الإنباء، بقرينة ذكر كلّ من الكتاب والإيمان، فإنّ الإيمان فعل تسديدي نظير: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) ، مضافاً إلى أنّه جعل متعلّق الوحي في قوله تعالى: ( أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ) هو نفس الروح، ممّا يدلّل على إرساله ليلتحم بروح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فيتحصّل في مفاد الآية تعليل هدي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ورشاده صلى‌الله‌عليه‌وآله ونور نطقه بأنّ الباري اصطنعه بيد القدرة الربانية، كما في قوله تعالى: ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) (٢) ، وقوله تعالى في شأن النبيّ موسى: ( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) (٣) ، بنحوٍ تكون جميع شؤونه وحْيانيةً. ومن ثمّ فرض الباري على البشرية لزوم التأسّي برسوله في جميع شؤونه، حيث قال: ( لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (٤) ، وأطلق تعالى الأمر بالأخذ بجميع ما يأتي به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والانتهاء عمّا ينهى عنه، فقال: ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) .

____________________

١) سورة الشورى: ٥٢.

٢) سورة طه: ٣٩.

٣) سورة طه: ٤١.

٤) سورة الأحزاب: ٢١.

٢٦١

وما اشتهر، في كلمات المفسّرين، وجملة من المتكلّمين وعلماء الأُصول، وكثير من بحوث المعرفة الدينية، من تقييد هذه الآية وآية ( مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ) وآية (التأسّي) بالشرعيات، والأحكام دون العاديات وأُمور المعاش، فقال بعضهم: (ويحتجّ بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء، ويُجاب: بأنّ اللَّه تعالى إذ سوّغ لهم الاجتهاد كان الاجتهاد وما يستند إليه كلّه وحياً لا نطق عن الهوى) (١)

فمبنيّ على النظرية - التي سبق تخطئتها - التفكيك في شخصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الفطرة الغريزية والنفسانية، والفطرة العقلانية، والفطرة الوحْيانية. وقد سبق عدم تعقّل خروج درجات النفس النبويّة عن هيمنة الفطرة الوحْيانية، ومن ثمّ وصَفَه الباري بقوله: ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٢) ، وقال تعالى: ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) (٣) .

وقال تعالى: ( إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (٤) ، ووصفه تعالى بالرؤوف الرحيم، مع أنّها من أسمائه الحسنى، فقال تعالى: ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (٥) .

ووصفه تعالى بأنّه رحمة للعالمين، فقال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) (٦) ، وبيّن تعالى استغراق عنايته بنبيّه في كلّ أحواله ومقاماته بقوله تعالى: ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) (٧) .

كما أنّ نظرية التفكيك مبنية على التفكيك في سياق الآيات في سورة النجم، مع أنّه قد اتّضحت المقابلة في الآيات بين الضلال والغي والهوى من جهة، والتسديد الوحْياني من جهة أُخرى.

____________________

١) الكشّاف للزمخشري، ج٢، ص ٤١٨.

٢) سورة القلم: ٤.

٣) سورة الشرح: ١.

٤) سورة يس: ٣ - ٤.

٥) سورة التوبة: ١٢٨.

٦) سورة الأنبياء: ١٠٧.

٧) سورة الطور: ٤٨.

٢٦٢

ومن ثمّ ترى مفسّري العامّة حيث لا يقولون بالعصمة المطلقة للأنبياء يرتكبون التمحّل في الآيات الأُولى في سورة النجم بنحوٍ ممجوج، فيقيدون متعلّق الضلال بموارد خاصّة، مع أنّ الآية تنفي مطلق الضلال عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ شؤونه، وتثبت الهدى والهداية في كلّ مقاماته.

وكذلك تمحّلوا في نفي الغواية عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بتقييدها بموارد خاصّة أيضاً، مع أنّ الآية تنفي الغواية في كلّ سلوكه، وتثبت الرشاد في كلّ سيره ومسيرته. ولم يكتفوا بذلك، بل تمحّلوا التقييد في الآية الثالثة، فقالوا: إنّه لا ينطق عن الهوى في تبليغه للقرآن خاصّة.

