الإمامة الإلهية الجزء ٢

الإمامة الإلهية0%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 592

الإمامة الإلهية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الصفحات: 592
المشاهدات: 133715
تحميل: 7973


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133715 / تحميل: 7973
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الإمامة الإلهية

١

٢

الإمامة الإلهية

بحوث

سماحة الأستاذ الشيخ محمّد السند

بقلم

صادق الشيخ محمّد رضا الساعدي

الجزء الثاني

٣

٤

المقدّمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للَّه الجاعل في الأرض خليفة إماماً افترض طاعته على جميع الملائكة والجنّ والإنس، وقد علّمه من لدنه علماً جامعاً بالأسماء كلّها فاحتاجته الملائكة لعلمه، ولم يقبل - تعالى - طاعة وعبادة أحدٍ من خلْقه إلاّ بالطاعة لخليفته، ثمّ الصلاة والسلام على المبعوث للعالمين رحمة، إمام الخلق، التارك فينا الثقلين، الجاعل باب علمه وحكمته وصيّه المرتضى، والمستخلف على الأمّة اثني عشر، وعلى آله المطهّرين الذين يمسّون الكتاب المكنون، وهو آيات بيّنات في صدورهم، الذين قرن اللَّه بطاعته وطاعة رسوله طاعَتهم فريضة، وجعل مودّتهم قرين الرسالة وسبيلاً متخذاً إليه.

وبعد، فهذا هو الجزء الثاني والثالث من كتاب: الإمامة الإلهية. وقد اشتملا على مباحث متعدّدة من خمسة فصول، وقد كان من بواعث الخوض فيها ما يلاحظ في جملة من المقولات من النظرة إلى علم النبي - صلّى الله عليه وآله - وأهل بيته عليه‌السلام كملكة علمية بفقه الدين والشريعة، وأنّ الأحكام الصادرة عنهم أشبه بالفتاوى النابعة عن إعمال جهد الفهم المكتسب والتتبّع في الكتب والأدلّة، أو أنّ ما يحكمون به هو وليد الاستظهار من وراء حجاب الألفاظ ودلالاتها، وقد صرّح أهل سنّة جماعة الخلافة باجتهاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله - والعياذ باللَّه تعالى - وأنّه هل يصيب أو يخطأ، ولوازم وتوالي هذا القول من الماحقات للدين.

وقد عُبرّ في بعض الأقوال عن بيان أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام للسنّة النبوّية أنّهم رواة لها ونَقَلة، وهو تخيّل أنّ إخبارهم عن النبي - صلّى الله عليه وآله - على حذو الرواة من سائر الناس، وأنّهم يخبرون عنها بما يمتلكون من رصيد مسموعات حسّية وكتب مخطوطة.

٥

وقد جاءت سلسلة البحث بدءً بالمنهجية والنظام المتّبع في معرفتهم (صلوات اللَّه عليهم)، ثمّ تلا ذلك البحث في فقه مصادر تلك المعرفة، بالتعرض للقواعد الأمّ في معرفة مقاماتهم، ولم يكن ذلك على سبيل الاستقصاء؛ كيف؟ ومن حدّهم فقد وصفهم، ومن وصفهم بكمالهم فقد أحاط بهم فهو أعلم منهم؛ لأنّ من حدّ شيئاً فهو أكبر منه.

ثمّ البحث عن جملةٍ من أبواب تلك المعرفة وأُسُسِها.

وقد تضمّن في مطاوي تلك السلسلة محاور قد احتدم فيها الجدل العلمي: كالاستقامة في طريق المعرفة بعيداً عن إفراط الغلوّ وتفريط التقصير إنّ الإيمان - فضلاً عن الأعمال - لا يصحّ - فضلاً عن القبول - إلاّ بالتوجّه والتوسّل والانقياد لهم، فضلاً عن معرفتهم.

قراءاتٌ جديدةٌ ثلاث في حديث الغدير:

أن ولايتهم عليهم‌السلام من أصول الدين الواحد الذي بعث به جميع الأنبياء عليهم‌السلام .

