الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية10%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141493 / تحميل: 8975
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

في ذلك قاهر غيره فيجبره على الفعل أو يمنعه من الفعل كما في سائر أفعاله تعالى فإنّه تعالى يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد.

فلا ينافي ذلك كون فعله ملازماً لحكم و مصالح و مختلفاً باختلاف الاستعدادات لا يقع إلّا عن استعداد في المحلّ و صلاحية للقبول فإنّ استعداد المستعدّ ليس إلّا كسؤال السائل، فكما أنّ سؤال السائل إنّما يقرّبه من جود المسؤل و عطائه من غير أن يجبره على الإعطاء و يقهره كذلك الاستعداد في تقريبه المستعدّ لإفاضته تعالى و حرمان غير المستعدّ من ذلك فهو تعالى يفعل ما يشاء من غير أن يوجبه عليه شي‏ء أو يمنعه عنه شي‏ء لكنّه لا يفعل شيئاً و لا يفيض رحمة إلّا عن استعداد فيما يفيض عليه و صلاحية منه.

و قد أفاد ذلك في خصوص الرسالة حيث قال:( وَ إِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى‏ مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ، اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ ) الأنعام: ١٢٤ فإنّ الآية ظاهرة في أنّ الموارد مختلفة في قبول كرامة الرسالة و أنّ الله سبحانه أعلم بالمورد الّذي يصلح لها و يستأهل لتلك الكرامة و هو غير هؤلاء المجرمين الماكرين و أمّا هم فليس لهم عندالله إلّا الصغار و العذاب لإجرامهم و مكرهم. هذا.

و من هنا يظهر فساد استدلال بعضهم بالآية على نفي المرجّح في مورد الرسالة و محصّل ما ذكره أنّ الآية تعلّق الرسالة على مجرّد المشيّة الإلهيّة من غير أن تقيّدها بشي‏ء، فالرسول إنّما ينال الرسالة بمشيّة من الله لا لاختصاصه بصفات تؤهّله لذلك و يرجّحه على غيره و وجه الفساد ظاهر ممّا تقدّم.

و نظيره في الفساد الاستدلال بالآية على كون الرسالة عطائيّة غير كسبيّة، و ذلك أنّه تعالى غير محكوم عليه في ما ينسب إليه من الفعل لا يفعل إلّا ما يشاء، و الاُمور العطائيّة و الكسبيّة في ذلك سواء، و لا شي‏ء يقع في الوجود إلّا بإذنه.

و قوله:( أَنْ أَنْذِرُوا أنّه لا إِلهَ إلّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) بيان لقوله:( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ ) لكونه في معنى الوحي أو بيان للروح بناء على كونه بمعنى الوحي، و الإنذار

٢٢١

هو إخبار فيه تخويف، كما أنّ التبشير هو إخبار فيه سرور على ما ذكره الراغب أو إعلام بالمحذور كما ذكره غيره، و التقدير على الأوّل أخبروهم مخوّفين بوحدانيّتي في الاُلوهيّة و وجوب تقواي، و على الثاني أعلموهم ذلك، على أن يكون( أَنَّهُ ) مفعولاً ثانياً لا منصوباً بنزع الخافض.

و قد علم بذلك أنّ قوله:( فَاتَّقُونِ ) متفرّع على قوله:( لا إِلهَ إلّا أَنَا ) و الجملتان جميعاً مفعول ثان أو في موضعه لقوله:( أَنْذِرُوا ) و يوضح ذلك أنّ لا إله و هو الّذي يبتدئ منه و ينتهي إليه كلّ شي‏ء أو المعبود بالحقّ من لوازم صفة اُلوهيّته أن يتّقيه الإنسان لتوقّف كلّ خير و سعادة إليه، فلو فرض أنّه واحد لا شريك له في اُلوهيّته كان لازمه أن يتّقى وحده لأنّ التقوى و هو إصلاح مقام العمل فرع لما في مقام الاعتقاد و النظر، فعبادة الآلهة الكثيرين و الخضوع لهم لا يجامع الاعتقاد بإله واحد لا شريك له الّذي هو القيّوم على كلّ شي‏ء و بيده زمام كلّ أمر و لذا لم يؤمر نبيّ أن يدعو إلى توحيد من غير عمل أو إلى عمل من غير توحيد، قال تعالى:( وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلّا نُوحِي إِلَيْهِ أنّه لا إِلهَ إلّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء: ٢٥.

فالّذي اُمر الرسل بالإنذار به في الآية هو مجموع قوله:( أَنَّهُ لا إِلهَ إلّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) و هو تمام الدين لاندراج الاعتقادات الحقّة في التوحيد و الأحكام العمليّة جميعاً في التقوى، و لا يعبؤ بما ذكره بعضهم أنّ قوله:( فَاتَّقُونِ ) للمستعجلين من الكفّار المذكورين في الآية الاُولى أو لخصوص كفّار قريش من غير أن يكون داخلاً فيما اُمر به الرسل من الإنذار.

قوله تعالى: ( خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالحقّ تَعالى‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) تقدّم معنى خلق السماوات و الأرض بالحقّ، و لازم خلقها بالحقّ أن لا يكون للباطل فيها أثر، و لذلك عقّبه بتنزيهه عن الشركاء الّذين يدعونهم ليشفعوا لهم عندالله و يهدوهم إلى الخير و يقوهم الشرّ فإنّهم من الباطل الّذي لا أثر له.

و في الآية و الآيات التالية لها احتجاج على وحدانيّته تعالى في الاُلوهيّة و الربوبيّة من جهتي الخلق و التدبير جميعاً فإنّ الخلق و الإيجاد آية الاُلوهيّة و

٢٢٢

كون الخلق بعضها نعمة بالنسبة إلى بعض آية الربوبيّة لأنّ الشي‏ء لا يكون نعمة بالنسبة إلى آخر إلّا عن ارتباط بينهما و اتّصال من أحدهما بالآخر يؤدّي إلى نظام جامع بينهما و تدبير واحد يجمعهما، و وحدة التدبير آية وحدة المدبّر فكون ما في السماوات و الأرض من مخلوق نعما للإنسان يدلّ على أنّ الله سبحانه وحده ربّه و ربّ كلّ شي‏ء.

قوله تعالى: ( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ) المراد به الخلق الجاري في النوع الإنسانيّ و هو جعل نسله من النطفة فلا يشمل آدم و عيسىعليهما‌السلام .

و الخصيم صفة مشبهة من الخصومة و هي الجدال، و الآية و إن أمكن أن تحمل على الامتنان حيث إنّ من عظيم المنّ أن يبدّل الله سبحانه بقدرته التامّة قطرة من ماء مهين إنساناً كامل الخلقة منطيقا متكلّما ينبئ عن كلّ ما جلّ و دقّ ببيانه البليغ لكن كثرة الآيات الّتي توبّخ الإنسان و تقرّعه على وقاحته في خصامه في ربّه كقوله تعالى:( أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ ) يس: ٧٨ ترجّح أن يكون المراد بذيل الآية بيان وقاحة الإنسان.

و يؤيّد ذلك أيضاً بعض التأييد ما في ذيل الآية السابقة من تنزيهه تعالى من شركهم.

قوله تعالى: ( وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‏ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ ) الأنعام جمع نعم و هي الإبل و البقر و الغنم سمّيت بذلك لنعمة مسّها بخلاف الحافر الّذي يصلب كذا في المجمع، و في المفردات: الدف‏ء خلاف البرد. انتهى. و كأنّ المراد بالدف‏ء ما يحصل من جلودها و أصوافها و أوبارها من الحرارة للاتّقاء من البرد، أو المراد بالدف‏ء ما يدفؤء به.

و المراد بالمنافع سائر ما يستفاد منها لغير الدف‏ء من أصوافها و أوبارها و جلودها و ألبانها و شحومها و غير ذلك، و قوله:( لَكُمْ ) يمكن أن يكون متعلّقا بقوله:( خَلَقَها ) و يكون قوله:( فِيها دِفْ‏ءٌ وَ مَنافِعُ ) حالا من ضمير( خَلَقَها ) و

٢٢٣

يمكن أن يكون( لَكُمْ ) ظرفا مستقرّاً متعلّقاً بالجملة الثانية أي في الأنعام دف‏ء كائنا لكم.

قوله تعالى: ( وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ ) الجمال الزينة و حسن المنظر، قال في المجمع: الإراحة ردّ الماشية بالعشيّ من مراعيها إلى منازلها و المكان الّذي تراح فيه مراح، و السروح خروج الماشية إلى المرعى بالغداة، يقال: سرحت الماشية سرحا و سروحا و سرحها أهلها. انتهى.

يقول تعالى: و لكم في الأنعام منظر حسن حين تردّونها بالعشي إلى منازلها و حين تخرجونها بالغداة إلى مراعيها.

قوله تعالى: ( وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى‏ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إلّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) الأثقال جمع ثقل و هو المتاع الّذي يثقل حمله و المراد بقوله:( بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ) مشقّة تتحمّلها الأنفس في قطع المسافات البعيدة و المسالك الصعبة.

و المراد أنّ الأنعام كالإبل و بعض البقر تحمل أمتعتكم الثقيلة إلى بلد ليس يتيسّر لكم بلوغها إلّا بمشقّة تتحمّلها أنفسكم فرفع عنكم المشاقّ بخلقها و تسخيرها لكم إنّ ربّكم رؤف رحيم.

قوله تعالى: ( وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ) معطوف على الأنعام فيما مرّ أي و الخيل و البغال و الحمير خلقها لكم لتركبوها، و زينةً أي إنّ في خلقها ارتباطاً بمنافعكم و ذلك أنّكم تركبونها و تتّخذونها زينة و جمالاً، و قوله:( وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ) أي يخلق ما لا علم لكم به من الحيوان و غيره، و سخّرها لكم لتنتفعوا بها، و الدليل على ما قدّرناه هو السياق.

قوله تعالى: ( وَ عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) القصد - على ما ذكره الراغب و غيره - استقامة الطريق و هو كونه قيّما على سالكيه أوصلهم إلى الغاية، و الظاهر أنّ المصدر بمعنى الفاعل و الإضافة من إضافة الصفة إلى موصوفها و المراد السبيل القاصد بدليل مقابلته بقوله:( و منها جائر) أي و من السبيل ما

٢٢٤

هو جائر أي مائل عن الغاية يورد سالكيه غيرها و يضلّهم عنها.

