الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية10%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141348 / تحميل: 8965
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وأنّـكَ خـالدُ الـذكرى ويـبقى

حـديثكَ تـستطيبُ بـهِ النسيمُ

أبـا الأعـوادِ والـحكمِ اللواتي

تـمثّلَ فـيهما الأدبُ الـصميمُ

تَـرِفُّ عـلى روائـعها قـلوبٌ

لـرقّـتها ويـهـتزُّ الـجـسومُ

رأيـتكَ تـسحرُ الألبابَ وعظاً

فـكانت فـي يـديكَ كما ترومُ

وآلافُ الأنـامِ إلـيكَ تـصغى

ووجـهكَ لاحَ مـطلعُهُ الـوسيمُ

ودوّى صـوتكَ الـمرهوب فيها

كـأنّكَ فـي الـلقا أسـدٌ هجومُ

وقـد ضـاقَ المكانُ بهم فضلّتْ

عـلـى مـرآكَ أرواحٌ تـحومُ

مـواقفُ لـستُ أُحـصيها بعدٍّ

على الدنيا وهل تُحصى النجومُ

* * *

أبـا الأعوادِ منبركَ المرجّى

لـنفعِ الـناسِ يعلوهُ الوجومُ

فـهل أسـندتهُ لـفتى أبيٍّ

وهـل أحـدٌ يقومُ بما تقومُ

فمَنْ لشبابِ هذا العَصْرِ يهدي

إذا عصفت بفكرتهِ السمومُ

تُـجاذبهُ العواملُ ليس يدري

عـلى أيّ الـمبادئ يستديمُ

وجـاءت موجةُ الإلحادِ يقفو

خطاها الشرُّ والخطرُ الجسيمُ

أيا خطباءَ هذا العصرِ جدّوا

فـما بـلغَ المرامَ فتى تؤومُ

فـإنّ منابرَ الإسلامِ عطشى

إلى خـطباءِ زانتهم علومُ

تُـتـوّجهم عـقولٌ نـيّراتٌ

يـكون سنادها الذوقُ السليمُ

ويـمزجهم بهذا الشعبِ ذوقٌ

كـما امـتزجَ المنادمُ والنديمُ

وإنّ شعارها الإخلاصُ مهما

تـجاهلت الأسافلُ والخصومُ

لـيلمسَ منكمُ الشعبُ انطلاقاً

إلى اُفـقٍ جلت عنهُ الغيومُ

كفاكُمْ حربَ جسّاسٍ وصخرٍ

وما تبكي الطلولُ أو الرسومُ

فـما في عصركم قتبٌ وكورٌ

ولا سـلعٌ وربـعٌ والـغميمُ

أروهم حلوةَ الإسلامِ تزهو

جـوانـبهُ ومـنبعهُ الـعميمُ

وذا قـرآنـكمْ فـيهِ كـنوزٌ

يـحيرُ بوصفها اللبُّ الحليمُ

وكـان بـهِ اكتشافٌ وارتقاءٌ

وكـان بهِ الصراطُ المستقيمُ

أطـبّاءَ النفوسِ وهل رضيتم

لـمجتمعٍ يـعيثُ بهِ السقيمُ

وذي جـذواتكم تخبو ويبقى

يـسودُ بـجوّنا الفكرُ العقيمُ

٢١

فـكونوا للمنابرِ صوتَ حقٍّ

وسـيفاً لـيس يـعروهُ ثلومُ

خطيبُ القومِ أرجحهم كمالاً

خـبيرٌ بـالسقامِ بـهِ عليمُ

يكوَّن من شظايا القلبِ وعظاً

كأنّ عظاتهُ جمعت كلومُ(1)

5 - قال في ذكرى مولد سيّد الشهداء الحسينعليه‌السلام :

باسمِ الحسينِ حلتْ لنا الأشعارُ

وسـمتْ بـفضلِ سموّهِ الأفكارُ

وتـنـبّهتْ آمـالُنا وتـفتّحتْ

فـرحاً كـما تـتفتّح الأَزهـارُ

وتـبسّمتْ دنـيا السّرورِ مليئةً

بـالمبهجاتِ وأشـرقت أنـوارُ

وتـباشرت حورُ الجنانِ وهلّلتْ

لـجمالِ طـلعةِ وجههِ الأنظارُ

هـذي الـثغورُ يحفّها استبشارُ

والـحفلُ يـعبَقُ نشرهُ المعطارُ

لـمّا أبـو الأحرارِ أشرقَ نورُه

أضـحت لـهُ تتباشرُ الأحرارُ

طـافَ الهَناءُ يُديرُ كأسَ مديحه

وتـعـلّلت بـحديثهِ الـسمّارُ

اِسـمُ الـحسينِ وما ألذَّ حروفَه

فـكأنّهُ الـشهدُ الـحَلالُ يُـدارُ

ذكـرى إبـائَك عـزّةٌ وفخارُ

درسٌ بـهِ تـتحدّثُ الأعصارُ

أما روى الراوون بعضَ فصوله

راحـت فـلاسفةُ الزمانِ تُحارُ

وتـيقّنوا أنّ الـحسينَ ونـهجَهُ

لا جـورَ يـحكمهُ ولا استعمارُ

عـلّمتنا مـعنى الحياةِ بموقفٍ

فـيهِ تـمثّلَ عـزمُكَ الـجبّارُ

وأريـتنا أنّ الـمماتَ سـعادةٌ

ولـدى المهانةِ ترخصُ الأعمارُ

خـلّدتَ يعربَ مذْ عقدتَ لهامها

تـاجاً عـليهِ مـن عُلاكَ وقارُ

وكـسوتها حـللَ الخلودِ وإنّها

لا الـعصرُ يـبليها ولا الأدهارُ

إنْ مـرّ ذكرٌ للحسينِ تمثّل الـ

إعـظامُ والإجـلالُ والإكـبارُ

وإذا ذكـرتَ يزيدَ تبصرُ كومةً

مـن فـسقهِ يـطفو عليهِ العارُ

الـحقّ إشـعاعٌ يـلجُّ ضـياؤه

عـبرَ الـقرونِ ونـورهُ سيّارُ

فـبكلّ قـلبٍ نـبرةٌ لـشعورِه

وبـكلّ نـفسٍ رنّـةٌ وشـعارُ

أكـذا يـدومُ الـحقُّ في أبطاله

أكــذا تـخلّدُ آلـهُ الأطـهارُ

____________________

(1) ذكر الاُستاذ شبّر في كتابه ( أدب الطفّ 10 / 142 ) أنّ هذه القصيدة قالها في رثاء الشيخ كاظم نوح، بينما ذكرت مجلّة الإيمان في عددها الخاص بالشيخ اليعقوبي ص31 أنّها في رثاء اليعقوبي، وإنّي أرى لا مانع من تكرارها في الشخصيّتين وإن نُظمت في إحداهما، والأقوى أنّه الشيخ كاظم نوح.

٢٢

هـذا الـحسينُ ضريحهُ نوّارُ

عـكفت بـعتبةِ بـابهِ الزوّارُ

فـبكلّ نـفسٍ روعـةٌ لجلالِه

وبـكلِّ قـلبٍ مـرقدٌ ومزارُ

تـسمو على فلكِ السماءِ قبابه

ويـشعُّ لـلقصّادِ مـنهُ مـنارُ

وتـحطُّ تـيجانُ الملوكِ ببابه

ولـها ملاذٌ في الحمى وجوارُ

تـنهارُ أعماقُ القرونِ وذكرُه

بـاقٍ فـلا يـبلى ولا يـنهارُ

يا زمرةَ الجيلِ الحديثِ تيقّظوا

لـمصيركم خُلقَ الزمانُ مهارُ

هدفُ الحسينِ عليه نبني مجدنا

وبـضوءِ نهضتهِ لنا استبصارُ

الـدورُ دوركمُ خذوا بنصيبكمْ

مـن قبل أن تتصرّمَ الأعمارُ

6 - قصيدة رائعة في مولد الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله بعنوان (أسرار المولد):

يـا محفلَ الذكرى لسيّد البشر

أذع فـتاريخكَ تـاريخٌ أغـر

فـإنّما الـمولودُ فـيكَ أحـمدٌ

مَـن حرّر العقلَ وأطلقَ الفكر

أذع فـهذا الـمنقذُ الأكبرُ والـ

مـشرّعُ الأعظمُ والأبُ الأبر

شـعّ عـلى الـعالمِ نورهُ فذا الـ

ـتمدينُ من لئلاءِ عقلهِ ازدهر

لـقد سما بالعربِ حتّى أذعنت

مـمالكُ الأرضِ لهم بحراً وبر

وطـأطـأت تـواضعاً لـعزّه

جـباهُ قيصرٍ وكسرى والخزر

بجنبكَ «الإيوان» فاحفِه الخبرْ

حقّاً ترى عند «جُهينة» الخبر

قـف وانظر الشقَّ بجنبهِ غدا

آيـةَ إعجازٍ على مرِّ العُصر

سـله وسـائل شـرفاته ففي

صـموته تـقرأ أفصحَ العبر

لأيّ أمـرٍ حـلّ تـنشقّ ومن

قـلّصَ ذلـك النعيمَ والبطر

ونـار فـارس خبت ألم تكن

مُذ ألف عامٍ قد تقادحت شرر

سـمعاً أبا العُرب وتاجها الذي

كـوّنَ مـنهم أُمّـةً ذات خطر

وزجّـها نـحو الـخلودِ عاقداً

لـها لـواءً رفّ فـوقهُ الظفر

وانـتشلَ الـعالمَ مـن تدهورٍ

يـؤولهُ الـلاتَ ويـعبدُ الحجر

وبـاعثاً دستورَ حقّ يكفِ للـ

سـعادةِ الـكبرى بآياتٍ غرر

لأنـتَ نـعمَ الحظّ قد كنت لها

لـكننّا بـئسَ الـعشير والنّفر

يا صاحبَ النورِ أضعنا مبدأً

يـمشي مع العقلِ سموّاً وكبر

تـنـاوحتنا طـغـمةٌ أجـلّها

لـو قـلت أنّـها حثالةُ البشر

يـضيمني أنّ يـدي تـعافني

وأنّ غيري نالَ في يدي الوطر

٢٣

ما كنتُ بالمأسوفِ لو أنّ أخي

يـدري إلى أينَ وأينَ المستقر

ولا الـمضام لـو تماسكت إذا

مـا قـيلَ لي أنّ أخاكَ قد عثر

يـا وتـر الساسةِ كم تطربهمْ

أجل وضرب العودِ يقطعُ الوتر

يا محفلَ الذكرى أبن لمَنْ وعا

مـقامَ طه في الحديثِ والسور

عـلّمهمُ الـغايةَ مـن تـذكاره

وسـرّ هـاتيك الرموز والدرر

أكـان يُـعلي قـدرهُ وشـأنه

بـعد ثـناءِ اللهِ شعرُ من شعر

بـموجةِ التصفيقِ يسمو شأوهُ

وبـالوفودِ زُمـراً إثـر زمر

ذي روح أحمدٍ وقد رفّت على

حـفلكمُ تـطلبُ جـوهرَ الأثرْ

ترى أضعنا الروحَ من أعمالنا

وأنّـنا قـد اجـتزينا بالصور

يـا خـابطَ السير تبصّر حسناً

سـيركَ مـعوجّ فكرّر البصر

الـفخرُ أن يُـقالَ شـقّ للعلا

طريقهُ ما الفخرُ عاث أو سكر

وطـالباً إصـلاحنا كـفى بأن

نـأمنَ منكَ الاعتداءَ والضرر

هـذي تجاربُ الحياةِ قد قضت

أن نكتفي لا نبتغي خيراً وشر

7 - وله غديريّة ألقاها في احتفال (منتدى النشر) في النجف عام 1363 هـ:

