الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية10%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141518 / تحميل: 8978
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

( أحكام الصلاة )

الصلوات الواجبة في زمان غيبة امام العصر ـ عجل الله فرجه الشريف ـ خمسة انواع :

(1) الصلوات اليومية وتندرج فيها صلاة الجمعة كما سيأتي.

(2) صلاة الآيات.

(3) صلاة الطواف الواجب.

(4) الصلاة الواجبة بالاجارة والنذر ، والعهد واليمين ونحو ذلك.

(5) الصلاة على الميت ، وتضاف إلى هذه : الصلاة الفائتة عن الوالد فان ـ الأحوط وجوباً ـ ان يقضيها عنه ولده الأكبر على تفصيل يأتي في محله.

١٠١

( صلاة الجمعة )

وهي ركعتان كصلاة الصبح ، وتجب قبلها خطبتان يلقيهما الإمام ففي الأولى : منهما يقوم ويحمد الله ويثني عليه ويوصي بتقوى الله ، ويقرأ سورة قصيرة من الكتاب العزيز ثم يجلس قليلاً ، وفي الثانية يقوم ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أئمة المسلمين ـ والأحوط استحباباً ـ أن يضم إلى ذلك الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات.

( مسألة 176 ) : ـ الأحوط لزوماً ـ إتيان الحمد والصلاة من الخطبة باللغة العربية ، وأما غيرهما من أجزائها كالثناء على الله والوصية بالتقوى فيجوز إتيانها بغير العربية أيضاً ، بل ـ الأحوط لزوماً ـ فيما إذا كان أكثر الحضور غير عارفين باللغة العربية أن تكون الوصية بتقوى الله تعالى باللغة التي يفهمونها.

( مسألة 177 ) : صلاة الجمعة واجبة تخييراً ، ومعنى ذلك ان المكلف يوم الجمعة مخير بين الاتيان بصلاة الجمعة على النحو الذي تتوفر فيه شروطها الآتية ، وبين الاتيان بصلاة الظهر ولكن الإتيان بالجمعة أفضل ، فإذا أتى بها بشروطها أجزأت عن الظهر.

( مسألة 178 ) : تعتبر في صحة صلاة الجمعة الجماعة ، فلا تصح فرادى.

( مسألة 179 ) : يشترط في جماعة الجمعة عدد خاص وهو خمسة نفر

١٠٢

أحدهم الامام ، فلا تصح الجمعة ما لم يكن المجتمعون خمسة نفر من المسلمين أحدهم الإمام.

( مسألة 180 ) : يشترط في صحة صلاة الجمعة استجماعها للأمور الآتية المعتبرة في صلاة الجماعة ، ومنها ان يكون الإمام جامعاً لشروط الإمامة من العدالة وغيرها ، فلا تصح الجمعة إذا لم يكن الامام جامعاً للشروط.

( مسألة 181 ) : تعتبر في صحة الجمعة في بلد أن لا تكون المسافة بينها وبين جمعة اخرى اقل من فرسخ ( ½5 كم تقريباً ) ، فلو اقيمت جمعة اخرى فيما دون فرسخ بطلتا جميعاً إن كانتا مقترنتين زماناً ، وأما إذا كانت أحداهما سابقة على الاُخرى ولو بتكبيرة الاحرام صحت السابقة دون اللاحقة.

( مسألة 182 ) : اقامة الجمعة إنما تكون مانعة عن جمعة اخرى في تلك المسافة إذا كانت صحيحة وواجدة للشرائط ، وأما إذا لم تكن واجدة لها فلا تمنع عن ذلك.

( مسألة 183 ) : إذا اقيمت الجمعة في بلد واجدة للشرائط فإن كان من اقامها الامامعليه‌السلام أو من يمثله وجب الحضور فيها تعييناً ، وان كان غيره لم يجب الحضور ، بل يجوز الاتيان بصلاة الظهر ولو في اول وقتها.

( مسألة 184 ) : لا يجب الحضور على المرأة ولا على المسافر ـ وإن كانت وظيفته الاتمام ـ ولا على المريض ، ولا على الأعمى ، ولا على الشيخ الكبير ، ولا على من كان بينه وبين الجمعة اكثر من فرسخين ( 11 كم تقريباً ) ولا على من كان الحضور عليه حرجياً لمطر ، أو برد شديد ، أو نحوهما ، فهؤلاء جميعاً لا يجب عليهم الحضور في صلاة الجمعة حتى في فرض وجوبها تعييناً الذي تقدم بيانه في المسألة السابقة.

١٠٣

( النوافل اليومية )

يستحب التنفل في اليوم والليلة بأربع وثلاثين ركعة : ثمان ركعات لصلاة الظهر قبلها ، وثمان ركعات لصلاة العصر كذلك ، وأربع ركعات بعد صلاة المغرب ، وركعتان بعد صلاة العشاء من جلوس وتحسبان بركعة ، وثمان ركعات نافلة الليل ـ والأحوط الأولى ـ الاتيان بها بعد منتصف الليل والأفضل اداؤها قريباً من الفجر الصادق ، وركعتا الشفع بعد صلاة الليل ، وركعة الوتر بعد الشفع ، وركعتان نافلة الفجر قبل فريضته ، ولا يبعد ان يكون مبدأ وقتها مبدأ وقت صلاة الليل ـ بعد مضي مقدار يتمكن المكلف من الاتيان بها ـ ويمتد إلى قبيل طلوع الشمس.

( مسألة 185 ) : النوافل ركعتان ركعتان ـ إلاّ صلاة الوتر فإنها ركعة واحدة ويجوز الاتيان بها متصلة بالشفع أيضاً ـ ويستحب فيها القنوت ولكن يؤتى به في صلاة الشفع رجاءً ، ويجوز الاكتفاء فيها بقراءة الحمد من دون سورة ، كما يجوز الاكتفاء ببعض انواعها دون بعض ، بل يجوز الاقتصار في نوافل الليل على الشفع والوتر بل على الوتر خاصة ، وفي نافلة العصر على أربع ركعات بل ركعتين ، وإذا اريد التبعيض في غير هذه الموارد ـ فالأحوط لزوماً ـ الاتيان به بقصد القربة المطلقة حتى في الاقتصار في نافلة المغرب على ركعتين.

والأولى أن يقنت في صلاة الوتر بالدعاء الآتي : « لا إلهَ إلاّ اللهُ الحَليمُ

١٠٤

الكَريم ، لا إله إلاّ اللهُ العَليّ العَظيم ، سُبْحانَ اللهِ رَبِّ السمواتِ السَبْع ، وَربّ الأرضينَ السبع ، وَما فيهن وما بَيْنَهُنّ ، وَرَبُّ العَرش العَظيم ، والحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين » ، وان يدعو لأربعين مؤمناً ، وان يقول : « أَسْتَغْفِرُ اللهَ رَبّي وَأَتوبُ إليه » سبعين مرة ، وأن يقول : « هذا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ النّار » سبع مرات ، وأن يقول : « العفو » ثلاثمائة مرة.

( مسألة 186 ) : تسقط ـ في السفر ـ نوافل الظهر والعصر بل والعشاء أيضاً ، ولا تسقط بقية النوافل ، ويجوز أن يأتي بنافلة العشاء رجاءً.

( مسألة 187 ) : صلاة الغفيلة ركعتان ما بين فرضي المغرب والعشاء ، يقرأ في الركعة الأولى بعد سورة الحمد( وَذَا النّونِ إذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَليه ، فَنَادى في الظُّـلُماتِ اَنْ لا إلهَ إلاّ أنت سُبْحانَك إنّي كُنْتُ من الظّالِمين ،فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجّيْناهُ مِنَ الغَمّ وَكَذَلِكَ نُنْجي المُؤمِنين ) ويقرأ في الركعة الثانية بعد سورة الحمد( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعْلَمُها إلاّ هو ،وَيَعْلَمُ مَا في البَرِّ والبَحرِ ،وما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلاّ يَعْلَمُها ،ولا حَبّةٍ في ظُلُماتِ الأرضِ ،ولا رَطْبٍ ولا يابِسٍ إلاّ في كِتَابٍ مُبِين ) ثم يقنت فيقول : « اللّهُمَّ إنّي أَسْأَلُكَ بِمَفاتِحِ الغَيبِ التي لا يَعْلَمُها إلاّ أَنْتَ أنْ تُصلي عَلى مُحمد وَآل مُحمد » ويطلب حاجته ويقول : « اللّهم أنت وَليّ نِعْمَتي والقادِرُ على طَلِبَتي تَعْلَمُ حاجَتي فَاسألك بحق محمد وآله عليه وعليهم السلام لمّا قضيتها لي » ويجوز أن يأتي بهاتين الركعتين بقصد نافلة المغرب أيضاً فتجزى عنهما جميعاً.

