الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية0%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الإمامة الإلهية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الصفحات: 592
المشاهدات: 133680
تحميل: 7973


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133680 / تحميل: 7973
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قراءة جديدة في حفظ وبقاء الذكر والقرآن المنزّل:

فمن ثمّ يكون دورهم متمّم ومكمّل لدور النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في هداية البشرية، وإلى ذلك يشير قوله تعالى في آية الغدير: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) (1) ، لبيان خطورة وشدّة دورهم عليهم‌السلام المتمّم لدور النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في تبليغ الرسالة، وأنّه الأمر الذي يجب أن يُبلّغ لامتداد الرسالة وبقاء القرآن، أي بقاء حقيقيته النازلة والمتنزّلة منها درجات في كلّ عام في ليلة القدر لإبقاء المصحف المنقوش بالخط.

وإلاّ لو كان دورهم هو مجرّد النقل السماعي اللفظي عن الرسول كقناة لإيصال الألفاظ والصوت لما كان لسان الآية بهذا اللحن الشديد والخطب البليغ، كما أنّ تعليق وتبليغ الرسالة برمّتها على شخص يخلف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أمير المؤمنين عليه‌السلام لابدّ أن يكون في تحمّله عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله خصوصية لا يشترك معه فيها أحد؛ وإلاّ لشاركه آخرون في القيام بذلك الدور ولَمّا انحصر تبليغ الرسالة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله به.

وليست هذه الخصوصية وليدة عن كثرة سماع الوصي لكميّة كثيرة من الأحاديث، أو لقوّة حافظة عليّ عليه‌السلام لِما يسمعه من الحديث على النمط المألوف، ولا لمجرّد أكثرية ملازمته؛ وإلاّ لشاركه الآخرون في ذلك ولو بدرجة نازلة.

وإنّ تفسير خصوصية عليّ والعِترة الطاهرة بمجرّد هذه المزايا لا يحسم جَدَلِية السؤال عن وجه تخصيص الدور بهم، دون بقية الصحابة، والتابعين، وسائر فقهاء وعلماء الأُمّة، بل لكانت هذه المزايا نظير الترجيح بين الفقهاء في مسند الفتيا والقضاء وليست عملية اصطفاء إلهي، بل لما كان في تقديم المفضول على الفاضل ذلك القبح الشديد المستنكر، بل للزم احتياج العِترة إلى مشاركة الصحابة والتابعين معهم في

____________________

1) سورة المائدة: 67.

٣٤١

القيام بهذا الدور.

بل خصوصية الاصطفاء الإلهي لهم دون غيرهم هو لحملهم حقيقة القرآن التي هي الروح الأمري، والتي قد تقدّم بيان صفاتها في الآيات والسور والروايات التي تقدّمت، وتبين أنّ لديهم عليهم‌السلام علم حقيقة القرآن كلّه، فضلاً عن درجات معانيه غير المتناهية وألفاظه، وهذا التراث والوراثة التكوينية لا يشاركهم فيها غيرهم بأدنى مشاركة، وهذا معنى انحصار باب مدينة علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعليّ عليه‌السلام ، بل ليس لغيرهم مهما بلغت درجته من العلم سوى الوقوف على حدود المعاني الظاهرة وبعض درجاتها التي توصّل إليها بواسطة الألفاظ.

وحيث إنّ الحاجة وبقاء الرسالة قائم بحقيقة القرآن لا بسطحية المعاني المنزّلة من تلك الحقيقة، ولأجل ذلك كان مقدار ما تنزّل من القرآن من المعاني الظاهرة والألفاظ لا يسدّ الحاجة لهداية البشرية إلاّ بضميمة التأويل، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (1) ، فالتأويل باب مفتوح... درجات وطبقات المعاني المتنزّلة من الحقائق.

الوجودات الأربعة للقرآن:

ولتوضيح أقسام وجود القرآن ينبغي الالتفات إلى التقسيم الذي ذُكر في علم المنطق من أنّ لكلّ شي‏ء أربعة وجودات:

الأوّل: الوجود الكتبي للشي‏ء ، وهو نقش اسم الشي‏ء على الورق، أو نقش رسم

____________________

1) سورة آل عمران: 7.

٣٤٢

صورته - فيما لو كان جسمانياً - كلفظ زيد أو صورته، ويُسمّى الوجود الكتبي لزيد ونقش اسمه.

الثاني: الوجود الصوتي لاسم زيد أو صوته، ويُسمّى بالوجود اللفظي الصوتي لزيد.

وهذان الوجودان يقال عنهما: الوجودان التنزيليان لزيد أو الوضعيان، أي أنّهما قُرِّرا وجودين لزيد أو للشي‏ء بحكم الاعتبار الأدبي، فلولا تباني البشر وأهل اللسان عن التعبير عن معنى زيد أو عن وجوده بذلك اللفظ أو بذلك الرسم والنقش من الكتابة، لَمَا كان لهما دلالة على معنى زيد أو وجوده، ولَمَا كان له صلة بحقيقة زيد ولا بمعناه، ومن ثمّ يعبّر عنهما وجودان تنزيليان لزيد، فلفظ زيد الصوتي تنزيل لحقيقة زيد، وكذلك نقش كتابة لفظ زيد تنزيل لحقيقة زيد.