و المراد بكون قصد السبيل على الله وجوب جعل سبيل قاصد عليه تعالى يسلكه عباده فيوردهم مورد السعادة و الفلاح و إذ لا حاكم غيره يحكم عليه فهو الّذي أوجب على نفسه أن يجعل لهم طريقاً هذا نعته ثمّ يهديهم إليه أمّا الجعل فهو ما جهّز الله كلّ موجود و منها الإنسان من القوى و الأدوات بما لو استعملها كما نظمت أدّته إلى سعادته و كماله المطلوب قال تعالى:( الَّذِي أَعْطى‏ كلّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) طه: ٥٠ و قال في الإنسان خاصّة:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ) الروم: ٣٠.

و أمّا الهداية فهي الّتي فعلها من ناحية الفطرة و ثنّاها بما من طريق بعث الرسل و إنزال الكتب و تشريع الشرائع قال تعالى:( وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها ) الشمس: ٨ و قال:( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً ) الدهر: ٣.

و إنّما أدرج سبحانه هذه الآية بين هذه الآيات الّتي سياقها عدّ النعم العلويّة و السفليّة من السماء و الأرض و الأنعام و الخيل و البغال و الحمير و الماء النازل من السماء و الزرع و نظائرها لما أنّ الكلام انجرّ في آيتي الأنعام و الخيل إلى معنى قطع الطرق و ركوب المراكب فناسب أن يذكر ما أنعم به من الطريق المعنويّ الموصل للإنسان إلى غايته الحقيقيّة يبتغيها في مسير الحياة كما أنعم بمثله في عالم المادّة و نشأة الصورة.

فذكر سبحانه أنّ من نعمه الّتي منّ بها على عباده أن أوجب على نفسه لهم سبيلا قاصدا يوصلهم إلى سعادة حياتهم فجعله لهم و هداهم إليه.

و قد نسب سبحانه قصد السبيل إلى نفسه دون السبيل الجائر لأنّ سبيل الضلال ليس سبيلاً مجعولاً له و في عرض سبيل الهدى و إنّما هو الخروج عن السبيل و عدم التلبّس بسلوكه فليس بسبيل حقيقة و إنّما هو عدم السبيل.

و كيف كان فالآية ظاهرة في نسبة قصد السبيل إليه تعالى و ترك نسبة السبيل

٢٢٥

الجائر المؤدّي بسبب المقابلة إلى نفي نسبته إليه تعالى.

و إذ كان من الممكن أن يتوهّم أنّ لازم جعله قصد السبيل أن يكون مكفوراً في نعمته مغلوباً في تدبيره و ربوبيّته حيث جعل السبيل و لم يسلكه الأكثرون و هدى إليه و لم يهتد به المدعوّون دفعه بقوله تعالى:( وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) أي إنّ عدم اهتداء الجميع ليس لعجز منه سبحانه عن ذلك أو غلبة من هؤلاء المتخلّفين و ظهورهم عليه بل لأنّه تعالى لم يشأ ذلك و لو شاء لم يسعهم إلّا أن يهتدوا جميعاً فهو القاهر الغالب على كلّ حال.

و بعبارة اُخرى السبيل القاصد الّذي جعله الله تعالى هو السبيل المبنيّ على اختيار الإنسان يقطعه بإتيان الأعمال الصالحة و اجتناب المعاصي عن اختيار منه، و ما هذا شأنه لم يكن ممّا يجبر عليه و لا عامّاً للجميع فإنّ الطبائع متنوّعة و التراكيب مختلفة و لا محالة تتنوّع آثارها، و يختلف الأفراد بالإيمان و الكفر و التقوى و الفجور و الطاعة و المعصية.

و الآية ممّا تشاجرت فيها الأشاعرة و المعتزلة من فرق المسلمين فاستدلّت المعتزلة بأنّ تغيير الاُسلوب بجعل قصد السبيل على الله دون السبيل الجائر للدلالة على ما يجوز إضافته إليه تعالى و ما لا يجوز كما ذكره في الكشّاف.

و تكلّفت الأشاعرة في الجواب عنه فمن مجيب بأنّ السبيلين جميعاً منه تعالى و إنّما لم ينسب السبيل الجائر إليه تأدّباً، و من مجيب بأنّ المراد بقوله:( وَ عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) أنّ عليه تعالى بيان السبيل الحقّ فضلاً و كرماً منه دون بيان السبيل الجائر و أمّا أصل الجعل فهما جميعاً مجعولان له تعالى، و من منكر أن يكون تغيير الاُسلوب في الآية لأمر مطلوب.

و الحقّ أنّ دلالة الآية على كون قصد السبيل مضافاً إليه تعالى دون السبيل الجائر ممّا لا ريب فيه لكنّ ذلك لا يستلزم كون السبيل الجائر مخلوقاً لغيره تعالى لما تقدّم أنّ سبيل الضلال ليس بسبيل حقيقة بل حقيقته عدم سلوك سبيل الهدى كما أنّ الضلال عدم الهدى فليس بأمر موجود حتّى ينسب خلقه و إيجاده إليه تعالى

٢٢٦

و إنّما ينسب الضلال إليه تعالى فيما ينسب بمعنى عدم هدايته للضالّ أي عدم إيجاده الهدى في نفسه.

و مع ذلك فالّذي ينسب إليه من الضلال كما في قوله:( يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) فاطر: ٨ و قوله:( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً ) البقرة: ٢٦ هو الضلال بطريق المجازاة دون الضلال الابتدائيّ، كما يفسره قوله:( وَ ما يُضِلُّ بِهِ إلّا الْفاسِقِينَ ) البقرة: ٢٦ فإذا فسق الإنسان و خرج بسوء اختياره عن زيّ العبوديّة بأن عصى و لم يرجع و هو ضلاله الابتدائيّ من قبل نفسه جازاه الله بالضلال بأن أثبته على حاله و لم يقض عليه الهدى.

و أمّا الضلال الابتدائي من الإنسان فإنّما هو انكفاف و قصور عن الطاعة و قد هداه الله من طريق الفطرة و دعوة النبوّة.

قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَ مِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ) شروع في نوع آخر من النعم و هي النعم النباتيّة الّتي يقتات بها الإنسان و غيره و ما سخّر له لتدبير أمرها كالليل و النهار و الشمس و القمر و ما يحذو حذوها، و لذلك غيّر السياق فقال:( هُوَ الَّذِي ) إلخ، و لم يقل: و أنزل من السماء.

و قوله:( تُسِيمُونَ ) من الإسامة و هي رعي المواشي و منه السائمة للماشية الراعية و( مِنَ ) الاُولى تبعيضيّة و الثانية نشؤيّة و الشجر من النبات ما له ساق و ورق و ربّما توسّع فاُطلق على ذي الساق و غيره جميعاً، و منه الشجر المذكور في الآية لمكان قوله:( فِيهِ تُسِيمُونَ ) و الباقي واضح.

قوله تعالى: ( يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّيْتُونَ وَ النَّخِيلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ كلّ الثَّمَراتِ ) إلخ، الزيتون شجر معروف و يطلق على ثمره أيضاً يقال: إنّه اسم جنس جمعيّ واحده زيتونة، و كذا النخيل، و يطلق على الواحد و الجمع، و الأعناب جمع عنبة و هي ثمرة شجرة الكرم و يطلق على نفس الشجرة كما في الآية، و السياق يفيد أنّ قوله:( وَ مِنْ كلّ الثَّمَراتِ ) تقديره و من كلّ الثمرات أنبت أشجارها. و لعلّ التصريح بأسماء هذه الثمرات الثلاث بخصوصها و عطف الباقي عليها لكونها ممّا يقتات بها غالبا.

٢٢٧

و لما كان في هذا التدبير العامّ الوسيع الّذي يجمع شمل الإنسان و الحيوان في الارتزاق به حجّة على وحدانيّته تعالى في الربوبيّة ختم الآية بقوله:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) .

قوله تعالى: ( وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ ) إلى آخر الآية قد تكرّر الكلام في معنى تسخير الليل و النهار و الشمس و القمر و النجوم، و لكون كلّ من المذكورات و كذا مجموع الليل و النهار و مجموع الشمس و القمر و النجوم ذا خواصّ و آثار في نفسه من شأنه أن يستقلّ بإثبات وحدانيّته في ربوبيّته تعالى ختم الآية بقوله:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) فجمع الآيات في هذه الآية بخلاف الآيتين السابقة و اللاحقة.

قوله تعالى: ( وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ) الذرء الخلق، و اختلاف ألوان ما ذرأه في الأرض غير ما مرّ كما يختلف ألوان المعادن و سائر المركّبات العنصريّة الّتي ينتفع بها الإنسان في معاشه و لا يبعد أن يكون اختلاف الألوان كناية عن الاختلاف النوعيّ بينها فتقرب الآية مضموناً من قوله تعالى:( وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى‏ بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى‏ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ) الرعد: ٤ و قد تقدّم تقريب الاستدلال به.

و اختلاف الألوان فيما ذرأ في الأرض كإنبات الشجر و الثمر أمر واحد يستدلّ به على وحدانيّته في الربوبيّة و لذا قال:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ) و لم يقل: لآيات.

و هذه حجج ثلاث نسب الاُولى إلى الّذين يتفكّرون، و الثانية إلى الّذين يعقلون، و الثالثة إلى الّذين يتذكّرون، و ذلك أنّ الحجّة الاُولى مؤلّفة من مقدّمات ساذجة يكفي في إنتاجها مطلق التفكّر، و الثانية مؤلّفة من مقدّمات علميّة لا يتيسّر فهمها إلّا لمن غار في أوضاع الأجرام العلويّة و السفليّة و عقل آثار حركاتها و انتقالاتها، و الثالثة مؤلّفة من مقدّمات كلّيّة فلسفيّة إنّما ينالها الإنسان

٢٢٨

بتذكّر ما للوجود من الأحكام العامّة الكلّيّة كاحتياج هذه النشأة المتغيّرة إلى المادّة و كون المادّة العامّة واحدة متشابهة الأمر، و وجوب انتهاء هذه الاختلافات الحقيقيّة إلى أمر آخر وراء المادّة الواحدة المتشابهة.

قوله تعالى: ( وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ) إلخ و هذا فصل آخر من النعم الإلهيّة و هو نعم البحر و الجبال و الأنهار و السبل و العلامات و كان ما تقدّمه من الفصل مشتملاً على نعم البرّ و السهل من الأشجار و الأثمار و نحوها، و لذلك قال:( وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ ) و لم يقل: و سخّر إلخ.

