الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا0%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف: حسن محمد تقي الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 464
المشاهدات: 84017
تحميل: 8858

توضيحات:

الربا .. فقهيا واقتصاديا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84017 / تحميل: 8858
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

على ان تعطي دينارين، فتكون الزيادة في مقابل الاجل (وهو فاسد وحرام) لانه داخل في الربا حكما او موضوعا كما دلت عليه الروايات، وحينئذ الروايات المانعة تقول لايعمل هذا العمل فانه حرام، واما الروايات المجوزة فهي تقول اذا عمل هذا العمل فيثبت اقل الثمنين لابعد الاجلين (اي التمليك لاجل الزيادة باطل، اما البيع الاول الحال فهو صحيح).

وقال بعض: ان الروايات المجوزة كصحيحة محمد بن قيس وموثقة السكوني ناظرة إلى صورة تلف المبيع الذي بيع بيعين (نقدا ونسيئة) فان البيع فاسد وقد اعطى البائع إلى المشتري المبيع وقد تلف بيده، فيكون المشتري ضامنا، وحينئذ ماذا يعطي المشتري إلى البائع؟ الجواب هو: يعطي المشتري اقل الثمنين، لان الملاك في باب الضمان في القيميات هو قيمة يوم الضمان وهو الثمن الاقل ولو كان في ابعد الاجلين.

ولكن نقول: الجمعان (الثاني والثالث) لايمكن المساعدة عليهما لعدم وجود شاهد عليهما، فهما تبرعان. نعم لو كانت رواية ابي هريرة او الموقوفة المتقدمة في اول البحث معتبرة لكان شاهد جمع فيكون الجمع الثاني معتبرا، ولكن الروايتين كما ترى.

وهناك جمع. رابع: ذهب اليه السيد(١) اليزدي فقال ان الروايات المانعة مطلقة لما نهي عنه ولغيره وهو ما اذا قال بعت هذا المال إلى شهر بألف والى سنة بألفين والمشتري يقول قبلت. ولكن الروايات المجوزة التي تقول يثبت البيع بأقل الثمنين مؤجلا، هي في مورد واحد وهو بعته نقدا بكذا ونسيئة بكذا.

ولكن هذا الجمع ايضا غير صحيح لعدم الفرق بين الصورتين (الى شهر

____________________

(١) تعليقة السيد اليزدي (قده) على المكاسب ٢/١٧٧.

٨١

بكذا والى سنة بكذا) (ونقدا بكذا ونسيئة بكذا) على ان الروايات التي تنهي عن شرطين في بيع يكون القدر المتيقن منها هو (النقد والنسيئة) بالاضافة إلى ان الروايات المجوزة مطلقا لما اذا باع إلى شهر بكذا والى سنة بكذا ولا جمع عرفي بينهما.

البحث الثاني: الخروج من الربا حكما

وقد ذكر الفقهاء جملة من الموارد تكون خارجة عن حكم الربا وهي:

١ - بيع العرايا:

يقول ابن القيم «واما ربا الفضل فأبيح منه ما تدعو اليه الحاجة كالعرايا، فان ماحرم سدا للذريعة اخف مما حرم تحريم المقاصد، ثم يقول «أن تحريم ربا الفضل انما كان سدا للذريعة كما تقدم بيانه، وما حرم سدا للذريعة ابيح للمصلحة الراجحة كما ابيحت العرايا من ربا الفضل»(١) .

ومن الجدير بالذكر التنويه إلى ان فقهاء العامة غير متفقين تماما على حكم بيع العرايا، بل وعلى تحديد موضوعها، فقد قال مالك بالجواز «وقال الشافعي يجوز بيع العرايا وهو بيع التمر على رؤوس النخل خرصا بمثله من التمر كيلا، ويجوز فيما دون خمسة(٢) اوسق قولا واحدا وفي خمسة اوسق على قولين، وفيما زاد على خمسة اوسق لايجوز، واختلف قوله فقال في الام الغني والفقير

____________________

(١) اعلام الموقعين ٢/١٤٠ و١٤٢.

(٢) الوسق ستون صاعا، والصاع تسعة ارطال بالعراقي، فيكون خمسة اوسق تساوى الفين وسبعمائة رطل بالعراقي، وبالمعيار المعمول في هذا العصر على ما حسبوه تساوي ثمانمائة وسبعة واربعين كيلوغراما.

