الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية10%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141410 / تحميل: 8971
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

المنهج الحادي عشر: معرفتهم التامّة لفظاً، ومعنىً، وشؤوناً، بالكتب السابقة وبالشرايع السابقة، وبتواريخها الخفية، ومنظومة الأولياء.

المنهج الثاني عشر: تطابق السنن الجارية على الأنبياء، المسطُورة في القرآن، مع ما جرى لهم وعليهم في شؤونهم الفردية وشؤونهم العامّة مع الناس. كما في هارون عليه‌السلام ، وعليّ عليه‌السلام . وغيبة الحجّة عليه‌السلام وموسى عليه‌السلام . ونظير الرضا عليه‌السلام ويوسف عليه‌السلام . ونظير يحيى عليه‌السلام والجواد عليه‌السلام . وعيسى، وإدريس، وإلياس، والخضر عليهم‌السلام مع الحجّة (عجل الله فرجه). ومريم عليها‌السلام وفاطمة عليها‌السلام .

المنهج الثالث عشر: وهو إثبات إقدار اللَّه - عزّ وجلّ - لهم على خوارق العادات والمعجزات، باعتراف خصومهم، حيث أسموا ذلك بأنّه سحر من بني هاشم، بدءاً من قريش في العهد المكّي، إلى العهد المدني، وعهد التابعين، وتابعيهم إلى بداية الغيبة.

المنهج الرابع عشر: إثبات العلم اللدنّي لهم عليهم‌السلام ، من تراجم كتب رجال وحديث العامّة، وذلك بواسطة الروايات التي روتها العامّة عنهم، المتضمّن مفادها لدعواهم عليهم‌السلام بعدم استقاء علمهم من غيرهم، وأنّ علمهم لا يَعِي عن إجابة المسائل المختلفة، مضافاً إلى تلّمذ علماء المذاهب على أيديهم دون غيرهم.

وهناك غير ذلك من المناهج، يستطيع الباحث الوقوف عليها في كتب الإمامية المستفادة من الكتاب والروايات والعقل والفطرة السليمة.

٦١

٦٢

نبذة في تطْويف

الآيات القرآنية الدالّة على الإمامة

ولنستعرض جملة يسيرة من تلك الطوائف لا على سبيل الاستقصاء:

الأُولى: آيات الثَّقَلين، وهي جملة من الآيات تفيد عين مفاد حديث الثقلين.

الثانية: آيات الهداية والصراط، وهي جملة من الآيات في السور الدالّة على أنّ هداية الأُمّة هي على عاتق أئمّةٍ هداةٍ يقومون مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثالثة: آيات الاستخلاف، ومفادها بيان السنّة الإلهية في جعل الخليفة في الأرض مزوّداً بالعلم اللدنّي والعلم الأسمائي الجامع.

الرابعة: آيات التبليغ، وهي المتضمّنة للأمر الإلهي بإبلاغ الإمامة والولاية.

الخامسة: آيات الولاية، وهي المتضمّنة للفظ وعنوان الولاية، وأنّها لثلّة من هذه الأُمّة خاصّة.

السادسة: آيات الاصطفاء لذرّية إبراهيم عليه‌السلام ، ومن هذه الأُمّة.

السابعة: آيات الإمامة، المتضمّنة للفظ وعنوان الإمامة.

الثامنة: آيات الأنفال والفي‏ء، والخمس لذي القربى.

التاسعة: آية التسليم على آل ياسين (آيات أولياء الدين وحُجَجِه).

العاشرة: آيات شهادة الأعمال، المتضمّنة لوجود ثلّة من هذه الأُمّة تشهد أعمال الأُمّة في كلّ عصر إلى يوم القيامة، وهم الأشهاد.

الحادية عشر: آيتا التطهير.

الثانية عشر: آية الأشهر الاثني عشر.

٦٣

الثالثة عشر: آيات التولّي والتبرّي.

الرابعة عشر: آيات الكتاب المبين، والمكنون.

الخامسة عشر: آيات ربَّانِيِّ هذه الأُمّة.

السادسة عشر: آيات الوسيلة والسبيل.

السابعة عشر: آيات النور.

الثامنة عشر: آيات ليلة القدر، وصاحبها وليّ الأمر النازل في تلك الليلة.

جدولة مصادر الطوائف

الطائفة الأُولى: آيات حديث الثقلين:

آل عمران: ٧، الواقعة:٧٧ - ٨١، الرعد: ٣٩ و٤٣، النحل: ٦٤ و٨٩، القيامة: ١٩ - ١٦، الأنعام ٣٨ و٥٩، يس: ١٢، النحل: ٤٠ و٧٥، البُروج: ٢٢، ص: ٢٢، يونس: ٦١، فاطر: ٣٢، الحجر: ٧٥ - ٧٦، يوسف: ١١١، العنكبوت: ٤٧، الحج: ٥٤، سَبأ: ٦، البقرة: ١٢١، الأنعام: ١٥٤ - ١٥٥، الأعراف: ١٤٤.

الطائفة الثانية: آيات الهداية والصراط:

الرعد: ٧، سورة الحمد، يونس: ٣٥ و١٣١، الأعراف: ١٨١ و١٨٤، الأنبياء: ٧٣، السجدة: ٢٤، الجِنّ: ١٦، طه: ٨٢ و١٣٥، التوبة: ١١٩، الأنعام: ١٥٣، الإسراء: ١٥٨، النمل: ٧٥، المؤمنون: ٧٣ - ٧٤، النور: ٥٥، الملك: ٢٢، الحج: ٥٤، الفرقان: ٢٧، يونس: ١٨٠، غافر: ٦ و١٠، مريم: ٦ - ٧، محمد: ١٧، الكهف: ٢٤، العنكبوت: ٦٩، المائدة: ٦٧، البقرة: ١٨، يس: ٨٢، إبراهيم: ٢٢.

الطائفة الثالثة: آيات الاستخلاف:

البقرة: ٣٠، النمل: ٦٢، ص: ٢٦، وهي متطابقة مع حديث: خلفائي اثنا عشر من قريش.

الطائفة الرابعة: آيات التبليغ:

المائدة: ٣ و ٦٧.

٦٤

الطائفة الخامسة: آيات الولاية:

النساء: ٥٩، المائدة: ٥٤ - ٥٦، الأحزاب: ٦، آل عمران: ٦٣، النور: ٥٤ و٥٥.

الطائفة السادسة: آيات الاصطفاء لذرّية إبراهيم:

آل عمران: ٣٣ - ٣٤، الحجّ: ٧٥ - ٧٨، البقرة: ٢٣٧، النساء: ٥٤ و٥٨، آل عمران: ٦٨، الزخرف: ٢٦ - ٢٨، الأنبياء: ٧٣، البقرة: ١٢٧ - ١٢٨، آل عمران: ١٦٤.

الطائفة السابعة: آيات الإمامة:

البقرة: ١٢٤، النساء: ١٥٤، هود: ١٧، الأحْقاف: ١٢، يس: ١٢، الأنبياء: ٧٣، السجدة: ٢٤، القصص: ٥.

الطائفة الثامنة: آيات الأنفال والفي‏ء، والخمس لذي القربى:

الحشر: ٧، الروم: ٣٨، الأنفال: ٤١، الشورى: ٢٣، الإسراء: ٢٦.

الطائفة التاسعة: أولياء الدين وحججه، وآيات الأشهر الحُرُم:

آل عمران: ٦١، الصافات: ١٣٠، البراءة: ٣٦.

الطائفة العاشرة: آيات شهادة الأعمال:

البراءة: ١٠٥، النحل: ٨٩، البقرة: ١٤٣، الحجّ: ٧٨، الرعد: ٤٣، آل عمران: ١٤٠، المُطَفِّفِين: ٢١، الواقعة: ١١، النساء: ٤١، الأعراف: ٤٦.

الطائفة الحادية عشر: آيتا التطهير:

الواقعة: ٧٩، آل عمران: ٤٢.

الطائفة الثانية عشر[ لم يذكرها المؤلّف ]

الطائفة الثالثة عشر: التولّي والتبرّي: [ المؤلّف جعل هذه هي الطائفة ١٢]

الأعراف: ٣، الممتحنة: ٤، الزخرف: ٢٦، البقرة: ١٦٦ و١٦٧، البراءة: ١١٤، المجادلة: ٢٢، الشورى: ٢٣، محمّد: ٢٩.

