الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية10%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141433 / تحميل: 8974
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

٥٧ ـ ثلاث فضائل للإمامعليه‌السلام لا تضاهى :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٥٨ ط ٢)

ذكر مسلم أن معاوية أمر سعدا بالسبّ فأبى. فقال : ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟. فقال : ثلاث قالهن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلن أسبّه ، ولئن تكن لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النّعم (أي الحمر الوحشية يضرب بها المثل لقيمتها وندرتها).(١) سمعته يقول لعليعليه‌السلام وقد خلّفه في بعض مغازيه ، فقال له عليعليه‌السلام :خلّفتني مع النساء والصبيان!. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي. (٢) وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ، ويحبّ الله ورسوله. قال : فتطاولنا إليها.فقال : ادعوا إليّ عليا ، فأتاه وبه رمد ، فبصق في عينيه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه. (٣) ولما نزلت( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) [آل عمران : ٦١] دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة وعليا والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فقال : الله م هؤلاء أهلي.

وقال عبد الله بن عمر : كان لعلي بن أبي طالب ثلاث ، لو كان لي واحدة منهن كانت أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس : تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية ، وآية النجوى (إذ لم يعمل بها أحد غيره).

٥٨ ـ أربع مناقب للإمام عليعليه‌السلام :

(النص والاجتهاد)

سئل الحسن البصري فيما يقوله عن فضل عليعليه‌السلام ؟

فقال : ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع :

ـ ائتمانه على (براءة).

ـ وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له في غزوة تبوك وقد خلّفه على المدينة : يا علي ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي.

ـ وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الثقلان كتاب الله وعترتي.

ـ وأنه لم يؤمّر عليه أمير قط ، وقد أمّرت الأمراء على غيره.

٥٩ ـ محبة علي بن أبي طالبعليه‌السلام دليل الإيمان وطهارة المولد :

قال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٩٧ :

ونقل هذه الأحاديث سيد حكماء الإسلام المير داماد في كتابه (تصحيح الإيمان وتقويم الأديان) :

١٤١

في صحيح البخاري وأبي داود ومسند أحمد بن حنبل وفضائل السمعاني وحلية الحافظ أبي نعيم وغيرها من كتب العامة ، من طرائق مختلفات وطرق شتى ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليعليه‌السلام : «لا يحبّك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو لا أنت لم يعرف حزب الله».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زعم أنه آمن بما جئت به وهو يبغض عليا ، فهو كاذب ليس بمؤمن».

وعن أبي سعيد الخدري قال : كنا نعرف المنافقين على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببغضهم عليا.

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بوروا

(أي اختبروا) أولادكم بحب علي بن أبي طالب ، فمن أحبه فاعلموا أنه لرشده ، ومن أبغضه فاعلموا أنه لغيّه».

وروى البيهقي أن الأنصار كانت تقول : إنا كنا لنعرف الرجل لغير أبيه ، لبغضه علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

جملة من فضائل فاطمة الزهراءعليها‌السلام

٦٠ ـ فضائل فاطمةعليها‌السلام الخاصة :

(مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول لابن طلحة الشافعي)

من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لفاطمةعليها‌السلام وهو في مرضه الأخير على مسمع من كل زوجاته : «يا فاطمة ، أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة؟!.».

(أورده البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي)

وقد ثبت بالأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة أن فاطمةعليها‌السلام كانت أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غيرها ، وأنها سيدة نساء أهل الجنّة.

٦١ ـ ابن الحنفية يعترف بفضل الحسينعليه‌السلام وفضل أمه الزهراءعليها‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٤ ص ٦٦)

حدّث الصولي عن الإمام الصادقعليه‌السلام في خبر ، أنه جرى بين الحسينعليه‌السلام

١٤٢

وأخيه محمّد بن الحنفية كلام (أي خصومة). فكتب ابن الحنفية إلى الحسينعليه‌السلام : أما بعد يا أخي ، فإن أبي وأباك عليعليه‌السلام ، لا تفضلني فيه ولا أفضلك ، وأمك فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو كان ملء الأرض ذهبا ملك أمّي ما وفّت بأمّك. فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتّى تترضّاني ، فإنك أحقّ بالفضل مني ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. ففعل الحسينعليه‌السلام ذلك ، فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء.

٦٢ ـ حبّ فاطمةعليها‌السلام وبغضها ـ ويل لمن يظلم ذريتها :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لسلمان : يا سلمان ، من أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنّة معي ، ومن أبغضها فهو في النار. يا سلمان حبّ فاطمة ينفع مائة موطن من المواطن ، أيسر تلك المواطن : الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة. فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ، ومن رضيت عنه رضي الله عنه. ومن غضبت عليه غضبت عليه ، ومن غضبت عليه غضب الله عليه.

يا سلمان ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها ، وويل لمن يظلم ذريتها.

فضائل الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام

٦٣ ـ ثواب محبة الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام :

أخرج الإمام أحمد والترمذي عن عليعليه‌السلام أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيد الحسن والحسينعليه‌السلام وقال : «من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في الجنّة».

٦٤ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو لفاطمة وعليعليهما‌السلام بالبركة في نسلهما :

روى أبو حاتم عن أنس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على فاطمة وعليعليهما‌السلام بعد زواجهما ، فدعا بماء فتوضأ ، ثم أفرغه على علي وفاطمةعليهما‌السلام وقال : الله م بارك فيهما وبارك عليهما ، وبارك لهما في نسلهما. (وفي رواية) : وبارك لهما في شبليهما (الشبل : ولد الأسد). وهو من الإخبار بالمغيبات ، كما قال جلال الدين السيوطي في (ديوان الحيوان) لأن المراد بالشبلين الحسن والحسينعليهما‌السلام .

١٤٣

٦٥ ـ آدم يسأل الله بالخمسة أن يتوب عليه :

(المنتخب للطريحي ، ص ٧٧ ط ٢)

روى الفقيه المغازلي الشافعي ، بإسناده عن ابن عباس قال : سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربه فتاب عليه؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سأله بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام إلا تبت عليّ ، فتاب عليه.

٦٦ ـ فضيلة الخمسةعليهم‌السلام على هذه الأمة :

(المصدر السابق ص ١١٠)

روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : بي أنذرتم ، ثم بعلي بن أبي طالب اهتديتم ، وقرأ قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) [الرعد : ٧]. وبالحسن أعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون وبه تشقون. ألا وإنما الحسين باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة.

٦٧ ـ اقتدوا بالشمس والقمر والزهرة والفرقدين :

(شجرة طوبى للمازندراني ، ج ٢ ص ٤٢٦)

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتدوا بالشمس ، فإذا غابت الشمس فاقتدوا بالقمر ، فإذا غاب القمر فاقتدوا بالزّهرة ، فإذا غابت الزهرة فاقتدوا بالفرقدين ، فإذا افتقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة.

فقالوا : يا رسول الله فما الشمس وما القمر ، وما الزّهرة وما الفرقدان؟ ...فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا الشمس ، وعليّ القمر ، وفاطمة الزّهرة ، والفرقدان : الحسن والحسين ، وأما النجوم الزاهرة فالأئمة التسعة من صلب الحسين ، والتاسع مهديّهم.

يقول الشيخ محمّد مهدي الحائري المازندراني معقبا على هذا الحديث :

أما الشمس التي هي (النبوة) فغابت بقلب مكمد محزون ، مما قاسىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أمته. وأما الزّهرة التي هي (فاطمة الزهراء) فقد أخمدوا ضوءها وزهرتها باللطم والعصر بين الحائط والباب. وأما القمر وهو (فلك الإمامة) فقد خسفوه بسيف عبد الرحمن بن ملجم. وأما الفرقدان وهما (الحسن والحسين) فغاب أحدهما بقلب مسموم وقد تقيّأ كبده ، وغاب الآخر بعد الظهر من يوم عاشوراء ، وانكسفت الشمس ، وأمطرت السماء دما.

١٤٤

٦٨ ـ المكتوب على باب الجنّة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٤ ط نجف)

عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنّة مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، علي حبيب الله ، الحسن والحسين صفوة الله ، فاطمة أمة الله ، على مبغضهم لعنة الله.

فضائل الأئمة الاثني عشر

مدخل :

يقصد بأهل البيتعليهم‌السلام أينما ذكروا مقرونين بأنهم الأمان من الضلال ، وأنهم سفينة نوح ، وأنهم باب حطّة من دخله كان آمنا الخ ، يقصد بهم الأئمة الاثنا عشر حصرا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمةعليها‌السلام ، أو ما نعبّر عنه

(بالمعصومين الأربعة عشر) ، لأنهم لولا العصمة لا تنطبق عليهم تلك الأوصاف وتلك المنزلة.

٦٩ ـ أهل البيتعليهم‌السلام أمان لأهل الأرض :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٣٠)

أخرج أبو عمرو الغفاري عن إياس بن سلمة عن أبيه ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأمتي».

وأخرج أحمد بن حنبل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء ، وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض».

وفي رواية صحّحها الحاكم على شرط الشيخين ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف».

وقد يشير إلى هذا المعنى قوله تعالى :( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) [الأنفال:٣٣] أقيم أهل بيته مقامه في الأمان ، لأنهم منه وهو منهم ، كما ورد في بعض الطرق.

٧٠ ـ أهل البيتعليهم‌السلام كسفينة نوح وباب حطّة :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٤٩)

أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٤٥

يقول : «إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلفّ عنها غرق. وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطةّ في بني إسرائيل ، من دخله غفر له».

٧١ ـ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام هم رجال الأعراف :

(المنتخب للطريحي ، ص ٣٠٧ ط ٢)

عن الإمام محمّد الباقر قال : سأل ابن الكواء أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : ما معنى قوله تعالى :( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ) [الأعراف : ٤٦]؟.

فقالعليه‌السلام : نحن أصحاب الأعراف ، نعرف أصحابنا بسيماهم. نقف بين الجنّة والنار فلا يدخل الجنّة إلا من عرفنا وعرفناه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه.