٨٢

والمحتاج سواء، وقال في اختلاف الاحاديث والاملاء ولاتجوز الا للفقير وهو اختيار المزني. وقال ابو حنيفة لايجوز ذلك في القليل والكثير وهو ربا»(١) . واحتج له مقلدوه بماصح من طريق عمر «نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن المزابنة، المزابنة ان يباع ما في رؤوس النخل من ثمر بتمر مسمى بكيل ان زاد فلي وان نقص فعلي»(٢) وغيرها.

ونحن نقول: انه لاحاجة لهم في ذلك، اذ ان المزابنة التي ذكر النهي عنها لاينكرها احد من العامة، واما الكلام في حلية العرايا التي نقلت بالتواتر عندهم، والعجب من ابي حنيفة تحريمه بيع العرية الذي جاء به نص بالجواز كما سيأتي، وتحليله مالم يرد فيه نص من بيع الجوز على رؤوس اشجاره بالجوز المجموع(٣) .

واما النصوص التي يستند اليها في حلية العرايا فكثيرة منها ماروي من طريق «ابن أبي شيبة عن ابن المبارك عن عثمان بن حكيم عن عطاء عن ابن عباس قال: الثمر بالتمر على رؤوس النخل مكايلة ان كان بينهما دينار او عشرة دراهم فلا بأس به، وهذا خبر صحيح»(٤) «وروينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رخص لصاحب العرية ان يبيعها بخرصها من التمر»(٥) . وعن الشافعي «العرية ان يأتي أوان الرطب وهناك قوم فقراء لا مال لهم، ويريدون ابتياع رطب يأكلونه مع الناس ولهم فضول تمر من اقواتهم فأبيح لهم ان يشتروا الرطب بخرصها من التمر فيما دون خمسة او أوسق نقدا»(٦) .

ومن مجموع هذه الاقوال التي تقدمت، نشاهد عدم الاتفاق على معنى محدد

____________________

(١) الخلاف ١/٢٠٩ طبعة طهران.

(٢) المحلى ٨/٤٥٩ طبعة بيروت.

(٣،٤، ٥،٦) نفس المصدر المتقدم ٤٠ - ٤٦١ - ٤٦٤ - ٤٦٢.

٨٣

للعرية، بل للمزابنة عند ابناء العامة، فقد ذكر قسم منهم كما ذكرت الروايات بأن العرية هي عبارة عن بيع الرطب على النخلة بتمر منها، ولكن ذكر الشافعي معنى اخر للعرية لانعلم ما هو دليله عليه، فقد ذكر ان معناها هو شراء الرطب الذي على النخلة بتمر على الارض.

وفيما نرى ان المزابنة هي الاصل في التحريم، ومعناها ما تقدم ذكره في الروايات، واما العرية فهي الاستثناء الذي حلل وهي مخصوصة بالنخلة او النخلتين او فيما دون خمسة اوسق كما ذكرت ذلك الروايات. وبعبارة اوضح ان التعارض الذي نشأ من تحريم بيع المزابنة وتحليل بيع العرايا مرفوع بنفس الفاظ الاحاديث حيث ان النهي عن بيع المزابنة عام يشمل كل رطب على النخلة اذا بيع بالتمر اما الجواز في العرايا فهو مخصوص ببيع الرطب على النخلة او النخلتين، اذا اراد من لامال له شراءه او اذا اراد الضعيف شراءه فقد جوز الشارع له الشراء فيما دون خمسة اوسق بتمر منها، فيكون العام مرادا به غير هذه الصورة، وهذا جمع عرفي، وبهذا نعرف ان المزابنة هو بيع الثمر على النخل بتمر منها(١) .

ويتبين مما تقدم ان جواز التفاضل بين الرطب والتمر في بيع العرايا انما هو للنص الذي ورد عندهم كالمتواتر لا للحاجة كما قال ابن القيم، فان الحاجة اذا قال بها نص اخذنا بها والا فلا، ولسنا بحاجة إلى دليل يدل على حرمة كثير من الحاجات عند الناس. على ان الحاجة التي قيل بها غير محدودة وغير معلومة. نعم اذا كانت الحاجة بمعنى الضرورة التي تبيح اكل الميتة وشرب الدم، فانها لاتختص في العرايا، بل تسري في جميع الافعال المحرمة، ولكننا نقطع بعدم ارادة الضرورة من الحاجة هنا، اذ يمكن ان تؤدي هذه الحاجة ببيع التمر بغير التمر والرطب، ثم يشتري بالثمن رطبا. وهذا وان كانت فيه كلفة كما في كل شيء يريد الانسان تحقيقة الا انه لم

____________________

(١) وسيأتي تفصيل ذلك في البحث عن المزابنة والعرايا عند الامامية.

