الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية10%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141499 / تحميل: 8975
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

اشتمال مراتب القرآن على المقدّرات الحادثة في كلّ عام:

وقال: (المسألة الثامنة) في تفسير مفردات هذه الألفاظ، أمّا قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (1) فقد قيل فيه: إنّه تعالى أنزل كلّية القرآن، يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة، ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتُدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ونسخة الحروب إلى جبرائيل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، انتهى كلامه.

وقال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: (في تفسير قوله تعالى: ( إنّا أَنْزَلْناهُ ) يعني القرآن، وإن لم يجرِ له ذكر في هذه السورة؛ لأنّ المعنى معلوم، والقرآن كلّه كالسورة الواحدة، وقد قال: ( شَهْرُ رَمَضانُ الَّذي اُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ ) ، وقال: ( حم وَالْكِتابِ الْمُبينِ إنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (2) يريد: في ليلة القدر.

وقال الشعبي: المعنى إنّا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. وقيل: بل نزل به جبريل عليه‌السلام جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، إلى بيت العزّة، وأملاه جبريل على السَفَرة، ثمّ كان جبريل ينزّله على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نُجوماً نُجوماً، وكان بين أوّله وآخره ثلاث وعشرون سنة. قاله ابن عبّاس، وقد تقدّم في سورة البقرة.

وحكى الماوردي عن ابن عبّاس، قال: نزل القرآن في شهر رمضان وفي ليلة القدر، في ليلة مباركة جملة واحدة من عند اللَّه، من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجّمته السفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة، ونجّمه جبريل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عشرين سنة.

قال ابن العربي: وهذا باطل؛ ليس بين جبريل وبين اللَّه واسطة، ولا بين جبريل

____________________

1) سورة الدخان: 3.

2) سورة الدخان: 1 - 3.

٢٨١

ومحمّد عليهما‌السلام واسطة.

قوله تعالى: ( في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، قال مجاهد: في ليلة الحكم، ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) ، قال ليلة الحكم. والمعنى ليلة التقدير، سمّيت بذلك لأنّ اللَّه تعالى يقدّر فيها ما يشاء من أمره، إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر الموت والأجل والرزق وغيره، ويسلّمه إلى مدبّرات الأُمور، وهم أربعة من الملائكة: إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبريل عليهم‌السلام .

أُمّ الكتاب في القرآن متضمّنة لتقدير كلّ شي‏ء:

وقال: وعن ابن عبّاس، قال: يكتب من أمّ الكتاب ما يكون في السنة من رزق ومطر، وحياة وموت، حتّى الحاجّ. قال عكرمة: يكتب حجّاج بيت اللَّه تعالى في ليلة القدر بأسمائهم وأسماء آبائهم، ما يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم.

وقاله سعيد بن جُبير، وقد مضى في أوّل سورة الدخان هذا المعنى. وعن ابن عبّاس أيضاً: إنّ اللَّه تعالى يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان، ويسلّمها إلى أربابها في ليلة القدر. وقيل: إنّما سمّيت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها، من قولهم: لفلان قدر، أي شرف ومنزلة) (1) .

ليلة القدر عوض للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وآلهعليهم‌السلام عن غصب الخلافة:

وقال: (وفي الترمذي عن الحسن بن علي رضي اللَّه عنهما: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) ، يعني نهراً في الجنّة، ونزلت ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ

____________________

1) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، ج20، ص129 - 130، طبعة القاهرة.

٢٨٢

أَلْفِ شَهْرٍ ) ، يملكها بعدك بنو أُمية. قال القاسم بن الفضل الحدّاني: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً. قال: حديث غريب.

قوله تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) أي تهبط من كلّ سماء، ومن سدرة المنتهى، ومسكن جبريل على وسطها، فينزلون إلى الأرض ويؤمّنون على دعاء الناس إلى وقت طلوع الفجر، فذاك قوله تعالى ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) .

حقيقة الروح النازل ليلة القدر:

وقال: ( وَالرُّوحُ فِيها بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) (1) ، أي جبرئيل عليه‌السلام ، وحكى القُشيري: أنّ الروح صنف من الملائكة جُعلوا حفظة على سائرهم، وأنّ الملائكة لا يرونهم كما لا نرى نحن الملائكة. وقال مقاتل: هم أشرف الملائكة وأقربهم من اللَّه تعالى.

وقيل: إنّهم جند من جند اللَّه عزّ وجلّ من غير الملائكة، رواه مجاهد عن ابن عبّاس مرفوعاً، ذكره الماوردي، وحكى القُشيري: قيل هم صنف من خلق اللَّه، يأكلون الطعام، ولهم أيدٍ وأرجل وليسوا ملائكة.

وقيل: (الروح) خلق عظيم يقوم صفّاً، والملائكة كلّهم صفّاً. وقيل: (الروح) الرحمة ينزل بها جبريل عليه‌السلام مع الملائكة في هذه الليلة على أهلها، دليله: ( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (2) ، أي بالرحمة، (فِيها) أي في ليلة القدر، ( بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) أي بأمره، ( مِن كُلِّ أَمْرٍ ) (3) أمر بكلّ أمر قدّره اللَّه وقضاه في تلك السنة إلى قابل.

وقيل عنه: إنّها رُفعت - يعني ليلة القدر - وإنّها إنّما كانت مرّة واحدة.

____________________

1) سورة القدر: 4.

2) سورة النحل: 2.

3) سورة القدر: 5.

٢٨٣

بقاء ليلة القدر في كلّ عام:

وقال: (والصحيح أنّها باقية... والجمهور على أنّها من كلّ عام من رمضان... وقال الفرّاء: لا يقدّر اللَّه في ليلة القدر إلاّ السعادة والنعم، ويقدّر في غيرها البلايا والنقم) (1) .

وقال الطبري في تفسيره، في ذيل سورة البروج: ( فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) ، بسنده إلى مجاهد: في لوح، قال: ( فِي أُمِّ الْكِتَابِ ) (2) .

وقال ابن كثير في تفسيره، بعد ما نقل جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، والذي مرّ نقله، قال: (اختلف العلماء هل كانت ليلة القدر في الأُمم السالفة، أم هي من خصائص هذه الأُمّة؟

فقال الزهري:... وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأُمّة بليلة القدر. وقيل: إنّها كانت في الأُمم الماضين كما هي في أُمّتنا، ثمّ هي باقية إلى يوم القيامة وفي رمضان خاصّة) (3) .

وقال الزمخشري في الكشّاف، بعد ما ذكره جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، في ذيل قوله تعالى: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (4) قال: (وسبب ارتقاء فضلها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من المصالح الدينية التي ذكرها، من تنزّل الملائكة والروح، وفصل كلّ أمر حكيم).

وقال في ذيل قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (5) : أي تتنزّل من أجل كلّ أمر قضاه اللَّه لتلك السنة إلى قابل... وروي عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من قرأ سورة القدر أُعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيى ليلة القدر)، وذكر في هامش المطبوع: أنّ الحديث أخرجه الثعلبي، والواحدي، وابن مردويه، بسندهم إلى أُبَيّ ابن كعب.

____________________

1) تفسير القرطبي، ج20، ص133 - 137، في تفسير الجامع لأحكام القرآن طبعة القاهرة.

2) جامع البيان، ج30، ص176.

3) تفسير ابن كثير، ج4، ص 568.

4) سورة القدر: 2.

5) سورة القدر: 5.

٢٨٤

ليلة القدر عوض له صلى‌الله‌عليه‌وآله عن غصب بني أُمية خلافته، وتعدد مصادر الحديث لديهم:

وقال الآلوسي في روح المعاني: (ويستدلّ لكونها مدنية بما أخرجه الترمذي، والحاكم، عن الحسن ابن عليّ (رضي اللَّه تعالى عنهما): (أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أُري بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) (1) ، ونزلت: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (2) .. الحديث). وهو كما قال المزني: حديث منكر، انتهى.

وقد أخرج الجلال هذا الحديث في الدرّ المنثور عن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل أيضاً، من رواية يوسف ابن سعد، وذكر فيه: أنّ الترمذي (3) أخرجه وضعّفه، وأنّ الخطيب أخرج عن ابن عبّاس نحوه، وكذا عن ابن نسيب، بلفظٍ: قال نبي اللَّه: (أُريتُ بني أُمية يصعدون منبري، فشقّ ذلك عليّ فأُنزِلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، ففي قول المزني هو منكر تردّد عندي.

وقد ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام ما رواه الكافي بسنده إلى أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (أُري رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه بني أُمية يصعدون على منبره من بعده ويضلّون الناس عن الصراط القهقري، فأصبح كئيباً حزيناً، قال: فهبط عليه جبرئيل فقال: يا رسول اللَّه مالي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: يا جبرئيل إنّي رأيت بني أُمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي، يضلّون الناس عن الصراط القهقري. فقال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً إنّي ما اطّلعت عليه. فعرّج إلى السماء فلم يلبث أن نزل بآي من القرآن يُؤنسه بها، قال: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (4) ، وأُنزل عليه: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ، جعل اللَّه ليلة القدر لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

1) سورة الكوثر: 1.

2) سورة القدر: 1.

3) سنن الترمذي، ج5، ص444، ح 3350.

4) سورة الشعراء: 205 - 207.

٢٨٥

خيراً من ألف شهر ملك بني أُمية) (1) .

