الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية0%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الإمامة الإلهية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الصفحات: 592
المشاهدات: 133733
تحميل: 7973


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133733 / تحميل: 7973
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

في المسجد الحرام ولواء منها على طور سيناء، ولا يدع مؤمن ولا مؤمنة إلاّ ويسلّم عليه، إلاّ مدمن خمرٍ، وآكل لحم خنزير، والمتضمّخ بالزعفران) (1) . ونظيره ما روي في كتاب جعفر بن محمد الدورستري.

ومنها: يفرق فيها كلّ أمر حكيم، وأنّها مباركة ببركة خاصّة مضاعفة مُمتازة عن بركة شهر رمضان كلّه، حيث قال تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) (2) ، وقوله تعالى: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (3) .

ومنها: أنّها موصوفة بالسلامة، حيث قال تعالى: ( سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) (4) ، مع أنّ شهر رمضان - كما تقدّم - تُصفد فيه الشياطين وتُفتح فيه أبواب السماء وأبواب الجنان وتُغلق أبواب النيران، إلاّ أنّ في ليلة القدر يزداد هذا الفتح لأبواب والغلق لأبواب أُخرى.

ومنها: يُضاعف العمل ثلاثين ألف ضعف، كما قال تعالى: ( خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) إلى غير ذلك من الخصائص التي امتازت بها ليلة القدر، إلاّ أنّ كلّ ذلك هو تمهيد وتوطئة وإعداد لأكبر امتياز وخاصّية امتازت بها ليلة القدر، وهو نزول القرآن والروح والملائكة فيها في كلّ عام.

وروي في مجمع البيان عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (إنّ الشيطان لا يخرج في هذه الليلة حتّى يضي‏ء فجرُها، ولا يستطيع فيها أن ينال أحداً بِخَبَل أو داء أو ضرب من ضروب الفساد، ولا ينفذ فيه سحر ساحر) (5) .

____________________

1) مجمع البيان، ج10، ص409، في ذيل سورة الفجر. وتأويل الآيات، ج2، ص816.

2) سورة الدخان: 3 - 4.

3) سورة القدر: 2 - 6.

4) سورة القدر: 7.

5) تفسير مجمع البيان، ج10، ص409.

٣٢١

ليلة القَدْر بيئةٌ لنزول القرآن كلّ عام:

فكلّ الإعداد السابق للمسلم والمؤمن في بيئة شهر رمضان المباركة، ومحيط أجواء النور في ليلة القدر وعبادة المؤمن وأعماله في هذه الليلة المتضاعفة أضعافاً، تبلغ أجر العمل في هذه الليلة من كلّ عام ما يزيد على عمر الإنسان لو قدّر تطاوله إلى ما يزيد على ثلاث وثمانين عاماً.

كلّ هذا الإعداد والرقي الروحي للمؤمن يُكتب له لأجل أن يدرك ليلة القدر، وإدراكها بدراية (ما ليلة القدر؟) حيث قال تعالى: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (1) ، وهو تحضيض وترغيب، وحثّ على دراية ومعرفة ليلة القدر؛ فـ ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) ، أي: ما أعلمك بليلة القدر، فإدراكُها بدرايتِها؟

وليست درايتها ومعرفتها هي بمعرفة وقتها الزماني ليتخيّل أنّ إدراكها هو بتحديد أي ليلة هي من الليالي لتوقع الأعمال العبادية فيها، بل هذا أدنى درجات الإدراك، ومُعدّ إلى درجات أُخرى لإدراكها بدرايتها ومعرفة الإرهاصات التي تقع فيها، ومن ثمّ قال تعالى عقيب قوله: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) ، بقوله تعالى بخيرّيتها من ألف شهر، وأوج معرفتها بتنزّل الملائكة والروح فيها من كلّ أمر، فالعمدة في درك ودراية هذه الليلة بمعرفة نزول الروح والملائكة فيها من كلّ عام.

ويواجه الباحث هنا عدّة تساؤلات:

الأوّل: ما هي العلاقة بين نزول القرآن في ليلة القدر ونزول الروح؟ وما هذه الصلة التي يجدها ملحوظة في سورة القدر؟ حيث إنّ الضمير في: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) يعود إلى القرآن، كما أنّ الضمير في سورة الدخان: ( حم * وَالْكِتَابِ

____________________

1) سورة القدر: 2.

٣٢٢

الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) يعود إلى الكتاب المبين، وقوله تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (1) .

الثاني: هل النزول للقرآن يستمرّ باستمرار نزول الروح في ليلة القدر من كلّ عام؟

الثالث: ما هي الصلة بين الكتاب المبين والقرآن الذي أُنزل في الليلة المباركة ليلة القدر؟ كما في سورة الدخان التي تقدّمت، وفي سورة الزخرف من قوله تعالى: ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (2) .