١٠٥

( مقدمات الصلاة )

مقدمات الصلاة خمس :

1 ـ الوقت

( مسألة 188 ) : وقت صلاة الظهرين من زوال الشمس إلى الغروب ، وتختص صلاة الظهر من أوله بمقدار أدائها ، كما تختص صلاة العصر من آخره بمقدار ادائها ، ولا تزاحم كل منهما الاُخرى وقت اختصاصها ، ولو صلى الظهر قبل الزوال معتقداً دخول الوقت ثم علم بدخوله وهو في الصلاة صحت صلاته ، وجاز له الاتيان بصلاة العصر بعدها وإن كان ـ الأحوط استحباباً ـ إتمامها وإعادتها.

( مسألة 189 ) : يعتبر الترتيب بين الصلاتين ، فلا يجوز تقديم العصر على الظهر عمداً ، نعم إذا صلى العصر قبل ان يأتي بالظهر لنسيان ونحوه صحت صلاته ، فإن التفت في اثناء الصلاة عدل بها إلى الظهر وأتم صلاته وإن التفت بعد الفراغ صحت عصراً وأتى بالظهر بعدها.

( مسألة 190 ) : ـ الأحوط لزوماً ـ عدم تأخير صلاة الظهرين إلى سقوط قرص الشمس ، نعم مع الشك في سقوط القرص واحتمال اختفائه بالأبنية ونحوها يجوز التأخير والاتيان بهما قبل زوال الحمرة المشرقية.

( مسألة 191 ) : وقت صلاة العشاءين للمختار من أول المغرب إلى نصف الليل ( منتصف ما بين غروب الشمس والفجر ) وتختص صلاة

١٠٦

المغرب من أوله بمقدار أدائها ، كما تختص العشاء من آخره بمقدار أدائها نظير ما تقدم في الظهرين ، وأما المضطر لنوم أو نسيان ، أو حيض أو غيرها فيمتد وقتهما له إلى الفجر ، وتختص العشاء من آخره بمقدار أدائها ، ويعتبر الترتيب بينهما ، ولكنه لو صلى العشاء قبل أن يصلي المغرب لنسيان ونحوه ولم يتذكر حتى فرغ منها صحت صلاته ، وأتى بصلاة المغرب بعدها ولو كان في الوقت المختص بالعشاء.

( مسألة 192 ) : لا يجوز تقديم صلاة المغرب على زوال الحمرة المشرقية عند الشك في سقوط قرص الشمس واحتمال استتاره بحاجب كالجبال ، والأبنية والأشجار بل ـ الأحوط لزوماً ـ عدم تقديمها عليه حتى مع العلم بسقوط القرص ، والأولى عدم تأخيرها عن ذهاب الشفق وهو الحمرة المغربية.

( مسألة 193 ) : إذا دخل في صلاة العشاء ، ثم تذكر انه لم يصلّ المغرب عدل بها إلى صلاة المغرب إذا كان تذكره قبل ان يدخل في ركوع الركعة الرابعة ، وإذا كان تذكره بعده صحت صلاته عشاءً ويأتي بعدها بصلاة المغرب ، وقد مرّ آنفاً حكم التذكر بعد الصلاة.

( مسألة 194 ) : إذا لم يصل صلاة المغرب أو العشاء إختياراً حتى انتصف الليل ـ فالأحوط وجوباً ـ ان يصليها قبل أن يطلع الفجر بقصد ما في الذمة ، من دون نية الأداء أو القضاء ، ومع ضيق الوقت يأتي بالعشاء ثم يقضيها بعد قضاء المغرب ـ احتياطاً وجوبياً ـ.

( مسألة 195 ) : وقت صلاة الفجر من الفجر إلى طلوع الشمس ، ويعرف الفجر باعتراض البياض في الاُفق المتزايد وضوحاً وجلاءً ويسمى بالفجر الصادق.

١٠٧

( مسألة 196 ) : وقت صلاة الجمعة أول الزوال عرفاً من يوم الجمعة ، ولو لم يصلها في هذا الوقت لزمه الاتيان بصلاة الظهر.

( مسألة 197 ) : يعتبر في جواز الدخول في الصلاة ان يستيقن بدخول الوقت ، أو تقوم به البينة ، ويجتزأ بالاطمينان الحاصل من اذان الثقة العارف بالوقت ، أو من اخباره أو من سائر المناشىء العقلائية ، ولا يكتفى بالظن وان كان للمكلف مانع شخصي عن معرفة الوقت ، كالعمى والحبس ، بل وان كان المانع نوعياً ـ كالغيم ـ على ـ الأحوط لزوماً ـ فلا بد في الحالتين من تأخير الصلاة إلى حين الاطمينان لدخول الوقت.

( مسألة 198 ) : إذا صلى معتقداً دخول الوقت بأحد الأمور المذكورة ثم انكشف له أنّ الصلاة وقعت بتمامها خارج الوقت بطلت صلاته ، نعم إذا علم أنّ الوقت قد دخل وهو في الصلاة صحت صلاته ، وإذا صلى غافلاً وتبين دخول الوقت في الأثناء لم تصح ولزمه اعادتها.

( مسألة 199 ) : لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها اختياراً ، ولا بد من الاتيان بجميعها في الوقت ، ولكنه لو أخرها عصياناً أو نسياناً حتى ضاق الوقت وتمكن من الاتيان بها فيه ولو بركعة وجبت المبادرة إليها وكانت الصلاة اداءً.

( مسألة 200 ) : يجوز التنفّل في وقت الفريضة ـ والأحوط الأولى ـ الاتيان بالفريضة أوّلاً في غير النوافل اليومية السابقة على الفريضة.

2 ـ القبلة وأحكامها

( مسألة 201 ) : يجب استقبال القبلة مع الإمكان في جميع الفرائض

١٠٨

وتوابعها من الأجزاء المنسية ، وصلاة الاحتياط ، دون سجدتي السهو ، وأما النوافل فلا يعتبر فيها الاستقبال حال المشي أو الركوب ـ والأحوط وجوباً ـ اعتباره فيها حال الاستقرار ، والقبلة هي المكان الواقع فيه البيت الشريف ويتحقق استقباله بمحاذاة عينه مع التمكن من تمييزها ، والمحاذاة العرفية عند عدم التمكن من ذلك.

( مسألة 202 ) : ما كان من الصلوات واجبة زمان حضور الامامعليه‌السلام كصلاة العيدين يعتبر فيها استقبال القبلة وان كانت مستحبة فعلاً ، وأما ما عرض عليه الوجوب بنذر وشبهه فلا يعتبر فيه الاستقبال حال المشي والركوب.

( مسألة 203 ) : يجب العلم باستقبال القبلة ، وتقوم البينة مقامه إذا كانت مستندة إلى المبادىء الحسية أو ما بحكمها ، كالاعتماد على الآلات المستحدثة لتعيين القبلة ، والظاهر حجيّة قول الثقة من أهل الخبرة في تعيين القبلة ، وان لم يفد الظن حتى مع التمكن من تحصيل العلم بها ، ومع عدم التمكن من تحصيل العلم أو ما بحكمه يجب ان يبذل المكلف جهده في معرفتها ويعمل على ما يحصل له من الظن ، ومع عدم التمكن منه أيضاً يجزئ التوجه إلى ما يحتمل وجود القبلة فيه ـ والأحوط استحباباً ـ ان يصلي إلى أربع جهات.

( مسألة 204 ) : إذا ثبت له بوجه شرعي ان القبلة في جهة فصلى إليها ، ثم إنكشف له الخلاف فان كان انحرافه عنها لم يبلغ حد اليمين أو اليسار توجه إلى القبلة وأتم صلاته فيما إذا كان الانكشاف اثناء الصلاة ، وإذا كان بعد الفراغ منها لم تجب الاعادة ، وأما إذا بلغ الانحراف حد اليمين أو اليسار أو كانت صلاته إلى دبر القبلة ، فان كان الانكشاف قبل مضي الوقت أعادها ،

١٠٩

ولا يجب القضاء إذا انكشف الحال بعد مضي الوقت وان كان ـ أحوط استحباباً ـ.

3 ـ الطهارة في الصلاة

( مسألة 205 ) : تعتبر في الصلاة طهارة ظاهر البدن حتى الظفر والشعر وطهارة اللباس ، نعم لا بأس بنجاسة ما لا تتم فيه الصلاة من اللباس كالقلنسوة ، والتكة ، والجورب ، بشرط أن لا يكون متخذاً من الميتة النجسة ، ولا نجس العين ، كالكلب على ـ الأحوط وجوباً ـ ولا بأس بحمل النجس والمتنجس في الصلاة كان يضع منديله المتنجس في جيبه.