لـمَنْ الـحفلُ رائـعاً يـتلالا

يـزدهي مـنظراً ويزهو جمالا

ولـمَنْ هـذهِ الـروائعُ تُـتلى

والأنـاشيدُ بـاسمِ مَـنْ تتولّى

قـيلَ قـد توّج الوصي وهذي

بـهجةُ الـتاجِ زانتِ الاحتفالا

وانـتشقنا طـيبَ الـولايةِ منه

وسـعـدنا بـنـعمةِ اللهِ حـالا

واهـتدينا بـنورهِ مـذ تـجلّى

بـسماءِ الـدينِ الـحنيفِ هلالا

وعـلى مشرع (الغديرِ) احتسينا

فـي كـؤوسِ الولا نميراً زلالا

وجـديرٌ هـذا الـشعورُ بـيومٍ

فـيهِ ديـنُ الإلـهِ تـمّ كـمالا

رنّـةُ الوحي في المسامعِ دوّت

تـملأ الـنفسَ هـيبةً وجلالا

بـلّغ الـناسَ مـا أتـاك وإلاّ

لـم تـبلّغ وحـي الإلـهِ تعالى

إنّـمـا أنـتَ مـنذرٌ وعـليٌّ

هــو هـادٍ يُـسيّر الـضُلاّلا

فـي فـلاةٍ تـكادُ تـلهبُ ناراً

ولـظى حـرّها يـذيبُ الرمالا

وإذا بالرسولِ يلقى عصا السيـ

ـرِ وتـلكَ الـجموعُ تلقى الرحالا

وتـعالى الـهتافُ مـنه أجيبوا

داعـي اللهِ فـاستخفّوا عـجالا

كـسيولٍ جـاشت وراءَ سيولٍ

أو جبالٍ في السيرِ تقفوا الجبالا

٢٤

زمـرٌ قـد تـحاشدت حـولَ طه

حـشدها يـومَ مـنه ترجو النوالا

غـصّت الـبيدُ واستحالت رجالاً

ونـواحي الـفضاءِ ضاقت مجالا

ورقـى مـنبرَ الـحدوجِ ومـدّت

نـحـوهُ الـهامُ خـضّعاً إجـلالا

وانـبرى يرسلُ الخطابَ وذاك الـ

ـجمـعُ مُـصغٍ تـهيّباً وامـتثالا

ونـعـى نـفـسهُ وقـالَ أتـاني

أمـرُ ربّـي وحـثّني الـترحالا

وأنــا راحــلٌ وبـعدي عـليٌّ

واحــدُ الـدهرِ مَـوئلاً ومـآلا

سـنّـةُ الأنـبياءِ قـدماً تـمشّت

تـقطعُ الـدهرَ والـقرونَ الطوالا

هـل نـبيٌّ مـضى بـغيرٍ وصيٍّ

فـاسألوا الـدهرَ واسألوا الأجيالا

خـصّـهُ اللهُ بـالإمـامةِ لـمّـا

كــانَ لـلحقِّ والـرشادِ مـثالا

هـو أقـضاكمُ وبـابُ عـلومي

فــاقَ فـضلاً وبِـذاكُمُ إفـضالا

وهـو فـيكم مـمثّلي ووصـيِّ

لـعنَ اللهُ مَـنْ عـليه اسـتطالا

أُمّـتـي لا أراكـمُ بـعدَ مـوتي

قــد رجـعتم نـواكصاً جـهّالا

فـاستجابوا وعـجّت الـبيدُ منهم

تـحسبُ الأرضَ زلـزلت زلزالا

ورســولُ الـهدى يـردّدُ فـيهم

ربّـي والـي الـذي لـحيدرَ والا

عـنهُ سـل مـحكمَ الكتابِ وسائل

آلَ عـمـرانَ واســأل الأنـفالا

مَـنْ بـبدرٍ وتـلك أوّلُ حـربٍ

قـد رآهـا وقـد أراهـا الـوبالا

مَـنْ دحـى البابَ مَنْ باُحدٍ تلقّى

عـمدَ الـدينِ حـين زالَ ومـالا

مَنْ قضى غيره على الشركِ قل لي

مَـنْ لـعمرِ بـيومِ صال وصالا

صـولةً تـفضلُ الـعباداتِ طرّاً

وسـمـا شـأوهـا وعـزّ مـنالا

ولـكم مـوقف يـرنّ بإذنِ الدهـ

ـرِ والـدهـرُ مـنهُ يـلقى انـذهالا

هـكـذا فَـلْتَكُ الـبطولةُ دومـاً

(هـكـذا هـكـذا وإلاّ فـلا لا)

8 - وله في ذكرى ولادة الإمام الصادقعليه‌السلام :

يـا قـلمَ التاريخِ سجّلْ لنا

يـوماً مـن الأيّـام معدودا

أذعْ فـذا يـومٌ لـهُ شـأنهُ

كـانَ على التاريخ مشهودا

حدّثْ عن الصّادقِ واستنطق الـ

ـتاريخَ يروي الدُرَّ منضودا

وحـدّث الـعالَمَ عـن عالِمٍ

قـد مـلأ الـدنيا أسـانيدا

تَـبلى الأقـاويلُ وأقـوالُهُ

بـاقـيةٌ تــزدادُ تـخليدا

آراؤه الـغـرُّ وأفـكـارُه

يـعجزُ عنها الحصرُ تعديدا

٢٥

مـا حـدَّ اُفق العلم في غايةٍ

ولا يـرى الـعالَم مـحدودا

شـتّان مـنْ يـفتَحُ أبوابه

ومَـنْ يـعدُّ البابَ مسدودا

سـلِ ابن حيّان وسل غيرَه

أئـمّـةَ الـعلم الـصناديدا

مَنْ طبّق الدنيا سوى جعفرٍ

مـعـارفاً تَـزدادُ تـرديدا

وسـلْ تـلاميذَ لـهُ أنّـهم

كـانوا عـلى الدّنيا أسانيدا

هـم فـتحوا لـلكيميا بابَه

وكـان منهُ البابُ موصودا

وخـلّدوا الـدهرَ بـأقلامهم

أفـنوا ربـيعَ العمر تسهيدا

وخـلّفوا أغـلى تـراثٍ لنا

لو لم يكنْ في النّاس مجحودا

9 - وله قصيدة بعنوان (يوم المحنة) قالها على إثر انتكاسة العرب في حرب حزيران 1967، اُذيعتْ من دار الإذاعة العراقية، ووُضِعَتْ في المناهج الرسمية لمدارس المقاصد في لبنان، وهي:

يَـومٌ عـلى الدهرِ لا يُطفى له لَهَبُ

إنْ تـنسهُ العُرْبُ ما هم بعدهُ عُربُ

وإن غفت عن طلابِ الثأرِ لا سجعت

يـوماً بـأمجادها الأقـلامُ والـكتبُ

عـهدي بـها لا تـقرّ الضيمَ شيمتُها

حـتّى ولـو طالتِ الأعوامُ والحقبُ

الـعيشُ بـالذلِّ مـرٌّ فـي تجرّعه

والـموتُ بـالعزّ حلوٌ وردهُ عذبُ

مـت إن تمت قاهراً والنفسُ راضية

ولا تـمت صاغراً والحقُّ مُغتصبُ

شـراذمُ مـن نـفايا الأرض تبعثها

ثـعالبُ الـغربِ فـيها يشهدُ الذَّنَبُ

تـدوسُ أقـدسَ أرضٍ مـن معابدنا

ونـحنُ نـبصرها بـالرغمِ تُستلبُ

فـواجعٌ بـغّضت طـعم الـحياةَ لنا

وكـدّرت صـفو عيشٍ فهو مكتئبُ

سـادَ الوجومُ على الأقطارِ وانكمشت

هذي الوجوهُ وعمّ السخطُ والصخبُ

لا عـينَ في الشرقِ إلاّ وهي ساهرةٌ

ولا مـشاعرَ إلاّ وهـي تـضطربُ

تـجاوبت نـخوةُ الإسـلامِ طـائعةً

وأعـلنت أنّـها طـوعٌ لـما يجبُ

وألـهبت عزماتِ العُربِ وانتفضت

حـميّةٌ فـهي كـالبركانِ تـلتهبُ

عـسى يكون وراءَ الصمتِ منطلقٌ

يُـجلى بـهِ الغمُّ والأحزانُ والكُرَبُ

بـالأمسِ انـكلترا تُـدعى صديقتَنا

والـيوم قـد جاءنا من ويلها الحَرَبُ

مـاذا جـنيناهُ قُـل لي من صداقتنا

ظـهرٌ فـيُركبُ أو ضـرعٌ فيُحتلبُ

وذي ربـيـبتها بـل [قـل] ولـيدتُها

ولا تـسل هـل لـها بين الأنامِ أبُ

قـد صرّحَ الحقّ وانزاحت بهِ الريبُ

وشـفّ عـن جـسمهِ ثوبٌ لهُ قُشبُ

٢٦

قـف بـي على الأردن المشهود موقفُه

لألـثم الـجرحَ لـكنّ الـحشا يـجبُ

قـذائفُ الـنارِ عـاثت فـي محاسنِه

وشـوّهت أوجـهاً تـستافها الـشهبُ

قـف بـي عـلى قبلةِ الإسلامِ أسألها

عـمّا جـرى مـن دواهٍ كلّها خطبُ

ومـسجدِ الـصخرةِ الـمحزونِ منظرُه

بـالدمعِ والـدمِ مـطبوعٌ ومـختضبُ

قـد أوحـشَ المنبرَ العالي وقد ذويت

أعــوادُهُ فـهـي تـنعاهُ وتـنتحبُ

ثـمّ اسـتمع رنّـةَ الـمحرابِ أحزنه

فَـقْدَ الـمصلّينَ مـذ طـلاّبهُ غربوا

وحـيّ تـلكَ الـمروجَ الخضرِ ناعيةً

أحـبابها فـهي ثـكلى خَـدُّها تَـرِبُ

يـا طـيبَ عيشٍ على الوادي باُمسيةٍ

رقّـت ورقّ الـهوى والماءُ والعُشبُ

أبـناءَ عـمّانَ لا يـحزنكَ ما ارتكبوا

فـالكأس سـكّابة طـوراً ومـنسكبُ

والـعـربُ مـغلوبةٌ يـوماً وغـالبةٌ

مـا كـلّ سـبّاقةٍ تـجري لها الغلبُ

أدّيــت قـسـطك والأيّـام شـاهدة

وإنّ يـومـكَ فـيهِ تـفخرُ الـعربُ

ووقـفـةٍ لاُسـودِ الـرافدينِ غـدت

أرسى من الهضبِ لا بل دونها الهضبُ

جـيشُ الـعراقِ وحـامي سورَ منعتِه

إن سـارَ كـان لـهُ الإقـدامُ والغلبُ

عـاشت دمـشقُ فـلا عُتبى ولا عتبٌ

لـقـد أرتـنا نـضالاً كـلّهُ عـجبُ

يـومٌ تـهجّم وجـهُ الـبغي وانبعثت

قـواذفُ الـشرّ يسري جيشها اللجبُ

نـيـرانُهُ تـمـلأ الأجــواءِ قـاذفةً

لـهيبها ضـاقَ فـيها اُفـقها الرحبُ

وتـقـتـفيها أسـاطـيـلٌ مـدمّـرة

حـتّـى إذا أخـذت لـلغابِ تـقتربُ

هـبّـت مـغـاويرُ سـوريّا مـشمرةً

كـالاُسدِ لـم يـثنها خوفٌ ولا رهبُ

فـهل رأيـتَ اُسـودَ الـغابِ مغضبةً

دونَ الـحمى أرأيـتَ الـليثَ إذ يثبُ

أبـناء يـعربَ جـدّوا فـي عزائمكمْ

فـالأمرُ قـد جـدّ والأسـماعُ ترتقبُ

وإنّ أحـسـابكم أمـسـت تُـطالبكمْ

فـحقّقوا أمـلاً يـسمو بـهِ الـحسبُ

10 - وله في رثاء الخطيب الشهير الشيخ محمّد علي قسّام، يقول السيّد جواد شبّر في أدب الطفّ 10 / 65:... وكان يوم 29 كانون الثاني 1954، يوم مجيء جثمانه للنجف من الأيّام المشهودة؛ فقد اُقيمت على روحه عدّة فواتح، كما تبارى الخطباء والشعراء يوم أربعينه في (مسجد الهندي) بالنجف، وكنتُ ممّن شارك بقصيدة مطلعها:

سند الشريعة في جميعِ الأعصرِ

هذي الروائعُ من خطيبِ المنبرِ

ذاك الذي يُمسي ويُصبح ناشراً

عـلمَ الـجهادِ كقائدٍ في عسكرِ

أمـعلّم الأجـيالِ تنثرُ جوهراً

فـكأنّ صدركَ معدنٌ من جوهرِ

٢٧

يـا مـنبرَ الإسلامِ دمت متوّجاً

بـالأنجبينَ وكـلّ ليثٍ قسورِ

يـا مـنبرَ الإسلامِ دمت منوّراً

طـولَ الزمانِ بكلّ عقلٍ أنورِ

يـا منبرَ الإسلامِ دمت مضمّخاً

بـالرائعاتِ مـن الفمِ المتعطّرِ

ومجالسٍ هي كالمدارسِ روعةٌ

اُمٌّ لـكـلّ مـهـذّبٍ مـتنوّرِ

الـمنبر الـعالي رسالة مرشدٍ

جـاءت لـعقلِ النابِهِ المتحرّرِ

الـمنبر الـعالي حكيمٌ مبصرٌ

يصفُ الدواءَ بحكمةِ المتبصّرِ

يـا فارسَ الميدان عزّ عَلَيّ أن

تهوي وحولكَ سابغاتِ الضمّرِ

يـا مَنْ إذا أرسلت لفظك لؤلؤاً

جـرتِ الـعيونُ بلؤلؤٍ متحدّرِ

أو قمت في أعلى المنابرِ خاطباً

فـكأنّ قولكَ ريشةٌ لمصوّرِ(1)

11 - ومِن روائع شعره القصيدة التي حيّا بها الإمام المصلح الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء عند عودته من مؤتمر باكستان عام 1371 هـ(2) :

كـذا يـلمعُ الـقمرُ الـنيّرُ

كـذا ينهضُ المصلحُ الأكبرُ

كـذا ترتقي عالياتُ النفوس

وهـامُ الأثـيرِ لـها مـنبرُ

كـذا يعذبُ العمرُ في مثل ذا

وإلاّ فـما قَـدْرُ مَنْ عَمّروا

كـذا يشمخُ العلمُ فوقَ السُّها

فما عرشُ كسرى وما قيصرُ

أشـيخَ الـشريعةِ بل رمزها

ومـفخرها عـشتَ يا مفخرُ

أُقــدّسُ شـخصك إذ إنّـه

مـثالُ الـكمالِ مـتى يذكرُ

إذا مـا انتسبتَ إلى «جعفرٍ»

فـحسبكَ مـنتسباً «جعفرُ»

لأن حـسبتك الـورى واحدا

«ففيك انطوى العالمُ الأكبرُ»

نـهضتَ لتجلوَ رينَ القلوب

وتـوقظَ جـيلاً بـدا يشعرُ

نهضتَ وبُوركتَ مِن ناهضٍ

فـما وثـبةُ الاُسـدِ إذ تزأرُ

وأبلغتَ في النصحِ في مجمعٍ

تـجدّدُ تـاريخهُ الأعـصرُ

وهزّ صدى صوتك المشرقين

ودوّى كـقـاذفـةٍ تـفـجرُ

حـياةَ الـشعوبِ بـأبطالها

وتـاريخها مـجدها الأزهرُ

إذا جـمعَ الناسَ «نيروزُهم»

فـنيروزنا وجـهكَ الأنـورُ

فـطـرت ولـكن بـآمالنا

ورحـت بـأرواحنا تـعبرُ

____________________

(1) القصيدة بكاملها نشرتها مجلّة العرفان اللبنانيّة مجلّد 41 ص1164.