وقد وصفت الآيات المحكمات بأنّهن أُمّ الكتاب في سورة آل عمران في قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) (3) .

الرابع: ما هي الصلة بين نزول القرآن ونزول الروح والملائكة، وتقدير كلّ أمر من الحوادث والآجال والأرزاق، وكلّ صغيرة وكبيرة تقع على كلّ شخص وكلّ مجتمع، بل كلّ نبات وحيوان وجماد، وكون ومكان، ودول وجماعات وأحزاب ومنظمات إقليمية وقطرية، ومذاهب وطوائف، وحرب وسلم، وغلاء ورخص، وأمن وخوف، ومواليد وأموات؟

وتدبير كلّ شي‏ء من عظائم الأُمور وصغائرها، وأحلاف سياسية وعسكرية وأمنية، ومخطّطات ومشاريع، وظواهر اجتماعية واقتصادية، وظواهر فكرية اعتقادية، وانتشار الأمراض والأوبئة المهدّدة للصحّة العالمية البشرية، والسياسات المتبنّاة في كلّ إقليم، وتوازن القوى الاجتماعية والإقليمية والدولية،

____________________

1) سورة البقرة: 185.

2) سورة الزخرف: 1 - 4.

3) سورة آل عمران: 7.

٣٢٣

وسقوط دول وبروز أُخرى، وتبدّل أعراف ونشوء أُخرى قانونية واجتماعية وأخلاقية، وما سيدور في الدوائر الأمنية والسياسية والمخابراتية الدولية والقطرية من خلف الكواليس؟ حيث قال تعالى في سورة الدخان: ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) (1) .

وقال في سورة القدر: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (2) ، وقوله تعالى: ( يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (3) ، وقوله تعالى: ( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ) (4) ، وقوله تعالى: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً ) (5) .

وروى الكُليني عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام قال: (كان عليّ عليه‌السلام كثيراً ما يقول: ما اجتمع التيمي والعدوي عند رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقرأ: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) بتخشّع وبكاء، فيقولان: ما أشدّ رقّتك لهذه السورة؟ فيقول رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : لِما رأت عيني وَوَعى قلبي، ولِما يرى قلبُ هذا من بعدي.

فيقولان فما الذي رأيت وما الذي يرى؟ قال: فيكتب صلى‌الله‌عليه‌وآله لهما في التراب: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) . قال: ثمّ يقول: هل بقي شي‏ء بعد قوله عزّ وجلّ: ( كُلِّ أَمْرٍ ) فيقولان: لا...) الحديث (6) .

وروى الكُليني صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما، قال: (... وسُئل عن ليلة القدر فقال: تنزّل فيها الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا، فيكتبون ما يكون في أمر السنة وما يصيب العباد، وأمره عنده موقوف له وفيه المشيئة، فيقدّم منه ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء) (7) .

وروى في صحيح الفضلاء في حديث، في قوله عزّ وجلّ: ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْر

____________________

1) سورة الدخان: 4 - 5.

2) سورة القدر: 4.

3) سورة الرعد: 39.

4) سورة النحل: 2.

5) سورة النحل: 89.

6) الكافي، ج1، ص249.

7) الكافي، ج4، ص157.

٣٢٤

ٍ حَكِيمٍ ) قال: يقدّر في ليلة القدر كلّ شي‏ء يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل، خيرٌ وشرٌ، وطاعة ومعصية، ومولود وأجل أو رزق، فما قدّر في تلك السنة وقضي فهو المحتوم وللَّه عزّ وجلّ فيه المشيّة (1) .

الخامس: من هو الذي ينزل عليه الروح والملائكة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الأُمّة إلى يوم القيامة؟ حيث إنّ نزول الملائكة والروح، بحسب سورة القدر وسورة الدخان، كان قطعاً على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث إنّ نزول الروح والملائكة كان إنزالاً للقرآن على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يكن نزولاً بلا مقصد ينتهي إليه النزول، وكذا قوله في سورة الدخان:

( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) (2) ، فالآية تصرّح أنّ مورد النزول هو من يشاء اللَّه من عباده، أي يصطفيهم لذلك ليكونوا منذرين، وكذلك سورة غافر في قوله تعالى: ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (3) .

السادس: هل هذا المتنزّل من الكمّ الهائل من المعلومات عن كلّ ما يحدث في الأرض، والذي ينزل على من اصطفاه اللَّه لذلك وشاء له ذلك بنصّ سورة النحل وغافر، والتي هي نظم ومنظومات معلوماتية بالغة الخطورة عن المستقبل في كلّ الحقول ونظم الاجتماع السياسي، والاقتصادي، والأمني، فهل نزولها للترف العلمي ومجرّد اطّلاع من يشاء اللَّه من عباده، أم أنّ ذلك ليقوم بمهام وأدوار خطيرة في البشرية في كافّة أرجاء الأرض؟

وعلى كلّ تقدير، فإنّ ظاهر سورة القدر: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) هو نزول القرآن في ليلة القدر، كما هو ظاهر قوله تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ

____________________

1) الكافي، ج4، ص156.

