الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية10%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141438 / تحميل: 8975
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وكذا السدر والكافور والماء وقيمة الأرض التي يدفن فيها ، وأجرة حمل الميت وأجرة حفر القبر إلى غير ذلك مما يصرف في أي عمل من واجبات الميت ، فان كل ذلك يخرج من أصل التركة وان كان الميت مديوناً أو كانت له وصية ، هذا فيما إذا لم يوجد من يتبرع بشيء من ذلك وإلاّ لم يخرج من التركة ، وأما ما يصرف فيما زاد على القدر الواجب وما يلحق به فلا يجوز اخراجه من الأصل ، وكذا الحال في قيمة المقدار الواجب وما يلحقه فانه لا يجوز ان يخرج من الأصل الا ما هو المتعارف بحسب القيمة ، فلو كان الدفن في بعض المواضع اللائقة بحال الميت لا يحتاج إلى بذل مال ، وفي البعض الآخر يحتاج اليه قدم الأوّل ، نعم يجوز اخراج الزائد على القدر المذكور من الثلث مع وصية الميت به ، أو وصيته بالثلث من دون تعيين مصرف له كلاً أو بعضاً ، كما يجوز اخراجه من حصص الورثة الكبار منهم برضاهم دون القاصرين ، الا مع اذن الولي على تقدير وجود مصلحة تسوغ له ذلك.

( مسألة 109 ) : كفن الزوجة على زوجها حتى مع يسارها أو كونها منقطعة او ناشزة ، هذا إذا لم يتبرع غير الزوج بالكفن والا سقط عنه ، وكذلك إذا اوصت به من مالها وعمل بالوصية ، أو تقارن موتها مع موته ، أو كان البذل حرجياً على الزوج ، فلو توقف على الاستقراض ، أو فك ماله من الرهن ولم يكن فيه حرج عليه تعين ذلك ، والا لم يجب.

( مسألة 110 ) : يجوز التكفين بما كتب عليه القرآن الكريم أو بعض الأدعية المباركة كالجوشن الكبير أو الصغير ، ولكن يلزم ان يكون ذلك بنحو لا يتنجس موضع الكتابة بالدم ، أو غيره من النجاسات كان يكتب في حاشية الازار من طرف رأس الميت ، ويجوز ان يكتب على قطعة من القماش وتوضع على رأسه أو صدره.

٦١

( شروط الكفن )

يعتبر في الكفن أمور :

(1) الاباحة.

(2) الطهارة بان لا يكون نجساً ولا متنجساً.

(3) ان لا يكون من الحرير الخالص ، ولا بأس بما يكون ممزوجاً به بشرط ان يكون حريره أقل من خليطه ـ والأحوط وجوباً ـ ان لا يكون الكفن مُذهَّباً ، ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، ولا من جلد الميتة وان كان طاهراً ، ولا بأس ان يكون مصنوعاً من وبر أو شعر مأكول اللحم ، بل لا بأس ان يكون من جلده مع صدق الثوب عليه عرفاً ، وكل هذه الشروط ـ غير الاباحة ـ يختص بحال الإختيار ويسقط في حال الضرورة ، فلو انحصر الكفن في الحرام دفن عارياً ، ولو انحصر في غيره من الانواع التي لا يجوز التكفين بها اختياراً كفن به ، فاذا انحصر في واحد منها تعين ، واذا تعدد ودار الأمر بين تكفينه بالمتنجس وتكفينه بالنجس قدم الأوّل ، وإذا دار الأمر بين النجس أو المتنجس ، وبين الحرير قدم الثاني ، ولو دار الأمر بين أحد الثلاثة وبين غيرها قدم الغير ، ومع دوران الأمر بين التكفين بالمُذهَّب والتكفين بأجزاء مالا يؤكل لحمه تخيّر بينهما ، وان كان الاحتياط بالجمع حسناً.

( مسألة 111 ) : الشهيد لا يكفّن بل يدفن بثيابه الا إذا كان بدنه عارياً فيجب تكفينه.

( مسألة 112 ) : يستحب وضع جريدتين خضراوين مع الميت ، وينبغي ان تكونا من النخل ، فان لم يتيسر فمن السدر ، أو الرمان وان

٦٢

لم يتيسرا فمن الخلاف ( الصفصاف ) ، والأولى في كيفيته جعل احداهما من الجانب الأيمن من عند الترقوة ملصقة بالبدن ، والأخرى من الجانب الأيسر من عند الترقوة بين القميص والازار.

( الحنوط )

يجب تحنيط الميت المسلم وهو ( إمساس مواضع السجود السبعة بالكافور المسحوق غير الزائلة رائحته ) ويكفي فيه وضع المسمى ، ويشترط فيه اباحته فيسقط وجوب التحنيط عند عدم التمكن من الكافور المباح ، كما يعتبر طهارته وإن لم يوجب تنجس بدن الميت على ـ الأحوط وجوباً ـ والأفضل ان يكون الكافور المستخدم في التحنيط بمقدار سبعة مثاقيل ويستحب خلطه بقليل من التربة الحسينية ، ولكن لا يمسح به المواضع المنافية للاحترام.

( مسألة 113 ) : ـ الأحوط الأولى ـ ان يكون الامساس بالكف وان يبتدأ من الجبهة ، ولا ترتيب في سائر الأعضاء ، ويجوز ان يباشر التحنيط الصبي المميز بل وغيره أيضاً.

( مسألة 114 ) : يسقط التحنيط فيما إذا مات الميت في احرام العمرة أو الحج فَيُجنَّب من الكافور بل من مطلق الطيب ، نعم اذا مات الحاج بعد الفراغ من المناسك التي يحل له الطيب بعدها وجب تحنيطه كغيره من الأموات.

( مسألة 115 ) : وجوب التحنيط كوجوب التغسيل ، وقد مضى تفصيله في المسألة (91).

٦٣

( الصلاة على الميت )

تجب الصلاة على كل مسلم ميت وان كان فاسقاً ، ووجوبها كوجوب التغسيل ، وقد مر في المسألة (91).

( مسألة 116 ) : لا تجب الصلاة على اطفال المسلمين الا من عقل منهم الصلاة ، ومع الشك في ذلك فالعبرة ببلوغه ست سنين ، وفي استحباب الصلاة على من لم يعقل الصلاة اشكال ـ والأحوط وجوباً ـ عدم الاتيان بها الا رجاءً.

( مسألة 117 ) : تصح الصلاة على الميت من الصبي المميز ، ويجزي عن البالغين.

( مسألة 118 ) : يجب تقديم الصلاة على الدفن ، الا انه إذا دفن قبل ان يصلى عليه عصياناً أو لعذر فلا يجوز ان ينبش قبره للصلاة عليه ، ولم تثبت مشروعية الصلاة عليه وهو في القبر ـ فالأحوط وجوباً ـ الاتيان بها رجاءً.

( كيفية صلاة الميت )

يجب في الصلاة على الميت خمس تكبيرات والدعاء للميت عقيب احدى التكبيرات الأربع الأوّل ، وأما الثلاثة الباقية فيتخير فيها بين الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشهادتين ، والدعاء للمؤمنين والتمجيد لله تعالى ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان يكبّر أولاً ويقول ( أشْهَدُ اَنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وَأنَّ مُحمّداً رَسولُ الله ) ثم يكبر ثانياً ، ويصلي على النبي وآله ، ثم يكبر ثالثاً ، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ، ثم يكبر رابعاً ، ويدعو للميت ، ثم يكبّر خامساً

٦٤

وينصرف.

والأفضل أن يقول بعد التكبيرة الأولى : ( أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ).

وبعد التكبيرة الثانية : ( اللهم صلِّ على محمّد وآل محمد ، وارحم محمداً وآل محمّد ، كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم ، انك حميد مجيد وصل على جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين وجميع عباد الله الصالحين ).

وبعد التكبيرة الثالثة : ( اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، تابع اللّهم بيننا وبينهم بالخيرات انك مجيب الدعوات انك على كل شيء قدير ).

وبعد الرابعة : ( اللّهم ان هذا المسجّى قدامنا عبدك وابن عبدك وابن امتك نزل بك وانت خير منزول به ، اللّهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيراً وانت اعلم به منا ، اللّهم ان كان محسناً فزد في احسانه ، وان كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته واغفر له ، اللّهم اجعله عندك في أعلى عليين واخلف على اهله في الغابرين وارحمه برحمتك يا ارحم الراحمين ) ثم يكبّر ، وبها تتم الصلاة.

ولابُدّ من رعاية تذكير الضمائر وتأنيثها حسب اختلاف جنس الميت ، وتختص هذه الكيفية بما إذا كان الميت مؤمناً بالغاً ، وفي الصلاة على اطفال المؤمنين يقول بعد التكبيرة الرابعة : اللّهم اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً.

( مسألة 119 ) : يعتبر في صلاة الميت أمور :

٦٥

(1) ان تكون بعد الغسل والتحنيط والتكفين ، والا بطلت ولابُدّ من اعادتها ، واذا تعذر غسل الميت أو التيمم بدلاً عنه ، وكذلك التكفين والتحنيط لم تسقط الصلاة عليه.

(2) النية بان يقصد بها القربة ، مع تعيين الميت على نحو يرفع الابهام.

(3) القيام مع القدرة عليه.

(4) أن يكون رأس الميت على يمين المصلي.

(5) أن يوضع على قفاه عند الصلاة عليه.