الثالث: معنى زيد في الذهن والصورة التي له في الذهن، أي التي تنتقش تكويناً في ذهن الإنسان وفكره، ويُقال عنه الوجود المعنوي لزيد، وهذا الوجود تكويني وليس من قبيل الأوّلَين، أي: ليس وجوداً تنزيلاً اعتبارياً، بل هو وجود تكويني لزيد، ولكن لا لحقيقة وجوده بل لحقيقة معناه.

وقد يُطلق عليه تنزيل تكويني لا اعتباري لحقيقة وجود زيد، فهو ليس عين حقيقة الوجود ولكنّه عين حقيقة المعنى، وبين ذات معنى زيد وذات وجوده فرق فارق، بل إنّ لمعنى زيد مراتب:

منها: صورة بدنه في الذهن.

ومنها: معنى روحه ونفسه وعقله، أو ماهيته وذاته العقلية.

الرابع: حقيقة وجود زيد وهو وجوده العيني الخارجي، وهو وجود تكويني لزيد، كما أنّه الأصل في أقسام وجودات زيد، فليس هو وجود تنزيلي اعتباري أدبي كالأوّلَين، ولا وجود تكويني كالقسم الثالث، بل هو حقيقة وعين وجود زيد وهذا القسم بدوره أيضاً يشتمل على مراتب، منها: الوجود البدني لزيد، ووجود

٣٤٣

نفسه وروحه.

فتبيّن أنّ الوجود التكويني هو القسمان الأخيران، وكلّ منهما ذو مراتب، وهذا التقسيم يعمّ جميع الأشياء؛ فإنّ لكلّ شي‏ء من الأشياء وجود لفظي صوتي وكتبي نقشي، ووجودان تكوينان، وهو وجود معانيها في الذهن ووجود عيني خارجي.

فإذا تبيّن ذلك يتبيّن أنّ للقرآن الكريم هذه الوجودات الأربعة، فالتنزيل الذي في المصحف هو وجود كتبي ونقش للوجود اللفظي للقرآن، كما أنّ صوت قراءة القرآن هو وجود لفظي صوتي للقرآن.

ولكلّ من هذين الوجودين أحكام، فإنّه يُحرم لمس خطّ كتابته من دون طهارة، كما أنّ وجود المصحف الشريف المقدّس حرز وأمان، كما أنّه يُستحبّ النظر إليه، والقراءة منه أفضل وأكثر فضيلة من القراءة عن ظهر قلب، كما أنّ قراءة القرآن - وهو الوجود الصوتي - يدخل النور في البيت، ويطرد الشياطين، ويُكثر البركة والرزق، ويُستحب تحسين الصوت وتجويده، كما يُستحب قراءته بخشوع وحزن.

وأمّا معاني القرآن فهو الوجود الذهني للقرآن ومعانيه، وهو مصدر الهداية والبصيرة.

ومن أحكامه: لزوم التدبّر، كما قال تعالى: ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (1) ، فالتدبّر سرح للنظر في المعاني والسير في مدارجها بالتفكّر، قال تعالى: ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) (2) . فلا يقتصر وجود القرآن على النقش الكتبي ولا على حركة ولقلقة اللسان وبديع التجويد وتحسين الصوت، بل كلّ ذلك إلى غاية أهمّ وهو وجود القرآن في أُفق المعنى، والاستضاءة بنور هدايته

____________________

1) سورة محمد: 24.

2) سورة القمر: 17.

٣٤٤

من خلال وجوده في أُفق المعنى ورحاب بصيرة تلك المعاني، ومنه تحصل معرفة الدين والشريعة والشرائع. وينقسم إلى: معنى ظاهري، ومعنى تأويلي، وإلى العلوم جمّة، علوم الحكمة والآداب والأخلاق، وأسرار الفقه والقانون، وحقائق التكوين والمعارف، وعلوم التربية الإنسانية، وبالجملة العلوم العقلية والظواهر الطبيعية، وغيرها من منظومات العلوم.

حقيقة القرآن ووجوده:

والوجود الرابع للقرآن العيني الخارجي هو الذي يشير إليه قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (1) ، فربط تعالى بين إنزال الروح الأمري وإحيائها وإرسالها، ومعرفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالكتاب كلّه، وقد عبّر عن ذلك بالإيحاء وهو الإرسال الخفي، وتشير الآية إلى معرفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بجملة الكتاب دفعةً.

ونفس هذا الترابط بين الروح الأمري وبين نزول جملة الكتاب نجده في سورة القدر، حيث قال تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ... ) (2) ، نلاحظ أنّ نزول القرآن والروح الأمري مترابطان.