٧٢ ـ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام يحفظون الشريعة :

وأخرج المللا في سيرته عن عمر بن الخطاب (كما في الصواعق المحرقة لابن حجر ، ص ٩٠) أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «في كل خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى اللهعزوجل ، فانظروا من توفدون». صدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥ ـ محبة أهل البيتعليه‌السلام

٧٣ ـ محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرض :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ١٥)

إن محبة النبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجبة على كل مسلم ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين».

(رواه البخاري عن أنس بن مالك).

وهذا الحديث من جوامع الكلم التي أوتيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد جمع فيه كل أنواع المحبة ، وهي ثلاثة : محبة الإجلال والإعظام كمحبة الولد للوالد ، ومحبة الشفقة والرحمة كمحبة الوالد لولده ، ومحبة المشاكلة والاستحسان كمحبة سائر الناس.فجمعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصناف المحبة في محبته.

وروى الديلمي والطبراني وأبو الشيخ ابن حبّان والبيهقي مرفوعا ، أن

١٤٦

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وتكون عترتي أحبّ إليه من عترته ، وأهلي أحبّ إليه من أهله ، وذاتي أحبّ إليه من ذاته».

وروى ابن مسعود : «حب آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما ، خير من عبادة سنة ، ومن مات عليه دخل الجنّة».

٧٤ ـ أحبّوا أهل بيتي لحبّي :

(إحياء الميت للسيوطي ، ص ٢٤٢)

أخرج الترمذي وحسّنه ، والطبراني عن ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبّوني لحب الله ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي».

٧٥ ـ محبة أهل النبي جزء من محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٩)

وكان الصحابة الكرام يتمنّون لأقرباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر مما يتمنّونه لأقربائهم ، محبة منهم له وإيثارا له على أنفسهم.

منها قول أبي بكر حين أسلم والده أبو قحافة ، قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي بعثك بالحق ، لإسلام أبي طالب كان أقرّ لعيني من إسلام أبي قحافة ، وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقرّ لعينك.

٧٦ ـ فضل محبة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(المصدر السابق)

ومن توقير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبرّه ، توقير آله وذريته وأمهات المؤمنين. وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «معرفة آل محمّد براءة من النار ، وحب آل محمّد جواز على الصراط ، والولاية لآل محمّد أمان من العذاب».

قال بعضهم :

(معرفتهم) تعني معرفة منزلتهم منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيعرف وجوب إكرامهم وحرمتهم بسببهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقال أبو بكر : راقبوا محمدا في آل بيته.

وأتى عبد الله بن حسن بن الحسينعليه‌السلام إلى عمر بن عبد العزيز في حاجة.فقال : يا أبا محمّد ، إذا كانت لك حاجة فأرسل إليّ أحضر إليك ، فإني أستحي من الله أن يراك على بابي.

١٤٧

ودخلت بنت أسامة بن زيد مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عمر بن عبد العزيز ، فجعل يدها بين يديه ، ومشى بها حتّى أجلسها في مجلسه ، وجلس بين يديها ، وما ترك لها حاجة إلا قضاها.

يقول الشبراوي في (الإتحاف) ص ١٧ : هذا مع بنت مولاهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما بالك بابن بضعته وذريته والمنتمين إلى الزهراء ابنته؟!.

وهذا كله لما وجب لآل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الشرف والمجد لنسبتهم إليه ، وسريان لحمه ودمه الكريمين فيهم. فهم بعضه ، وبعضه في وجوب الإجلال والتعظيم كجميعه ، وحرمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميتا كحرمته حيّا.

٧٧ ـ تفسير آية المودة :

(المصدر السابق ، ص ١٧)

قال تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣]. قال ابن عباس : المعنى لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودّوني في نفسي لقرابتي منكم ، لأنه لم يكن بطن من قريش إلا بينهم وبينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرابة. لكن الأنسب ما قاله غيره في تفسير الآية ، أن المعنى : قل يا محمّد لأمتك ، لا أطلب منكم على ما جئتكم به من الهدى ، والنجاة من الردى ، عوضا ولا أجرة ولا جزاء ، إلا أن تودّوا قرابتي وعترتي وتحبوهم ، وتعاملوهم بالمعروف والاحسان ، ويكون بينكم وبينهم غاية الودّ والمحبة والصلة.

روايات أخرى :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٠٤)

قال الله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣]. قال في (المواهب) : إن المراد بالقربى من ينتسب إلى جده الأقرب عبد المطلب.

وقال في (الصواعق) : المراد بأهل البيت والآل وذوي القربىعليهم‌السلام في كل ما جاء في فضلهم ، مؤمنو بني هاشم والمطلب.

وينافي هذا ما روى الطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس ، أن هذه الآية لما نزلت ، قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك الذين نزلت فيهم الآية؟.قال : علي وفاطمة وابناهماعليهم‌السلام .

١٤٨

٧٨ ـ محبة أهل البيتعليهم‌السلام هي أجر الرسالة المحمدية :

(الفصول المهمة في تأليف الأمة للسيد عبد الحسين شرف الدين ص ٤٠)

أخرج الحاكم (كما في تفسير آية المودة في القربى من مجمع البيان للطبرسي) بالإسناد إلى أبي ثمامة الباهلي ، (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتى ، وخلقت أنا وعليّ من شجرة واحدة. فأنا أصلها ، وعليّ فرعها ، وفاطمة لقاحها ، والحسن والحسين ثمارها ، وأشياعنا أوراقها. فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ عنها هوى. ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام حتّى يصير كالشن (أي الجلد اليابس) البالي ، ثم لم يدرك محبتنا ، أكبّه الله على منخريه في النار ، ثم تلاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٢٣) [الشورى : ٢٣].

٧٩ ـ اقتراف الحسنة هو مودّة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٣٩)

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) [الشورى : ٢٣] قال : المودة لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٠ ـ أربع يسأل عنها المؤمن يوم القيامة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٤٢ ط نجف)

أنبأني أبو المظفر عبد الملك بن علي الهمداني حدّثني أبو برزة الأسلمي ، (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن جلوس ذات يوم : والذي نفسي بيده ،

لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتّى يسأله الله تعالى عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله مما كسبه وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت.

فقال عمر : فما آية حبّكم من بعدكم؟. قال : فوضع يده على رأس عليعليه‌السلام وهو إلى جانبه ، وقال : إن آية حبّي من بعدي حبّ هذا.

ومثل ذلك ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس.

١٤٩

٨١ ـ من أحبّ أهل البيتعليهم‌السلام فله الشفاعة :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٥٩)

أخرج الخطيب في تاريخه عن عليعليه‌السلام (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«شفاعتي لأمتي من أحب أهل بيتي».

٨٢ ـ من أحبّ أهل البيتعليهم‌السلام يثبّته الله على الصراط :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٦٣)

أخرج الديلمي عن عليعليه‌السلام ، (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال : حبّ نبيّكم ، وحب أهل بيته ، وعلى قراءة القرآن ، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله ، مع أنبيائه وأصفيائه.

٨٣ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسألنا عن اثنين : القرآن والعترة :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٦١)

أخرج الطبراني عن المطلب بن عبد الله عن أبيه ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجحفة [غدير خم] فقال : ألست أولى بكم من أنفسكم؟. قالوا : بلى يا رسول الله. قال : فإني سائلكم عن اثنين : عن القرآن وعترتي.

٨٤ ـ لا يدخل الجنة من لم يعرف حق أهل البيتعليهم‌السلام :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٤٥)

وأخرج الطبراني في الأوسط ، ونقله السيوطي في (إحياء الميت) والنبهاني في أربعينه وابن حجر في صواعقه ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الزموا مودتنا أهل البيت ، فإنه من لقي الله وهو يودّنا ، دخل الجنة بشفاعتنا. والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمل عمله إلا بمعرفة حقنا».

٨٥ ـ مودة أهل البيتعليهم‌السلام تطيل العمر :

(قادتنا كيف نعرفهم ، ج ٦)

وروي بإسناده عن عبد الله بن بدر ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أحبّ أن يبارك في أجله ، وأن يمتّع بما خوّله الله تعالى ، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة. ومن لم يخلفني فيهم بتّك عمره (أي قطع) ، وورد عليّ يوم القيامة مسودا وجهه».

١٥٠

ـ وفي حديث مشابه : (المنتخب للطريحي ، ص ١٢ ط ٢)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحبّ أن ينسّأ في أجله (أي يطول عمره) ، وأن يمتّعه الله بما خوّله الله ، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة. فمن لم يخلفني فيهم بتر الله عمره ، وورد عليّ يوم القيامة مسودّا وجهه».

ومضامين هذه الأحاديث الشريفة أن أهل البيتعليهم‌السلام

(الذين هم الأئمة الأطهار) هم حجج الله البالغة ، ومناهل شريعته السائغة ، والقائمون مقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده في أمره ونهيه ، والممثّلون له بأجلى مظاهر هديه. فالمحب لهم بسبب ذلك محبّ لله ولرسوله ، والمدافع عنهم كالمدافع عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمبغض لهم مبغض لهما.

٨٦ ـ ماذا كان جواب الأمة على طلب نبيّهم :

لقد طلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المسلمين أن يكون أجره على تبليغ الرسالة الإسلامية مودّة قرباه وذريته المختارة ، فماذا كان جوابهم على هذا الطلب ، وما ذا كان ردّهم على هذا الإحسان؟.

فمنذ أن أغمض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينيه بعد جهاده الكبير ، قام الناس يجرّدون أهل البيتعليهم‌السلام من مكانتهم الرفيعة ومنزلتهم السامية ، ويحرمونهم حقوقهم الدينية والدنيوية ، حتّى بكت فاطمةعليها‌السلام حزنا على فراق أبيها ، وصبر عليعليه‌السلام على طول المدة وشدة المحنة.

ولقد كان في علم الله وعلم رسوله ما ستفعل الأمة بأهله وذريته ، فكان يؤكد الوصيّة بهم ، ولزوم التمسك بحبلهم ، وأنهم الأمان من الضلال ، والنجاة من الغرق وكأن هذه الوصية بهم كانت وصية عليهم. لأن المسلمين عملوا على نقيضها ، فكانت الحجة على الظالمين منهم حجة من أبلغ الحجج. ولا سيما ما فعلوه مع الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ورهطه في كربلاء يوم العاشر من المحرّم.