وبعضهم قال في تبليغ الشريعة والشرائع خاصّة دون تدبيره في الأُمور العامّة فضلاً عن أُموره الخاصّة، مع أنّ الآية تنفي مطلق النطق عن الهوى، ولم يُقيد متعلّقها بشي‏ء، كما أنّهم ارتكبوا التمحّل مرّةً رابعة في مرجع الضمير: ( إِنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ ) ، فجعلوه القرآن خاصّة تارة، أو قوله في التبليغ خاصّة، وكذلك جعلوا هذه الآية الرابعة في مقابل الثانية فقط، مع أنّه قد مرّ - بوضوح - أنّ الضمير راجع إلى شخصه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمقابلة هي مع الآيات الثلاث السابقة.

ومن ثمّ يتبيّن وجهان آخران في الآيات، دالاّن على كون مفادها هو تقرير العصمة المطلقة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله :

الأوّل: إنّ في الآيات حصر عقلي، حيث تعرّضت لنفي الضلال والغواية والهوى، وهي مناشئ الخطأ والزلل والزيغ في فعل الإنسان وشؤونه. والضلال: النقص في الجانب العلمي، والغواية: النقص في صفات النفس العملية الموجبة للمعصية، والهوى: فَلَتان النفس عن السيطرة عليها.

وبعبارة أُخرى: الضلال هو القصور العلمي والزلل بسبب ذلك، وأمّا الغواية فهو الزيغ عن عمدٍ، لصفة عملية رذيلة للشخص، كما في إبليس اللعين للاستكبار، والعناد، واللُجاج، والعصبية، والحميّة. وفي قِبالهما الزيغ بسبب ميل الهوى.

٢٦٣

وبهذا التقريب يتبين أنّ الآية الرابعة: ( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ... ) هي في مقابل الآيات الثلاثة السابقة، أي أنّ علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الشامل لكلّ الموارد منبعه الوحي التسديدي والتأييدي، والإلهامي، والتوفيقي الوِفاقي، وغيرها من أقسام الوحي اللدنّي، كما أنّ فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلوكه وإراداته النفسانية منبعها الوحي، وهو ذلك الوحي التأييدي والتسديدي، وغيرهما، وكذلك نطقه صلى‌الله‌عليه‌وآله سواء فيما يخبر عنه أو يأمر به وينهى عنه، على صعيد التشريع أو التدبير في الأُمور الكلّية أو الجزئية، فكلّ نطقه وأقواله صلى‌الله‌عليه‌وآله نابعة من ذلك الوحي الذي أُيّد وسُدّد به ويشير إلى محصّل ذلك قوله تعالى:

( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ ) (١) .

فلم يجعل أثر الروح الأمري درايته صلى‌الله‌عليه‌وآله للكتاب فقط، بل كمال الإيمان ونور الهداية، ممّا يؤكّد كون هذا الروح الذي أُيّد به رسول اللَّه ليس للأنباء والدراية فقط، بل للتسديد في العمل والسلوك أيضاً، ومن ثمّ فرّع عليه تعالى: ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ، كما قال في حقّ عيسى: ( إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) (٢) ، وقال تعالى: ( وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) (٣) .

فكيف بسيد الرسل وقد تقدم؟ ويأتي أيضاً اختلاف درجات التأييد الإلهي بروح القدس للأنبياء بحسب اختلاف درجاتهم، ويشير إلى هذا المعنى في الآية قول الإمام الصادق عليه‌السلام في صحيحة أبي بصير، عندما سأله عن معنى الآية، قال عليه‌السلام : (خلق من خلق اللَّه عزّ وجلّ أعظم من جبرائيل وميكائيل، كان مع رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يخبره

____________________

١) سورة الشورى: ٥٢ - ٥٣.

٢) سورة المائدة: ١١٠.

٣) سورة البقرة: ٨٧.

٢٦٤

ويسدّده، وهو مع الأئمّة من بعده) (١) .