و الطريّ فعيل من الطراوة و هو الغضّ الجديد من الشي‏ء على ما ذكره في المفردات، و المخر شقّ الماء عن يمين و شمال، يقال: مخرت السفينة تمخر مخراً فهي ماخرة و مخر الأرض أيضاً شقّها للزراعة. على ما في المجمع و المراد بأكل اللحم الطريّ من البحر هو أكل لحوم الحيتان المصطادة منه، و باستخراج حلية تلبسونها ما يستخرج منه بالغوص من أمثال اللؤلؤ و المرجان الّتي تتحلّى و تتزيّن بها النساء.

و قوله:( وَ تَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ ) أي تشاهد السفائن تشقّ ماءه عن اليمين و الشمال، و لعلّ قوله:( وَ تَرَى ) من الخطابات العامّة الّتي لا يقصد بها مخاطب خاصّ و كثيراً ما يستعمل كذلك و معناه يراه كلّ راء و يشاهده كلّ من له أن يشاهد فليس من قبيل الالتفات من خطاب الجمع السابق إلى خطاب الواحد.

و قوله:( وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) أي و لتطلبوا بعض رزقه في ركوب البحر و إرسال السفائن فيه و الجملة معطوفة على محذوف و التقدير و ترى الفلك مواخر فيه لتنالوا بذلك كذا و كذا و لتبتغوا من فضله، و هو كثير النظير في كلامه تعالى.

و قوله:( وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) أي و من الغايات في تسخير البحر و إجراء الفلك فيه شكركم له المرجوّ منكم إذ هو من زيادته تعالى في النعمة فقد أغناكم بما أنعم

٢٢٩

عليكم في البرّ عن أن تتصرّفوا في البحر بالغوص و إجراء السفن و غير ذلك لكنّه تعالى زادكم بتسخير البحر لكم نعمة لعلّكم تشكرونه على هذا الزائد فإنّ الإنسان قليلاً ما يتنبّه في الضروريّات أنّها نعمة موهوبة من لدنه سبحانه و لو شاء لقطعها و أمّا الزوائد النافعة فهي أقرب من هذا التنبّه و الانتقال.

قوله تعالى: ( وَ أَلْقى‏ فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَ أَنْهاراً وَ سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) قال في المجمع: الميد الميل يميناً و شمالاً و هو الاضطراب ماد يميد ميدا. انتهى.

و قوله:( أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) أي كراهة أن تميد بكم أو أن لا تميد بكم و المراد أنّه طرح على الأرض جبالاً ثوابت لئلّا تضطرب و تميل يميناً و شمالاً فيختلّ بذلك نظام معاشكم.

و قوله:( وَ أَنْهاراً ) أي و جعل فيها أنهاراً تجري بمائها و تسوقه إلى مزارعكم و بساتينكم و تسقيكم و ما عندكم من الحيوان الأهليّ.

و قوله:( وَ سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) معطوف على قوله:( وَ أَنْهاراً ) أي و جعل سبلا لغاية الاهتداء المرجوّ منكم، و السبل منها ما هي طبيعيّة و هي المسافات الواقعة بين بقعتين من الأرض الواصلة إحداهما بالاُخرى من غير أن يقطع ما بينهما بحاجب أو مانع كالسهل بين الجبلين، و منها ما هي صناعيّة و هي الّتي تتكوّن بعبور المارّة و آثار الأقدام أو يعملها الإنسان.

و الظاهر من السياق عموم السبل لكلا القسمين، و لا ضير في نسبة ما جعله الإنسان إلى جعله تعالى كما نسب الأنهار و العلامات إلى جعله تعالى و أكثرها من صنع الإنسان و كما نسب ما عمله الإنسان من الأصنام و غيرها إلى خلقه تعالى في قوله:( وَ اللهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ ) الصافّات: ٩٦.

و ذلك أنّها كائنة ما كانت من آثار مجعولاته تعالى و جعل الشي‏ء ذي الأثر جعل لأثره بوجه و إن لم يكن جعلاً مستقيماً من غير واسطة.

قوله تعالى: ( وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) العلامات جمع علامة و هي ما

٢٣٠

يعلم به الشي‏ء، و هو معطوف على قوله:( أَنْهاراً ) أي و جعل علامات تستدلّون بها على الأشياء الغائبة عن الحسّ و هي كلّ آية و أمارة طبيعيّة أو وضعيّة تدلّ على مدلولها و منها الشواخص و النصب و اللغات و الإشارات و الخطوط و غيرها.

ثمّ ذكر سبحانه الاهتداء بالنجوم فقال:( وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) و لعلّ الالتفات فيه من الخطاب إلى الغيبة للتحرّز عن تكرار( تَهْتَدُونَ ) بصيغة الخطاب في آخر الآيتين.

و الآية السابقة:( وَ عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) المتضمّنة لمسألة الهداية المعنويّة الّتي هي كالمعترضة بين الآيات العادّة للنعم الصوريّة و إن كان الأنسب ظاهراً أن يوضع بعد هذه الآية أعني قوله:( وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) المتعرّضة هي و ما قبلها للهداية الصوريّة غير أنّ ذلك لم يكن خاليا من اللبس و إيهام التناقض بخلاف موقعها الّذي هي واقعة فيه و إن كانت كالمعترضة كما هو ظاهر.

قوله تعالى: ( أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ - إلى قوله -إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ) الآيات تقرير إجماليّ للحجّة المذكورة تفصيلاً في ضمن الآيات الستّ عشرة الماضية و استنتاج للتوحيد و هي حجّة واحدة اُقيمت لتوحيد الربوبيّة، و ملخّصها أنّ الله سبحانه خالق كلّ شي‏ء فهو الّذي أنعم بهذه النعم الّتي لا يحيط بها الإحصاء الّتي ينتظم بها نظام الكون، و هو تعالى عالم بسرّها و علنها فهو الّذي يملك الكلّ و يدبّر الأمر فهو ربّها، و ليس شي‏ء ممّا يدعونه على شي‏ء من هذه الصفات فليست أرباباً فالإله واحد لا غير و هو الله عزّ اسمه.

و من هنا يظهر فساد ما ذكره بعضهم أنّ الآيات تثبت التوحيد من طريقين طريق الخلقة و طريق النعمة، بيان الفساد أنّ طريق الخلقة وحدها إنّما تثبت الصانع و وحدانيّته في الخلق و الإيجاد، و الوثنيّون - و إليهم وجه الكلام في الآيات - لا ينكرون وجود الصانع و لا أنّ الله سبحانه خالق الكلّ حتّى أوثانهم و أن أوثانهم ليسوا بخالقين لشي‏ء و إنّما يدّعون لأوثانهم تدبير أمر العالم بتفويض من الله لذلك إليهم و الشفاعة عند الله فلا يفيد إثبات الصانع تجاه هؤلاء شيئاً.

٢٣١

و إنّما سيقت آيات الخلقة لتثبيت أمر النعمة إذ من البيّن أنّه إذا كان الله سبحانه خالقاً لكلّ شي‏ء موجوداً له كانت آثار وجودات الأشياء و هي النعم الّتي يتنعّم بها له سبحانه كما أنّ وجوداتها له ملكاً طلقاً لا يقبل بطلاناً و لا نقلاً و لا تبديلاً فهو سبحانه المنعم بها حقيقة لا غيره من شي‏ء حتّى الّذي نفس النعمة من آثار وجوده فإنّه و ما له من أثر هو لله وحده.

و لذلك ضمّ إلى حديث الخلق و الإنعام قوله تعالى:( وَ اللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ ) لأنّ مجرّد استناد الخلق و الإنعام إلى شي‏ء لا يستلزم ربوبيّته و لا يستوجب عبادته لو لا انضمام العلم إليهما ليتمّ بذلك أنّه مدبّر يهدي كلّ شي‏ء إلى كماله المطلوب له و سعادته المكتوبة في صحيفة عمله، و من المعلوم أنّ العبادة إنّما تستقيم عبادة إذا كان المعبود موسوماً بسمة العلم عالماً بعبادة من يعبده شاهداً لخضوعه.

فمجموع ما تتضمّنه الآيات من حديث الخلق و النعمة و العلم مقدّمات لحجّة واحدة اُقيمت على توحيد الربوبيّة الّذي ينكره الوثنيّة كما عرفت.

فقوله:( أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ ) قياس ما له سبحانه من النعت إلى ما لغيره منه و نفي للمساواة، و الاستفهام للإنكار، و المراد بمن لا يخلق آلهتهم الّذين يدعونهم من دون الله.

و بيانه - كما ظهر ممّا تقدّم - أنّ الله سبحانه يخلق الأشياء و يستمرّ في خلقها فلا يستوي هو و من لا يخلق شيئاً فإنّه تعالى لخلقه الأشياء يملك وجوداتها و آثار وجوداتها الّتي هي الأنظمة الخاصّة بها و النظام العامّ الجاري عليها.

و قوله:( وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها ) إلخ، إشارة إلى كثرة النعم الإلهيّة كثرة خارجة عن حيطة الإحصاء، و بالحقّيقة ما من شي‏ء إلّا و هو نعمة إذا قيس إلى النظام الكلّيّ و إن كان ربّما وجد بينها ما ليس بنعمة إذا قيس إلى بعض آخر.

و قد علّل سبحانه ذلك بقوله:( إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) و هو من ألطف التعليل و أدقّه فأفاد سبحانه أنّ خروج النعمة عن حدّ الإحصاء إنّما هو من بركات اتّصافه تعالى بصفتي المغفرة و الرحمة فإنّه بمغفرته - و المغفرة هي الستر - يستر ما في الأشياء

٢٣٢

من وبال النقص و شوهة القصور، و برحمته - و الرحمة إتمام النقص و رفع الحاجة - يظهر فيها الخير و الكمال و يحلّيها بالجمال فببسط المغفرة و الرحمة على الأشياء يكون كلّ شي‏ء نافعاً في غيره خيراً مطلوباً عنده فيصير نعمة بالنسبة إليه فالأشياء بعضها نعمة لبعض فللنعمة الإلهيّة من السعة و العرض ما لمغفرته و رحمته من ذلك: فإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها، فافهم ذلك.

و الآية من الموارد الّتي استعملت فيها المغفرة في غير الذنب و المعصية للأمر المولويّ هو المعروف عند المتشرّعة.