عقاب من يبغض أهل البيتعليهم‌السلام

٨٧ ـ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام في النار :

(إحياء الميت ، ص ٢٤٢)

أخرج الطبراني والحاكم عن ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١٥١

«يا بني عبد المطلب ، إني سألت الله لكم ثلاثا : أن يثّبت قلوبكم ، وأن يعلّم جاهلكم ، ويهدي ضالّكم ، وسألته أن يجعلكم جوداء ونجداء ورحماء. فلو أن رجلا صفن (أي صفّ قدميه) بين الركن والمقام ، فصلّى وصام ، ثم مات وهو مبغض لأهل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، دخل النار».

٨٨ ـ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام منافق :(إحياء الميت ، ص ٢٤٣)

أخرج ابن عدي في (الإكليل) عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أبغضنا أهل البيت ، فهو منافق».

٨٩ ـ مبغض العترة أحد ثلاث :(إحياء الميت ، ص ٢٤٤)

أخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عليعليه‌السلام (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من لم يعرف حقّ عترتي والأنصار ، فهو لإحدى ثلاث : إما منافق ، وإما لدينه ، وإما لغير طهور». يعني حملته أمه على غير طهر.

٩٠ ـ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام يحشر يهوديا :(إحياء الميت ، ص ٢٤٥)

أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول : «أيها الناس ، من أبغضنا أهل البيت ، حشره الله تعالى يوم القيامة يهوديا».

٩١ ـ غضب الله شديد على من آذى العترة :(إحياء الميت ص ٢٦٥)

أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اشتدّ غضب الله على من آذاني في عترتي».

٩٢ ـ عقوبة من يظلم أهل البيتعليهم‌السلام أو يسبّهم :

(عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ، ج ٢ ص ٣٤ حديث ٦٥)

عن الإمام علي الرضاعليه‌السلام عن آبائه عن عليعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«حرّمت الجنة على من ظلم أهل بيتي ، وقاتلهم ، والمعين عليهم ، ومن سبّهم( لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (٧٧) [آل عمران : ٧٧].

١٥٢

موالاة أهل البيتعليهم‌السلام

(حديث الثّقلين وحديث الغدير)

٩٣ ـ معنى الموالاة :

ليست الموالاة لأهل البيتعليهم‌السلام مجرد محبتهم والتعاطف معهم ، إنما تعني إضافة لذلك التقيد بأقوالهم والسير على منهاجهم. وهذه الموالاة واجبة على كل مسلم حسب منطوق حديث الثقلين ، الّذي ينص على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك بعد وفاته للأمة شيئين مهمّين غاليين ، إن تمسكوا بهما نجوا ، وإن تركوهما ضلوّا وغووا ، هما القرآن (وهو كتاب الله الصامت) وأئمة أهل البيت (وهم كتاب الله الناطق).

وإذا كانت الموالاة لأهل البيتعليهم‌السلام تعني متابعتهم والتمسك بهم ، فيجب على كل مسلم أن يتعلم فقه الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ويسير عليه ، حتّى يكون مواليا لأهل البيتعليهم‌السلام . أما محبة أهل البيتعليهم‌السلام باللسان بدون السير على نهجهم ، فهذه لا تنفع شيئا ، عدا عن أنها نفاق ظاهري. فأهل الكوفة كلهم كانت قلوبهم مع الحسينعليه‌السلام ، ولكن أسيافهم كانت عليه. فالمحكّ الحقيقي للولاية هو نصرة أهل البيتعليهم‌السلام بالقول والعمل ، والدفاع عنهم ، والبراءة من أعدائهم.

ومن العجب العجاب أن بعض المسلمين كانوا يدّعون محبة أهل البيتعليهم‌السلام ، ثم كانوا يسبّونهم على المنابر ، لا بل إنهم كانوا يرضون عن أعمال الذين حاربوا الإمام علياعليه‌السلام والإمام الحسنعليه‌السلام والإمام الحسينعليه‌السلام ، أمثال معاوية ويزيد وأعوانهم. فما هذا التناقض الغريب ، وكيف يقبله ذو منطق وعقيدة؟.

وإليك بعض الأحاديث الشريفة التي تؤكد على لزوم موالاة أهل البيتعليهم‌السلام والتمسك بهم ومتابعتهم والسير على مذهبهم دون سواهم.

٩٤ ـ ثواب نصرة أهل البيتعليهم‌السلام ، والذين تنالهم شفاعة جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٥)

روى الناصر للحق عن آبائه رضوان الله عليهم ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة ، ولو أتوا بذنوب أهل الأرض : الضارب بسيفه أمام ذريتي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم في حوائجهم ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه».

١٥٣

جعلنا الله من محبيهم والموالين لهم ، ورزقنا شفاعة جدهم بمنّه وسعة رحمته.

٩٥ ـ ولاية عليعليه‌السلام نسوها :

(تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفر ، ص ٩)

قال أبو سعيد الخدري : أمر الناس بخمس ، فعملوا بأربع وتركوا واحدة. قيل له : وما الأربع؟. قال : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج. قيل : فما الواحدة التي تركوها؟. قال : ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام . قيل له : وإنها لمفروضة معهن؟. قال : نعم هي مفروضة معهن.

٩٦ ـ تمسّكوا بالأئمة من بعدي :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٤٤ ط ٢)

عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : خطب فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الجمعة خطبة بليغة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إني راحل عن قريب ، ومنطلق للمغيب. وإني أوصيكم في عترتي خيرا ، فلا تخالفوهم ولا تخاصموهم ولا تنابذوهم. وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة ، والضلالة وأهلها بالنار.

معاشر الناس ، من افتقد منكم الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، وإن افتقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة (يقصد الأئمة الاثني عشر). أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، والحمد لله رب العالمين.

إلى أن قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنهم هم الأولياء والأوصياء والخلفاء من بعدي ، أئمة أبرار وأوصياء أطهار ، وهم بعدد أسباط يعقوبعليه‌السلام ، وعدد حواريي عيسىعليه‌السلام ، وعدد نقباء بني إسرائيل.

[وقد مرت رواية مشابهة ، في الفقرة رقم ٤٢ مروية عن سلمان أيضا فراجع]

٩٧ ـ منزلة أهل البيتعليهم‌السلام :

(إسعاف الراغبين لمحمد الصبان ص ١١١)

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ، ومكان العينين من الرأس ، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين».

١٥٤

٩٨ ـ موالاة العترة :

وأخرج الطبراني في الكبير ، والرافعي في مسنده ، بالإسناد إلى ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليّه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ؛ فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي». وهذا الحديث بعين لفظه هو الحديث ٣٨١٩ من (كنز العمال) ج ٦ ص ٢١٧.

٩٩ ـ حديث الثقلين وحديث الغدير :

(المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين ، ص ٥١ ط ٥)

الصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثّقلين (وهما القرآن وأهل البيت) متواترة ، وطرقها عن بضع وعشرين صحابيا متضافرة. وقد صدع بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواقف له شتى ؛ مرة على منبره في المدينة ، وتارة بعد انصرافه من الطائف ، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع ، وتارة يوم غدير خم وهو راجع من حجة الوداع ، وأخرى في حجرته المباركة وهو في مرضه الأخير ، إذ قال : «إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما».

[أخرج هذا الحديث الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري من طريقين :أحدهما في آخر ص ١٧ ، والثاني في آخر ص ٢٦ من الجزء الثالث من مسنده.وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد عن أبي سعيد ، وهو الحديث ٩٤٥ من أحاديث (كنز العمال) ج ١ ص ٤٧].

وأخرج جلال الدين السيوطي في (الدر المنثور) ج ٢ ص ٦٠ أحاديث عديدة ، منها ما خرّجه عن الطبراني عن زيد بن أرقم (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني لكم فرط ، وإنكم واردون عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني في الثّقلين». قيل وما الثقلان يا رسول الله؟ قال :

«الأكبر كتاب اللهعزوجل ، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به لن

١٥٥

تزلوّا ولا تضلوا. والأصغر عترتي ، وإنهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، وسألت لهما ذلك ربي. فلا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهما فإنهما أعلم منكم».[وذكره في (التعقبات) ج ١ ص ١٨٣ من حديث الثقلين].

وذكر الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في (المناقب) حديث الغدير بسنده المتصل عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال : لما رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقمّمن (أي نظّف ما تحت الشجرات من القمامة). ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كأني قد دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثّقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». ثم قال : «إن اللهعزوجل مولاي ، وأنا وليّ كل مؤمن ومؤمنة». ثم أخذ بيد عليعليه‌السلام فقال : «من كنت وليّه فهذا وليّه. الله م وال من والاه ، وعاد من عاداه».

تعليق : أحاديث الثقلين وحديث الغدير ، تقرّ بالإمامة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالبعليه‌السلام نصا لا لبس فيه ، حيث نقل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولايته العامة على المسلمين إلى الإمام عليعليه‌السلام حيث قال لهم وهم مجتمعون في غدير خم :«ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟». قالوا : بلى ، الله ورسوله أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قال : «من كنت مولاه ، فهذا علي مولاه ..." إلى آخر الحديث.

هذا وإن في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الثقلين عن القرآن والعترة : «وإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». حقيقتين هما :

الأولى : أن أهل البيتعليهم‌السلام والقرآن متلازمان ، فكما أن القرآن لا يأتيه الباطل ، فهم منزّهون من الباطل ، ومعصومون من الخطأ والدنس.

والثانية : أنهم مستمرون في ولايتهم إلى يوم القيامة ، وأنهم موجودون دائما ، إما بشكل إمام ظاهر كالإمام عليعليه‌السلام والأئمة من أولاده ، أو بشكل إمام مستتر كالإمام المهديعليه‌السلام ، وهو الإمام الثاني عشر ، الّذي ولد سنة ٢٥٥ ه‍ ، ثم تولى الإمامة سنة ٢٦٠ ه‍ حين توفي والدهعليه‌السلام وغاب الغيبة الصغرى. ثم غاب الغيبة الكبرى وعمره ٧٥ عاما. وهو الآن باعتقادنا حي يرزق ، غائب عن الأنظار ، يظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا ، بعد ما ملئت ظلما وجورا. ومن مهماته أن يقيم دولة القرآن ، وأن يأخذ بثأر جده الحسينعليه‌السلام من أعدائه.