(2) أدب الطفّ 10 / 49.

٢٨

فـحدّث أبـا الصالحاتِ التي

تـعالت سـناءً فـلا تسترُ

تـحدّث إلـينا فكلّ الحواس

شـعورٌ وأكـبادنا حـضّرُ

أتـينا لـنصدرَ عـن موردٍ

ومـنكَ حلى الوردُ والمصدرُ

تـحدّث فـهذي القلوب التي

تـرفرفُ جـائتكَ تـستخبرُ

تـلـقّتكَ تـفرشُ أكـبادها

وخـفّـت لـلقياكَ تـستبشرُ

تـحدّث ألـستَ أميرَ البيان

إذا مـا جـرى لفظهُ يسحرُ

أَبِـنْ لـلوفودِ عن المسلمين

فـمثلكَ لـلجرحِ مَـنْ يسبرُ

أَبِنْ فالحديثُ حديثُ الشجون

ومـن وقـعهِ القلبُ يستعبرُ

فـكيف تلمّستَ شرعَ الهدى

وهـل مـن أمانٍ بها تسمرُ

كـأنّي بـروحِ النبي الكريم

عـلى كـثبٍ نـحونا تنظرُ

متى هانَ شعبك يا مصطفى

مـتى ذلّ قومك واستُعمروا

مـتى طأطأت جبهةُ الفاتحين

لـذلّ اليهودِ إذا استصغروا

أيـا قـالعَ البابَ بابَ اليهود

ويـا فـاتحَ الحصنَ يا حيدرُ

تـداعت لـتدرك أوتـارها

وأنـتَ عـلى ردّهـا أقـدرُ

أبـا الشرعِ هـذي يـدٌ بـرّة

يـوافيكَ فـيها الفتى (شبّرُ)

12 - وقال في تأبين الشاعر أحمد الصافي النجفي:

ما جئتُ أرثيكَ أو أذري الدموعَ أسىً

إنّ الـرثاءَ لـشخصٍ ماتَ واندرسا

قـالوا لـقد مـاتَ قلتُ اليومَ مولدُه

ونـجمهُ قـد تـجلّى يـطردُ الغلسا

والـيوم يـبدأ تـاريخٌ لـهُ عـبقٌ

وطـيبُ تـأريخه قـد أنعشَ الجُلَسا

مـا الـحيُّ مقياسهُ مرُّ السنين ولو

طـالَ الـبقاءُ ولا تـردادهُ النفسا

إنّ الـحـياةَ بـأفـكارٍ يـخـلّدها

عبرَ العصورِ وغرساً صالحاً غرسا

وآخــذاً بـيـدِ الـعافي ومـنقذه

سـواء أحـسنَ هـذا أم إلـيه أسا

* * *

مـا كان أحمدُ في عصرٍ يعيشُ به

إلاّ كـشعلةِ نـورٍ تـحملُ الـقبسا

يعيشُ في الناسِ لكن روحُهُ انفردت

عنهم كمَنْ عاشَ بين الخلقِ محتبسا

سـما إلى عـالمٍ أسـمى بفكرته

لـذاك مـهما خـلا في نفسهِ أنسا

فـلا تـرى مـعهُ في بيتِ عزلته

إلاّ الـيراعة أَمَّ الـشعرُ والطرسا

* * *

٢٩

إيـهٍ أبـا الـخالداتِ النيّراتِ سنا

والـسائراتِ أقامَ الدهرُ أم جلسا

هـذي روائـعك الـغرّا يـردّدها

فـمُ الزمانِ ومن أنوارها اقتبسا

أمـواجُها انـدفعت تـتلو أشعّتها

تـجلي العقولَ ومنها تغمرُ اليبسا

وذي الهواجسُ ما أحلى هواجسَها

تـداعبُ الروحَ إن دقّت لها جرسا

رفّـت تـناغيك هـمساً في تدلّلها

والحبّ يعذبُ إن ناغى وإن همسا

أشـعّـةٌ فــي مـعانيها مـلوّنةٌ

إشعاعها مشرفٌ عن روحك انعكسا

إن كنتَ حلّقت أو أبدعت لا عجبٌ

قـرآنُ أحـمد قـدماً حيّر القسسا

وأذعـنت لـغةُ الفصحى لروعته

وعـادَ مـنطيقها مـستسلماً خرسا

الـناظمُ الـدرَ نـظماً لا نظيرَ له

بالشعرِ ينبوعهُ الصافي قد انبجسا

والمرسلُ الشعرَ سهلاً غير ممتنعٍ

سـلساله العذبُ يجري سائغاً سلسا

* * *

زَهـدتَ فـي هذه الدنيا وزخرفِها

إذ أنت أرفع ممّن يرتضي الدنسا

وكـنت تـهزأ ممّن راح يعشقها

ومَـنْ بـأوطارها قد ظلّ منغمسا

نـفسٌ ترى فوق هام النجم رفعتَها

وبـزّةٌ إذ تـراها بـزّة الـبؤسا

تـريـهمُ إنّ دنـياكم وبـهرجَها

كـشملتي هـذه من سامها بخسا

لاويت دهرك حتّى رضت جامحه

كـمن يروِّضُ من فرسانها فرسا

بـعزمة شـهد الـتأريخُ واقـعها

مـا كـنتَ هـيّابةً يوماً ولا نكسا

عـرفت دنـياك مذ وازنت قيمتها

وإنّـها عـرفتك الـنيقد الـمرسا

وكـم دعتك لِوصلٍ وهي ضاحكةٌ

لـكن رأتك على ما تبتغي علبسا(*)

رحماك ليست نفوس الناس واحدةً

إن خفّ ذاك فهذا في الوجود رسا

هـذي الـحياة وكم غذّيتها حكماً

غرّا وأرسيتَ من أركانها اُسسا

فـكنت تـشبعها بـحثاً وتـجربةً

وكـنت تـنشرها درساً لمن درسا

وتـوضح القول مجلوّاً ومزدهراً

فـلم يـعد بـعد فيها الأمر ملتبسا

دُمْ لـلخلود فـذي الأيّـام طوعك والـ

ـدهرُ استلان وإن قدماً عليك قسا

13 - وقال محيّياً الشيخ الأميني صاحب (الغدير) بمناسبة افتتاح مكتبة أمير المؤمنينعليه‌السلام العامّة في النجف، بعنوان (تحيّة المؤسّسة الفكريّة):

مـعهد الفكرِ طاولَ الدهرَ فخرا

ذاك يـبلى وأنتَ تخلدُ ذكرى

كلُّ شيء فانٍ سوى العلم والعد

لِ فإن شئت سل بإيوان كسرى

سـاندت ركـنك القديم يدُ العلـ

ـمِ فـلا زـت خـالداً مـشمخرّا

____________________

(*) هكذا وردت المفردة الأخيرة (علبسا)، ومعها يختل المصراع الثاني من البيت.(موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٣٠

منجباً كلّ أصيد يبعث النشـ

ـأ يـقود الأجيال عقلاً وفكرا

منجباً كلّ أصيد يجعل الدّهـ

ـرَ غـلاماً لـديه نـهياً وأمرا

وبرغم الزمان جئت ويبقى

لك عبداً وأنت لا زلت حُرّا

* * *

عـشت يـا صرحُ للعلوم مناراً

فـاض أشعاعُه على الكون بدرا

همّةُ المصلح (الأمينيّ) ثارتْ

فـاستثارت لـها الـعزائمُ طرّا

قـد أشـادتك بـعد جـهدٍ جهيدِ

كـرعت في سبيلك الصّاب مُرّا

ضـربت فـوقك القلوبُ رواقاً

يـوم قـدّت من العزائم صخرا

بـسطت مـن شُغافها لك أرضاً

وبـنت فـي ضلوعها لك وكرا

ثـمّ راحت عليك تحنو احتفاظاً

مـثلما تـحفظ الأضـالع سرّا

معهد الفكر هل علمت بأنّ الشيـ

ـخَ أفـنى من أجل عمرك عمرا

ومـشى ثـابت الخُطى باتّزانٍ

أشـبع الـدهرَ خـبرةً ثمّ سبرا

هـازئاً بـالخطوب تعرف منه

إنّ فـي أمـره مـع الله سـرّا

أي أبـا الطيّبات أحـييت فـينا

أمـلاً كـاد أن يـبدّد صـبرا

يـوم ضاق الفضا قنوطاً ولكن

فـاض من راحتيك يمناً ويسرا

قـد أرتـنا الأيّـامُ حمر المنايا

وتـرينا أنـت الأمانيَ خضرا

بـمساعيك قـام لـلعلم صرحٌ

عـشت لـلعلم والـديانة ذخرا

هـمّةٌ تـدفع الـسماء وعـزمٌ

يـسع الـكون مـذ يـنفذ أمرا

لـك فـي الـصالحات غرُّ أيادٍ

ويـدٌ في (الغدير) بيضاءُ غرّا

وحـقـيقٌ أقـول إنّـك فـينا

رابـح الـنشأتين دنـياً وأُخرا

14 - ودخل يوماً عائداً الخطيب المعروف السيّد علي الهاشمي على إثر وعكة صحيّة، فخاطبه:

متى كان في الظنّ أنّي أراك

ألـيف الـفراشِ حليفَ الألمْ

متى حوّمت حولك الواهمات

مـتى نـهشتك نيوبُ السّقمْ

متى زعزعتك سوافي الرّياح

وعـهدي بـك طـودٌ أشَـمْ

ألـست المُعاني الّذي يمتلي

نـشاطاً يزينك لطف الشّممْ

وثغرك ذاك الضحوك الوقور

يـعـطّر أجـواءنا بـالنّسمْ

٣١

فأجابه السيّد علي الهاشمي:

هـزار الـغريّين أتـحفتني

بـغرّاء تـذهب عنّي السّقمْ

نـظمت قـوافيها كـالعقود

فـنعم الـمنظّم والـمنتظمْ

فـقـبّلتها بـفـم الامـتنان

مـقلٌّ لـتقبيلها ألـف فـمْ

وجـلت بـبحرِ تـقاطيعها

بـمطرفةٍ دمـعُها مـنسجمْ

ومـا ذاك إلاّ اشـتياقٌ إليك

لأنّـك أنـت الـذي لا تُذمْ

فدم «يا جواداً» بكلّ الصِفات

ويـا عـلماً رفّ فوقَ العلمْ

وإنّـي لأكـبر هـذا الحنان

فـحبّك لي من جليل النِّعمْ

شعر التاريخ عند الخطيب شُبّر

1 - قال في تاريخ وفاة والده السيّد علي شبّر:

يـا أيّـها الـسائلُ عـن تاريخِه

مضى وأبقى العملَ الأبقى علي(1)

2 - وأرّخ فقيد الشباب السيّد نعيم الدين ابن السيّد عبّاس شبّر:

حـملتُ لـقبره إكليلَ وردٍ

وحنَّ القلبُ مِن شَغَفٍ وأنّا

وقلتُ لأدمعي سقياً فدهري

عـلينا بـالفراق لقد تجنّى

فنادتني احتبِسْ للدمع عيناً

فذا ماءُ الشباب يفيض عينا

وذا تـاريخه يـزهو بهاءً

نـعيمٌ لـلنعيم مضى مُهنّا

3 - وقال في تاريخ تمديد رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى للإمام السيّد موسى الصدر:

زهى المجلسُ الشيعيُّ والصدرُ زانه

بـطلعته الـغرّاء يـرفلُ مـأنوسا

فـعوّذته بـالغرِّ مـن آل هـاشمٍ

بـأربعِ عـشرٍ تدفع الضرَّ والبؤسا

أضـفناهمُ لـليمنِ مـذْ قيلَ أرّخوا

وقـلنا لـقد اُوتيت سؤلك يا موسى

4 - وقال مؤرّخاً بناء حسينيّة الزهراءعليها‌السلام في المنصوريّة (الكويت):

دارٌ لأهل البيت تسمو علاً

لـله فـيها بـعضُ أسراره

شعّتْ بنورِ السبطِ مذ أرّخوا

تـرفُّ إشـعاعاً بـأنواره

5 - وقال مؤرّخاً وفاة العلاّمة الشيخ حسين الفيليرحمه‌الله :

فـي يوم عاشوراءَ فارَقْتَنا

وقد بكتهُ السحبُ دمعاً صيّبا

____________________

(1) المقصود كتاب (العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى) - للسيّد علي شبّر.