2) سورة الدخان: 3 - 5.

3) سورة غافر: 15.

٣٢٥

الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (1) ، فإنّ مفادهما كما اعترف بذلك جملة كثيرة من المفسّرين من الفريقين، هو نزول القرآن جملة واحدة في شهر رمضان، وظاهر الضمير في سورة القدر عائد إلى القرآن، كما أنّ لفظ الآية في سورة البقرة كذلك: ( الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) ، حيث إنّ ظاهر (الـ) في المجموع، وكذلك هو مفاد قوله تعالى في سورة الدخان: ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) ، فإنّ الضمير عائد إلى الكتاب المبين برمّته.

هذا مضافاً إلى أنّ بعثة الرسالة النبويّة هي في شهر رجب وهو مبدأ نزول القرآن نجوماً، وأنّ أوّل سورة نزلت هي سورة العلق وغيرها من السور، فمن ثمّ حُمل ذلك على استظهار أنّ للقرآن نزولان:

النزول الأوّل: بجملة القرآن.

والنزول الثاني: هو نزول مفصّل تدريجي نجومي بحسب الوقائع والأحداث.

وقد تفطّن إلى ذلك في دلالة الآيات ببركة ما ورد من روايات أهل البيت عليهم‌السلام وانتشر من حديثهم، فتبنّاها جملة من طبقات التابعين أخذاً عنهم وإن لم يسندوها إليهم، فقد ورد عنهم عليهم‌السلام كما في صحيحة حَمران أنّه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن قول اللَّه عزّ وجلّ: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) ؟ قال: (نعم، ليلة القدر، وهي في كلّ سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلاّ في ليلة القدر...) (2) .

وقال علي بن إبراهيم في تفسيره في معنى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) : فهو القرآن نزل إلى البيت المعمور في ليلة القدر جملة واحدة، وعلى رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في طول ثلاث وعشرين سنة: ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) . ومعنى ليلة القدر أنّ اللَّه

____________________

1) سورة البقرة: 185.

2) الكافي، ج4، ص157.

٣٢٦

تعالى يقدّر فيها الآجال والأرزاق، وكلّ أمر يحدث من موت أو حياة، أو خصب أو جدب، أو خير أو شرّ، كما قال اللَّه تعالى: ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) (1) ، إلى سنة، قوله: ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) قال: تنزّل الملائكة وروح القدس على إمام الزمان، ويدفعون إليه ما قد كتبوه من هذه الأُمور) (2) .

وروى الكُليني بسنده عن الحسن بن عبّاس بن جريش، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ، قال: (قال اللَّه عزّ وجلّ في ليلة القدر: ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) يقول: ينزل فيها كلّ أمر حكيم، والمحكم ليس بشيئين إنّما هو شي‏ء واحد، فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم اللَّه عزّ وجلّ) (3) . الحديث.

وروى الكُليني بسنده إلى أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (نزل القرآن جملةً واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثمّ نزل في طول عشرين سنة. ثمّ قال، قال النبيّ عليه‌السلام : أُنزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان) (4) .

وروى الكُليني بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (نزلت التوراة في ستّ مضت في شهر رمضان، ونزل الإنجيل في اثنتي عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، ونزل الزبور ثماني عشرة من شهر رمضان، ونزل القرآن في ليلة القدر) (5) .

مكان نزول القرآن:

ومن ثمّ كان للقرآن نزولان، وكان ما يتلقّاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في النزول الأوّل هو حقيقة القرآن التكوينية، وفي النزول الثاني هو معاني القرآن وألفاظه.

فالنزول الأوّل: هو نزول جملة القرآن وحقيقته التي في نشأة الملكوت

____________________

1) سورة الدخان: 4.

2) تفسير القمّي، ج2، ص431.

3) الكافي، ج1، ص247، ح 3.

4) الكافي، ج2، ص629، ح 6.

5) الكافي، ج4، ص157، ح 5.

٣٢٧

التي هي الكتاب المبين، وقد أطلق عليها الروح في القرآن الكريم، أي أنّه وجود حيّ شاعر عاقل أعظم خلقاً من الملائكة، كما أشارت إليه الآيات والروايات.

والنزول الثاني: هو نزول معاني وألفاظ القرآن، وهو نزول القرآن نجوماً على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذي سُمّي القرآن فرقاناً بلِحاظه.