الطائفة الرابعة عشر: آيات الكتاب:

الواقعة: ٧٩، البروج: ٢١ - ٢٢، آل عمران: ٧ و٧٩، النساء: ٥٤، المائدة: ٤٤ و٤٨، الأنعام: ٣٨ و٥٩ و١١٤، البراءة: ٣٦، يونس: ٦١، هود: ١ و٦، الرعد: ٣١ و٣٩ و٤٣، الحشر: ٢١، النحل: ٨٩، الكهف: ٤٩، طه: ٥٢، الحج: ٧٠، الشعراء: ٢، النمل: ١ و ٧٥، سبأ: ٣، الدخان: ٢، الزخرف: ٢ - ٤، فاطر: ١١، الشورى: ٥٢، المطففين: ١٨ - ٢٠، يس: ١٢.

٦٥

الطائفة الخامسة عشر [لم يذكرها المؤلف ]

الطائفة السادسة عشر: آيات الوسيلة:

التكاثر: ٨، البقرة: ٢١١، المائدة: ٣٥، الإسراء: ٥٨، الفرقان: ٥٧، سبأ: ٤٧، الشورى: ٢٣.

الطائفة السابعة عشر: آيات مقامهم النوري:

النور: ٣٦ - ٣٥، البقرة: ٣٤ - ٣١ و٣٧، النساء: ١٧١، البقرة: ١٢٤، الكهف: ١٠٩، لقمان: ٢٧، التحريم: ١٢، الأنعام: ١١٥، الأعراف: ١٥٨، الأنفال: ٧، الشورى: ٢٤، آل عمران: ٣٩ و٤٥، إبراهيم: ٢٤، الزخرف: ٢٨، التغابن: ٨، البراءة: ٣٢، الزمر: ٦٩.

أمّا الطائفة الأولى: تفصيل آيات الثقلين، وهي على أنماط:

الأوّل: سورة الحمد.

الثاني : سورة آل عِمران.

الثالث: الواقعة: ٧٨، الأحزاب.

الرابع: سورة الأنعام: ٣٨ و٥٩ و١٥٤، الدخان: ٢ - ١، فاطر: ٣٢، العنكبوت: ٥٠ - ٤٧، البقرة: ١٢١، النمل: ٤٠، الرعد: ٣١ و٣٩ و٤٣، البروج: ٢٢، الأعراف: ١٤٥، يوسف: ١٠١، الاسراء: ١٢ و١٤، المائدة: ٤٨، يونس: ٦١.

الخامس: النحل: ٨٩.

السادس: القيامة: ١٧، النحل: ٦٤.

السابع: سبأ: ٦، الحج: ٥٤.

الثامن: النساء: ٨٣، محمّد: ١٦.

التاسع: المائدة: ٤٤. وهي تتطابق مع طائفة آيات ربانيّو الأمّة.

العاشر: الشورى: ٢٣، الأنعام: ٩٠، يوسف: ١٠٤، سبأ: ٤٧.

الطائفة الثامنة عشر:

آيات ليلة القدر وصاحبها وليّ الأمر النازل فيها، وهي تتطابق مع قالب آيات حديث الثقلين: سورة القدر، سورة الدخان: ٣ - ١، النحل: ١، غافر: ١٥، الشورى: ٥٢.

٦٦

النصوص القرآنية

الدالّة على إمامة أهل البيت عليهم‌السلام

القسم الأوّل: آيات الثقلين، وهي:

أولاً: آيات الراسخون في علم الكتاب

( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١) .

إنّ الظهور الأوّلي الإجمالي لهذه الآية الشريفة، هو الإعلان عن وجود قسمين من آيات الكتاب الكريم: محكم ومتشابه. كما أنّها تقسّم المكلّفين إلى أقسام: راسخون في العلم، وغير راسخين. وغير الراسخين إلى قسمين: قسم يتَّبع المتشابه، وهم الذين قد زاغت قلوبهم عن الصراط المستقيم وعن الحقّ. والقسم الآخر لا يتّبع المتشابه، ولكنّها ترشد إلى لزوم اتّباع الراسخين في العلم؛ كي يهدوهم إلى تأويل المتشابه بالمحكم.

كما أنّ الآية تُعلِم بأنّ المحكمات لها مقام الأُمومة في آيات الكتاب، ممّا يعني أنّ المتشابهات كفروع لها.

والتأويل لغةً: من الأَوْل، أي الرجوع والأَوب، وانتهاء

____________________

١) سورة آل عمران: ٧.

٦٧

شي‏ء إلى شي‏ء، من آل شي‏ء إلى آخر، أي انتهى إليه.

وتأويل المتشابه، إمّا بمعنى الانتهاء إلى المعنى الحقيقي المراد منه، أو بمعنى انتهاء المتشابه إلى أصله وهو المُحْكَم، وهو يتّحد مع المعنى السابق أيضاً؛ إذ برجوع المتشابه إلى المُحْكَم يوجب كشف المعنى المراد من المتشابه، وأنّه منسجم ومتلائم معه.

وبمقتضى النقطة الأخيرة وما تقدّم، يستلزم أنّ الإحاطة بالمحكم إحاطة تامّة، غير مقدور عليها لغير الراسخين في العلم؛ وذلك لأنّ الإحاطة التامّة بالمُحْكَم تستلزم العلم بتأويل المتشابه؛ إذ المفروض في المحكم أنّ له الأُمومة، والهيمنة، والمرجعية لتفسير بقية الآيات، فعدم العلم بحقيقة المتشابه ناشئ من عدم فرض الإحاطة التامّة بالمحكم، إذ لا تشذ آية في المتشابه عن حيطة المحكمات وقيْمُومَة معانيها على تلك الآيات، فلا تكون متشابهة عند المحيط خبراً بالمحكمات.

وهذا يدلّ على أنّ المتشابه وصفٌ نسبيٌّ إضافي بالإضافة إلى غير الراسخين، وأمّا الراسخون، فلا تشابه لديهم في الآيات، وإن كان التقسيم: إلى المُحْكم الأمّ، وإلى الآيات الفرعية، وصفٌ حقيقي غير إضافي، لنفس الآيات في نفسها.

وكلّ ذلك لا يلزم منه تعطيل الكتاب، أو تجميده، أو فقده لصفة الإعجاز؛ بتوهّم أنّ آياته المحكمات لا يُحاط بها مِن قِبل الكُل، والمتشابه لا يؤخذ به بنفسه؛ لإجمال المراد منه، فيزيغ من يتابعه من دون مفسّرٍ معتَبَرٍ صحيح، والمحكم لا يحاط به؛ وذلك لأنّ الآية في صَدد بيان كيفية الأخذ، واشتراطه باتِّباع الراسخين بالعلم، ومعونتهم وإرشادهم.

فيتبين أنّ الأخذ - الذي لا بدّ منه المفترض في تلك الآية - والتمسّك بالكتاب اللازم يجب أن يكون مقروناً بالتمسّك بأُولي العلم الراسخين، لا أنّها في صَدد

٦٨

حجب الكتاب عن التمسّك به، بل غاية دلالتها أنّ التدبّر بالقرآن، والتمسّك به، يجب أن يكون مقروناً وبمعيّة الراسخين في العلم.

وهذا عين ما يقال: مِن أنّ كلاً من الكتاب والسنّة مصدرٌ للشريعة؛ فإنّ معنى الاثنينيّة في الحجّية ليس بأن يكون كلّ منهما مستقلاً عن الآخر، ولا بأن يكون أحدهما معطِّلاً للآخر، وكونه فاعلاً أو غير فاعل، بل أن يكون هناك معيّة بينهما، وتَشَاهد وتعاضد وتكافل، ومِن ثمّ لا يستلزم تعطيل أحدهما، ولا فقد الكتاب المجيد لإعجازه؛ لأنّ إدراك المعجزة فيه لا يتوقّف على الإحاطة بكلّ محكماته، فضلاً عن متشابهاته، بل يكفي في ذلك معرفة البعض.

وكون الراسخين في العلم ثلّة من هذه الأُمّة الإسلامية، لا خصوص فرد واحد، وكون هذه المجموعة باقيةٌ سلسلتها ما بقيت حجّية القرآن في هذه النشأة، وأنّها لا تُرفع إلاّ برفع الكتاب يوم القيامة، كلّ ذلك؛ لأنّ الكتاب لا يؤخذ به بنحو تامّ إلاّ بهم.

ويستفاد من الآية: أنّ التمسّك بالكتاب على انفراد لا يتحقّق بصورة صحيحةٍ كاملةٍ تامّةٍ إلاّ بهم، كما لا يتحقّق التمسّك بهم إلاّ بالتمسّك بالكتاب؛ لأنّهم هادون إلى محكماته، وتأويل متشابهاته. وهو مفاد حديث الثقلين.