(6) استقبال المصلي للقبلة حال الاختيار.

(7) أن يكون الميت أمام المصلي.

(8) أن لا يكون حائل بينهما من ستر أو جدار على نحو لا يصدق الوقوف عليه ، ولا يضر الستر بمثل النعش أو ميت آخر.

(9) الموالاة بين التكبيرات والأذكار ، بان لا يفصل بينها بمقدار تنمحي به صورة الصلاة.

(10) أن لا يكون بين الميت والمصلي بعد مفرط الا مع اتصال الصفوف في الصلاة جماعة ، أو مع تعدد الجنائز في الصلاة عليها دفعة واحدة.

(11) أن لا يكون احدهما اعلى من الآخر علواً مفرطاً.

(12) أن يكون الميت مستور العورة ـ اذا تعذر الكفن ـ ولو بحجر أو لبنة.

٦٦

( دفن الميت )

يجب دفن الميت المسلم ومن بحكمه ووجوبه كوجوب التغسيل وقد مر في المسألة (91) ، وكيفية الدفن ان يوارى في حفيرة في الارض ، فلا يجزي البناء عليه ولا وضعه في بناء أو تابوت مع القدرة على المواراة في الأرض ، وتكفي مواراته في الحفيرة بحيث يؤمّن على جسده من السباع وايذاء رائحته للناس ولو لعدم وجود السباع أو من تؤذيه رائحته من الناس أو بسبب البناء على قبره بعد مواراته ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان تكون الحفيرة بنفسها على كيفية تمنع من انتشار رائحة الميت ووصول السباع إلى جسده ، ويجب ان يوضع في قبره على طرفه الأيمن موجهاً وجهه الى القبلة.

( مسألة 120 ) : يجب دفن الجزء المبان من الميت ، وإن كان شعراً أو سناً أو ظفراً على ـ الأحوط وجوباً ـ نعم لو عثر عليها قبل دفنه يجب جعلها في كفنه.

( مسألة 121 ) : من مات في السفينة ، ولم يمكن دفنه في البر ، ولو بتأخيره لخوف فساده أو غير ذلك يغسّل ويكفن ويحنط ويُصلى عليه ثم يوضع في خابية ونحوها ويشد رأسها باستحكام ، أو يشد برجله ما يثقله من حجر ، أو حديد ثم يلقى في البحر ـ والأحوط استحباباً ـ اختيار الوجه الأوّل مع الإمكان ، وكذلك الحال في ميت خيف عليه من ان يخرجه العدو من قبره ويحرقه أو يمثّل به.

( مسألة 122 ) : لا يجوز دفن الميت في مكان يستلزم هتك حرمته كالبالوعة والمواضع القذرة ، كما لا يجوز دفنه في مقابر الكفار ، ولا يجوز

٦٧

دفن الكافر في مقبرة المسلمين.

( مسألة 123 ) : يعتبر في موضع الدفن الاباحة ، فلا يجوز الدفن في مكان مغصوب ، أو فيما وقف لجهة خاصة كالمدارس والحسينيات ونحوهما وان لم يكن مضراً بالوقف أو مزاحماً لجهته على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 124 ) : إذا دفن الميت في مكان لا يجوز دفنه فيه وجب نبش قبره واخراجه ودفنه في موضع يجوز دفنه فيه ، إلاّ في بعض الموارد المذكورة في ( العروة الوثقى ) وتعليقتنا عليها.

( مسألة 125 ) : إذا دفن الميت بلا غسل أو كفن ، أو حنوط مع التمكن منها وجب اخراجه مع القدرة لإجراء الواجب عليه ودفنه ثانياً بشرط ان لا يستلزم ذلك هتكاً لحرمته ، والا ففيه اشكال.

( مسألة 126 ) : لا يجوز نبش قبر المسلم إلاّ في موارد خاصة تقدم بعضها ، ومنها ما لو اوصى الميت بنقله الى المشاهد المشرفة فدفن عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في غيرها ، فانه يجب النبش والنقل ما لم يفسد بدنه ولم يوجب النقل أيضاً فساد بدنه ولا محذوراً آخر ، وأما لو اوصى بنبش قبره ونقله بعد مدة الى الأماكن المشرفة ففي صحة وصيته اشكال.

( مسألة 127 ) : إذا كان الموجود من الميت يصدق عليه عرفاً انه ( بدن الميت ) كما لو كان مقطوع الأطراف ـ الرأس واليدين والرجلين ـ كلاً أو بعضاً ، أو كان الموجود جميع عظامه مجردة عن اللحم ، أو معظمها بشرط ان تكون من ضمنها عظام صدره ، ففي مثل ذلك تجب الصلاة عليه وكذا ما يتقدمها من التغسيل والتحنيط ـ ان وجد بعض مساجده ـ والتكفين بالازار والقميص بل وبالمئزر أيضاً ان وجد بعض ما يجب ستره به.

واذا كان الموجود من الميت لا يصدق عليه انه بدنه بل بعض بدنه ،

٦٨

فلو كان هو القسم الفوقاني من البدن أي الصدر وما يوازيه من الظهر سواء كان معه غيره أم لا وجبت الصلاة عليه ، وكذا التغسيل والتكفين بالازار والقميص وبالمئزر ان كان محله موجوداً ـ ولو بعضاً ـ على ـ الأحوط وجوباً ـ ولو كان معه بعض مساجده وجب تحنيطه على ـ الأحوط وجوباً ـ ويلحق بهذا في الحكم ما إذا وجد جميع عظام هذا القسم أو معظمها على ـ الأحوط وجوباً ـ وإذا لم يوجد القسم الفوقاني من بدن الميت كأن وجدت اطرافه كلاً أو بعضاً مجردة عن اللحم أو معه ، أو وجد بعض عظامه ولو كان فيها بعض عظام الصدر فلا يجب الصلاة عليه ، بل ولا تغسيله ولا تكفينه ولا تحنيطه ، وان وجد منه شيء لا يشتمل على العظم ولو كان فيه القلب فالظاهر انه لا يجب فيه أيضاً شيء مما تقدم عدا الدفن ـ والأحوط وجوباً ـ ان يكون ذلك بعد اللف بخرقة.

( صلاة ليلة الدفن )

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : لا يأتي على الميت أشدّ من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة ، فان لم تجدوا فليصّل احدكم ركعتين له ، يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي ، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات ، فيقول بعد السلام : اللّهم صل على محمّد وآل محمّد وابعث ثوابها الى قبر فلان ، ويسمي الميت ورويت لهذه الصلاة كيفية اخرى أيضاً.

( غسل مسِّ الميت )

يجب الغسل على من مسّ الميت بعد برده وقبل اتمام غسله ، ولا فرق بين ان يكون المسّ مع الرطوبة أو بدونها ، كما لا فرق في الممسوس والماس بين ان يكون مما تحله الحياة وما لا تحله كالسن

٦٩

والظفر ، نعم لا يبعد عدم العبرة بالشعر ، سواء كان ماساً أم ممسوساً ، ولا يختص الوجوب بما إذا كان الميت مسلماً ، فيجب في مسّ الميت الكافر أيضاً ، بل ولا فرق في المسلم بين من يجب تغسيله ومن لا يجب كالمقتول في المعركة في جهاد ، أو دفاع عن الاسلام أو المقتول بقصاص أو رجم بعد الاغتسال على ـ الأحوط وجوباً ـ فيهما.

( مسألة 128 ) : يجوز لمن عليه غسل المس دخول المساجد والمشاهد والمكث فيها وقراءة العزائم ، نعم لا يجوز له مسّ كتابة القرآن ونحوها مما لا يجوز للمحدث ، ولا يصح له كل عمل مشروط بالطهارة كالصلاة الا بالغسل ـ والأحوط استحباباً ـ ضم الوضوء اليه إذا كان محدثاً بالأصغر.

( مسألة 129 ) : لا يجب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الميت أو الحي وإن كانت مشتملة على العظم واللحم معاً وان كان الغسل ـ أحوط استحباباً ـ.

( مسألة 130 ) : إذا يمّم الميت بدلاً عن تغسيله لعذر فالظاهر وجوب الغسل بمسّه.

٧٠

( الأغسال المستحبة )

قد ذكر الفقهاء ( قدس الله اسرارهم ) كثيراً من الأغسال المستحبة ولكنه لم يثبت استحباب جملة منها ، والثابت منها ما يلي :

(1) غسل الجمعة : وهو من المستحبات المؤكدة ، ووقته من طلوع الفجر إلى الغروب ، والأفضل الاتيان به قبل الزوال ـ والأحوط الأولى ـ ان يؤتى به فيما بين الزوال إلى الغروب من دون قصد الأداء والقضاء ، ويجوز قضاؤه إلى غروب يوم السبت ، ويجوز تقديمه يوم الخميس رجاءً إذا خيف اعواز الماء يوم الجمعة ، وتستحب اعادته إذا وجد الماء فيه.

(2 ـ 7) غسل الليلة الأولى ، والليلة السابعة عشرة ، والتاسعة عشرة والحادية والعشرين ، والثالثة والعشرين ، والرابعة والعشرين ، من شهر رمضان المبارك.

(8 ـ 9) غسل يوم العيدين الفطر والأضحى ، ووقته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس على الأظهر ، والأفضل ان يؤتى به قبل صلاة العيد.

(10 ـ 11) غسل اليوم الثامن والتاسع من ذي الحجة الحرام ، والأفضل في اليوم التاسع ان يؤتى به عند الزوال.