وقد ذهب إلى تنوّع النزول أكثر المفسّرين والمحدّثين، ويشير إلى النمط الأوّل من النزول قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء ) (1) ، وقوله تعالى: ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ) (2) ، وقوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) (3) ، وقوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (4) ، وقوله تعالى: ( شَهْرُ رَمَضانُ الَّذي اُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ ) (5) . ومن ثمّ اختلف توقيته، توقيت النزول الجملي للقرآن عن بدء البعثة في رجب، التي هي مبدأ لأوّل ما نزل بنحوٍ نجومي متفرّق فُرقاني، أو الذي هو من النمط الثاني.

ويشير أيضاً إلى النمط الأوّل من النزول جملة من الروايات:

منها: ما رواه العياشي عن إبراهيم، عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (سألته عن قوله تبارك وتعالى: ( شَهْرُ رَمَضانُ الَّذي اُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ ) (6) ، كيف أُنزل فيه القرآن وإنّما أُنزل القرآن في عشرين سنة من أوّله إلى آخره، فقال عليه‌السلام : نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثمّ أُنزل من البيت المعمور في طول عشرين سنة) (7) .

وفي اعتقادات الصدوق، قال في نزول القرآن: اعتقادنا في ذلك أنّ القرآن نزل

____________________

1) سورة الشورى: 52.

2) سورة الشعراء: 193 - 194.

3) سورة الدخان: 3.

4) سورة القدر: 1.

5) سورة البقرة: 185.

6) سورة البقرة: 185.

7) تفسير العيّاشي، ج1، ص80، والكافي، ج2، ص629.

٣٢٨

في شهر رمضان في ليلة القدر جملة واحدة إلى البيت المعمور، ثمّ نزل من البيت المعمور في مدّة عشرين سنة، وأنّ اللَّه تبارك وتعالى أعطى نبيّه العلم جملة واحدة، ثمّ قال له: ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) (1) وقال عزّ وجلّ: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) (2) (3) .

وما ذكره مضمون جملة من الأخبار والروايات، وفي بعض الزيارات تضمّن الخطاب (أيها البيت المعمور) (4) .

وفي تفسير القمّي: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) يعني القرآن، ( فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) وهي ليلة القدر أنزل اللَّه القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة، ثمّ نزل من البيت المعمور على رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في طول عشرين سنة... الحديث (5) . وبنفس هذه الرواية والألفاظ رواها عن الإمام الصادق عليه‌السلام في تفسير سورة القدر.

في دلائل الإمامة للطبري بسنده إلى الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث أنّه قال عليه‌السلام : (ونحن البيت المعمور الذي من دخله كان آمن) (6) .

وروى الصدوق في الأمالي صحيحة حفص، قال، قلت للصادق عليه‌السلام : (أخبرني عن قول اللَّه عزّ وجلّ: ( شَهْرُ رَمَضانُ الَّذي اُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ ) كيف أُنزل القرآن في شهر رمضان وإنّما أُنزل القرأن في مدّة عشرين سنة أوّله وآخره؟ فقال عليه‌السلام : أُنزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثم أُنزل من البيت

____________________

1) سورة طه: 114.

2) سورة القيامة: 16 - 19.

3) الاعتقادات، ص 83.

4) مقدمة تفسير البرهان، مادة المعمور.

5) تفسير القمّي في ذيل سورة الدخان.

6) البحار، ج56، ص197، ودلائل الإمامة للطبري، ص126.

٣٢٩

المعمور في مدّة عشرين سنة)، وروى مثله في كتاب فضائل الأشهر الثلاثة (1) .

وفي دلائل الإمامة للطبري بسنده عن الصادق عليه‌السلام في حديث، قلت: (والبيت المعمور أهو رسول اللَّه؟ قال: نعم، المُمْلي رسول اللَّه والكاتب عليّ) (2) .

وغيرها من الآيات والروايات التي تشير إلى النمط الأوّل من النزول، الذي هو عبارة عن نزول حقيقة القرآن الملكوتية لا المعاني والألفاظ، والتي تقدم أنّها روح القدس، وهي خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل.

الروح النازل في ليلة القدر هو القرآن:

وفي جملة من الروايات المتضمّنة لنزول القرآن في ليلة القدر الظاهر منها أنّ القرآن النازل في ليلة القدر هو الروح الأعظم الذي ينزل في ليلة القدر ويُنزّل به الملائكة.

فقد روي في الكافي والفقيه بإسنادهما، عن حَمران أنّه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن قول اللَّه تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) ؟ قال: (هي ليلة القدر، وهي في كلّ سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، ولم ينزّل القرآن إلاّ في ليلة القدر، قال تعالى: ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) (3) ...) الحديث (4) .

وبإسنادهما عن يعقوب قال: (سمعت رجلاً يسأل أبا عبد اللَّه عليه‌السلام عن ليلة القدر، فقال: أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كلّ عام؟ فقال أبا عبد اللَّه عليه‌السلام : لو رُفعت ليلة القدر لرُفع القرآن) (5) .