وإنّ علم الراسخين في العلم ليس من العلم الكَسْبي؛ لأنّه لا يؤهّل إلى ذلك مهما بلغ الإحاطة بدرجة من محكمات الكتاب، إذ من الضروري أنّ الكتاب المجيد، الحجّة لكلّ هذه النشأة، لا تنتفي حقائقه ولا تحصى محكماته المحيطة بتطاول هذه النشأة، بل وبالنشآت السابقة واللاحقة، فالعلم التامّ بكلّ الكتاب الذي أثبتته هذه الآية للراسخين في العلم لا يكون إلاّ من سنخ العلم اللدنّي؛ إذ الكتاب المبين الذي يستطر فيه كلّ شي‏ء - ( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) - هو من لدن الغيب، والعلم التام به من سِنخه.

٦٩

ولا سيما وأّن الآية قد قرنت - تشريفاً - الراسخين في العلم باللَّه تعالى، ونفتْ العلم بالكتاب كلّه عن الجميع، وحصرته في الذات الإلهية ومن بعده بالراسخين في العلم، ممّا يعطي شَرَافةً وتعظيماً للراسخين في العلم، كحجج لله على خلقه، ووهبهم ذلك النمط اللدنّي من العلم.

ومقتضى حجّية الكتاب وحجّية الراسخين في العلم، أنّ حجّيته مرهونة بحجّيتهم، وحجّيتهم مرهونة بحجّيته أيضاً، فالحجّتان من سنخ واحد، ممّا يدلّ على عصمتهم؛ وإلاّ لو جاز عليهم الخطأ لانسدّ باب العلم في الكتاب، ولزم التعطيل.

ويشير إلى مقام حجّيتهم ذيل الآية: ( وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) (١) ، وإشارة الآية إلى مثل هذه المضامين إنّما يتفطّن إليها ذو اللبّ، لا ذو الذهنية القشرية الذي لا يبصر إلاّ القشور. وكذلك الآية التالية: ( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) (٢) ، أي أنّ ذوي الألباب بتفطّنهم لحجيّة الراسخين في العلم بمعيّة الكتاب العزيز، يكونون قد اهتدوا إلى كيفية التمسّك بالكتاب والأخذ به من دون زيغ قلوبهم عن الحقّ؛ إذ من تفرّد بالأخذ بالكتاب من دون التمسّك بالراسخين بالعلم، قد حكمت عليه الآية بزيغ قلبه، فلذلك اتّبع المتشابه، وأنّ اتّباعه للمتشابه طلباً لفتنة الناس عن الحقّ وعن الدين، وطلباً لتأويل الكتاب وعطفه على ما يوافق أهوائهم وجهالتهم.

كما أنّ جملة ( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ) (٣) ، المجعولة صفة للراسخين في العلم - على تقدير الواو عاطفة -، أو خبر - على تقدير كون الواو استئنافية -، فإنّ

____________________

١) سورة البقرة: ٢٦٩.

٢) سورة آل عمران: ٨.

٣) سورة آل عمران: ٧.

٧٠

الجملة الدالّة على علم الراسخين بالعلم بالتأويل - حيث إنّ الضمير عائد إلى التأويل -، وتعلّق الإيمان به، تستلزم العلم به بنحو ما، لا سيّما وأنّه قد وصف بإضافته إلى أنّه من عند اللَّه، والتوصيف يستلزم التعيين، كما أنّ وصفهم بالراسخين بالعلم أيضاً مشعرٌ بذلك، وكذا إرداف ذكرهم للمستثنى وهو الباري تعالى، وكذا قولهم بعدم مخالفة المتشابه للمحكم؛ لأنّ كلّ منهما من عند اللَّه تعالى، أي وحدتهما في ذلك دالّ على معرفتهم بكيفية رجوع المتشابه إلى المحكم، أي تأويله به.

مضافاً إلى أنّه لو لم يكن ثلّة من هذه الأُمّة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله تَعْلَم متشابه القرآن، وكيفية تأويله بالمحكم، لكان يلزم حينئذٍ تعطيل الكتاب بعد رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذا هو مفاد حديث الثقلين.

وبذلك تدلّ الآية على اختصاص علم الكتاب بهم بعد رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، دون غيرهم من الأُمّة.

ثمّ إنّ مقتضى إحاطتهم بعلم الكتاب هو إحاطتهم بناسخه ومنسوخه، وعامّه وخاصّه، ومطلقه ومقيّده، وموارد نزوله، وعزائمه من رخصه، ومغايرة متشابهه من محكمه.

وهذه الحجّية لهم بمعيّة حجّية الكتاب كما تقدّم في تبين كيفية العمل بالكتاب، وتنفي الاستقلالية، أي استقلالية غيرهم بالفهم للاستفادة من الكتاب، فحينئذٍ، يعمل بموازين الدلالة المقرّرة في علوم الأدب، بضميمة الاستعانة بالثقل الآخر.

مضافاً إلى وجوه التشاهد الآتية بين هذه الآية وبقية آيات الثقلين، الدالّة على إحاطة الراسخين في العلم في هذه الأُمّة بالكتاب كلّه.

٧١

ثانياً: آيات مَن عندهم بيان تبيان الكتاب لكلّ شي‏ء

وهم كما في قوله تعالى: ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (١) .

وقوله تعالى: ( بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إلاّ الظَّالِمُونَ * وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) (٢) .

و: ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وتفصيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ ) (٣)

و: ( ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ) (٤) .

أمّا الآية الأولى الدالّة على الثقل الأوّل - بل الثقلين معاً - فقد فُسّر ( تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) بأنّه تبيان لكلّ أُمور الدين، أي العلوم الدينية. والتفسير الآخر أنّ فيه تبياناً لكلّ شي‏ء من أُمور الدين وغيره، فيشمل العلوم الدينية وغير الدينية، لا سيّما أنّ معارف الدين محيطة بكلّ الحقائق الكونية.

وتقريب الاستدلال في الآية يتمّ على كِلا القولين، وقد وقع المفسّرون من العامّة في حَيص بَيص في تفسير معنى الآية فلاحظ كلماتهم، وإن كان الثاني هو الصحيح؛ لِما في قوله تعالى: ( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (٥) ؛ وقوله تعالى: ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ

____________________

١) سورة النحل: ٨٩.

٢) سورة العنكبوت: ٤٩ - ٥٠.

٣) سورة الأعراف: ١٤٥.

٤) سورة الأنعام: ١٥٤.

٥) سورة النمل: ٧٥.

٧٢

إِلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (١) .

وقوله تعالى: ( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (٢) .

وقوله تعالى: ( يَمْحُو الله مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (٣) ، وغيرها من الآيات الدالّة على إحاطة الكتاب بكلّ صغيرة أو كبيرة. مضافاً إلى ما سيأتي في المجموعة الثالثة.

ثمّ إنّ شمولية الكتاب أوسع من التوراة، كما دلّت عليه الآيات في سورة الأعراف، وهي قوله تعالى: ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُورِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ) (٤) .

وهذا هو الثقل الأوّل، بل في الآية إشارة إلى الثقل الثاني أيضاً، حيث تُبيِّن وجود شاهد في كلّ أُمّة، والأُمّة الجيل من الناس أو القرن، أي وجود شاهد في كلّ قرن يشهد على الناس أعمالهم، ويكون هذا الشاهد من نفس أُمّة ذلك القرن، ويكون الرسول شاهداً على هؤلاء.

قال الفخر الرازي في ذيل الآية: اعلم أنّ هذا نوع آخر من التهديدات المانعة للمكلّفين عن المعاصي، واعلم أنّ الأُمّة عبارة عن القرن والجماعة، إذا ثبت هذا فنقول: في الآية قولان: الأوّل: إنّ المراد أنّ كلّ نبيّ شاهد على أُمّته. والثاني: إنّ كلّ جمع وقرن يحصل في الدنيا فلابدّ وأن يحصل فيهم واحد يكون شاهداً عليهم، أمّا الشهيد على الذين كانوا في عصر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم)، فهو الرسول؛ بدليل قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (٥) .

وثبت أيضاً أنّه لابدّ في كلّ زمان بعد زمان الرسول من الشهيد.

____________________

١) سورة الأنعام: ٥٩.

٢) سورة الأنعام: ٣٨.

٣) سورة الرعد: ٣٩.

٤) سورة الأعراف: ١٤٥.

٥) سورة البقرة: ١٤٣.

٧٣

فتحصل من هذا أنّ عصراً من الأعصار لا يخلو من شهيد على الناس، وذلك الشهيد لابدّ وأن يكون غير جائز الخطأ؛ وإلاّ لافتقر إلى شهيد آخر، ويمتدّ ذلك إلى غير نهاية، وذلك باطل، فثبت أنّه لابدّ في كلّ عصرٍ من أقوام تقوم الحجّة بقولهم، وذلك يقتضي أن يكون إجماع الأُمّة حجّة. (١)

أقول: ما تبيّن من دلالة الآية هو الحقّ من لزوم شاهد غير جائز عليه الخطأ، ولكن تطبيق ذلك على إجماع الأُمّة غاية الوهن؛ فإنّ الأُمّة منقسمة في أكثر أمرها، فأين الشاهد في ما اختلفت فيه.