(12) غسل الاحرام.

(13) غسل دخول الحرم المكي.

(14) غسل دخول مكة.

(15) غسل زيارة الكعبة المشرفة.

(16) غسل دخول الكعبة المشرفة.

(17) غسل النحر والذبح.

٧١

(18) غسل الحلق.

(19) غسل دخول حرم المدينة المنورة.

(20) غسل دخول المدينة المنورة.

(21) غسل دخول مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(22) الغسل لوداع قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(23) غسل المباهلة مع الخصم.

(24) غسل الاستخارة.

(25) غسل الاستسقاء.

(26) غسل من مسّ الميت بعد تغسيله.

والأظهر ان هذه الاغسال تجزي عن الوضوء ، وأما غيرها فيؤتى بها رجاءً ، ولابُدّ معها من الوضوء فنذكر جملة منها :

(1) الغسل في ليالي الافراد من شهر رمضان المبارك وتمام ليالي العشرة الأخيرة.

(2) غسل آخر في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك قريباً من الفجر.

(3) غسل الرابع والعشرين من ذي الحجة الحرام.

(4) غسل يوم النيروز ( اول أيام الربيع ).

(5) غسل يوم النصف من شعبان.

(6) الغسل في أول رجب وآخره ونصفه ، ويوم المبعث وهو السابع والعشرون منه.

(7) الغسل لزيارة كل واحد من المعصومينعليهم‌السلام من قريب أو بعيد.

(8) غسل اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.

٧٢

( الجبائر )

الجبيرة هي : ( ما يوضع على العضو من الألواح أو الخرق ونحوها إذا حدث فيه كسر ، أو جرح ، أو قرح ) وفي ذلك صورتان :

(1) ان يكون شيء من ذلك في مواضع الغَسل كالوجه واليدين.

(2) ان يكون في مواضع المسح كالرأس والرجلين ، وعلى التقديرين فان لم يكن في غَسل الموضع أو مسحه ضرر أو حرج وجب غسل ما يجب غسله ومسح ما يجب مسحه ، واما إذا استلزم شيئاً من ذلك ففيه صور :

( الأولى ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، ولم تكن في الموضع جبيرة بان كان مكشوفاً ، ففي هذه الصورة يجب غسل ما حول الجرح والقرح ـ والأحوط الأولى ـ مع ذلك ان يضع خرقة على الموضع ويمسح عليها وان يمسح على نفس الموضع أيضاً إذا تمكن من ذلك ، وأما الكسر المكشوف من غير أن تكون فيه جراحة فالمتعين فيه التيمم.

( الثانية ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، وكانت عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يغسل ما حوله ـ والأحوط وجوباً ـ ان يمسح على الجبيرة ولا يجزي غسل الجبيرة عن مسحها.

( الثالثة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح وكانت

٧٣

عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يتعين المسح على الجبيرة.

( الرابعة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح ولم تكن عليه جبيرة ، وفي هذه الصورة يتعين التيمم.

( مسألة 131 ) : يعتبر في الجبيرة أمران :

(1) طهارة ظاهرها ، فإذا كانت الجبيرة نجسة لم يصلح ان يمسح عليها فان امكن تطهيرها أو تبديلها ولو بوضع خرقة طاهرة عليها بنحو تعد جزءاً منها وجب ذلك فيمسح عليها ويغسل اطرافها ، وان لم يمكن اكتفى بغسل أطرافها ، هذا إذا لم تزد الجبيرة على الجرح بأزيد من المقدار المتعارف ، وأما لو زادت عليه فإن أمكن رفعها رفعها وغسل المقدار الصحيح ثم وضع عليها الجبيرة الطاهرة ، أو طهّرها ومسح عليها ، وإن لم يمكن ذلك لايجابه ضرراً على الجرح مسح على الجبيرة ، وإن كان لأمر آخر كالاضرار بالمقدار الصحيح وجب عليه التيمم إن لم تكن الجبيرة في مواضع التيمم ، وإلاّ ـ فالأحوط لزوماً ـ الجمع بين الوضوء والتيمم.

(2) إباحتها ، فلا يجوز المسح عليها إذا لم تكن مباحة ، ولو مسح لم يصح وضوؤه على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 132 ) : يعتبر في جواز المسح على الجبيرة أمور :

( الأوّل ) : ان يكون في العضو كسر أو جرح أو قرح ، فإذا لم يتمكن من غسله أو مسحه لأمر آخر ، كنجاسته مع تعذر ازالتها ، أو لزوم الضرر من استعمال الماء أو لصوق شيء ـ كالقير ـ بالعضو ولم يتمكن من ازالته بغير حرج ففي جميع ذلك لا يجري حكم الجبيرة بل يجب التيمم ، نعم إذا كان اللاصق بالعضو دواءً يجري عليه حكم الجبيرة ، ولو كان اللاصق غيره وكان

٧٤

في مواضع التيمم تعين الجمع بينه وبين الوضوء.

( الثاني ) : ان لا تزيد الجبيرة على المقدار المتعارف ، والا وجب رفع المقدار الزائد وغسل الموضع السليم تحته إذا كان مما يغسل ومسحه إذا كان مما يمسح ، وان لم يتمكن من رفعه ، أو كان فيه حرج ، أو ضرر على الموضع السليم نفسه سقط الوضوء ووجب التيمم إذا لم تكن الجبيرة في مواضعه ، وإلاّ ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بينه وبين الوضوء ، ولو كان رفعه وغسل الموضع السليم ، أو مسحه يستلزم ضرراً على نفس الموضع المصاب لم يسقط الوضوء فيمسح على الجبيرة.

( الثالث ) : ان يكون الجرح أو نحوه في نفس مواضع الوضوء فلو كان في غيرها وكان مما يضر به الوضوء تعين عليه التيمم ، وكذلك الحال فيما إذا كان الجرح أو نحوه في جزء من اعضاء الوضوء وكان مما يضر به غسل جزء آخر اتفاقاً ، كما إذا كان الجرح في اصبعه واتفق انه يتضرر بغسل الذراع ، فانه يتعين التيمم في مثل ذلك أيضاً.

( مسألة 133 ) : إذا كانت الجبيرة مستوعبة للعضو ، كما إذا كان تمام الوجه أو احدى اليدين أو الرجلين مجبَّراً جرى عليها حكم الجبيرة غير المستوعبة على الأظهر ، وأما مع استيعاب الجبيرة لتمام الأعضاء ، أو معظمها ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بين الوضوء مع المسح على الجبيرة وبين التيمم.

( مسألة 134 ) : إذا كانت الجبيرة في الكف مستوعبة لها ومسح المتوضئ عليها بدلاً عن غسل العضو ، فاللازم ان يمسح رأسه ورجليه بهذه الرطوبة لا برطوبة خارجية ـ والأحوط الأولى ـ فيما إذا لم تكن مستوعبة لها ان يمسح بغير موضع الجبيرة.

٧٥

( مسألة 135 ) : إذا برئ ذو الجبيرة في ضيق الوقت اجزأه وضوؤه سواء برئ في اثناء الوضوء ام بعده ، قبل الصلاة أو في اثنائها أو بعدها ، ولاتجب عليه اعادته لغير ذات الوقت كالصلوات الآتية في الموارد التي كان تكليفه فيها الوضوء جبيرة واما في الموارد التي جمع فيها بين الجبيرة والتيمم فلابُدّ من اعادة الوضوء للاعمال الآتية ، وهكذا الحكم فيما لو برئ في سعة الوقت بعد اتمام الوضوء ، وأما إذا برئ في اثنائه فلابُدّ من استيناف الوضوء ، أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها ان لم تفت الموالاة.

( مسألة 136 ) : إذا اعتقد الضرر من غسل العضو الذي فيه جرح أو نحوه فمسح على الجبيرة ثم تبين عدم الضرر فالظاهر صحة وضوئه ، وإذا اعتقد عدم الضرر فغسل ثم تبين انه كان مضراً وكانت وظيفته الجبيرة ـ فالأحوط وجوباً ـ الإعادة ، وكذا إذا اعتقد الضرر ولكن ترك الجبيرة وتوضأ ثم تبين عدم الضرر وان وظيفته غسل البشرة ، وأما إذا اعتقد الضرر في غسل العضو لاعتقاده ان فيه قرحاً أو جرحاً أو كسراً فعمل بالجبيرة ثم تبين سلامة العضو فالظاهر بطلان وضوئه.

( مسألة 137 ) : يجري حكم الجبيرة في الأغسال ـ غير غسل الميت ـ كما كان يجري في الوضوء ولكنه يختلف عنه في الجملة ، فان المانع عن الغسل إذا كان قرحاً أو جرحاً ـ سواء كان المحل مجبوراً أم مكشوفاً ـ تخير المكلف بين الغسل والتيمم ، واذا اختار الغسل وكان المحل مكشوفاً فله الاجتزاء بغسل اطرافه وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ ان يضع خرقة على موضع القرح ، أو الجرح ويمسح عليها ، وأما إذا كان المانع كسراً فان كان محل الكسر مجبوراً تعين عليه الاغتسال مع المسح على الجبيرة ، وأما إذا كان مكشوفاً ، أو لم يتمكن من المسح على الجبيرة تعين عليه التيمم.