ولايتهم في التشريع: إنّ الإمام هو حقيقة القرآن المكنون وهو الثقل الأكبر - أنّ ليلة القدر نافذة غيبية وقناة ارتباط سماوية لا زالت قائمة مستمرة في عقيدة الإسلام عند المسلمين -.

إنّ للقرآن منازل ومواطن غيبية، هي منال لهم عليهم‌السلام الإمامة القائمة الراهنة للمهدي (عج) في ظل الغيبة - نماذج الارتباط الغيبي لأمثال الإمامة في القرآن -.

وقد قام بتقرير وضبط هذه المباحث ذو البصيرة المعرفية والنظر النافذ الشيخ صادق الساعدي، أدام اللَّه سعيه في نشر العقائد الحقّة لمدرسة أهل البيت عليهم‌السلام .

قم عش آل محمّد عليهم‌السلام

بجوار كريمة أهل البيت عليهم‌السلام

محمد سند

الحادي من ذي القعدة 1426هـ. ق.

٦

مقدّمة المؤلّف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للَّه ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على صفوة الخلق محمّد وآله الهداة المهديين، الذين اجتباهم اللَّه وجعلهم صراطه المستقيم، وارتضاهم لغيبه واختارهم لسرّه، وجعلهم خلفاء في أرضه وحججاً على بريته.

الإمامة، هي ضرورة من الضرورات الفطرية؛ ولهذا تجدها في الوجدان لدى عامّة المسلمين، وتحت ذريعة الضرورة تسارع جَمْعٌ من الناس لنصب الخليفة ومنعوا مخالفته أو الخروج عليه؛ بزعم أنّهم خلفاء وألُوا أمر الذين أمر اللَّه بطاعتهم كما أمر بطاعته وطاعة رسوله.

وبهذا الزعم انقادوا لهم واتبعوا الملوك الذين تربّعوا على العروش باسم الخلافة الإسلامية، كملوك بني أُميّة وبني العبّاس وغيرهم، الذين عاثوا بالإسلام فساداً وبالمسلمين قتلاً وتشريداً، إلى أن أوصلوا الإسلام والمسلمين إلى ما نراه الآن.

والإمامة: هي منصب الولاية في الدين والحاكمية على المسلمين. وهل الإمام هو من استطاع الوصول إلى هذه الزعامة والمنصب بأيّة طريقة كانت؟ حتى لو كان عن طريق سفك دماء المسلمين وانتهاك حرماتهم، بل وحتى لو كان انتهاك لحرمة رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله؟

وهل ضرورة الإمامة مبرِّر لذلك؟ وهل يعقل أن يلتزم بهذا القول في الإمامة غالبية الأُمّة الإسلامية؟ وفي الحقيقة أنه يترتّب على الإمامة نتائج خطيرة على مستوى العقائد وبقية أبواب الدين والأحكام الفقهية، ولا أُبالغ لك في القول، كما سيتضح ذلك من خلال المباحث الموجودة في صفحات الكتاب الذي بين يديك.

٧

والمنهج في مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام لأصل الإمامة يختلف اختلافاً جوهرياً عمّا رسمته المدارس الأخرى لهذه الحقيقة، وكذلك لصفات الإمام.

فالإمامة: هي عهد إلهي وجعل ربّاني وتنصيب منه سبحانه وتعالى. وهذا صريح الآيات والروايات، قال تعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1) ، وقال تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (2) .

والإمام له صفات ومقامات خاصّة أوّلها: أن يكون معصوماً، وهذا ما أشار إليه سبحانه وتعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (3) وقوله تعالى: ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) .

والإمامة مستمرّة وباقية لا تنقطع ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) (4) .

وقد جاءت هذه البحوث القيّمة، التي أفاضها علينا سماحة الأستاذ الشيخ محمّد سند (دامت بركاته)، لتُجلى البصائر عن تلك المقامات للنبي وأهل بيته - عليهم‌السلام -، وبيان وتأثير تلك المقامات في مسيرة الخلق إلى الحقّ والناس في هذه المسيرة، على درجات ارتفاع وانخفاض بما لديهم من معرفة تلك المقامات.