و قوله:( وَ اللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ ) إشارة إلى الركن الثالث من أركان الربوبيّة و هو العلم فإنّ الإله لو كان غير متّصف بالعلم استوت العبادة و اللّاعبادة بالنسبة إليه فكانت عبادته لغواً لا أثر لها.

فمن الواجب في الربّ المعبود أن يكون له علم و لا كلّ علم، كيفما كان بل العلم بظاهر من يعبده و باطنه فإنّ العبادة متقوّمة بالنيّة فهي إنّما تقع عبادة حقيقة إذا اُتي بها عن نيّة صالحة و هو ممّا يرجع إلى الضمير فلا يتمّ العلم بكون صورة العبادة واجدة لحقيقة معناها إلّا بعد إحاطة المعبود بظاهر من يعبده و باطنه لكنّ الله سبحانه عليم بما يسرّه الإنسان و ما يعلنه كما أنّه خالق منعم و يستحقّ بذلك أن يعبد.

و من هنا يظهر وجه اختيار ما في الآية من التعبير لبيان علمه فلم يعبّر بمثل قوله:( عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ ) و قوله:( وَ اللهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ ) بل قال:( وَ اللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ ) فذكر العلم بالإسرار و الإعلان، و أضافه إلى الإنسان لأنّ الكلام في عبادة الإنسان لربّه، و الواجب في العلم بالعبادة المرتبطة بعمل الجوارح و القلب جميعاً أن يكون عالماً بما يسرّه الإنسان و ما يعلنه من النيّة القلبيّة و الأحوال و الحركات البدنيّة.

و قوله:( وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شيئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ ) إشارة إلى فقدان الركن الأوّل من أركان الربوبيّة في آلهتهم الّذين يدعون من دون الله

٢٣٣

و يتفرّع عليه الركن الثاني و هو إيتاء النعمة، فليس الّذين يدعونهم آلهة و أربابا و الله الربّ.

و قوله:( أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) إشارة إلى فقدان الركن الثالث من أركان الربوبيّة في أصنامهم و هو العلم بما يسرّون و ما يعلنون و قد بالغ في نفي ذلك فنفى أصل الحياة المستلزم لنفي مطلق العلم فضلاً عن نوعه الكامل الّذي هو العلم بما يسرّون و ما يعلنون فقال:( أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ ) فأثبت الموت أوّلاً و هو لا يجامع الشعور ثمّ أكّده بنفي الحياة ثانياً.

و خصّ من وجوه جهلهم عدم شعورهم متى يبعث عبّادهم من الناس فقال:( وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) أي ما يدري الأصنام أيّان يبعث عبادهم فإنّ العبادة هي الّتي يجزى بها الإنسان يوم البعث فمن الواجب في الإله المعبود أن يعلم متى يوم البعث حتّى يجزي عبّاده فيه عن عبادتهم، و هؤلاء لا يدرون شيئاً من ذلك.

و من هنا يظهر أنّ أوّل ضميري الجمع( يَشْعُرُونَ ) للأصنام و الثاني( يُبْعَثُونَ ) للمشركين، و أمّا إرجاعهما كليهما إلى الأصنام فغير مرضيّ لأنّ العلم بالبعث مختصّ به سبحانه محجوب عن غيره و لا يختصّ الجهل به بالأصنام، و أردأ منه قول بعضهم: إنّ ضميري الجمع معاً في الآية عائدان إلى المشركين. هذا.

و الآيات و إن كانت مسوقة بظاهرها لنفي ربوبيّة الأصنام لكنّ البيان بعينه بأدنى دقّة جار في أرباب الأصنام كالملائكة المقرّبين و الجنّ و الكمّلين من البشر و الكواكب من كلّ ما يعبده الوثنيّون فإنّ صفات الخلق و الإنعام و العلم لا تقوم بالأصالة و الاستقلال إلّا بالله سبحانه، و لا ربوبيّة حقيقة إلّا بالأصالة و الاستقلال، فافهم.

و في الآيتين أعني قوله:( وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ - إلى قوله -يُبْعَثُونَ ) التفات من الخطاب إلى الغيبة، و لعلّ النكتة فيه ذكر يوم البعث فيهما و المشركون لا يقولون به فحوّل الخطاب منهم إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للتوسّل بذلك إليه من غير اعتراض.

٢٣٤

و قوله:( إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ) بيان لنتيجة الحجّة الّتي اُقيمت في الآيات السابقة أي إذا كان الله سبحانه هو الواجد لما تتوقّف عليه الاُلوهيّة و هي المعبوديّة بالحقّ، و غيره تعالى ممّن يدعون من دونه غير واجد لشي‏ء ممّا تتوقّف عليه و هو الخلق و الإنعام و العلم فإلهكم الّذي يحقّ له أن يعبد واحد و لازم معناه أنّه الله عزّ اسمه.

( بحث روائي)

في المجمع، أربعون آية من أوّلها مكّيّة و الباقي من قوله:( وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ ) إلى آخر السورة مدنيّة، عن الحسن و قتادة، و قيل: مكّيّة كلّها غير ثلاث آيات نزلت في انصراف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اُحد:( وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا ) إلى آخر السورة نزلت فيما بين مكّة و المدينة عن ابن عبّاس و عطاء و الشعبيّ، و في إحدى الروايات عن ابن عباس: بعضها مكّيّ و بعضها مدنيّ فالمكّيّ من أوّلها إلى قوله:( وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) ، و المدنيّ قوله:( وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلًا - إلى قوله -بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

أقول: و قد قدّمنا أنّ الّذي يعطيه السياق خلاف ذلك كلّه فراجع.

و في تفسير العيّاشيّ، عن هشام بن سالم عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) قال: إذا أخبر الله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشي‏ء إلى وقت فهو قوله:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) حتّى يأتي ذلك الوقت و قال: إنّ الله إذا أخبر أنّ شيئاً كائن فكأنّه قد كان.

أقول: كأنّه إشارة إلى أنّ التعبير في الآية بلفظ الماضي لتحقّق الوقوع.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: لما نزلت:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ ) ذعر أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى نزل( فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) فسكنوا.

و فيه، أخرج ابن جرير و ابن المنذر عن ابن جريج قال: لما نزلت هذه الآية:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) قال رجال من المنافقين بعضهم لبعض: إنّ هذا يزعم أنّ أمر الله قد أتى فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتّى تنظروا ما هو كائن فلمّا

٢٣٥

رأوا أنّه لا ينزل شي‏ء قالوا: ما نراه نزل.

فنزلت:( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ ) الآية فقالوا: إنّ هذا يزعم مثلها أيضاً فلمّا رأوا أنّه لا ينزل شي‏ء قالوا: ما نراه نزل شي‏ء فنزل:( وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى‏ أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ) الآية.

أقول: و الرواية تدلّ على أنّ المسلمين كان بينهم قبل الهجرة منافقون كما يشهد به بعض آخر من الروايات.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم و الطبرانيّ و ابن مردويه و الحاكم و صحّحه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس فلا تزال ترتفع في السماء حتّى تملأ السماء ثمّ ينادي مناد: يا أيّها الناس! فيقبل الناس بعضهم على بعض: هل سمعتم؟ فمنهم من يقول: نعم و منهم من يشكّ ثمّ ينادي الثانية: يا أيّها الناس فيقول الناس: هل سمعتم؟ فيقولون: نعم ثمّ ينادي: أيّها الناس أتى أمر الله فلا تستعجلوه.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فوالّذي نفسي بيده إنّ الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه و إنّ الرجل ليملؤ حوضه فما يسقي فيه شيئاً، و إنّ الرجل ليحلب ناقته فما يشربه و يشغل الناس.

أقول: و قد رام بعضهم أن يستفيد من هذه الروايات الثلاث - و في معناها بعض روايات اُخر - أنّ المراد بالأمر هو يوم القيامة و لا دلالة فيها على ذلك.

أمّا الرواية الاُولى فلا يدلّ ذعرهم أنّهم فهموا منها ذلك فإنّ أمر الله أيّا ما كان ممّا يهيب عباده على أنّه لا حجّة في فهمهم و ليس الشبهة مفهوميّة حتّى يرجع إليهم بما هم أهل اللسان.

على أنّ الرواية لا تخلو عن شي‏ء فإنّ الله سبحانه يعدّ الاستعجال بالقيامة من صفات الكفّار و يذمّهم عليه و يبرّئ المؤمنين منه قال:( وَ الَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها ) الشورى: ١٨ و قد مرّت الإشارة إليه في البيان المتقدّم هذا إذا كان الخطاب في قوله:( فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) للمؤمنين، و أمّا إذا كان المخاطب به المشركين و هم

٢٣٦

كانوا يستعجلونه، فمعنى النهي عن استعجالهم هو حلول الأجل و قرب الوقوع لا الإمهال و الإنظار، و لا معنى حينئذ لسكونهم لما سمعوا قوله:( فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) .

و أمّا الرواية الثانية فظاهرها أنّهم فهموا منها العذاب الدنيويّ دون الساعة فهي تؤيّد ما قدّمناه في البيان لا ما ذكروه.

و أمّا الرواية الثالثة فأقصى ما تدلّ عليه أنّ قيام الساعة من مصاديق إتيان أمر الله و لا ريب في ذلك و هو غير كون المراد بالأمر في الآية هو الساعة.

و في كتاب الغيبة، للنعمانيّ بإسناده عن عبدالرحمن بن كثير عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قوله عزّوجلّ:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) قال: هو أمرنا أمر الله عزّوجلّ فلا يستعجل به يؤيّده بثلاثة أجناد: الملائكة و المؤمنون و الركب، و خروجه كخروج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و ذلك قوله:( كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالحقّ ) .

أقول: و رواه المفيد في كتاب الغيبة، عن عبد الرحمن عنهعليه‌السلام ‏، و مراده ظهور المهديّعليه‌السلام كما صرّح به في روايات اُخر و هو من جري القرآن أو بطنه.

و في الكافي، بإسناده عن سعد الإسكاف قال: أتى رجل أميرالمؤمنينعليه‌السلام يسأله عن الروح أ ليس هو جبرئيل؟ فقال له أميرالمؤمنينعليه‌السلام : جبرئيل من الملائكة و الروح غير جبرئيل، فكبر ذلك على الرجل فقال له: لقد قلت عظيما من القول ما أحد يزعم أنّ الروح غير جبرئيل. فقال له أميرالمؤمنينعليه‌السلام : إنّك ضالّ تروي عن أهل الضلال، يقول الله لنبيّه:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ ) و الروح غير الملائكة.