٧٦

( التيمم )

يصح التيمم بدلاً عن الغسل ، أو الوضوء في سبعة مواضع :

( الأوّل ) : ما إذا لم يجد من الماء مقدار ما يفي بوظيفته الأولية من غسل أو وضوء ولو لكون الموجود منه فاقداً لبعض الشرائط المعتبرة فيه ، ويجب الفحص عنه على الحاضر إلى حين حصول اليأس منه ، وكذلك السعي اليه ما لم يكن بعيداً عنه بحيث يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ولا يسوغ للمسافر ان يتيمم بمجرد عدم علمه بوجود الماء لديه ، بل لابُدّ له من احراز عدمه بالفحص عنه في مظانه إلى ان يحصل له الاطمينان بالعدم ، فلو احتمل وجود الماء في رحله ، أو في القافلة ، أو عند بعض المارة وجب عليه الفحص عنه ، ولو كان في فلاة وجب عليه الفحص فيما يقرب من مكانه وفي الطريق ، ـ والأحوط وجوباً ـ الفحص في المساحة التي حوله على نحو الدائرة غلوة سهم في الأرض الحزنة ( الوعرة ) وغلوة سهمين في الأرض السهلة ، ولا يجب الفحص أكثر من ذلك الا اذا اطمأن بوجوده خارج الحد المذكور بحيث لا يبعد عنه بمقدار يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ويسقط وجوب الفحص عند تضيق الوقت بمقدار ما يتضيق منه وكذا إذا خاف على نفسه ، أو ماله المعتد به من لصّ ونحوه ، أو كان في الفحص حرج لا يتحمل عادة.

( مسألة 138 ) : إذا تيمم من غير فحص ـ فيما يلزم فيه الفحص ـ ثم

٧٧

صلى في سعة الوقت برجاء المشروعية لم يصح تيممه وصلاته وان تبين عدم الماء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 139 ) : إذا انحصر الماء الموجود عنده بما يحرم التصرف فيه كما إذا كان مغصوباً لم يجب الوضوء ووجب التيمم ، والماء الموجود حينئذٍ بحكم المعدوم.

( الثاني ) : عدم تيسر الوصول إلى الماء الموجود إما للعجز عنه تكويناً لكبر ونحوه ، أو لتوقفه على ارتكاب عمل محرم كالتصرف في الإناء المغصوب ، أو لخوفه على نفسه ، أو عرضه ، أو ماله المعتد به من سبع ، أو عدو أو لص ، أو ضياع أو غير ذلك ، ولو انحصر الماء المباح بما كان في أواني الذهب والفضة ـ حيث يحرم استعمالها في الطهارة عن الحدث والخبث على الأحوط كما تقدم في المسألة (30) ـ فان امكن تخليصه منها بما لا يعد استعمالاً في العرف وجب الوضوء ، وإلاّ ففي سقوط الوضوء ووجوب التيمم اشكال.

( الثالث ) : كون استعمال الماء مضراً به ، كما إذا خاف حدوث مرض أو امتداده أو شدته ، وانما يشرع التيمم في هذه الصورة إذا لم تكن وظيفته الطهارة المائية مع المسح على الجبيرة والا وجبت ، وقد مر تفصيل ذلك.

( الرابع ) : خوف العطش على نفسه ، أو على غيره ممن يرتبط به ويكون من شأنه التحفظ عليه والاهتمام بشأنه ولو من غير النفوس المحترمة انساناً كان أو حيواناً ، ولو خاف العطش على غيره ممن لا يهمه أمره ولكن يجب عليه حفظه شرعاً ، أو يقع في الحرج بهلاكه عطشاً اندرج ذلك في غيره من المسوّغات.

( الخامس ) : استلزام الحرج والمشقة إلى حد يصعب تحمله عليه ، سواء كان في تحصيل الماء ، كما إذا توقف على الاستيهاب الموجب لذلّه

٧٨

وهوانه ، أو على شرائه بثمن يضر بحاله ـ والا وجب الشراء وان كان باضعاف قيمته ـ أم في نفس استعماله لشدة برودته ، أو لتغيره بما يتنفر طبعه منه أم فيما يلازم استعماله كما لو كان قليلاً لا يكفي للجمع بين استعماله في الوضوء وبين تبليل الرأس به مع فرض حاجته اليه لشدة حرارة الجو مثلاً بحيث يقع لولاه في الحرج والمشقة.

( السادس ) : ما إذا استلزم تحصيل الماء أو استعماله وقوع الصلاة أو بعضها خارج الوقت.

( السابع ) : ان يكون مكلفاً بواجب أهم أو مساوٍ يستدعي صرف الماء الموجود فيه كازالة الخبث عن المسجد فانه يجب عليه التيمم وصرف الماء في تطهيره ، وكذا إذا كان بدنه أو لباسه متنجساً ولم يكف الماء الموجود عنده للطهارة الحدثية والخبثية معاً فانه يتعين صرفه في ازالة الخبث وان كان الأولى فيه ان يصرف الماء في ازالة الخبث أولاً ، ثم يتيمم بعد ذلك.

( ما يصح به التيمم )

يجوز عند تعذر الطهارة المائية التيمم بمطلق وجه الارض من تراب أو رمل ، أو حجر أو مدر ، ومن ذلك ارض الجص والنورة وهكذا الجص المطبوخ ، والآجر والخزف ، ـ والأحوط الأولى ـ تقديم التراب على غيره مع الإمكان ، ويجوز التيمم بالغبار المجتمع على الثوب ونحوه إذا عدّ تراباً دقيقاً بان كان له جرم بنظر العرف وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ تقديم غيره عليه ، واذا تعذر التيمم بالأرض وما يلحق بها تيمم بالوحل وهو الطين الذي يلصق باليد ـ والأحوط وجوباً ـ عدم ازالة شيء منه الا ما يتوقف على ازالته صدق المسح باليد ، واذا تعذر التيمم بالوحل أيضاً تعين التيمم بالشيء المغبر ـ أي ما يكون الغبار كامناً فيه ـ أو لا يكون له جرم بحيث يصدق

٧٩

عليه التراب الدقيق ـ كما تقدم ـ واذا عجز عنه أيضاً كان فاقداً للطهور وحينئذٍ تسقط عنه الصلاة في الوقت ويلزمه القضاء خارجه.

( مسألة 140 ) : إذا كان طين وتمكن من تجفيفه وجب ذلك ولا تصل معه النوبة ، إلى التيمم بالطين أو الشيء المغبر ، ولا بأس بالتيمم بالأرض الندية وان كان الأولى ان يتيمم باليابسة مع التمكن.

( مسألة 141 ) : ـ الأحوط وجوباً ـ اعتبار علوق شيء مما يُتيمم به باليد فلا يجزي التيمم على مثل الحجر الاملس الذي لا غبار عليه.

( مسألة 142 ) : لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض وان كان اصله منها كالنباتات ، وبعض المعادن كالذهب والفضة ، ورماد غير الأرض ونحوها ، واذا اشتبه ما يصح به التيمم بشيء من ذلك لزم تكرار التيمم ليتيقن معه الامتثال.

( كيفية التيمم وشرائطه )

( مسألة 143 ) : يجب في التيمم أمور :

(1) ضرب باطن اليدين على الأرض ، ويكفي وضعهما عليها أيضاً ، ـ والأحوط وجوباً ـ ان يفعل ذلك دفعة واحدة.

(2) مسح الجبهة ، وكذا الجبينين ـ على الأحوط وجوباً ـ باليدين من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى والى الحاجبين ـ والأحوط الأولى ـ مسحهما أيضاً.

(3) المسح بباطن اليد اليسرى تمام ظاهر اليد اليمنى من الزند إلى اطراف الاصابع ، والمسح بباطن اليمنى تمام ظاهر اليسرى ـ والأحوط وجوباً ـ رعاية الترتيب بين مسح اليمنى واليسرى.

ويجتزئ في التيمم سواء كان بدلاً عن الوضوء ، أم الغسل بضرب

 

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

قراءة جديدة في حفظ وبقاء الذكر والقرآن المنزّل:

فمن ثمّ يكون دورهم متمّم ومكمّل لدور النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في هداية البشرية، وإلى ذلك يشير قوله تعالى في آية الغدير: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) (١) ، لبيان خطورة وشدّة دورهم عليهم‌السلام المتمّم لدور النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في تبليغ الرسالة، وأنّه الأمر الذي يجب أن يُبلّغ لامتداد الرسالة وبقاء القرآن، أي بقاء حقيقيته النازلة والمتنزّلة منها درجات في كلّ عام في ليلة القدر لإبقاء المصحف المنقوش بالخط.

وإلاّ لو كان دورهم هو مجرّد النقل السماعي اللفظي عن الرسول كقناة لإيصال الألفاظ والصوت لما كان لسان الآية بهذا اللحن الشديد والخطب البليغ، كما أنّ تعليق وتبليغ الرسالة برمّتها على شخص يخلف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أمير المؤمنين عليه‌السلام لابدّ أن يكون في تحمّله عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله خصوصية لا يشترك معه فيها أحد؛ وإلاّ لشاركه آخرون في القيام بذلك الدور ولَمّا انحصر تبليغ الرسالة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله به.

وليست هذه الخصوصية وليدة عن كثرة سماع الوصي لكميّة كثيرة من الأحاديث، أو لقوّة حافظة عليّ عليه‌السلام لِما يسمعه من الحديث على النمط المألوف، ولا لمجرّد أكثرية ملازمته؛ وإلاّ لشاركه الآخرون في ذلك ولو بدرجة نازلة.