صادق الساعدي

____________________

1) سورة البقرة: 124.

2) سورة الأنبياء: 73.

3) سورة الأحزاب: 33.

4) سورة الزخرف: 28.

٨

الفصل الرابع:

الغلوّ والتقصير

٩

١٠

الفرقتان أو

الثلاث المذمومة

ورد في الكتاب العزيز والسنّة المطهّرة ذمّ الغلوّ والتقصير، وكذلك العداوة والضغينة لأصفياء اللَّه وحُجَجِه، قال تعالى:

( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ) (1) .

وقال تعالى:

( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الْحَقِّ ) (2) .

وقال تعالى - على لسان المقصّرة في معرفة أصفياء اللَّه -:

( قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ) (3) .

وقال تعالى على لسانهم:

( مَا هَذَا إلاّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ) (4) .

وأيضا:

( مَا هَذَا إلاّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ * وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ ) (5) .

وأيضا:

( فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ ) (6) .

وأيضا:

( وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً ) (7) .

فيبرز القرآن الكريم أهم العوامل الموجبة لجحود الصراط الإلهي، وهو قصور معرفة الأُمم بشخصيات الحُجج الإلهية، واقتصارهم في المعرفة على الحيثية

____________________

1) سورة المائدة: 77.

2) سورة النساء: 171.

3) سورة يس: 15.

4) سورة المؤمنون: 24.

5) سورة المؤمنون: 33 - 34.

6) سورة التغابن: 6.

7) سورة الإسراء: 94.

١١

البشرية. وقد أجاب - تعالى - عن هذا القصور بقوله:

( وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ) (1) ، أي: أنّ أصفياء اللَّه وإن كانت حقائقهم ملكية، إلاّ إنّ صورتهم ولباسهم في الخِلقة هي الصورة البشرية.

وقال تعالى - في ذمّ الفرقة الثالثة المنطوية على عداوة أصفياء اللَّه -:

( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ) (2) ، والضغينة المنهي عنها في القرآن الكريم هي في مقابل المودّة المأمور بها في كتابه العزيز: ( قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (3) .

وقال تعالى:

( أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً * فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ) (4) .

وقال تعالى على لسانهم:

( أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ) (5) ، و ( وَقَالُوا لوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) (6) .

أمّا الروايات: فقد روي في زيارته - عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف -: (الحمد للَّه الذي هدانا لهذا وعرّفنا أولياءه وأعداءه، ووفّقنا لزيارة أئمّتنا ولم يجعلنا من المعاندين الناصبين، ولا من الغلاة المفوّضين، ولا من المرتابين المقصّرين) (7) .

وفي الزيارة الجامعة: (فالراغب عنكم مارق، واللازم لكم لاحِق، والمقصّر في حقّكم

____________________

1) سورة الأنعام: 8 -9.

2) سورة محمّد: 29.

3) سورة الشورى: 23.

4) سورة النساء: 35 - 55.

5) سورة ص: 8 - 9.

6) سورة الزخرف: 31.

7) مصباح الزائر، لابن طاووس: ص 444. ط / مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام .

١٢

زاهق) (1) ، وكذلك ما ورد في الصلوات الشعبانية:

(اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد، الفلك الجارية في اللُجَج الغامرة، يأمَن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدّم لهم مارق، والمتأخّر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحِق) (2) .

وروى الكُليني أيضاً في مصحّح محمّد بن سنان، قال: (كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‌السلام فأجريت اختلاف الشيعة، فقال:

يا محمّد، إنّ اللَّه تبارك وتعالى لم يزل متفرّداً بوحدانيته، ثمّ خلق محمّداً وعليّاً وفاطمة فمكثوا ألف دهر، ثمّ خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوّض (3) أمورها إليهم، فهم يحلّون ما يشاؤن، ويحرّمون ما يشاءون ولن يشاءوا إلاّ أن يشاء اللَّه تبارك وتعالى. ثمّ قال: يا محمّد، هذه الديانة التي من تقدّمها مَرَق ومن تخلّف عنها مَحَق ومن لزمها لحق، خذها إليك يا محمّد) (4) .