( مسألة 206 ) : لا بأس بنجاسة البدن أو اللباس من دم القروح أو الجروح قبل البرء ، ولا سيما إذا كان التطهير أو التبديل حرجياً نوعاً ، نعم يعتبر في الجرح أن يكون مما يعتد به وله ثبات واستقرار ، وأما الجروح الجزئية فيجب تطهيرها إلاّ فيما سيأتي.

( مسألة 207 ) : لا بأس بالصلاة في الدم إذا كان اقل من الدرهم ـ أي ما يساوي عقد الابهام ـ بلا فرق بين اللباس والبدن ، ولا بين اقسام الدم ، ويستثنى من ذلك دم الحيض ، ويلحق به ـ على الأحوط لزوماً ـ دم نجس العين والميتة والسباع ، بل مطلق غير مأكول اللحم ، ودم النفاس والاستحاضة فلا يعفى عن قليلها أيضاً ، وإذا شك في دم انه أقل من الدرهم أم لا بنى على العفو عنه ، إلاّ إذا كان مسبوقاً بالأكثرية عن المقدار المعفو عنه ، وإذا علم انه اقل من الدرهم وشك في كونه من الدماء المذكورة المستثناة فلا بأس بالصلاة فيه.

١١٠

( مسألة 208 ) : إذا صلى جاهلاً بنجاسة البدن أو اللباس ، ثم علم بها بعد الفراغ منها صحت صلاته إذا لم يكن شاكاً فيها قبل الصلاة ، أو شك وفحص ولم يحصل له العلم بها ، وأما الشاك غير المتفحص ـ فالأحوط لزوماً ـ فيما إذا وجد النجاسة بعد الصلاة ان يعيدها في الوقت ويقضيها في خارجه ، وإذا علم بالنجاسة في الأثناء فان احتمل حدوثها بعد الدخول في الصلاة وتمكن من التجنب عنها بالتبديل أو التطهير ، أو النزع على نحو لا ينافي الصلاة فعل ذلك وأتم صلاته ولا شيء عليه ، وان لم يتمكن منه فان كان الوقت واسعاً استأنف الصلاة على ـ الأحوط لزوماً ـ وان كان ضيقاً اتمها مع النجاسة ولا شيء عليه ، وإن علم ان النجاسة كانت قبل الصلاة ـ فالأحوط لزوماً ـ استينافها مع سعة الوقت ، وأما مع ضيقه حتى عن ادراك ركعة فإن أمكن التجنب عن النجاسة بالتبديل أو التطهير أو النزع ، من غير لزوم المنافي فعل ذلك واتم الصلاة ، وإلاّ صلى معها وتصح صلاته.

( مسألة 209 ) : إذا علم بنجاسة البدن أو اللباس فنسيها وصلى ، فان كان نسيانه ناشئاً عن الاهمال وعدم التحفظ ـ فالأحوط لزوماً ـ أن يعيد الصلاة ، سواءً تذكر في اثنائها أم بعد الفراغ منها ، وهكذا لو تذكر بعد مضي الوقت ، وأما إذا لم يكن منشأ نسيانه الاهمال فحكمه حكم الجاهل بالموضوع وقد تقدم في المسألة السابقة.

( مسألة 210 ) : تجب في الصلاة الطهارة من الحدث بالوضوء أو الغسل أو التيمم ، وقد مرّ تفصيل ذلك في مسائل الوضوء والغسل والتيمم.

4 ـ مكان المصلي

( مسألة 211 ) : يعتبر في مكان المصلي اباحته ، فلا تصح الصلاة في

١١١

المكان المغصوب على ـ الأحوط لزوماً ـ وان كان الركوع والسجود بالإيماء ، ويختص هذا الحكم بالعالم العامد ، فلو صلى من المغصوب غافلاً أو جاهلاً بغصبيته ، أو ناسياً لها ولم يكن هو الغاصب صحت صلاته.

( مسألة 212 ) : إذا أوصى الميت بصرف الثلث من تركته في مصرف ما وعيّن الثلث من دار أو بستان أو دكان ونحوها لم يجز التصرف فيه قبل اخراج الثلث ، فلا يجوز الوضوء أو الغسل ، أو الصلاة في ذلك المكان.

( مسألة 213 ) : إذا كان الميت مشغول الذمة بدين أو زكاة أو نحوهما من الحقوق المالية ـ عدا الخمس ـ لم يجز التصرف في تركته بما ينافي أداء الحق منها ، سواء أكان مستوعباً لها أم لا ، وأما التصرف بمثل الصلاة في داره فالظاهر جوازه باذن الورثة. وإذا كان مشغول الذمة بالخمس فان كان ممن يدفع الخمس جرى عليه ما تقدم ، وان كان ممن لا يدفعه ـ عصياناً أو اعتقاداً منه بعدم وجوبه ـ لم يجب على وارثه المؤمن ابراء ذمته وجاز له التصرف في التركة.

( مسألة 214 ) : لا تجوز الصلاة ولا سائر التصرفات في مال الغير إلاّ برضاه وطيب نفسه ، وهو يستكشف بوجوه :

(1) الإذن الصريح من المالك.

(2) الإذن بالفحوى ، فلو أذن له بالتصرف في داره ـ مثلاً ـ بالجلوس والأكل والشرب والنوم فيها ، وقطع بكونه ملازماً للاذن بالصلاة جاز له أن يصلي فيها ، وان لم يأذن للصلاة صريحاً.

(3) شاهد الحال ، وذلك بأن تدل القرائن على رضا المالك بالتصرف في ماله ولو لم يكن ملتفتاً إليه فعلاً لنوم أو غفلة بحيث يعلم او يطمأن بانّه

١١٢

لو التفت لأذن.

( مسألة 215 ) : لا بأس بالصلاة في الأراضي المتسعة اتساعاً عظيماً ، كما لا بأس بالوضوء من مائها وان لم يعلم رضا المالك به ، بل وان علم كراهته ـ سواء أكان كاملاً أم قاصراً ، صغيراً أم مجنوناً ـ وبحكمها أيضاً الأراضي غير المحجبة كالبساتين التي لا سور لها ولا حجاب فيجوز الدخول إليها والصلاة فيها وإن لم يعلم رضا المالك ، نعم إذا علم كراهته أو كان قاصراً ـ فالأحوط لزوماً ـ الاجتناب عنها ، ولا بأس أيضاً بالصلاة في البيوت المذكورة في القرآن والأكل منها ما لم يحرز كراهة المالك ، وتلك البيوت بيوت الأب والأم ، والأخ والاخت ، والعم والعمة ، والخال والخالة والصديق ، والبيت الذي يكون مفتاحه بيد الانسان.

( مسألة 216 ) : الأرض المفروشة لا تجوز الصلاة عليها إذا كان الفرش أو الأرض مغصوباً ، ولو صلى بطلت على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 217 ) : الأرض المشتركة لا تجوز فيها الصلاة ولا سائر التصرفات ، إذا لم يأذن جميع الشركاء ، ولو صلى بطلت على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 218 ) : العبرة في الأرض المستأجرة باجازة المستأجر دون المؤجر.

( مسألة 219 ) : إذا كانت الأرض المملوكة متعلقة لحق الغير وكان الحق مما ينافيه مطلق التصرف في متعلقه حتى بمثل الصلاة فيه ـ كحق السكنى ـ فلا بد في جواز التصرف فيها من اجازة المالك وذي الحق معاً.

( مسألة 220 ) : المحبوس في الأرض المغصوبة ـ إذا لم يتمكن من

١١٣

التخلص من دون ضرر أو حرج ـ تصح صلاته فيها ، ويصلي صلاة المختار إذا لم تستلزم تصرفاً زائداً على الكون فيها على الوجه المتعارف ، وإلاّ صلى بما يمكنه من دون تصرف زائد.

( مسألة 221 ) : يعتبر في مكان المصلي ان لا يكون نجساً على نحو تسري النجاسة منه إلى اللباس أو البدن نجاسة غير معفو عنها ، ومع عدم السراية كذلك لا بأس بالصلاة عليها ، نعم تعتبر الطهارة في مسجد الجبهة كما سيأتي.

( مسألة 222 ) : لا يجوز استدبار قبور المعصومين : في حال الصلاة وغيرها إذا عدّ هتكاً لحرمتهم واساءة للأدب معهم.

( مسألة 223 ) : ـ الأحوط لزوماً ـ عدم تقدم المرأة على الرجل ولا محاذاتهما في الصلاة في مكان واحد فيلزم ، تأخرها عنه ـ ولو بمقدار يكون مسجد جبهتها محاذياً لركبتيه في حال السجود ـ أو يكون بينهما حائل ، أو مسافة أكثر من عشرة اذرع بذراع اليد ( ½4 متراً تقريباً ).

( مسألة 224 ) : تستحب الصلاة في المساجد للرجال والنساء ، وان كان الأفضل للمرأة ان تختار الصلاة في المكان الأستر حتى في بيتها.