وروى الكُليني، عن علي بن عيسى القمّاط عن عمّه، قال: (سمعت أبا عبد اللَّه يقول: هبط جبرئيل عليه‌السلام على رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول اللَّه كئيب حزين، فقال: رأيت بني أُمية يصعدون المنابر وينزلون منها. قال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، ما علمت بشي‏ء من هذا. وصعد جبرئيل إلى السماء، ثمّ أهبطه اللَّه جلّ ذكره بآي من القرآن يعزّيه بها قوله: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (2) .

وأنزل اللَّه جلّ ذكره: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) للقوم، فجعل اللَّه ليلة القدر (لرسوله) خير، من ألف شهر) (3) .

وفي سند الصحيفة السجّادية، عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه‌السلام : إنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذته نَعسةٌ وهو على منبره، فرأى في منامه رجالاً ينزون على منبره نزو القردة، يردّون الناس على أعقابهم القهقري، فاستوى رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً والحزن يعرف في وجهه، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ) ، يعني بني أُمية. قال: يا جبرئيل على عهدي يكونون وفي زمني؟

قال: لا، ولكن تدور رحى الإسلام من مُهاجرك فتلبث بذلك عشراً، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجِرَك فتلبث بذلك خمساً، ثمّ لابدّ من رحى

____________________

1) الكافي، ج4، ص159.

2) سورة الشعراء:205 - 206.

3) الكافي، ج8، ص223.

٢٨٦

ضلاله هي قائمة على قطبها ثمّ ملك الفراعنة. قال: وأنزل اللَّه تعالى في ذلك: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) يملكها بنو أُمية. فيها ليلة القدر.

قال: فأَطلع اللَّه عزّ وجلّ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ بني أُمية تملك سلطان هذه الأُمّة وملكها طول هذه المدّة، فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها، حتّى يأذن اللَّه تعالى بزوال ملكهم، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا. أخبر اللَّه نبيّه بما يلقي أهل بيت محمّد وأهل مودّتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم) (1) .

وفي تأويل الآيات: (روي عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: قوله عزّ وجلّ: ( خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ ) هو سلطان بني أُمية.

وقال: ليلة من إمام عادل خير من ألف شهر ملك بني أُمية.

وقال: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) أيّ من عند ربّهم على محمّد وآل محمّد، بكلّ أمر سلام) (2) .

وفي تفسير القمّي: بسنده، في معنى سورة: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) فهو القرآن... قوله: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) .

أقول: تكثر الروايات في غصب الخلافة من بني أُمية، وتأذّي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعويضه بليلة القدر، وسيأتي معنى تعويضه بليلة القدر، وتسالم كثير من علماء الجمهور بهذه الروايات، هذا الأمر أحد الأدلّة على أنّ الخلافة في الشريعة الإلهية هي منصب أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فتدبّر تبصُر.

____________________

1) الصحيفة السجّادية الكاملة: 15 - 16.

2) تأويل الآيات، ج2، ص817، ح2.

٢٨٧

حقيقة النازل الذي نزل في ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) : الضمير عند الجمهور للقرآن، وادّعى الإمام فيه إجماع المفسّرين، وكأنّه لم يعتقد بقول من قال منهم برجوعه لجبرئيل عليه‌السلام أو غيره؛ لضعفه. قالوا: وفي التعبير عنه بضمير الغائب مع عدم تقدّم ذكره تعظيم له، أي تعظيم لِما أنّه يشعر بأنّه لعلوّ شأنه كأنّه حاضر عند كلّ أحد.

جهل الخلق بحقيقة ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (1) : لِما فيه من الدلالة على أنّ علوّها خارج عن دائرة دراية الخلق، لا يُعلم ذلك، ولا يَعلم به إلاّ علاّم الغيوب.

حقيقة نزول القرآن جملة واحدة:

ثمّ ذكر جملة في تعدّد نزول القرآن جملةً واحدةً ونجوماً، وذكر في ضمنها هذه الرواية، عن ابن عبّاس: (أُنزل القرآن جملةً واحدة حتّى وضع في بيت العزّة في السماء الدنيا، ونزل به جبريل عليه‌السلام على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بجواب كلام العباد وأعمالهم)... ثمّ نقل الاختلاف بين المفسّرين عندهم في قوله تعالى: ( أَنْزَلْنَاهُ ) من جهة نزول القرآن جملةً واحدة، فهل تضمّن القرآن النازل جملةً واحدة هذه العبارة أم لا؟ فلابدّ من ارتكاب المجاز في الإسناد؛ لأنّه إخبار عمّا وقع فيما مضى، فكيف يكون هذا اللفظ في ضمنه؟

____________________

1) سورة القدر: 2.

٢٨٨

فذكر قولاً للرازي في حلّ الإشكال، وللقرطبي، وابن كثير، وضعّف قولهم. ونقل عن ابن حجر في شرح البخاري أنّه أُنزل جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السماء الدنيا، بل حكى بعضهم الإجماع عليه، ثمّ نقل جواباً لحلّ الإشكال عن السيد عيسى الصفوي، ثمّ الاختلاف بين الدَّواني وغيره، وأنّه ألّف رسالة في ذلك، في الجواب عن مسألة الحذر الأصمّ.

ثمّ نقل عن الإتقان قول أبي شامة: فإن قلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) إن لم يكن من جملة القرآن الذي نزل جملة، فما نزل جملة؟ وإن كان من الجملة فما وجه هذه العبارة؟

قلت: لها وجهان:

أحدهما: أن يكون المعنى إنّا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر، وقضينا به وقدّرناه في الأزل.

والثاني: أنّ لفظ ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) ماضٍ ومعناه على الاستقبال، أي تنزّله جملة في ليلة القدر. ثمّ ذكر عدم ارتضائه لهذا القول وعدم حسنه.

ثمّ نقل أقوالاً أُخر، ثمّ قال: والمراد بالإنزال إظهار القرآن من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، أو إثباته لدى السَفَرة هناك، أو نحو ذلك ممّا لا يشكل نسبته إلى القرآن.

تقدير الأُمور في ليلة القدر على من تُنزّل؟

وقال في معنى ليلة القدر: إنّها ليلة التقدير، وسبب تسميتها بذلك لتقدير ما يكون في تلك السنة من أُمور. قال: المراد إظهار تقديره ذلك للملائكة عليهم‌السلام المأمورين بالحوادث الكونية. ثمّ نقل عن بعض تفسير ذلك: هاهنا ثلاثة أشياء:

الأوّل: نفس تقدير الأُمور، أي تعيين مقاديرها وأوقاتها، وذلك في الأزل.

٢٨٩

الثاني: إظهار تلك المقادير للملائكة عليهم‌السلام بأن تكتب في اللوح المحفوظ، وذاك في ليلة النصف من شعبان.

الثالث: إثبات تلك المقادير في نسخ وتسليمها إلى أربابها من المدبّرات، فتدفع نسخة الأرزاق، والنباتات، والأمطار، إلى ميكائيل عليه‌السلام ، ونسخة الحروب والرياح والجنود والزلازل والصواعق والخسف إلى جبرئيل عليه‌السلام ، ونسخة الأعمال إلى إسرافيل عليه‌السلام ، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، وذلك في ليلة القدر.

وقيل: يقدّر في ليلة النصف الآجال والأرزاق، وفي ليلة القدر الأُمور التي فيها الخير والبركة والسلامة. وقيل: يقدّر في هذه ما يتعلّق به إعزاز الدين وما فيه النفع العظيم للمسلمين، وفي ليلة النصف يكتب أسماء من يموت ويسلّم إلى ملك الموت، واللَّه تعالى أعلم بحقيقة الحال.

أقول: إنّ المكتوب في ليلة القدر ويقدّر يُفترض أنّ كتابته وتقديره إنّما يُكتب ويقدّر لتسليمه إلى من يوكّل إليه تدبير الأُمور بإذن اللَّه، كالملائكة الموكّلين، فالتنزّل بكلّ هذه التقديرات والكتابة إلى الأرض إلى من يسلّم؟ ومن هو الذي يطّلع على ذلك من أهل الأرض؟ وما هو التناسب بين نزول ما فيه إعزاز الدين والأُمّة، والحديث النبويّ: (إنّ الإسلام لا يزال عزيزاً إلى اثني عشر خليفة... كلّهم من قريش) (1) ؟

أقوال علماء سنّة الجماعة في عِوَضية الليلة له عن غصب الخلافة:

قال في تفسير ( أَلْفِ شَهْرٍ ) : وقد سمعت إلى ما يدلّ أنّ الألف إشارة إلى مُلك بني أُميّة، وكان على ما قال القاسم بن الفضل: ألف شهر، لا يزيد يوماً ولا ينقص

____________________

1) المعجم الكبير للطبراني، ج2، ص232. ولاحظ: إحقاق الحق، ج13، 1 - 49.

٢٩٠

يوماً، على ما قيل: ثمانين سنة، وهي ألف شهر تقريباً؛ لأنّها ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر، ولا يعكّر على ذلك ملكُهم في جزيرة الأندلس بعد؛ لأنّه ملك يسير في بعض أطراف الأرض وآخر عمارة العرب، ولذا لا يعدّ من مَلَكَ منهم هناك من خلفائهم، وقالوا بانقراضهم بهلاك مروان الحمار.