قال المجلسي (5) - في شرح الحديث -: والديانةُ الاعتقادُ المتعلّق بأُصول الدين. من تقدّمها، أي: تجاوزها بالغلوّ. مَرَق، أي: خرج من الإسلام. ومن تخلّف عنها، أي: قصّر ولم يعتقدها. مَحَق، أي: أبطل دينه أو بطل. ومن لزمها واعتقد بها لحق، أي: بالأئمّة أو أدرك الحقّ. خذها إليك، أي: احفظ هذه الديانة لنفسك.

وروى المجلسي هذه الرواية عن محمّد بن سنان بطريق آخر مثل ما تقدّم، إلاّ أنّ فيها:

(وفوّض أمر الأشياء إليهم في الحكم والتصرّف والإرشاد والأمر والنهي في

____________________

1) الفقيه، ج2، ص 368، والتهذيب، ج 6، ص 97، ط / النجف الأشرف.

2) الصحيفة السجّادية.

3) ليس المراد من التفويض هنا التفويض العزلي الباطل، بمعنى عزل قدرة الباري عن الأشياء - والعياذ باللَّه - بل المراد إقدارهم، وهو تعالى أقدر منهم فيما أقدرهم عليه، نظير إيكال قبض الأرواح إلى عزرائيل، وتنزيل الوحي والعلم إلى جبرائيل، ونفخ الصور والإحياء إلى إسرافيل.

4) أُصول الكافي، ج1، ص 441.

5) البحار، ج 25، ص 342.

١٣

الخلق؛ لأنّهم الولاة، فلهم الأمر والولاية والهداية، فهم أبوابه ونوّابه وحجّابه، يحلّلون ما يشاء، ويحرّمون ما شاء، ولا يفعلون إلاّ ما شاء، عبادٌ مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. فهذه الديانة التي من تقدّمها غرق في بحر الإفراط، ومن نقّصهم عن هذه المراتب التي رتّبهم اللَّه فيها زهق في برّ التفريط، ولم يوفِ آل محمّد حقّهم فيما يجب على المؤمن من معرفتهم. ثمّ قال: خذها يا محمّد؛ فإنّها من مخزون العلم ومكنونه) (1) .

وروى المجلسي في البحار - في باب معرفتهم بالنورانية - رواية طويلة في فضائل أمير المؤمنين والأئمّة عليهم‌السلام ومقاماتهم ورتبهم، قال عليه‌السلام :

(يا سلمان، ويا جندب، قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليك. قال عليه‌السلام : من آمن بما قلت، وصدّق بما بيّنت وفسّرت وشرحت وأوضحت ونوّرت وبرهنت فهو مؤمن ممتحن، امتحن اللَّه قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام، وهو عارف مُستَبْصِر قد انتهى وبلغ وكمل، ومن شكّ وعَنَدَ وجَحَدَ ووقف وتحيّر وارتاب فهو مقصّر وناصب) (2) .

وفي صدر الرواية قال (صلوات اللَّه عليه) مخاطباً إيّاهما: (مرحباً بكما من وليّين متعاهدين، لستما بمقصّرين، إلى أن قال عليه‌السلام : إنّه لا يستكْمِل أحدٌ الإيمان حتّى يعرفني كُنه معرفتي بالنورانية، فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن اللَّه قلبه بالإيمان، وشرح صدره للإسلام، وصار عارفاً مُسْتَبْصِراً، ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاكّ ومرتاب) (3) .

وروى الشيخ الطوسي في الغيبة بطريقين (4) ، عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري، قال: (وجّه قوم من المقصرة والمفوِّضة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي

____________________

1) البحار، ج 25، ص 339، ح 21.

2) البحار، ج 26، ص 6، ح 1.

3) البحار، ج 26، ص 1.

4) الغيبة: 159 و 160.