وحيث أنّ الشاهد لابدّ أن يكون عالماً بأعمال العباد، كما يشير إليه قوله تعالى: ( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) (٢) ، فيرى أعمال العباد حين صدورها.

ومن الواضح أنّ علم كلّ ذلك كان لدى رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ ما كان ينزل عليه شي‏ء إلاّ كان يعلمه ويعلّمه غيره، لكن لا يحيط بكلّ تعليمه إلاّ الأُذن الواعية، كما قال تعالى: ( لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) (٣) ، وهي أُذن عليّ عليه‌السلام كما جاء في أحاديث الفريقين (٤) .

وقد قال تعالى: ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (٥) ، وقال تعالى:

____________________

١) الفخر الرازي، ج ٢٠، ص ٩٩، في ذيل الآية.

٢) سورة التوبة: ١٠٥.

٣) سورة الحاقّة: ١٢.

٤) روى ذلك الطبري في تفسيره، وأبو نعيم في حلية الأولياء، والواحدي النيسابوري في أسباب النزول، والثعلبي في تفسيره، والرازي في تفسيره، والمتّقي الهندي في كنز العمّال، والقرطبي في تفسيره، والسيوطي في الدرّ المنثور، وابن كثير في تفسيره. لاحظ بقية المصادر: إحقاق الحقّ، ج ٣، ص ١٤٧، و ج ١٤، ص ٢٢٠ - ٢٤١، و ج ٢٠، ص ٩٢ - ٩٧.

٥) سورة النحل: ٤٤.

٧٤

( َمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) (١) ،

وقال تعالى: ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) (٢) .

وكيف يبيّن ما لم يعلمه، وكيف يفرض أنّ علمه عند غير رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ مع أنّ بيانه على عهدة ووظيفة رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ببيان كلّ الكتاب.

ثمّ إنّ عملية إنزال حقائق الكتاب لتبيان ما فيه لم ينقطع ويرتفع بموت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ هو باقٍ لتنزّله كلّ عام ليلة القدر إلى يوم القيامة، فعلمه في كلّ الكتاب لابدّ أن يكون باقياً في ثلّة من هذه الأُمّة، وهو الثقل الثاني، وهو الذي تشير إليه الآية الثانية من قوله تعالى: ( َمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاّ الظَّالِمُونَ ) (٣) ، و ( بَلْ ) للإضراب إمّا عمّا سبق في الآيات عليها، أو عن كون علم الكتاب، أي كون الآيات بيّنات في صدور من عدا الذين أوتوا العلم. وعلى كلا التقديرين تدلّ على حصر علمِ وبيان ما في الكتاب بالذين أُوتوا العلم، والضمير ( هو ) عائد إلى الكتاب المجيد، بمقتضى السياق ومقتضى توصيفه بالآيات.

ثمّ إن الذين أُوتوا العلم قد ذُكروا في آيات أُخر، كقوله تعالى: ( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) (٤) ، وقوله تعالى: ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (٥) ، وقوله تعالى: ( ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (٦) ، وقوله تعالى: ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ

____________________

١) سورة النحل: ٦٤.

٢) سورة القيامة: ١٧ - ١٩.

٣) سورة العنكبوت: ٤٨ - ٤٩.

٤) سورة سبأ: ٦.

٥) سورة الحج: ٥٤.

٦) سورة النحل: ٢٧.

٧٥

وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١) ، وقوله تعالى: ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلاّ الصَّابِرُونَ ) (٢) ، وقوله تعالى: ( وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ ) (٣) ، وقوله تعالى: ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) (٤) .

وهذه الآيات تصفهم بصفات التحلّي بالعلم اللَّدنِّي والعلم بالكتاب كما في قولهم: ( لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ) (٥) ، حيث بمقتضى علمهم بالكتاب المحيط بالنشأتين لا يجهلون كيفية أحكام النشأة الأخرى.

كما أنّ الآيات آنفة الذكر أثبتت لهم رؤية ومعاينة الذي أُنزل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من الوحي.

ويُستفاد من سورة النحل أنّ الذين أُوتوا العلم هم المعصومون؛ إذ أُبعد عنهم مطلق الخزي، كما أنّ إثبات التكلّم في مواطن من يوم القيامة والبعث، دالّ على رفعتهم ومكانتهم وكونهم ذوي صلاحيات من المقام المحمود، وأنّهم لا تأخذهم أهوال يوم القيامة ولا أهوال البعث، وقد وصف اللَّه تعالى مشاهد ذلك اليوم بقوله: ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لاَ يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ) (٦) .

وأيضاً قد أطلق على القرآن في سورة القصص: ( طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ

____________________

١) سورة الروم: ٥٦.

٢) سورة القصص: ٨٠.

٣) سورة محمّد: ١٦.

٤) سورة المجادلة: ١١.

٥) سورة الروم: ٥٦.

٦) سورة النبأ ٣٨.

٧٦

الْمُبِينِ ) (١) ، وكذا في سور أخرى (٢) ، وكذا ما مرّ في الطائفة الثانية من وصف الكتاب بأنّ فيه تبيان كلّ شي‏ء، وقد نُعت الكتاب المبين في القرآن بأنّ ما من غائبة في السماء ولا في الأرض إلاّ فيه، وأنّه فيه مفاتح الغيب وما في البرّ والبحر وكلّ شي‏ء. وكذا ما مرّ في الطائفة الأُولى من وصف الآيات المحكمات للكتاب بأنّها أُمّ الكتاب، وقد ذُكر في آيات هذه الطائفة: أنّ كلّ ما يمحى ويثبت في المشيئة الإلهية هو في أُمّ الكتاب. فمحكمات الكتاب هي أُمّ الكتاب.

ويتحصّل حينئذٍ: أنّ القرآن الكريم يشتمل على جميع مسائل علوم الدين والعلوم الأُخرى، وهذا يعزّز عموم مفاد الطائفة الثانية؛ من أنّ في الكتاب تبيان كلّ شي‏ء. ويدعم ذلك أنّ القرآن قد وُصِف أنّه مهيمن على الكتب السابقة، كما في قوله تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) (٣) - والهيمنة هي الإحاطة -، مع أنّه قد وصفت بعض الكتب السماوية المتقدّمة باحتوائها على غير علوم الدين، كقوله تعالى: ( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي ) (٤) ، فإنّ المجي‏ء بعرش بلقيس بقدرة علمٍ من الكتاب ليس ممّا يرتبط بالأحكام.

وكذا قوله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ) (٥) ، فقوله تعالى: ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (٦) ، دالّ على أنّ حقيقة القرآن تشمل وتحوي المشيئات الإلهية، وهما: مشيئة المحو، ومشيئة الإثبات. فضلاً عن القضاء والقدر الإلهيين.

____________________

١) سورة القصص: ١ - ٢.

٢) سورة الزخرف: ٢. القمر: ٥٢ - ٥٣. الشعراء: ٢. يوسف: ١.

٣) سورة المائدة: ٤٨.

٤) سورة النمل: ٤٠.

٥) سورة الرعد: ٣١.

٦) سورة الرعد: ٣٩.

٧٧

كما أنّ في الكتاب عِلم بكافّة الكائنات والمخلوقات الأرضية والسماوية، بمقتضى قوله تعالى: ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ ) (١) ، وقوله تعالى: ( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالأرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ٍ ) (٢) ، وقوله تعالى: ( عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (٣) ، هذا كلّه في الثقل الأوّل وهو الكتاب الكريم.

أمّا الثقل الثاني، فمضافاً إلى الآيات في الطائفتين السابقتين؛ حيث بيّنت أنّ تأويل كلّ الكتاب والإحاطة بمحكماته هو عند الراسخين في العلم، وأنّ مجموع القرآن الكريم آيات بيّناتٍ في صدور الذين أوتوا العلم، وهم الراسخون في العلم المشار إليهم، وهم المطهَّرون في آية التطهير، الذين يمسُّون الكتاب المكنون، كما في قوله تعالى: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إلاّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٤) . وهم المعبّر عنهم بمن عنده علم الكتاب، في قوله تعالى: ( قُلْ كَفَى بِالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) (٥) ، وهذه الآية آخر سورة الرعد المكّية نزولاً، ولم يكن قد أسلم يومئذٍ في مكّة من أهل الكتاب أحد، فالمراد بها هو أحد المسلمين التابعين لرسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّن شرّف بهذا العلم.

فقد ذُكرت أقوال في المراد من الآيتين المتقدِّمتين:

أحدها: إنّه هو اللَّه، كما عن الحسن، والضحّاك، وسعيد بن جبير، والزجاج.

____________________

١) سورة الأنعام: ٥٩.

٢) سورة النمل: ٧٥.