وكذلك في سورة الدّخان، قوله تعالى: ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) (3) ، والضمير عائد على الكتاب

____________________

1) سورة الشورى: 52.

2) سورة القدر: 1ـ 4.

3) سورة الدخان: 1 - 5.

٣٤٥

المبين جملة وإرسال الروح الأمري.

فيستخلص من جملة هذه الآيات: أنّ نزول القرآن جملة هو نزول حقيقته، وهو الروح الأمري، وهذا هو حقيقة الفرق بين تنزيل القرآن نُجوماً الذي هو الوجود اللفظي للقرآن، وبين نزوله دفعة.

٣٤٦

الأمر الثاني

إنّ للقرآن درجات ومدارج

هناك حقيقة ثابتة مسلّمة بين المسلمين، وهي حقيقة قرآنية من كون القرآن المنزّل ذا تأويل، كما قال تعالى: ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (1) ، فللقرآن تأويل وبطون، وقال تعالى: ( هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ ) (2) ، وقال تعالى: ( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ) (3) ، فالتأويل والبطون سوى ظاهره المنزّل، بل وتلك البطون التي لا تنفذ من بحور حقائق القرآن تترقّى وتتّصل بأصل حقيقة القرآن الغيبية التي يُطلق عليها: الكتاب المكنون، والكتاب المبين، أو اللوح المحفوظ، أو أُمّ الكتاب.

وعلى ضوء ذلك، فليست الشريعة والدين تقتصران وتنحصران في الظاهر المنزّل، بل هما يشملان تلك البطون، فلا ينحصر تبليغ وأداء الشريعة بأداء الظاهر المنزّل وإبلاغ آيات التنزيل، بل يعمّ تلك البواطن.

ولم يقف على تلك البواطن وأُمّ الكتاب إلاّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعِترته الذين ورثوه بوراثة الاصطفاء، فسنخ ونمط تحمّل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتبليغه، وتحمّل أهل بيته عليهم‌السلام عنه وتبليغهم، ليس سنخُ نمطِ تحمّلِ وتبليغ الرواة للأخبار الحسّية المسموعة لفظاً، التي

____________________

1) سورة آل عمران: 7.

2) سورة الأعراف: 53.

3) سورة يونس: 39.

٣٤٧

تحمّلوها ليؤدّوها إلى غيرهم، كي يكون الحال في هذا التبليغ (رُبّ حامل لا يفقه ما حُمّل، أو رُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه) ، لأن ما تحمّله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن اللَّه تعالى وتحمّله أهل بيته عليهم‌السلام عنه هو تحمّل للحقائق المهيمنة والمحيطة بالمعاني.

حقيقة تبليغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته:

المنزّلة في آفاق درجات المعاني الباطنة والظاهرة والألفاظ المقروءة.

فمن ثمّ سُمّي هذا التبليغ والإبلاغ (إنزالاً) و (تنزيلاً) ، بينما سُمّي تبليغ الرواة إلى غيرهم (نقلاً) وإيصالاً في خطّ أُفقي، ونقلاً للحديث الملفوظ وإسماع الكلام المسموع (ورواية) للخبر المعلوم بالحواسّ الظاهرة، فالذي تحمّلوه هو ألفاظ مسموعة وطبقة من المعاني‏ الظاهرة لأفهامهم من وراء حجاب اللفظ، فهذا النمط والنوع من التحمّل والتبليغ يتحرّك في سير أُفقي، ومن ثمّ قد يصعد المنقول إليه ويتصاعد إلى بعض درجات المعاني وغورها، على عكس الناقل الذي ربّما يكون واقفاً على الألفاظ والدرجة الأُولى لمعانيها، فيكون المنقول والمحمول إليه الخبر أكثر إحاطةً من الناقل والحامل.

وهذا لا يُتصوّر في التحمّل الوحياني والتبليغ النبويّ، وتحمّل الإمام عن النبيّ وتبليغه لا يكون إلاّ عن إحاطة بالحقائق الوجودية، فضلاً عن الإحاطة بكل آفاق المعاني التي هي صور منعكسة متنزّلة عن تلك الحقائق، وأشعةٌ ولمعات يسيره من وهج نور الحقيقة، كيف لا؟! وتلك الحقائق لا يشذّ عنها رطْب ولا يابس ولا غائبة في السماوات والأرض، ولا ما كان ولا ما يكون وكلّ شي‏ء مستطرّ، وتحيط بكلّ هدى ونور، وكلّ فلاح وصلاح، وكل سعادة ونجاح، وتبيان لكلّ شي‏ء.

ففيما يبلّغه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام لا تقف الرعية - بما فيها من الفقهاء والعلماء والحكماء والعارفين - إلاّ على الألفاظ المتنزّلة والمعاني الظاهرة، وقد

٣٤٨

يترقّى الحال في بعضهم للوصول إلى بعض درجات المعاني أو لمح بعض لمعان أنوار الحقائق، من دون التحقّق بعينية تلك الحقائق فضلاً عن اكتناهها، ولا الإحاطة بجميع مدارج المعاني.