١٤

محمّد عليه‌السلام ، قال كامل: فقلت في نفسي أسأله: لا يدخل الجنّة إلاّ من عرف معرفتي وقال بمقالتي؟. ثمّ سرد الرواية وفيها لُقياه بالإمام العسكري وتشرّفه بِلُقيا الحجّة (عج) معه. ثمّ قال (عج): وجئت تسأله عن مقالة المفوّضة؟ كذّبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيئة اللَّه، فإذا شاءَ شِئْنا، واللَّه يقول: ( وَمَا تَشَاؤُونَ إلاّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ ) (1) .. الحديث).

وفي زيارة عاشوراء المعروفة، قال عليه‌السلام تعليماً للزائر: (ولعن اللَّه أمةً دَفَعَتْكُم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم اللَّه فيها) (2) .

وروى الصفّار بسنده عن الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: (يا أبا حمزة لا تضعوا عليّاً دون ما وضَعَه اللَّه، ولا ترفعوه فوق ما رفعه اللَّه، كفى لعليّ أن يقاتل أهل الكرّة، وأن يزوّج أهل الجنّة)، وكذا رواه الصدوق في الأمالي (3) .

وروى الشيخ في الأمالي، عن الأصبغ بن نباتة، قال: (دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، حيث قال لأمير المؤمنين عليه‌السلام : وزادني أواراً وغليلاً اختصام أصحابك ببابك. قال: وفيمَ خصومتهم؟ قال: في شأنك والبليّة من قِبَلَك، فمن مفرطٍ غالٍ ومقتصدٍ قالٍ ومتردّدٍ مرتاب لا يدري أيقدم أو يحجم. قال: فحسبك يا أخا همدان، ألا أنّ خير شيعتي النمط الأوسط، إليهم يرجع الغالي، وبهم يلحق التالي.. الحديث) (4) .

وروى السيّد شرف الدين في تأويل الآيات، بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال: (قال عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام .. وإنّه ليس عبدٌ من عبيد اللَّه يُقصّر في حبّنا لخير جعله اللَّه

____________________

1) سورة الإنسان: 30.

2) مصباح المتهجّد، للشيخ الطوسي: بسنده عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن أبيه، عن الإمام الباقر عليه‌السلام .

3) بصائر الدرجات، ص 223، الأمالي للصدوق، ص284، ط / قم مؤسّسة البعثة.

4) أمالي الشيخ الطوسي: 626، ط / قم. مؤسّسة البعثة / المجلس 30.

١٥

عنده) (1) .

وروى ابن شهرآشوب في المناقب، عن الحسن بن عليّ عليهما‌السلام ، أنّه خطب الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه وتشهّد، ثمّ قال: (أيّها الناس، إنّ اللَّه اختارنا لنفسه، وارتضانا لدينه، واصطفانا على خَلْقه، وأنزل علينا كتابه ووحيه، وايْمُ اللَّه، لا ينقصنا أحدٌ من حقّنا شي‏ء إلاّ انتقصه اللَّه في عاجل دنياه وآجل آخرته) (2) . وهو يشير عليه‌السلام إلى انتقاصهم من مقاماتهم التي ذكرها عليه‌السلام .

وروى الكُليني في الموثّق عن عبد الخالق الصيقل، قال: (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول اللَّه عزّ وجلّ: ( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ) (3) فقال: لقد سألتني عن شي‏ء ما سألني أحد إلاّ من شاء اللَّه. قال: من أَمَّ هذا البيت وهو يعلم أنّه البيت الذي أمر اللَّه عزّ وجلّ به وعَرِفَنا أهل البيت حقّ معرفتنا كان آمناً في الدنيا والآخرة) (4) . ومفهوم قوله عليه‌السلام : إنّ المقصّر في معرفتهم لا يكون آمناً في الآخرة.

روى الكليني في الكافي عن ضريس الكناسي، قال: (سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول - وعنده أُناس من أصحابه -: عجبت من قومٍ يتولّونا ويجعلونا أئمّة ويصفون أنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله، ثمّ يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم بضَعْف قلوبهم، فيُنقِصونا حقّنا ويعيبون ذلك على من أعطاه اللَّه برهانَ حقٍّ معرفتنا والتسليم لأمرنا! أترون أنّ اللَّه تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ثمّ يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض...؟) (5) .