٣) سورة سبأ: ٣.

٤) سورة الواقعة: ٧٧ - ٧٩.

٥) سورة الرعد ٤٣.

٧٨

واستُدلّ له بقول ابن عبّاس، إنّه كان يقول: ومن عند اللَّه علم الكتاب (١) .

وثانيها: إنّ المراد به أهل الكتاب، منهم: عبد اللَّه بن سلام، وسلمان الفارسي، وتميم الداري، كما نسب إلى ابن عبّاس وعبد الملك بن عمير، وجندب، وغيرهم (٢) .

ومقتضى ذلك أن تكون مدنية، كما عن ابن مردويه، وابن الزبير، والكلبي، ومقاتل. وكلا القولين كما ترى في الضعف والسقوط؛ فإنّ ظاهر الآية اثنينية الشهادة والشاهدين، والسورة كلّ آياتها مكّية، والآية الأخيرة مذكورة في سياق نتيجةٍ للآيات السابقة، فكيف يفكّك النزول بينها فتكون سابقتها مكّية وهي خاصّة مدنية؟ وليس هذا إلاّ تعصّب وعناد ممجوج. وسيأتي بسط الحديث في ذلك أكثر بعد الطائفة الثالثة.

ثمّ إنّه يستفاد من الطائفة الثانية أُمور:

الأمر الأوّل: أنّ هذه الطائفة - بمجموع الآيتين - دالّة على لزوم الرجوع إلى ثلّةٍ معصومةٍ في مقام التمسّك بالكتاب العزيز، وعند إرادة تبيين الأحكام الشرعية والمعارف من الكتاب العزيز، نظير ما تقدّم في الطائفة الأُولى.

الأمر الثاني: تدلّ أيضاً على استمرار بقاء تلك الثلّة ببقاء القرآن وبقاء هذا الدين؛ حيث إنّ هذه الملحمة القرآنية في الآية الأُولى - وهي دعوى بيان حكم وعلم كلّ شي‏ء في القرآن - على مرّ الأزمان والعصور محتاجة إلى من يبيّن ذلك من القرآن.

الأمر الثالث: أنّ حجّية هؤلاء - الثلّة - عِدْل حجّية القرآن، وإنّ هذه الحجّية

____________________

١) فتح القدير، للشوكاني، ج٣، ص٩٠، دار إحياء التراث العربي.

٢) المصدر السابق، ج٣، ص٨٩.

٧٩

بنحو مَعِيٍّ، ومن الواضح اقتضاء ذلك عصمة تلك الثلّة عِلماً وعَملاً؛ وإلاّ لاختلّ وانسدّ باب الرجوع في الكتاب إلى كلّ شي‏ء؛ أمّا العصمة العلمية، فلأنّ الآية الثانية تدلّ على أنّ مجموع القرآن هو بيّنٌ في صدورهم، والمفروض أنّ القرآن فيه تبيان لكلّ شي‏ء، مضافاً إلى أنّه مع فرض الجهل العِلمي في تلك الثلّة يستلزم حصول العَجَز لكافّة الأُمّة عن الوصول إلى كلّ ما يحتاجونه من أحكام الكتاب ومعارفه.

وأمّا في صورة عدم العصمة العملية؛ فلأنّه سوف تُفقد الأمانة والوثوق في الرجوع إلى أقوالهم.

الأمر الرابع: أنّ هذه الطائفة تعضد الاستثناء في الطائفة الأُولى من أنّ الذي يعلم متشابه القرآن إنّما هو اللَّه والراسخون في العلم؛ حيث إنّ في هذه الطائفة دلالة على أنّ آيات القرآن بيّنة عندهم غير متشابهة.

الأمر الخامس: أنّ العلم الذي بتوسّطه صار مجموع القرآن بيّن لهم، إيتائي، فهذا العلم هبة معطاة من اللَّه تعالى، لا تسبيبي (كسبي)، أي إنّه علم لدنِّي.

وقد أشار إليه القرآن الكريم في آيات عديدة، كما في سورة الكهف، حيث قوله تعالى: ( فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً ) (٣) . وقوله تعالى: ( إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ الله اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَالله يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (٤) ، وقوله تعالى: ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (٥) ، وقوله تعالى: ( وَلَقَدْ

____________________

١) سورة الكهف: ٦٥.

٢) سورة البقرة: ٢٤٧.

٣) سورة النمل: ٤٠.

٨٠

والضابط ما ذكرناه من اعتبار الاسم كالمقيس عليه ، وعلف الاُمّهات لا يسري إلى الأولاد.

ويبعد ما قيل في غنم مكّة ، لأنّها لو كانت متولّدة من جنسين لم يكن لها نسل كالسِّمع المتولّد من الذئب والضبع(١) ، وكالبغال.

وقال الشافعي : لا تجب سواء كانت الاُمّهات من الظباء أو الغنم ، لأنّه متولّد من وحشي أشبه المتولّد من وحشيّين.

ولأنّ الوجوب إنّما يثبت بنصّ أو إجماع أو قياس ، والكلّ منفي هنا ، لاختصاص النصّ والإِجماع بالإِيجاب في بهيمة الأنعام من الأزواج الثمانية وليست هذه داخلة في اسمها ولا حكمها ولا حقيقتها ولا معناها ، فإنّ المتولّد بين شيئين ينفرد باسمه وجنسه وحكمه عنهما كالبغل فلا يتناوله النصّ ، ولا يمكن القياس ، لتباعد ما بينهما واختلاف حكمهما ، فإنه لا يجزئ في هدي ولا اُضحية ولا دية(٢) ، ولا نزاع معنا إذا لم يبق الاسم.

وقال أبو حنيفة ومالك : إن كانت الاُمّهات أهليةً وجبت الزكاة وإلّا فلا ، لأنّ ولد البهيمة يتبع اُمّه في الاسم والملك فيتبعها في الزكاة ، كما لو كانت الفحول معلوفةً(٣) . ونمنع التبعيّة في الاسم.

____________________

(١) اُنظر : الصحاح ٣ : ١٢٣٢.

(٢) المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٠ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥.

٨١

الفصل الثالث

في زكاة الغنم‌

الزكاة واجبة في الغنم بإجماع علماء الإِسلام.

قالعليه‌السلام : ( كلّ صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تمشي عليه فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلّما انقضى آخرها عاد أولها حتى يقضي الله بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )(١) .

إذا ثبت هذا فإنّ شرائط الزكاة هنا كما هي في الإِبل والبقر بالإِجماع ، نعم تختلف في مقادير النصب ، والضأن والمعز جنس واحد بإجماع العلماء ، والظباء مخالف للغنم إجماعاً.

مسألة ٥٢ : أول نصاب الغنم : أربعون ، فلا زكاة فيما دونها‌ ، فإذا بلغت أربعين ففيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون فلا شي‌ء في الزائد على الأربعين حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ففيه شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، فلا زكاة في الزائد حتى تبلغ مائتين وواحدة ففيه ثلاث شياه ، والكلّ بالإِجماع.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٢ / ٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٤ / ١٦٥٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٨١.

٨٢

وحكي عن معاذ أنّ الفرض لا يتغيّر بعد المائة وإحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين واثنتين وأربعين ليكون مثلَي مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها ثلاث شياه(١) .

والإِجماع على خلافه ، على أنّ الراوي لها الشعبي وهو لم يلق معاذاً(٢) .

الرابع : ثلاثمائة وواحدة وفيه روايتان : إحداهما : أنّه كالثالث ثلاث شياه ، فلا يتغيّر الفرض بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة فتجب في كلّ مائة شاة ، وبه قال المفيد والسيد المرتضى(٣) ، وهو قول أكثر الفقهاء ، والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه للسُّعاة : ( إنّ في الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاةٌ إلى مائة وعشرين ، فإذا زادت ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين ، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت ففي كلّ مائةٍ شاة )(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٢) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة ، شهد بدراً وما بعدها ، مات بالشام سنة ١٨.

والشعبي هو : عامر بن شراحيل أبو عمرو ، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين.

اُنظر : اُسد الغابة ٤ : ٣٧٨ ، الاستيعاب بهامش الإِصابة ٣ : ٣٥٥ - ٣٦٠ ، وتهذيب التهذيب ٥ : ٥٩ / ١١٠ و ١٠ : ١٧٠ / ٣٤٩.

(٣) المقنعة : ٣٩ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ١٢٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤١٧ - ٤١٨ ، فتح العزيز ٥ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٥٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٨ ، اللباب ١ : ١٤٢ ، المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

٨٣

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الأربعين شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة »(١) .

الثانية(٢) : أنّها إذا زادت على ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه ، ثم لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ خمسمائة ، وهو اختيار الشيخ -(٣) رحمه‌الله - وأحمد في الرواية الاُخرى ، وبه قال النخعي والحسن بن صالح بن حي(٤) .