٣٢

ذاك الحسينُ واحدُ الفضلِ الذي

تـاريخهُ نـورُ حـسين غُيّبا

6 - وقال في تاريخ تزيين المرقد المطهّر للإمام عليعليه‌السلام بالمرايا والزجاج البديع:

مرآةُ قدس الله شعَّ سناؤها

فـتموّجتْ بزجاجةِ المرآةِ

قال الموحّدُ فيه أرِّخ زاهياً

مصباحُ نور الله في المشكاةِ

نشاطاته الاُخرى

1 - المباراة الدوليّة الثقافية للتأليف حول شخصيّة الإمام عليعليه‌السلام : هذا المشروع التاريخي طرحه السيّد على الوجيه السيّد هاشم شُبَّررحمه‌الله ، وهو تخصيص جوائز نقديّة لكلّ مَنْ يؤلّف كتاباً حول شخصيّة الإمام عليعليه‌السلام على أن يفوز من خلال المباراة.

وكان السيّد أميناً لسرّ اللجنة المنظّمة للمسابقة، فوجّه نِداءً لأرباب الفكر والأدب في العالم بعد ما أعلن برنامجه، وتشكّلتْ اللجنة المُحكّمة، وكانت تتألّف مِن أفذاذ العلم والوعي والتُقى، الأعلام الثلاثة: الشيخ مرتضى آل ياسين، والسيّد محمّد باقر الصدر، والسيّد موسى بحر العلوم، فقُدّمت الكتب مِن قبل مؤلّفيها، فكانت النتائج كما يلي:

الفائز الأوّل: كتاب (الإمام علي - نبراس ومتراس) لمؤلّفه الكاتب اللبناني المعروف الاُستاذ سليمان كتّاني، وهو رجل مسيحي.

الفائز الثاني: كتاب (ملامح من عبقريّة الإمام) بقلم الدكتور مهدي محبوبة.

الفائز الثالث: كتاب (الإمام علي - رجل الإسلام المخلّد)، تأليف الاُستاذ عبد المجيد لُطفي.

ومن الكتب التي وقع الاختيار على طبعها كتاب (الإمام علي - أسد الإسلام وقدّيسه) للكاتب (روكس بن زائد العزيزي) رئيس رابطة حقوق الإنسان في الأُردن، وهو مسيحي.

2 - اهتمامه بالشعراء الشعبيين وتشجيعهم على الكتابة في رثاء سيّد الشهداء، وقد قرّض الديوان الشعري لكلّ مِن:

أ - الحاج محمّد باقر الإيرواني - شعراء الحسينعليه‌السلام .

ب - الشاعر المرحوم هادي القصّاب - ديوان الهداية الحسينيّة.

ج - الخطيب المرحوم الشيخ محمّد حسن دگسن - الروضة الدگسنيّة.

د - الحاج زاير - الشاعر الشعبي العراقي.

هـ - السيّد الشرع - منهل الشرع.

3 - اهتمامه ببناء وتشييد مراقد وأصحاب أهل البيتعليهم‌السلام كسعيه لبناء مرقد زيد الشهيدعليه‌السلام ، ومرقد رشيد الهجري، وكميل بن زياد وغيرهم مِن الأفذاذ والمظلومين؛ فقد كان

٣٣

يبذل لعمرانها من ماله الخاص.

4 - تحقيقه لبعض الكتب العظيمة ونشرها؛ فقد اعتنى السيّد بنشر ديوان (جواهر وصور) للفقيه السيّد عبّاس شبّر، وإخراجه أجمل إخراج بحلّة قشيبة وورق مؤطر بإطار ملوّن جميل يحيط بالقطعة الشعريّة، كما إنّه جمع وطبع وأشرف على إصدار ديوان (الموشور) للسيّد عبّاس شبّررحمه‌الله .

وقد كان للسيّد جواد الدور الرائد في صدور كتاب (الأخلاق) للسيّد عبد الله شبّر الذي عنى بنشره وطبعه. أمّا كتاب (تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين - للراغب الأصفهاني) فقد عنى السيّد بنشره وإصداره؛ لأهمّيّته العلميّة.

5 - على صعيد الإصلاح: السيّد جواد شبّر كان من الروّاد الأوائل لحركة الإصلاح المنبري والاجتماعي. يقول في مقال كتبه تحت عنوان (الوعي نواة الإصلاح) في مجلّة الوعي الإسلامي: من أعذب الكلمات على السمع والروح كلمة الإصلاح، إنّها خفيفة على المشاعر، لطيفة في الأحاسيس، يترشّفها السامع ويتمنّى تحقيقها، ويتغنّى بها المجتمع ويهوى تطبيقها، لكن تختلف الآراء في الطريق المؤدّية إليها والوصول إلى أهدافها.

فالبعض يرى ذلك منحصراً في تسليم القيادة إلى موجّه حكيم، وهو الذي يقود الأُمّة إلى ساحل السلامة والنجاة، أمّا عقيدتي فهي أنّ أقرب الطرق إلى الإصلاح هو إيجاد الوعي العام في الأُمّة واليقظة في الشعب، والعمل على أن يشعر الكلّ بواجب المسؤوليّة، ولا يتحقّق ذلك إلاّ عن طريق الكتابة والخطابة، وتعاون الفرد والجماعة؛ فـ (( كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته ))(1) .

أمّا محاولاته الإصلاحيّة فيما يتعلّق بمؤسسة المنبر الحسيني فلقد كان من المبادرين السباقين لصيانة هذه المؤسسة الكبرى من الفوضى والترهّل، وحمايتها من الانحدار والتسيّب، ووضع الأسس والضوابط للانطلاق بها إلى مستوى المسؤوليّة، والارتقاء إلى مصاف المؤسّسات الإسلاميّة الهادفة.

يقول الخليلي في ترجمة الشيخ محمّد علي اليعقوبي أثناء حديثه عن الدعوة إلى إصلاح خطباء المنابر: وكان من أنشط العاملين في حلبة الإصلاح والدعوة إلى تهذيب الخطباء هو الخطيب السيّد جواد شبّر؛ ففتح في مدرسة المنتدى صفّاً خاصّاً بتعليم الخطباء فنّ الخطابة، وتهذيب الأخبار التي يروونها، وإعدادهم إعداداً يتّفق وروح العصر(2) .

____________________

(1) مجلة الوعي الإسلامي الكويتيّة، السنة الأُولى - العدد الثاني سنة 1965 م.

(2) هكذا عرفتهم - للخليلي 1 / 159، ومجلة الإيمان، عدد خاص في ذكرى اليعقوبي، سنة 1312 هـ.

٣٤

ولعمر الحقّ أنّ هذه المهمّة الشاقّة نحن بأمسّ الحاجّة إلى مَنْ يشمّر عن ساعد الجدّ ويتصدّى لتهذيب وتقويم هذه المؤسسة الهامّة؛ لئلاّ تكون مرتعاً سهلاً لمَنْ هبّ ودبّ، وسوقاً سوداء للمتاجرين بدماء الحسينعليه‌السلام ونبل أهدافه وشرف قضيّته(1) .

مؤلّفاته

للسيّد عدّة كتب ألّفها في حياته المعطاءة، وهذه أهمّها:

1 - إلى ولدي: كتاب في الأدب التربوي، جمع فيه عيون الشعر لأساطين الشعراء، طُبِع الطبعة الأُولى في النجف سنة 1954 م، ثمّ أعدتُ طبعه (مصوراً) في قم سنة 1984 م.

2 - قبس مِن حياة أمير المؤمنينعليه‌السلام : وُزّع على الجمهور الذي شارك في الاحتفال بمناسبة ميلاد الإمام الحسينعليه‌السلام في النجف الأشرف.

3 - أشعة مِن حياة الصّادقعليه‌السلام : قُدّمَ هدية للمحتفلين بمولد سيّد الشهداء سنة 1385 هـ - 1965 م في النجف الأشرف.

4 - مقتل الحسينعليه‌السلام - عبرة المؤمنين: وهو الكتاب الماثل بين يدي القارئ الكريم.

5 - المطالب النفيسة: يقع في ثلاثة مجلّدات في التراجم والأخلاق والفلسفة الإسلاميّة (مخطوط).

6 - شواهد الأديب: مختارات شعريّة في ثلاثة أجزاء (مخطوط).

7 - المقتطفات: نوادر وحكم وأدب في جزئين ضخمين (مخطوط).

8 - شعراء العصر الحاضر (مخطوط).

9 - سوانح الأفكار في منتخب الأشعار: ثلاث مجلّدات في مدح ومراثي أهل البيتعليهم‌السلام (مخطوط)(2) .

10 - المناهج الحسينيّة: مجموعة مجالس قرأها في لبنان - مجلد واحد طبع في بيروت ثمّ أُعيد طبعه في قم.

11 - ديوان شعره: وفيه كثير من المراسلات والمساجلات، والقطع المستملحة والأوصاف البديعة(3) (مخطوط).

____________________

(1) معجم الخطباء 1 / 330.

(2) مشهد الإمام 3 / 160.

(3) شعراء الغري - للخاقاني 2 / 473.

٣٥

12 - أدب الطفّ أو شعراء الحسين - طُبع منه 10 أجزاء.

13 - الإسلام دين ودولة - 3 مجلّدات (مخطوط).

14ـ الأخلاق الإسلاميّة - 3 مجلّدات (مخطوط).

موقف بطولي وتأريخي

هنالك موقف تاريخي للسيّد الوالد ذكرته للأخ السيّد داخل، فدوّنه في موسوعته (معجم الخطباء)(1) قائلاً: ( يقول النجلُ الأصغر لسيّدنا المترجم الخطيب السيّد أمين عن أحد معارفه إنّه التقى في الهند بأحد عملاء النظام، وكان يتولّى تعذيبه عندما كان سجيناً، ولكنّه لم يعرفه لتغيير ملامحه، فاتّصل به وتظاهر بأنّه من الموالين للنّظام، وسأله عن بعض المساجين وبينهم السيّد جواد شبّر، فقال: إنّ أمر هذا الرجل لعجيب؛ فقد اجتمع مدير الأمن بضباطه ذات يوم ودار الحديث حوله وكيفيّة التعامل معه، وأخيراً قرّروا استمالته وتقديم العروض المغرية لتبديل موقفه، فاجتمعوا به وتحدّثوا معه بأنّك شخصيّة عراقية هامّة، ولك المواقف المشهودة، والخطب المؤثرة، والكلمة المسموعة في أوساط الشعب، فلا نريد منك سوى أن ترقى المنبر في الصحن الحيدري أو أيّ مكان عام وتخطب مشيداً بالسيّد الرئيس، وتشجب ما يقوم به الخميني اتّجاه العراق... إلخ!

ويذكّرني هذا المكر بمكر معاوية عندما طلب من الأحنف بن قيس بأن يرقى المنبر ويمتدح يزيد، فقال: لو تركتني لكان خيراً. قال: لماذا؟ قال: لأمرين؛ إذا صدقت أغضبتك، وإذا كذبت أغضبت الله. فلمّا طلبوا ذلك من السيّد مقابل إطلاق سراحه وإعطائه جواز سفره وبعض الإغراءات الأُخرى، أخرج السيّد لسانه وقال: اقطعوا لساني خير ممّا تدعونني إليه.

تحيّة لك أيّها البطل، ومرحى لصلابتك أيّها العظيم، وطبتَ حيّاً وميتاً، والسّلام عليك كلّما بدأ يعود ورحمة الله وبركاته.

قالوا في السيّد جواد شبّر

* قال الاُستاذ الأديب علي الخاقاني في (شعراء الغري): والسيّد جواد أديب ذكي، وخطيب شجاع، يعبّر عن كثير من الآلام التي يتحسّسها مجتمعه، ويندفع في تصوير ما يراه صالحاً لقومه بلهجة يغلب عليها الحماس، ويتخلّلها لون من الثورة النفسيّة؛ ولحماسه القوي فقد تصوّره فريق أنّه يتصنّع ذلك، غير أنّ مَنْ عرف سلوكه يعرف أنّه

____________________

(1) معجم الخطباء 1 / 348.

٣٦

صادق بتعبيره. (شعراء الغري 2 / 472).

* ووصفه الدكتور الشيخ محمّد هادي الأميني في معجمه: عالم فاضل، خطيب متكلّم، شاعر مجدّد، مؤلّف مؤرّخ متتبّع، نظم الشعر وجاهد بقلمه ولسانه في سبيل عقيدته ورسالته وتشيّعه الذي يعتبر بحقّ الإسلام الصحيح.