____________________

1) تأويل الآيات الظاهرة، السيد شرف الدين الحسيني الاسترابادي: ص 439، سورة الأحزاب.

2) نور الثقلين، الحويزي، ج 4، ص 474.

3) سورة آل عمران: 97.

4) الكافي ج 4، ص 545. وفي تفسير العيّاشي في ذيل الآية.

5) الكافي، ج 1، كتاب الحجّة - باب أنّ الأئمّة عليهم‌السلام يعلمون علم ما كان وما يكون.. الحديث 4، والبصائر، ص 124، و 127 الطبعة الثانية.

١٦

جدلية الغلوّ والتقصير

في قول بعض أعلام الطائفة

وسيأتي جملة عديدة من أقوال علماء الطائفة في أبواب الفصول اللاحقة حول التفويض، إلاّ أنّا سنشير إلى نبذة وجملة نافعة، منها، ما قاله الشيخ المفيد في شرح اعتقادات الصدوق عند قوله (اعتقادنا في الغلاة والمفوّضة):

وإنّ علامة المفوّضة والغلاة وأصنافهم، نسبتهم المشايخ والعلماء إلى القول بالتقصير... قال: والغلاة من المتظاهرين بالإسلام، هم الذين نسبوا أمير المؤمنين وذرّيته إلى الإلوهية والنبوّة. إلى أن قال: وأمّا نصّه (رحمه الله) - أي: الصدوق - بالغلوّ على من نسب مشايخ القمّيين وعلمائهم إلى التقصير، فليس نسبة هؤلاء القوم إلى التقصير علامة على غلوّ الناس؛ إذ في جملة المشار إليهم بالشيخوخة والعلم من كان مقصّراً، وإنّما يجب الحكم بالغلوّ على من نسب المحقّين إلى التقصير، سواء كانوا من أهل قمّ أم من غيرها من البلاد وسائر الناس.

وقد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبي جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد لم نجد لها دافعاً في التقصير، وهي ما حكي عنه أنّه قال: أوّل درجة في الغلوّ نفي السهو عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام عليه‌السلام ، فإن صحّت هذه الحكاية عنه فهو مقصّر، مع أنّه من علماء القمّيين ومشيختهم. وقد وجدنا جماعة وردوا إلينا من قم يقصرون تقصيراً ظاهراً في الدين، وينزلون الأئمّة عليهم‌السلام عن مراتبهم، ويزعمون أنّهم كانوا لا يعرفون كثيراً من

١٧

الأحكام الدينية حتّى ينكت في قلوبهم، ورأينا من يقول إنّهم كانوا يلتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون، ويدّعون مع ذلك أنّهم من العلماء، وهذا هو التقصير الذي لا شُبهة فيه، ويكفي في علامة الغلوّ نفي القائل به عن الأئمّة عليهم‌السلام سمات الحدوث، وحكمه لهم بالإلهية والقدم... ولا يحتاج مع ذلك إلى الحكم عليهم وتحقيق أمرهم بما جعله أبو جعفر (رحمه الله) سمة للغلوّ على كلّ حال (1) .

وعلّق المجلسي على قولَي الصدوق والمفيد بقوله: ولكن أفرط بعض المتكلّمين والمحدّثين في الغلوّ؛ لقصورهم عن معرفة الأئمّة عليهم‌السلام ، وعجزهم عن إدراك غرائب أحوالهم وعجائب شؤونهم، فَقَدَحوا في كثير من الرواة الثقاة لنقلهم بعض غرائب المعجزات، حتّى قال بعضهم: من الغلوّ نفي السهو عنهم، أو القول بأنّهم يعلمون بما كان وما يكون، وغير ذلك، مع أنّه قد ورد في أخبار كثيرة (لا تقولوا فينا ربّاً، وقولوا ما شئتم ولن تبلغوا) (2) .

وورد: (إنّ أمرنا صعب مستصعب؛ لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن اللَّه قلبه للإيمان).

وورد: (لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله)، وغير ذلك ممّا مرّ وسيأتي.