وفي رواية أُخرى، قال: (سألت أبا عبد اللَّه عليه‌السلام عن العلم، أهو علم يتعلّمه العالم من أفواه الرجال، أم الكتاب عندكم تقرأونه فتعلمون منه؟ قال: الأمر أعظم من ذلك وأوجب، أما سمعت قول اللَّه عزّ وجلّ: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (٢) ) (٣) .

وفي رواية سعد الاسكاف قال: (أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام يسأله عن الروح أليس هو جبرئيل؟ فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : جبرئيل من الملائكة، والروح غير جبرئيل. فكرّر ذلك على الرجل، فقال له: لقد قلت عظيماً من القول، ما أحد يزعم أنّ الروح غير جبرئيل! فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّك ضالّ تروي عن أهل الضلال، يقول اللَّه تعالى لنبيّه عليه‌السلام : ( أَتَى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ ) (٤) ، والروح غير الملائكة صلوات اللَّه عليهم) (٥) .

الثانية: إنّ الآيات المتقدّمة من سورة النجم لم تكتفِ بنفي الضلال والغواية عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل أثبتت وحصرت هويته بالدرجة الوحْيانية، وهذا يقتضي العصمة اللدُنية من لدن الوحي التأييدي والتسديدي.

وبيان ذلك: إنّ بين نفي الضلالة والغواية والهوى وبين الذات الوحْيانية هناك درجات أُخرى، كالهدي، والرشد، والنطق العقلي والعقلاني، أو العرفي الأدبي، ونحو ذلك من الدرجات، فلأجل ذلك لم يكتفِ الباري تعالى بنفي الأُمور الثلاثة، بل أثبت منشأ سلوك وسيرة ونطق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله - أي: مجموع أفعاله - هي من الوحي

____________________

١) الكافي، ج١، ص٢٧٣.

٢) سورة الشورى: ٥٢.

٣) الكافي، ج١، ص٢٧٤.

٤) سورة النحل: ١ -٢.

٥) الكافي، ج١، ص٢٧٤.

٢٦٥

التأييدي اللدُنّي، بل حصرها في ذلك.

وبعبارة أُخرى: عندما يقال ما ينطق عن الهوى، فقد يقال: ينطق عن العقل أو السنن العرفية المحمودة. وكذا عندما يقال: ما ضلّ، فقد يقال هدي عند أحلام البشر، وكذا عندما يقال: ما غوى فقد يقال رَشُد، كما في تحسين أهل المحامد، بخلاف ما إذا ضمّ إليه منشأية الوحي التأييدي، بل حصر المنشأ في ذلك.

فتحصّل: إنّ الآية في بيان العصمة المطلقة في كلّ أفعاله وأقواله، وأنّها متن الوحي والشريعة، وغاية الأمر الوحي أعمّ من الوحي الإنبائ، أو الوحي التأييدي والتسديدي، والإلهامي والتوفيقي، والإيتائي واللدنّي، والبسط في‏ العلم والإلقائي، وغيرها من العناوين الواردة في السور والآيات القرآنية الشارحة لأنواع الوحي.

ومن ثمّ نقف على حقيقة هامّة.

حقيقة التشريع النبويّ:

وهي: أنّ التشريع منه ما يكون بفرض من اللَّه، وإنباء لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بتوسّط الوحي الإنبائي، ومنه ما يكون من فعل النبيّ وسيرته وقوله وسننه، وهو قسم آخر من الوحي ليس من قبيل الوحي والإنباء وإرسال الملك، بل هو من الوحي المؤيّد المسدّد به النبيّ بتوسّط روح القدس والروح الأمري.

وهو الذي أشار إليه أمير المؤمنين في معنى مجموع الآيات المتقدّمة: (أن قد قرن بنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أعظم ملائكته من لدن أن كان فطيماً، فلمّا أكمل له الأدب قال له: ( إِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ، ثمّ فوّض إليه أمر دينه فقال: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ، ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) (٢) . أي: أنّ كلّ حركات وسكنات وأفعال وسيرة وهدي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هو

____________________

١) سورة الحشر: ٧.