وبهذا المضمون جملة مستفيضة من الروايات في ذيل سورة القدر وسورة

____________________

1) البحار، ج94، ص11، والأمالي، ص62.

2) دلائل الإمامة، ص 478.

3) سورة الدخان: 3.

4) الكافي، ج4، ص157، ح 6.

5) الكافي، ج4، ص158.

٣٣٠

الدخان، ومقتضاها: أنّ قوله تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ) عطف بيان أو بدل عن الضمير في قوله تعالى: ( أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، أو أنّ الفعل (تَنَزَّلُ) الملائكة والروح بدل عن فعل (أنزلناه)، والنتيجة متّحدة مع الاحتمال السابق.

ثمّ إنّ تفسير البيت المعمور بقلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما أشارت إليه الروايات السابقة، لا ينافي تفسير البيت المعمور في جملة أُخرى من الروايات بالبيت الضراح المبني في السماء الرابعة التي تطوف به الملائكة كلّ يوم، فإنّه من تعدّد معاني التأويل، وقد أطلق البيت في التعبير القرآني بهذا المعنى، كما في قوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ ) (1) ، فرجال عطف بدل على بيوت.

أمّا النمط الثاني من النزول: وهو النزول التدريجي والنجومي، أي نزول المعاني والألفاظ، فيشير إليه جملة من الآيات والروايات، كما في قوله تعالى: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) (2) ، وقوله تعالى: ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) (3) .

وكذا الآيات التي تشير إلى حدث زماني بخصوصه، نظير قوله تعالى: ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) (4) ، ومثلها: قوله تعالى: ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ) (5) ، وغيرها من الآيات والسور النازلة بحسب أسباب النزول الحادثة حالاً بحال، فضلاً عن تدريجية نزول الآيات والسور كما في أوّل ما نزل من السور، كما في قوله تعالى:

____________________

1) سورة النور: 36 - 37.

2) سورة القيامة: 16 - 19.

3) سورة طه: 114.

4) سورة المجادلة: 1.

5) سورة الجمعة: 11.

٣٣١

( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِْنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ) (1) ، وغيرها من السور النازلة بحسب سنوات البعثة وسنوات الهجرة الذي عُرف بآخر السور نزولاً.

وبعبارة أُخرى: أنّ ظاهر قوله تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (2) ، وقوله تعالى: ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) (3) ، وقوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (4) ، هو نزول القرآن جملة واحدة، أي نزول جملي لحقيقة واحدة غير مفصّل، ثمّ فُصّل تنزيله بحسب موارد نزول السور والآيات المختلفة، ولذلك كان نزول القرآن بنحو مفصّل في بداية البعثة النبويّة الشريفة في آخر شهر رجب بقوله تعالى: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ... ) ، وكذا بقية السور الأوائل نزولاً، وليس المراد من نزوله في ليلة القدر من شهر رمضان هو ابتداء نزوله.

ممّا يشير إلى وجود نمطين من النزول للقرآن الكريم - نزول جملي لحقيقة واحدة، ونزول مفصّل - قال تعالى: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) (5) ، وظاهر مفاد الآية يقتضي أنّ مرحلة جمع مفصّل القرآن وتفصيله غير مرحلة الوحي والقرآن جملة، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله كان عالماً بالقرآن إلاّ أنّه نُهي عن الاستعجال به قبل تنزيل قرآنه ونزول الوحي به، ويشير إلى ذلك قوله تعالى: ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) (6) ، حيث ( يُقْضَى ) إمّا بمعنى يتمّ أو بمعنى يصل، وعلى كلا التقديرين فظاهر الآية دالّ على علمه بالقرآن قبل إنزاله بالوحي

____________________

1) سورة العلق: 1 - 3.

2) سورة البقرة: 185.

3) سورة الدخان: 1.

4) سورة القدر: 1.

5) سورة القيامة: 16 - 19.

6) سورة طه: 114.

٣٣٢

بنحو التفصيل نجوماً، أمّا على كون (يُقْضَى) بمعنى (يصل) فملائمته ظاهرة للمفاد المزبور، وأمّا على كونها بمعنى يتمّ فقيل إنّه بمعنى قراءته للقرآن قبل أن ينتهي جبرئيل من الوحي بتحريك لسانه، ولكنّه خلاف الظاهر؛ حيث إنّه يستلزم الاستخدام في الضمير، ويكون المعنى على هذا التقدير لا تعجل ببعض القرآن من قبل أن يتمّ إليك وحي الباقي منه.

وحمل الكلام على الاستخدام يتوقّف على القرينة الخاصّة، بخلاف الحال ما لو جعلنا مرجع الضمير متّحد بلا استخدام، فإنّ تقدير المعنى يكون حينئذٍ: لا تعجل بالقرآن من قبل أن يُقضى إليك وحيه مرّة أُخرى، أي وحي الإنزال والتنزيل من النمط الثاني وهو نزول القرآن تفصيلاً ونجوماً، فيدلّ على علمه صلى‌الله‌عليه‌وآله به من قبل أن يتمّ الوحي من النمط الثاني.