وطعن القاضي عبد الجبّار في كون الآية إشارة لما ذُكر؛ بأنّ أيام بني أُمية كانت مذمومة أي باعتبار الغالب، فيبعد أن يقال في شأن تلك الليلة إنّها خير من ألف شهر مذمومة:

ألم ترَ أنّ السيف ينقص قدره

إذا قيل إنّ السيف خيرٌ من العصا

وأُجيب: إنّ تلك الأيام كانت عظيمة بحسب السعادات الدنيوية، فلا يبعد أن يقول اللَّه تعالى: أعطيتك ليلة في السعادات الدينية أفضل من تلك في السعادات الدنيوية، فلا تبقى فائدة.

ليلة القدر مع الأنبياء في ما مضى فهي مع من في ما بقي:

الروح النازل في ليلة القدر قناة غيبية كانت مع الأنبياء، فهي مع من بعد النبيّ الخاتم؟ قال: وما أشير إليه من خصائص هذه الأُمّة هو الذي يقتضيه أكثر الأخبار الواردة في سبب النزول، وصرّح به الهيثمي وغيره.

وقال القسطَلاني: إنّه معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: (يا رسول اللَّه، أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت. قال: بل هي باقية). ثمّ ذكر أنّ عمدة القائلين بذلك الخبر الذي قدّمناه في سبب النزول من رؤيته صلى‌الله‌عليه‌وآله تقاصر أعمار أُمّته عن أعمار الأُمم، وتعقّبه بقوله هذا محتمل للتأويل، فلا يدفع الصريح في حديث أبي ذر كما قاله الحافظان: ابن كثير في تفسيره، وابن حجر في فتح الباري.

٢٩١

وقد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافاً كثيراً، وتحصّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولاً، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشتركتا في إخفاء كلّ منهما ليقع الجدّ في طلبهما:

القول الأوّل: إنّها رُفعت أصلاً ورأساً. حكاه المتولّي في التتمّة عن الروافض، والفاكهاني في شرح العمدة عن الحنفية، وكأنّه خطأ منه، والذي حكاه السروجي أنّه قول الشيعة.

أقول: بل الشيعة الإمامية هم المذهب الوحيد على وجه الأرض القائلون ببقاء الاتّصال بين الأرض والسماء، وأنّ هناك سبب متّصل هو الإمام من عِترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن لم يكن هذا الاتّصال وحياً نبويّاً، وهو الذي يتنزّل عليه الروح الأعظم والملائكة كلّ عام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بينما المذاهب الإسلامية كلّها حتّى الزيدية، وإن قالوا باستمرار الإمامة السياسية وعدم حصرها بالأئمّة المنصوص عليهم وأنّ الإمامة هي لكلّ من قام بالثورة على الظلم ولا يشترط فيها العصمة، إلاّ أنّهم قائلون بانقطاع الاتّصال أيضاً بين الغيب والشهادة.

وانقطاع الاتّصال ذهبت إليه اليهود بعد النبيّ موسى عليه‌السلام ، كما ذهبت إليه النصارى بعد النبيّ عيسى عليه‌السلام .

وقال: وقد روى عبد الرزّاق من طريق داود بن أبي عاصم، عن عبد اللَّه بن يخنس: قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر رُفعت، قال: كذّب من قال ذلك. ومن طريق عبد اللَّه بن شُريك قال: ذكر الحجاج ليلة القدر فكأنّه أنكرها، فأراد زر بن حُبيش أن يحصبه فمنعه قومه.

الثاني: إنّها خاصّة بسنة واحدة وقعت في زمن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حكاه الفاكهاني أيضاً.

الثالث: إنّها خاصّة بهذه الأُمّة، ولم تكن في الأُمم قبلهم، جزم به ابن حبيب وغيره من المالكية ونقله الجمهور، وحكاه صاحب العدّة من الشافعية ورجّحه،

٢٩٢

وهو معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: قلت: يا رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت قال: لا، بل هي باقية.

وعمدتهم قول مالك في الموطأ: بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تقاصر أعمار أمّته عن أعمار الأُمم الماضية، فأعطاه اللَّه ليلة القدر، وهذا يحتمل التأويل، فلا يدفع التصريح في حديث أبي ذر (1) .

ليلة القدر يفصل فيها المقدّرات لأحداث كلّ السنة:

وقال الآلوسي في روح المعاني في تفسير قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (2) : أي من أجل كلّ أمر تعلّق به التقدير في تلك السنة إلى قابل وأظهره سبحانه وتعالى لهم، قاله غير واحد. ف)من(بمعنى اللام التعليلية متعلّقة بتنزّل، وقال أبو حاتم: (من) بمعنى الباء، أي تنزّل بكلّ أمر، فقيل: أي من الخير والبركة، وقيل: من الخير والشرّ وجعلت الباء عليه للسببية.

والظاهر على ما قالوا إنّ المراد بالملائكة المدبّرات؛ إذ غيرهم لا تعلّق له بالأُمور التي تعلّق بها التقدير ليتنزّلوا لأجلها على المعنى السابق، وهو خلاف ما تدلّ عليه الآثار من عدم اختصاصهم بالمدبّرات (3) .

ليلة القدر يتحقّقها وتتنزّل على من شاء اللَّه تعالى من عباده:

جاء في شرح صحيح مسلم للنووي قوله: (اعلم أنّ ليلة القدر موجودة... وأنّها تُرى ويتحققّها من شاء اللَّه تعالى من بني آدم كلّ سنة في رمضان، كما تظاهرت عليه الأحاديث... وأخبار الصالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أن تُحصر. وأمّا قول القاضي عيّاض عن المهلّب بن أبي صُفرة: لا يمكن رؤيتها حقيقةً. فغلط فاحش

____________________

1) فتح الباري، ص262 - 263، كتاب فضل ليلة القدر.

2) سورة القدر: 6.

3) روح المعاني، ج30، ص196.

٢٩٣

نبهتُ عليه لئلاّ يُغترّ به) (1) .

وقال في ذيل سورة الدخان، في قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) (2) : أي الكتاب المبين الذي هو القرآن على القول المعوّل عليه في ( لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) هي ليلة القدر، على ما روي عن ابن عبّاس وقتادة.

وفي تحفة المحتاج لابن حَجَر الهيتمي: (ليس لرائيها كَتْمها، ولا ينال فضلها - أي كمالها - إلاّ من أطلعه اللَّه عليها)، انتهى.

والظاهر أنّه عَنى برؤيتها: رؤية ما يحصل به العلم له بها، ممّا خُصّت به من الأنوار، وتنزّل الملائكة عليهم‌السلام ، أي: نحوٍ من الكشف ممّا لا يعرف حقيقته إلاّ أهله، وهو كالنصّ في أنّها يراها من شاء اللَّه تعالى من عباده. ثمّ حكى عن ابن شاهين: إنّه لا يراها أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ قال: وفي بعض الأخبار ما يدلّ على أنّ رؤيتها مناماً وقعت لغيره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي صحيح مسلم وغيره، عن ابن عمر: (إنّ رجالاً من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرّياً فليتحرَّها في السبع الأواخر) (3) .

وحُكي نحو قول ابن شاهين عن غيره أيضاً، وغلّط، ففي شرح صحيح مسلم وابن جُبير ومجاهد وابن زيد والحسن، وعليه أكثر المفسّرين والظواهر معهم.. والمراد بإنزاله في تلك الليلة إنزاله فيها جملةً إلى السماء الدنيا من اللوح، فالإنزال المنجّم في ثلاث وعشرين سنة أو أقل كان من السماء الدنيا، وروي هذا عن ابن جرير وغيره، وذكر أنّ المحلّ الذي أُنزل فيه من تلك السماء البيت المعمور، وهو

____________________

1) شرح مسلم، ج8، ص66.

2) سورة الدخان: 3.

3) صحيح مسلم، ج3، ص170.

٢٩٤

مسامِت للكعبة، بحيث لو نزل لنزل عليها.

وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنّه قال: أُنزل القرآن جملةً على جبرئيل عليه‌السلام ، وكان جبرئيل عليه‌السلام يجي‏ء به بعدُ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ليلة القدر في سورة الشورى والنزول الأول للقرآن:

وقال في ذيل قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ... ) (1) : وهو ما أُوحي إليه (عليه الصلاة والسلام)، أو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة أبدية. وقيل: أي ومثل الإيحاء المشهود لغيرك، أوحينا أبو القاسم إليك. وقيل: أي مثل ذلك الإيحاء المفصّل، أوحينا إليك، إذ كان عليه الصلاة والسلام اجتمعت له الطرق الثلاث، سواء فُسّر الوحي بالإلقاء، أم فُسّر بالكلام الشفاهي.

وقد ذُكر أنّه (عليه الصلاة والسلام) قد أُلقي إليه في المنام كما أُلقي إلى إبراهيم عليه‌السلام ، وأُلقي إليه عليه الصلاة والسلام في اليقظة على نحو إلقاء الزبور إلى داود عليه‌السلام . ففي (الكبريت الأحمر) للشعراني، نقلاً عن الباب الثاني من (الفتوحات المكّية): أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أُعطي القرآن مجملاً قبل جبرئيل عليه‌السلام ، من غير تفصيل الآيات والسور. وعن ابن عبّاس تفسير الروح بالنبوّة. وقال الربيع: هو جبرئيل عليه‌السلام .

وعليه، فأوحينا مضمّن معنى أرسلنا، والمعنى: أرسلناه بالوحي إليك؛ لأنّه لا يقال: أوحى الملك بل أرسله.

ونقل الطبرسي عن أبي جعفر، وأبي عبد اللَّه (رضي اللَّه تعالى عنهما): أنّ المراد بهذا الروح ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يصعد

____________________

1) سورة الشورى 52: 42.