٨٤

يصل إلى مرحلة الضرورة التي تبيح المحظور.

كما اننا الان لسنا بصدد التحقيق في علة المنع من بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر منها، والا لاثبتنا ان العلة ليست هي الربا، وانما هي اتحاد الثمن والمثمن كما سيأتي تحقيقه عند بحث الربا عند الامامية.

٢ - بيع المصوغ:

وقد ذكر العامة ان الحاجة تدعو إلى اباحة التفاضل، فيجوز بيع الصياغة المباحة كخاتم الفضة، وحلية النساء بفضة او ذهب من مثلها متفاضلا، والفضل في نظير الصياغة. ويقول ابن القيم «ان كانت الصياغة مباحة كخاتم الفضة وحلية النساء وما ابيع من حلية النساء وغيرها، فالعاقل لايبيع هذه بوزنها من جنسها، فانه سفه واضاعة للصنعة. والشارع احكم من ان يلزم الامة بذلك، فالشريعة لا تأتي به ولا تأتي بالمنع من بيع ذلك وشرائه لحاجة الناس عليه، فلم يبق الا ان يقال لايجوز بيعها بجنسها البتة، بل بيعها بجنس آخر، وفي هذا من الحرج والعسر والمشقة ما تنفيه الشريعة»(١) .

وبعد ان ذكر السنهوري كلام ابن القيم في الجواز قال «وقد جوز الشارع بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب، واين هذا من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه. فلم يبق الا جواز بيعه كما تباع السلع... »(٢) .

ولاندري لماذا لم يقل ابن القيم ان العاقل لايبيع الحنطة الرديئة بالحنطة الجيدة من دون تفاضل، فانة سفه واضاعة للجودة. والشارع احكم من ان يلزم الامة بذلك، فالشريعة لا تأتي به ولاتأتي بالمنع من بيع ذلك وشرائه لحاجة الناس اليه...

____________________

(١) اعلام الموقفين ٢/١٤٠ - ١٤١.

(٢) مصادر الحق ٣/٢١٢.

٨٥

الخ، فان منهجه الذي سلكه يلزمه ان يقول هذا ايضا، ولايحدث أي شيء زائد على مافعله هنا، اذ كل ما فعله هنا مخالفة النص الصريح. فلتكن مخالفة النص في موردين، احدهما هنا والاخر في بيع الحنطة الرديئة بالحنطة الجيدة متفاضلا.

ثم اننا لانرى توجيها لهذا المسلك من اباحة بيع المصوغ بجنسه متفاضلا الا ان يقصد من الحاجة الضرورة التي تبيح المحظور، والا كيف يفتي بالجواز مع وجود نصوص صريحة في حرمة هذه المعاملة يرويها ابناء العامة انفسهم؟! فقد اخرج مسلم وغيره القصة التي وقعت بين عبادة ومعاوية عن ابي الاشعث انه قال «غزونا غزاة وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة فكان مما غنما آنية من فضة فأمر معاوية رجلا ببيعها في اعطيات الناس، فتنازع الناس في ذلك، فبلغ عبادة ابن الصامت ذلك فقام فقال: اني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبربالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح الا سواء بسواء عينا بعين ومن زاد او ازداد فقد اربى، فرد الناس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا فقال: الامابال رجال يتحدثون عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله احاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه، فقام عبادة بن الصامت فاعاد القصة ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وان كره معاوية - او قال وان رغم - ما ابالي الا اصحبه في جنده في ليلة سوداء»(١) قال حماد هذا او نحوه.

وعن عطا بن بشار: ان معاوية بن ابي سفيان باع سقاية من ذهب او ورق باكثر من وزنها، فقال ابو الدرداء: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينهى عن مثل

____________________

(١) تفسير القرطبي ٣/٣٤٩ - ٣٥٠ ونظرية الربا المحرم ص١٠٢.

٨٦

هذا الامثلا بمثل، فقال له معاوية: ما ارى بمثل هذا بأسا. فقال ابو الدرداء من يعذرني عن معاوية؟ انا اخبره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يخبرني عن رأيه لا اساكنك بأرض كنت بها، ثم قدم ابو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر له ذلك، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية ان لاتبع ذلك الا مثلا بمثل ووزنا بوزن»(١) .

ومن هذه المحاورات نفهم ان النهي الذي ورد على لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مطلق شامل لمنع بيع الذهب بالذهب مع التفاضل سواء كان احدهما عمله حلالا او حراما، فلا وجه للتفصيل الذي ذكره ابن القيم(٢) بين المصوغ اذا كان حلالا فيجوز بيعه بجنسه متفاضلا وبين المصوغ اذا كان حراما فلايجوز، والا لاحتج معاوية بهذا.