وممّا يدلّ على تعدّد نزول القرآن أيضاً قوله تعالى: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (1) ، فإنّ المطهّرون وهم النبيّ وأهل بيته عليهم‌السلام عالمون بالكتاب المكنون بمسّ وصول يختلف عن تنزيل القرآن المفصّل، فالكتاب المكنون قد تقدّم أنّه الوجود المجموعي للقرآن بنحو الإحكام والوجود الجملي، وهو الحقيقة الواحدة وهي الروح الأمري الذي يتجدّد نزوله في كلّ ليلة قدر في كلّ عام، وتتنزّل الملائكة به وهو روح أعظم من جبرئيل وميكائيل.

وممّا يشير إلى اختلاف النزولين أيضاً قوله تعالى: ( كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) (2) ، وقد ثبت في تفسير الآية بحسب نزولها المكّي وبحسب وحدة سياق السورة مع الآيات السابقة عليها وبحسب توسّم

____________________

1) سورة الواقعة 80 - 77: 56.

2) سورة الرعد 43: 13.

٣٣٣

قريش في‏بني هاشم جملة من الصفات والحالات غير المعتادة لدى قدرات البشر وبحسب نصوص الفريقين وبحسب النصوص الواردة في ذيلها، أنّ المراد بمن عنده علم الكتاب هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام .

والآية مع كونها مكّية - ولمّا يَستتم نزول القرآن التفصيلي المكّي فضلاً عن المدني - تدلّ على علم الوصيّ فضلاً عن علم النبيّ بالكتاب كلّه؛ إذ هذا التعبير يفترق عن قوله تعالى: ( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ) (1) ، بأنّ التعبير الأوّل يدلّ على العلم المحيط بكلّ الكتاب، فالآية ظاهرة بوضوح في حصول العلم بجملة الكتاب لدى المطهّرين، وهم النبيّ ووصيه عليهم‌السلام منذ البداية، وذلك بتوسّط نزول حقيقة القرآن جملة في الوحي من النمط الأوّل.

وممّا يدلّ على ذلك قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (2) ، فتدلّ الآية على درايته صلى‌الله‌عليه‌وآله بالكتاب كلّه، مع أنّ سورة الشورى مكّية.

وكذا، قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ ) (3) ، وقوله تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ) (4) ، وجملة من الآيات التي تضمّنت إنزال الكتاب عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بناءً على ظهور (أل) في الاستغراق أو الجنسية، لجملة الحقيقة بجملة الآيات السابقة الدالّة على علمه صلى‌الله‌عليه‌وآله بجملة الكتاب المبين والمكنون وأُمّ الكتاب واللوح المحفوظ، وكذلك الأئمّة من أهل بيته تلقّوا ذلك عنه، إلاّ أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان مأموراً باتّباع ما ينزل عليه من الوحي التفصيلي والتنزيل النجومي فيتّبع قرآنه.

____________________

1) سورة النمل 40: 27.

2) سورة الشورى 52: 42.

3) سورة النساء 105: 4.

4) سورة المائدة 48: 5.

٣٣٤

وأمّا اشتمال القرآن الكريم على قوله تعالى: ( الآنَ خَفَّفَ الله عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ) (1) ، وقوله تعالى: ( عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ) (2) ، وقوله تعالى: ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ) (3) ، وغيره كثير ممّا يشير إلى تدريجية نزول القرآن حسب سلسلة أحداث زمانية ومكانية طوال البعثة والرسالة الشريفة، فلا يتنافى مع نزول الكتاب جملةً على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل ذلك.

اختلاف صفات القرآن في النزولَين:

لأنّ الكتاب بعد تنزيله بالنمط التدريجي تطرأ عليه أوصاف أُخرى أشار إليها القرآن الكريم، كقوله تعالى: ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (4) ، وقوله تعالى: ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) (5) ، وقوله تعالى: ( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ ) (6) ، وقوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) (7) ، وقوله تعالى: ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) (8) ، وغيرها من الآيات التي تشير إلى اتّصاف القرآن بأوصاف طرأت عليه عند نزوله، كالتفصيل، والعربية، وكونه تصديق الذي بين يديه، وتشابه بعض آياته، والناسخ والمنسوخ، والظاهر والباطن، والتنزيل والتأويل، والجمع والتفريق، وغيرها من الأوصاف الطارئة، فإنّها أوصاف له بعد نزوله نجوماً.

____________________

1) سورة الأنفال: 66.

2) سورة التوبة: 43.

3) سورة المجادلة: 1.

4) سورة الزخرف: 3.

5) سورة هود: 1.

6) سورة يونس: 37.

7) سورة آل عمران: 7.