5 ـ لباس المصلي

( مسألة 225 ) : يعتبر في الصلاة ستر العورة ، وهي في الرجل القبل ( القضيب والبيضتان ) والدبر ، وفي المرأة جميع بدنها غير الوجه ـ بالمقدار الذي لا يستره الخمار عادة مع ضربه على الجيب ـ واليدين إلى الزند ، والرجلين إلى أول جزء من الساق ، ولا يعتبر ستر الرأس وشعره والرقبة في

١١٤

صلاة غير البالغة.

( مسألة 226 ) : يكفي في الساتر الصلاتي في حال الإختيار مطلق ما يخرج المصلي عن كونه عارياً ، كالورق والحشيش ، والقطن والصوف غير المنسوجين ، بل الطين إذا كان من الكثرة بحيث لا يصدق معه كون المصلي عارياً ، وأما في حال الاضطرار فيجزي التلطخ بالطين ونحوه.

( مسألة 227 ) : إذا انكشف له اثناء الصلاة ان عورته لم تستر فعلاً وجبت المبادرة إلى سترها ـ مع عدم الاشتغال بشيء من الصلاة في حال الانكشاف على ـ الأحوط لزوماً ـ وتصح صلاته ، كما تصح أيضاً إذا كان الانكشاف بعد الفراغ من الصلاة.

( مسألة 228 ) : إذا لم يتمكن المصلي من الساتر بوجه فإن تمكن من الصلاة قائماً مع الركوع والسجود بحيث لا تبدو سوأته للغير المميِّز ـ إما لعدم وجوده أو لظلمة ـ أو نحوها ـ اتى بها كذلك ، ولو اقتضى التحفظ على عدم بدوّ سوءته ترك القيام والركوع والسجود صلى جالساً مومياً ، ولو اقتضى ترك واحد من الثلاثة تركه واتى ببدله فيومي بالرأس بدلاً عن الركوع والسجود ، ويجلس بدلاً عن القيام ، ـ والأحوط لزوماً ـ للعاري ستر السوأتين ببعض اعضائه كاليد في حال القيام ، والفخذين في حال الجلوس.

١١٥

( شروط لباس المصلي )

يشترط في لباس المصلي أمور :

( الأوّل ) : الطهارة وقد مرّ تفصيله في المسألة (205) وما بعدها.

( الثاني ) : اباحته على ـ الأحوط لزوماً ـ فيما كان ساتراً للعورة فعلاً واستحباباً في غيره.

( مسألة 229 ) : إذا صلى في ثوب جاهلاً بغصبيته ثم انكشف له ذلك صحت صلاته ، وكذلك إذا كان ناسياً وتذكر بعد الصلاة إذا لم يكن هو الغاصب وإلاّ ـ فالأحوط وجوباً ـ إعادتها.

( مسألة 230 ) : إذا اشترى ثوباً بما فيه الخمس كان حكمه حكم المغصوب ، وأما إذا اشترى بما فيه حق الزكاة فلا يلحقه حكمه كما سيأتي في المسألة (551).

( الثالث ) : أن لا يكون من اجزاء الميتة التي تحلها الحياة من دون فرق بين ما تتم الصلاة فيه وما لا تتم فيه الصلاة على الأحوط وجوباً ، ويختص هذا الحكم بالميتة النجسة وان كان ـ الأحوط الأولى ـ الاجتناب عن الميتة الطاهرة أيضاً ، وأما ما لا تحله الحياة من ميتة حيوان يحل أكل لحمه ـ كالشعر والصوف ـ فلا بأس بالصلاة فيه.

( مسألة 231 ) : يجوز حمل ما تحله الحياة من اجزاء الميتة النجسة في الصلاة وان كان ملبوساً ، كأن يضع الثوب المتخذ من جلد الميتة في جيبه.

١١٦

( مسألة 232 ) : اللحم أو الجلد ونحوهما المأخوذ من يد المسلم يحكم عليه بالتذكية ويجوز اكله بشرط اقترانها بما يقتضي تصرفه فيه تصرفاً يناسب التذكية ، وفي حكم المأخوذ من يد المسلم ما صنع في أرض غلب فيها المسلمون ، وما يوجد في سوق المسلمين إذا لم يعلم ان المأخوذ منه غير مسلم ، وأما ما يوجد مطروحاً في أرضهم فيحكم بطهارته ولا يحكم بحليته على ـ الأحوط لزوماً ـ إلاّ مع الاطمينان بسبق احد الأمور الثلاثة.

( مسألة 233 ) : اللحم أو الجلد ونحوهما المأخوذ من يد الكافر أو المجهول إسلامه ، وما وجد في بلاد الكفر ، وما اخذ من يد المسلم مما علم انه قد أخذه من يد الكافر ولم يحرز تذكيته لا يجوز أكله ، ولكن يجوز بيعه ويحكم بطهارته وبجواز الصلاة فيه إذا احتمل ان يكون مأخوذاً من الحيوان المذكى.

( مسألة 234 ) : تجوز الصلاة في ما لم يحرز انه جلد حيوان ، وان اخذ من يد الكافر.

( مسألة 235 ) : إذا صلى في ثوب ثم علم بعد الصلاة أنه كان متخذاً من الميتة النجسة صحت صلاته ، إلاّ اذا كان شاكاً ولم يفحص قبل الدخول في الصلاة حسبما تقدم في المسألة (208) ، واما إذا نسي ذلك وتذكره بعد الصلاة ـ فالأحوط لزوماً ـ إعادتها ـ سواء أكان الثوب مما تتم فيه الصلاة أم لا ـ إذا كان نسيانه ناشئاً من اهماله وعدم تحفظه وإلاّ فلا شيء عليه.

( الرابع ) : ان لا يكون من اجزاء السباع ، بل مطلق ما لا يؤكل لحمه من الحيوان على ـ الأحوط وجوباً ـ ويختص المنع بما تتم الصلاة فيه وان كان الاجتناب عن غيره أيضاً ـ أحوط استحباباً ـ وتجوز الصلاة في جلد

١١٧

الخز والسنجاب ووبرهما وإن كانا من غير مأكول اللحم.

( مسألة 236 ) : لا بأس بالصلاة في شعر الانسان ، سواء أكان من نفس المصلي أو من غيره.

( مسألة 237 ) : لا بأس بالصلاة في الشمع والعسل ، والحرير غير الخالص ودم البق والبرغوث والقمل ونحوها من الحيوانات التي لا لحم لها.

( مسألة 238 ) : لا بأس بالصلاة في ما يحتمل انه من غير مأكول اللحم ، وكذلك ما لا يعلم انه من أجزاء الحيوان. وما لا يعلم كون الحيوان المتخذ منه ذا لحم عرفاً.

( مسألة 239 ) : إذا صلى في ما لا يؤكل لحمه جهلاً أو نسياناً حتى فرغ من الصلاة صحت صلاته إلاّ إذا كان جاهلاً بالحكم عن تقصير فانه تجب عليه الاعادة.

( الخامس ) : ان لا يكون لباس الرجل من الذهب الخالص ، أو المغشوش دون الممّوه والمطّلي الذي يعد الذهب فيه لوناً محضاً ، والمراد باللباس هنا كل ما يطلق على استعماله عنوان ( اللبس ) عرفاً وان لم يكن من الثياب كالخاتم والزناجير المعلقة ، والساعة اليدوية ، نعم لا بأس بحمل الذهب في الصلاة ، ومن هذا القبيل حمل الساعة الذهبية الجيبية.

( مسألة 240 ) : يحرم لبس الذهب للرجال في غير حال الصلاة أيضاً ، والأحوط لزوماً ترك التزيُّن به مطلقاً حتى فيما لا يطلق عليه اللبس عرفاً كجعل ازرار اللباس من الذهب ، أو جعل مقدم الاسنان منه ، نعم لا بأس بشدها به أو جعل الأسنان الداخلية منه.

١١٨

( مسألة 241 ) : إذا شك في فلزّ ولم يعلم انه من الذهب جاز لبسه في نفسه ولا يضر بالصلاة.

( مسألة 242 ) : لا فرق في حرمة لبس الذهب وابطاله الصلاة بين أن يكون ظاهراً أو لا.

( مسألة 243 ) : إذا صلى في فلزّ لم يعلم انه من الذهب أو نسيه ثم التفت إليه بعد الصلاة صحت صلاته.

( السادس ) : ان لا يكون لباس الرجل الذي تتم فيه الصلاة من الحرير الخالص ، وأما إذا امتزج بغيره ولم يصدق عليه الحرير الخالص جاز لبسه والصلاة فيه.

( مسألة 244 ) : لا بأس بأن يكون سجاف الثوب ونحوه من الحرير الخالص ـ والأحوط استحباباً ـ ان لا يزيد عرضه على أربعة اصابع مضمومة.