٢٩٥

إلى السماء. وهذا القول في غاية الغرابة، ولعلّه لا يصحّ عن هذين الإمامين.

وتنوين (روحاً) للتعظيم، أي روحاً عظيماً (1) ... وقال في ذيل قوله تعالى ( وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ ) : أي الروح الذي أوحيناه إليك. وقال ابن عطية: الضمير للكتاب، وقيل للإيمان، ورجّح بالقرب، وقيل للكتاب والإيمان ووحّد؛ لأنّ مقصدهما واحد فهو نظير ( وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) (2) .

____________________

1) روح المعاني، ج25، ص 80 - 81.

2) سورة التوبة: 62.

٢٩٦

ليلة القدر

في روايات أهل سنّة الخلافة

دوام ليلة القدر في كلّ عام إلى يوم القيامة:

1 - فقد روى عبد الرزّاق الصنعاني في (المصنّف) بسنده، عن مولى معاوية، قال: (قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر قد رُفعت، قال: كذّب من قال كذلك، قلت: فهي كلّ شهر رمضان استقبله؟ قال: نعم... الحديث) (1) ، ورواه عنه بطريق آخر (2) ، ورواه كنز العمّال أيضاً (3) .

2 - وروى عبد الرزّاق الصنعاني في المصنّف بسنده، عن ابن عبّاس، قال: (ليلةٌ في كلّ رمضان يأتي، قال: وحدّثني يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سُئِل عن ليلة القدر، فقيل له: كانت مع النبيّين ثمّ رُفعت حين قُبضوا، أو هي في كلّ سنة؟ قال: بل هي في كلّ سنة، بل هي في كلّ سنة) (4) .

3 - وروي عن ابن جرير، قال: (حُدّثت: أنّ شيخاً من أهل المدينة سأل أبا ذر بمنى، فقال: رُفعت ليلة القدر أم هي في كلّ رمضان؟ فقال أبو ذر: سألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت: يا رسول اللَّه رُفعت ليلة القدر؟ قال: بل هي كلّ رمضان) (5) .

4 - وروى ابن أبي شيبة الكوفي في المصنّف في باب ليلة القدر، بسنده إلى ابن

____________________

1) المصنّف، ج3، ص216، ح 5586.

2) المصنّف، ج3، ص255، ح 7707.

3) كنز العمّال، ج3، ص634، ح 24490.

4) المصنّف، ج4، ص255، ح 7708.

5) المصنّف، ج4، ص255، ح 7709، وأخرجه هق، ج4، ص307، والطحاوي، ج2، ص50.

٢٩٧

أبي مرثد عن أبيه، قال: (كنت مع أبي ذر عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: كان أسأل الناس عنها رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا: ليلة القدر كانت تكون على عهد الأنبياء فإذا ذهبوا رُفعت؟ قال: لا ولكن تكون إلى يوم القيامة) (1) .

5 - أخرج السيوطي في الدرّ المنثور: (عن محمّد بن نصر، عن سعيد بن المسيّب أنّه سُئل عن ليلة القدر، أهي شي‏ء كان فذهب، أم هي في كلّ عام؟ فقال: بل هي لأُمّة محمّد ما بقي منهم اثنان) (2) .

أقول: وفي هذه الرواية - وإن كانت مقطوعة - دلالةٌ على أن لو بقي في الأرض رجلٌ واحد لكان الثاني هو الحجّة وخليفة اللَّه في الأرض، الذي تنزّل عليه ليلة القدر بمقادير الأُمور، وأنّ ليلة القدر هي من حقائق وخصائص روح الحجّة في الأرض.

6 - وروى الطبري بسنده عن ربيعة بن كلثوم، قال: (قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي؟ قال: نعم، واللَّه الذي لا إله إلاّ هو إنّها لفي كلّ رمضان، وأنّها ليلة القدر، فيها يُفرق كلّ أمر حكيم، فيها يقضي اللَّه كلّ أجل وعمل ورزق إلى مثلها) (3) .

النزول في ليلة القدر وحي للأنبياء، واستمراره بعد الأنبياء:

قال ابن خزيمة في صحيحه (4) : باب ذكر أبواب ليلة القدر، والتأليف بين الأخبار المأثورة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيها ما يحسب كثيراً من حملة العلم، ممّن لا يفهم صناعة العلم، أنّها متهاتِرةٌ متنافية، وليس كذلك هي عندنا بحمد اللَّه ونعمته، بل هي

____________________

1) المصنّف لابن أبي شيبة، ج2، ص394، ح 5، باب 341.

2) الدرّ المنثور، ج6، ص371، في ذيل سورة القدر.

3) جامع البيان، ج25، ص139، ح24000.

4) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

٢٩٨

مختلفة الألفاظ متّفقة المعنى، على ما سأبيّنه إن شاء اللَّه.

قال أيضاً: باب ذكر دوام ليلة القدر في كلّ رمضان إلى قيام الساعة، ونفي انقطاعها بنفي الأنبياء.

7 - وروى بسنده إلى أبي مرثد، قال: (قال: لقينا أبا ذر وهو عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: ما كان أحد بأَسأل لها منّي، قلت: يا رسول اللَّه ليلة القدر أُنزلت على الأنبياء بوحي إليهم فيها ثمّ ترجع؟ فقال: بل هي إلى يوم القيامة.. الحديث) (1) ، ورواه بطريق آخر أيضاً، في باب أنّ ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان (2) .

8 - وروى النسائي، والقسطلاني، والهيثمي، وابن حجر في فتح الباري، وابن كثير في تفسيره حديث أبي ذر - في ليلة القدر - قال: (يا رسول اللَّه أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت؟ قال: بل هي باقية).

9 - وروى أحمد بن محمّد بن سلمة في شرح معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده، إلى مالك ابن مرثد عن أبيه، قال: (سألت أبا ذر فقلت: أسألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ليلة القدر؟ قال: نعم، كنت أسأل الناس عنها، قال عكرمة: يعني أشبع سؤلاً، قلت: يا رسول اللَّه، ليلة القدر أفي رمضان هي أم في غيره؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : في رمضان. قلت: وتكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا رُفعوا رُفعت؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة) (3) .

10 - وفي صحيح ابن حِبان، قال في باب ذكر البيان بأنّ ليلة القدر تكون في العشر الأواخر كلّ سنة إلى أن تقوم الساعة، ثمّ روى بسند متّصل رواية أبي ذر

____________________

1) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

2) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص321.

3) شرح معاني الآثار، ج3، ص85.

٢٩٩

المتقدِّمة واللفظ فيها... (تكون في زمان الأنبياء ينزل عليهم الوحي، فإذا قُبضوا رُفعت؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل هي إلى يوم القيامة) (1) .

وروى البيهقي في فضائل الأوقات رواية أبي ذر المتقدّمة بإسناده (2) ، وقال - قبل تلك الرواية -: وليلة القدر التي ورد القرآن بفضيلتها إلى يوم القيامة وهي في كلّ رمضان... ثمّ نقل الخبر المزبور. وروى الهيثمي في موارد الظمآن رواية أبي ذر بسنده (3) .

11 - وروى أحمد بن محمّد بن سَلمة في معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده إلى سعيد بن جبير عن ابن عمر، قال: (سُئل رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أسمع عن ليلة القدر؟ فقال: في كلّ رمضان). ففي هذا الحديث أنّها في كلّ رمضان، فقال قوم هذا دليل على أنّها تكون في أوّله وفي وسطه، كما قد تكون في آخره. وقد يحتمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (في كلّ رمضان)، هذا المعنى، ويحتمل أنّها في كلّ رمضان إلى يوم القيامة (4) ، ورواه بطرق أخرى غير مرفوعة.

أقول: هذه الروايات عند العامّة مطابقة لما يأتي من الروايات عند أهل البيت عليهم‌السلام ، من عدّة وجوه، أهمّها:

أوّلاً: ليلة القدر كانت من لَدُن آدم عليه‌السلام ، واستمرّت إلى النبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي مستمرّة إلى يوم القيامة نزولاً على خلفاء النبيّ الاثني عشر.

وثانياً: إنّ هذا الروح النازل في ليلة القدر هو قناة ارتباط الأنبياء والأوصياء مع الغيب.

وثالثاً: ممّا يدلّل على عموم الخلافة الإلهية: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ

____________________

1) صحيح ابن حِبّان، ج8، ص438.

2) البيهقي، ص 219.

3) موارد الظمآن، ص 231.

4) شرح معاني الحديث، ج3، ص84.

٣٠٠

خَلِيفَةً ) (١) ، من لدن آدم وفي أوصياء كلّ نبيّ حتّى أوصياء النبيّ الخاتم، وأنّ هذه السفارة الإلهية لم تزل متّصلة ما استمرّ بنو آدم في العيش على الأرض.