٢) سورة الأحزاب: ٢١.

٢٦٦

على وفق القالب للأدب الإلهي النموذج الذي صاغته اليد الربانية، فيمتنع أن يوجد في هذا القالب النموذجي أي تفاوتٍ أو فطور، فارجع البصر ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير.

ثمّ إنّ مَن ذهب من علماء العامّة إلى اجتهاد النبيّ، وعمله بالظنّ، تشبّث بوجوه واهية؛ من التمسّك بأحاديث مدسوسة بيّنٌ عليها علائم الوضع من خلال قرائن لا تخفى على البصير، مع أنّه نوع من التمسّك بالمتشابه الوهمي في مقابل المحكم القطعي.

ويجدر في نهاية هذه المقالة أن نشير إلى وهن بعض الأقاويل المتقدّمة:

منها: ما تقدّم من أنّ اجتهاد النبيّ - والعياذ باللَّه - إذا كان بأمر من الوحي فهو كلّه وحيٌ لا نطق عن الهوى.

ويُجاب، أوّلاً: إنّه وفق هذه المقولة والنظرية تكون اجتهادات الفقهاء وحي يوحى.

ثانياً: إنّ عدم النطق عن الهوى بالاستناد إلى موازين الاجتهاد الظنّية لا يستلزم صدق الوحي على الحكم الظنّي.

وثالثاً: إنّ لازم تسويغ الاجتهاد من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو جواز معارضته وعصيانه والاعتراض عليه لمن قطع، على خلاف الحكم الظنّي الذي يحكم به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما اجترأ على ذلك أبو بكر وعمر في صلح الحديبية، ويوم التخلّف عن جيش أُسامة، وغير ذلك من الموارد (١) .

____________________

١) كاعتراض عمر على رسول اللَّه وهو مسجّى على فراش الموت، عندما طلب دواةً وكتف، ليكتب لهم كتاباً لن يضلّوا ما إن تمسّكوا به، فقال عمر: إنّ الرجل ليهجر، قد غلبه المرض. وكذلك تشكيك جملة من الصحابة فيما يخبرهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من فضائل ومقام عِترته، وسؤالهم: إنّ ذلك من اللَّه أو منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

٢٦٧

بل إنّ مغزى القائلين باجتهاد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهدفهم هو فتح باب الاعتراض والردّ على النبيّ، ونبذ طاعته، وتبرير ما وقع من جمعٍ من الصحابة من الاجتراء على عصيان الرسول ومشاققته والردّ عليه.

ومنها: وصف النبيّ أو وصف الأئمّة من عِترته بأنّهم مجرّد نَقَلة الأحكام الإلهية.

فيُردّ عليه - مضافاً إلى ما تقدّم -:

أوّلاً: إنّ لازم ذلك احتمال أعلمية المنقول إليه من الناقل؛ إذ رواية العلم غير درايته ووعايته؛ فربّ حامل فقه إلى مَن هو أفقه منه، مع أنّ الباري تعالى قال: ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (١) ، وقال تعالى: ( َمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) (٢) ، وقال تعالى: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) (٣) ، وقال تعالى: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) (٤) .

وغيرها من الآيات، الدالّة على أنّ بيان القرآن كلّه، تنزيله وتأويله، عمومه وخصوصه، ناسخه ومنسوخه، ظاهره وباطنه، هو على عهدة النبيّ، مع أنّ الكتاب والكتاب المبين يستطرّ فيه كلّ شي‏ء، وكلّ غائبة في السماء والأرض.

وكلمات اللَّه تعالى لا تنفذ ولو كان ما في الأرض من شجر أقلاماً، والبحر مداداً، ومن بعده سبعة أبحر، ما نفذت كلمات اللَّه تعالى في كتابه، فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يكون على عهده تبيان كلّ ذلك - ولو بتوسّط تعليمه جملة ذلك لأهل بيته؛ ليبينّوا على مرّ العصور والدهور وإلى يوم القيامة للأُمّة ما تحتاجه من الكتاب - هل يعقل تطرّق

____________________

١) سورة النحل: ٤٤.