( مسألة 245 ) : لا بأس بحمل الحرير في الصلاة ، وان كان مما تتم الصلاة فيه.

( مسألة 246 ) : لا يجوز للرجال لبس الحرير الخالص في غير حال الصلاة أيضاً ، نعم لا بأس به في الحرب والضرورة والحرج كالبرد والمرض ونحوهما ، وفي هذه الموارد تجوز الصلاة فيه أيضاً.

( مسألة 247 ) : إذا صلى في الحرير جهلاً أو نسياناً ، ثم انكشف له الحال بعد الصلاة صحت صلاته.

( مسألة 248 ) : إذا شك في لباس ولم يعلم انه من الحرير ، جاز لبسه والصلاة فيه.

١١٩

( مسألة 249 ) : تختص حرمة لبس الذهب والحرير بالرجال ـ كما تقدم ـ ولا بأس به للنساء في الصلاة وفي غيرها ، وكذلك الأطفال الذكور فيجوز للولي ان يلبسهم الذهب والحرير وتصح صلاتهم فيهما.

( مسألة 250 ) : يحرم لبس لباس الشهرة ، وهو اللباس الذي يظهر المؤمن في شنعة وقباحة وفظاعة عند الناس ، لحرمة هتك المؤمن نفسه واذلاله اياها.

( مسألة 251 ) : ـ الأحوط وجوباً ـ ان لا يتزيّ اي من الرجل والمرأة بزيّ الآخر في اللباس ، وأما لبس الرجل بعض ملابس المرأة لغرض آخر ـ وكذا العكس ـ فلا بأس به ، وفيما إذا حرم اللبس لم يضر بصحة الصلاة مطلقاً وإن كان ساتراً له حالها.

( مسألة 252 ) : إذا انحصر لباس المصلي بالمغصوب أو الحرير ، أو الذهب أو السباع صلى عارياً ، وإذا انحصر بما عدا السباع من غير مأكول اللحم من الحيوان ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بين الصلاة فيه والصلاة عارياً ، وإذا انحصر في النجس جاز الصلاة فيه.

( مسألة 253 ) : ـ الأحوط لزوماً ـ تأخير الصلاة عن أول الوقت إذا لم يكن عنده ساتر واحتمل حصوله عليه في آخر الوقت ، أما لو يئس عن حصوله عليه فله ان يصلي عارياً ولا تلزمه اعادتها لو صادف فحصل على الساتر في الوقت.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

الميزان، فالآية تشير إلى أنّ الموصوفين بجعلهم أئمّة من قبله تعالى مؤيدون بحقيقة أمرية من عالم الأمر، وهو روح القدس الطاهرة، ومسدّدون بقوّة ربانية ينبعث منهم بتوسّطها فعل الخيرات.

والقرينة الأُخرى على إرادة الوحي التسديدي في الآية المزبورة: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) ، أنّه لو أُريد الوحي التشريعي لفُصل بين كلمة الوحي وكلمة فعل الخيرات بأنّ، ونحوها، كما هو الشائع في الاستعمال القرآني واللغوي.

وممّا يعضد استعمال الوحي في الأعمّ من الوحي التشريعي (الإنبائي) والتسديدي قوله تعالي: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ ) (١) ، فإنّ الإيحاء بالروح الأمري (أي: من عالم الأمر) المراد به تسديده صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك الروح لا صِرف الإنباء، بقرينة ذكر كلّ من الكتاب والإيمان، فإنّ الإيمان فعل تسديدي نظير: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) ، مضافاً إلى أنّه جعل متعلّق الوحي في قوله تعالى: ( أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ) هو نفس الروح، ممّا يدلّل على إرساله ليلتحم بروح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فيتحصّل في مفاد الآية تعليل هدي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ورشاده صلى‌الله‌عليه‌وآله ونور نطقه بأنّ الباري اصطنعه بيد القدرة الربانية، كما في قوله تعالى: ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) (٢) ، وقوله تعالى في شأن النبيّ موسى: ( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) (٣) ، بنحوٍ تكون جميع شؤونه وحْيانيةً. ومن ثمّ فرض الباري على البشرية لزوم التأسّي برسوله في جميع شؤونه، حيث قال: ( لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (٤) ، وأطلق تعالى الأمر بالأخذ بجميع ما يأتي به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والانتهاء عمّا ينهى عنه، فقال: ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) .

____________________

١) سورة الشورى: ٥٢.

٢) سورة طه: ٣٩.

٣) سورة طه: ٤١.

٤) سورة الأحزاب: ٢١.

٢٦١

وما اشتهر، في كلمات المفسّرين، وجملة من المتكلّمين وعلماء الأُصول، وكثير من بحوث المعرفة الدينية، من تقييد هذه الآية وآية ( مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ) وآية (التأسّي) بالشرعيات، والأحكام دون العاديات وأُمور المعاش، فقال بعضهم: (ويحتجّ بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء، ويُجاب: بأنّ اللَّه تعالى إذ سوّغ لهم الاجتهاد كان الاجتهاد وما يستند إليه كلّه وحياً لا نطق عن الهوى) (١)

فمبنيّ على النظرية - التي سبق تخطئتها - التفكيك في شخصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الفطرة الغريزية والنفسانية، والفطرة العقلانية، والفطرة الوحْيانية. وقد سبق عدم تعقّل خروج درجات النفس النبويّة عن هيمنة الفطرة الوحْيانية، ومن ثمّ وصَفَه الباري بقوله: ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٢) ، وقال تعالى: ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) (٣) .

وقال تعالى: ( إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (٤) ، ووصفه تعالى بالرؤوف الرحيم، مع أنّها من أسمائه الحسنى، فقال تعالى: ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (٥) .

ووصفه تعالى بأنّه رحمة للعالمين، فقال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) (٦) ، وبيّن تعالى استغراق عنايته بنبيّه في كلّ أحواله ومقاماته بقوله تعالى: ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) (٧) .

كما أنّ نظرية التفكيك مبنية على التفكيك في سياق الآيات في سورة النجم، مع أنّه قد اتّضحت المقابلة في الآيات بين الضلال والغي والهوى من جهة، والتسديد الوحْياني من جهة أُخرى.

____________________

١) الكشّاف للزمخشري، ج٢، ص ٤١٨.

٢) سورة القلم: ٤.

٣) سورة الشرح: ١.

٤) سورة يس: ٣ - ٤.

٥) سورة التوبة: ١٢٨.

٦) سورة الأنبياء: ١٠٧.

٧) سورة الطور: ٤٨.

٢٦٢

ومن ثمّ ترى مفسّري العامّة حيث لا يقولون بالعصمة المطلقة للأنبياء يرتكبون التمحّل في الآيات الأُولى في سورة النجم بنحوٍ ممجوج، فيقيدون متعلّق الضلال بموارد خاصّة، مع أنّ الآية تنفي مطلق الضلال عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ شؤونه، وتثبت الهدى والهداية في كلّ مقاماته.

وكذلك تمحّلوا في نفي الغواية عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بتقييدها بموارد خاصّة أيضاً، مع أنّ الآية تنفي الغواية في كلّ سلوكه، وتثبت الرشاد في كلّ سيره ومسيرته. ولم يكتفوا بذلك، بل تمحّلوا التقييد في الآية الثالثة، فقالوا: إنّه لا ينطق عن الهوى في تبليغه للقرآن خاصّة.

وبعضهم قال في تبليغ الشريعة والشرائع خاصّة دون تدبيره في الأُمور العامّة فضلاً عن أُموره الخاصّة، مع أنّ الآية تنفي مطلق النطق عن الهوى، ولم يُقيد متعلّقها بشي‏ء، كما أنّهم ارتكبوا التمحّل مرّةً رابعة في مرجع الضمير: ( إِنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ ) ، فجعلوه القرآن خاصّة تارة، أو قوله في التبليغ خاصّة، وكذلك جعلوا هذه الآية الرابعة في مقابل الثانية فقط، مع أنّه قد مرّ - بوضوح - أنّ الضمير راجع إلى شخصه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمقابلة هي مع الآيات الثلاث السابقة.

ومن ثمّ يتبيّن وجهان آخران في الآيات، دالاّن على كون مفادها هو تقرير العصمة المطلقة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله :

الأوّل: إنّ في الآيات حصر عقلي، حيث تعرّضت لنفي الضلال والغواية والهوى، وهي مناشئ الخطأ والزلل والزيغ في فعل الإنسان وشؤونه. والضلال: النقص في الجانب العلمي، والغواية: النقص في صفات النفس العملية الموجبة للمعصية، والهوى: فَلَتان النفس عن السيطرة عليها.