ثم بالنظر إلى هذه الروايات، فان كان المقصود من الحاجة التي تبيح هذه المعاملة هي الضرورة، فلا ضرورة هنا، اذ يمكنه ان يبيع المصوغ بشيء من غير جنسه، ثم يشتري بذلك الشيء ذهبا او فضة. نعم نحن لاننكر ان يكون في هذا العمل كلفة، الا انها لاتصل إلى مرحلة الضرورة التي تبيح المحرمات.

ومع غض النظر عن هذه الروايات المصرحة بعدم الجواز، فانه يكفينا عمومات النهي عن الربا للردع عن هذه المعاملة، اذ ان الاصل في المعاملات الربوية هو الحرمة، فاذا شككنا ان هذه المعاملة الربوية هل جوزها الشارع عند الحاجة؟ فالاصل هو التحريم.

وفيما ارى ان النهج الذي سلكه ابن القيم والسنهوري مع وجود هذه الروايات واعراضهم عنها هو امتداد للنهج الذي كان موجودا سابقا عند البعض واعرضوا

____________________

(١) جامع الاصول ١/٤٦٨.

(٢) اعلام الموقعين ٢/١٤٠.

٨٧

عنه، وهو النهج القائل باخضاع الاحكام الشرعية إلى عقل الانسان، فما وافق العقل اخذبه وماخالفه طرح كما فعل ذلك ابليس حيث اخضع حكم الله بالسجود لادم إلى عقله فرآه مخالفا له حيث انه خلق من نار وان ادم خلق من طين، فكيف يسجد له؟.

وهذا هو احد معاني القياس التي نودي بها كحجة على الحكم الشرعي، ولذا جاء في الرواية ان اول من قاس برأيه ابليس، وان السنة اذا قيست محق الدين، فكأن ابن القيم والسنهوري اخضعا الراويات لعقلهما فرأيا انها مخالفة للعقل فطرحاها وقالا بحلية بيع المصوغ من الذهب بالذهب متفاضلا كما تقدم. ولكن ننبه إلى ان هذا المعنى من القياس اعرضوا عنه وقالوا بالقياس المتعارف عندهم اليوم كحجة على الحكم الشرعي(١) .

ولعل السنهوري يقصد الاستدلال به حيث يريد قياس حاجة بيع المصوغ على حاجة بيع العرايا، وهو انما يصار اليه - على مسلكهم - في صورة عدم وجود نص في المورد، بالاضافة إلى ان القياس الذي يريد الاستدلال به غير تام، اذ ان الاصل الذي يريد ان يسري الحكم منه إلى الفرع هو مورد الكلام، اذ من قال ان بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب حتى تكون الحاجة إلى بيع المصوغ مثلها حكما؟! ولكن الظاهر من كلام السنهوري انه يريد الاستدلال بقياس الاولوية حيث يقول «واين هذا من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه، فلم يبق الاجواز بيعه كما تباع السلع...».

وهو لايتم ايضا على مسلك من لم يعمل بالعلة الا اذا كانت منصوصة من قبل الشارع، لان اباحة بيع «الرطب بالتمر» العرايا لم تذكر علته من قبل الشارع المقدس، واما فقهاء العامة الذين يكتفون بالعلة المستنبطة فيتم القياس

____________________

(١) للتوسع يراجع كتاب الاصول العامة للفقه المقارن ص٣٠١ - ٣٠٧.

٨٨

عندهم، ولذا فقد ذكروا له عللا كدفع مشقة الانتظار إلى ان يصبح الرطب تمرا، او من اجل طعام الاولاد رطبا او غير ذلك» الا ان هذه العلل لاتخرج عن كونها محتملة فلايمكن الاعتماد عليها.

وحينئذ لايمكن اجراء قياس الاولوية لعدم احراز علة التجويز في بيع المصوغ على مسلكنا. هذا بالاضافة إلى امكان بيع المصوغ باكثر من قيمته، فيحصل على ثمن الهيئة التي بذل في مقابلها عمل ولكن لابالطريقة الربوية، وانما ببيع المصوغ بالتمر، ثم يشتري بالتمر الذهب الذي اراده في مقابل المصوغ فلا يصح حصر السنهوري «فلم يبق الاجواز بيعه كما تباع السلع». هذه هي اهم الاشكالات علىكلام السنهوري وقد اعرضنا عن اشكالات اخرى كفساد بعض المقدمات في كلامه.