كتب بحوثاً ومواضيع توجيهيّة وأدبيّة في الصحف دلّت على تفوّقه العلمي ونضوجه الأدبي، اعتقلته السلطة الرعناء في شهر رمضان وضاع خبره حتّى هذه الساعة. (معجم رجال الفكر 2 / 713).

* وقال المرجاني في خطباء المنبر: هو أحد حسنات النجف الأشرف، وأحد خطبائها البارزين، وتراه إذا رقى ذروة المنبر انحدر كالسيل المتدفّق. واسع الرواية، قوي الحجّة. (1 / 136).

* وقال صاحب كتاب ومضات الشباب: اجتمعت له أسباب التوفيق في الحياة من انتشار صيت، وحسن حال، واستيعاب معرفة، ورخامة صوت، ونشاط أدبي ملموس الأثر؛ فانطلقت خلفه عيون فريق من مرتقي المنابر الذين يشاركونه المزاولة ولا يشاركونه المؤهّلات والمقام. (مشهد الإمام 4 / 154).

* قال الفقيه المظلوم الشيخ محمّد تقي الجواهري: السيّد جواد ليس له نظير في خطابته؛ فهو يركّز العقيدة. (المناهج الحسينيّة، تقديم: علي محمّد علي دخيّل).

* وقال العلاّمة الشيخ قاسم محيي الدين: الجواد هو رجل المناسبة، وأمل المستقبل في الخطابة. (خطباء المنبر 1 / 137).

* وقال العلاّمة العبقري الشيخ محمّد جواد مغنية في ختام تقديمه لموسوعة أدب الطفّ: وختاماً نسجّل تقديرنا لخطيب المنبر الحسيني الكفوء، صاحب هذه المجموعة التي ضاعفت حسناته بعدد أبياتها، وشهدت له بالتتبع وسعة الاطّلاع. (أدب الطفّ 1 / 16).

* ولمّا كان الشيخ محمّد جواد مغنية يقطن في المدرسة الشبّريّة، كنت أذهب إلى غرفته للاستفادة، ومرّةً حضر مجلساً حسينياً أُقيم في باحة المدرسة وقد قرأ الوالد، ولمّا انتهى قلت للشيخ مغنية: ما رأيكم بقراءة الوالد؟

فقال لي: إنّ أباك خطيب العُلماء، وعالم الخطباء.

* ومن ذكرياتي: تبادل الرسائل باستمرار بين الوالد والكاتب (روكس بن زائد العزيزي) رئيس رابطة حقوق الإنسان في الأُردن، فقد كنتُ أقرأ على ظرف رسائله كلّها عبارة: (... إلى أمير المنابر جواد شبّر...).

٣٧

* في لقاء مع آية الله العلاّمة السيّد محمّد مُفتي الشيعة في قم المقدسة(1) قال: كان الخطيب الفاضل السيّد جواد شبّر خطيباً مُبرزاً، واعياً جامعاً في خطابته، متكلّماً متميّزاً لفصاحته وبلاغته وشجاعته؛ حيث يُبيّن المطالب المنبريّة المهمّة... متحدّياً... دون تردّد ومداهنة...

وقد عرفته من الخطباء المتميّزين في شدّة ولائهم لأهل البيتعليهم‌السلام ... مهيمناً على تلك المطالب، عارفاً بحُضّار مجالسه من العلماء والعامّة من الناس.

وكان هو الخطيب الذي يُختارُ غالباً لارتقاء المنبر الشريف في مجالس العلماء والمراجع... وكان ممّن ينصبُّ عليه الاهتمام في تأبين العلماء والمراجع؛ لإحاطته بكثير ممّا يتعلّق بسيرهم وحياتهم وآثارهم.

وممّا أتذكّره أنّه كان المعوّل عليه في تأبين العلماء والمراجع: السيّد الحكيم، والسيّد الميلاني، والسيّد عبد الهادي الشيرازي، والسيّد جواد التبريزي، والشيخ حسين الحلّي، والسيّد محمود الشاهرودي، وآقا بزرك الطهراني وغيرهم مِن أعلام الدين (رضوان الله تعالى عليهم).

* وقال الشيخ عبد الحسين الحويزي مخاطباً السيّد جواد شبّر(2) :

يـا آلَ شبّر لم تزل أنوارُكمْ

تـأبى بـأنديةِ الهدى إطفاءا

عرجت بكم هممٌ لغاياتِ العُلا

سبقت فجاوزت المدى إسراءا

تلامذته

يعتبر الخطيب السيّد جواد شبّر مدرسة واعية معطاءة تميّزت بإخلاصها وشموليّتها؛ فقد كان السَيّد موسوعة أدبيّة فقهيّة، حديثيّة تاريخيّة، فكنتُ عندما أجلس معه أو في مجالسه العامّة، أخرج بزيادة علم ومعرفة وأدب. وقد تتلمذ على يديه جمع من الخطباء نذكر بعضهم:

1 - الخطيب السيّد حسن الكشميري(3) .

2 - الخطيب الشيخ صالح الدجيلي(4) .

____________________

(1) اللقاء في تاريخ 18 شعبان 1420 هـ.

(2) أدب الطف 10 / 128.

(3) كما يشير هو في مجالسه من على المنبر، بل ويفتخر بذلك، ومعجم الخطباء 2 / 337.

(4) نقلاً عن السيّد حسن الكشميري.

٣٨

3 - الخطيب الشيخ شاكر القرشي(1) .

4 - الخطيب السيّد داخل السيّد حسن(2) .

5 - الخطيب السيّد عامر الحلو(3) .

6 - الخطيب الشيخ صالح الجزائري(4) .

7 - الخطيب الشيخ عبد الأمير أبو الطابوق(5) .

سيّدي الاُستاذ والوالد والمُربّي، أيّها المُغيّب عنّا في السجون، يا مَن خَدَمْتَ منبر جدّك الحسينعليه‌السلام أكثر مِن نصف قَرن، ثمّ أودعوك في زنزانات مُظلمة. أيّها الأسد الهصور، كُنت تقول لنا - نحن أبناؤك -: مَنْ منكم يسلك طريقي، طريق الخطابة الحسينيّة؟

فكانت (اُمنيتك)، وها أنا أُحقّق أُمنيتك أيّها الكبير العظيم، وعلى طريقك ونهجك أيّها المخلص.

أدعو لك مع مُحبّيك وجمهورك بالفرج من أيدي الطغاة.

أدعو لك بدموعي الممزوجة بلوعتي على فراقك.

أدعو لك مِن على منبر جدّك الذبيح، مِن على نفس المنبر الذي كُنّا نراك عليه، وكلّنا آذان صاغية لحديثك المُمتع:

فـما اسـتشعرَ الـمُصغي إليك مَلالةً

ولا قُلتَ إلاّ قال مِن طَرَبٍ: زِدني

فـأعظمُ مَـجدي كـان إنّـك لي أبٌ

وأكـبرُ فـخري كان قولك: ذا اِبني

ولدك: محمّد أمين        

7 ذو القعدة 1420 - 13/2/2000

____________________

(1) نقلاً عن خطباء المنبر الحسيني - للمرجاني 4 / 135.

(2) نقلاً عن خطباء المنبر الحسيني - للمرجاني 6 / 142.

(3) معجم الخطباء 2 / 361.

(4) خطباء المنبر الحسيني 5 / 174، ومعجم الخطباء 4 / 212.

(5) معجم الخطباء 7 / 224.

٣٩

الحسينعليه‌السلام عبرة المؤمنين

( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون * فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرونَ بالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون ) «آل عمران 169 - 170».

عن عبد الله بن سنان قال: دخلت على سيّدي أبي عبد الله جعفر بن محمّدعليه‌السلام في يوم عاشوراء، فألفيته كاسفَ اللون، ظاهرَ الحزن، ودموعُه تتحادر مِن عينيه، فقلتُ: يابنَ رسول الله، مِمّ بكاؤك لا أبكى الله لك عيناً؟!

فقال: (( أوَ في غفلة أنت؟! أما علمت أنّ الحسينعليه‌السلام أُصيب في مثل هذا اليوم؟! )) ثمّ بكى أبو عبد الله حتّى اخضلّت لحيته بدموعه.

المقدّمة

احتفال الأئمّة بيوم عاشوراء

جرت عادة الشيعة الإماميّة على الاحتفال بذكرى واقعة الطفّ الدامية، واتّخاذ يوم مقتل سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام يوم حزن وبكاء، اتّخذوا ذلك على سيرة الأئمّة من أهل البيت (صلوات الله عليهم)؛ فقد كان الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام إذا هلّ هلال عاشوراء اشتدّ حزنه، وعَظُمَ بكاؤه على مُصاب جدّه الحسينعليه‌السلام ، وتَفِدُ إليه الناس من كلّ جانب ومكان يُعزّونه بالحسينعليه‌السلام ويبكون وينوحون معه.

وكان الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام إذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تَغلبُ عليه حتّى تمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

الهرمية، ومن قبيل ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (١) ، الدالّ على أنّ دور الهادي هو الهداية الإيصالية، ومن قبيل الروايات الدالّة على أنّ الإمام يحضر على الصراط في الحشر والنشر.

ويوافق هذا اضطراب الأُطروحة الصوفية في الإمامة والولاية، مع ضمور ما انتهوا إليه بالقياس إلى ما ورد في الروايات ممّا يشفّ عن أنّهم ليسوا أصحاب النظرية.

ولابدّ من التنبّه إلى أنّ واحدة من ألوان الاختراق الفكري هي مسخ المفاهيم عن حقيقتها واستبدالها بمحتوى آخر، ويأخذ هذا اللون من الاختراق طابع الثبات في الذهنية العامّة في بعض حالاته، فتقع الأُمّة في شرك التحريف من دون أن تشعر؛ وذلك لأنّ عملية المسخ لم تأت معلنة وإنّما متلبّسة بصورة الحقّ، حيث استغلّ القائمون بهذه المهمّة فكر العلاقات بين المعاني والمعاني وبين ألفاظها مع المعاني كذلك أو وحدها، بعد التفاتهم إلى أنّ اللفظ يكتسب حسناً من معناه الحسن؛ نتيجة العلقة الوطيدة بين اللفظ والمعنى، والكناية والاستعارة والمجاز العقلي مرتبط كلّه بهذا المجال الذي ذكرناه، وهو معبّر عن بعد إيجابي في اللغة.

ولكن البعض قد يستفيد من لفظ محبّب إلى القلوب، أو ذي قداسة وحرمة لمحبوبيّة أو حرمة محتواه، بتفريغه من محتواه واستبدال المعاني بمعاني أُخر، فضلاً عن تقنيع المعاني بألفاظ أُخرى ووضع محتوى جديد له لا يمتّ إلى الدين بصلة، كاستعمال العدالة في الظلم الخاصّ، ومن ثمّ قيل: من أجل تحريف الدين يكفي مسخ المعاني دون التلاعب بالألفاظ (٢) .

____________________

١) سورة الرعد ٧: ١٣.

٢) الاعتراضات على الشيعة في قضية البطون: =

٤٨١

كما يمكن أن يكون ذلك واحدة من حِكَم ومبرّرات حرمة التعرّب بعد الهجرة، وهو يشمل استيطان بلاد الكفر وما يسمّى بالمهجر مطلقاً، وهو الوقوع في عملية مسخ في محتوى الدين. وعلى هذا الأساس كانت أوّل مهمّة لابدّ أن ينجزها الباحث هي التأكّد من ضبط معنى اللفظ قبل أن يدخل في التفاصيل.

وواحدة من الألفاظ التي تعرّضت لهذا النوع من المسخ للمعنى كلمة الباطن و(الغيب)، حيث أصبحت تعبّر عن اتّجاه منحرف فاقد للشرعية، فوصمت اللفظتين بهذا الطابع السلبي، ومن هنا فإنّ فكرة البطن في الفكر الشيعي وإن كانت حقيقة؛ لكون أئمّة أهل البيت هم المطّلعين على اللوح المحفوظ والكتاب المبين والكتاب المكنون، ولكن بالمعنى الذي مرّ، تحديده مع العلاقة التي ألفتنا إليها بين البطن والظهر.

الفائدة الرابعة:

إنّ القضايا التي تعرّض لها موسى مع الخضر قد وقعت بنفسها له من قبل، فوضْع أُمِّه له في اليم يشبه خرق السفينة من جهة تعرّضها للغرق ولم تغرق، وقتله للقبطي، وهو لم يكن مقصوداً، يشبه قتل الخضر للغلام، واستسقائه لبنات شعيب، وعدم أخذه الأجرة مع جوعه وضناه الشديد على ذلك، كإصلاح الحائط

____________________

= ١ - توسعة مع إغراق في الجانب الغيبي للأئمّة؛ وذلك لاستحكام الجانب الحسّي المادّي لأصحاب الاعتراض.

٢ - تطبيق الظاهر على الغيب بغرض التناسب بينهما بالشكل الذي مرّ؛ وذلك لحصر أصحاب الاعتراض الشريعة ومعارف الدين في ظاهر الألفاظ وإنكار العملي غير اللساني للتأويل الحقّ.