وبعبارة أُخرى: الضلال هو القصور العلمي والزلل بسبب ذلك، وأمّا الغواية فهو الزيغ عن عمدٍ، لصفة عملية رذيلة للشخص، كما في إبليس اللعين للاستكبار، والعناد، واللُجاج، والعصبية، والحميّة. وفي قِبالهما الزيغ بسبب ميل الهوى.

٢٦٣

وبهذا التقريب يتبين أنّ الآية الرابعة: ( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ... ) هي في مقابل الآيات الثلاثة السابقة، أي أنّ علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الشامل لكلّ الموارد منبعه الوحي التسديدي والتأييدي، والإلهامي، والتوفيقي الوِفاقي، وغيرها من أقسام الوحي اللدنّي، كما أنّ فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلوكه وإراداته النفسانية منبعها الوحي، وهو ذلك الوحي التأييدي والتسديدي، وغيرهما، وكذلك نطقه صلى‌الله‌عليه‌وآله سواء فيما يخبر عنه أو يأمر به وينهى عنه، على صعيد التشريع أو التدبير في الأُمور الكلّية أو الجزئية، فكلّ نطقه وأقواله صلى‌الله‌عليه‌وآله نابعة من ذلك الوحي الذي أُيّد وسُدّد به ويشير إلى محصّل ذلك قوله تعالى:

( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ ) (١) .

فلم يجعل أثر الروح الأمري درايته صلى‌الله‌عليه‌وآله للكتاب فقط، بل كمال الإيمان ونور الهداية، ممّا يؤكّد كون هذا الروح الذي أُيّد به رسول اللَّه ليس للأنباء والدراية فقط، بل للتسديد في العمل والسلوك أيضاً، ومن ثمّ فرّع عليه تعالى: ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ، كما قال في حقّ عيسى: ( إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) (٢) ، وقال تعالى: ( وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) (٣) .

فكيف بسيد الرسل وقد تقدم؟ ويأتي أيضاً اختلاف درجات التأييد الإلهي بروح القدس للأنبياء بحسب اختلاف درجاتهم، ويشير إلى هذا المعنى في الآية قول الإمام الصادق عليه‌السلام في صحيحة أبي بصير، عندما سأله عن معنى الآية، قال عليه‌السلام : (خلق من خلق اللَّه عزّ وجلّ أعظم من جبرائيل وميكائيل، كان مع رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يخبره

____________________

١) سورة الشورى: ٥٢ - ٥٣.

٢) سورة المائدة: ١١٠.

٣) سورة البقرة: ٨٧.

٢٦٤

ويسدّده، وهو مع الأئمّة من بعده) (١) .

وفي رواية أُخرى، قال: (سألت أبا عبد اللَّه عليه‌السلام عن العلم، أهو علم يتعلّمه العالم من أفواه الرجال، أم الكتاب عندكم تقرأونه فتعلمون منه؟ قال: الأمر أعظم من ذلك وأوجب، أما سمعت قول اللَّه عزّ وجلّ: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (٢) ) (٣) .

وفي رواية سعد الاسكاف قال: (أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام يسأله عن الروح أليس هو جبرئيل؟ فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : جبرئيل من الملائكة، والروح غير جبرئيل. فكرّر ذلك على الرجل، فقال له: لقد قلت عظيماً من القول، ما أحد يزعم أنّ الروح غير جبرئيل! فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّك ضالّ تروي عن أهل الضلال، يقول اللَّه تعالى لنبيّه عليه‌السلام : ( أَتَى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ ) (٤) ، والروح غير الملائكة صلوات اللَّه عليهم) (٥) .

الثانية: إنّ الآيات المتقدّمة من سورة النجم لم تكتفِ بنفي الضلال والغواية عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل أثبتت وحصرت هويته بالدرجة الوحْيانية، وهذا يقتضي العصمة اللدُنية من لدن الوحي التأييدي والتسديدي.

وبيان ذلك: إنّ بين نفي الضلالة والغواية والهوى وبين الذات الوحْيانية هناك درجات أُخرى، كالهدي، والرشد، والنطق العقلي والعقلاني، أو العرفي الأدبي، ونحو ذلك من الدرجات، فلأجل ذلك لم يكتفِ الباري تعالى بنفي الأُمور الثلاثة، بل أثبت منشأ سلوك وسيرة ونطق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله - أي: مجموع أفعاله - هي من الوحي

____________________

١) الكافي، ج١، ص٢٧٣.

٢) سورة الشورى: ٥٢.

٣) الكافي، ج١، ص٢٧٤.

٤) سورة النحل: ١ -٢.

٥) الكافي، ج١، ص٢٧٤.

٢٦٥

التأييدي اللدُنّي، بل حصرها في ذلك.

وبعبارة أُخرى: عندما يقال ما ينطق عن الهوى، فقد يقال: ينطق عن العقل أو السنن العرفية المحمودة. وكذا عندما يقال: ما ضلّ، فقد يقال هدي عند أحلام البشر، وكذا عندما يقال: ما غوى فقد يقال رَشُد، كما في تحسين أهل المحامد، بخلاف ما إذا ضمّ إليه منشأية الوحي التأييدي، بل حصر المنشأ في ذلك.

فتحصّل: إنّ الآية في بيان العصمة المطلقة في كلّ أفعاله وأقواله، وأنّها متن الوحي والشريعة، وغاية الأمر الوحي أعمّ من الوحي الإنبائ، أو الوحي التأييدي والتسديدي، والإلهامي والتوفيقي، والإيتائي واللدنّي، والبسط في‏ العلم والإلقائي، وغيرها من العناوين الواردة في السور والآيات القرآنية الشارحة لأنواع الوحي.

ومن ثمّ نقف على حقيقة هامّة.

حقيقة التشريع النبويّ:

وهي: أنّ التشريع منه ما يكون بفرض من اللَّه، وإنباء لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بتوسّط الوحي الإنبائي، ومنه ما يكون من فعل النبيّ وسيرته وقوله وسننه، وهو قسم آخر من الوحي ليس من قبيل الوحي والإنباء وإرسال الملك، بل هو من الوحي المؤيّد المسدّد به النبيّ بتوسّط روح القدس والروح الأمري.

وهو الذي أشار إليه أمير المؤمنين في معنى مجموع الآيات المتقدّمة: (أن قد قرن بنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أعظم ملائكته من لدن أن كان فطيماً، فلمّا أكمل له الأدب قال له: ( إِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ، ثمّ فوّض إليه أمر دينه فقال: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ، ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) (٢) . أي: أنّ كلّ حركات وسكنات وأفعال وسيرة وهدي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هو

____________________

١) سورة الحشر: ٧.

٢) سورة الأحزاب: ٢١.

٢٦٦

على وفق القالب للأدب الإلهي النموذج الذي صاغته اليد الربانية، فيمتنع أن يوجد في هذا القالب النموذجي أي تفاوتٍ أو فطور، فارجع البصر ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير.

ثمّ إنّ مَن ذهب من علماء العامّة إلى اجتهاد النبيّ، وعمله بالظنّ، تشبّث بوجوه واهية؛ من التمسّك بأحاديث مدسوسة بيّنٌ عليها علائم الوضع من خلال قرائن لا تخفى على البصير، مع أنّه نوع من التمسّك بالمتشابه الوهمي في مقابل المحكم القطعي.

ويجدر في نهاية هذه المقالة أن نشير إلى وهن بعض الأقاويل المتقدّمة:

منها: ما تقدّم من أنّ اجتهاد النبيّ - والعياذ باللَّه - إذا كان بأمر من الوحي فهو كلّه وحيٌ لا نطق عن الهوى.

ويُجاب، أوّلاً: إنّه وفق هذه المقولة والنظرية تكون اجتهادات الفقهاء وحي يوحى.

ثانياً: إنّ عدم النطق عن الهوى بالاستناد إلى موازين الاجتهاد الظنّية لا يستلزم صدق الوحي على الحكم الظنّي.

وثالثاً: إنّ لازم تسويغ الاجتهاد من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو جواز معارضته وعصيانه والاعتراض عليه لمن قطع، على خلاف الحكم الظنّي الذي يحكم به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما اجترأ على ذلك أبو بكر وعمر في صلح الحديبية، ويوم التخلّف عن جيش أُسامة، وغير ذلك من الموارد (١) .

____________________

١) كاعتراض عمر على رسول اللَّه وهو مسجّى على فراش الموت، عندما طلب دواةً وكتف، ليكتب لهم كتاباً لن يضلّوا ما إن تمسّكوا به، فقال عمر: إنّ الرجل ليهجر، قد غلبه المرض. وكذلك تشكيك جملة من الصحابة فيما يخبرهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من فضائل ومقام عِترته، وسؤالهم: إنّ ذلك من اللَّه أو منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

٢٦٧

بل إنّ مغزى القائلين باجتهاد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهدفهم هو فتح باب الاعتراض والردّ على النبيّ، ونبذ طاعته، وتبرير ما وقع من جمعٍ من الصحابة من الاجتراء على عصيان الرسول ومشاققته والردّ عليه.