وإنّ تفسير خصوصية عليّ والعِترة الطاهرة بمجرّد هذه المزايا لا يحسم جَدَلِية السؤال عن وجه تخصيص الدور بهم، دون بقية الصحابة، والتابعين، وسائر فقهاء وعلماء الأُمّة، بل لكانت هذه المزايا نظير الترجيح بين الفقهاء في مسند الفتيا والقضاء وليست عملية اصطفاء إلهي، بل لما كان في تقديم المفضول على الفاضل ذلك القبح الشديد المستنكر، بل للزم احتياج العِترة إلى مشاركة الصحابة والتابعين معهم في

____________________

١) سورة المائدة: ٦٧.

٣٤١

القيام بهذا الدور.

بل خصوصية الاصطفاء الإلهي لهم دون غيرهم هو لحملهم حقيقة القرآن التي هي الروح الأمري، والتي قد تقدّم بيان صفاتها في الآيات والسور والروايات التي تقدّمت، وتبين أنّ لديهم عليهم‌السلام علم حقيقة القرآن كلّه، فضلاً عن درجات معانيه غير المتناهية وألفاظه، وهذا التراث والوراثة التكوينية لا يشاركهم فيها غيرهم بأدنى مشاركة، وهذا معنى انحصار باب مدينة علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعليّ عليه‌السلام ، بل ليس لغيرهم مهما بلغت درجته من العلم سوى الوقوف على حدود المعاني الظاهرة وبعض درجاتها التي توصّل إليها بواسطة الألفاظ.

وحيث إنّ الحاجة وبقاء الرسالة قائم بحقيقة القرآن لا بسطحية المعاني المنزّلة من تلك الحقيقة، ولأجل ذلك كان مقدار ما تنزّل من القرآن من المعاني الظاهرة والألفاظ لا يسدّ الحاجة لهداية البشرية إلاّ بضميمة التأويل، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١) ، فالتأويل باب مفتوح... درجات وطبقات المعاني المتنزّلة من الحقائق.

الوجودات الأربعة للقرآن:

ولتوضيح أقسام وجود القرآن ينبغي الالتفات إلى التقسيم الذي ذُكر في علم المنطق من أنّ لكلّ شي‏ء أربعة وجودات:

الأوّل: الوجود الكتبي للشي‏ء ، وهو نقش اسم الشي‏ء على الورق، أو نقش رسم

____________________

١) سورة آل عمران: ٧.

٣٤٢

صورته - فيما لو كان جسمانياً - كلفظ زيد أو صورته، ويُسمّى الوجود الكتبي لزيد ونقش اسمه.

الثاني: الوجود الصوتي لاسم زيد أو صوته، ويُسمّى بالوجود اللفظي الصوتي لزيد.

وهذان الوجودان يقال عنهما: الوجودان التنزيليان لزيد أو الوضعيان، أي أنّهما قُرِّرا وجودين لزيد أو للشي‏ء بحكم الاعتبار الأدبي، فلولا تباني البشر وأهل اللسان عن التعبير عن معنى زيد أو عن وجوده بذلك اللفظ أو بذلك الرسم والنقش من الكتابة، لَمَا كان لهما دلالة على معنى زيد أو وجوده، ولَمَا كان له صلة بحقيقة زيد ولا بمعناه، ومن ثمّ يعبّر عنهما وجودان تنزيليان لزيد، فلفظ زيد الصوتي تنزيل لحقيقة زيد، وكذلك نقش كتابة لفظ زيد تنزيل لحقيقة زيد.

الثالث: معنى زيد في الذهن والصورة التي له في الذهن، أي التي تنتقش تكويناً في ذهن الإنسان وفكره، ويُقال عنه الوجود المعنوي لزيد، وهذا الوجود تكويني وليس من قبيل الأوّلَين، أي: ليس وجوداً تنزيلاً اعتبارياً، بل هو وجود تكويني لزيد، ولكن لا لحقيقة وجوده بل لحقيقة معناه.

وقد يُطلق عليه تنزيل تكويني لا اعتباري لحقيقة وجود زيد، فهو ليس عين حقيقة الوجود ولكنّه عين حقيقة المعنى، وبين ذات معنى زيد وذات وجوده فرق فارق، بل إنّ لمعنى زيد مراتب:

منها: صورة بدنه في الذهن.

ومنها: معنى روحه ونفسه وعقله، أو ماهيته وذاته العقلية.

الرابع: حقيقة وجود زيد وهو وجوده العيني الخارجي، وهو وجود تكويني لزيد، كما أنّه الأصل في أقسام وجودات زيد، فليس هو وجود تنزيلي اعتباري أدبي كالأوّلَين، ولا وجود تكويني كالقسم الثالث، بل هو حقيقة وعين وجود زيد وهذا القسم بدوره أيضاً يشتمل على مراتب، منها: الوجود البدني لزيد، ووجود

٣٤٣

نفسه وروحه.

فتبيّن أنّ الوجود التكويني هو القسمان الأخيران، وكلّ منهما ذو مراتب، وهذا التقسيم يعمّ جميع الأشياء؛ فإنّ لكلّ شي‏ء من الأشياء وجود لفظي صوتي وكتبي نقشي، ووجودان تكوينان، وهو وجود معانيها في الذهن ووجود عيني خارجي.

فإذا تبيّن ذلك يتبيّن أنّ للقرآن الكريم هذه الوجودات الأربعة، فالتنزيل الذي في المصحف هو وجود كتبي ونقش للوجود اللفظي للقرآن، كما أنّ صوت قراءة القرآن هو وجود لفظي صوتي للقرآن.

ولكلّ من هذين الوجودين أحكام، فإنّه يُحرم لمس خطّ كتابته من دون طهارة، كما أنّ وجود المصحف الشريف المقدّس حرز وأمان، كما أنّه يُستحبّ النظر إليه، والقراءة منه أفضل وأكثر فضيلة من القراءة عن ظهر قلب، كما أنّ قراءة القرآن - وهو الوجود الصوتي - يدخل النور في البيت، ويطرد الشياطين، ويُكثر البركة والرزق، ويُستحب تحسين الصوت وتجويده، كما يُستحب قراءته بخشوع وحزن.

وأمّا معاني القرآن فهو الوجود الذهني للقرآن ومعانيه، وهو مصدر الهداية والبصيرة.

ومن أحكامه: لزوم التدبّر، كما قال تعالى: ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (١) ، فالتدبّر سرح للنظر في المعاني والسير في مدارجها بالتفكّر، قال تعالى: ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) (٢) . فلا يقتصر وجود القرآن على النقش الكتبي ولا على حركة ولقلقة اللسان وبديع التجويد وتحسين الصوت، بل كلّ ذلك إلى غاية أهمّ وهو وجود القرآن في أُفق المعنى، والاستضاءة بنور هدايته

____________________

١) سورة محمد: ٢٤.

٢) سورة القمر: ١٧.

٣٤٤

من خلال وجوده في أُفق المعنى ورحاب بصيرة تلك المعاني، ومنه تحصل معرفة الدين والشريعة والشرائع. وينقسم إلى: معنى ظاهري، ومعنى تأويلي، وإلى العلوم جمّة، علوم الحكمة والآداب والأخلاق، وأسرار الفقه والقانون، وحقائق التكوين والمعارف، وعلوم التربية الإنسانية، وبالجملة العلوم العقلية والظواهر الطبيعية، وغيرها من منظومات العلوم.

حقيقة القرآن ووجوده:

والوجود الرابع للقرآن العيني الخارجي هو الذي يشير إليه قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (١) ، فربط تعالى بين إنزال الروح الأمري وإحيائها وإرسالها، ومعرفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالكتاب كلّه، وقد عبّر عن ذلك بالإيحاء وهو الإرسال الخفي، وتشير الآية إلى معرفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بجملة الكتاب دفعةً.

ونفس هذا الترابط بين الروح الأمري وبين نزول جملة الكتاب نجده في سورة القدر، حيث قال تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ... ) (٢) ، نلاحظ أنّ نزول القرآن والروح الأمري مترابطان.

وكذلك في سورة الدّخان، قوله تعالى: ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) (٣) ، والضمير عائد على الكتاب

____________________

١) سورة الشورى: ٥٢.

٢) سورة القدر: ١ـ ٤.

٣) سورة الدخان: ١ - ٥.

٣٤٥

المبين جملة وإرسال الروح الأمري.

فيستخلص من جملة هذه الآيات: أنّ نزول القرآن جملة هو نزول حقيقته، وهو الروح الأمري، وهذا هو حقيقة الفرق بين تنزيل القرآن نُجوماً الذي هو الوجود اللفظي للقرآن، وبين نزوله دفعة.

٣٤٦

الأمر الثاني

إنّ للقرآن درجات ومدارج

هناك حقيقة ثابتة مسلّمة بين المسلمين، وهي حقيقة قرآنية من كون القرآن المنزّل ذا تأويل، كما قال تعالى: ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١) ، فللقرآن تأويل وبطون، وقال تعالى: ( هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ ) (٢) ، وقال تعالى: ( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ) (٣) ، فالتأويل والبطون سوى ظاهره المنزّل، بل وتلك البطون التي لا تنفذ من بحور حقائق القرآن تترقّى وتتّصل بأصل حقيقة القرآن الغيبية التي يُطلق عليها: الكتاب المكنون، والكتاب المبين، أو اللوح المحفوظ، أو أُمّ الكتاب.