١٥٦

١٠٠ ـ روايات أخرى لحديث الثقلين :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمد الصبان ص ١١٠)

عن زيد بن أرقم (قال) قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أيها الناس ، إنما أنا بشر مثلكم ، يوشك أن يأتيني رسول ربيعزوجل فأجيبه. وإني تارك فيكم ثقلين : كتاب الله فيه الهدى والنور ، فتمسّكوا بكتاب اللهعزوجل وخذوا به ؛ وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي «(أي أحذّركم الله في شأن أهل بيتي). ورواه مسلم.

وأخرج الترمذي وحسّنه ، والحاكم عن زيد بن أرقم (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما».

١٠١ ـ تواتر حديث الثقلين من طرق السنّة :

(إحياء الميت للسيوطي ، ص ٢٤٠)

وقد ورد حديث الثقلين بصيغة [كتاب الله وعترتي] أيضا فيما أخرجه عيد بن حميد في مسنده عن زيد بن ثابت ، وبصيغة [الثقلين : كتاب الله وعترتي] فيما أخرجه أحمد وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري ، وبنفس الصيغة ما أخرجه الترمذي عن جابر. وبصيغة : [الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ، فيما أخرجه البزاز عن عليعليه‌السلام . وبصيغة [كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ، وبصيغة [خليفتين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ما أخرجه أحمد والطبراني عن زيد بن ثابت ، وما أخرجه البارودي عن أبي سعيد الخدري.

١٠٢ ـ ما معنى الثّقلين؟ :

قال ابن حجر في (الصواعق) بعد ذكره لحديث الثقلين : سمّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن والعترة : ثقلين ، لأن الثّقل كل شيء نفيس خطير ، وهذان كذلك ، إذ كل واحد منهما معدن للعلوم الدينية والأسرار العقلية الشرعية ، ولهذا حثّ على الاقتداء والتمسك بهما. وقيل : سمّيا (ثقلين) لثقل وجوب رعاية حقوقهما.

١٠٣ ـ أحاديث في ولاية أهل البيتعليهم‌السلام :

جاء في (الصواعق المحرقة) لابن حجر في ولاية الإمام عليعليه‌السلام وأهل البيتعليهم‌السلام ووجوب الاقتداء بهم :

١٥٧

ـ في الصفحة ١٤ تفسير الآية :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٨٢) [طه : ٨٢]. قال ثابت البناني :( ثُمَّ اهْتَدى ) [طه : ٨٢] يعني إلى ولاية أهل البيتعليهم‌السلام .

ـ وفي الصفحة ٩١ تفسير الآية :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٢٤) [الصافات : ٢٤]. عن أبي سعيد الخدري أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٢٤) [الصافات : ٢٤] عن ولاية علي وأهل بيتهعليهم‌السلام .

ـ وفي الصفحة ٩٩ تفسير الآية :( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (٧) [البينة : ٧]. أخرج الحافظ جمال الدين الذرندي عن ابن عباس ، أن هذه الآية لما نزلت ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : «هو أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، ويأتي أعداؤك غضابا مقمحين».

١٠٤ ـ تفسير سورة العصر :

(مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للمجلسي ، ج ٣ ص ٢٥٥)

وفي عليعليه‌السلام نزلت سورة (العصر) وتفسيرها :( وَالْعَصْرِ ) (١) [العصر : ١] أي أقسم برب عصر القيامة( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) (٢) [العصر : ٢] يقصد أعداء آل محمّد( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ) [الشعراء : ٢٢٧] بولايتهم ،( وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) [الشعراء : ٢٢٧] بمواساة إخوانهم ،

( وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) [العصر : ٣] في فترة غيبة قائمهم (عج).

١٥٨

أشعار في موالاة أهل البيتعليهم‌السلام

(هامش الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٢٩)

١٠٥ ـ أشعار في الموالاة :

قال الإمام الشافعي :

قالوا : ترفّضت ، قلت : كلا

ما الرفض ديني ولا اعتقادي

لكن تولّيت غير شكّ

خير إمام وخير هاد

إن كان حبّ الوليّ رفضا

فإنني أرفض العباد

وقالرحمه‌الله :

يا راكبا قف بالمحصّب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضا كملتطم الفرات الفائض

إني أحبّ بني النبيّ المصطفى

وأعدّه من واجبات فرائضي

إن كان رفضا حبّ آل محمّد

فليشهد الثقلان أني رافضي

وقال عن محبة أهل البيتعليهم‌السلام والصلاة عليهم :

يا آل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنّكم

من لا يصلي عليكم لا صلاة له

ومما ينسب إلى الشافعي هذه الأبيات تعليقا على حديث النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تفترق أمّتي ثلاثا وسبعين فرقة ، الناجية منها واحدة». قال :

ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم

مذاهبهم في أبحر الغيّ والجهل

ركبت على اسم الله في سفن النّجا

وهم آل بيت المصطفى خاتم الرّسل

إذا افترقت في الدين سبعون فرقة

ونيف كما قد جاء في محكم النقل

ولم يك ناج منهم غير فرقة

فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل

أفي الفرق الهلّاك آل محمّد

أم الفرقة اللائي نجت منهم قل لي

فإن قلت في الناجين فالقول واحد

وإن قلت في الهلّاك حفت عن العدل

إذا كان مولى القوم منهم ، فإنني

رضيت بهم ، لا زال في ظلّهم ظلّي

فخلّ عليّا لي إماما ونسله

وأنت من الباقين في أوسع الحلّ

وله في الولاية مدائح كثيرة ، منها قوله :

١٥٩

إذا في مجلس ذكروا عليّا

وشبليه وفاطمة الزّكيّة

يقال تجاوزوا يا قوم هذا

فهذا من حديث الرافضيّه

هربت من المهيمن من أناس

يرون الرّفض حبّ الفاطميّه

على آل الرسول صلاة ربي

ولعنته لتلك الجاهليه

وقال يرثي الحسينعليه‌السلام من قصيدة :

تأوّب همّي والفؤاد كئيب

وأرّق نومي والرقاد غريب

ومما نفى همّي وشيّب لمّتي

تصاريف أيام ، لهنّ خطوب

فمن مبلغ عني الحسين رسالة

وإن كرهتها أنفس وقلوب

يصلىّ على المبعوث من آل هاشم

ويغزى بنوه ، إنّ ذا لعجيب

لئن كان ذنبي حبّ آل محمّد

فذلك ذنب لست عنه أتوب

هم شفعائي يوم حشري وموقفي

إذا ما بدت للناظرين خطوب

وقالرحمه‌الله :

لقد كتموا آثار آل محمّد

محبّيهم خوفا ، وأعداؤهم بغضا

فأبرز من بين الفريقين نبذة

بها ملأ الله السموات والأرضا

وقال الشيخ أبو بكر بن عربي :

رأيت ولائي آل طه فريضة

على رغم أهل البعد يورثني القربا

فما طلب المبعوث أجرا على الهدى

بتبليغه ، إلا المودة في القربى

وقال أحدهم في موالاة أهل البيتعليهم‌السلام ومعاداة أعدائهم :

يا بني الزهراء والنور الّذي

ظنّ موسى أنه نار قبس

لا أوالي الدهر من عاداكم

إنه آخر آي من (عبس)

يشير بذلك إلى قوله تعالى :( أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ) (٤٢) [عبس : ٤٢].

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

حتّى في الحقب التاريخية التالية، فلا يقصر الحدث على أهميته في حقبة زمنية معينة، بل يلاحظ بحسب عموم التاريخ.

ومن هنا فإنّ أثر شهادة الحسين عليه‌السلام على حفظ الدين والشريعة إلتزامُ الناس على مرّ الزمان وعدم الرضوخ للظلم والطغيان، وقد سنّ (صلوات اللَّه عليه) هذه السنّة في الدين التي هي إحدى الملاكات المتولّدة من شهادته عليه‌السلام ، والتي ما كان لها أن تظهر لو قصرنا النظر على زمن الحادثة والاستشهاد في تلك الفترة الزمنية الخاصّة، وكذلك الحال في جملة سيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرة أمير المؤمنين عليه‌السلام .

الفارق الرابع: النسخ في الشريعة بحسب الدرجة الظاهرة اعتباري، علاوة على وجود مرتبة الظاهر الكاشف عن الدرجة الظاهرة التي هي واقعية بحسبها، وظاهرة التقييد بالمعنى العامّ - من تخصيص وحكومة وورود - وتقييد الأدلّة والدلالة على الشريعة الظاهرة لا في متنها، بينما النسخ في الولاية والشريعة بحسب السنن والنظام الكوني تكويني وهو المعروف بالبداء، وبمعرفة الناسخ تتفاوت مراتب الأولياء والحجج.

الفارق الخامس: لم يُستثن أحد من التكليف بالشريعة الظاهرة، فالتدين بها في عهدة الجميع من جنّ وإنس، بما في ذلك الأولياء والحُجج، أمّا في الشريعة الكونية فهي وظيفة خاصّة بحجج اللَّه وملائكته.

ومن ثمّ ينبثق سؤال: إنّ ما عدا المذكورين - وهم غير المعصوم - قد يصلون بالرياضات الشرعية إلى مقامات عالية حيث تتفتّح قلوبهم على عوالم الغيب، فَلِمَ لا يكونون مكلّفين بالولاية وبالشريعة الكونية الإلهية بعد أن تمّ وصولهم إلى أسافل تلك المنازل؟

والجواب: إنّ رقيهم هذا محمود حيث يزيد من علمهم وإيمانهم، ولكنّهم لم يُكلّفوا إلاّ بالشريعة الظاهرة؛ لعدم حجّية ما يتلقّونه بقنواتهم الروحية لعدم

٤٢١

عصمتهم.