ومنها: وصف النبيّ أو وصف الأئمّة من عِترته بأنّهم مجرّد نَقَلة الأحكام الإلهية.

فيُردّ عليه - مضافاً إلى ما تقدّم -:

أوّلاً: إنّ لازم ذلك احتمال أعلمية المنقول إليه من الناقل؛ إذ رواية العلم غير درايته ووعايته؛ فربّ حامل فقه إلى مَن هو أفقه منه، مع أنّ الباري تعالى قال: ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (١) ، وقال تعالى: ( َمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) (٢) ، وقال تعالى: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) (٣) ، وقال تعالى: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) (٤) .

وغيرها من الآيات، الدالّة على أنّ بيان القرآن كلّه، تنزيله وتأويله، عمومه وخصوصه، ناسخه ومنسوخه، ظاهره وباطنه، هو على عهدة النبيّ، مع أنّ الكتاب والكتاب المبين يستطرّ فيه كلّ شي‏ء، وكلّ غائبة في السماء والأرض.

وكلمات اللَّه تعالى لا تنفذ ولو كان ما في الأرض من شجر أقلاماً، والبحر مداداً، ومن بعده سبعة أبحر، ما نفذت كلمات اللَّه تعالى في كتابه، فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يكون على عهده تبيان كلّ ذلك - ولو بتوسّط تعليمه جملة ذلك لأهل بيته؛ ليبينّوا على مرّ العصور والدهور وإلى يوم القيامة للأُمّة ما تحتاجه من الكتاب - هل يعقل تطرّق

____________________

١) سورة النحل: ٤٤.

٢) سورة النحل: ٦٤.

٣) سورة القيامة: ١٦ - ١٩.

٤) سورة الجمعة: ٢.

٢٦٨

الظنّ والجهل إلى ساحته المطهّرة بالنور الإلهي؟

هذا مع أنّ روح القدس يتنزّل عليه ليلة القدر، وكلّ ليلة - كما سيأتي في الفصل السابع -، بالقضاء والقدر لكلّ شي‏ء، فكيف تخفى عليه صغيرة وكبيرة، وذرّة إلى مجرّة؛ وكيف لا يكون علمه الوحياني لدنّيٌّ يؤيّده ويسدّده؟ وكيف لا يكون سَيْره وسيرته، وكلّ نطقه، هداية ورشاد وحياني، وقد جعل اللَّه على عهدته تزكية الأُمّة جمعاً؟ وكيف يعزب عنه باب من الحكمة وقد جعل الباري على عهدته تعليم الكتاب كلّه والحكمة للبشرية أجمع؟

ونظير هذه المقامات قد أسندها الباري إلى عِترته المطهّرة، فقال تعالى: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) (١) ، وقال تعالى: ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (٢) ، وقال تعالى: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (٣) ، وقال تعالى: ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (٤) .

وقد روى العامّة، كابن حنبل في مسنده، عن عبد اللَّه بن عمر، قال: (كنت أكتب كلّ شي‏ء عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنّك تكتب كلّ شي‏ء تسمعه من رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بشر يتكلّم في الغضب. فأمسكت عن الكتاب! فذكرت لرسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منّي شي‏ء إلاّ الحقّ) (٥) .

____________________

١) سورة الواقعة: ٧٧ - ٨٠.

٢) سورة آل عمران: ٧.

٣) سورة النحل: ٨٩.

٤) سورة العنبكوت: ٤٩.

٥) أخرجه أحمد وأبو داود، وفي بعض الروايات: (بشر يتكلّم في الرضا والغضب)، =

٢٦٩

ورووا عنه وزعموا أنّه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (ما أخبرتكم أنّه من عند اللَّه فهو الذي لا شكّ فيه) (١) ، وهذه الرواية متدافعة مع الرواية السابقة.

وعن أبي هريرة، عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: (لا أقول إلاّ حقّاً. قال بعض أصحابه: فإنّك تداعبنا يا رسول اللَّه؟ قال: إنّي لا أقول إلاّ حقاً) (٢) .

والملاحظ في رواية عبد اللَّه بن عمر تصريحه بأنّ الذين كانوا يتبنّون عدم عصمة النبيّ المطلقة هم قريش دون الأنصار، ويُظهر دوافع قريش من ذلك، وأنّ سياستهم في تبني هذه النظرية هو لفتح باب الردّ على النبيّ ومعارضته، وتقليب الأُمور في جانب التشريع والحكم، فيفتح الطريق أمام إحكام قبضتهم على مجمل الأُمور.

وأمّا الرواية الثانية ، فلا يخفى تدافعها مع الرواية الأُولى، ويد قريش في وضعها لائحٌ بيّن؛ إذ هي سياستهم في تبنّي نظرية التفصيل في عصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا الرواية الثالثة، فهي متطابقة مع الرواية الأُولى، ومتطابقة مع مفاد آيات سورة النجم التي مرّ أنّ ظاهرها هو وحيانية كلّ شخصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهويته، وأنّ كلّ سلوكه وسيره وسيرته وكلّ نطقه وأقواله وجميع شؤونه حقّاً وحيانياً، إمّا بالوحي التأييدي التسديدي وغيرهما، أو الوحي الإنبائي.

إلى هنا تم الجزء الثاني، ويليه الجزء الثالث - بإذن اللَّه تعالى -، وهو المستعان، وله المنّة والفضل، والحمد للَّه أوّلاً، وآخراً.

____________________

= المستدرك على الصحيحين: ج١، ص ١٠٦. مسند أحمد: ج٢، ص١٦٢. تقييد العلم: ٨٠ / ١٨، وجامع بيان العلم: ج١، ص٧١.

١) أخرجه الحافظ البزاز، وتفسير ابن كثير في ذيل سورة النجم.

٢) تفسير ابن كثير، في ذيل سورة النجم، وأخرجه الإمام أحمد.

٢٧٠

الإمامة الإلهيّة

الجزء الثالث

بحوث سماحة الأستاذ

آية الله الشيخ محمّد سند

تأليف: الشيخ صادق الساعدي

٢٧١

٢٧٢

الفصل السابع:

ليلة القدر حقيقة الإمامة (أُسّ المعرفة)

٢٧٣

٢٧٤

ليلة القدر

في أقوال أهل سنة الجماعة

قال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) : (أجمع المفسّرون على أنّ المراد إنّا أنزلنا القرآن في ليلة القدر، ولكنّه تعالى ترك التصريح بالذكر؛ لأنّ هذا التركيب يدلّ على عظم القرآن.

للقرآن نُزولان:

إن قيل: ما معنى إنّه أُنزل في ليلة القدر، مع العلم بأنّه أُنزل نجوماً؟ قلنا: فيه وجوهاً:

أحدهما، قال الشعبي: ابتدأ بإنزاله ليلة القدر؛ لأنّ البعث كان في رمضان.

والثاني، قال ابن عبّاس: أُنزل إلى سماء الدنيا جملةً ليلة القدر، ثمّ إلى الأرض نجوماً.

معنى القدر:

اختلفوا في أنّه لِم سُمِّيت هذه الليلة ليلة القدر؟ على وجوه:

أحدها: إنّها ليلة تقدير الأُمور والأحكام. قال عطاء، عن ابن عبّاس: إنّ اللَّه قدّر ما يكون في تلك السنة من مطر ورزق، وإحياء وإماتة، إلى مثل هذه الليلة من السنة الآتية، ونظيره قوله تعالى: ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) ، واعلم أنّ تقدير اللَّه لا

٢٧٥

يحدث في تلك الليلة؛ فإنّه تعالى قدّر المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض في الأزل (١) ، بل المراد إظهار تلك المقادير للملائكة في تلك الليلة، بأن يكتبها في اللوح المحفوظ (٢) .

بقاء ليلة القدر في كلّ عام:

وهذا القول اختيار عامّة العلماء، ففي كون هذه الليلة هل هي باقية؟ فقد قال الخليل : مَن قال إنّ فضلها لنزول القرآن فيها، يقول انقطعت وكانت مرّة. والجمهور على أنّها باقية.

وعلى هذا، هل هي مختصّة برمضان أم لا؟ روي عن ابن مسعود، أنّه قال: من يقم الحول يصيبها، وفسّرها عِكرمة بليلة البراءة في قوله: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) (٣) ، والجمهور على أنّها مختصّة برمضان، واحتجّوا عليه بقوله تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) ، وقال: ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، فوجب أن تكون ليلة القدر في رمضان، لئلاّ يلزم التناقض.