استمرار نزول باطن القرآن في ليلة القدر إلى يوم القيامة:

١٢ - وروى الطبراني في المعجم الكبير بسنده: (حدّثنا أحمد بن رشدين، ثنا أبو صالح الحرّاني، سنة ثلاثة وعشرين ومائتين، حدّثنا حيان بن عبيد اللَّه بن زهير المصري أبو زهير منذ ستّين سنة، قال: سألت الضحّاك بن مزاحم عن قوله: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) (٢) ، وعن قوله: ( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٣) ، وعن قوله: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) (٤) ، فقال:

قال ابن عبّاس: إنّ اللَّه عزّ وجلّ خلق العرش فاستوى عليه، ثُمَّ خَلَقَ الْقَلَمَ فَأَمَرَهُ لِيَجْرِيَ بِإِذْنِهِ، وَعَظَّمَ الْقَلَمَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَقَالَ الْقَلَمُ : بِمَ يَا رَبِّ أَجْرِي ؟ قَالَ : بِمَا أَنَا خَالِقٌ وَكَانَ فِي خَلْقِي مِنْ قَطْرٍ، أَوْ نَبَاتٍ، أَوْ نَفْسٍ، أَوْ أَثَرٍ، يعني به: العمل أو الرزق أو الأجل، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، فأثبته اللَّه في الكتاب المكنون عنده تحت العرش. وأمّا قوله: ( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ، فإنّ اللَّه وكّل ملائكته يستنسخون من ذلك الكتاب كلّ عام في رمضان ليلة القدر ما يكون في الأرض من حدث إلى مثلها من السنة المقبلة، فيعارضون به حفظة اللَّه على العباد كلّ عشية خميس، فيجدون ما رفع الحفظة موافق لما في كتابهم ذلك، ليس فيه زيادة ولا نقصان) (٥) .

____________________

١) سورة البقرة: ٣٠.

٢) سورة الحديد: ٢٢.

٣) سورة الجاثية: ٢٩.

٤) سورة القمر: ٤٩.

٥) المعجم الكبير للطبراني، ج١٠، ص٢٤٧، ح ١٠٥٩٥.

٣٠١

أقول: في تفسير ابن عبّاس لهذه الآيات عدّة أُمور:

الأوّل: كلّ ما كان وما يكون وما هو كائن فهو مستطرّ مكتوب في الكتاب المكنون، الذي هو الوجود الغيبي للقرآن الكريم.

والثاني: إنّه يتنزّل منه ليلة القدر ما يتعلّق بكلّ سنة، وهذا يقتضي احتواء القرآن الكريم، وكذا ما ينزل منه ليلة القدر لكلّ تقدير في الخلق، وقدر كلّ كائن وتكوين.

والثالث: إنّ ما يتنزّل ليلة في كلّ عام هو ما وراء لفظ التنزيل، فلا تقتصر حقيقة القرآن وباطنه وتأويله على ظاهر لفظ المصحف.

والرابع: إنّ عشية كلّ خميس - أي ليلة الجمعة - هناك معارضة الكتبة الحفظة على العباد من أعمال، وبين ما نزل من الكتاب المكنون من القرآن في ليلة القدر.

وهذه الأُمور الأربعة أُشير إليها بنحوٍ مستفيض في روايات أهل البيت عليهم‌السلام كما سيأتي، ولا غرو في ذلك؛ لأنّ ابن عبّاس قد نهل من أمير المؤمنين والحسنين عليهم‌السلام ، فعرف منهم هذا المقدار، وإن خفي عليه ما هو أعظم.

فيتحصّل من كلامه:

أوّلاً: اشتمال القرآن لكلّ علم وجميع العلوم.

ثانياً: إنّ ما ينزل في ليلة القدر من كلّ عام إلى يوم القيامة هو من باطن القرآن.

ثالثاً: فباطن القرآن لا زال يتنزّل في كلّ عام إلى يوم القيامة، وقد ذُكر كلّ ذلك في روايات أهل البيت عليهم‌السلام .

رابعاً: إنّه يتمّ معارضة أي مطابقة ما ينزل منه ليلة القدر في كلّ أُسبوع، كما قد حصل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله معارضة ظاهرة التنزيل كلّ عام مع جبرئيل عليه‌السلام .

١٣ - وروى البيهقي في فضائل الأوقات بسند متّصل إلى أبي نظير، قال: يفرّق

٣٠٢

أمر السنة كلّها في ليلة القدر، بلائها ورخائها ومعاشها إلى مثلها من السنة (١) .

تباين حقيقة النازل من القرآن في المرتين

تكرّر نزول جملة القرآن مرّتين بل أكثر إلى يوم القيامة:

١٤ - روى الطبراني في المعجم الكبير، بسند متّصل إلى ابن عبّاس في قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، قال: أُنزل القرآن جملة واحدة حتّى وضع في بيت العزّة في السماء الدنيا، ونزّله جبرئيل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بجواب كلام العباد وأعمالهم (٢) .

١٥ - وروى ابن أبي شيبة الكوفي في المصنّف، في باب القرآن متى نزل، بسند متّصل عن ابن عبّاس، في قوله [ تعالى ]: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، قال: رفع إلى جبرئيل في ليلة القدر جملة، فرفع إلى بيت العزّة، جعل ينزل تنزيلاً (٣) .

١٦ - وروى النسائي في السنن الكبرى بسند متّصل عن ابن عبّاس، قال: نزل القرآن في رمضان في ليلة القدر إلى السماء الدنيا، فكان إذا أراد اللَّه أن يحدث شيئاً نزل، فكان بين أوّله إلى آخره عشرين.

وروى مثله بخمسة طرق أُخرى كلّها عن ابن عبّاس، وزاد في بعضها، قال: ( وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ) (٤) ، وقرأ: ( وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) (٥) .

وفي طريق آخر منها زاد، وذلك ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ) (٦) (٧) .

____________________

١) فضائل الأوقات للبيهقي، ص ٢١٩.

٢) المعجم الكبير، ج١٢، ص٢٦.

٣) المصنّف لأبي شيبة الكوفي، ج٧٥، ص١٩١، ح٤، الباب ٤٦.

٤) سورة الفرقان: ٣٣.

٥) سورة الإسراء: ١٠٦.

٦) سورة الواقعة: ٧٥.

٣٠٣

١٧ - وروى الطبراني في المعجم الأوسط، قال: روي نزول القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى السماء الدنيا جملة ثمّ أُنزل نجوماً، ورواه بطرق أُخرى متعدّدة (١) .

ومقتضى هذه الروايات، أنّ الذي نزل به جبرئيل على النبيّ من القرآن أنّما هو النزول الثاني، أي النزول نجوماً من السماء الدنيا من بيت العزّة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، دون النزول الأوّل الذي هو جملة واحدة، ودون النزول المستمرّ في كلّ عام في ليلة القدر، ويقتضيه ظاهر آية سورة الشورى، وسورة القدر، كما سيأتي بيانه مفصّلاً، وأنّ النازل بجملة القرآن وفي ليلة القدر من كلّ عام إلى يوم القيامة هو روح القدس، والذي أُطلق عليه في القرآن ( رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ) ، وجُعل في سورة القدر مقابل للملائكة ( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ ) (٢) .

ومن ذلك يُعلم الاختلاف النوعي في حقيقة التنزيلَين، وأنّ النوعية الأُولى من النزول - وهي نزول القرآن جملة - هو المستمرّ في ليلة القدر إلى يوم القيامة، وهو يرتبط بتأويل الكتاب، وتقدير كلّ شي‏ء يقع من المقادير في الخلق.

نزول القرآن ليلة القدر على آل محمّد عوض غصب الخلافة:

١٨ - وروى البيهقي في كتاب فضائل الأوقات بسند متّصل إلى يوسف بن مازن، قال: (قام رجل إلى الحسن بن عليّ (رضيَّ الله عنه)، فقال: يا مسوّد وجه المؤمنين. قال الحسن بن عليّ (رضيَّ الله عنه): لا تؤنّبني رحمك اللَّه؛ فإنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قد رأى بني أُميّة يخطبون على

____________________

١) السنن الكبرى للنسائي، ج٥، ص٦،ح٧٩٨٩، و: ح٧٩٩٠، و: ح٧٩٩١، و: ح١١٣٧٢، و: ح١١٥٦٥، و: ح١١٦٨٩.

٢) المعجم الأوسط للطبراني، ج٢، ص٢٣١، وفي المعجم الكبير، ج١١، ص٢٤٧، و: ٣١، و: ج١٢، ص٢٦.

٣) سورة النحل: ٢.

٣٠٤

منبره رجلاً فرجلاً فساءه ذلك، فنزلت ( إنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) (١) نهر في الجنّة، ونزلت ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (٢) تملكه بنو أُمية، فحسبنا ذلك.. فإذا هو لا يزيد ولا ينقص) (٣) .

١٩ - وروى ابن أبي الحديد، قال: (وقد جاء في الأخبار الشائعة المستفيضة في كتب المحدّثين، أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أُخبر: أنّ بني أُمية تملك الخلافة بعده مع ذمّ منه صلى‌الله‌عليه‌وآله لهم. نحو ما روي عنه في تفسير قوله تعالى: ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (٤) ، فإنّ المفسّرين قالوا، إنّه رأى: بني أُمية ينزون على منبره نزو القردة، هذا لفظ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي فسّر لهم الآية به، فساءه ذلك، ثمّ قال: الشجرة الملعونة بني أُمية وبني المغيرة. ونحوه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا بلغ بنو العاص ثلاثون رجلاً اتّخذوا مال اللَّه دُوَلاً وعباده خولاً. ونحوه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في تفسير قوله تعالى: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (٥) قال: ألف شهر يملك بها بنو أُمية). وورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذمّهم الكثير المشهور نحوه.. وروى المدائني عن دخول سفيان بن أبي ليلى النهدي، رواية عن الحسن بن عليّ عليه‌السلام في تفسير الآية، وهي التي قد تقدّم ذكرها (٦) .