فلابدّ للمؤمن المتديّن، أن لا يبادر بردّ ما ورد عنهم من فضائلهم، ومعجزاتهم، ومعالي أمورهم، إلاّ إذا ثبت خلافه بضرورة الدين أو بقواطع البراهين أو بالآيات المحكمة أو بالأخبار المتواترة، كما في باب التسليم وغيره (3) .

وفي صحيحة زُرارة، قال: (دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فسألني: ما عندك من أحاديث الشيعة؟ قلت: إنّ عندي منها شيئاً كثيراً، قد هممت أن أوقد لها ناراً ثمّ أحرقها. قال: ولِمَ؟

____________________

1) تصحيح الاعتقاد: ص63 - 66.

2) سيأتي في الفصول اللاحقة تخريج مصادر هذه القاعدة الاعتقادية - المرويّة عنهم - وبيان مفادها.

3) البحار، ج25، ص 347.

١٨

هات ما أنكرت منها. فخطر على بالي الأُمور. فقال لي: ما كان علم الملائكة حيث قالت: ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ.. ) (1) .

وقال المجلسي في شرح معنى الحديث:

لعلّ زرارة كان ينكر أحاديث من فضائلهم لا يحتملها عقله، فنبّهه عليه‌السلام بقصّة الملائكة وإنكارهم فضل آدم عليهم وعدم بلوغهم إلى معرفة فضله، على أنّ نفي هذه الأُمور من قلّة المعرفة، ولا ينبغي أن يكذب المرء بما لم يُحِط به عِلمُه، بل لا بدّ أن يكون في مقام التسليم، فمع قصور الملائكة - مع علوّ شأنهم - عن معرفة آدم لا يبعد عجزك عن معرفة الأئمّة عليهم‌السلام (2) .

وقال الوحيد البهبهاني، في فوائده (3) :

اعلم، أنّ الظاهر أنّ كثيراً من القدماء - سيما القمّيين منهم والغضائري -، كانوا يعتقدون للأئمّة عليهم‌السلام منزله خاصّة من الرفعة والجلالة، ومرتبة معيّنة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم، وما كانوا يجوّزون التعدّي عنها، وكانوا يعدّون التعدّي ارتفاعاً وغلوّاً على حسب معتقدهم، حتّى أنّهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوّاً، بل ربما جعلوا مطلق التفويض إليهم، أو التفويض الذي اختُلف فيه - كما سنذكر -، أو المبالغة في معجزاتهم ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم، أو الإغراق في شأنهم وإجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقائص، وإظهار كثير قدرةٍ لهم، وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض، ارتفاعاً أو مورثاً للتهمة به، سيما بجِهة أنّ الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مدلسين، وبالجملة، الظاهر أنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأُصولية أيضاً، فربما

____________________

1) بصائر الدرجات: ص 65.

2) البحار ج 25، ص282

3) الفائدة الثانية، ج1، ص 129 - 128، من منهج المقال.

١٩

كان شي‏ء عند بعضهم فاسداً أو كفراً أو غلوّاً أو تفويضاً أو جبراً أو تشبيهاً، أو غير ذلك، وكان عند آخر ممّا يجب اعتقاده، أو لا هذا ولا ذاك.

وقال صاحب تنقيح المقال (1) ما ملخّصه:

وإنّ أكثر ما يُعدّ اليوم من ضروريات المذهب في أوصاف الأئمّة عليهم‌السلام كان القول به معدوداً في العهد السابق من الغلوّ؛ وذلك أنّ الأئمّة عليهم‌السلام حذّروا شيعتهم من القول في حقّهم بجملة من مراتبهم؛ إبعاداً لهم عمّا هو غلوّ حقيقة، فهم منعوا الشيعة من القول بجملة من شؤونهم؛ حفظاً لشؤون اللَّه جلّت عظمته، حيث كان أهمّ من حفظ شؤونهم؛ لأنّه الأصلُ وشؤونهم فرعُ شأنه، نشأت من قربهم لديه ومنزلتهم عنده، وهذا هو الجامع بين الأخبار الثمينة من الشؤون لهم والنافية لها.

____________________

(1) تنقيح المقال، الفائدة الخامسة والعشرون من المقدّمة.

٢٠