من ثمّ تدوم وتظلّ حاجة الرعية والبشرية قائمة ومستمرّة إلى تواصل بيانات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام وهدايتهم وتبليغهم، ويشير إلى ذلك قوله تعالى: ( مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (1) ، وقوله تعالى: ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (2) .

وكذلك يشير قول الإمام الصادق عليه‌السلام في رواية إسحاق بن عمار، قال:

(إنّما مثل عليّ عليه‌السلام ومثلنا من بعده من هذه الأُمّة كمثل موسى عليه‌السلام والعالم حين لقيه واستنطقه وسأله الصُحبة، فكان من أمرهما ما اقتصّه اللَّه لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه، وذلك أنّ اللَّه قال لموسى: ( إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) (3) ، ثمّ قال: ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ ) (4) .

وقد كان عند العالم علم لم يكتب لموسى في الألواح، وكان موسى يظنّ أنّ جميع الأشياء التي يحتاج إليها في تابوته وجميع العلم قد كتب له في الألواح، كما يظنّ هؤلاء الذين يدّعون أنّهم فقهاء وعلماء وأنّهم قد أثبتوا جميع العلم والفقه في الدين، ممّا تحتاج هذه الأُمّة إليه، وصحّ لهم عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلموه وحفظوه. وليس كلّ علم رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله علموه ولا صار إليهم عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا عرفوه؛ وذلك أنّ الشي‏ء من الحلال والحرام والأحكام يرد عليهم فيُسألون عنه، ولا يكون عندهم فيه أثر عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ويستحون أن ينسبهم الناس إلى الجهل

____________________

1) سورة آل عمران: 7.

2) سورة العنكبوت 49.

3) سورة الأعراف 144: 7.

4) سورة الأعراف 145: 7.

٣٤٩

ويكرهون أن يُسألوا فلا يجيبوا، فيطلب الناس العلم من معدنه، فلذلك استعملوا الرأي والقياس في دين اللَّه، وتركوا الآثار ودانوا اللَّه بالبدع، وقد قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : كلّ بدعة ضلالة. فلو أنّهم إذا سُئلوا عن شي‏ء من دين اللَّه فلم يكن عندهم منه أثر عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ردّوه إلى اللَّه وإلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم من آل محمّد، والذي منعهم منّا العداوة والحسد لنا.

لا واللَّه، ما حَسَد موسى عليه‌السلام العالِم، وموسى نبيّ اللَّه، يُوحي اللَّه إليه حيث لقيه واستنطقه وعرّفه بالعلم، ولم يحسده كما حسدتنا هذه الأُمّة بعد رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله على علمنا وما ورثنا عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يرغبوا إلينا في علمنا كما رغب موسى عليه‌السلام إلى العالِم وسأله الصحبة ليتعلّم منه ويرشده. فلمّا أن سأل العالِم ذلك علَم العالِمُ أنّ موسى عليه‌السلام لا يستطيع صحبته ولا يحتمل علمه ولا يصير معه، فعند ذلك قال العالم: ( وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ) (1) ، فقال موسى عليه‌السلام له - وهو خاضع له يستعطفه على نفسه كي يقبله -:

( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) (2) ، وقد كان العالم يعلم أنّ موسى عليه‌السلام لايصبر على علمه، فكذلك واللَّه - يا إسحاق بن عمار - حال قضاة هؤلاء وفقهائهم وجماعتهم اليوم، لايحتملون واللَّه علمنا ولا يقبلونه، ولا يطيقونه ولا يأخذون به ولا يصبرون عليه، كما لم يصبر موسى عليه‌السلام على علم العالِم حين صحبه ورأى ما رأى من علمه، وكان ذلك عند موسى عليه‌السلام مكروهاً وكان عند اللَّه رضاً وهو الحقّ، وكذلك عِلْمنا عند الجهلة مكروه لا يؤخذ وهو عند اللَّه الحق) (3) .

فإذا التفتّ بنحو الإجمال إلى سنخ تحمّل وتبليغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن اللَّه تعالى

____________________

1) سورة الكهف: 68.

2) سورة الكهف: 69.

3) العياشي، ج2، ص330، ح 46، والبرهان، ج3، ص651، في ذيل سورة الكهف، آية 18.

٣٥٠

وتحمّل وتبليغ أهل بيته عليهم‌السلام عنه، يجدر بالمقام الالتفات إلى كون القرآن ذا حقيقة عينية غيبية، والتي هي: الكتاب المبين، وأُمّ الكتاب، واللوح المحفوظ، والكتاب المكنون . كما في قوله تعالى: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إلاّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (1) ، حيث يشير إلى وجود كينونة للقرآن علوية تُدعى بالكتاب المكنون، أي المحفوظة من أن يصل إليها إلاّ المطهرون من الذنوب والرجس، وأنّ ما بين الدفّتين من القرآن تنزيل ونزول من ذلك المقام العلوي له.