٣ - تصوير المنظومة الهرمية وأنّ قطبها الإمام عليه‌السلام ؛ وذلك لحصر أصحاب الاعتراض آليات وأدوات الإدارة والتدبير للنظام البشري بما يكون على السطح المعلن الرسمي.

٤٨٢

من دون أخذ الأجرة مع جوعهما. فهذه الأُمور الثلاثة التي حصلت للخضر كانت قد حصلت له مثيلاتها ممّا يكشف عن موازاة بين ما وقع لكلّ منهما.

وهذا مصداق لما قيل في بحوث المعرفة؛ من أنّ كلّ إنسان في كلّ حادثة تقع له تكون مورداً لاستغرابه قد وقعت له حادثة شبيهة لها من قبل ولم يستغرب منها؛ لأنّه كان عارفاً بأسبابها آنذاك، ولكنّه غفل عنها عند الاستغراب الآن، بل كلّ ما سيقع للإنسان في مستقبل أيامه وفي البرزخ وعرصات يوم القيامة كلّها يندرج في قوله تعالى: ( هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ) (١) .

وقد ظهرت تفسيرات متعددة لهذه الموازاة:

أوّلها: تفسير أهل المعنى والذوق.

أن يُري اللَّه تعالى عباده أنّ سرّ القدرة هو تكرّر ما يجري في السابق على أساس وحكمة.

وثانيها: تفسير المفسّرين.

لأجل إعلام موسى أنّ علمه محدود وأنّ الإحاطة الكلّية محجوبة عنه. وهذا التفسير مقبول على شرط أن لا يتنافى مع العصمة.

ولكن كلا التفسيرين ناقصان، ومن ثمّ نقدّم تفسيراً ثالثاً مقتبساً من القرآن متمّماً لهما، وهو:

إنّ هناك تطابقاً بين عالم القضاء والقدر والإرادات التكوينية، أي بين السنن الكونية الإلهية، وبين الشريعة بحسب الظاهر، وأنّهما جميعاً تسعيان لغاية واحدة ولا تتخلّف في الجميع.

ومن ثمّ يفهم قوله تعالى: ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) (٢) وقوله تعالى: ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) (٣) ،

____________________

١) سورة البقرة: ٢٥.

٢) سورة البقرة: ٩.

٣) سورة الأنفال: ٣٠.

٤٨٣

ورتّب على ذلك ما في قوله تعالى: ( لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّى‏ءُ إِلاّ بِأَهْلِهِ ) (١) . إذ يتصوّر هؤلاء أنّهم نقضوا إقامة الشريعة الظاهرة بمكرهم ودسائسهم، فأجابهم القرآن بأنّ عملهم هذا وإن كان رأس فتنة الشرّ ومكرهم تكاد تزول الجبال منه، كما هو الحال في شر إبليس، إلاّ أنّه في مجموع نظام الخلقة يصبّ في تحقيق أغراض الشريعة الظاهرة من دون أن يشعروا، إذ الإرادات التكوينية تأخذ مجالها نحو غايتها، وهي في نفسها غاية الشريعة بحسب الدرجتين، وهذا لا يعني نفي شرّية عملهم ولا نفي شرّية إبليس ولا مشروعيته، إلاّ أنّ الباري تعالى يوظّفه في منظومة الخير كما هو الحال في العقرب، والأفعى، والذئب.

وهذا العالم هو عالم القضاء القدر والإرادات التكوينية قد يعبّر عنه بعالم الملائكة كما في لغة القرآن، وقد يعبّر عنه بعالم العقول والنفوس الكلّية كما في لغة الاصطلاح الفلسفي، حيث جعل العقل الأخير والعقول التي قبله تعبيراً عن القضاء، والنفس الكلّية تعبيراً عن لوح القدر، وقد يعبّر عنه بعالم الأنوار والأرواح والنفوس، مع مغايرة الثالث للثاني بأنّه أدنى درجة، كما استقرّ عليه الاصطلاح عند أهل المعرفة، أخذاً له من الشرع، وهو عالم الولاية.

وهذا العالم ذو درجات متسلسلة تكويناً، وقد عبّر عنه الفلاسفة بالنظام العليّ والعلمي، ونظام الوجوب والعلم، مع استثناء لوح القدر حيث لا يكون مبرماً.

وقد لوحظ على الحكماء بأنّ فهمهم وإحاطتهم بهذه العوالم محدودة، ومن ثمّ لم يعكسوا لنا إلاّ صورة نظام جامد يفتقد الحياة، ومن ثمّ لم يتفاعل الناس معهم كما تفاعل مع الأنبياء والأوصياء ومن بعدهم أهل المعنى، حيث قدّموا صورة مفعمة بالحياة لتلك العوالم، وأعطوا صورة عنها بأنّها موجودات حية مختارة، مع

____________________

١) سورة فاطر: ٤٣.

٤٨٤

حفظ الفارق أيضاً بين تصوير العرفان والدين، في حين لم يتمكّن الحكماء إلاّ بتقديم كلّيات تؤمن حالة من المعرفة من بعيد لا أكثر. والمتكلّم اعتمد على الحسن والقبح وفيه حيوية العقل العملي، ومن ثمّ كان واحداً من امتيازاته.

وبعبارة أُخرى: إنّ الفلاسفة وإن قبلوا أنّ الملائكة موجودات حيّة مختارة، ولكنّهم في الوقت نفسه قالوا بأنّها أسباب تكوينية لا تتخلّف، مع تركيزهم على هذه الزاوية في عموم كلماتهم، ومن ثمّ فسّروا الأمر في: ( لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ) (١) ، و ( هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (٢) والأمر بالسجود لآدم، بأنّها ليست أمراً اصطلاحياً، وإنّما بالأسباب التكوينية التي لا تتخلّف، وهي لفتة صحيحة وغير صحيحة بمعنى آخر!

فهي صحيحة: من جهة أنّه ليس هناك أوامر اعتبارية وإنشاءات وشريعة ظاهرة.

وهي غير صحيحة: من جهة أنّها أوامر حقيقية، فلا مبرّر لتأويلها بالسبب الموهم لانعدام الاختيار، وإن كان الفلاسفة لا ينفون الاختيار، وإنّما هي شريعة كونية في الإرادات الإلهية التكوينية، وقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : (إنّ حكم اللَّه في أهل السماء والأرض واحد) (٣) ، فهم مختارون حقيقة، وإمكان المخالفة موجودة وباب التكامل مفتوح، فقد ورد أنّهم يزدادون بعبادتهم لربّهم علماً.

نعم: المخالفة لا تكون بالمعصية؛ فإنّ القرآن صريح في أنّهم لا يعصون، كما أنّهم لم يتوفّروا على داعي المعصية - كما جاء في الحديث الشهير - وهي الشهوة

____________________

١) سورة التحريم: ٦.

٢) سورة الأنبياء: ٢٧.

٣) نهج البلاغة، الخطبة القاصعة.

٤٨٥

والغرائز الحيوانية، وإنّما تتحقّق المخالفة بترك الأولى الناشئ من محدودية العلم بسبب محدودية وجودهم، فيقعون في مخالفة الواقع الأوّلي.

وتصوير إمكان المخالفة في عالم النفوس الكليّة أوضح، حيث إنّها تحتاج إلى تأمّل ورَويّة في أخذ قرار العلم، بالإضافة إلى محدودية الوجود واختلافها في درجة العلم مع الملائكة التي من سنخ العقول.

وبهذا العرض يمكن أن نفهم اعتراضهم (أتجعل فيها) ، وقضية (فطرس) وعشرات الروايات التي يظهر منها تخلّف الملائكة عن الصواب، لكن بنحو ترك الأولى لا المعصية، بل إنّ الموجود كلّما تجرّد كلّما كان أقوى وجوداً وصفة ومنها الاختيار والحياة، فالملائكة أشدّ اختياراً وحياةً، ومع تصوير القدرة البشرية لابدّ أن تكون هذه القدرة موجودة هناك وبنحوٍ أرقى وأشدّ.

وبعد كلّ هذا يتّضح أنّ فكرة الأمر والنهي متصوّرة في عالم الملائكة بشقّيه العقلي والنفسي، فلا داعي للتأمّل، بل بهذا العرض يتبين الوساطة في الفيض، وفي قوس النزول أيضاً علّة اختيارية، ما به الوجود لا ما منه الوجود؛ فإنّه خاصّ به تعالى. وقد قرّر ذلك في مباحث الفلسفة أيضاً، إلاّ أنّ نمط البحث العقلي النظري لا يترقّى في تصويره إلى بيان أنّ نظام الأسباب في حين كونه نظام وجوب؛ فهو بأفعال اختيارية تنفيذاً للأمر الإلهي.

ويتّضح أنّ المطلب الذي أوقع البحث العقلي في التقريب الناقص للموضوع، وإلى حدٍّ قد ينعكس منه الجبر وأنّ القضية ذات نظام ذاتي لا يمكن الخروج عنه، نظير ما قالته اليهود من أنّ يد اللَّه مغلولة، هو اعتمادهم على لغة العقل وحده منفصلاً عن النقل.

والمؤسف أنّ البعض لم يرضَ بالنقلة الإيجابية التي خطاها صدر المتألّهين في حكمته حيث طعّمها بالقرآن والسنّة، آخذاً عليه أنّه خروج عن منهج البحث

٤٨٦

الفلسفي الذي يتطلّب التمحّض في العقليات.

ولا نقصد بذلك التفكيك في العمل بالنقل بمعزل عن العقل، وإنّما الغرض هو التنبيه على عدم الجمود على القواعد الفلسفية والعرفانية والكلامية مع ضرورة الخوض فيها، وأنّها بدونها تكون عملية التفقّه في العقائد سطحية، لكن اللازم الترقّي بالتوغّل أكثر في روايات أهل البيت؛ لاكتشاف المعارف التي قصرت المناهج عن الوصول إليها، مع أنّها مدلَّلة بنكات بينة في الروايات، لكن لم يحصل التنبّه إليها في العلوم العقلية، بل جملة كثيرة مترامية من المسائل لم تعنون في البحوث العقلية.

وبعد كلّ هذا، اتّضح نظام عالم الملائكة وأنّه مختار ومتكامل ومعصوم، ووقوع المخالفة لإرادة المولى بنحو ترك الأولى بسبب الجهل الممكن تلافيه، ومن ثمّ أمكن تعقّل الأمر والنهي الحقيقيين فيه، وأنّه لا يختلف عن البشر إلاّ في قضية الشهوة والغرائز، ويشترك معه في باقي الخصوصيات. وهذا ما يستفاد من كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام - في بيان أمر اللَّه الملائكة بالسجود لآدم وإباء إبليس -: (فمن ذا بعد إبليس يَسلَمُ على اللَّه بمثل معصيته؟ كلاّ، ما كان اللَّه سبحانه ليدخل الجنّة بشراً بأمرٍ أخرج به منها ملكاً، إنّ حُكمَه في أهل السماء وأهل الأرض لواحد، وما بين اللَّه وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حِمىً حرّمه على العالمين) (١) .

فصريح كلامه عليه‌السلام أنّ الأحكام الإلهية بحسب دائرة الدين واحدة لأهل النشأة الأرضية والنشآت الأُخرى، فدين اللَّه واحد في العوامل وليس يخصّص بدار الدنيا، وكلامه عليه‌السلام يشير إلى قوله تعالى: ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ) (٢) .

____________________

١) نهج البلاغة، الخطبة القاصِعة.

٢) سورة آل عمران: ٨٣.

٤٨٧

ومن ثمّ نقول: إنّ هذا النظام الملائكي قد كلّف بشريعة مطابقة لشريعة السنن الإلهية الكونية والظاهرة، بعد التذكير بأنّنا قد انتهينا من تصوير الشريعتين الظاهرة والكونية في نظام التكوين، بأنّها شريعة واحدة والوسيلة في التلقّي والتطبيق مختلفة، بيان ذلك:

إنّ الشريعة الظاهرة عبارة عن صفحة نازلة قد دُوّن فيها كلّ ما في عالم التكوين في قوس الصعود والنزول ونشأة الدنيا وهي الواقعة بين القوسين، نهاية الأوّل وبداية الثاني، وبهذا التصوير يفهم قوله تعالى: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ ) (١) ، فإنّه يدلّ بوضوح على عدم وجود شرعة أجنبية عن شرعة الظاهر.

وبهذا نصل إلى نتيجة وهي: إنّ القضايا التكوينية التي واجهها موسى قبل لقائه بالخضر المشابهة للقضايا التي شاهدها مع الخضر، أيضاً مطابقة لشريعة الظاهر بنفس البيان، سوى أنّ القضايا التي واجهها موسى أوّلاً حديث ضمن المسار التكويني، والتي واجهها ثانياً مع الخضر حدثت على أساس الشريعة الكونية.

الفائدة الخامسة:

إنّ الأئمّة عليهم‌السلام يطبّقون الشريعة الكونية في السنّة الإلهية التكوينية ويعملون بموازينها جنباً إلى جنب عملهم بالشريعة بدرجة الظاهرة.

وبتعبير آخر: إنّ الأئمّة في تطبيقهم للشريعة الظاهرة يستخدمون كلتا الوسيلتين: العلم اللدنّي والعلم الحسّي، ويشهد لذلك تعليلهم لبعض القضايا بعلم القضاء والقدر، مثل: (شاء اللَّه أن يراهنّ سبايا).