ليلة القدر عوض للنبيّ من غصب بني أُميّة الخلافة:

وقال في تفسير الآية (٤) بوجوه:

____________________

١) لا يخفى أنّ الرازي قد خلط بين علم الباري الأزلي بالأشياء ومقاديرها، وبين نفس فعل التقدير في اللوح والقلم والقضاء وإبرامه، فإنّ هذه أفعال حادثة في عالم المخلوقات، كما هو صريح روايات الفريقين في شأن ليلة القدر.

٢) هذا التصريح منه متدافع مع نفيه حدوث التقدير السابق.

٣) سورة الدخان: ٣.

٤) وهي قوله تعالى: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ ) .

٢٧٦

منها: روى القاسم بن فضل، عن عيسى بن مازن، قال:

(قلت للحسن بن عليّ عليه‌السلام : يا مسوّد وجوه المؤمنين، عمدت إلى هذا الرجل فبايعت له، يعني معاوية، فقال: إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم) رأى في منامه بني أُمية يطؤون منبره واحداً بعد واحد - وفي رواية: ينزون على منبره نزو القردة - فشقّ ذلك عليه، فأنزل اللَّه تعالى: ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) إلى قوله: ( خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ ) ، يعني ملك بني أُمية. قال القاسم: فَحَسِبنا ملك بني أمية فإذا هو ألف شهر).

طعن القاضي في هذه الوجوه، فقال: ما ذُكر من ( ألْفِ شَهْرٍ ) في أيّام بني أُمية بعيد؛ لأنّه تعالى لا يذكر فضلها بذكر ألف شهر مذمومة، وأيّام بني أُمية كانت مذمومة.

واعلم أنّ هذا الطعن ضعيف؛ وذلك لأنّ أيّام بني أُمية كانت أيّاماً عظيمة بحسب السعادات الدنيوية، فلا يمتنع أن يقول اللَّه: إنّي أعطيتك ليلة هي في السعادات الدينية أفضل من تلك السعادات الدنيوية.

تنزّل الملائكة على أرواح البشر:

قال في تفسير قوله تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ وَالرُّوحُ فيها ) : اعلم أنّ نظر الملائكة على الأرواح، ونظر البشر على الأشباح. فكذا الملائكة لمّا رأوا في روحك الصورة الحسنة، وهي معرفة اللَّه وطاعته، أحبّوك فنزلوا إليك معتذرين عمّا قالوه أوّلاً، فهذا هو المراد من قوله: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) ، فإذا نزلوا إليك رأوا روحك في ظلمة ليل البدن، وظلمة القوى الجسمانية.

إنّ قوله تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) يقتضي ظاهره نزول كلّ الملائكة، ثمّ إنّ الملائكة لهم كثرة عظيمة. والمروي أنّهم ينزلون فوجاً فوجاً، فمِن نازل وصاعد، كأهل الحجّ فإنّهم على كثرتهم يدخلون الكعبة بالكلّية، لكنّ الناس بين داخل

٢٧٧

وخارج، ولهذا السبب مدّه إلى غاية طلوع الفجر، فلذلك ذكر بلفظ ( تَنَزَّلُ ) الذي يفيد المرّة بعد المرّة.

والقول الثاني: وهو اختيار الأكثرين، أنّهم ينزلون إلى الأرض، وهو الأوجه؛ لأنّ الغرض هو الترغيب في إحياء هذه الليلة؛ ولأنّه دلّت الأحاديث على أنّ الملائكة ينزلون في سائر الأيام إلى مجالس الذِكر والدين، فلأن يحصل ذلك في هذه الليلة مع علوّ شأنها أولى؛ ولأنّه روي عن عليّ عليه‌السلام : (أنّهم ينزلون ليسلّموا علينا وليشفعوا لنا، فمن أصابته التسليمة غُفِرَ له ذنبه).

مَن الروح النازل ليلة القدر؟

وقال: ذكروا في الروح أقوالاً:

أحدها: أنّه ملك عظيم، لو التقمَ السماوات والأرضين كان له ذلك لقمة واحدة!

وثانيها: طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلاّ في ليلة القدر....

وثالثها: خَلْق من خلق اللَّه، يأكلون ويلبسون، ليسوا من الملائكة ولا من الإنس، ولعلّهم خدم أهل الجنّة.

ورابعها: يُحتمل أنّه عيسى عليه‌السلام ؛ لأنّه اسمه، ثم إنّه ينزل في مواقفه الملائكة ليطّلع على أُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وخامسها: إنّه القرآن؛ لقوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا ) (١) .

وسادسها: الرحمة، قُرئ: ( وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ ) بالرفع، كأنّه تعالى يقول: الملائكة ينزلون رحمتي تنزل في أثرهم، فيجدون سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.

____________________

١) سورة الشورى: ٥٢.

٢٧٨

وسابعها: الروح أشرف الملائكة.

وثامنها، عن أبي نجيح: الروح هم الحفظة والكرام الكاتبون، فصاحب اليمين يكتب إتيانه بالواجب، وصاحب الشمال يكتب تركه للقبيح.

والأصحّ أنّ الروح هاهنا جبرئيل، وتخصيصه بالذكر لزيادة شرفه، كأنّه تعالى يقول: الملائكة في كفّة والروح في كفّة.

أقول: إذا كان النازل هو جبرئيل عليه‌السلام كلّ عام، فعلى من يتنزّل جبرئيل عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة؟!!

ما هي الأُمور التي تتنزّل بها الروح والملائكة؟

وقال: وأمّا قوله تعالى: ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) فمعناه تنزّل الملائكة والروح فيها من أجل كلّ أمر، والمعنى: إنّ كلّ واحد منهم إنّما نزل لمهمّ آخر ما. ثمّ ذكروا فيه وجوهاً:

أحدها: إنّهم كانوا في أشغال كثيرة، فبعضهم للركوع وبعضهم للسجود وبعضهم بالدعاء، وكذا القول في: التفكير، والتعليم، وإبلاغ الوحي، وبعضهم لإدراك فضيلة الليلة، أو ليسلّموا على المؤمنين.

وثانيها - وهو قول الأكثرين -: من أجل كلّ أمرٍ قُدّر في تلك السنة من خير أو شرّ، وفيه إشارة إلى أنّ نزولهم إنّما كان عبادة، فكأنّهم قالوا: ما نزلنا إلى الأرض لهوى أنفسنا، لكن لأجل أمرٍ فيه مصلحة المكلَّفين. وعمّ لفظ الأمر ليعمّ خير الدنيا والآخرة؛ بياناً منه أنّهم ينزلون بما هو صلاح المكلّف في دينه ودنياه، كأنّ السائل يقول: من أين جئت؟ فيقول: ما لك وهذا الفضول؟ ولكن قُل: لأي أمرٍ جئت؛ لأنّه حظّك.

وثالثها: قرأ بعضهم ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) ، أي من أجل كلّ إنسان، وروى أنّهم لا

٢٧٩

يلقون مؤمناً ولا مؤمنة إلاّ سلّموا عليه.

قيل: أليس أنّه قد رُوي أنّه تقسّم الآجال والأرزاق ليلة النصف من شعبان، والآن تقولون أنّ ذلك يكون ليلة القدر؟

قلنا: عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: (إنّ اللَّه يقدّر المقادير في ليلة البراءة، فإذا كان ليلة القدر يسلّمها إلى أربابها). وقيل: يقدّر ليلة البراءة الآجال والأرزاق، وليلة القدر يقدّر الأُمور التي فيها الخير والبركة والسلامة. وقيل: يقدّر في ليلة القدر ما يتعلّق به إعزاز الدين، وما فيه النفع العظيم للمسلمين، وأمّا ليلة البراءة فيكتب فيها أسماء من يموت ويسلّم إلى ملك الموت).

وقال في سورة الشورى في ذيل قوله تعالى ( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ) (١) : والمراد به القرآن، وسمّاه روحاً لأنّه يفيد الحياة من موت الجهل أو الكفر.

وقال في سورة الدخان، في ذيل قوله تعالى ( إنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (٢) : اختلفوا في هذه الليلة المباركة، فقال الأكثرون: إنّها ليلة القدر، وقال عكرمة وطائفة آخرون: إنّها ليلة البراءة.

وإنّه تعالى قال في صفة ليلة القدر: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فيها بِإذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ ) ، وقال أيضاً هاهنا: ( فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حْكيمٍ ) ، وهذا مناسب لقوله: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ وَالرُّوحُ فِيها ) ، وهاهنا: ( أَمْراً مِنْ عِنْدِنا ) ، وقال في تلك الآية ( بِإذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) ، وقال هاهنا: ( رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ) ، وقال في تلك الآية: ( سَلامٌ هِيَ ) .

____________________

١) سورة الشورى ٥٢: ٤٢.

٢) سورة الدخان ٣: ٤٤

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592