أقول: و هو يؤيّد ما قدّمناه، و في روايات اُخر: أنّه خلق أعظم من جبرئيل.

و في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ) قالعليه‌السلام : خلقه من قطرة من ماء مهين فيكون خصيماً متكلّماً بليغاً.

و فيه، في قوله تعالى:( حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ ) قالعليه‌السلام : حين ترجع من المرعى و حين تخرج إلى المرعى.

و في تفسير العيّاشيّ، عن زرارة عن أحدهماعليهما‌السلام قال: سألته عن أبوال الخيل

٢٣٧

و البغال و الحمير قال: نكرهها، قلت: أ ليس لحمها حلالا؟ قال: فقال: أ ليس قد بيّن الله لكم:( وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‏ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ ) و قال في الخيل و البغال و الحمير:( لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً ) فجعل الأكل من الأنعام الّتي قصّ الله في الكتاب، و جعل للركوب الخيل و البغال و الحمير و ليس لحومها بحرام و لكنّ الناس عافوها.

أقول: و الروايات في الخيل و البغال و الحمير مختلفة و مذهب أهل البيتعليهم‌السلام حلّيّة أكل لحومها على كراهية.

و في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ) قال: قالعليه‌السلام : العجائب الّتي خلقها الله في البرّ و البحر.

و في الدرّ المنثور، في قوله تعالى:( وَ عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ ) أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن الأنباري في المصاحف عن عليّ أنّه كان يقرأ هذه الآية:( فمنكم جائر) .

و في تفسير العيّاشيّ، عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عن عليّعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) قال: هو الجدي لأنّه نجم لا يدور عليه بناء القبلة، و به يهتدي أهل البرّ و البحر.

أقول: و هو مرويّ عن الصادقعليه‌السلام أيضا.

و في الكافي، بإسناده عن داود الجصّاص قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول:( وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) قال: النجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و العلامات الأئمّةعليهم‌السلام .

أقول: و رواه أيضاً بطريقين آخرين عنه و عن الرضاعليهما‌السلام و رواه العيّاشيّ و القمّيّ في تفسيريهما، و الشيخ في أماليه، عن الصادقعليه‌السلام .

و ليس بتفسير و إنّما هو من البطن و من الدليل عليه‏ ما رواه الطبرسيّ في المجمع، قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : نحن العلامات و النجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لقد قال: إنّ الله جعل النجوم أماناً لأهل السماء و جعل أهل بيتي أماناً لأهل الأرض.

٢٣٨

( سورة النحل الآيات ٢٢ - ٤٠)

إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ  فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ( ٢٢ ) لَا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ  إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ( ٢٣ ) وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ  قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ( ٢٤ ) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ  وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ  أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ( ٢٥ ) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ( ٢٦ ) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ  قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ ( ٢٧ ) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ  فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ  بَلَىٰ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٢٨ ) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا  فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ( ٢٩ ) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ  قَالُوا خَيْرًا  لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ  وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ  وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ( ٣٠ ) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ  لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ  كَذَٰلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ ( ٣١ ) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ  يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٣٢ ) هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ

٢٣٩

أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ  كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ  وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( ٣٣) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ( ٣٤) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ  كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ  فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ( ٣٥) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ  فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ  فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ( ٣٦) إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ  وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ( ٣٧) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ  لَا يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ  بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ( ٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ( ٣٩) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ( ٤٠)

( بيان)

هذا هو الشطر الثاني من آيات صدر السورة، و قد كان الشطر الأوّل يتضمّن توحيد الربوبيّة و إقامة الحجّة على المشركين في ذلك بعد ما أنذرهم بإتيان الأمر و نزّه الله سبحانه عن شركهم.

و هذا الشطر الثاني يتضمّن ما يناسب المقام ذكره من مساوي صفات المشركين المتفرّعة على إنكارهم التوحيد و أباطيل أقوالهم كاستكبارهم على الله و استهزائهم

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

اشتمال مراتب القرآن على المقدّرات الحادثة في كلّ عام:

وقال: (المسألة الثامنة) في تفسير مفردات هذه الألفاظ، أمّا قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (١) فقد قيل فيه: إنّه تعالى أنزل كلّية القرآن، يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة، ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتُدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ونسخة الحروب إلى جبرائيل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، انتهى كلامه.

وقال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: (في تفسير قوله تعالى: ( إنّا أَنْزَلْناهُ ) يعني القرآن، وإن لم يجرِ له ذكر في هذه السورة؛ لأنّ المعنى معلوم، والقرآن كلّه كالسورة الواحدة، وقد قال: ( شَهْرُ رَمَضانُ الَّذي اُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ ) ، وقال: ( حم وَالْكِتابِ الْمُبينِ إنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (٢) يريد: في ليلة القدر.

وقال الشعبي: المعنى إنّا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. وقيل: بل نزل به جبريل عليه‌السلام جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، إلى بيت العزّة، وأملاه جبريل على السَفَرة، ثمّ كان جبريل ينزّله على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نُجوماً نُجوماً، وكان بين أوّله وآخره ثلاث وعشرون سنة. قاله ابن عبّاس، وقد تقدّم في سورة البقرة.

وحكى الماوردي عن ابن عبّاس، قال: نزل القرآن في شهر رمضان وفي ليلة القدر، في ليلة مباركة جملة واحدة من عند اللَّه، من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجّمته السفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة، ونجّمه جبريل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عشرين سنة.

قال ابن العربي: وهذا باطل؛ ليس بين جبريل وبين اللَّه واسطة، ولا بين جبريل

____________________

١) سورة الدخان: ٣.

٢) سورة الدخان: ١ - ٣.

٢٨١

ومحمّد عليهما‌السلام واسطة.

قوله تعالى: ( في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، قال مجاهد: في ليلة الحكم، ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) ، قال ليلة الحكم. والمعنى ليلة التقدير، سمّيت بذلك لأنّ اللَّه تعالى يقدّر فيها ما يشاء من أمره، إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر الموت والأجل والرزق وغيره، ويسلّمه إلى مدبّرات الأُمور، وهم أربعة من الملائكة: إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبريل عليهم‌السلام .

أُمّ الكتاب في القرآن متضمّنة لتقدير كلّ شي‏ء:

وقال: وعن ابن عبّاس، قال: يكتب من أمّ الكتاب ما يكون في السنة من رزق ومطر، وحياة وموت، حتّى الحاجّ. قال عكرمة: يكتب حجّاج بيت اللَّه تعالى في ليلة القدر بأسمائهم وأسماء آبائهم، ما يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم.

وقاله سعيد بن جُبير، وقد مضى في أوّل سورة الدخان هذا المعنى. وعن ابن عبّاس أيضاً: إنّ اللَّه تعالى يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان، ويسلّمها إلى أربابها في ليلة القدر. وقيل: إنّما سمّيت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها، من قولهم: لفلان قدر، أي شرف ومنزلة) (١) .

ليلة القدر عوض للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وآلهعليهم‌السلام عن غصب الخلافة:

وقال: (وفي الترمذي عن الحسن بن علي رضي اللَّه عنهما: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) ، يعني نهراً في الجنّة، ونزلت ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ

____________________

١) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، ج٢٠، ص١٢٩ - ١٣٠، طبعة القاهرة.

٢٨٢

أَلْفِ شَهْرٍ ) ، يملكها بعدك بنو أُمية. قال القاسم بن الفضل الحدّاني: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً. قال: حديث غريب.

قوله تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) أي تهبط من كلّ سماء، ومن سدرة المنتهى، ومسكن جبريل على وسطها، فينزلون إلى الأرض ويؤمّنون على دعاء الناس إلى وقت طلوع الفجر، فذاك قوله تعالى ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) .

حقيقة الروح النازل ليلة القدر:

وقال: ( وَالرُّوحُ فِيها بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) (١) ، أي جبرئيل عليه‌السلام ، وحكى القُشيري: أنّ الروح صنف من الملائكة جُعلوا حفظة على سائرهم، وأنّ الملائكة لا يرونهم كما لا نرى نحن الملائكة. وقال مقاتل: هم أشرف الملائكة وأقربهم من اللَّه تعالى.

وقيل: إنّهم جند من جند اللَّه عزّ وجلّ من غير الملائكة، رواه مجاهد عن ابن عبّاس مرفوعاً، ذكره الماوردي، وحكى القُشيري: قيل هم صنف من خلق اللَّه، يأكلون الطعام، ولهم أيدٍ وأرجل وليسوا ملائكة.

وقيل: (الروح) خلق عظيم يقوم صفّاً، والملائكة كلّهم صفّاً. وقيل: (الروح) الرحمة ينزل بها جبريل عليه‌السلام مع الملائكة في هذه الليلة على أهلها، دليله: ( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (٢) ، أي بالرحمة، (فِيها) أي في ليلة القدر، ( بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) أي بأمره، ( مِن كُلِّ أَمْرٍ ) (٣) أمر بكلّ أمر قدّره اللَّه وقضاه في تلك السنة إلى قابل.

وقيل عنه: إنّها رُفعت - يعني ليلة القدر - وإنّها إنّما كانت مرّة واحدة.

____________________

١) سورة القدر: ٤.

٢) سورة النحل: ٢.

٣) سورة القدر: ٥.

٢٨٣

بقاء ليلة القدر في كلّ عام:

وقال: (والصحيح أنّها باقية... والجمهور على أنّها من كلّ عام من رمضان... وقال الفرّاء: لا يقدّر اللَّه في ليلة القدر إلاّ السعادة والنعم، ويقدّر في غيرها البلايا والنقم) (١) .

وقال الطبري في تفسيره، في ذيل سورة البروج: ( فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) ، بسنده إلى مجاهد: في لوح، قال: ( فِي أُمِّ الْكِتَابِ ) (٢) .

وقال ابن كثير في تفسيره، بعد ما نقل جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، والذي مرّ نقله، قال: (اختلف العلماء هل كانت ليلة القدر في الأُمم السالفة، أم هي من خصائص هذه الأُمّة؟

فقال الزهري:... وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأُمّة بليلة القدر. وقيل: إنّها كانت في الأُمم الماضين كما هي في أُمّتنا، ثمّ هي باقية إلى يوم القيامة وفي رمضان خاصّة) (٣) .

وقال الزمخشري في الكشّاف، بعد ما ذكره جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، في ذيل قوله تعالى: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (٤) قال: (وسبب ارتقاء فضلها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من المصالح الدينية التي ذكرها، من تنزّل الملائكة والروح، وفصل كلّ أمر حكيم).