٢) سورة النحل: ٦٤.

٣) سورة القيامة: ١٦ - ١٩.

٤) سورة الجمعة: ٢.

٢٦٨

الظنّ والجهل إلى ساحته المطهّرة بالنور الإلهي؟

هذا مع أنّ روح القدس يتنزّل عليه ليلة القدر، وكلّ ليلة - كما سيأتي في الفصل السابع -، بالقضاء والقدر لكلّ شي‏ء، فكيف تخفى عليه صغيرة وكبيرة، وذرّة إلى مجرّة؛ وكيف لا يكون علمه الوحياني لدنّيٌّ يؤيّده ويسدّده؟ وكيف لا يكون سَيْره وسيرته، وكلّ نطقه، هداية ورشاد وحياني، وقد جعل اللَّه على عهدته تزكية الأُمّة جمعاً؟ وكيف يعزب عنه باب من الحكمة وقد جعل الباري على عهدته تعليم الكتاب كلّه والحكمة للبشرية أجمع؟

ونظير هذه المقامات قد أسندها الباري إلى عِترته المطهّرة، فقال تعالى: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) (١) ، وقال تعالى: ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (٢) ، وقال تعالى: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (٣) ، وقال تعالى: ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (٤) .

وقد روى العامّة، كابن حنبل في مسنده، عن عبد اللَّه بن عمر، قال: (كنت أكتب كلّ شي‏ء عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنّك تكتب كلّ شي‏ء تسمعه من رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بشر يتكلّم في الغضب. فأمسكت عن الكتاب! فذكرت لرسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منّي شي‏ء إلاّ الحقّ) (٥) .

____________________

١) سورة الواقعة: ٧٧ - ٨٠.

٢) سورة آل عمران: ٧.

٣) سورة النحل: ٨٩.

٤) سورة العنبكوت: ٤٩.

٥) أخرجه أحمد وأبو داود، وفي بعض الروايات: (بشر يتكلّم في الرضا والغضب)، =

٢٦٩

ورووا عنه وزعموا أنّه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (ما أخبرتكم أنّه من عند اللَّه فهو الذي لا شكّ فيه) (١) ، وهذه الرواية متدافعة مع الرواية السابقة.

وعن أبي هريرة، عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: (لا أقول إلاّ حقّاً. قال بعض أصحابه: فإنّك تداعبنا يا رسول اللَّه؟ قال: إنّي لا أقول إلاّ حقاً) (٢) .

والملاحظ في رواية عبد اللَّه بن عمر تصريحه بأنّ الذين كانوا يتبنّون عدم عصمة النبيّ المطلقة هم قريش دون الأنصار، ويُظهر دوافع قريش من ذلك، وأنّ سياستهم في تبني هذه النظرية هو لفتح باب الردّ على النبيّ ومعارضته، وتقليب الأُمور في جانب التشريع والحكم، فيفتح الطريق أمام إحكام قبضتهم على مجمل الأُمور.

وأمّا الرواية الثانية ، فلا يخفى تدافعها مع الرواية الأُولى، ويد قريش في وضعها لائحٌ بيّن؛ إذ هي سياستهم في تبنّي نظرية التفصيل في عصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا الرواية الثالثة، فهي متطابقة مع الرواية الأُولى، ومتطابقة مع مفاد آيات سورة النجم التي مرّ أنّ ظاهرها هو وحيانية كلّ شخصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهويته، وأنّ كلّ سلوكه وسيره وسيرته وكلّ نطقه وأقواله وجميع شؤونه حقّاً وحيانياً، إمّا بالوحي التأييدي التسديدي وغيرهما، أو الوحي الإنبائي.

إلى هنا تم الجزء الثاني، ويليه الجزء الثالث - بإذن اللَّه تعالى -، وهو المستعان، وله المنّة والفضل، والحمد للَّه أوّلاً، وآخراً.