الفارق السادس (حقيقة الشريعة الإلهية الكونية) : إنّ أحكام الشريعة الكونية بحسب الدرجة الواقعية والتكوينية لا تعدو كونها إلاّ تطبيقاً للشريعة الظاهرة وسوى أنّه تطبيق بعلم لدني لا بوسيلة الحسّ والعلم الحصولي؛ لأنّ الشريعة واحدة لا تختلف بحسب الظاهر الواقعي ولا الكوني، ولا حدودها وأحكامها، كما استعرض القرآن الكريم لنا قصّة الخضر مع موسى التي كانت يُتراءى فيها في بادئ الأمر الخلاف، ثمّ آل الأمر إلى الوفاق بعد وضوح رجوع التأويل إلى تطبيق خفي لظاهر الشارع، وهذا التعريف أضبط وأصلح التعريفات للشريعة الإلهية في النظام الكوني.

وتوضيح ذلك يتمّ بالالتفات إلى هذه الزاوية:

أشرنا في الفصول السابقة إلى أنّ أصل الولاية للَّه تعالى ( إِنِ الْحُكْمُ إلاّ لِلَّهِ ) (١) ، و ( هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ) (٢) ، أعمّ من التشريع، والحكم القضائي، والحكم التنفيذي، وعندما نطالع القرآن نجد أنّه يلفت إلى الأصل المذكور وتفاصيله، بل في الآيات المرتبطة بالمسائل العامّة الحكومية كآيات الجهاد والأنفال وأمثالها، هي تشريعية بلحاظ تنظيرها الكلّي، وحكم تنفيذي ولوي بلحاظ مواردها التطبيقية الجزئية، وهذه قراءة ثانية لأسباب النزول، لا يقرّ بها ولا يتفطّن إليها أهل سنّة الخلافة وجماعة السلطان، لعدم تصويرهم لولاية اللَّه تعالى السياسية في الأحكام التنفيذية الجزئية زيادة على ولايته تعالى في التشريع الكلّي.

وكذلك في القضاء كما يلحظ ذلك بوضوح في حكومة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله التي يستعرض لنا القرآن الكريم سيرتها، فإنّ في المنعطفات الخطيرة في الأحداث

____________________

١) سورة يوسف: ٤٠.

٢) سورة الكهف: ٤٤.

٤٢٢

السياسية أو القضائية أو العسكرية والمالية نرى في الآيات أنّ الحاكم الأوّل هو الباري تعالى في تلك الأحداث، والحاكم الثاني هو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل سنّة الخلافة وجماعة السلطان يخشون هذا التصوير لحاكمية اللَّه تعالى السياسية على البشر؛ لأنّهم لا يمكنهم تصوير ذلك بعد رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما ذهبوا إليه من انقطاع الاتّصال بالغيب وعدم إمكان إستعلام الإرادة الإلهية الجزئية في الأحداث.

ومن ثمّ فالولاية في هذا المضمار للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بعده للمعصومين عليهم‌السلام هي في طول ولاية اللَّه تعالى وبإذنه، وليست مستقلّة، خلافاً لإطروحة المعتزلة وغيرهم من المذاهب الأُخرى، ومن قبل اليهود؛ حيث قصروا ولاية اللَّه تعالى على التشريع دون مباشرة القضاء وسلطة التنفيذ، حينما قالوا: ( يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ.. ) (١) .

فالرئيس والحاكم السياسي الأوّل، والمشرّع الأصلي، والقاضي الفعلي، هو اللَّه سبحانه وتعالى، ومَن ثبتت له الولاية وهو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام، فهي في ظلّ تلك الدولة والولاية المباشرة للَّه تعالى لا بالاستقلال عنها، فكلّ ما يصدر عنهم فهو يصدر عن اللَّه حقيقة.

بل تلك الحاكمية تجلّت بوضوح في القرآن الكريم بمعنى الحكم المسند إليه تعالى خاصّة من دون نسبته إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام (٢) على صعيد التنفيذ والفصل القضائي والحكم التنفيذي، وبالتالي يصحّ القول بأنّ حكم وحاكمية اللَّه تعالى ليست بالقوّة في عهد حكومة المعصومين عليهم‌السلام ، بل هي حكومة فعلية للَّه تعالى في الجوانب الثلاثة. أمّا أمثلة التشريع الصادرة مباشرة منه تعالى فكثيرة، وهكذا في القضاء فينشئ تعالى حكماً فاصلاً للنزاع كما في قصّة البقرة في بني

____________________

١) سورة المائدة: ٦٤.

٢) الحكم في هذا نظير التشريع، فإنّ منه فريضة إلهية، ومنه سنّة نبويّة، أو علوية ولوية، كذلك في الحكم السياسي والقضائي.

٤٢٣

إسرائيل، وموارد أُخرى استعرضها القرآن الكريم في الحكم الولوي (التنفيذي)، نظير أوامر الجهاد النازلة في موارد معينة، وإن استفيد منها تشريعاً كلّياً أيضاً، وكحكمه تعالى بزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من زينب، وزواج عليّ عليه‌السلام من فاطمة عليها‌السلام ، إذ حكمه تعالى الولوي شامل للوظائف العامّة للدولة والأُمور الخاصّة للبشر.

وهذا النمط ثابت طولاً للمعصومين عليهم‌السلام ، وهذا أحد تفاسير قوله تعالى: ( .. أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ.. ) (١) ، وهذا معنى كون حكومة المعصوم إلهية أي لا يقتصر في أحكامها وتشريعاتها على كلّيات الأحكام في الدين، بل إنّ الحاكمية بالفعل في الجوانب الثلاثة هي للَّه سبحانه، وهذا غير متوفّر في غير حكومة المعصوم، وإن كانت بالرسم الديني، وسيأتي توضيحه مبسوطاً في سيرة الرسول على صعيد الدولة في القرآن الكريم.

وبضمّ هذا الفرض إلى ما ذكرناه في الأُصول والفصول السابقة، من أنّ الحكم التنفيذي تطبيق للحكم التشريعي فهو حكم جزئي وذلك كلّي، يتبلور: أنّ أحكام الشريعة الكونية الإلهية بحسب الدرجة الواقعية التكوينية ليست إلاّ أحكاماً تطبيقية للشريعة الظاهرة بعلم لدنّي على حدّ الحكم الولوي (٢) ، وأنّ الولاية إقامة وتحقيق وإنجاز لأغراض النبوّة.

الفارق السابع: إنّ منظومة إقامة أحكام الشريعة بحسب المنظومة الظاهرة تخضع للأسباب الطبيعية الظاهرية، وفي باب ومقام الولاية والواقع الخفي الباطن، وشريعة السنّة الإلهية الكونية تخضع للَّه تعالى وتتسلسل تبياناً وبلاغاً

____________________

١) سورة التين: ٨.

٢) ومن ثمّ امتثالها لا يعدو امتثال الشريعة الظاهرة حتماً، ومن ثمّ يتّضح وجه عدم جواز الأخذ بها لغير المعصوم؛ لاحتمال الخطأ، ومن ثمّ نحتاج إلى جعلٍ، كأيّ طريق أو كأيّ حكم ولوي، وهو لم يثبت.

٤٢٤

وتطبيقاً وتنفيذاً وإقامةً وتشييداً إلى الأوصياء والملائكة، وقد يستعان بغير المعصوم بشكل قسري لا جبري.

ويمكن بيان الفوارق الأخيرة بصياغة أُخرى:

* - إنّ العلم اللدنّي والشريعة الكونية خاصّة بأولياء اللَّه - حججه وملائكته - وليست هي وظيفة عموم البشر الآخرين مهما بلغوا من العلم، وحتّى لو استطاعوا الوصول إلى نفحة ورشحة يسيرة من بحار محيطات العلوم والشريعة.

* - يوجد في الشريعة الظاهرة نسخ هو نسخ اعتباري، وهو المبحوث عنه في الأُصول، بينما في الشريعة الكونية الإلهية يوجد نسخ تكويني وهو البداء المعروف، وتختلف مراتب أصحاب العلم اللدنّي في ذلك، فبعضهم له علم بالمنسوخ فقط وبعضهم له علم بالناسخ والمنسوخ.

* - ذكرنا في الفصل الثاني أنّ الولاية المطلقة للَّه سبحانه وتعالى، ومنها تتفرّع إلى النبيّ الخاتم، ومن ثمّ للمعصومين من وُلده، فولايتهم في التشريع والقضاء والتنفيذ هي متشعّبة عنه جلّ وعلا، إلاّ أنّ هذا لا يعني عدم تدخّله المباشر في صياغة كلّ منها في بعض الأحيان. وبالتالي لابدّ من القول إنّ حكومة اللَّه ليست بالقوّة الشأنية في زمن حكومة المعصومين، بل هي حكومة فعلية للَّه تعالى، فهو يكون مشرّعاً ويكون حاكماً، ويكون مصدراً للحكم الولوي (التنفيذي) في زمن حكومة المعصومين، وهذا يجعل حكومته فعلية.

ومن أمثلة التشريع كثير، إذ في كثير من الأحيان يصدر التشريع منه مباشرة، ولا يكون الاعتبار صادراً من الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهكذا في القضاء إذ يحكم هو كما في قصّة البقرة. وموارد أُخرى يكون الحكم والفصل فيها للَّه سبحانه، وفي الحكم الولوي كذلك كما في آيات الجهاد، وزواج النبيّ من زينب، وزواج عليّ من الزهراء (سلام اللَّه عليهما)، ويفترق الحكم الولوي هنا عن غيره بأنّه ليس في

٤٢٥

وظائف الدولة العامّة بل في الأُمور الخاصّة، وهذا النمط ثابت للَّه والمعصومين دون النوّاب من الفقهاء.

فالحقّ تعالى يتصرّف مباشرةً في التطبيق بموازين العلم الإلهي، أي تطبيق الشريعة الظاهرية بما له من موازين العلم الإلهي، ولن يكون التطبيق بموازين ظنّية حسّية، والعلم اللدنّي يختلف درجاته، وبالنسبة للَّه المحيط له أعلى الدرجات، فهو: ( أَصْدَقُ قِيْلاً ) ، وهو ( أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) ، فعندما يقال إنّ حكومة المعصوم إلهية لا يعني أنّ أحكامها وتشريعاتها دينية فقط، بل يعني أنّ الحاكمية هي للَّه سبحانه بالفعل، وهذا غير متوفّر في حكومة غيرهم وإن كانت دينية.