ومثل هذه الإشارة نجدها في قوله تعالى: ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) (2) ، فوصف القرآن بالمجد والعظمة لكينونته العلوية، أي أنّ المجد والعظمة وصْف لذلك الوجود، ولا يغرق الباري تعالى في وصْف موجود بالعظمة إلاّ لخطورة موقعيته في عالم الأمر والخِلقة، وتلك الكينونة هي المسمّاة باللوح المحفوظ، والوصف بلفظ المحفوظ مع لفظ المكنون مترادف.

وكذلك نجد الإشارة نفسها في قوله تعالى: ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (3) ، فوصف القرآن بأنّ له كينونة في أُمّ الكتاب وهي وجود علوي لدني عنديَّ لدى الباري تعالى، وهذا الوجود موصوف بالعلوّ والإحكام في قِبال التفصيل الذي طرأ على القرآن حين النزول، كما يشير إليه قوله تعالى: ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (4) .

وكذلك قوله تعالى: ( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ

____________________

1) سورة الواقعة: 77 - 81.

2) سورة البروج: 25.

3) سورة الزخرف: 4.

4) سورة الأعراف: 52.

٣٥١

خَبِيرٍ ) (1) ، وكذلك قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (2) ، فالقرآن النازل تفصيل ونجوم للكتاب العلوي، ويشير إلى الوجود العلوي للقرآن قوله تعالى: ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ) (3) ، أي أنّ القرآن متنزّل من الكتاب المبين، وقد وصِفَ الكتاب المبين بعدّة أوصاف:

منها: قوله تعالى: ( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (4) ، وقال تعالى: ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلاّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (5) .

وقوله تعالى: ( ... وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (6) ، وقوله تعالى: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إلاّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (7) .

ثمّ إنّ هناك تعدّداً أيضاً بين مقام وموقع القرآن الكريم بحسب الكتاب المبين واللوح المحفوظ وأُمّ الكتاب، وبين إنزاله جملةً واحدة، وبين تنزيله مفصّلاً مفرّقاً بحسب الزمان، فهناك ثلاثة مقامات ومواقع ومراحل رئيسية للقرآن الكريم لا يسع المقام الخوض في تفصيلها، إلاّ أنّ المحصَّل ممّا مرّ أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عالم بالكتاب المبين واللوح المحفوظ.

وكذلك أهل بيته المطهّرون، كما أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أُنزل إليه القرآن جملة وهي

____________________

1) سورة هود: 1.

2) سورة يونس: 37.

3) سورة الدخان: 3.

4) سورة النمل: 75.

5) سورة الأنعام: 59.

6) سورة يونس: 61.

7) سورة هود: 6.

٣٥٢

المرحلة الثانية، كما تنزل عليه القرآن نجوماً مفصلاً أو تفصيلاً وهي المرحلة الثالثة، كما تبين أنّ حقائق القرآن العينية موجودة بوجود علوي، وأنّ المعاني وطبقاتها متنزّلة من تلك الحقائق معاكسة وحاكية لها، وأنّ ألفاظ التنزيل ثوبٌ وصورة.

قراءة في معنى إكمال الدين بعليّ:

للمعاني المتنزّلة ودرجاتها إلى درجة المعنى الظاهر.

فالكتاب لا يقتصر على التنزيل والظاهر، بل له بطون لا تُحصى من المعاني، ولبطونه بطون هي حقائق مهيمنة، وأنّه لا يحيط بكلّ ذلك إلاّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بما أوحاه اللَّه إليه، ومن بعده أهل بيته عليهم‌السلام عنه، وبالتالي، لا يمكن الاقتصار على التنزيل والظهور في الوصول إلى معرفة الدين القويم ونيل الهداية الإلهية من دون وجود الشخص المبيّن لتلك البطون والكاشف عن حقائق التنزيل؛ لِحاجة البشرية إلى الكتاب كلّه، ولكلّ درجاته، على نحو التدريج بحسب مرّ الزمان والعصور.

فمن ثمّ اتّفقت - الإمامية أتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام - على أنّ الدين لم يكمل بالتنزيل إلاّ بعد أن نصّبَ اللَّهُ عليّاً إماماً وهادياً لدينه وكتابه من بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما ينادي بذلك قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلامَ دِينًا ) (1) ، فإكمال الدين وإتمام النعمة لم يحصل بمجرّد التنزيل، بل بنصب قيّم بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مبيناً لبطون القرآن وحقائقه، ومن بعد عليّ أولاده المعصومين، وفي هذا الزمان وَلده الحجّة الإمام المنتظر (سلام اللَّه عليه).

وقد روى الكُليني بسنده إلى الحسن بن العباسي بن الحريش عن أبي جعفر

____________________

1) سورة المائدة: 3.