____________________

= المستدرك على الصحيحين: ج١، ص ١٠٦. مسند أحمد: ج٢، ص١٦٢. تقييد العلم: ٨٠ / ١٨، وجامع بيان العلم: ج١، ص٧١.

١) أخرجه الحافظ البزاز، وتفسير ابن كثير في ذيل سورة النجم.

٢) تفسير ابن كثير، في ذيل سورة النجم، وأخرجه الإمام أحمد.

٢٧٠

الإمامة الإلهيّة

الجزء الثالث

بحوث سماحة الأستاذ

آية الله الشيخ محمّد سند

تأليف: الشيخ صادق الساعدي

٢٧١

٢٧٢

الفصل السابع:

ليلة القدر حقيقة الإمامة (أُسّ المعرفة)

٢٧٣

٢٧٤

ليلة القدر

في أقوال أهل سنة الجماعة

قال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) : (أجمع المفسّرون على أنّ المراد إنّا أنزلنا القرآن في ليلة القدر، ولكنّه تعالى ترك التصريح بالذكر؛ لأنّ هذا التركيب يدلّ على عظم القرآن.

للقرآن نُزولان:

إن قيل: ما معنى إنّه أُنزل في ليلة القدر، مع العلم بأنّه أُنزل نجوماً؟ قلنا: فيه وجوهاً:

أحدهما، قال الشعبي: ابتدأ بإنزاله ليلة القدر؛ لأنّ البعث كان في رمضان.

والثاني، قال ابن عبّاس: أُنزل إلى سماء الدنيا جملةً ليلة القدر، ثمّ إلى الأرض نجوماً.

معنى القدر:

اختلفوا في أنّه لِم سُمِّيت هذه الليلة ليلة القدر؟ على وجوه:

أحدها: إنّها ليلة تقدير الأُمور والأحكام. قال عطاء، عن ابن عبّاس: إنّ اللَّه قدّر ما يكون في تلك السنة من مطر ورزق، وإحياء وإماتة، إلى مثل هذه الليلة من السنة الآتية، ونظيره قوله تعالى: ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) ، واعلم أنّ تقدير اللَّه لا

٢٧٥

يحدث في تلك الليلة؛ فإنّه تعالى قدّر المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض في الأزل (١) ، بل المراد إظهار تلك المقادير للملائكة في تلك الليلة، بأن يكتبها في اللوح المحفوظ (٢) .

بقاء ليلة القدر في كلّ عام:

وهذا القول اختيار عامّة العلماء، ففي كون هذه الليلة هل هي باقية؟ فقد قال الخليل : مَن قال إنّ فضلها لنزول القرآن فيها، يقول انقطعت وكانت مرّة. والجمهور على أنّها باقية.

وعلى هذا، هل هي مختصّة برمضان أم لا؟ روي عن ابن مسعود، أنّه قال: من يقم الحول يصيبها، وفسّرها عِكرمة بليلة البراءة في قوله: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) (٣) ، والجمهور على أنّها مختصّة برمضان، واحتجّوا عليه بقوله تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) ، وقال: ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، فوجب أن تكون ليلة القدر في رمضان، لئلاّ يلزم التناقض.

ليلة القدر عوض للنبيّ من غصب بني أُميّة الخلافة:

وقال في تفسير الآية (٤) بوجوه:

____________________

١) لا يخفى أنّ الرازي قد خلط بين علم الباري الأزلي بالأشياء ومقاديرها، وبين نفس فعل التقدير في اللوح والقلم والقضاء وإبرامه، فإنّ هذه أفعال حادثة في عالم المخلوقات، كما هو صريح روايات الفريقين في شأن ليلة القدر.

٢) هذا التصريح منه متدافع مع نفيه حدوث التقدير السابق.

٣) سورة الدخان: ٣.

٤) وهي قوله تعالى: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ ) .