وقال في ذيل قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (٥) : أي تتنزّل من أجل كلّ أمر قضاه اللَّه لتلك السنة إلى قابل... وروي عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من قرأ سورة القدر أُعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيى ليلة القدر)، وذكر في هامش المطبوع: أنّ الحديث أخرجه الثعلبي، والواحدي، وابن مردويه، بسندهم إلى أُبَيّ ابن كعب.

____________________

١) تفسير القرطبي، ج٢٠، ص١٣٣ - ١٣٧، في تفسير الجامع لأحكام القرآن طبعة القاهرة.

٢) جامع البيان، ج٣٠، ص١٧٦.

٣) تفسير ابن كثير، ج٤، ص ٥٦٨.

٤) سورة القدر: ٢.

٥) سورة القدر: ٥.

٢٨٤

ليلة القدر عوض له صلى‌الله‌عليه‌وآله عن غصب بني أُمية خلافته، وتعدد مصادر الحديث لديهم:

وقال الآلوسي في روح المعاني: (ويستدلّ لكونها مدنية بما أخرجه الترمذي، والحاكم، عن الحسن ابن عليّ (رضي اللَّه تعالى عنهما): (أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أُري بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) (١) ، ونزلت: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (٢) .. الحديث). وهو كما قال المزني: حديث منكر، انتهى.

وقد أخرج الجلال هذا الحديث في الدرّ المنثور عن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل أيضاً، من رواية يوسف ابن سعد، وذكر فيه: أنّ الترمذي (٣) أخرجه وضعّفه، وأنّ الخطيب أخرج عن ابن عبّاس نحوه، وكذا عن ابن نسيب، بلفظٍ: قال نبي اللَّه: (أُريتُ بني أُمية يصعدون منبري، فشقّ ذلك عليّ فأُنزِلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، ففي قول المزني هو منكر تردّد عندي.

وقد ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام ما رواه الكافي بسنده إلى أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (أُري رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه بني أُمية يصعدون على منبره من بعده ويضلّون الناس عن الصراط القهقري، فأصبح كئيباً حزيناً، قال: فهبط عليه جبرئيل فقال: يا رسول اللَّه مالي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: يا جبرئيل إنّي رأيت بني أُمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي، يضلّون الناس عن الصراط القهقري. فقال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً إنّي ما اطّلعت عليه. فعرّج إلى السماء فلم يلبث أن نزل بآي من القرآن يُؤنسه بها، قال: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (٤) ، وأُنزل عليه: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ، جعل اللَّه ليلة القدر لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

١) سورة الكوثر: ١.

٢) سورة القدر: ١.

٣) سنن الترمذي، ج٥، ص٤٤٤، ح ٣٣٥٠.

٤) سورة الشعراء: ٢٠٥ - ٢٠٧.

٢٨٥

خيراً من ألف شهر ملك بني أُمية) (١) .

وروى الكُليني، عن علي بن عيسى القمّاط عن عمّه، قال: (سمعت أبا عبد اللَّه يقول: هبط جبرئيل عليه‌السلام على رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول اللَّه كئيب حزين، فقال: رأيت بني أُمية يصعدون المنابر وينزلون منها. قال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، ما علمت بشي‏ء من هذا. وصعد جبرئيل إلى السماء، ثمّ أهبطه اللَّه جلّ ذكره بآي من القرآن يعزّيه بها قوله: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (٢) .

وأنزل اللَّه جلّ ذكره: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) للقوم، فجعل اللَّه ليلة القدر (لرسوله) خير، من ألف شهر) (٣) .

وفي سند الصحيفة السجّادية، عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه‌السلام : إنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذته نَعسةٌ وهو على منبره، فرأى في منامه رجالاً ينزون على منبره نزو القردة، يردّون الناس على أعقابهم القهقري، فاستوى رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً والحزن يعرف في وجهه، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ) ، يعني بني أُمية. قال: يا جبرئيل على عهدي يكونون وفي زمني؟

قال: لا، ولكن تدور رحى الإسلام من مُهاجرك فتلبث بذلك عشراً، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجِرَك فتلبث بذلك خمساً، ثمّ لابدّ من رحى

____________________

١) الكافي، ج٤، ص١٥٩.

٢) سورة الشعراء:٢٠٥ - ٢٠٦.

٣) الكافي، ج٨، ص٢٢٣.

٢٨٦

ضلاله هي قائمة على قطبها ثمّ ملك الفراعنة. قال: وأنزل اللَّه تعالى في ذلك: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) يملكها بنو أُمية. فيها ليلة القدر.

قال: فأَطلع اللَّه عزّ وجلّ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ بني أُمية تملك سلطان هذه الأُمّة وملكها طول هذه المدّة، فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها، حتّى يأذن اللَّه تعالى بزوال ملكهم، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا. أخبر اللَّه نبيّه بما يلقي أهل بيت محمّد وأهل مودّتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم) (١) .

وفي تأويل الآيات: (روي عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: قوله عزّ وجلّ: ( خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ ) هو سلطان بني أُمية.

وقال: ليلة من إمام عادل خير من ألف شهر ملك بني أُمية.

وقال: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) أيّ من عند ربّهم على محمّد وآل محمّد، بكلّ أمر سلام) (٢) .

وفي تفسير القمّي: بسنده، في معنى سورة: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) فهو القرآن... قوله: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) .

أقول: تكثر الروايات في غصب الخلافة من بني أُمية، وتأذّي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعويضه بليلة القدر، وسيأتي معنى تعويضه بليلة القدر، وتسالم كثير من علماء الجمهور بهذه الروايات، هذا الأمر أحد الأدلّة على أنّ الخلافة في الشريعة الإلهية هي منصب أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فتدبّر تبصُر.

____________________

١) الصحيفة السجّادية الكاملة: ١٥ - ١٦.

٢) تأويل الآيات، ج٢، ص٨١٧، ح٢.

٢٨٧

حقيقة النازل الذي نزل في ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) : الضمير عند الجمهور للقرآن، وادّعى الإمام فيه إجماع المفسّرين، وكأنّه لم يعتقد بقول من قال منهم برجوعه لجبرئيل عليه‌السلام أو غيره؛ لضعفه. قالوا: وفي التعبير عنه بضمير الغائب مع عدم تقدّم ذكره تعظيم له، أي تعظيم لِما أنّه يشعر بأنّه لعلوّ شأنه كأنّه حاضر عند كلّ أحد.

جهل الخلق بحقيقة ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (١) : لِما فيه من الدلالة على أنّ علوّها خارج عن دائرة دراية الخلق، لا يُعلم ذلك، ولا يَعلم به إلاّ علاّم الغيوب.

حقيقة نزول القرآن جملة واحدة:

ثمّ ذكر جملة في تعدّد نزول القرآن جملةً واحدةً ونجوماً، وذكر في ضمنها هذه الرواية، عن ابن عبّاس: (أُنزل القرآن جملةً واحدة حتّى وضع في بيت العزّة في السماء الدنيا، ونزل به جبريل عليه‌السلام على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بجواب كلام العباد وأعمالهم)... ثمّ نقل الاختلاف بين المفسّرين عندهم في قوله تعالى: ( أَنْزَلْنَاهُ ) من جهة نزول القرآن جملةً واحدة، فهل تضمّن القرآن النازل جملةً واحدة هذه العبارة أم لا؟ فلابدّ من ارتكاب المجاز في الإسناد؛ لأنّه إخبار عمّا وقع فيما مضى، فكيف يكون هذا اللفظ في ضمنه؟

____________________

١) سورة القدر: ٢.

٢٨٨

فذكر قولاً للرازي في حلّ الإشكال، وللقرطبي، وابن كثير، وضعّف قولهم. ونقل عن ابن حجر في شرح البخاري أنّه أُنزل جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السماء الدنيا، بل حكى بعضهم الإجماع عليه، ثمّ نقل جواباً لحلّ الإشكال عن السيد عيسى الصفوي، ثمّ الاختلاف بين الدَّواني وغيره، وأنّه ألّف رسالة في ذلك، في الجواب عن مسألة الحذر الأصمّ.

ثمّ نقل عن الإتقان قول أبي شامة: فإن قلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) إن لم يكن من جملة القرآن الذي نزل جملة، فما نزل جملة؟ وإن كان من الجملة فما وجه هذه العبارة؟

قلت: لها وجهان:

أحدهما: أن يكون المعنى إنّا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر، وقضينا به وقدّرناه في الأزل.

والثاني: أنّ لفظ ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) ماضٍ ومعناه على الاستقبال، أي تنزّله جملة في ليلة القدر. ثمّ ذكر عدم ارتضائه لهذا القول وعدم حسنه.

ثمّ نقل أقوالاً أُخر، ثمّ قال: والمراد بالإنزال إظهار القرآن من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، أو إثباته لدى السَفَرة هناك، أو نحو ذلك ممّا لا يشكل نسبته إلى القرآن.

تقدير الأُمور في ليلة القدر على من تُنزّل؟

وقال في معنى ليلة القدر: إنّها ليلة التقدير، وسبب تسميتها بذلك لتقدير ما يكون في تلك السنة من أُمور. قال: المراد إظهار تقديره ذلك للملائكة عليهم‌السلام المأمورين بالحوادث الكونية. ثمّ نقل عن بعض تفسير ذلك: هاهنا ثلاثة أشياء:

الأوّل: نفس تقدير الأُمور، أي تعيين مقاديرها وأوقاتها، وذلك في الأزل.

٢٨٩

الثاني: إظهار تلك المقادير للملائكة عليهم‌السلام بأن تكتب في اللوح المحفوظ، وذاك في ليلة النصف من شعبان.

الثالث: إثبات تلك المقادير في نسخ وتسليمها إلى أربابها من المدبّرات، فتدفع نسخة الأرزاق، والنباتات، والأمطار، إلى ميكائيل عليه‌السلام ، ونسخة الحروب والرياح والجنود والزلازل والصواعق والخسف إلى جبرئيل عليه‌السلام ، ونسخة الأعمال إلى إسرافيل عليه‌السلام ، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، وذلك في ليلة القدر.

وقيل: يقدّر في ليلة النصف الآجال والأرزاق، وفي ليلة القدر الأُمور التي فيها الخير والبركة والسلامة. وقيل: يقدّر في هذه ما يتعلّق به إعزاز الدين وما فيه النفع العظيم للمسلمين، وفي ليلة النصف يكتب أسماء من يموت ويسلّم إلى ملك الموت، واللَّه تعالى أعلم بحقيقة الحال.