٣٥٣

الثاني عليه‌السلام قال: (قال أبو عبد اللَّه عليه‌السلام : بينا أبي عليه‌السلام يَطُوف بالكعبة إذا رجل مُعتجرٌ قد قيض له - في حديث مسائلة إلياس النبيّ عليه‌السلام للباقر عليه‌السلام - وما قاله له: أخبرني عن هذه العلم الذي ليس فيه اختلاف من يعلمه؟

قال أبو جعفر عليه‌السلام : أما جملة العلم فعند اللَّه جلّ ذكره، وأمّا ما لابدّ للعباد منه فعند الأوصياء. ففتح الرجل عجيرته واستوى جالساً وتهلّل وجهه، وقال: هذه أردتُ، ولها أتيتُ، زعمت أنّ علم ما لا اختلاف فيه من العلم عند الأوصياء، فكيف يعلمونه؟

قال: كما كان رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يَعْلَمُه، إلاّ أنّهم لا يرون ما كان رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يرى؛ لأنّه كان نبيّاً وهم محدَّثون - بالفتح -، وأنّه كان يَفِد إلى اللَّه عزّ وجلّ فيسمع الوحي وهم لا يسمعون. فقال صدقت يا بن رسول اللَّه...

فإن قالوا لك: فإنّ عِلم رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان من القرآن، فقل: ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) (1) .

فإن قالوا لك لا يرسل اللَّه عزّ وجلّ إلاّ إلى نبيّ، فقل: هذا الأمر الحكيم الذي يفرق فيه هو من الملائكة والروح التي تنزّل من سماء إلى سماء أو من سماء إلى أرض.

فإن قالوا: من سماء إلى السماء. فليس في السماء أحدٌ يرجع من طاعة إلى معصية.

فإن قالوا: من سماء إلى أرض وأهل الأرض أحوج الخلق إلى ذلك، فقل: فهل لهم بد من سيد يتحاكمون إليه؟

فإن قالوا: فإنّ الخليفة هو حكمهم فقل: ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (2) ، لعمري ما في الأرض ولا في

____________________

1) سورة الدخان: 1 - 5.

2) سورة البقرة: 257.

٣٥٤

السماء وليٌّ للَّه عزّ ذكره إلاّ وهو مؤيّد، ومن أُيّد لم يخطّ، وما في الأرض عدوّ للَّه عزّ ذكره إلاّ وهو مخذول، ومن خُذل لم يصبْ، كما إنّ الأمر لابدّ من تنزيله من السماء يحكم به أهل الأرض كذلك لابدّ من وال.

فإن قالوا: لا نعرف هذا.

فقل: ( لهم) قولوا ما أحببتم، أَبَى اللَّه عزّ وجلّ بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يترك العباد ولا حجّة عليهم) (1) .

ويتبيّن من ذلك أنّ إنكار أحد أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، أي إنكار اتّصال سلسلة إمامتهم أعظم كفراً من إنكار أحد المرسلين السابقين ، أي: من إنكار سلسلة اتّصال رسالات المرسلين السابقين؛ وذلك لأنّ إنكار سلسلة اتّصال إمامة أهل البيت تعني إنكار بقاء حجّية القرآن، للقول بتعطيل الكتاب بتعطيل نزول تأويله في كلّ عام.

وإنكار القرآن أعظم جحوداً من إنكار أحد الكتب المنزّلة السابقة، وقد عرفت أنّ ليلة القدر قد كانت منذ أوّل نبيّ بعثه اللَّه عزّ وجلّ واستمرّت مع جميع الأنبياء إلى قائم الأنبياء إلى خاتم الأنبياء، وكانت مع أوصياء الأنبياء، وهي مع الأوصياء من أهل البيت عليهم‌السلام بعد رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك لأنّها من أبرز قنوات الاتّصال مع الغيب، وبتوسّطها ينزل تأويل الكتب السماوية في من سبق، وتأويل القرآن على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أهل بيته من بعده.

ومن ثمّ ورد: أنّه لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن. كما مرّت الإشارة إليه، فليلة القدر تمثّل وحدة السبب الاتّصالي بين الأرض والسماء، وأنّ إنكارها بإنكار أحد الأئمّة من أهل البيت هو في الحقيقة إنكار لطبيعة هذا الاتّصال الواحد الموحّد لدى السفراء الإلهين، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى

____________________

1) الكافي، ج1، ص242.

٣٥٥

وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (1) .

وقوله تعالى: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (2) .

فلم يكتفِ الباري عزّ وجلّ في الإيمان بالرسول‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقط، وإنّما قَرَن معه بالنور النازل معه والذي هو الروح الأمري روح القدس، الذي هو حقيقة الكتاب الذي وصف بالنور بأنّه مع من اصطفاه اللَّه من العباد بعد رسول اللَّه ‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك لقوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ) (3) .