وبناءً عليه نقول: إنّ الشريعة الكونية الإلهية هي عبارة عن تطبيق للشريعة الظاهرة بعلم لدنّي، فتطبيق اللَّه تعالى دوماً يكون بالعلم اللدنّي، أمّا في تطبيق المعصوم فهو في الجملة - لا بالجملة - بحسب الوظيفة المأمور بها.

أمّا الشريعة الظاهرة فهي التنظير في الأُمور الكلّية، والتطبيق يكون بالشريعة الكونية (١) .

____________________

١) في نظام التكوين في كلّ موجود حيثيتان واقعيتان:

أ - ما منه الوجود (حيث كون الوجود مفعولاً موجَداً مفاضاً لم يكن فكان)، ومن هذه الحيثية ينسب إلى اللَّه تعالى فإنّه الفاعل وما منه الوجود.

ب - ما به الوجود (حيث كون الوجود معَدّاً لِما به الوجود)، ومن هذه الحيثية ينسب للواسطة، فإنّها (ما به الوجود)، بمعنى أنّها (معدٌّ ومقرِّب) حيث كان هناك عجز في القابل، وبهذا العرض لا نقع في إشكالية الاعتزال، فلا حاجة لتصوير تجاوز نظام الوسائط. أمّا في التشريع فالحال يختلف؛ فإنّ حصر التشريع والاعتبار بالواسطة يوقعنا في إشكال الاعتزال؛ وذلك لأنّ الاعتبار من زاوية كونه ظاهرة تكوينية وإن كان لا ينتسب إلى الواسطة إلاّ بنسبة (ما به الوجود)، وإلى اللَّه بنسبة (ما منه الوجود)، فلا مشكلة في حصر التشريع بالواسطة لو كانت القضية تنتهي إلى هذا الحدّ، ولكن =

٤٢٦

* - إنّ منظومة الشريعة الظاهرة والارتباطات بين حلقاتها خاضع لآليات النشأة الدنيوية أي الأسباب الظاهرية، أمّا في منظومة الشريعة الباطنة من اللَّه عزّ وجلّ، والنبيّ، والرسل، والأوصياء، فهم مزودون بالعلم اللدنّي، وقد يستعان بغير المعصوم كما في تسخير الآخرين ويكون الفاعل بالقسر والفاعل بالجبر، وآلياته تكون غير ظاهرية، وقد تكون ظاهرية.

بعد استعراض هذه المقدّمات ندخل في صلب البحث، وذلك باستعراض مجموعة من النماذج القرآنية:

١ - استعراض الآيات المرتبطة بالحُجج الذين قاموا بدورهم الملقى على عاتقهم في الأرض بالعلم اللدنّي.

٢ - بيان غاية إرسال الرسل، وسنرى أنّ القرآن يثبت أنّ الغاية هي الإمامة.

٣ - استعراض الآيات المبيّنة للسيرة النبويّة، أو السيرة الإلهية التي أمر اللَّه تعالى بها.

٤ - الشرح القرآني لماهيات المناصب الإلهية.

٥ - بيان القرآن للمعاد، والسير إلى اللَّه.

____________________

= هناك زاوية أُخرى في الاعتبار وهي الزاوية الاعتبارية أي المعتبر والوجود الاعتباري، وهذا ينتسب إلى الواسطة بنسبة (ما منه الوجود)، ومن ثمّ كانت هناك ضرورة لفرض الاعتبار المباشر منه تعالى - والذي هو ثابت ديني - كي لا يحصل حالة الاعتزال في هذا المجال.

ويمكن تفسير ظاهرة التشريع بشكل آخر: أنّ التشريع كالتكوين دوماً يكون بنظام الوسائط، سوى أنّ الواسطة قد تكون نفس النبيّ الجزئية المرتبطة بالبدن الجزئي، وقد تكون نفسه الكلّية التي هي المرتبة العالية من نفسه الشريفة، وفي الأوّل يكون للواسطة لون لعدم محوضتها، بخلاف الثاني لا لون للواسطة لتمحّضها بالآيتية، ومن ثمّ فالتشريع إن كان بالواسطة الثانية لا ينسب إلاّ للَّه تعالى فتلغى نسبة ما به الوجود، بخلافه على الأوّل، فإنّه ينتسب إلى الواسطة بنسبة ما به الوجود.

٤٢٧

٤٢٨

الأمر الأوّل

استعراض نماذج الإمامة في القرآن

ونستعرض فيها قائمة لأولياء اللَّه الحُجج، وكيفية توفّرهم على العلم اللدنّي وتصرّفهم على طِبقه، ومنه سوف ينكشف لنا جوانب هذا العلم.

القائمة الأولى

النموذج الأوّل:

قصّة الخضر وموسى والتي تناولها القرآن الكريم في سورة الكهف، من الآية ٦٠ وحتّى الآية ٨٢.

وقبل استعراض الآيات يجب أن نلقي الضوء على الجوّ العامّ الحاكم على سورة الكهف، فالآيات التي ابتدأت بها السورة تستعرض حرص الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله على قومه لعدم استجابتهم وأسفه عليهم لعنادهم، حيث قال تعالى: ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ) (١) ، فنزلت هذه السورة لتسلية فؤاده صلى‌الله‌عليه‌وآله من خلال استعراض ثلاث وقائع هي:

* أصحاب الكهف.

* الخضر وموسى.

* ذو القرنين.

وكأنّها تسلّي قلب النبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ الإرادة الإلهية لا تتخلّف، وأنّ الهداية الإيصالية تتحقّق، وأنّ هناك منظومة من رجال الغيب الذين يقومون بحماية الشريعة من الانحراف والأخذ بيد الناس في أحلك الظروف والمحن بتدبير النظام العامّ بنحوٍ خفي.

____________________

١) سورة الكهف: ٦.

٤٢٩

استعراض تفصيلي للآيات:

( وَإِذْ قَالَ مُوسَى... ) (١) أي: واذكر أيضاً قصّة موسى، ممّا يدلّل على ما ذكرناه من أنّ القصص الثلاث أتت في سياق واحد ومن أجل هدفٍ واحد.

وفي أسباب النزول: أنّ موسى عندما أنزل اللَّه عليه الألواح رجع إلى بني إسرائيل وصعد المنبر وأخبرهم أنّ اللَّه قد أنزل عليه التوراة وكلّمه، فقال في نفسه: ما خلق اللَّه خلقاً أعلم منّي، فأوحى اللَّه إلى جبرئيل أدرك موسى فقد هلك، واعلمه أنّ عند ملتقى البحرين عند الصخرة رجلاً أعلم منك، فسر إليه وتعلّم منه. أي: أنّ للخضر علم مغاير لعلم موسى، وهذا مع التسالم على أنّ موسى أفضل من جميع من سواه في عصره.

( لا أَبْرَحُ... ) (٢) ظاهر في وجود أمر بالمجي‏ء إلى هذا المكان وبالتالي وجوده فيه ضرورة.

( ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ) (٣) يدلّ على تحديد المكان بالعلامة. والآيات اللاحقة تبين أنّ موسى قد لقي الخضر نائماً ولم يلتفت إلى أنّه هو الذي يجب أن يتبعه فسار قليلاً، فارتدّا على آثارهما بعد أن التفتا إلى ذلك ( فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ) (٤) ، وهذه الآية تبين لنا صفات الخضر:

أ - الإضافة التشريفية للَّه جلّ وعلا، حيث عبّر عنه أنّه من عبادنا، ممّا يدلّ على الحظوة والانتساب.

ب - إنّ التتبّع في استخدامات (عبادنا) يفيد أنّه لم يُستخدم إلاّ في الأنبياء

____________________

١) سورة الكهف: ٦٠.

٢) سورة الكهف: ٦٠.

٣) سورة الكهف: ٦٤.

٤) سورة الكهف: ٦٥.

٤٣٠

والمرسلين والأولياء، ولم يستخدم هذا التعبير لجميع العباد.

ج - إنّه مشمول بالرحمة الخاصّة.

د - إنّه متّصل بالغيب من خلال العلم الذي أوتي من الذات المقدّسة، وإنّ هذا العلم من لدن العليم الخبير، ففيه إشارة إلى عدم كون علمه كسبياً بل إفاضياً، وأنّه علم يفاض من لدن الذات.

( قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ) (١) ، يذكر الشهيد الثاني في منية المريد جملة دلالات في هذه الفقرة على التواضع، إنّ في هذه الجملة الوجيزة اثني عشر فائدة من فوائد الآداب، منها:

التواضع في الطلب، فقوله: ( هَلْ َ ) تفيد الاستيذان منه قبل الالتحاق به، والتعبير بـ ( أَتَّبِعُك ) ولم يقل أرافقك أو أماشيك، ممّا يفيد معنى التبعية وما فيه من معنى المتابعة المطلقة، وهي الإتيان بمثل فعل الغير لأنّه فعله، لا لوجه آخر، ولا يخفى ما فيها من الخضوع للخضر، وهو في هذه المتابعة مأمور بالكون معه، وفي هذه كمال التواضع والتفخيم للخضر، والتعبير ( عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ ) أي لا يشترط أن تعلّمني، فيدلّ على الرجاء، والتعبير بتعلّمني ولم يقل أعلم، والتعبير ( مِمَّا عُلِّمْتَ ) ، أي ليس هو كلّ ما عُلّمت وهو تفخيم ودليل أنّه تعليم إلهي.

وهذا خضوع وتواضع من قبل النبيّ موسى للخضر عليه‌السلام مع أنّه من أولي العزم ومن الأئمّة، حيث إنّ بعض الأنبياء من غير أولي العزم وصفوا بأنّهم أئمّة، فكيف بأولي العزم، مضافاً إلى أنّه كان حاكماً على بني إسرائيل، والحكومة من شؤون الإمامة لا من شؤون النبوّة، لكنّ الإمامة لها درجات مختلفة في الكمال والفضيلة الكونية كاختلاف النبوّة في الدرجات.