أقول: إنّ المكتوب في ليلة القدر ويقدّر يُفترض أنّ كتابته وتقديره إنّما يُكتب ويقدّر لتسليمه إلى من يوكّل إليه تدبير الأُمور بإذن اللَّه، كالملائكة الموكّلين، فالتنزّل بكلّ هذه التقديرات والكتابة إلى الأرض إلى من يسلّم؟ ومن هو الذي يطّلع على ذلك من أهل الأرض؟ وما هو التناسب بين نزول ما فيه إعزاز الدين والأُمّة، والحديث النبويّ: (إنّ الإسلام لا يزال عزيزاً إلى اثني عشر خليفة... كلّهم من قريش) (١) ؟

أقوال علماء سنّة الجماعة في عِوَضية الليلة له عن غصب الخلافة:

قال في تفسير ( أَلْفِ شَهْرٍ ) : وقد سمعت إلى ما يدلّ أنّ الألف إشارة إلى مُلك بني أُميّة، وكان على ما قال القاسم بن الفضل: ألف شهر، لا يزيد يوماً ولا ينقص

____________________

١) المعجم الكبير للطبراني، ج٢، ص٢٣٢. ولاحظ: إحقاق الحق، ج١٣، ١ - ٤٩.

٢٩٠

يوماً، على ما قيل: ثمانين سنة، وهي ألف شهر تقريباً؛ لأنّها ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر، ولا يعكّر على ذلك ملكُهم في جزيرة الأندلس بعد؛ لأنّه ملك يسير في بعض أطراف الأرض وآخر عمارة العرب، ولذا لا يعدّ من مَلَكَ منهم هناك من خلفائهم، وقالوا بانقراضهم بهلاك مروان الحمار.

وطعن القاضي عبد الجبّار في كون الآية إشارة لما ذُكر؛ بأنّ أيام بني أُمية كانت مذمومة أي باعتبار الغالب، فيبعد أن يقال في شأن تلك الليلة إنّها خير من ألف شهر مذمومة:

ألم ترَ أنّ السيف ينقص قدره

إذا قيل إنّ السيف خيرٌ من العصا

وأُجيب: إنّ تلك الأيام كانت عظيمة بحسب السعادات الدنيوية، فلا يبعد أن يقول اللَّه تعالى: أعطيتك ليلة في السعادات الدينية أفضل من تلك في السعادات الدنيوية، فلا تبقى فائدة.

ليلة القدر مع الأنبياء في ما مضى فهي مع من في ما بقي:

الروح النازل في ليلة القدر قناة غيبية كانت مع الأنبياء، فهي مع من بعد النبيّ الخاتم؟ قال: وما أشير إليه من خصائص هذه الأُمّة هو الذي يقتضيه أكثر الأخبار الواردة في سبب النزول، وصرّح به الهيثمي وغيره.

وقال القسطَلاني: إنّه معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: (يا رسول اللَّه، أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت. قال: بل هي باقية). ثمّ ذكر أنّ عمدة القائلين بذلك الخبر الذي قدّمناه في سبب النزول من رؤيته صلى‌الله‌عليه‌وآله تقاصر أعمار أُمّته عن أعمار الأُمم، وتعقّبه بقوله هذا محتمل للتأويل، فلا يدفع الصريح في حديث أبي ذر كما قاله الحافظان: ابن كثير في تفسيره، وابن حجر في فتح الباري.

٢٩١

وقد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافاً كثيراً، وتحصّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولاً، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشتركتا في إخفاء كلّ منهما ليقع الجدّ في طلبهما:

القول الأوّل: إنّها رُفعت أصلاً ورأساً. حكاه المتولّي في التتمّة عن الروافض، والفاكهاني في شرح العمدة عن الحنفية، وكأنّه خطأ منه، والذي حكاه السروجي أنّه قول الشيعة.

أقول: بل الشيعة الإمامية هم المذهب الوحيد على وجه الأرض القائلون ببقاء الاتّصال بين الأرض والسماء، وأنّ هناك سبب متّصل هو الإمام من عِترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن لم يكن هذا الاتّصال وحياً نبويّاً، وهو الذي يتنزّل عليه الروح الأعظم والملائكة كلّ عام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بينما المذاهب الإسلامية كلّها حتّى الزيدية، وإن قالوا باستمرار الإمامة السياسية وعدم حصرها بالأئمّة المنصوص عليهم وأنّ الإمامة هي لكلّ من قام بالثورة على الظلم ولا يشترط فيها العصمة، إلاّ أنّهم قائلون بانقطاع الاتّصال أيضاً بين الغيب والشهادة.

وانقطاع الاتّصال ذهبت إليه اليهود بعد النبيّ موسى عليه‌السلام ، كما ذهبت إليه النصارى بعد النبيّ عيسى عليه‌السلام .

وقال: وقد روى عبد الرزّاق من طريق داود بن أبي عاصم، عن عبد اللَّه بن يخنس: قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر رُفعت، قال: كذّب من قال ذلك. ومن طريق عبد اللَّه بن شُريك قال: ذكر الحجاج ليلة القدر فكأنّه أنكرها، فأراد زر بن حُبيش أن يحصبه فمنعه قومه.

الثاني: إنّها خاصّة بسنة واحدة وقعت في زمن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حكاه الفاكهاني أيضاً.

الثالث: إنّها خاصّة بهذه الأُمّة، ولم تكن في الأُمم قبلهم، جزم به ابن حبيب وغيره من المالكية ونقله الجمهور، وحكاه صاحب العدّة من الشافعية ورجّحه،

٢٩٢

وهو معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: قلت: يا رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت قال: لا، بل هي باقية.

وعمدتهم قول مالك في الموطأ: بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تقاصر أعمار أمّته عن أعمار الأُمم الماضية، فأعطاه اللَّه ليلة القدر، وهذا يحتمل التأويل، فلا يدفع التصريح في حديث أبي ذر (١) .

ليلة القدر يفصل فيها المقدّرات لأحداث كلّ السنة:

وقال الآلوسي في روح المعاني في تفسير قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (٢) : أي من أجل كلّ أمر تعلّق به التقدير في تلك السنة إلى قابل وأظهره سبحانه وتعالى لهم، قاله غير واحد. ف)من(بمعنى اللام التعليلية متعلّقة بتنزّل، وقال أبو حاتم: (من) بمعنى الباء، أي تنزّل بكلّ أمر، فقيل: أي من الخير والبركة، وقيل: من الخير والشرّ وجعلت الباء عليه للسببية.

والظاهر على ما قالوا إنّ المراد بالملائكة المدبّرات؛ إذ غيرهم لا تعلّق له بالأُمور التي تعلّق بها التقدير ليتنزّلوا لأجلها على المعنى السابق، وهو خلاف ما تدلّ عليه الآثار من عدم اختصاصهم بالمدبّرات (٣) .

ليلة القدر يتحقّقها وتتنزّل على من شاء اللَّه تعالى من عباده:

جاء في شرح صحيح مسلم للنووي قوله: (اعلم أنّ ليلة القدر موجودة... وأنّها تُرى ويتحققّها من شاء اللَّه تعالى من بني آدم كلّ سنة في رمضان، كما تظاهرت عليه الأحاديث... وأخبار الصالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أن تُحصر. وأمّا قول القاضي عيّاض عن المهلّب بن أبي صُفرة: لا يمكن رؤيتها حقيقةً. فغلط فاحش

____________________

١) فتح الباري، ص٢٦٢ - ٢٦٣، كتاب فضل ليلة القدر.

٢) سورة القدر: ٦.

٣) روح المعاني، ج٣٠، ص١٩٦.

٢٩٣

نبهتُ عليه لئلاّ يُغترّ به) (١) .

وقال في ذيل سورة الدخان، في قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) (٢) : أي الكتاب المبين الذي هو القرآن على القول المعوّل عليه في ( لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) هي ليلة القدر، على ما روي عن ابن عبّاس وقتادة.

وفي تحفة المحتاج لابن حَجَر الهيتمي: (ليس لرائيها كَتْمها، ولا ينال فضلها - أي كمالها - إلاّ من أطلعه اللَّه عليها)، انتهى.

والظاهر أنّه عَنى برؤيتها: رؤية ما يحصل به العلم له بها، ممّا خُصّت به من الأنوار، وتنزّل الملائكة عليهم‌السلام ، أي: نحوٍ من الكشف ممّا لا يعرف حقيقته إلاّ أهله، وهو كالنصّ في أنّها يراها من شاء اللَّه تعالى من عباده. ثمّ حكى عن ابن شاهين: إنّه لا يراها أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ قال: وفي بعض الأخبار ما يدلّ على أنّ رؤيتها مناماً وقعت لغيره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي صحيح مسلم وغيره، عن ابن عمر: (إنّ رجالاً من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرّياً فليتحرَّها في السبع الأواخر) (٣) .

وحُكي نحو قول ابن شاهين عن غيره أيضاً، وغلّط، ففي شرح صحيح مسلم وابن جُبير ومجاهد وابن زيد والحسن، وعليه أكثر المفسّرين والظواهر معهم.. والمراد بإنزاله في تلك الليلة إنزاله فيها جملةً إلى السماء الدنيا من اللوح، فالإنزال المنجّم في ثلاث وعشرين سنة أو أقل كان من السماء الدنيا، وروي هذا عن ابن جرير وغيره، وذكر أنّ المحلّ الذي أُنزل فيه من تلك السماء البيت المعمور، وهو

____________________

١) شرح مسلم، ج٨، ص٦٦.

٢) سورة الدخان: ٣.

٣) صحيح مسلم، ج٣، ص١٧٠.

٢٩٤

مسامِت للكعبة، بحيث لو نزل لنزل عليها.

وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنّه قال: أُنزل القرآن جملةً على جبرئيل عليه‌السلام ، وكان جبرئيل عليه‌السلام يجي‏ء به بعدُ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ليلة القدر في سورة الشورى والنزول الأول للقرآن:

وقال في ذيل قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ... ) (١) : وهو ما أُوحي إليه (عليه الصلاة والسلام)، أو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة أبدية. وقيل: أي ومثل الإيحاء المشهود لغيرك، أوحينا أبو القاسم إليك. وقيل: أي مثل ذلك الإيحاء المفصّل، أوحينا إليك، إذ كان عليه الصلاة والسلام اجتمعت له الطرق الثلاث، سواء فُسّر الوحي بالإلقاء، أم فُسّر بالكلام الشفاهي.