وروى الكُليني بسند معتبر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: (لقد خَلق اللَّه عزّ وجلّ ذكره ليلة القدر أوّل ما خلق الدنيا، ولقد خلق فيها أوّل نبيّ يكون، وأوّل وصيّ يكون، ولقد قضى أن يكون في كلّ سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأُمور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جَحَدَ ذلك فقد ردّ على اللَّه عزّ وجلّ عِلمه؛ لأنّه لا يقوم الأنبياء والرسل والمحدثون إلاّ أن تكون عليهم حجّة بما يأتيهم في تلك الليلة مع الحجّة التي يأتيهم بها جبرئيل عليه‌السلام ، قلت: والمحدّثون أيضاً يأتيهم جبرئيل أو غيره من الملائكة عليهم‌السلام ؟

قال: أمّا الأنبياء والرسل (صلّى الله عليهم) فلا شكّ، ولابدّ لمن سواهم من أوّل يوم خلقت فيه الأرض إلى آخر فناء الدنيا أن تكون على أهل الأرض حجّة ينزل ذلك في تلك الليلة إلى من أحبّ من عباده.

وايمُ اللَّه، لقد نزل الروح والملائكة بالأمر في ليلة القدر على آدم، وايمُ اللَّه ما

____________________

1) سورة البقرة: 136.

2) سورة الأعراف: 157.

3) سورة الشورى: 52.

٣٥٦

مات آدم إلاّ وله وصيّ، وكلّ مَن بعد آدم من الأنبياء قد أتاه الأمر فيها ووضع لوصيه مِن بعده، وايمُ اللَّه إن كان النبيّ ليؤمر فيما يأتيه من الأمر في تلك الليلة، من آدم عليه‌السلام إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن أُوصي إلى فلان، ولقد قال اللَّه عزّ وجلّ في كتابه للولاة من بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصّة: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (1) .

يقول: استخلفكم لعلمي وديني وعبادتي بعد نبيّكم، كما استخلف وُصاة آدم من بعده، حتّى يُبعث النبيّ الذي يليه ( يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) ، يقول: يعبدونني بإيمان لا نبيّ بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن قال غير ذلك ( فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) .

فقد مكّن ولاة الأمر بعد محمّد بالعلم ونحن هم، فاسألونا فإن صدّقناكم فأقرّوا، وما أنتم بفاعلين!

أمّا علمنا فظاهر، وأمّا إبان أجلنا الذي يظهر فيه الدين منّا حتّى لا يكون بين الناس اختلاف، فإنّ له أجلاً من ممرّ الليالي والأيام، إذ أتى ظهر وكان الأمر واحداً.

وأيم اللَّه لقد قُضي الأمر أن لا يكون بين المؤمنين اختلاف، ولذلك جعلهم شهداء على الناس ليشهد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله علينا، ولنشهد على شيعتنا، ولتشهد شيعتنا على الناس. أبى اللَّه عزّ وجلّ أن يكون في حكمه اختلاف، أو بين أهل علمه تناقض.

ثمّ قال أبو جعفر عليه‌السلام : فضْل إيمان المؤمن بجملة ( إنّا أنْزَلْناهُ ) وبتفسيرها على من ليس مثله في الإيمان بها كفضل الإنسان على البهائم، وإنّ اللَّه عزّ وجلّ ليدفع بالمؤمنين بها...) (2) .

وقد ورد من طرق الفريقين عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله لعليّ عليه‌السلام : (أنا أقاتل على التنزيل وعليّ

____________________

1) سورة النور: 55.

2) الكافي، ج1، ص251.

٣٥٧

يقاتل على التأويل) (1) .

ومنه ظهر أنّ سنخ تبليغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن اللَّه، وأهل بيته عليهم‌السلام عنه، لا يقف على حدّ التنزيل والألفاظ، بل يتّسع إلى ما لا يُحصى من مَدارج المعاني وبيان الحقائق، فالحاجة إلى تبليغهم وأدائهم عن اللَّه ووساطتهم بين اللَّه وخلقه تمتدّ إلى يوم القيامة في دار التكليف ونشأة الامتحان، ما دام البشر يحتاجون في كل بيئة إلى رؤية كونية عقائدية أعمق للحقائق والمعارف، ويحتاجون إلى هداية من الشريعة إلى أطوار نظامهم الاجتماعي السياسي وحقوله.

فتلخّص: أنّ ما تسالم عليه المسلمون من وجود الظهور والبطون في الكتاب العزيز وكون علومه وحقائقه وكلماته لا تتناهى، يستلزم دوام الحاجة إلى تبليغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام من بعده، وعدم سدّ الحاجة بخصوص الظاهر؛ بعد كون الإيمان بباطن القرآن على حذو الإيمان بظاهره.