____________________

١) سورة الكهف: ٦٦.

٤٣١

كما أنّ هذا التواضع ليس من باب الخلق الحسن، بل هو من باب ما يقتضيه حقيقة العلم الذي يمتلكه الخضر والذي امتاز به عن النبيّ موسى.

الواضح من هذه الآيات أنّ العلم الذي كان لدى الخضر هو من الشريعة الكونية والسنن الإلهية في نظام التكوين؛ وذلك لأنّه لو كانت من الظاهرة لعلم بها موسى، وإنّما سميت شريعة لأنّ فيها أوامر وإرادة إلهية كونية، وعدم تزويد موسى بها دليل على أنّها خاصّة بالبعض.

والعامّة لجمودهم وابتعادهم عن بيت الوحي والعصمة تراهم وقعوا في حيصَ بيصٍ في كيفية تصوير اختلاف العلم الذي لدى الخضر مع العلم الذي لدى نبيّ اللَّه، وهل هو من سنخ النبوّة أم غير ذلك؟ وما ذلك إلاّ لأنّهم لم يذعنوا بالإمامة والعلم اللدنّي ولم يعترفوا بمقام الولاية الذي يطّلع على المشيئة الإلهية والإرادات الإلهية، والذي يعرّف الشريعة بحسب السنن الإلهية التكوينية، وجمدوا على منصّة الشريعة الظاهرة.

( قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ) (١) ، دلالة على أنّ الصبر يتصوّر مع العلم، وأنّ العلم التشريعي والنبوّة لم يُحيطا إحاطة تامّة، وأنّه لابدّ أن يزوّد الحجّة بالعلم اللدنّي والشريعة الكونية وهي الولاية؛ إذ لو كانت ظاهرة لما افتقدها موسى عليه‌السلام وشريعته عامّة، وهو وإن كان إماماً أيضاً إلاّ أنّ الإمامة درجات، وكذلك اختلاف العلم اللدنّي الذي يزوّد به الإمام.

ويدلّ هذا المقطع على اختصاص الشريعة بحسب الدرجة الواقعية الكونية بالأولياء المصطفين المعصومين، حيث لم يزوّد بها بتمامها حتّى موسى عليه‌السلام فضلاً عن عموم المكلّفين.

____________________

١) سورة الكهف: ٦٧.

٤٣٢

( قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) (١) ، إشارة إلى نظير وما فعلته عن أمري، الدالّ على أنّه أمر إلهي وإرادة كونية، إلاّ أنّه ليس من الشريعة الظاهرة، وهو إشارة إلى ما يأتي من قول الخضر.

( قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ) (٢) ففيه - أيضاً - إشارة إلى تأدّب الخضر مع النبيّ، فلم يأمره بالاتّباع بل علّقه على مشيئته وإرادته، كما أنّ الاستعلام العلمي عن حكمة فعل من الأفعال لا ينافي الائتمام؛ وذلك لأنّ التبعية ليست معلّلة أو موقوفة على حكمة الفعل.

إنّ هذه الآداب بين الحجج تشير إلى مطلب مهم وهو اعتقادهم بالمناصب الإلهية لكلّ منهما، وقد ورد في حديث المعراج: أنّ النبيّ في أحد المواقف تقدّم على الأنبياء وأمّهم للصلاة، ولم يكن لديه خشية وخوف مع إذعان جميع الأنبياء لهذا التقدّم.

وقد أثار علماء المعارف مدى الارتباط بين الفروع والعقائد، وأنّ الأفعال لها مناشئ وعلل خلقية، ففي قوس النزول نرى أنّ العقيدة تولّد صفات وهي تكون مصدراً لعدد من الأفعال، بينما في قوس الصعود الأفعال تولّد صفات وهي تولّد ملكات جوهرية أي عقائد.

كما يدلّ هذا المقطع على أنّ المأموم تابع لإمامه إمامةً تعبّدية، فلا يحقّ له تعليق تبعيته على معرفة الحكمة والمصلحة في أوامر إمامه، نعم، له الحقّ أن يسأل إمامه عن وجه الحكمة، ولكن كما ذكرنا أنّ منشأ المتابعة ليس معرفة الحكمة وإنّما الإمامة، فالآداب المتبادلة بين الخضر وموسى ذات منشأ وبذر عقائدي.

____________________

١) سورة الكهف: ٦٩.

٢) سورة الكهف: ٧٠.

٤٣٣

( لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ) (١) ، اعتراض من موسى بحسب الشريعة الظاهرة؛ لأنّ خرق السفينة تصرّف في ملك الغير.

( قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ) (٢) ، ليس المقصود من النسيان المعنى المصطلح وهو المنفي عن مقام العصمة للنبيّ، كما سيتّضح ذلك في الآيات القادمة، بل إنّ عدم اعتراض موسى سوف يكون نقصاناً في علمه النبويّ، وإنّ من الكمال لموسى هو الاعتراض، فالمعنى المراد من النسيان هاهنا ضرب من المعنى لا ينافي العصمة، نظير المعنى المجازي في قوله تعالى: ( نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ) (٣) ، إذ النسيان هو بحسب مقام الولاية الذي كان عند الخضر المطّلع على الشريعة بحسب الواقع الكوني، وهو لا ينافي عصمة موسى بحسب الشريعة الظاهرة، كيف والنسيان ليس أسوأ من عدم علمه بما يعلمه الخضر، ومع ذلك لم ينافِ عصمته.

والمفاد المطابقي لكلام النبيّ موسى عليه‌السلام ليس كلاماً واستفهاماً وإنّما هو اعتراض بمقتضى الشريعة الظاهرة واستنكار للفعل. نعم، يقتضي بالتلازم العقلي الدفاع والجواب من الخضر، فمحور التجاذب في الكلام هو عمّا لم يطلع عليه موسى، ومن ثمّ كانت إجابة الخضر: ( قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ) (٤) ، وهو يشير إلى ما قاله لموسى في بدء لقائهما: ( وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ) (٥) ، أي: ما لم تعلمه، ومن ثمّ لم يقل له إنّك لم تفِ بما تعهّدت به، فالموازين بحسب الشريعة الظاهرة هي السبب في اعتراضه الموجب لترك الشرط فيما بينهما، إذ الشرط لا يغير الحكم الأوّلي عمّا هو عليه.

____________________

١) سورة الكهف: ٧١.

٢) سورة الكهف: ٧٣.

٣) سورة التوبة: ٦٧.

٤) سورة الكهف: ٧٢.

٥) سورة الكهف: ٦٨.

٤٣٤

( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ) (١) ، وهذه هي الحادثة الأولى، والتي رأى فيها موسى تصرّفاً في ملك الغير وتعريض الآخرين للغرق، كما يُلاحظ أنّ موسى استخدم تعبير ( إِمْرًا ) أي: مستقبح، بينما في قتل الغلام - كما سترى - يستخدم ( نُكْرًا ) وهي أشدّ من الأولى؛ لشدّة قَباحة الفعل ظاهراً.

( فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً ) (٢) ، وهو قتل الخضر للطفل الصغير الذي لم يبلغ الحلم، وفي هذا تعدّيان في نظر موسى، أحدهما: هو القتل من دون سبب مجوّز له، والآخر: أنّه ما زال صغيراً ولا يؤاخذ بما يفعل فضلاً عمّا لم يأت به.

( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ) (٣) ، فالفعل هنا ليس كسابقه؛ إذ ليس فيه تعدّي، بل عمل تبرّعي محض لمصلحة الآخرين، كما يظهر أنّ إقامة الجدار قام بها الخضر بنفسه من دون موسى، وأنّه كان دفعياً بنحو التصرّف التكويني لا تدريجياً، لذا كان اعتراض موسى عليه بعد انتهاء العمل.

( قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ) (٤) .

إنّ هذه الآية الكريمة توضّح لنا أنّ للخضر نوع من العلم الذي ليس لدى النبيّ موسى؛ وذلك لأنّ العلم النبويّ هو العلم بإرادات اللَّه التشريعية، وهذا بخلاف العلم اللدنّي الذي يكون لدى أولياء اللَّه الحُجج، ونحن في نفس الوقت نثبت أنّ كلّ نبيّ من حيث نبوّته قد يكون مطّلعاً على العلم اللدنّي من بعض جوانبه.

____________________

١) سورة الكهف: ٧١.

٢) سورة الكهف: ٧٤.

٣) سورة الكهف: ٧٧.

٤) سورة الكهف: ٧٨.

٤٣٥

ومن امتيازات الشريعة في تطبيقها بدرجتها في سنن نظام الكون والعلم اللدنّي، أنّ الواجبات والأحكام يمكن تطبيقها في دائرة واسعة زمنية، أي يقع التزاحم بين الفعلي والمستقبلي حيث يعلم به، وكذا تشخّص الأهمّية في الملاك بعد ملاحظة تداعياته وما يترتّب عليه.

وهذا هو سرّ الفرق بين حكومة المعصوم عليه‌السلام وحاكميته بتوسّط ما يتنزّل عليه كلّ عام في ليلة القدر من مقدّرات كلّ شي‏ء، وبين حكومة غير المعصوم وحاكميته حيث يجهل كلّ ذلك، بل في حكومة المعصوم يُتفادى ذات التزاحم نفسه، لما فيه من التفريط ببعض المصالح الشرعية، بخلاف حكومة غير المعصوم فإنّه لعدم إحاطته بتداعيات الأحداث والحوادث يفرط وينفرط عليه زمام الحفظ للمِلاكات والحدود الشرعية، ويقع في سلسة من التفويت للأغراض الشرعية؛ تحت ضغط ظروف التزاحم المفاجئ والتدافع التي تفرض عليه بسبب عدم قدرته على الإحاطة بخفايا الأُمور الراهنة والمستقبلية.

وعلى ضوء ذلك، تتبلور فظاعة الطغيان والكفر، كما في مَن أحيا نفساً فقد أحيا الناس جميعاً، كما ورد عن الصادق عليه‌السلام : ( ذلك تأويلها الأعظم ) (١) ، الإحياء بالمعرفة، وهو قد ينطبق ويلتئم مع تداعيات الفعل في سلسلة ممتدّة، كما في إعزاء كلّ ذنوب الأُمّة إلى الأوّل والثاني.