وقد ذُكر أنّه (عليه الصلاة والسلام) قد أُلقي إليه في المنام كما أُلقي إلى إبراهيم عليه‌السلام ، وأُلقي إليه عليه الصلاة والسلام في اليقظة على نحو إلقاء الزبور إلى داود عليه‌السلام . ففي (الكبريت الأحمر) للشعراني، نقلاً عن الباب الثاني من (الفتوحات المكّية): أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أُعطي القرآن مجملاً قبل جبرئيل عليه‌السلام ، من غير تفصيل الآيات والسور. وعن ابن عبّاس تفسير الروح بالنبوّة. وقال الربيع: هو جبرئيل عليه‌السلام .

وعليه، فأوحينا مضمّن معنى أرسلنا، والمعنى: أرسلناه بالوحي إليك؛ لأنّه لا يقال: أوحى الملك بل أرسله.

ونقل الطبرسي عن أبي جعفر، وأبي عبد اللَّه (رضي اللَّه تعالى عنهما): أنّ المراد بهذا الروح ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يصعد

____________________

١) سورة الشورى ٥٢: ٤٢.

٢٩٥

إلى السماء. وهذا القول في غاية الغرابة، ولعلّه لا يصحّ عن هذين الإمامين.

وتنوين (روحاً) للتعظيم، أي روحاً عظيماً (١) ... وقال في ذيل قوله تعالى ( وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ ) : أي الروح الذي أوحيناه إليك. وقال ابن عطية: الضمير للكتاب، وقيل للإيمان، ورجّح بالقرب، وقيل للكتاب والإيمان ووحّد؛ لأنّ مقصدهما واحد فهو نظير ( وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) (٢) .

____________________

١) روح المعاني، ج٢٥، ص ٨٠ - ٨١.

٢) سورة التوبة: ٦٢.

٢٩٦

ليلة القدر

في روايات أهل سنّة الخلافة

دوام ليلة القدر في كلّ عام إلى يوم القيامة:

١ - فقد روى عبد الرزّاق الصنعاني في (المصنّف) بسنده، عن مولى معاوية، قال: (قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر قد رُفعت، قال: كذّب من قال كذلك، قلت: فهي كلّ شهر رمضان استقبله؟ قال: نعم... الحديث) (١) ، ورواه عنه بطريق آخر (٢) ، ورواه كنز العمّال أيضاً (٣) .

٢ - وروى عبد الرزّاق الصنعاني في المصنّف بسنده، عن ابن عبّاس، قال: (ليلةٌ في كلّ رمضان يأتي، قال: وحدّثني يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سُئِل عن ليلة القدر، فقيل له: كانت مع النبيّين ثمّ رُفعت حين قُبضوا، أو هي في كلّ سنة؟ قال: بل هي في كلّ سنة، بل هي في كلّ سنة) (٤) .

٣ - وروي عن ابن جرير، قال: (حُدّثت: أنّ شيخاً من أهل المدينة سأل أبا ذر بمنى، فقال: رُفعت ليلة القدر أم هي في كلّ رمضان؟ فقال أبو ذر: سألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت: يا رسول اللَّه رُفعت ليلة القدر؟ قال: بل هي كلّ رمضان) (٥) .

٤ - وروى ابن أبي شيبة الكوفي في المصنّف في باب ليلة القدر، بسنده إلى ابن

____________________

١) المصنّف، ج٣، ص٢١٦، ح ٥٥٨٦.

٢) المصنّف، ج٣، ص٢٥٥، ح ٧٧٠٧.

٣) كنز العمّال، ج٣، ص٦٣٤، ح ٢٤٤٩٠.

٤) المصنّف، ج٤، ص٢٥٥، ح ٧٧٠٨.

٥) المصنّف، ج٤، ص٢٥٥، ح ٧٧٠٩، وأخرجه هق، ج٤، ص٣٠٧، والطحاوي، ج٢، ص٥٠.

٢٩٧

أبي مرثد عن أبيه، قال: (كنت مع أبي ذر عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: كان أسأل الناس عنها رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا: ليلة القدر كانت تكون على عهد الأنبياء فإذا ذهبوا رُفعت؟ قال: لا ولكن تكون إلى يوم القيامة) (١) .

٥ - أخرج السيوطي في الدرّ المنثور: (عن محمّد بن نصر، عن سعيد بن المسيّب أنّه سُئل عن ليلة القدر، أهي شي‏ء كان فذهب، أم هي في كلّ عام؟ فقال: بل هي لأُمّة محمّد ما بقي منهم اثنان) (٢) .

أقول: وفي هذه الرواية - وإن كانت مقطوعة - دلالةٌ على أن لو بقي في الأرض رجلٌ واحد لكان الثاني هو الحجّة وخليفة اللَّه في الأرض، الذي تنزّل عليه ليلة القدر بمقادير الأُمور، وأنّ ليلة القدر هي من حقائق وخصائص روح الحجّة في الأرض.

٦ - وروى الطبري بسنده عن ربيعة بن كلثوم، قال: (قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي؟ قال: نعم، واللَّه الذي لا إله إلاّ هو إنّها لفي كلّ رمضان، وأنّها ليلة القدر، فيها يُفرق كلّ أمر حكيم، فيها يقضي اللَّه كلّ أجل وعمل ورزق إلى مثلها) (٣) .

النزول في ليلة القدر وحي للأنبياء، واستمراره بعد الأنبياء:

قال ابن خزيمة في صحيحه (٤) : باب ذكر أبواب ليلة القدر، والتأليف بين الأخبار المأثورة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيها ما يحسب كثيراً من حملة العلم، ممّن لا يفهم صناعة العلم، أنّها متهاتِرةٌ متنافية، وليس كذلك هي عندنا بحمد اللَّه ونعمته، بل هي

____________________

١) المصنّف لابن أبي شيبة، ج٢، ص٣٩٤، ح ٥، باب ٣٤١.

٢) الدرّ المنثور، ج٦، ص٣٧١، في ذيل سورة القدر.

٣) جامع البيان، ج٢٥، ص١٣٩، ح٢٤٠٠٠.

٤) صحيح ابن خزيمة، ج٣، ص٣٢٠.

٢٩٨

مختلفة الألفاظ متّفقة المعنى، على ما سأبيّنه إن شاء اللَّه.

قال أيضاً: باب ذكر دوام ليلة القدر في كلّ رمضان إلى قيام الساعة، ونفي انقطاعها بنفي الأنبياء.

٧ - وروى بسنده إلى أبي مرثد، قال: (قال: لقينا أبا ذر وهو عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: ما كان أحد بأَسأل لها منّي، قلت: يا رسول اللَّه ليلة القدر أُنزلت على الأنبياء بوحي إليهم فيها ثمّ ترجع؟ فقال: بل هي إلى يوم القيامة.. الحديث) (١) ، ورواه بطريق آخر أيضاً، في باب أنّ ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان (٢) .

٨ - وروى النسائي، والقسطلاني، والهيثمي، وابن حجر في فتح الباري، وابن كثير في تفسيره حديث أبي ذر - في ليلة القدر - قال: (يا رسول اللَّه أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت؟ قال: بل هي باقية).

٩ - وروى أحمد بن محمّد بن سلمة في شرح معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده، إلى مالك ابن مرثد عن أبيه، قال: (سألت أبا ذر فقلت: أسألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ليلة القدر؟ قال: نعم، كنت أسأل الناس عنها، قال عكرمة: يعني أشبع سؤلاً، قلت: يا رسول اللَّه، ليلة القدر أفي رمضان هي أم في غيره؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : في رمضان. قلت: وتكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا رُفعوا رُفعت؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة) (٣) .

١٠ - وفي صحيح ابن حِبان، قال في باب ذكر البيان بأنّ ليلة القدر تكون في العشر الأواخر كلّ سنة إلى أن تقوم الساعة، ثمّ روى بسند متّصل رواية أبي ذر

____________________

١) صحيح ابن خزيمة، ج٣، ص٣٢٠.

٢) صحيح ابن خزيمة، ج٣، ص٣٢١.

٣) شرح معاني الآثار، ج٣، ص٨٥.

٢٩٩

المتقدِّمة واللفظ فيها... (تكون في زمان الأنبياء ينزل عليهم الوحي، فإذا قُبضوا رُفعت؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل هي إلى يوم القيامة) (١) .

وروى البيهقي في فضائل الأوقات رواية أبي ذر المتقدّمة بإسناده (٢) ، وقال - قبل تلك الرواية -: وليلة القدر التي ورد القرآن بفضيلتها إلى يوم القيامة وهي في كلّ رمضان... ثمّ نقل الخبر المزبور. وروى الهيثمي في موارد الظمآن رواية أبي ذر بسنده (٣) .

١١ - وروى أحمد بن محمّد بن سَلمة في معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده إلى سعيد بن جبير عن ابن عمر، قال: (سُئل رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أسمع عن ليلة القدر؟ فقال: في كلّ رمضان). ففي هذا الحديث أنّها في كلّ رمضان، فقال قوم هذا دليل على أنّها تكون في أوّله وفي وسطه، كما قد تكون في آخره. وقد يحتمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (في كلّ رمضان)، هذا المعنى، ويحتمل أنّها في كلّ رمضان إلى يوم القيامة (٤) ، ورواه بطرق أخرى غير مرفوعة.

أقول: هذه الروايات عند العامّة مطابقة لما يأتي من الروايات عند أهل البيت عليهم‌السلام ، من عدّة وجوه، أهمّها:

أوّلاً: ليلة القدر كانت من لَدُن آدم عليه‌السلام ، واستمرّت إلى النبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي مستمرّة إلى يوم القيامة نزولاً على خلفاء النبيّ الاثني عشر.

وثانياً: إنّ هذا الروح النازل في ليلة القدر هو قناة ارتباط الأنبياء والأوصياء مع الغيب.

وثالثاً: ممّا يدلّل على عموم الخلافة الإلهية: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ

____________________

١) صحيح ابن حِبّان، ج٨، ص٤٣٨.

٢) البيهقي، ص ٢١٩.

٣) موارد الظمآن، ص ٢٣١.

٤) شرح معاني الحديث، ج٣، ص٨٤.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592