8) سورة البقرة: 106.

٣٣٥

وليست أوصافاً له بحسب موقعه في الكتاب المكنون واللوح المحفوظ والكتاب المبين، وكذلك الحال بالنسبة إلى صورة الألفاظ وما يتبع ذلك من أوصاف، وهي: العربية، والخطابية، والإنشاء، والإخبار، والبلاغة، والفصاحة، وغيرها، فهذه ليست أوصافاً له بحسب موقعه المكنون باللوح المحفوظ، وأنّما هي حادثة له بعد النزول، أمّا جملة معارفه وحقائقه وأحكامه فلا يطرأ عليها مثل تلك الأوصاف.

وبكلمة جامعة: إنّ القرآن بمجموع وجوداته اللفظية وتراكيب جمله، والمعاني ‏المدلول عليها في الظهور الأوّلي في ظاهر الكتاب، هي من نزول القرآن من النمط الثاني؛ إذ النمط الأوّل - كما تقدّم - هو من سنخ الحقائق التكوينية والوجودات العينية، وإن لم ينحصر النمط الأوّل بذلك بل يشمل ما يكون من سنخ معاني التأويل.

النمط الثالث للنزول:

وقد تُعدّ درجات بطون القرآن ومعانيه التأويلية من سنخ ونمط تنزّل ثالث سيأتي بسط الحديث عنه في مقالات لاحقة.

هذا مضافاً إلى متواتر الروايات المتضمّنة للإشارة إلى موارد النزول وتأليف آيات وسور القرآن بوجوده اللفظي. ثمّ إنّ المعاني المتنزّلة من حقيقة القرآن الكلّية وحقائقه الجملية ليست محيطة بها؛ فإنّ المعاني والمفاهيم مهما كانت في السعة والشمول ليست إلاّ لَمَعَات يسيرة من أنواع تلك الحقائق، هذا فضلاً عن الألفاظ المشيرة إلى تلك المعاني التي هي تنزّل لفظي لها؛ فإنّ الألفاظ ليست إلاّ علامات ودوالّ إشارية على مجمل بحور المعاني، وليست بتلك التي تحيط بها، والنسبة بين الألفاظ والمعاني كالنسبة بين المعاني والحقائق.

٣٣٦

فالألفاظ مفتاح وأبواب للمعاني، والمعاني لا تتناهى درجاتها وبطونها، وهي بوابات لشعب الحقائق من دون أن تُكتَنَه المعاني؛ فما يحمله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حقائق، وحقيقة القرآن، لا يمكن أن تسعه المعاني، كما أنّ المعاني التي تنزّلت من تلك الحقائق لا يمكن أن تسعها الألفاظ.

حقيقة وراثة الأوصياء للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ومن ثمّ ورد أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكلّم أحداً بكنه عقله قطّ، وكذلك الحال فيما تحمّله الوصيّ عليه‌السلام ووُلده الأوصياء عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عُمْدَتُه ليس من الألفاظ والمعاني من قبيل: الحديث والرواية، بل عمدة ما تحمّله عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو حقيقة القرآن التي هي الروح الأعظم، وهو أعظم أنماط التحمّل؛ لأنّه اكتناه حضوري للحقائق لا يغيب عنه شي‏ء منها، بخلاف تحمّل المعاني فضلاً عن تحمّل الألفاظ.

ففرق بين الوصاية والفَقَاهة والرواية، حيث دلّت سورة القدر ونحوها من السور على بقاء تنزّل ذلك الروح كلّ عام على من يشاء من عباده، قال تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) (1) ، وقال تعالى: ( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (2) ، وقال تعالى: ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (3) ، فكما أنّ تنزّل الروح الأعظم في ليلة القدر دائم دائب في كلّ سنة بالضرورة، فكذلك ليلة القدر تعني وراثة وليّ اللَّه تعالى لمقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في تنزّل الروح عليه.

____________________

1) سورة القدر: 1 - 5.

2) سورة النحل: 2.

3) سورة غافر: 15.

٣٣٧

وقد تقدم في هذه المقالة أنّ ذلك الروح هو حقيقة القرآن، وأنّه عطف بيان وبدل على الضمير في (أنزلناه) ولو من باب بدل الجملة من جملة، ومن ثمّ قال تعالى: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ ) (1) ، والمطهّرون بصيغة الجمع، وهم أهل آية التطهير، حيث قال تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً ) (2) .

وتقدّم أنّ الكتاب المكنون ليس لوحاً ونقش صور الألفاظ، بل هو الروح (الذي هو حقيقة القرآن التكوينية)، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ) (3) ، فالروح الأمري هو الكتاب، والذي يمسّ الكتاب هو الذي يتلقّى تنزّل الروح الأمري كلّ عام في ليلة القدر، والمطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون هم الأئمّة عليهم‌السلام الذين يتوارثون الكتاب وهو الروح الأمري، حيث قال تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (4) ، فالهداية الأمرية هي بالروح الأمري.