٢٠ - وروى الطبري في سورة القدر بسنده المتّصل عن عيسى بن مازن، قال: (قلت للحسن بن عليّ (رضيَّ الله عنه): يا مسوّد وجوه المؤمنين، عمدت إلى هذا الرجل فبايعت له - يعني معاوية بن أبي سفيان - فقال: إنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أُري في منامه بني أُمية يعلون منبره خليفة خليفة، فشقّ ذلك عليه، فأنزل اللَّه: ( إنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) ، و ( إنّا أنْزَلْناهُ

____________________

١) سورة الكوثر: ١.

٢) سورة القدر: ٣.

٣) كتاب فضائل الأوقات: ٢١١.

٤) سورة الإسراء: ٦٠.

٥) سورة القدر: ٣.

٦) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي، ج٩، ص ٢١٩.

٣٠٥

في لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ، يعني ملك بني أُمية. قال القاسم: حسبنا ملك بني أُمية فإذا هو ألف شهر).

٢١ - وروى الترمذي في سننه، والحاكم بسند متّصل إلى الحسن بن عليّ عليه‌السلام : (إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أُري بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) ، ونزلت ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) .. الحديث) (١) .

ورواه السيوطي في الدرّ المنثور عن جرير، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل من رواية يوسف بن سعد، وأخرج الخطيب عن ابن عبّاس نحوه، وكذا عن ابن نسيب، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (أُريت بني أُمية يصعدون منبري فشقّ ذلك عليّ، فاُنزلت ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ).

أقول: ومقتضى هذه الروايات أنّ اللَّه تعالى قد عوّض النبيّ وأهل بيته عن غصب الخلافة الظاهرية بإعطائهم ليلة القدر، أن تكون معهم كما كانت مع الأنبياء السابقين؛ إذ مقتضى جواب الإمام الحسن بن عليّ عليه‌السلام عن غصب معاوية الخلافة منه، هو أنّ اللَّه تعالى قد عوّض النبيّ وأهل بيته، أصحاب الكساء والأئمّة الاثني عشر (سلام اللَّه عليهم)، بنزول الروح عليهم والملائكة في ليلة القدر ينبّئونهم بكلّ أمر، وإلاّ لما صحّ جواب الإمام الحسن بن علي عليه‌السلام في قِبال اعتراض السائل.

بل ولمَا كان تعويض للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فإنّ مساءة النبيّ من نزو بني أُمية على خلافته وغصبهم لها ليس في زمانه، وإنّما بعد رحيله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث وقعت الفتنة بنصّ الآية الكريمة: ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (٢) ، وبنصّ الروايات الواردة في ذيل الآية عن النبيّ من طريقهم فضلاً من طرقنا، فهذه الروايات المستفيضة عندهم وعندنا في ذيل الآية مع نفس

____________________

١) سنن الترمذي، مستدرك الحاكم.

٢) سورة الإسراء: ٦٠.

٣٠٦

مضمون الآية هي أحد ملامح الأدلّة على إمامة أهل البيت عليهم‌السلام وغصب أهل السقيفة وبنو أُمية للخلافة.

كما أنّها دالّة على أنّ ليلة القدر وما يتنزّل فيها والروح النازل، كلّ ذلك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحقيقة إمامتهم التكوينية الإلهية.

وسيأتي - لاحقاً - في هذا الفصل، والذي يُعدّ أيضاً ارتباط حقيقةِ ليلة القدر بحكومتهم السياسية الخفية في النظام الاجتماعي السياسي، ولكن بنمو تكويني منظومي.

وهذا النازل في ليلة القدر ليس وحي شريعة، وإنّما هو علم في الإدارة والتدبير، والقيادة والإمامة الإلهية، ومحلّ تقدير وتدبير لكلّ شي‏ء في القضاء والقدر الإلهي إلى السنة المقبلة.

حقيقة القرآن هي الروح النازل ليلة القدر:

٢٢ - وروى السيوطي في ذيل سورة النحل قوله تعالى: ( يُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ بِالرُّوحِ ) (١) ، قال: أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عبّاس في قوله تعالى: ( يُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ بِالرُّوحِ ) ، قال: بالوحي.

٢٣ - وكذلك روى السيوطي في الموضع السابق عن جملة من المصادر، عن قتادة في قوله: ( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ) ، قال: بالوحي والرحمة. وأخرج عن جملة، عن الضحّاك في قوله تعالى: ( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ ) ، قال: القرآن (٢) . وروى الطبري بسنده عن قتادة مثله.

____________________

١) سورة النحل: ٢.

٢) الدرّ المنثور في ذيل آية: ( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ ) من سورة النحل.

٣٠٧

٢٤ - وروى السيوطي في الدرّ المنثور في سورة الشورى في ذيل قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ ) (١) ، قال: أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس (رضي اللَّه عنهما) في قوله: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ) ، قال: القرآن (٢) .

حقيقة الوحي هو نزول الروح كما في ليلة القدر، وهو مستمرّ إلى يوم القيامة:

أقول: ويُستفاد من مجموع هذه الطائفة من الروايات: أنّ حقيقة القرآن هي الروح الذي يتنزّل في كلّ ليلة قدر، وأنّ نزوله في كلّ ليلة قدر نزول للوحي الإلهي، بل إنّ الوحي ليس إلاّ نزول الروح والملائكة على من يشاء من العباد المصطفون، من الأنبياء والأوصياء، ومن ثمّ عبّر في سورة الشورى، في قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ ) عن إرسال الروح الأمري بأنّه وحيٌ.

فالوحي هو: إنزال الروح، وإنزال الروح هو وحي، فتصريح القرآن الكريم في سورة القدر بتنزيل الروح كلّ عام، هو تصريح باستمرار الوحي بعد سيد الأنبياء، غاية الأمر الذي يتنزّل هو من غيب القرآن الذي قد ورّثه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لأوصيائه.

عقيدة البَدَاء وحقيقة ليلة القدر:

٢٥ - وروى الطبري في سورة الرعد في ذيل قوله تعالى: ( يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (٣) بسنده المتّصل عن مجاهد، قول اللَّه: ( يَمْحُواْ اللَّهُ مَا

____________________

١) سورة الشورى: ٥٢.

٢) الدرّ المنثور في ذيل الآية المتقدّمة.

٣) سورة الرعد: ٣٩.

٣٠٨

يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ) ، قالت قريش حين أُنزل: ( وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللَّهِ ) : ما نراك يا محمّد تملك من شي‏ء، ولقد فُرغ من الأمر، فأُنزلت هذه الآية تخويفاً ووعيداً لهم: أنّا إن شئنا أحدثنا من أمرنا ما شئنا، ونُحدث في كلّ رمضان، فنمحو ونثبت ما نشاء من أرزاق الناس ومصائبهم، وما نعطيهم وما نقسّم لهم (١) .

أقول: وفي هذه الرواية، والروايات التي رويت في ذيل الآية، والتي رواها أهل سنّة جماعة الخلافة والسلطان، دالّة على عقيدة البَدَاء التي هي نوع من النسخ التكويني الواردة في روايات أهل البيت، كما تدلّ هذه الروايات على أنّ ما في أمّ الكتاب، الذي هو أصل القرآن وحقيقته العلوية الغيبية، متضمّن لكلّ قضاء وقدر، وليس هو مجرّد ظاهر التنزيل.

وهذه الحقيقة للقرآن لا ينالها إلاّ المعصوم الذي ينزّل عليه الروح في ليلة القدر، ولا يطمع في نيلها غير المعصوم؛ إذ ليس الأمر بالأماني والتمنّي، هيهات. وما سيأتي ومضى من رواياتهم لا يخفي تضمّنه لمعنى النسخ والبَدَاء.

٢٦ - وروى الطبري في سورة الدخان، بسنده عن ابن زيد في قوله عزّ وجلّ: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ) (٢) ، قال: تلك الليلة ليلة القدر، أنزل اللَّه هذا القرآن من أُمّ الكتاب في ليلة القدر، ثمّ أنزله على الأنبياء في الليالي والأيام، وفي غير ليلة القدر (٣) .

أقول: هذه الرواية دالّة على أنّ الذي يتنزّل من أُمّ الكتاب الذي هو أصل القرآن وحقيقته الغيبية العلوية، والذي يتنزّل منه، ليس ظاهر التنزيل، بل كلّ المقادير وقضاء الحوادث الكونية وأنّ ذلك التنزّل مستمرّ ليس في خصوص ليلة القدر

____________________

١) جامع البيان، في سورة الرعد، ذيل قوله تعالى: ( يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) .

٢) سورة الدخان: ٣.

٣) جامع البيان، ج٢٥، ص٦٤.

٣٠٩

بل على مرّ الليالي والأيام والآناء واللحظات، وأنّه لا زال يتنزّل بعد ذهاب الأنبياء، يتنزّل على الأوصياء - خلفاء النبيّ - الاثني عشر من قريش (سلام اللَّه عليهم)، وهذا المضمون قد ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام .

٢٧ - وروى الطبري في سورة الرعد، بسند متّصل عن قتادة قوله تعالى: ( وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) ، قال: جملة الكتاب وأصله.

٢٨ - وروى الطبري في الموضع المذكور بسنده إلى الضحّاك في قوله: ( وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) ، قال: كتاب عند ربّ العالمين.

٢٩ - وروى الطبري عن الضحّاك أيضاً في الموضع المزبور، ( وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) قال: جملة الكتاب وعلمه، يعني بذلك ما ينسخ منه وما يثبت. وروى نظيره بسند متّصل عن ابن عبّاس ( كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ) (١) .