وعلى ضوء ذلك، فليست الشريعة والدين تقتصران وتنحصران في الظاهر المنزّل، بل هما يشملان تلك البطون، فلا ينحصر تبليغ وأداء الشريعة بأداء الظاهر المنزّل وإبلاغ آيات التنزيل، بل يعمّ تلك البواطن.

ولم يقف على تلك البواطن وأُمّ الكتاب إلاّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعِترته الذين ورثوه بوراثة الاصطفاء، فسنخ ونمط تحمّل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتبليغه، وتحمّل أهل بيته عليهم‌السلام عنه وتبليغهم، ليس سنخُ نمطِ تحمّلِ وتبليغ الرواة للأخبار الحسّية المسموعة لفظاً، التي

____________________

١) سورة آل عمران: ٧.

٢) سورة الأعراف: ٥٣.

٣) سورة يونس: ٣٩.

٣٤٧

تحمّلوها ليؤدّوها إلى غيرهم، كي يكون الحال في هذا التبليغ (رُبّ حامل لا يفقه ما حُمّل، أو رُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه) ، لأن ما تحمّله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن اللَّه تعالى وتحمّله أهل بيته عليهم‌السلام عنه هو تحمّل للحقائق المهيمنة والمحيطة بالمعاني.

حقيقة تبليغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته:

المنزّلة في آفاق درجات المعاني الباطنة والظاهرة والألفاظ المقروءة.

فمن ثمّ سُمّي هذا التبليغ والإبلاغ (إنزالاً) و (تنزيلاً) ، بينما سُمّي تبليغ الرواة إلى غيرهم (نقلاً) وإيصالاً في خطّ أُفقي، ونقلاً للحديث الملفوظ وإسماع الكلام المسموع (ورواية) للخبر المعلوم بالحواسّ الظاهرة، فالذي تحمّلوه هو ألفاظ مسموعة وطبقة من المعاني‏ الظاهرة لأفهامهم من وراء حجاب اللفظ، فهذا النمط والنوع من التحمّل والتبليغ يتحرّك في سير أُفقي، ومن ثمّ قد يصعد المنقول إليه ويتصاعد إلى بعض درجات المعاني وغورها، على عكس الناقل الذي ربّما يكون واقفاً على الألفاظ والدرجة الأُولى لمعانيها، فيكون المنقول والمحمول إليه الخبر أكثر إحاطةً من الناقل والحامل.

وهذا لا يُتصوّر في التحمّل الوحياني والتبليغ النبويّ، وتحمّل الإمام عن النبيّ وتبليغه لا يكون إلاّ عن إحاطة بالحقائق الوجودية، فضلاً عن الإحاطة بكل آفاق المعاني التي هي صور منعكسة متنزّلة عن تلك الحقائق، وأشعةٌ ولمعات يسيره من وهج نور الحقيقة، كيف لا؟! وتلك الحقائق لا يشذّ عنها رطْب ولا يابس ولا غائبة في السماوات والأرض، ولا ما كان ولا ما يكون وكلّ شي‏ء مستطرّ، وتحيط بكلّ هدى ونور، وكلّ فلاح وصلاح، وكل سعادة ونجاح، وتبيان لكلّ شي‏ء.

ففيما يبلّغه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام لا تقف الرعية - بما فيها من الفقهاء والعلماء والحكماء والعارفين - إلاّ على الألفاظ المتنزّلة والمعاني الظاهرة، وقد

٣٤٨

يترقّى الحال في بعضهم للوصول إلى بعض درجات المعاني أو لمح بعض لمعان أنوار الحقائق، من دون التحقّق بعينية تلك الحقائق فضلاً عن اكتناهها، ولا الإحاطة بجميع مدارج المعاني.

من ثمّ تدوم وتظلّ حاجة الرعية والبشرية قائمة ومستمرّة إلى تواصل بيانات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام وهدايتهم وتبليغهم، ويشير إلى ذلك قوله تعالى: ( مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١) ، وقوله تعالى: ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (٢) .

وكذلك يشير قول الإمام الصادق عليه‌السلام في رواية إسحاق بن عمار، قال:

(إنّما مثل عليّ عليه‌السلام ومثلنا من بعده من هذه الأُمّة كمثل موسى عليه‌السلام والعالم حين لقيه واستنطقه وسأله الصُحبة، فكان من أمرهما ما اقتصّه اللَّه لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه، وذلك أنّ اللَّه قال لموسى: ( إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) (٣) ، ثمّ قال: ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ ) (٤) .

وقد كان عند العالم علم لم يكتب لموسى في الألواح، وكان موسى يظنّ أنّ جميع الأشياء التي يحتاج إليها في تابوته وجميع العلم قد كتب له في الألواح، كما يظنّ هؤلاء الذين يدّعون أنّهم فقهاء وعلماء وأنّهم قد أثبتوا جميع العلم والفقه في الدين، ممّا تحتاج هذه الأُمّة إليه، وصحّ لهم عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلموه وحفظوه. وليس كلّ علم رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله علموه ولا صار إليهم عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا عرفوه؛ وذلك أنّ الشي‏ء من الحلال والحرام والأحكام يرد عليهم فيُسألون عنه، ولا يكون عندهم فيه أثر عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ويستحون أن ينسبهم الناس إلى الجهل

____________________

١) سورة آل عمران: ٧.

٢) سورة العنكبوت ٤٩.

٣) سورة الأعراف ١٤٤: ٧.

٤) سورة الأعراف ١٤٥: ٧.

٣٤٩

ويكرهون أن يُسألوا فلا يجيبوا، فيطلب الناس العلم من معدنه، فلذلك استعملوا الرأي والقياس في دين اللَّه، وتركوا الآثار ودانوا اللَّه بالبدع، وقد قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : كلّ بدعة ضلالة. فلو أنّهم إذا سُئلوا عن شي‏ء من دين اللَّه فلم يكن عندهم منه أثر عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ردّوه إلى اللَّه وإلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم من آل محمّد، والذي منعهم منّا العداوة والحسد لنا.

لا واللَّه، ما حَسَد موسى عليه‌السلام العالِم، وموسى نبيّ اللَّه، يُوحي اللَّه إليه حيث لقيه واستنطقه وعرّفه بالعلم، ولم يحسده كما حسدتنا هذه الأُمّة بعد رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله على علمنا وما ورثنا عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يرغبوا إلينا في علمنا كما رغب موسى عليه‌السلام إلى العالِم وسأله الصحبة ليتعلّم منه ويرشده. فلمّا أن سأل العالِم ذلك علَم العالِمُ أنّ موسى عليه‌السلام لا يستطيع صحبته ولا يحتمل علمه ولا يصير معه، فعند ذلك قال العالم: ( وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ) (١) ، فقال موسى عليه‌السلام له - وهو خاضع له يستعطفه على نفسه كي يقبله -:

( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) (٢) ، وقد كان العالم يعلم أنّ موسى عليه‌السلام لايصبر على علمه، فكذلك واللَّه - يا إسحاق بن عمار - حال قضاة هؤلاء وفقهائهم وجماعتهم اليوم، لايحتملون واللَّه علمنا ولا يقبلونه، ولا يطيقونه ولا يأخذون به ولا يصبرون عليه، كما لم يصبر موسى عليه‌السلام على علم العالِم حين صحبه ورأى ما رأى من علمه، وكان ذلك عند موسى عليه‌السلام مكروهاً وكان عند اللَّه رضاً وهو الحقّ، وكذلك عِلْمنا عند الجهلة مكروه لا يؤخذ وهو عند اللَّه الحق) (٣) .

فإذا التفتّ بنحو الإجمال إلى سنخ تحمّل وتبليغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن اللَّه تعالى

____________________

١) سورة الكهف: ٦٨.

٢) سورة الكهف: ٦٩.

٣) العياشي، ج٢، ص٣٣٠، ح ٤٦، والبرهان، ج٣، ص٦٥١، في ذيل سورة الكهف، آية ١٨.

٣٥٠

وتحمّل وتبليغ أهل بيته عليهم‌السلام عنه، يجدر بالمقام الالتفات إلى كون القرآن ذا حقيقة عينية غيبية، والتي هي: الكتاب المبين، وأُمّ الكتاب، واللوح المحفوظ، والكتاب المكنون . كما في قوله تعالى: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إلاّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (١) ، حيث يشير إلى وجود كينونة للقرآن علوية تُدعى بالكتاب المكنون، أي المحفوظة من أن يصل إليها إلاّ المطهرون من الذنوب والرجس، وأنّ ما بين الدفّتين من القرآن تنزيل ونزول من ذلك المقام العلوي له.

ومثل هذه الإشارة نجدها في قوله تعالى: ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) (٢) ، فوصف القرآن بالمجد والعظمة لكينونته العلوية، أي أنّ المجد والعظمة وصْف لذلك الوجود، ولا يغرق الباري تعالى في وصْف موجود بالعظمة إلاّ لخطورة موقعيته في عالم الأمر والخِلقة، وتلك الكينونة هي المسمّاة باللوح المحفوظ، والوصف بلفظ المحفوظ مع لفظ المكنون مترادف.

وكذلك نجد الإشارة نفسها في قوله تعالى: ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (٣) ، فوصف القرآن بأنّ له كينونة في أُمّ الكتاب وهي وجود علوي لدني عنديَّ لدى الباري تعالى، وهذا الوجود موصوف بالعلوّ والإحكام في قِبال التفصيل الذي طرأ على القرآن حين النزول، كما يشير إليه قوله تعالى: ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (٤) .