وكذلك في قوله تعالى: ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (5) ، والذين اصطفاهم وأصفاههم أهل آية التطهير، فهذه الآيات تتشاهد لبعضها البعض؛ لتدلّ على أنّ الأئمّة المطهّرون المصفّون الذين يمسّون الكتاب ويرثوه يتلقّون حقيقة الكتاب، وهو الروح الأمري والذي يتنزّل في ليلة القدر في كلّ عام على من يشاء اللَّه من عباده، وقد ذُكر عنوان ورثة الكتاب والذين يمسّونه بصيغة

____________________

1) سورة الواقعة: 77 - 80.

2) سورة الأحزاب: 33.

3) سورة الشورى: 52.

4) سورة الأنبياء: 73.

5) سورة فاطر: 32.

٣٣٨

الجمع؛ للتدليل على أنّهم مجموعة ممتدّة طوال عمر هذا الدين وما بقي القرآن.

قراءة جديدة في حديث الثقلين وأنّ الأئمّة عليهم‌السلام هم الثقل الأكبر:

ولكي نبرهن على ذلك لابدّ من توضيح جملة من الأُمور:

الأوّل: إنّهم عين حقيقة القرآن، وهذا معنى عدم افتراق القرآن عن العِترة، أي عدم افتراق حقيقة القرآن التكوينية - وهو الكتاب المكنون وهو الروح الأعظم - عن ذوات العترة المطهّرة، بل هو أحد أرواحهم الذي يسدّدهم.

قراءة جديدة في آية ( وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ) :

وهذا معنى تنزيل نفس عليّ عليه‌السلام منزلة نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله تعالى: ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ) (1) ، كيف لا؟! والروح الأمري - الذي هو الروح الأعظم والذي هو حقيقة القرآن وهو الكتاب المبين الذي نُزّل على قلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأُوحي إليه - قد ورثه الوصيّ ويتنزّل عليه وعلى ذرّيته الأوصياء عليهم‌السلام .

وفي صحيح أبي بصير قال: (سألت أبا عبد اللَّه عليه‌السلام عن قول اللَّه تبارك وتعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ ) (2) ؟ قال: خَلْق من خَلْق اللَّه عزّ وجلّ أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يخبره ويسدّده، وهو مع الأئمّة من بعده) (3) .

وفي صحيحه الآخر قال: (سألت أبا عبد اللَّه عليه‌السلام عن قول اللَّه عزّ وجلّ: ( وَيَسْأَلُونَكَ

____________________

1) سورة آل عمران: 61.

2) سورة الشورى: 52.

3) الكافي، ج1، ص273، ح1.

٣٣٩

عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) (1) ؟ قال: خَلْق أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو مع الأئمّة، وهو من الملكوت) (2) .

وفي صحيح ثالث لأبي بصير - بعد وَصْفه للروح بما تقدّم -: (لم يكن مع أحد ممّن مضى غير محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو مع الأئمّة يسدّدهم) (3) .

وفي موثّق علي بن أسباط، عن أبيه أسباط بن سالم، زيادة قوله عليه‌السلام : (منذ أنزل اللَّه عزّ وجلّ ذلك الروح على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ما صعد إلى السماء، وإنّه لفينا) (4) .

وفي رواية أبي حمزة، قال: (سألت أبا عبد اللَّه عليه‌السلام عن العلم، أهو علم يتعلّمه العالم من أفواه الرجال، أم في الكتاب عندكم تقرؤونه فتعلمون منه؟ قال: الأمر أعظم من ذلك ٍ وأوجب، أما سمعت قول اللَّه عزّ وجلّ: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ... ) (5) ..) الحديث (6) . وهذا المعنى الذي يشير إليه عليه‌السلام هو ما تقدّم ذكره من أنّ الأوصياء في تحمّلهم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس هو تحمّل رواية ألفاظ، ولا مجرّد فهم معاني، بل حقيقة تحمّلهم وعمدته هو تحمّل حقيقة القرآن التي هي روح القدس.

فعمدة ما يتلقّونه بقلوبهم وأرواحهم عليهم‌السلام هو عن قلب وروح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليس العمدة هو عن مجرّد لسانه الشريف وآذانهم الطاهرة، ولا عمدته من كتب يقرؤونها كالجامعة ونحوها، فهم بدورهم فيما يبلغونه من ألفاظ مؤدّية إلى طبقات المعاني الموصلة إلى بعض الحقائق التي تلقّوها.

____________________

1) سورة الإسراء: 85.

2) الكافي، ج1، ص273، ح3.

3) الكافي، ج1، ص273، ح 4.

4) الكافي، ج1، ص273، ح2.

5) سورة الشورى 52.

6) الكافي، ج1، ص273، ح5.

٣٤٠