أقول: مقتضى التعبير بلفظ جملة الكتاب عنده تعالى، أنّ ظاهر التنزيل ليس كلّ درجات حقيقة الكتاب، وأنّ جملته مجموع ما فيه من التأويل والحقائق وكلّ قضاء وقدر، وكلّ ما كان ويكون فهو في أُمّ الكتاب، وهو الذي ينزل منه كلّ عام في ليلة القدر بتوسّط الروح، وأنّه لازال ينزل من باطن الكتاب وتأويل كلّ عام في ليلة القدر إلى يوم القيامة، بل في كلّ ليلة، وأنّه كما مرّ في بعض الروايات المتقدّمة.

وكلّ هذا المضمون قد ورد في روايات أهل البيت كما ستأتي الإشارة إليه، فللكتاب جملة يستطرّ فيها كلّ شي‏ء، ما من غائبة في السماء والأرض، ولا رطْب ولا يابس إلاّ في كتاب مبين، فظاهر التنزيل الذي بين الدفّتين وهو المصحف الشريف، لا يحيط ولا يحتوي بما في أُمّ الكتاب، وإنّما هو ظهر يوقف عليه

____________________

١) سورة الأحزاب: ٦.

٣١٠

للوصول إلى البطون والتأويلات والحقائق، بهداية الراسخين في العلم الذين هم أهل آية التطهير الذين يمسّون الكتاب المكنون، كما دلّت على ذلك الآيات الكريمة في السور المختلفة.

بل، إنّ من تصريح الآيات بأنّ أهل البيت المطهّرين الذين يمسّون الكتاب المكنون، يُعلم بالتلازم أنّ أهل البيت هم الذين يتنزّل عليهم روح القدس في ليلة القدر، بما في أُمّ الكتاب من القضاء والقدر لكلّ سنة، كما أنّ من التلازم في حديث الثقلين من العِترة والكتاب وعدم افتراقهما، يُعلم تلازمهما في كلّ ما ينزل من الكتاب في كلّ سنة.

كما أنّ من التعبير بأنّ عنده أُمّ الكتاب الذي هو جملة مجموعة، وأصله وحقيقته التعبير بأنّ هذه الجملة والحقيقة عند اللَّه للدلالة على القرب المعنوي بحسب نشأة عوالم الخِلقة، فمكانته الوجودية غيبية مكنونة في لوح محفوظ ذات مجد كوني وتكويني، وهي الروح الأعظم كما سيأتي في الروايات.

٣٠ - وروى بسنده عن ابن عبّاس أنّه سأل كعب عن أُمّ الكتاب، قال: علم اللَّه ما هو خالق وما خلقه عاملون، فقال لعلمه: كن كتاباً فكان كتاباً... وقال الطبري بعد ذلك: وأولى الأقوال - في ذلك - بالصواب قول من قال: وعنده أصل الكتاب وجملته؛ وذلك أنّه - تعالى ذِكره - أخبر أنّه يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، ثم عقّب بذلك بقوله: ( وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) ، فكان بيّناً أنّ معناه عنده أصل المثبت منه والمحو، وجملته في كتاب لديه.

٣١ - وروى الطبري في سورة الدخان، بسند متّصل عن ابن زيد في قوله عزّ وجلّ: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ) (١) ، قال: تلك الليلة ليلة القدر،

____________________

١) سورة الدخان: ٣.

٣١١

وأنزل اللَّه هذا القرآن من أُمّ الكتاب في ليلة القدر، ثمّ أنزله على الأنبياء في الليالي والأيام وفي غير ليلة القدر.

٣٢ - وروى الطبري في ذيل سورة الدخان بسنده، عن عمر مولى غفرة، قال، يقال: يُنسخ لملك الموت من يموت في ليلة القدر إلى مثلها؛ وذلك لأنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) ، وقال: ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) (١) ، قال: فتجد الرجل ينكح النساء ويغرس الغرس واسمه في الأموات.

أقول: ومقتضى هاتين الروايتين أنّ القرآن النازل في ليلة القدر - وهي الليلة المباركة - يُسمّى بحسب حقيقته الغيبية بعدّة أسماء، وهي بحسب مراتبه الغيبية: الكتاب المبين، وأُمّ الكتاب، والكتاب المكنون.

كما أنّ مقتضى الرواية الأخيرة هيمنة القرآن والروح النازل في ليلة القدر على وظائف ملك الموت، وأنّه تابع منقاد للروح، وكذلك ميكائيل الموكّل بالأرزاق، وإسرافيل الموكّل بالأحياء، وجبرئيل الموكّل بالعلم والبطش.

وقال الطبري في ذيل سورة الدخان: وقوله ( إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) (٢) ، يقول تعالى ذكره: ( إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) رسولنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عبادنا ( رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (٣) .

وقال: وقوله ( أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) (٤) ، يقول تعالى ذكره: في هذه الليلة المباركة يُفرق كلّ أمر حكيم أمراً من عندنا.

أقول: إنّ الإرسال في الآيات الكريمة في سورة الدخان مرتبط بإنزال الروح

____________________

١) سورة الدخان: ٤.

٢) سورة الدخان: ٥.

٣) سورة الدخان: ٦.

٤) سورة الدخان: ٥.

٣١٢

ليلةَ القدر بتقادير الحوادث كلّها، وهذا الإرسال في كلّ ليلة قدر من كلّ عام إلى يوم القيامة وإن لم يكن إرسال نبوّة ورسالة، بل هو تزويد لخليفة اللَّه في الأرض، واطّلاعه بإرادات اللَّه ومشيئاته؛ للقيام بالمسؤوليات الإلهية الخطيرة التي تُعهد إليه من الباري تعالى، والتي تتوقّف على هذا الكمّ الهائل من العلم بالمقدّرات الإلهية المستقبلية.

دوام ليلة القدر من الروايات الحاثّة على فضيلتها في الصحاح:

قد عقد البخاري ومسلم كلّ منهما باباً بعد كتاب الصوم أُدرج فيه خمسة أبواب:

الأوّل: في فضل ليلة القدر.

الثاني: التماس ليلة القدر في السبع الأواخر.

الثالث: تحرّي ليلة القدر في الوتر من العشر. وأورد فيها البخاري روايات عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّها آمرة بالتماس وتحرّي ليلة القدر، أي طلبها كلّ عام، ممّا يقضي بدوام ليلة القدر إلى يوم القيامة.

وممّا أورده في تلك الروايات بسنده، عن ابن عمر: أنّ رجالاً من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرّيها فليتحرّها في السبع الأواخر.

أقول: مقتضى هذه الرواية أنّ ليلة القدر حقيقة قد يرى بعضُ آياتها، وبعض لمعانها وأنوارها بعضُ البشر. ومثله في صحيح مسلم.

٣١٣

٣١٤

شهر رَمَضَان إعداد لليلة القَدْر

وهي باب عظيم لمعرفة الإمام عليه‌السلام

فكما أنّ هناك صلة بين شهر رمضان وليلة القدر، فهناك صلة وثيقة بينهما وبين حقيقة الإمام عليه‌السلام ، وكما أنّ شهر رجب وشهر شعبان يوطّئان ويمهّدان لشهر رمضان، فكذلك شهر رمضان يوطئ لليلة القَدْر، وليلة القدر بدورها توطئ لنزول الروح والملائكة الذي هو نزول لحقيقة القرآن.

والروح إنّما ينزل بكلّ أمر على من يصطفيه اللَّه من عباده في كلّ عام وهو الإمام، وتعظيم شهر رمضان إنّما هو لِما فيه من ليلة القدر، وعظمة ليلة القدر إنّما هي لِما فيها من نزول الروح ونزول القرآن، وهو إنما ينزل على من يشاء من عباد اللَّه، مَنْ اصطُفي لذلك.

فشهر رمضان بيئة نورية لليلة القدر، وليلة القدر بيئة أشدّ نوراً لنزول الروح، ونزول الروح أشدّ نوراً بأضعاف عند من يتنزّل عليه الروح.

فالانشداد إلى شهر رمضان انشداد إلى ليلة القدر، والانشداد إلى ليلة القدر انشداد إلى الإمام الذي يتنزّل عليه الروح. وإدراك ليلة القدر هو بمعرفة حقيقة القدر وهي نزول الروح على من يشاء اللَّه من عباده المصطفين بكلّ أمر يقدّره من حوادث السنةّ، فمعرفة ليلة القدر معرفة لحقيقة النبوّة والإمامة وإدراكها هو بهذه المعرفة.

روى الكُليني عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال: (... فضل إيمان المؤمن بجملة ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) وتفسيرها على من ليس مثله في الإيمان بها، كفضل الإنسان على البهائم،

٣١٥

وإنّ اللَّه عزّ وجلّ ليدفع بالمؤمنين بها عن الجاحدين لها في الدنيا - لكمال عذاب الآخرة لمن علم أنّه لا يتوب منهم - ما يدفع بالمجاهدين عن القاعدين)، الحديث (١) .

بِيئة ليلة القدر شهر رمضان:

إنّ الناظر في خصائص شهر رمضان وما أحيط به من هالة معنوية، وزخمٍ روحيٍّ كبير، وتركيز مكثّف، هو تمهيد لليلة القدر، وإنّ ذلك لا يقتصر على شهر رمضان بل يبدأ من شهر رجب ومن بعده شهر شعبان إلى أن يصل شهر رمضان، شهر اللَّه الذي عُظّم من اللَّه عزّ وجلّ، حيث نُسب إليه تعالى وجُعلت فيه ليلة القدر. وكذلك كونه شهر ضيافة اللَّه عزّ وجلّ وأنّه أُنزل فيه القرآن العظيم، حيث قال تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (٢) .