٢٧٦

منها: روى القاسم بن فضل، عن عيسى بن مازن، قال:

(قلت للحسن بن عليّ عليه‌السلام : يا مسوّد وجوه المؤمنين، عمدت إلى هذا الرجل فبايعت له، يعني معاوية، فقال: إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم) رأى في منامه بني أُمية يطؤون منبره واحداً بعد واحد - وفي رواية: ينزون على منبره نزو القردة - فشقّ ذلك عليه، فأنزل اللَّه تعالى: ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) إلى قوله: ( خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ ) ، يعني ملك بني أُمية. قال القاسم: فَحَسِبنا ملك بني أمية فإذا هو ألف شهر).

طعن القاضي في هذه الوجوه، فقال: ما ذُكر من ( ألْفِ شَهْرٍ ) في أيّام بني أُمية بعيد؛ لأنّه تعالى لا يذكر فضلها بذكر ألف شهر مذمومة، وأيّام بني أُمية كانت مذمومة.

واعلم أنّ هذا الطعن ضعيف؛ وذلك لأنّ أيّام بني أُمية كانت أيّاماً عظيمة بحسب السعادات الدنيوية، فلا يمتنع أن يقول اللَّه: إنّي أعطيتك ليلة هي في السعادات الدينية أفضل من تلك السعادات الدنيوية.

تنزّل الملائكة على أرواح البشر:

قال في تفسير قوله تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ وَالرُّوحُ فيها ) : اعلم أنّ نظر الملائكة على الأرواح، ونظر البشر على الأشباح. فكذا الملائكة لمّا رأوا في روحك الصورة الحسنة، وهي معرفة اللَّه وطاعته، أحبّوك فنزلوا إليك معتذرين عمّا قالوه أوّلاً، فهذا هو المراد من قوله: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) ، فإذا نزلوا إليك رأوا روحك في ظلمة ليل البدن، وظلمة القوى الجسمانية.

إنّ قوله تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) يقتضي ظاهره نزول كلّ الملائكة، ثمّ إنّ الملائكة لهم كثرة عظيمة. والمروي أنّهم ينزلون فوجاً فوجاً، فمِن نازل وصاعد، كأهل الحجّ فإنّهم على كثرتهم يدخلون الكعبة بالكلّية، لكنّ الناس بين داخل

٢٧٧

وخارج، ولهذا السبب مدّه إلى غاية طلوع الفجر، فلذلك ذكر بلفظ ( تَنَزَّلُ ) الذي يفيد المرّة بعد المرّة.

والقول الثاني: وهو اختيار الأكثرين، أنّهم ينزلون إلى الأرض، وهو الأوجه؛ لأنّ الغرض هو الترغيب في إحياء هذه الليلة؛ ولأنّه دلّت الأحاديث على أنّ الملائكة ينزلون في سائر الأيام إلى مجالس الذِكر والدين، فلأن يحصل ذلك في هذه الليلة مع علوّ شأنها أولى؛ ولأنّه روي عن عليّ عليه‌السلام : (أنّهم ينزلون ليسلّموا علينا وليشفعوا لنا، فمن أصابته التسليمة غُفِرَ له ذنبه).

مَن الروح النازل ليلة القدر؟

وقال: ذكروا في الروح أقوالاً:

أحدها: أنّه ملك عظيم، لو التقمَ السماوات والأرضين كان له ذلك لقمة واحدة!

وثانيها: طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلاّ في ليلة القدر....

وثالثها: خَلْق من خلق اللَّه، يأكلون ويلبسون، ليسوا من الملائكة ولا من الإنس، ولعلّهم خدم أهل الجنّة.

ورابعها: يُحتمل أنّه عيسى عليه‌السلام ؛ لأنّه اسمه، ثم إنّه ينزل في مواقفه الملائكة ليطّلع على أُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وخامسها: إنّه القرآن؛ لقوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا ) (١) .

وسادسها: الرحمة، قُرئ: ( وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ ) بالرفع، كأنّه تعالى يقول: الملائكة ينزلون رحمتي تنزل في أثرهم، فيجدون سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.

____________________

١) سورة الشورى: ٥٢.

٢٧٨

وسابعها: الروح أشرف الملائكة.