وكذلك قوله تعالى: ( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ

____________________

١) سورة الواقعة: ٧٧ - ٨١.

٢) سورة البروج: ٢٥.

٣) سورة الزخرف: ٤.

٤) سورة الأعراف: ٥٢.

٣٥١

خَبِيرٍ ) (١) ، وكذلك قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (٢) ، فالقرآن النازل تفصيل ونجوم للكتاب العلوي، ويشير إلى الوجود العلوي للقرآن قوله تعالى: ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ) (٣) ، أي أنّ القرآن متنزّل من الكتاب المبين، وقد وصِفَ الكتاب المبين بعدّة أوصاف:

منها: قوله تعالى: ( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (٤) ، وقال تعالى: ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلاّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (٥) .

وقوله تعالى: ( ... وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (٦) ، وقوله تعالى: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إلاّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (٧) .

ثمّ إنّ هناك تعدّداً أيضاً بين مقام وموقع القرآن الكريم بحسب الكتاب المبين واللوح المحفوظ وأُمّ الكتاب، وبين إنزاله جملةً واحدة، وبين تنزيله مفصّلاً مفرّقاً بحسب الزمان، فهناك ثلاثة مقامات ومواقع ومراحل رئيسية للقرآن الكريم لا يسع المقام الخوض في تفصيلها، إلاّ أنّ المحصَّل ممّا مرّ أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عالم بالكتاب المبين واللوح المحفوظ.

وكذلك أهل بيته المطهّرون، كما أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أُنزل إليه القرآن جملة وهي

____________________

١) سورة هود: ١.

٢) سورة يونس: ٣٧.

٣) سورة الدخان: ٣.

٤) سورة النمل: ٧٥.

٥) سورة الأنعام: ٥٩.

٦) سورة يونس: ٦١.

٧) سورة هود: ٦.

٣٥٢

المرحلة الثانية، كما تنزل عليه القرآن نجوماً مفصلاً أو تفصيلاً وهي المرحلة الثالثة، كما تبين أنّ حقائق القرآن العينية موجودة بوجود علوي، وأنّ المعاني وطبقاتها متنزّلة من تلك الحقائق معاكسة وحاكية لها، وأنّ ألفاظ التنزيل ثوبٌ وصورة.

قراءة في معنى إكمال الدين بعليّ:

للمعاني المتنزّلة ودرجاتها إلى درجة المعنى الظاهر.

فالكتاب لا يقتصر على التنزيل والظاهر، بل له بطون لا تُحصى من المعاني، ولبطونه بطون هي حقائق مهيمنة، وأنّه لا يحيط بكلّ ذلك إلاّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بما أوحاه اللَّه إليه، ومن بعده أهل بيته عليهم‌السلام عنه، وبالتالي، لا يمكن الاقتصار على التنزيل والظهور في الوصول إلى معرفة الدين القويم ونيل الهداية الإلهية من دون وجود الشخص المبيّن لتلك البطون والكاشف عن حقائق التنزيل؛ لِحاجة البشرية إلى الكتاب كلّه، ولكلّ درجاته، على نحو التدريج بحسب مرّ الزمان والعصور.

فمن ثمّ اتّفقت - الإمامية أتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام - على أنّ الدين لم يكمل بالتنزيل إلاّ بعد أن نصّبَ اللَّهُ عليّاً إماماً وهادياً لدينه وكتابه من بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما ينادي بذلك قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلامَ دِينًا ) (١) ، فإكمال الدين وإتمام النعمة لم يحصل بمجرّد التنزيل، بل بنصب قيّم بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مبيناً لبطون القرآن وحقائقه، ومن بعد عليّ أولاده المعصومين، وفي هذا الزمان وَلده الحجّة الإمام المنتظر (سلام اللَّه عليه).

وقد روى الكُليني بسنده إلى الحسن بن العباسي بن الحريش عن أبي جعفر

____________________

١) سورة المائدة: ٣.

٣٥٣

الثاني عليه‌السلام قال: (قال أبو عبد اللَّه عليه‌السلام : بينا أبي عليه‌السلام يَطُوف بالكعبة إذا رجل مُعتجرٌ قد قيض له - في حديث مسائلة إلياس النبيّ عليه‌السلام للباقر عليه‌السلام - وما قاله له: أخبرني عن هذه العلم الذي ليس فيه اختلاف من يعلمه؟

قال أبو جعفر عليه‌السلام : أما جملة العلم فعند اللَّه جلّ ذكره، وأمّا ما لابدّ للعباد منه فعند الأوصياء. ففتح الرجل عجيرته واستوى جالساً وتهلّل وجهه، وقال: هذه أردتُ، ولها أتيتُ، زعمت أنّ علم ما لا اختلاف فيه من العلم عند الأوصياء، فكيف يعلمونه؟

قال: كما كان رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يَعْلَمُه، إلاّ أنّهم لا يرون ما كان رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يرى؛ لأنّه كان نبيّاً وهم محدَّثون - بالفتح -، وأنّه كان يَفِد إلى اللَّه عزّ وجلّ فيسمع الوحي وهم لا يسمعون. فقال صدقت يا بن رسول اللَّه...

فإن قالوا لك: فإنّ عِلم رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان من القرآن، فقل: ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) (١) .

فإن قالوا لك لا يرسل اللَّه عزّ وجلّ إلاّ إلى نبيّ، فقل: هذا الأمر الحكيم الذي يفرق فيه هو من الملائكة والروح التي تنزّل من سماء إلى سماء أو من سماء إلى أرض.

فإن قالوا: من سماء إلى السماء. فليس في السماء أحدٌ يرجع من طاعة إلى معصية.

فإن قالوا: من سماء إلى أرض وأهل الأرض أحوج الخلق إلى ذلك، فقل: فهل لهم بد من سيد يتحاكمون إليه؟

فإن قالوا: فإنّ الخليفة هو حكمهم فقل: ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (٢) ، لعمري ما في الأرض ولا في

____________________

١) سورة الدخان: ١ - ٥.

٢) سورة البقرة: ٢٥٧.

٣٥٤

السماء وليٌّ للَّه عزّ ذكره إلاّ وهو مؤيّد، ومن أُيّد لم يخطّ، وما في الأرض عدوّ للَّه عزّ ذكره إلاّ وهو مخذول، ومن خُذل لم يصبْ، كما إنّ الأمر لابدّ من تنزيله من السماء يحكم به أهل الأرض كذلك لابدّ من وال.

فإن قالوا: لا نعرف هذا.

فقل: ( لهم) قولوا ما أحببتم، أَبَى اللَّه عزّ وجلّ بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يترك العباد ولا حجّة عليهم) (١) .

ويتبيّن من ذلك أنّ إنكار أحد أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، أي إنكار اتّصال سلسلة إمامتهم أعظم كفراً من إنكار أحد المرسلين السابقين ، أي: من إنكار سلسلة اتّصال رسالات المرسلين السابقين؛ وذلك لأنّ إنكار سلسلة اتّصال إمامة أهل البيت تعني إنكار بقاء حجّية القرآن، للقول بتعطيل الكتاب بتعطيل نزول تأويله في كلّ عام.

وإنكار القرآن أعظم جحوداً من إنكار أحد الكتب المنزّلة السابقة، وقد عرفت أنّ ليلة القدر قد كانت منذ أوّل نبيّ بعثه اللَّه عزّ وجلّ واستمرّت مع جميع الأنبياء إلى قائم الأنبياء إلى خاتم الأنبياء، وكانت مع أوصياء الأنبياء، وهي مع الأوصياء من أهل البيت عليهم‌السلام بعد رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك لأنّها من أبرز قنوات الاتّصال مع الغيب، وبتوسّطها ينزل تأويل الكتب السماوية في من سبق، وتأويل القرآن على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أهل بيته من بعده.

ومن ثمّ ورد: أنّه لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن. كما مرّت الإشارة إليه، فليلة القدر تمثّل وحدة السبب الاتّصالي بين الأرض والسماء، وأنّ إنكارها بإنكار أحد الأئمّة من أهل البيت هو في الحقيقة إنكار لطبيعة هذا الاتّصال الواحد الموحّد لدى السفراء الإلهين، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى

____________________

١) الكافي، ج١، ص٢٤٢.

٣٥٥

وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (١) .

وقوله تعالى: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٢) .

فلم يكتفِ الباري عزّ وجلّ في الإيمان بالرسول‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقط، وإنّما قَرَن معه بالنور النازل معه والذي هو الروح الأمري روح القدس، الذي هو حقيقة الكتاب الذي وصف بالنور بأنّه مع من اصطفاه اللَّه من العباد بعد رسول اللَّه ‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك لقوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ) (٣) .

وروى الكُليني بسند معتبر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: (لقد خَلق اللَّه عزّ وجلّ ذكره ليلة القدر أوّل ما خلق الدنيا، ولقد خلق فيها أوّل نبيّ يكون، وأوّل وصيّ يكون، ولقد قضى أن يكون في كلّ سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأُمور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جَحَدَ ذلك فقد ردّ على اللَّه عزّ وجلّ عِلمه؛ لأنّه لا يقوم الأنبياء والرسل والمحدثون إلاّ أن تكون عليهم حجّة بما يأتيهم في تلك الليلة مع الحجّة التي يأتيهم بها جبرئيل عليه‌السلام ، قلت: والمحدّثون أيضاً يأتيهم جبرئيل أو غيره من الملائكة عليهم‌السلام ؟

قال: أمّا الأنبياء والرسل (صلّى الله عليهم) فلا شكّ، ولابدّ لمن سواهم من أوّل يوم خلقت فيه الأرض إلى آخر فناء الدنيا أن تكون على أهل الأرض حجّة ينزل ذلك في تلك الليلة إلى من أحبّ من عباده.