وشاهد آخر: إقدامهم على ما يعلمون، كالإقدام على القتل، فإنّ تفسيره

____________________

١) سورة النحل: ٨٩.

٤٨٨

الصحيح هو العلم اللدنّي، حيث كان استشهادهم بعد إجراء قانون التزاحم بين الملاكات الكاملة أولى (١) .

وظهر أيضاً: أنّ مهمّة الهداية الإيصالية لا تخصّ الملائكة - كما يظهر ذلك من العامّة - بل تعمّ قسماً من البشر الذين يتمتّعون بمواصفات خاصّة، بل يظهر من القرآن أنّهم أكمل من الملائكة. وظهر كذلك أنّ الإمامة غاية النبوة وأنّ الهداية الإيصالية غاية الهداية الإرائية.

وهذه النكتة هي المحور الأصلي في القصّة، بقرينة أسى النبي الذي ورد في أوّل السورة: ( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ ) (٢) ، فكانت قصّة الخضر وغيرها لتطمين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ الهداية الإيصالية موجودة وبواسطتها ستتحقّق الأغراض المجموعية والفردية للشريعة الظاهرة.

فإنّ الإرادة الإلهية لمّا كانت تعني بالتحفّظ على أغراض الشريعة الكلّية في الجزئيات التفصيلية بالنسبة إلى عموم المجتمع، وبالأغراض التي تعدّ استراتيجية بالنسبة إلى الشريعة الظاهرة، كما نلحظ ذلك في قضية الخضر، فإنّه يدلّ بالأولوية

____________________

١) نحن لا نرمي بأطروحتنا هذه التفكيك والعمل بالنقل بلا أُصول وبمعزل عن العقل، وإنّما أردنا التنبيه على عدم الجمود على قواعد الفلسفة والعرفان والكلام، مع قبول فائدتها لتكون عملية التفقّه في العقائد تامّة، وإنّما لابدّ من الترقّي بالتوغّل أكثر في الكتاب وروايات أهل البيت لاكتشاف معارف قصرت المناهج تلك من الوصول إليها، وهي مستمدّة ومعتمدة على قواعد بديهية في الروايات لم يتنبّه إليها في الفلسفة، بل قد تدفع إلى إعادة النظر في تلك القواعد كالحركة التكاملية في المجرّدات.

فلا معنى للجمود على قواعد نظرية قد تكون مترامية في نظريتها، وتأويل ما هو بديهي‏ ونصّ في الروايات من أنّ هناك حركة اختيار ومخالفة الأمر في عالم الملائكة.

٢) سورة الكهف: ٦.

٤٨٩

على أنّ الإرادة الإلهية والهداية الإيصالية لا تهمل ما كان بالغ الأهمّية في الشريعة الظاهرة كالشؤون المرتبطة بالدولة والحكم وهداية المجموع.

الخلاصة:

وهذا استعراض لأهمّ المحاور التي وردت في هذه الآيات الكريمة:

المحور الأوّل: وجود تشكيلة من أولياء اللَّه الذين اختارهم اللَّه حججاً على عباده يقومون بدور وظّفوا له ومن وراء الستار، وقد جاء في سورة الكهف (١) ذكر مواصفاتهم.

المحور الثاني: إنّ الإمامة غاية النبوّة، وقد جاءت القصّة لتؤكّد هذا الأمر وطمأنة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ الهداية الإيصالية ستتكفّل تحقيق أغراض الشريعة الظاهرة والهداية الإرائية التي قام بها الرسول الأعظم على أكمل وجه.

المحور الثالث: هناك قسم آخر من الحجج وراء الرسالة والنبوّة والإمامة، والذي تمثّله الزهراء عليها‌السلام ومريم عليها‌السلام والخضر عليه‌السلام مع حفظ الفارق، وقد أشارت الروايات (٢) إلى هذا القسم.

المحور الرابع: وجود شريعتين ظاهرة وكونية في الإرادات ومن دون بينونة بينهما.

المحور الخامس: الملاك والحكم في الشريعتين أو درجتي الشريعة واحد، إنّما الاختلاف في وسيلة الإحراز والإنفاذ.

المحور السادس: التزاحم الملاكي ظاهرة غالبة في الشريعة الكونية، وحلّه هو ترجيح أحد الملاكين الأهم، يتمّ بواسطة العلم اللدنّي بعد مقايسة بين الملاكين ولكن لا بحدود ضيقة مقطعية.

المحور السابع: إنّ الملائكة في قوس النزول مخاطبون ومكلّفون بالدين

____________________

١) سورة الكهف: ٤٥.

٢) البحار، ج٢٣، باب أنّ الأئمّة محدّثون.

٤٩٠

والشريعة في السنن والإرادات الإلهية الكونية، بعد أن كانت لهم إرادة واختيار وتكامل، ممّا يمكن به تعقّل التكليف والطاعة والمخالفة، مع قبول عصمتهم وأنهم لا يعصون اللَّه ما أمرهم، مع الالتفات إلى تبعيتهم في الدين للأنبياء والرسل الذين لهم مقام الإمامة وخلافة اللَّه في الأرض، كما أسجدهم الباري تعالى لآدم، والذي يهدف إلى خضوعهم وتبعيتهم لخليفة اللَّه في أرضه، هذا بعد أن كانت شرائع الأنبياء مشتملة على قوس النزول والصعود والفروع.

وبعبارة أُخرى: أنّ الشرائع التي بُعث بها الأنبياء وإن كانت مختصّة بأهل الأرض من الإنس والجنّ لكنّ الدين المتّحد بين الأنبياء فهو عامّ لأهل السماء والملائكة، كما أنّه عامّ لكلّ النشآت والخلائق.

المحور الثامن: ولاية كلّ نبيّ ورسول مقامٌ أرفع من نبوّته وإمامته، ولكنّ النبيّ أرفع مقاماً من الوليّ الحجّة المعاصر له؛ حيث كان الأوّل محيطاً بالإرادات الكلّية والثاني بالجزئية، فهو تابع للأوّل.

المحور التاسع: إلفتنا لأقسام التأويل، وفرق الباطن عن الظاهر، وفرق الشريعة الكونية عن الظاهر، ولمّا كان الأوّل مأخوذاً فيه الانتهاء والرجوع أمكن أن نضع إصبعنا على الجامع بين الأقسام: إنّ كلّ عالم سابق له تأويله في اللاحق.

ونضيف: أنّ هناك عكس التأويل، فعالم الذرّ والميثاق يفسّران العديد من الظواهر التي تجري لأشخاص في النشأة، وبتعبير أوضح: كما أنّ النشأة اللاحقة تأويل للسابقة، كذا السابقة لها نوع تفسير لِلاّحقة، وهذا هو الذي أشارت له أخبار الطينة: (لو علم الناس كيف خلق اللَّه تبارك وتعالى هذا الخلق لم يلم أحدٌ أحداً...) (١) وكذا روايات الذرّ والميثاق.

____________________

١) الكافي، ج٢، ص٤٤.

٤٩١

المحور العاشر: إنّ الهداية الإيصالية هداية المجموع والجميع؛ فإنّها كما تُعنى بالأغراض المرتبطة بالمجموع البشري كذا تُعنى بأغراض كلّ فرد بل حتّى الواسطة.

النموذج الثاني القرآني: قصّة ذي القرنين.

سيتمّ الإلفات إلى المحاور التالية:

١ - مرتبة ذي القرنين.

٢ - القوّة التي مُنحت له.

٣ - التدبير الإلهي لجزئيات وتفاصيل المجتمع البشري في قصّة ذي القرنين.

٤ - ربط القصّة بالمحور الأصلي في سورة الكهف.

قوله تعالى: ( وَيَسْأَلُونَكَ ) ، ظاهر في أنّ قصّة ذي القرنين شائعة لدى الأقوام، وأنّ الرجل وقصّته حقيقة تاريخية عاشتها البشرية.

قوله تعالى: ( سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ) ، ظاهر في أنّ القرآن لا يروي كلّ تفاصيل القصّة، وإنّما يقتصر على بعض ملامحها.

قوله تعالى: ( إِنَّا مَكَّنَّا ) تعريف بشخصيّة الرجل كما في قصّة الخضر حيث ابتدأت بالتعريف به، وهذا التمكين هبة وأنّ التمكين هاهنا تمكين لدنّي. والتمكين لا يطلق على المُلك اليسير وإنّما على الملك الواسع العظيم، ومن ثمّ ذكر ذلك في سورة يوسف والآيات الواردة في نشأة المهدي عليه‌السلام في جانب الخير، وفي عاد ونمرود في جانب الشرّ.

قوله تعالى: ( وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ سَبَبًا ) ، لا سبب كلِّ شي‏ء، ولكن مع كون (من) تبعيضية إلاّ أنّها دخلت على (كلّ شي‏ء) ، ومن ثمّ شكّل هذا الإعطاء ميزة وخصوصية لذي القرنين؛ لأنّ (كلّ) تفيد

٤٩٢

العموم، ومدخولها في غاية الإبهام والعمومية.

قوله تعالى: ( سَبَبًا ) ، لم يُستعمل في القرآن في غير ذي القرنين، نعم ذكرت منفية عن غيره، مثل: ( فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ ) (١) ، و ( لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ ) (٢) ، و ( وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ) (٣) . والسبب في اللغة: كلّ شي‏ء يقتدر به على شي‏ء آخر، سوى أنّه في القرآن استعمل في الوسيلة غير المتعارفة.

وهذا الإعطاء حَبوة إلهية ومنحة، وهي القدرة اللدنّية؛ بقرينة أنّه لم يذكر لغيره، وأنّه أردف الإتيان بالسبب، وأنّ ذا القرنين من الأولياء الحجج كما سيأتي، وأنّه قد استعملت فيه نفس التعبيرات المستعملة في سليمان.

ثمّ إنّ المراد من السبب في عالمنا - كما يظهر من الروايات وجاء في كلمات الحكماء والمتكلّمين - المعدّ، لا سيّما في عالم المادّة، لا الفاعل ومعطي الوجود؛ فإنّه منحصر به تعالى، فهو ما منه الوجود وغيره ما به الوجود.

ويترتّب على ذلك أنّ كلّ المعادلات والقوانين في هذا العالم لا ضرورة بتّية فيها بعد أن لم تكن الظواهر من الأسباب سوى معدّات تعدّ القابل وتهيئه لاستقبال الفيض الإلهي، بل ليس معدّات عالم الطبيعة هي تمام المعدّات، بل توجد معدّات أُخرى ملكوتية فضلاً عن الأسباب الفاعلية، لا سيّما أنّ بعض الأسماء الإلهية تقتضي بعض المعدّات التي لا نعلم بها.

وبه يمكن تفسير جملة من التخلّفات مثل: ( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (٤) ، ( وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ... ) .

والواو فيها استئنافية، فيكون المفاد أنّه بالإضافة إلى تمكينه - الذي قُيّد بـ (في

____________________

١) سورة ص: ١٠.

٢) سورة غافر: ٣٦.

٣) سورة البقرة: ١٦٦.

٤) سورة الأنبياء: ٦٩.

٤٩٣

الأرض) - الإيتاء وهو المنسجم مع عمومية التعبير الذي سبقت الإشارة إليه، وهو الظاهر من الروايات حيث ذكرت أنّها من أسباب السماوات والأرض، بل الظاهر من الروايات أنّه أوتي ملكوت السماوات والأرض، حيث جاء التعبير بـ (كشط له).

( فَأَتْبَعَ سَبَبًا ) من تلك الأسباب.

( حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ ) سار بالأسباب التي زوّد بها، وقد ذكرت الروايات أنّه كان يسير في فتوحاته بالزئير.)مغرب الشمس(إشارة إلى أقاصي الأرض، وقد يقال بأنّ رحلته فضائية في السماء كما مرّ إشارة الروايات إلى أنّ الأسباب التي أوتيها سماوية وأرضية وأنّه (كُشط له).

قوله تعالى: ( قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ) ، خطاب مباشر منه تعالى لذي القرنين، ومن ثمّ قيل إنّه نبيّ، ولكنّه خلاف ظاهر القرآن حيث لم يصفه بالنبوّة ولا بالبعثة والرسالة، مع أنّه في مقام الإجابة عن التساؤل عن الغموض في حال ذي القرنين.

وهذا هو الظاهر من الروايات أنّه محدّث، كما يلاحظ ذلك في أجوبة الأئمّة عليهم‌السلام عندما كانوا يُسألون عن علمهم فكانت الإجابة أنّه كصاحب موسى وذي القرنين، أي ليست علومهم بنبوّة، ولكنّه علم لدنّي معصوم، والوحي المباشر لا يعني النبوّة وإنّما التشريف والحظوة في الاصطفاء، نظير: ( يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجيِهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١) .

____________________

١) سورة آل عمران: ٤٥ - ٤٧.