لقول الباقرعليه‌السلام في الشاة : « في كلّ أربعين شاةً شاةٌ ، وليس فيما دون الأربعين شاةً شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زاد على عشرين ومائة ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإن تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة شاة »(٥) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل ثلاثمائة حدّاً للوقص وغايةً له(٦) ؛

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

(٢) أي : الرواية الثانية.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢١ ، المسألة ١٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، وفيها عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

(٦) اُنظر : سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٦.

٨٤

فتجب أن يتعقّبه النصاب كالمائتين.

إذا ثبت هذا ، فلا خلاف في أنّ في أربعمائة أربع شياه ، وفي خمسمائة خمس ، وهكذا بالغاً ما بلغت.

* * *

٨٥

الفصل الرابع

في الأشناق‌

الشّنق بفتح النون : ما بين الفرضين(١) ، والوقص قال الفقهاء : بسكون القاف(٢) .

وقال بعض أهل اللغة : بفتحه(٣) ، لأنّه يجمع على ( أوقاص ) و ( أفعال ) جمع ( فَعَلْ ) لا جمع ( فَعْلْ ) فإنّ ( فَعْلاً ) يجمع على ( أفْعُل ).

وقد جاء - كما قال الفقهاء - هول وأهوال ، وحوْل وأحوال ، وكبْر وأكبار ، وبالجملة فهو ما بين النصابين(٤) أيضاً.

قال الأصمعي : الشنق يختص بأوقاص الإِبل ، والوقص بالبقر والغنم(٥) .

وبعض الفقهاء يخصّ الوقص بالبقر أيضاً ، ويجعل ناقص الغنم والنقدين والغلّات عفواً ، وكلّ ذلك لفظي.

وقيل : الوقص ما بين الفرضين كما بين الثلاثين إلى الأربعين في البقر ،

____________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٠٣.

(٢) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

(٣ و ٤ ) الصحاح ٣ : ١٠٦١.

(٥) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

٨٦

والشنق ما دون الفريضة كالأربع من الإِبل(١) .

مسألة ٥٣ : ما نقص عن النصاب الأول لا شي‌ء فيه‌ إجماعاً ، وكذا ما بين النصابين عند علمائنا ، وإنّما تتعلّق الزكاة بالنصاب خاصّة - وبه قال الشافعي في كتبه القديمة والجديدة ، وأبو حنيفة ، والمزني(٢) - لأنّه عدد ناقص عن نصاب إذا بلغه وجبت فيه الزكاة ، فلا تتعلّق به كالأربع.

ولقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى يبلغ أربعين - إلى أن قالاعليهما‌السلام - وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء »(٣) .

وقال الشافعي في الإِملاء : تتعلّق الزكاة بالنصاب وبما زاد عليه من الوقص ، وبه قال محمد بن الحسن.

لقولهعليه‌السلام : ( فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض )(٤) .

ولأنّه حقّ يتعلّق بنصاب فوجب أن يتعلّق به وبما زاد عليه إذا وجد معه ولم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة(٥) .

والنصّ أقوى من المفهوم والقياس.

فعلى قولنا ، لو ملك خمسين من الغنم وتلفت العشرة الزائدة قبل‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٥٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٩١ و ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧ - ٣٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٩ ، اللباب ١ : ١٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ - ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٤ / ١٧٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩ و ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١١ و ٢ : ١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٥٤٨ و ٥٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨.

٨٧

التمكّن من الأداء بعد الحول لم يسقط هنا شي‌ء ، لأنّ التالف لم تتعلّق الزكاة به ، ولو تلف عشرون سقط ربع الشاة ، لأنّ الاعتبار بتلف جزء من النصاب ، وإنّما تلف من النصاب ربعه.

فروع :

أ - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده وبعد إمكان الأداء يجب جميع الفرض ، لأنّه تلف بعد تفريطه في التأخير فضمن ، وإن تلف بعد الحول وقبل إمكان الأداء سقط عندنا من الزكاة بقدر التالف.

وللشافعي قولان بناءً على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب أو الضمان ، فعلى الأول لا شي‌ء ، لنقصه قبل الوجوب(١) .

ب - لو كان معه تسع من الإِبل فتلف أربع قبل الحول أو بعده وبعد الإِمكان وجبت الشاة(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن كان بعد الحول وقبل الإِمكان فكذلك عندنا.

وعند الشافعي كذلك على تقدير أن يكون الإِمكان شرطاً في الوجوب ، لأنّ التالف قبل الوجوب إذا لم ينقص به النصاب لا حكم له ، وعلى تقدير أن يكون من شرائط الضمان فكذلك إن لم تتعلّق بمجموع النصاب والوقص ، وإن تعلّقت بهما سقط قدر الحصّة أربعة أتساع الشاة(٤) .

وقال بعضهم - على هذا التقدير - : لا يسقط شي‌ء ، لأنّ الزيادة لمـّا لم تكن شرطاً في وجوب الشاة لم يسقط شي‌ء بتلفها وإن تعلّقت بها ، كما لو شهد ثمانية بالزنا ورجع أربعة بعد قتله لم يجب عليهم شي‌ء ، ولو رجع خمسة وجب‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) في نسخة « ط » : الزكاة.

(٣ و ٤ ) المجموع ٥ : ٣٧٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

٨٨

عليهم الضمان ، لنقص ما بقي من العدد المشترط(١) .

ج - لو ذهب خمس من التسع قبل الحول فلا زكاة ، وإن كان بعده وقبل إمكان الأداء سقط خمس الشاة ، وبه قال الشافعي على تقدير أنّ الإِمكان من شرائط الضمان وتعلّق الزكاة بالنصاب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الوجوب فكقبل الحول لنقص النصاب قبل الوجوب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الضمان وتعلّق الزكاة بالمجموع تسقط خمسة أتساع الشاة(٢) .

د - لو كان معه خمس وعشرون وأوجبنا بنت المخاض فيه فتلف منها خمسة قبل إمكان الأداء وجب أربعة أخماس بنت مخاض - وبه قال الشافعي على تقدير كونه شرطاً في الضمان(٣) ، وأبو يوسف ومحمد(٤) - لأنّ الواجب بحؤول الحول بنت مخاض ، فإذا تلف البعض لم يتغيّر الفرض ، بل كان التالف منه ومن المساكين.

وقال أبو حنيفة : تجب أربع شياه(٥) . فجعل التالف كأنّه لم يكن.

قال الشيخ : لو كان معه ستّ وعشرون فهلك خمس قبل الإِمكان فقد هلك خُمس المال إلّا خُمس الخُمس فيكون عليه أربعة أخماس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها ، وعلى المساكين خُمس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها(٦) .

ه- حكم غير الإِبل حكمها في جميع ذلك ، فلو تلف من نصاب الغنم‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٩٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٢) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨ - ٣٩.

(٤ و ٥ ) حلية العلماء ٣ : ٣٩.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٤‌

٨٩

شي‌ء سقط من الفريضة بنسبته.

وهل الشاتان في مجموع النصاب الثاني أو في كلّ واحد شاة؟

احتمالان(١) ، فعلى الأول لو تلف شي‌ء بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب في النصب بقدر التالف ، وعلى الثاني يوزّع على ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف.

مسألة ٥٤ : لا تأثير للخلطة عندنا في الزكاة‌ سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف ، بل يزكّى كلٌّ منهما زكاة الانفراد ، فإن كان نصيب كلّ منهما نصاباً وجب عليه زكاة بانفراده.

وإن كان المال مشتركاً كما لو كانا مشتركين في ثمانين من الغنم بإرث أو شراء أو هبة فإنّه يجب على كلّ واحد منهما شاة بانفراده.

ولو كانا مشتركين في أربعين فلا زكاة هنا ، وبه قال أبو حنيفة والثوري(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فلا شي‌ء فيها )(٣) .

وقال : ( ليس على المرء في ما دون خمس ذود من الإِبل صدقة )(٤) ولم يفصّل.

وقالعليه‌السلام : « في أربعين شاةً شاةٌ »(٥) .

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية : احتمال. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية هو الصحيح.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٤ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥ ، و ١٠٠ بتفاوت يسير.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٤ و ١٠٧ و ١٢٠.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ و ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

٩٠

فإذا ملكا ثمانين وجب شاتان.

ولأنّ ملك كلّ واحد منهما ناقص عن النصاب فلا تجب عليه الزكاة ، كما لو كان منفرداً.