وكلّ هذا التعظيم حلقات مترابطة لتصل إلى ما في شهر رمضان من أوج العظمة وهي ليلة القدر، حيث إنّ فضائل شهر رمضان في جانب وفضائل ليلة القدر في جانب آخر، فإنّ كلّ ما حفّ به شهر رجب الأصبّ الذي تصبّ فيه الرحمة صبّاً، وشهر شعبان الذي تتشعّب فيه طرق الخير، كلّ ذلك قد تضاعف أضعافاً في خصائص شهر رمضان، وتضاعف ما في شهر رمضان من خصائص إلى ثلاثين ألف ضعف في ليلة القدر.

فليلةُ القدر هي أوج عظمة الضيافة الإلهية والحفاوة الربّانية، فأوج نصيب حظّ العباد إدراك ليلة القدر، إلاّ أنّ هذا الإدراك للّيلة العظيمة ليس بمجرّد الكمّ الكبير من العبادات والأدعية والابتهال والتنفّل؛ فإنّ كلّ ذلك إعداد ضروري لِما وراءه من

____________________

١) الكافي، ج١، ص٢٥٠، ح ٧.

٢) سورة البقرة: ١٨٥.

٣١٦

إدراك آخر لحقيقة ليلة القدر وهو معرفة هذه الليلة، ومعرفتها هو بمعرفة حقيقتها المتّصلة بحقيقة الإمام والإمامة.

فمن ثمّ كان شهر رمضان شهر اللَّه الأغرّ وشهر معرفة الإمام خليفة اللَّه في أرضه، فكما أنّ شهر رمضان نفخ بالحياة للدين القويم، فإنّ ليلة القدر هي القلب النابض في هذا الشهر؛ لِما لها من صلة بالإمام وتنزّل الروح الأعظم عليه.

فشهر رمضان بوابة لمعرفة ليلة القدر، وليلة القدر بوابة لمعرفة الإمام والارتباط به والانشداد إليه، فجُعل شهر رمضان سيد الشهور كما جاء في روايات الفريقين، وجُعلت ليلة القدر قلب شهر رمضان كما ورد في الحديث.

وقد جُعل شهر رمضان أعظم حرمة من الأشهر الحُرُم الأربعة، وهذه العظمة لشهر رمضان أنّما هو لِما فيه من تلك الليلة العظيمة، فهو كالجسم وهي كالروح له، مع أنّ شهر رمضان هو كالروح للأشهر الحُرُم الأربعة التي منها شهر رجب. وكلّ ذلك يرسم مدى العظمة التي تحتلّها ليلة القدر، وقد بيّن الغاية من الصيام في شهر رمضان في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١) .

والصيام على درجات كما كان في الشرائع السابقة، فلا يقتصر على الإمساك البدني بل يرتبط بالدرجات الاعتقادية كالإمساك عن الكذب على اللَّه ورسوله، فصيام على مستوى الجانب البدني وصيام الجوانح، وصيام على مستوى الحالات النفسية والخواطر، وهناك صيام على مستوى الحالات القلبية وحالاته وخواطره.

وأعظم المراتب على مستوى الاعتقاد، كما يشير إليه قول الإمام الصادق عليه‌السلام

____________________

١) سورة البقرة: ١٨٣.

٣١٧

في رواية جراح المدائني (١) ، فبيّن عليه‌السلام صوم الصمت كما هو صوم زكريا ومريم، وعُرف بصوم الصمت الداخل، أي الإمساك بحسب كلّ مراتب النفس الباطنية.

فشهر رمضان بيئة عظيمة لليلة القدر، وقد وصف هذا الشهر كما في خطبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله التي رواها الصدوق بسند معتبر عن الرضا عليه‌السلام ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام :

(شهر اللَّه ذي البركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند اللَّه أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات. هو شهرٌ دُعيتم به إلى ضيافة اللَّه، وجُعلتم به من أهل كرامة اللَّه، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب... فإنّ الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم... ومن تَلى فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.

أيّها الناس، إنّ أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة فسلوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلّقة فسلوا ربّكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فسلوا ربّكم أن لا يسلّطها عليكم).

فهذا الشهر قد عظّمه الباري وكرّمه وشرّفه وفضّله على الشهور، وافترض صيامه على العباد، وأنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان، وجعل فيه ليلة القدر وجعلها خيراً من ألف شهر.

أوصاف ليلة القدر:

إلاّ أنّ كلّ هذه الأوصاف لشهر رمضان - بالقياس إلى أوصاف ليلة القدر منه - هي دون الأوصاف التي وصفت بها تلك الليلة؛ فإنّ تلك الأوصاف قد ذكرت لليلة

____________________

١) أبواب آداب الصائم، باب ١٢، أنّه يكره للصائم الجدال، والجهل، والحلف، الحديث ١٣.

مصباح المتهجّد للطوسي، ص٦٢٥، حيث يقول الصادق عليه‌السلام : (إنّ الصيام ليس من الطعام والشّراب وحده... قالت مريم عليها‌السلام : (إنّي نذرت للرّحمن صوماً) أي صمتاً، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم...).

٣١٨

القدر بنحو مضاعف أضعافاً، وكأنّ الشهر توطئة وإعداد للولوج في تلك الليلة، حتّى أنّ أغلب أدعية ذلك الشهر المأثورة تركّز على الدعاء والطلب لإدراك تلك الليلة، ولطلب حسن ما يقضي ويقدّر من الأمر المحتوم، وما يفرق من الأمر الحكيم في تلك الليلة من القضاء الذي لا يردّ ولا يبدّل.

ومن تلك الأوصاف، أنّها أوّل السنة المعنوية بلِحاظ لوح القضاء والقدر. فقد روى الكُليني عن رفاعة عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام قال: (ليلة القدر هي أوّل السنة وهي آخره) (١) .

وروى الشيخ في التهذيب بعدّة أسانيد إلى مولانا الصادق‏ عليه‌السلام أنّه قال: (إذا سلم شهر رمضان سلمت السنة، وقال: رأس السنة شهر رمضان) (٢) .

وروى الكُليني بسنده إلى أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (الشهور عند اللَّه اثنا عشر شهراً في كتاب اللَّه يوم خلق السماوات والأرض، فغرّة الشهور شهر اللَّه عزّ وجلّ وهو شهر رمضان، وقلب شهر رمضان ليلة القدر) (٣) .

وروى ابن طاووس في الإقبال بإسناده إلى علي بن فضّال من كتاب الصيام، بإسناده إلى ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (شهر رمضان رأس السنة) (٤) .

وقال أيضاً في كتاب إقبال الأعمال بعد ذكر جملة للروايات المتضمّنة لهذا المضمون: (واعلم أنّني وجدت الروايات مختلفات، هل أنّ أوّل السنة محرّم أو شهر رمضان؟ لكنّني رأيت من عمل من أدركته من علماء أصحابنا المعتبرين

____________________

١) الكافي، ج٤، ص١٦٠.

٢) التهذيب، ج٤، ص٣٣٣.

٣) الكافي، ج٤، ص٦٧.

٤) إقبال الأعمال، ج١، ص٣٢، الباب الثاني.

٣١٩

وكثيراً من تصانيف علمائهم الماضين، أنّ أوّل السنة شهر رمضان على التعيين، ولعلّ شهر الصيام أوّل العام في عبادات الإسلام، والمحرّم أوّل السنة في غير ذلك من التواريخ ومهام الأنام؛ لأنّه جلّ جلاله عظّم شهر رمضان، فقال جلّ جلاله: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (١) ، فلسان حال هذا التعظيم كالشاهد لشهر رمضان بالتقديم؛ ولأنّه لم يجر لشهر من شهور السنة ذكر باسمه في القرآن وتعظيم أمره إلاّ لهذا الشهر شهر الصيام، وهذا الاختصاص بذكره كأنه ينبّه - واللَّه أعلم - على تقديم أمره.

ولأنّه إذا كان أوّل السنة شهر الصيام وفيه ما قد اختصّ به من العبادات التي ليست في غيره من الشهور والأيام، فكأنّ الإنسان قد استقبل أوّل السنة؛ ولأنّ فيه ليلة القدر التي يُكتب فيها مقدار الآجال وإطلاق الآمال، وذلك منبّه على أنّ شهر الصيام أوّل السنة) (٢) .

قال المجلسي (قدس سره)، قال الوالد العلاّمة: (الظاهر أنّ الأوّلية باعتبار التقدير، أي أوّل السنة التي تقدّر فيها الأُمور لليلة القدر، والآخرية باعتبار المجاورة، فإنّ ما قدّر في السنة الماضية انتهى إليها، كما ورد أنّ أوّل السنة التي يحلّ فيها الأكل والشرب يوم الفطر، أو أنّ عملها يُكتب في آخر السنة الأُولى وأوّل السنة الثانية، كصلاة الصبح في أوّل الوقت. أو يكون أوّل السنة باعتبار تقدير ما يكون في السنة الآتية وآخر سنة المقدّر فيها الأُمور) (٣) .

ومنها: ما رواه الطبرسي في مجمع البيان، والاستربادي في تأويل الآيات. عن ابن عبّاس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: (إذا كانت ليلة القدر تنزّل الملائكة الذين هم سكان سِدرة المنتهى وفيهم جبرئيل، ومعهم ألوية فينصب لواء منها على قبري ولواء منها

____________________

١) سورة البقرة: ١٨٥.

٢) إقبال الأعمال، ج١، ص٣٢ - ٣٣، الباب الثاني.

٣) الكافي، ج١، ص١٦٠.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592