وايمُ اللَّه، لقد نزل الروح والملائكة بالأمر في ليلة القدر على آدم، وايمُ اللَّه ما

____________________

١) سورة البقرة: ١٣٦.

٢) سورة الأعراف: ١٥٧.

٣) سورة الشورى: ٥٢.

٣٥٦

مات آدم إلاّ وله وصيّ، وكلّ مَن بعد آدم من الأنبياء قد أتاه الأمر فيها ووضع لوصيه مِن بعده، وايمُ اللَّه إن كان النبيّ ليؤمر فيما يأتيه من الأمر في تلك الليلة، من آدم عليه‌السلام إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن أُوصي إلى فلان، ولقد قال اللَّه عزّ وجلّ في كتابه للولاة من بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصّة: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (١) .

يقول: استخلفكم لعلمي وديني وعبادتي بعد نبيّكم، كما استخلف وُصاة آدم من بعده، حتّى يُبعث النبيّ الذي يليه ( يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) ، يقول: يعبدونني بإيمان لا نبيّ بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن قال غير ذلك ( فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) .

فقد مكّن ولاة الأمر بعد محمّد بالعلم ونحن هم، فاسألونا فإن صدّقناكم فأقرّوا، وما أنتم بفاعلين!

أمّا علمنا فظاهر، وأمّا إبان أجلنا الذي يظهر فيه الدين منّا حتّى لا يكون بين الناس اختلاف، فإنّ له أجلاً من ممرّ الليالي والأيام، إذ أتى ظهر وكان الأمر واحداً.

وأيم اللَّه لقد قُضي الأمر أن لا يكون بين المؤمنين اختلاف، ولذلك جعلهم شهداء على الناس ليشهد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله علينا، ولنشهد على شيعتنا، ولتشهد شيعتنا على الناس. أبى اللَّه عزّ وجلّ أن يكون في حكمه اختلاف، أو بين أهل علمه تناقض.

ثمّ قال أبو جعفر عليه‌السلام : فضْل إيمان المؤمن بجملة ( إنّا أنْزَلْناهُ ) وبتفسيرها على من ليس مثله في الإيمان بها كفضل الإنسان على البهائم، وإنّ اللَّه عزّ وجلّ ليدفع بالمؤمنين بها...) (٢) .

وقد ورد من طرق الفريقين عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله لعليّ عليه‌السلام : (أنا أقاتل على التنزيل وعليّ

____________________

١) سورة النور: ٥٥.

٢) الكافي، ج١، ص٢٥١.

٣٥٧

يقاتل على التأويل) (١) .

ومنه ظهر أنّ سنخ تبليغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن اللَّه، وأهل بيته عليهم‌السلام عنه، لا يقف على حدّ التنزيل والألفاظ، بل يتّسع إلى ما لا يُحصى من مَدارج المعاني وبيان الحقائق، فالحاجة إلى تبليغهم وأدائهم عن اللَّه ووساطتهم بين اللَّه وخلقه تمتدّ إلى يوم القيامة في دار التكليف ونشأة الامتحان، ما دام البشر يحتاجون في كل بيئة إلى رؤية كونية عقائدية أعمق للحقائق والمعارف، ويحتاجون إلى هداية من الشريعة إلى أطوار نظامهم الاجتماعي السياسي وحقوله.

فتلخّص: أنّ ما تسالم عليه المسلمون من وجود الظهور والبطون في الكتاب العزيز وكون علومه وحقائقه وكلماته لا تتناهى، يستلزم دوام الحاجة إلى تبليغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام من بعده، وعدم سدّ الحاجة بخصوص الظاهر؛ بعد كون الإيمان بباطن القرآن على حذو الإيمان بظاهره.

ويشير إلى ذلك أيضاً قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (٢) ، فإنّ توقّف تبليغ مجمل الرسالة على نصب عليّ عليه‌السلام في الغدير بحيث لو لم يُنصّب لم تُبلّغ الرسالة من رأس وهذا المفاد في الآية، مؤشّر واضح على أنّ ما حمل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من الرسالة بالوحي مُعظَمه لا يقتصر على التنزيل، بل جُلّه في البطون وحقيقته العلوية التي لا يشذّ عنها شي‏ء، وهذا لم يؤدِّه النبيّ إلاّ لعليّ وأهل بيته خاصّة، وتأديته صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل بيته لم تقتصر على النمط الحسّي ولا

____________________

١) الخصال للصدوق، ص٦٥٠.

٢) سورة المائدة: ٦٧، وروى الواحدي النيشابوري في أسباب النزول بسند متّصل، عن أبي سعيد الخدري، قال: نزلت هذه الآية: ( أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ... ) يوم غدير خُم في عليّ بن أبي طالب (رضيّ الله عنه).

٣٥٨

هو عمده الطريق لتلقّيهم عليه‌السلام عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فمن ثمّ كان إبلاغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله التنزيل للناس من دون نصب عليّ نفي لإبلاغ وبلاغ جُلّ الرسالة، وأنّ ما عند الناس من الدين والشريعة والرسالة هو أقلّ من قليل، إلاّ باتّباعهم لأهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذهم عنهم ما أدّاه النبيّ إلى أهل بيته من حقائق القرآن والشريعة، ويشير إلى ذلك ما روته العامّة في الصحاح وغيرها كما ذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء (١) : (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة كلّهم من قريش).

وفي رواية: (إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي له فيهم اثني عشر خليفة كلّهم من قريش) (٢) ، وفي رواية عن أبي داود: (لا يزال هذا قائماً حتّى يكون لكم اثني عشر خليفة) (٣) .

فإنّ التعبير بأنّ الدين قائم بهم أي أنّه ينقضي بزوالهم ويزول بمضيهم، وأنّ عمر هذا الدين وصلاحه مرهون عند اللَّه عزّ وجلّ بالخلفاء الاثني عشر.

وهذا المفاد للحديث النبويّ المستفيض يقتضي بأنّ ما وصل بأيدي الناس من ظاهر التنزيل من المصحف الشريف وروايات السنّة النبويّة بمجرّده لا يكفي في بقاء الدين، ممّا يدلّ على أنّ معظم الدين وقوامه موجود لدى الاثني عشر سلام اللَّه عليهم دون غيرهم، وكذا لا يمكن الاكتفاء بظاهر التنزيل والروايات المأثورة عن أهل البيت عليهم‌السلام والاستغناء عن المهدي (عج).

حيث قال تعالى: ( قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَد

____________________

١) تاريخ الخلفاء، ص١٠، طبعة السعادة في مصر، كما نقلنا ذلك في محلقات إحقاق الحقّ،ج١٣، ص١٢.

٢) السيوطي عن صحيح مسلم، نفس المصدر.

٣) سنن أبي داود، ج٤، ص١٥٠، طبعة السعادة بمصر، ومسند أحمد بن حنبل، ص٨٦ - ٨٧، طبعة الميمنة مصر، ومسند أبي عوانة، ج٤، ص٣٩٩، طبعة حيدر آباد، وهناك مصادر أخرى، لاحظ: ملحقات إحقاق الحق، ج١٣، ص١ - ٤٨.

٣٥٩

كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ) (١) ، وقال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (٢) .

وليس المراد من الكلمات التي لا تنفذ الألفاظ الصوتية، أو المنقوشة المدوّنة، أو المعاني المفهومة المتصوّرة؛ إذ إطلاق الكلمة والكلمات على هذين الموردين إطلاق مجازي عند العقل، إذ الكلمة هي الشي‏ء الدالّ بذاته تكويناً على أمر آخر، ومن ثمّ يُطلق على وجودات الأشياء المخلوقة - لا سيّما الشريفة - أنّها كلمات اللَّه؛ لدلالتها على صفات الباري تعالى.

ومنه يُعرف الترادف عند العقل بين الكلمة الحقيقية والآية، ومن ثمّ ورد إطلاق كلّ منهما على النبيّ عيسى عليه‌السلام ، وقال تعالى في بشارة الملائكة لمريم: ( إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) (٣) ، فجعل تعالى وجود نبيّه كلمة منه تعالى وتكلّمٌ منه، وجعل عنوان المسيح - عيسى بن مريم - اسم للكلمة، كما أطلق تعالى الآية على عيسى بن مريم حيث قال: ( وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا ) (٤) .

فهذه الكلمات الوجودية والتي قد تعرّضت جملة من الآيات لنعوتها وصفاتها والتي لا تنفذ، كلّها مجموعة في الكتاب المبين؛ إذ الكتاب هو ما يتألّف من كلمات، فالكتاب المبين متكوّن من وجود جُملي لكافّة الكلمات الوجودية بالوجود الملكوتي، ومن ثمّ نعت الكتاب المبين بأنّه مفاتح الغيب كما في الآية المتقدّمة: ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلاّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إلاّ فِي كِتَابٍ

____________________

١) سورة الكهف: ١٠٩.

٢) سورة لقمان: ٢٧.

٣) سورة آل عمران: ٤٥.

٤) سورة مريم: ٢١.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592