وقال الشافعي : الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف بأن يكون ملك كلّ منهما متميّزاً عن الآخر ، وإنّما اجتمعت ماشيتهما في المرعى والمسرح - على ما يأتي(١) - سواء تساويا في الشركة أو اختلفا بأن يكون لرجل شاة ولآخر تسعة وثلاثون ، أو يكون لأربعين رجلاً أربعون شاةً لكلّ منهم شاة ، وبه قال عطاء والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع )(٣) أراد إذا كان لجماعة لا يجمع بين متفرّق فإنّه إذا كان للواحد يجمع للزكاة وإن تفرّقت أماكنه ، وقوله : ( ولا يفرّق بين مجتمع ) يقتضي إذا كان لجماعة لا يفرّق ، ونحن نحمله على أنّه لا يجمع بين متفرّق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد فلا يفرّق بين مجتمع في الملك فإنّ الزكاة تجب على الواحد وإن تفرّقت أمواله.

وقال مالك : تصحّ الخلطة إذا كان مال كلّ واحد منهما نصاباً(٤) .

____________________

(١) يأتي في المسألة اللاحقة (٥٥).

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٩ - ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦٠ - ٦١ ، الاُم ٢ : ١٤ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠١ و ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٣ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

٩١

وحكى بعض الشافعيّة عن الشافعي وجها آخر : أنّ العبرة إنّما هي بخلطة الأعيان دون خلطة الأوصاف(١) .

مسألة ٥٥ : قد بيّنا أنّه لا اعتبار بالخلطة بنوعيها‌ - خلافاً للشافعي ومن تقدّم(٢) - فلا شرط عندنا وعند أبي حنيفة ، لعدم الحكم.

أمّا الشافعي فقد شرط فيها أموراً :

الأول : أن يكون مجموع المالين نصاباً.

الثاني : أن يكون الخليطان معاً من أهل فرض الزكاة ، فلو كان أحدهما ذمّيّاً أو مكاتباً لم تؤثّر الخلطة ، وزكّى المسلم والحرّ كما في حالة الانفراد ، وهذان شرطان عامّان ، وفي اشتراط دوام الخلطة السنة؟ ما يأتي.

وتختصّ خلطة الجوار باُمور :

الأول : اتّحاد المسرح ، والمراد به المرعى.

الثاني : اتّحاد المراح ، وهو مأواها ليلاً.

الثالث : اتّحاد المشرع وهو أن يرد غنمهما ماءً واحداً من نهر أو عين أو بئر أو حوض.

وإنّما شرط(٣) اجتماع المالين في هذه الاُمور ليكون سبيلها سبيل مال المالك [ الواحد ](٤) وليس المقصود أن لا يكون لها إلّا مسرح أو مرعى أو مراح واحد بالذات ، بل يجوز تعدّدها لكن ينبغي أن لا تختص ماشية هذا بمسرح ومراح ، وماشية الآخر بمسرح ومراح.

الرابع : اشتراك المالين في الراعي أو الرعاة - على أظهر الوجهين عنده - كالمراح.

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٩٠ - ٣٩١ ، المجموع ٥ : ٤٣٣.

(٢) تقدّم ذكرهم في المسألة السابقة (٥٤).

(٣) في نسختي « ن وف » : شرطوا.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٩٢

الخامس : اشتراكهما في الفحل ، فلو تميّزت ماشية أحدهما بفحولة ، وماشية الآخر باُخرى فلا خلطة - على أظهر الوجهين - عنده.

السادس : اشتراكهما في موضع الحلب ، فلو حلب هذا ماشيته في أهله ، والآخر في أهله فلا خلطة(١) .

وهل يشترط الاشتراك في الحالب والمحلب؟ أظهر الوجهين عنده عدمه ، كما لا يشترط الاشتراك في الجازّ وآلات الجزّ(٢) .

وإن شرط الاشتراك في المحلب فهل يشترط خلط اللبن؟ وجهان ، أصحهما عنده : المنع ، لأدائه إلى الربا عند القسمة إذ قد يكثر لبن أحدهما(٣) .

وقيل : لا ربا كالمسافرين يستحب خلط أزوادهم وإن اختلف أكلهم(٤) .

وربما يفرّق بأنّ كلّ واحد يدعو غيره إلى طعامه فكان إباحةً ، بخلافه هنا.

وهل يشترط نيّة الخلطة؟ وجهان عندهم : الاشتراط ، لأنّه معنى يتغيّر به حكم الزكاة تخفيفاً كالشاة في الثمانين ، ولو لا الخلطة لوجب شاتان ، وتغليظاً كالشاة في الأربعين ، ولولاها لم يجب شي‌ء فافتقر إلى النيّة ، ولا ينبغي أن يغلظ عليه من غير رضاه ، ولا أن ينقص حقّ الفقراء إذا لم يقصده.

والمنع ، لأنّ تأثير الخلطة لخفّة المؤونة باتّحاد المرافق وذلك لا يختلف‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٢ - ٣٩٤ ، الاُم ٢ : ١٣ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٨ - ٥٣٠.

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٧ - ٣٩٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٨ - ٣٩٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩.

٩٣

بالقصد وعدمه(١) .

وهل يشترط وجود الاختلاط في أول السنة واتّفاق أوائل الأحوال؟

قولان(٢) .

وفي تأثير الخلطة في الثمار والزرع ثلاثة أقوال له : القديم : عدم التأثير ، وبه قال مالك وأحمد في رواية.

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي )(٣) وإنّما تتحقّق في المواشي.

والجديد : عدمه(٤) ، وتأثير خلطة الشيوع دون الجوار(٥) ، فعلى الجديد تؤثّر ، لحصول الاتّفاق باتّحاد العامل والناطور(٦) والنهر الذي تسقى منه.

وقال بعض أصحاب مالك : لا يشترط من هذه الشروط شي‌ء سوى الخلطة في المرعى ، وأضاف بعض أصحابه إليه الاشتراك في الراعي أيضاً(٧) ، والكلّ عندنا باطل.

فروع على القول بشركة الخلطاء :

أ - إذا اختلطا خلطة جوار ولم يمكن أخذ مال كلّ منهما من ماله كأربعين لكُلٍّ عشرون ، أخذ الساعي شاةً من أيّهما كان ، فإن لم يجد الواجب إلّا في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٠٢ - ٤٠٣.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٤ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٦ وفيهما : ( الراعي ) بدل ( الرعي ).

(٤) أي عدم عدم التأثير الملازم للثبوت.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٠ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧١ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٣ ، بلغة السالك ١ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٤.

(٦) الناطور : حافظ الزرع والثمر والكرم. لسان العرب ٥ : ٢١٥ « نطر ».

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٧ و ١٣٨ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٣١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢.

٩٤

مال أحدهما أخذ منه.

وإن أمكن أخذ ما يخصّ كلّ [ واحد ](١) منهما لو انفرد فوجهان : أن يأخذ من كلّ منهما حصّة ماله ليغنيهما عن التراجع ، وأن يأخذ من عرض المال ما يتّفق ، لأنّهما مع الخلطة كمال واحد ، والمأخوذ زكاة جميع المال(٢) .

فعلى هذا لو أخذ من كلّ منهما حصّة ماله بقي التراجع بينهما ، فإذا أخذ من هذا شاةً ، ومن هذا اُخرى رجع كلٌّ منهما على صاحبه بنصف قيمة ما اُخذ منه.

ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما ، وثلاثون للآخر ، فالتبيع والمسنّة واجبان على الشيوع ، على صاحب الأربعين أربعة أسباعهما ، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما.

فإن أخذهما من صاحب الأربعين رجع على صاحب الثلاثين بثلاثة أسباعهما وبالعكس.

ولو أخذ التبيع من صاحب الأربعين والمسنّة من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على الآخر ، والآخر بقيمة أربعة أسباع المسنّة على الأول.

وإن أخذ المسنّة من صاحب الأربعين والتبيع من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنّة على الآخر ، والآخر عليه بقيمة أربعة أسباع التبيع ، هذا كلّه في خلطه الجوار.

أمّا خلطة الأعيان فالأخذ منه يقع على حسب ملكهما ، فلو كان لهما ثلاثمائة من الإِبل فعليهما ستّ حقاق ولا تراجع.

ولو كان لأحدهما ثلاثمائة وللآخر مائتان فله عشر حقاق بالنسبة ، وهذا‌

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الوجهان للشافعية ، راجع فتح العزيز ٥ : ٤٠٨.

٩٥

يأتي على مذهبنا.

ب - لو ورثا أو ابتاعا شائعاً وأداما الخلطة زكّيا - عندهم - زكاة الخلطة ، وكذا لو ملك كلٌّ منهما دون النصاب ثم خلطا وبلغ النصاب(١) .

ولو انعقد الحول على مال كلّ منهما منفرداً ثم طرأت الخلطة ، فإن اتّفق الحولان بأن ملكا غرّة المحرّم وخلطا غرّة صفر ، ففي الجديد : لا يثبت حكم الخلطة في السنة الاُولى - وبه قال أحمد - لأنّ الأصل الانفراد ، والخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد على الانفراد ، وتجب على كلّ منهما شاة إذا جاء المحرّم(٢) .