وهناك مقولة تقول: إنّ الفقه - بمعنى الكلمة - مَنْ يتوصّل إلى أغراض الشرع بدون تزاحم، ومن بعد الدرجة اللاحقة مَنْ يصل إليها بالتزاحم، ولا تصل النوبة إلى التعارض، ومن بعد مَنْ يتوصّل إليها بالجمع العرفي، فالتعارض هو الخيار الأخير لمن يعجز عن الإحاطة بالدرجات السابقة.

____________________

١) راجع الكافي، ج٢، ص٢١١.

٤٣٦

وهذه المقولة تؤشّر على أنّ كثيراً من التزاحمات المتصوّرة هي وَهْمُ تزاحم لا حقيقة، ومع تحقّقه فلا طريق إلاّ التعامل مع الملاك بشكل مقطعي، وهذا ليس إلاّ لفقدان الوسيلة، لا لاختلاف التزاحم بين الشريعة بحسب درجة تطبيقها في النظام الكوني والظاهرة.

نعم، لا يحيط غير المعصوم بالإرادات الكلّية حضوراً، وإنّما هو مختصّ بمن له الهداية في الإراءة، كما أنّه لا قياس ولا مقارنة بين علم المعصوم بالشريعة الظاهرة وما يتوصّل إليه الفقيه بالظنّ القاصر عن الإحاطة بكلّ الشريعة الظاهرة، بل القاصر عن الوصول إلى متن الشريعة، بل من وراء حجاب دلالة الألفاظ مع عدم إحاطته أيضاً بكلّ الدلالة ولا بكلّ تناسباتها، فمن ثمّ يقع الخطأ حتّى في هذا المقدار المحدود من النزر اليسير، فضلاً عن عدم إحاطته بتنزّلات الإرادات الكلّية ومنظوماتها.

وبالجملة لا محلّ لقياس الثرى من الثريا، والتراب من فلك عالم الإمكان، وقد روى العيّاشي عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (إنّما مثل عليّ عليه‌السلام ومثلنا من بعده من هذه الأُمّة كمثل موسى النبي عليه‌السلام والعالم حين لقيه واستنطقه وسأله الصحبة، فكان من أمرهما ما اقتصّه اللَّه لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه، وذلك أنّ اللَّه قال لموسى: ( إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) (١) ، ثمّ قال: ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ ) (٢) ، وقد كان عند العالم علمٌ لم يُكتب لموسى في الألواح، وكان موسى يظنّ أن جميع الأشياء التي يحتاج إليها في تابوته، وجميع العلم قد كتب له في الألواح، كما يظنّ هؤلاء الذين يدّعون أنّهم فقهاء وعلماء، وأنّهم قد أثبتوا جميع العلم والفقه في الدين ممّا تحتاج هذه الأُمّة إليه وصحّ

____________________

١) سورة الأعراف: ١٤٤.

٢) سورة الأعراف: ١٤٥.

٤٣٧

لهم عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلموه وحفظوه، وليس كلّ علم رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله علموه ولا صار إليهم عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا عرفوه؛ وذلك أنّ الشي‏ء من الحلال والحرام والأحكام يَرِد عليهم فيُسألون عنه ولا يكون عندهم فيه أثر عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويستحيون أن ينسبهم الناس إلى الجهل، ويكرهون أن يُسألوا فلا يجيبوا فيطلب الناس العلم من معدنه، فلذلك استعملوا الرأي والقياس في دين اللَّه، وتركوا الآثار ودانوا اللَّه بالبدع، وقد قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : كلّ بدعة ضلالة.

فلو أنّهم إذا سُئلوا عن شي‏ء من دين اللَّه فلم يكن عندهم منه أثر عن رسول اللَّه ردّوه إلى اللَّه وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذي منعهم من طلب العلم منّا العداوة والحسد لنا، لا واللَّه ما حسد موسى عليه‌السلام العالم، وموسى نبيّ اللَّه يوحِي اللَّه إليه، حيث لقيه واستنطقه وعرفه بالعلم، ولم يحسده كما حسدتنا هذه الأُمّة بعد رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما علمنا وما ورثنا عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يرغبوا إلينا في علمنا كما رغب موسى عليه‌السلام إلى العالم وسأله الصحبة ليتعلّم منه ويرشده.

فلمّا أن سأل العالم ذلك عَلِم العالم أنّ موسى عليه‌السلام لا يستطيع صحبته ولا يحتمل علمه ولا يصير معه، فعند ذلك قال العالم: ( وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ) (١) ، فقال موسى عليه‌السلام له - وهو خاضع له يستعطفه على نفسه كي يقبله -: ( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) (٢) .

وقد كان العالم يعلم أنّ موسى عليه‌السلام لا يصبر على علمه فكذلك - واللَّه يا إسحاق بن عمار - حال قضاة هؤلاء وفقهائهم وجماعتهم اليوم لا يحتملون - واللَّه - علمنا، ولا يقبلونه، ولا يطيقونه، ولا يأخذون به، ولا يصبرون عليه، كما لم يصبر موسى عليه‌السلام على علم العالم حين صحبه ورأى ما رأى من علمه، وكان ذلك عند موسى عليه‌السلام مكروهاً وكان عند

____________________

١) سورة الكهف: ٦٨.

٢) سورة الكهف: ٦٩.

٤٣٨

اللَّه رضاً وهو الحقّ، وكذلك علمنا عند الجهلة مكروه ولا يؤخذ وهو عند اللَّه الحقّ) (١) .

والهداية الإيصالية شي‏ء وراء الوساطة في الفيض في قوس الصعود أو هي، ومع كونها هي هل هي مختصّة بالمؤمن أو تعمّ الكافر حيث إنّ الوساطة لم يُستثن منها أحد؟

بل هي مع خصوصيات تذكر في محلّها، والوساطة لم يُستثن منها أحد سوى أنّ الكافر لا فيض إليه وإنّما حرمان، فالوساطة وساطة في الحرمان من تحصيله على كمالات، والواسطة في مثل هؤلاء أئمّة الشرّ والضلال، كإبليس والجبت، والطاغوت.

وباختصار: أنّ السورة المباركة (الكهف) في صدد بيان قصّة الإمامة، وإنّها ظاهرة مستمرّة لا تنقطع، وإنّ إكمال الدين ليس بالنبوّة المجرّدة عن الولاية والإمامة، فإنّها ليست الغرض الأقصى، وإنّما التمام بالهداية الإيصالية، والمتمثّلة بإمام له الولاية وإدارة جماعة خفية مهمّتهم حفظ أغراض الشريعة الظاهرة بتحقيقها سواء المرتبطة بنظام المجتمع أم المرتبطة بالفرد.

ثمّ إنّ الظاهر أفضلية موسى على الخضر من بعض الجهات؛ بقرينة تبعية الثاني لشريعة الأوّل، المستفاد من بيانه لشرعية أفعاله بموازين شريعة التوراة، وإن كان يمتاز على موسى بالعلم اللدنّي للوصول إلى أغراض الشريعة.

وبيانه بشكل مفصّل يعتمد الالتفات إلى هاتين النقطتين:

النقطة الأولى: يذكر في علم أصول الفقه أنّ القضية الشرعية الحقيقية التي يُنشأها الشارع ويعتبرها، لها بعد تكويني وهو الإرادة التشريعية، وحقيقة هذه الإرادة تكوينية تتعلّق باعتبار الحكم الذي هو فعل الشارع.

____________________

١) تفسير العيّاشي، ج٢، ص٣٥٧، ح ٤٦.

٤٣٩

والإرادة التكوينية هذه كلّية من جهة أنّ متعلّقها هو الاعتبار الكلّي. بل العراقي - ومن قبل النهاوندي - افترضا أنّ حقيقة الحكم هي هذه الإرادات والإنشاء والاعتبار مجرّد وسيلة تخبر عن حكم اللَّه الذي هو الإرادة.

ومن ثمّ سواء قلنا إنّ حقيقة الحكم الاعتبار والإرادة مبدأه كما هو الحقّ، أم قلنا إنّ حقيقته الإرادة، والاعتبار مبرز وكاشف ومخبر، فالنتيجة المتوخاة واحدة، وهي أنّ التكوين ذو صلة بالاعتبار، وأنّ غطاء الاعتبار أو محكيه هو الإرادات الإلهية التكوينية الكلّية، وهذه الإرادات بحكم نظام الوسائط تتنزّل حتّى تنتهي بنفس الوحي ومن قبل النبيّ.

هذا ويذكر في علم الأُصول أيضاً أنّ الحكم الكلّي ينحلّ عقلاً إلى أحكام جزئية شرعية اعتبارية، وكذا الإرادات الكلّية تنحلّ إلى إرادات جزئية تكوينية، وقد نبّه إلى ذلك العرفاء أيضاً، وهو الحقّ.

النقطة الثانية: إنّ تنزّل الأمر والشأن منه تعالى على عالم مثل الدنيا يتمّ عبر مراحل ولوائح تكوينية ونشآت متعدّدة، وكلّما كان العالم والنشأة أكثر علوية كلّما كانت المتنزّلات أكثر بساطة، وكلّما توغّل في التنزّل كلّما كان أكثر تقديراً ومحدودية وتضيّقاً.

وعلى هذا الأساس نقول: إنّ النبيّ الحامل لشريعة الظاهر تتلقّى نفسه الشريفة التشريع في لوائح عالية في النشآت الغيبية، فهو يعلم بالاعتبارات وموجبها وهي الإرادات الكلّية التكوينية.

وأمّا حامل الولاية والشريعة في السنن الكونية فيتلقّى الإرادات الإلهية التكوينية الجزئية في نشآتها النازلة، كما يتلقّى الإحاطة بالإرادات الكلّية عن المقام الروحي للنبيّ عن مقامه الغيبي، ومن ذلك يظهر استحالة النبوّة مجرّدة عن الولاية كاستحالة تجرّد الحكم الاعتباري الشرعي وانفكاكه عن الإرادة الشرعية،

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592