ويشير إلى ذلك أيضاً قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (2) ، فإنّ توقّف تبليغ مجمل الرسالة على نصب عليّ عليه‌السلام في الغدير بحيث لو لم يُنصّب لم تُبلّغ الرسالة من رأس وهذا المفاد في الآية، مؤشّر واضح على أنّ ما حمل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من الرسالة بالوحي مُعظَمه لا يقتصر على التنزيل، بل جُلّه في البطون وحقيقته العلوية التي لا يشذّ عنها شي‏ء، وهذا لم يؤدِّه النبيّ إلاّ لعليّ وأهل بيته خاصّة، وتأديته صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل بيته لم تقتصر على النمط الحسّي ولا

____________________

1) الخصال للصدوق، ص650.

2) سورة المائدة: 67، وروى الواحدي النيشابوري في أسباب النزول بسند متّصل، عن أبي سعيد الخدري، قال: نزلت هذه الآية: ( أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ... ) يوم غدير خُم في عليّ بن أبي طالب (رضيّ الله عنه).

٣٥٨

هو عمده الطريق لتلقّيهم عليه‌السلام عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فمن ثمّ كان إبلاغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله التنزيل للناس من دون نصب عليّ نفي لإبلاغ وبلاغ جُلّ الرسالة، وأنّ ما عند الناس من الدين والشريعة والرسالة هو أقلّ من قليل، إلاّ باتّباعهم لأهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذهم عنهم ما أدّاه النبيّ إلى أهل بيته من حقائق القرآن والشريعة، ويشير إلى ذلك ما روته العامّة في الصحاح وغيرها كما ذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء (1) : (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة كلّهم من قريش).

وفي رواية: (إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي له فيهم اثني عشر خليفة كلّهم من قريش) (2) ، وفي رواية عن أبي داود: (لا يزال هذا قائماً حتّى يكون لكم اثني عشر خليفة) (3) .

فإنّ التعبير بأنّ الدين قائم بهم أي أنّه ينقضي بزوالهم ويزول بمضيهم، وأنّ عمر هذا الدين وصلاحه مرهون عند اللَّه عزّ وجلّ بالخلفاء الاثني عشر.

وهذا المفاد للحديث النبويّ المستفيض يقتضي بأنّ ما وصل بأيدي الناس من ظاهر التنزيل من المصحف الشريف وروايات السنّة النبويّة بمجرّده لا يكفي في بقاء الدين، ممّا يدلّ على أنّ معظم الدين وقوامه موجود لدى الاثني عشر سلام اللَّه عليهم دون غيرهم، وكذا لا يمكن الاكتفاء بظاهر التنزيل والروايات المأثورة عن أهل البيت عليهم‌السلام والاستغناء عن المهدي (عج).

حيث قال تعالى: ( قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَد

____________________

1) تاريخ الخلفاء، ص10، طبعة السعادة في مصر، كما نقلنا ذلك في محلقات إحقاق الحقّ،ج13، ص12.

2) السيوطي عن صحيح مسلم، نفس المصدر.

3) سنن أبي داود، ج4، ص150، طبعة السعادة بمصر، ومسند أحمد بن حنبل، ص86 - 87، طبعة الميمنة مصر، ومسند أبي عوانة، ج4، ص399، طبعة حيدر آباد، وهناك مصادر أخرى، لاحظ: ملحقات إحقاق الحق، ج13، ص1 - 48.

٣٥٩

كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ) (1) ، وقال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (2) .

وليس المراد من الكلمات التي لا تنفذ الألفاظ الصوتية، أو المنقوشة المدوّنة، أو المعاني المفهومة المتصوّرة؛ إذ إطلاق الكلمة والكلمات على هذين الموردين إطلاق مجازي عند العقل، إذ الكلمة هي الشي‏ء الدالّ بذاته تكويناً على أمر آخر، ومن ثمّ يُطلق على وجودات الأشياء المخلوقة - لا سيّما الشريفة - أنّها كلمات اللَّه؛ لدلالتها على صفات الباري تعالى.

ومنه يُعرف الترادف عند العقل بين الكلمة الحقيقية والآية، ومن ثمّ ورد إطلاق كلّ منهما على النبيّ عيسى عليه‌السلام ، وقال تعالى في بشارة الملائكة لمريم: ( إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) (3) ، فجعل تعالى وجود نبيّه كلمة منه تعالى وتكلّمٌ منه، وجعل عنوان المسيح - عيسى بن مريم - اسم للكلمة، كما أطلق تعالى الآية على عيسى بن مريم حيث قال: ( وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا ) (4) .

فهذه الكلمات الوجودية والتي قد تعرّضت جملة من الآيات لنعوتها وصفاتها والتي لا تنفذ، كلّها مجموعة في الكتاب المبين؛ إذ الكتاب هو ما يتألّف من كلمات، فالكتاب المبين متكوّن من وجود جُملي لكافّة الكلمات الوجودية بالوجود الملكوتي، ومن ثمّ نعت الكتاب المبين بأنّه مفاتح الغيب كما في الآية المتقدّمة: ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلاّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إلاّ فِي كِتَابٍ

____________________

1) سورة الكهف: 109.

2) سورة لقمان: 27.

3) سورة آل عمران: 45.

4) سورة مريم: 21.

٣٦٠