وفي القديم - وبه قال مالك - ثبوت حكم الخلطة نظراً إلى آخر الحول ، فإنّ الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول ، فيجب على كلّ منهما نصف شاة إذا جاء المحرّم(٣) .

ولو اختلف الحولان ، فملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر وخلطا غرّة ربيع ، فعلى الجديد ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني شاة.

وعلى القديم ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول نصف شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة.

ثم في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين ، فعلى الأول عند غرّة كلّ محرّم نصف شاة ، وعلى الثاني عند غرّة كلّ صفر كذلك ، وبه قال مالك وأحمد(٤) .

وقال ابن سريج : إنّ حكم الخلطة لا يثبت في سائر الأحوال ، بل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٤٤١.

(٢ و ٣ ) المجموع ٥ : ٤٤٠ ، الوجيز ١ : ٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٣ - ٤٤٦ ، المغني ٢ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٤٤٧ - ٤٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٠ - ٤٤١.

٩٦

يزكّيان زكاة الانفراد أبداً(١) .

ولو انعقد الحول على الانفراد في حق أحد الخليطين دون الآخر كما لو ملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر ، وكما ملك خلطا ، فإذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة في الجديد ، ونصف شاة في القديم(٢) .

وأمّا الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة - في القديم - وفي الجديد ، وجهان : شاة ، لأنّ الأول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الأول ، وأظهرهما : نصف شاة ، لأنّه كان خليطاً في جميع الحول ، وفي سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين إلّا عند ابن سريج(٣) .

ولو طرأت خلطة الشيوع على الانفراد كما لو ملك أربعين شاة ، ثم باع بعد ستّة أشهر نصفها مشاعاً ، فالظاهر أنّ الحول لا ينقطع ، لاستمرار النصاب بصفة الاشتراك ، فإذا مضت ستّة أشهر من وقت البيع فعلى البائع نصف شاة ولا شي‌ء على المشتري إن أخرج البائع واجبة من المشترك ، لنقصان النصاب.

وإن أخرجها من غيره ، وقلنا : الزكاة في الذمة ، فعليه أيضاً نصف شاة عند تمام حوله ، وإن قلنا : تتعلّق بالعين ففي انقطاع حول المشتري قولان : أرجحهما : الانقطاع ، لأنّ إخراج الواجب من غير النصاب يفيد عود الملك بعد الزوال لا أنّه يمنع الزوال(٤) .

ج - إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة ، واُخرى من جنسها منفردة كما لو خلط عشرين شاة بمثلها لغيره وله أربعون ينفرد [ بها ](٥) ففيما يخرجان الزكاة؟ قولان مبنيّان على أنّ الخلطة خلطة ملك أي يثبت حكم الخلطة في‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٨٣ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٩ - ٤٦٢.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٩٧

كلّ ما في ملكه ؛ لأنّ الخلطة تجعل مال الاثنين كمال الواحد ، ومال الواحد يضمّ بعضه إلى بعض وإن تفرّقت أماكنه ، فعلى هذا كان صاحب الستّين خلط جميع ماله بعشرين ، فعليه ثلاثة أرباع شاة ، وعلى الآخر ربعها.

أو أنّها خلطة عين أي يقتصر حكمها على عين المخلوط ، لأنّ خفّة المؤونة إنّما تحصل في القدر المخلوط وهو السبب في تأثير الخلطة ، فعلى صاحب العشرين نصف شاة ، لأنّ جميع ماله خليط عشرين ، وفي أربعين شاة ، فحصّة العشرين نصفها(١) .

وفي صاحب الستّين وجوه : أصحّها عنده : أنه يلزمه شاة ، لأنّه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فغلّب حكم الانفراد ، كما لو انفرد بالمال في بعض الحول فكأنّه منفرد بجميع الستّين ، وفيها شاة.

والثاني : يلزمه ثلاثة أرباع شاة ، لأنّ جميع ماله ستّون ، وبعضه مختلط حقيقةً ، وملك الواحد لا يتبعّض حكمه فيلزم إثبات حكم الخلطة للباقي ، فكأنّه خلط جميع الستّين بالعشرين ، وواجبها شاة حصّة الستّين ثلاثة أرباعها.

الثالث : يلزمه خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، ففي الأربعين حصّتها من الواجب لو انفرد بالكلّ وهو شاة حصّة الأربعين ثُلثا شاة ، وفي العشرين حصّتها من الواجب لو خلط الكلّ وهي ربع شاة لأنّ الكلّ ثمانون ، وواجبها شاة.

الرابع : أنّ عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة ، كما أنّه واجب خليطه في ماله ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة وذلك حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله.

الخامس : أنّ عليه شاة في الأربعين ونصف شاة في العشرين ، كما لو‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

٩٨

كانا لمالكين(١) .

ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكلّ منهما أربعون منفردة ، إن قلنا بخلطة الملك فعليهما شاة ، لأنّ الكلّ مائة وعشرون

وإن قلنا بخلطة العين فوجوه : أصحها : أنّ على كلّ منهما شاة.

الثاني : ثلاثة أرباع ، لأنّ كلّاً منهما يملك ستّين بعضها خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكلّ ، والكلّ ثمانون ، حصّة ستّين ما قلنا.

الثالث : على كلّ منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين الاعتبارين ، فيقدّر كلّ واحد منهما كأنّه منفرد بالستّين ، وفيها شاة ، فحصّة الأربعين منها ثُلثا شاة ، ثم يقدّر أنّه خلط جميع الستّين بالعشرين والمبلغ ثمانون ، وفيها شاة ، فحصّة العشرين منها ربع شاة.

وقيل : على كلّ واحد خمسة أسداس شاة بلا زيادة تجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطاً وهو مائة وعشرون وواجبها شاة ، فحصة العشرين سدس شاة وفي الأربعين ثُلثا شاة(٢) .

الرابع : على كلّ منهما شاة وسدس شاة ، نصف شاة في العشرين المختلطة قصراً لِحكم الخلطة على الأربعين ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة.

الخامس : على كلّ واحد شاة ونصف شاة ، شاة للأربعين المنفردة ، ونصف للعشرين المختلطة(٣) .

د - لو خالط الشخص ببعض ماله واحداً وببعضه آخر ولم يتشارك الآخران بأن يكون له أربعون فخلط منها عشرين بعشرين لرجل لا يملك غيرها ،

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، الوجيز ١ : ٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧١ - ٤٧٣.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٧٤.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ - ٤٧٥.

٩٩

وعشرين بعشرين لآخر كذلك ، فإن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة ، لأنّه خليطهما ومبلغ الأموال ثمانون ، وحصّة الأربعين منها النصف ، وكلّ واحد من خليطيه يضمّ ماله إلى جميع مال صاحب الأربعين.

وهل يضمّه إلى مال الآخر؟ وجهان : الضمّ ، لينضمّ الكلّ في حقّهما كما انضمّ في حق صاحب الأربعين ، فعلى كلّ واحد منهما ربع شاة.

والعدم ، لأنّ كلّاً منهما لم يخالط الآخر بماله بخلاف صاحب الأربعين فإنه خالط لكلِّ واحد منهما ، فعلى كلّ واحد ثُلث شاة.

وإن قلنا بخلطة العين فعلى كلّ من الآخَرَين نصف شاة ، لأنّ مبلغ ماله وما خالط ماله أربعون(١) .

وفي صاحب الأربعين وجوه :

أحدها : تلزمه شاة تغليباً للانفراد وإن لم يكن منفرداً حقيقةً لكن ما لم يخالط به أحدهما فهو منفرد عنه فيعطى حكم الانفراد ، ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالباقي أيضاً ، وكذا بالإِضافة إلى الخليط الثاني فكأنّه لم يخالط أحداً.

الثاني : يلزمه نصف شاة ، تغليباً للخلطة ، فإنّه لا بدّ من إثبات حكم الخلطة حيث وجدت حقيقةً ، واتّحاد المال يقتضي ضمّ أحد ماليه إلى الآخر ، فكلّ المال ثمانون ، فكأنّه خلط أربعين بأربعين.

الثالث : يلزمه ثُلثا شاة جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، بأن يقال : لو كان جميع ماله مع [ مال ](٢) زيد لكان المبلغ ستّين وواجبها شاة ، حصّة العشرين الثُلث ، وكذا يفرض في حقّ الثاني فيجتمع عليه ثُلثان(٣) .

مسألة ٥٦ : قد بيّنا أنّه إذا ملك أربعين وجب عليه الشاة وإن تعدّدت‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٦ - ٤٧٧.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٧ - ٤٧٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592