وثامنها، عن أبي نجيح: الروح هم الحفظة والكرام الكاتبون، فصاحب اليمين يكتب إتيانه بالواجب، وصاحب الشمال يكتب تركه للقبيح.

والأصحّ أنّ الروح هاهنا جبرئيل، وتخصيصه بالذكر لزيادة شرفه، كأنّه تعالى يقول: الملائكة في كفّة والروح في كفّة.

أقول: إذا كان النازل هو جبرئيل عليه‌السلام كلّ عام، فعلى من يتنزّل جبرئيل عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة؟!!

ما هي الأُمور التي تتنزّل بها الروح والملائكة؟

وقال: وأمّا قوله تعالى: ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) فمعناه تنزّل الملائكة والروح فيها من أجل كلّ أمر، والمعنى: إنّ كلّ واحد منهم إنّما نزل لمهمّ آخر ما. ثمّ ذكروا فيه وجوهاً:

أحدها: إنّهم كانوا في أشغال كثيرة، فبعضهم للركوع وبعضهم للسجود وبعضهم بالدعاء، وكذا القول في: التفكير، والتعليم، وإبلاغ الوحي، وبعضهم لإدراك فضيلة الليلة، أو ليسلّموا على المؤمنين.

وثانيها - وهو قول الأكثرين -: من أجل كلّ أمرٍ قُدّر في تلك السنة من خير أو شرّ، وفيه إشارة إلى أنّ نزولهم إنّما كان عبادة، فكأنّهم قالوا: ما نزلنا إلى الأرض لهوى أنفسنا، لكن لأجل أمرٍ فيه مصلحة المكلَّفين. وعمّ لفظ الأمر ليعمّ خير الدنيا والآخرة؛ بياناً منه أنّهم ينزلون بما هو صلاح المكلّف في دينه ودنياه، كأنّ السائل يقول: من أين جئت؟ فيقول: ما لك وهذا الفضول؟ ولكن قُل: لأي أمرٍ جئت؛ لأنّه حظّك.

وثالثها: قرأ بعضهم ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) ، أي من أجل كلّ إنسان، وروى أنّهم لا

٢٧٩

يلقون مؤمناً ولا مؤمنة إلاّ سلّموا عليه.

قيل: أليس أنّه قد رُوي أنّه تقسّم الآجال والأرزاق ليلة النصف من شعبان، والآن تقولون أنّ ذلك يكون ليلة القدر؟

قلنا: عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: (إنّ اللَّه يقدّر المقادير في ليلة البراءة، فإذا كان ليلة القدر يسلّمها إلى أربابها). وقيل: يقدّر ليلة البراءة الآجال والأرزاق، وليلة القدر يقدّر الأُمور التي فيها الخير والبركة والسلامة. وقيل: يقدّر في ليلة القدر ما يتعلّق به إعزاز الدين، وما فيه النفع العظيم للمسلمين، وأمّا ليلة البراءة فيكتب فيها أسماء من يموت ويسلّم إلى ملك الموت).

وقال في سورة الشورى في ذيل قوله تعالى ( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ) (١) : والمراد به القرآن، وسمّاه روحاً لأنّه يفيد الحياة من موت الجهل أو الكفر.

وقال في سورة الدخان، في ذيل قوله تعالى ( إنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (٢) : اختلفوا في هذه الليلة المباركة، فقال الأكثرون: إنّها ليلة القدر، وقال عكرمة وطائفة آخرون: إنّها ليلة البراءة.

وإنّه تعالى قال في صفة ليلة القدر: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فيها بِإذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ ) ، وقال أيضاً هاهنا: ( فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حْكيمٍ ) ، وهذا مناسب لقوله: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ وَالرُّوحُ فِيها ) ، وهاهنا: ( أَمْراً مِنْ عِنْدِنا ) ، وقال في تلك الآية ( بِإذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) ، وقال هاهنا: ( رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ) ، وقال في تلك الآية: ( سَلامٌ هِيَ ) .

____________________

١) سورة الشورى ٥٢: ٤٢.

٢) سورة الدخان ٣: ٤٤

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592