٤٩٤

قوله تعالى: ( إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا ) ، تدلّ على أنّ الحاكمية - القيادة السياسية والقوّة التنفيذية - أوّلاً وبالذات هي للَّه تعالى، وكلّ حاكم عداه سواء كان نبياً أو وصياً أم غيرهما من الحجج المصطفين، فحاكميته في طول حاكمية اللَّه تعالى. حيث يظهر من الآية أنّ هذا التخيير الإجرائي والتدبير السياسي التفصيلي منحه اللَّه لذي القرنين، ممّا يدلّل على أنّ الحكومة السياسية التنفيذية بيده تعالى، ولم تفوّض للبشر بمعزل عن اللَّه، كما عليه أهل سنّة الخلافة وجماعة السلطان. والقيادة السياسية شعبة من شعب الهداية الإيصالية كما سيأتي توضيحه.

قوله تعالى: ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ ) ، والحديثُ الحديث، مع دلالتها على أنّ ذا القرنين كان معنياً بتدبير عدّة مجتمعات وفي مجالات متعدّدة.

قوله تعالى: ( لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ) ، ممّا يكشف أنّهم كانوا في تخلّف مدني حتّى على مستوى الضروريات والأولويات، وقد كُلّف ذو القرنين برفع هذا التخلّف. والروايات أيضاً تدلّ على أنّ من مهام الإمام والولي الحجّة هو رفع هذا النمط من التخلّف، كما في تصدّي الإمام الباقر عليه‌السلام في حساب المسافة في قضية البريد وصكّ النقود، وتصدّي أئمّة أهل البيت لتأسيس جملة من العلوم، كما هو شأن الأنبياء السابقين حيث جاءوا للبشرية بأُسس العلوم (١) ، وهذا مقتضى العناية الإلهية بعد أن كانت لضروريات العيش مدخلية في التكامل الروحي للأُمّة.

قوله تعالى: ( كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا ) يدلّ على إحاطة الربّ تعالى بتفاصيل ما يجري وأنّها محور عنايته واهتمامه، فكان كلّ ما يجري تحت نظره.

وبعد اتّضاح الصورة في ملامح ذي القرنين يمكن أن نخرج ببعض النتائج التالية، وهي:

____________________

١) لاحظ كتاب تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، للسيد حسن الصدر.

٤٩٥

أوّلاً: إنّ تمكينه في الأرض لأجل استصلاح المجتمعات البشرية وإيصالها إلى الكمال المنشود ببناء حضارتهم ومدَنيتهم بالقدر اللازم، وإرساء العدل، وإفشاء الصلاح ورفع الظلم عنه، كما يبدو ذلك من النماذج التي تعرّض لها القرآن من حياته.

والقرآن - كما ذكرنا سابقاً - يتناول التعريف بالحياة الشخصية للرجالات والأُمم السابقة كسنن إلهية، ويركّز على المحاور ذات العبرة التي تساهم في رسم العقيدة والشريعة، والروايات حدّثتنا عن جملة من الأبعاد الشخصية لهؤلاء.

وما ذكر من ملك ذي القرنين الذي مُكّن منه مع النماذج التدبيرية التي قام بها، تلحظ أنّها وثيقة الصلة في سورة الكهف بالمحور الأصلي وهي طمأنينة الرسول بأنّ الهداية الإيصالية، وهي مقام الإمامة، أنّها هي التي ستحقّق أهداف الرسالة، والهداية الإرائية التي هي مقام النبوّة.

قوله تعالى: ( لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً ) ، تخلّفهم أكثر من القوم الذين التقى بهم سابقاً.

ثانياً: قوله تعالى: ( فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ) ، مع أنّ ذا القرنين أوتي كلّ ما سبق وأنّه منصوب من قبل اللَّه تعالى وفي الوقت الذي زوّد بتلك القدرة اللدنية وقد ملك فيها الدنيا، إلاّ أنّه يطلب الإعانة، ممّا يعني أنّ الغرض الإلهي لا يتحقّق بالإلجاء، وإنّما لابدّ للأُمّة أن تنهض بمسؤوليتها، في الوقت الذي منّ اللَّه عليها بالهداية الإيصالية أي بنصب الإمام لهم.

ومن هنا أمكن أن نفهم توجيه الخطاب بالحكم ووظائف الدولة للأُمّة، وأنّه لا يعني أنّ الولاية بيد الأُمّة كما فهمه البعض، كما لا يعني أنّ الأُمّة مرفوع عنها المسؤولية تماماً في هذا المجال، وإنّما تعني أنّ هناك مسؤولية ملقاة على عاتق الأُمّة تجاه الحكم والوالي، وهي الإعانة والتجاوب والطاعة، حيث لم تكن سنة اللَّه الإلجاء وكن فيكون في نشأة الدنيا، وبالتالي اليد الواحدة - يد الوالي - لا

٤٩٦

تصفّق، كما في المثل، فنصب الإمام من اللَّه للناس لا يعني إسقاط التكليف عن الأُمّة بنصرته وتمكينه وإقداره من قبلهم، فهناك تكليف مُلقى على عاتق الإمام كما أنّ هناك تكليف مُلقى على عاتق المأمومين وهم الأُمّة.

ثمّ تستعرض الآيات تفصيل بناء السدّ للدلالة على أنّ الأولياء يعملون بالأسباب الظاهرية، على العكس من توقّع الناس أن يكون سيرة ولي اللَّه فيهم كلّها بالإعجاز وخرق الأسباب.

قوله تعالى: ( رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ) في حال أنّ بناء السدّ كان من خلال الأسباب الطبيعية، ولكن لم تكن تلك الأسباب مكتشفة آنذاك، ومن ثمّ كان رحمة، حيث اطّلعوا على بعض أسرار الطبيعة.

فتلخّص:

أوّلاً: إنّ هناك قدرة لدنية، زُوّد بها ذو القرنين، وملكاً عريضاً، ربما كان أوسع من ملك سليمان.

وثانياً: وكان برنامجه استصلاح الأقوام البشرية المغلوبة والمتخلّفة والمتناحرة، فأفشى العدل في قوم، وهيّأ ضروريات المدنية لآخرين، وبنى السدّ لثالث.

وثالثاً: وبأسباب طبيعية كُشفت لهم.

ورابعاً: مع نفي الإلجاء وحفظ دور الأُمّة ومسؤوليتها.

وقد ألفت القرآن إلى كلّ هذا في حياة هذا الولي؛ لرفع أسى صلى‌الله‌عليه‌وآله وطمأنته بأنّ الأغراض التي على أساسها كان التشريع ستحقّق من خلال الهداية الأمرية في إمامة الأُمّة، كما قال تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاة ) (١) .

____________________

١) سورة الأنبياء: ٧٣.

٤٩٧

النموذج الثالث القرآني: قصة أصحاب الكهف

وهذه السورة متميزة ببحث الإمامة بنحو مركّز جدّاً، ولو سمّيت بسورة الإمامة لكان حرياً، لا سيّما وأنّه ذكر نموذج رابع فيها وهو استخلاف آدم كخليفة للَّه في الأرض، وإطواع جميع الملائكة له، وهذه الواقعة برمتها عنوان كبير لمعتقد الإمامة، فسلسلة البحث في كلّ هذه السورة يدور حول الوصول إلى أهداف الرسالة وغاياتها بتوسّط الإمامة، وأصحاب الكهف وإن لم يكونوا حججاً مصطَفين، إلاّ أنّ الحديث عنهم له صلة بالإمامة من جهة صلة هدايتهم بالهداية الإيصالية، وهي الإمامة عبر قناة الروح لا عبر قناة الهداية الإرائية وهي النبوّة الظاهرة والسماع بالحسّ.

قوله تعالى: ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ ) ، بيان أنّ عالمنا عالم الامتحان، فلا إلجاء ولا جبر، كما في قوله تعالى: ( لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ) (١) ، وإنّما اختيار واختبار، كما في قوله تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) (٢) .

وقد توسّطت هذه الآية بين آية ( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ... ) وقصّة الكهف؛ للتنويه على أنّ الهداية الإيصالية وإن كانت متحقّقة في إمامة الإمام إلاّ أنّ المسؤولية ما زالت قائمة على الأُمّة، ولابدّ أن تخطو باختيارها نحو الكمال ومن اللَّه التسديد والتأييد.

ثمّ إنّ سورة أهل الكهف مكّية، نزلت إثر محاولة قريش إحراج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عندما استعانت بثلاثة أرسلتهم إلى نجران للتوفّر على مسائل معقّدة يعجز عن الإجابة عليها، فكانت: أهل الكهف، وصاحب موسى، وذو القرنين. وقد قال علماء نصارى ويهود نجران: إنّ محمّداً إن أجاب عنها فهو نبيّ وإلاّ فلا، ثمّ طلبوا سؤاله برابعة إن

____________________

١) سورة الغاشية: ٢٢.

٢) سورة تبارك: ٢.

٤٩٨

أجاب عنها فهو ليس بنبيّ، وهو: عن الساعة ومتى هي؟

وتذكر الرواية أنّ الرسول أوعد بالإجابة غداً من دون تعليق وعده على المشيئة الإلهية فحُبس عنه الوحي أربعون يوماً، فاغتمّ وحزن كثيراً، وكذا حزن عمّه أبو طالب عليه‌السلام حتّى نزل الوحي بالإجابة.

والملفت للنظر ترابط هذه القصص الثلاث في فكرة الهداية الإيصالية التي هي حقيقة الإمامة، مع أنّ اليهود اختاروها على أساس من المسائل الصعبة لا أكثر.

قوله تعالى: ( أَمْ حَسِبْتَ ) ، لا دلالة في السورة على أنّ أصحاب الكهف أولياء وحجج، وإنّما هم من القسم الخامس وهو الأولياء غير الحجج، وقد شُرّفوا بمقام أوجب ذكرهم.

قوله تعالى: ( الرَّقِيم ) ، في الروايات أنّ أسماءهم مرقومة في لوح من رصاص، رقّمها الملك الكافر الذي كان يريد قتلهم، أو الذي عرفهم بعد إفاقتهم فرقّم أسماءهم على هذا اللوح ووضعه على قبورهم بعد موتهم.

( أَمْ حَسِبْتَ ) تدلّ على أمرين:

الأوّل: البعث والمعاد كما سنبين.

والثاني: إنّ الغلبة للَّه تعالى، وإن أغراضه ستتحقّق، فهؤلاء مجموعة غلبت على أمرها من رواد الباطل وعلى رأسهم المَلك آنذاك، إلاّ أنّ الدائرة دارت عليهم فانقرضوا وبقيت تلك المجموعة المستضعفة خالدة تشكّل نبراساً للحقّ.

وارتباط هذا البعد بالمحور الأصلي واضح، وأنّه مهما حصل وفعل أهل الباطل، ومهما قويت شوكتهم فلن يعيق تحقّق الغرض الإلهي، فإنّ المغلوب ظاهراً غالب باطناً، أي في الخفاء والمآل.

ومن ثمّ يفهم السرّ في ترديد الرأس الشريف المقطوع للحسين عليه‌السلام المشال على رأس الرمح لهذه الآية المباركة وهو يُطاف به في بلدان أُمّة الإسلام.

٤٩٩

والروايات تشير إلى هذا المضمون.

قوله تعالى: ( الْفِتْيَة ) أشرنا ويأتي تفصيل أنّ هؤلاء ليسوا من الأولياء الحجج، وقصّتهم معجزة. ومن ثمّ نفهم أنّ المعجزة ذات طابع الرحمة تكشف عن شرف من تقوم فيهم وعلوّ مقامهم.

هذا في المعجزة الرحمة، والعكس بالعكس، فالمعجزة العذاب كالقمّل، والضفادع، والدم، تعبّر عن ذلّة من قامت فيه المعجزة وخسّتهم.

كما أشرنا إلى أنّ هؤلاء الفتية صاروا عظة وعبرة وقدوة للبشرية، ممّا يؤكّد أنّ مقامهم وإن لم يصل حدّ الحجّية إلاّ أنّه مقام رفيع ومكانة مرموقة في مجال التكامل المعنوي، ومن هنا جاء في الدعاء: (اللهم إنّي أسألك بكلّ عبد امتدحته فيه)، أي في القرآن. ولم يقتصر القرآن في ذكر هذا النمط من البشر على أصحاب الكهف، وإنّما ذكر آخرين، كمؤمن آل فرعون.

قوله تعالى: ( إِذْ أَوَى ) ، ظاهر في نوع الإلجاء والاستجارة، ويؤكّد ذلك طلبهم الرحمة الخاصّة من اللَّه تعالى، ممّا يكشف عن عمق محنتهم.

قوله تعالى: ( أَيُّ الْحِزْبَيْنِ ) ، عبّرت عن كلا الطرفين بالحزب، مع أنّ أهل الكهف قلّة جدّاً، ممّا يدلّ على التفخيم، وأنّهم يمثّلون خطّاً هو خطّ الهداية.

قوله تعالى: ( ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ ) ، النوم نوع من التُوفّي كما أشار إليه القرآن الكريم، ونظير البعث الإيقاظ من النوم للتعريف بالأطول بقاءً، والتدليل على أنّ الهداية الإيصالية لا تتخلّف، وهذا هو البعد المرتبط بالمحور الأصلي.

وفي الروايات بيّن هدف بعثة أصحاب الكهف من رقدتهم بأنّه: دحض دعوى الكافرين حيث كانوا ينكرون المعاد، كما يشير إليه قوله تعالى: ( لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592