٣ - بيع مادخلته الصنعة بوجه عام:

وقد اجيز هذا قياسا على جواز بيع المصوغ بجنسه متفاضلا متى اقامت الحاجة إلى ذلك. وملخص كلامهم هو ان الصنعة اذا دخلت على شيء تخرجه من جنسه كما عن ابي حنيفة، وقال الشافعي لاتخرجه عن جنسه (فالصنعة لها قيمة كما يقول ابن القيم، فلاتضيع على صاحبها)(١) .

ويرد على هذا الكلام ماتقدم من انهم يقولون بجاوزه عند الحاجة او قياسا أي انه ربا موضوعا الا انه لايشمله حكم الربا للحاجة مثلا، بينما نرى دليل ابي حنيفة يحاول اخراج هذه المعاملة عن الربا موضوعا. واما الشافعي فهو لايخرجه عن الربا موضوعا.

واما السنهوري فهو يقول شيئا لايلزم منه الحكم بالحلية والجواز، اذ يقول

____________________

(١) مصادر الحق/ السنهوري٣/٢١٥.

٨٩

«ان الصنعة لها قيمة، فلا تضيع على صاحبها» وهذا لايلزم منه الكم بحلية مادخلته الصنعة بجنسه متفاضلا، اذ يمكن قبول كلام السنهوري مع تحريم هذه المعاملة للنصوص الشرعية، وحينئذ نبيع ما دخلته الصنعة بغير جنسه، ثم نشتري بهذا الجنس الجديد مقدار الجنس الذي كنا نريده في مقابل الجنس الذي دخلته الصنعة، وبهذا نكون قد عملنا بالنصوص وبقولنا ان الصنعة لها قيمة فلاتفوت على صاحبها. هذا بالاضافة إلى عدم قبولنا الحكم في الاصل (وهو جواز بيع المصوغ) فعدم قبولنا له في الفرع بالاولوية.

٤ - بيع الدراهم والدنانير المسكوكة:

قال بعضهم ما ملخصه، انه يجوز ان يشتري التاجر الدراهم والدنانير المسكوكة بالورق مع التفاضل، والفاضل اجرة السكة، ولايكلف الانتظار إلى ان يسك له ورقة فيفوته السوق، وهذه حاجة قد قامت تبرر التفاضل في بيع الدراهم المسكوكة حتى لاتفوت مصلحة راجحة. وهذا ايضا كسابقيه، بالاضافة إلى ان النهي الوارد عن بيع الذهب بالذهب وعن الفضة بالفضة مطلق يشمل هذه المعاملة، خصوصا مع ادعاء العامة بانه ربا اجيز عند الحاجة، بخلا ما اذا قلنا انه خارج عن الربا موضوعا، فلا تشمله روايات النهي.

الخاتمة:

وبعد ان تكلمنا عن الربا عند العامة بفصوله الاربعة المتقدمة، ورأينا وجود تيار يحاول تحليل الربا، وتخصيصه حرمته بالربا الجاهلي فقط، كما رأينا ما يروى عن عمر «ان آية الربا من آخر ما نزل من القرآن، وان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض قبل أن يبينه لنا، فدعوا الربا والريبة» (لقد خفت ان نكون قد زدنا

٩٠

في الربا عشرة اضعافه بمخافته) او يقول «تركنا تسعة اعشار الحلال مخافة الربا»(١) .

ولاادري كيف يترك الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله امته في حيرة من امرها بالنسبة إلى احكام الله تعالى، ولم يبين لها حكم الربا؟! فان هذا امر لايستقيم لمثل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الا ان يكون قد عهد لفرد من افراد الامة بموجب نص الهي يبين الاحكام التي بقيت من دون بيان كما يقول عمر «وددت لو ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عهد الينا فيهن عهدا ينتهي اليه، الجد والكلالة وابواب من الربا» وان لم يكن قد عهد«وهو المعصوم» فلايمكن ان يترك الربا من دون بيان احكامه كاملة. وبما ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد مات ولم يبين لنا احكام الربا وكذلك الجد والكلالة كما يقول عمر فلابد من عهد عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى فرد منصوص عليه من السماء لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله «لاينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى». وهذا دليل اخر نضيفه إلى الادلة الكثيرة على النص الالهي للخلافة اذا قبلنا كلام عمر.

واذا لم نرتض هذا القول فمعنى ذلك ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد ترك امته من دون بيان لبعض احكامها، وهذا لايمكن ان ينسب إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله «الذي اكمل الدين ورضي الاسلام دينا للبشرية» فضلا عن صدوره منه. ولو قدمنا ما قدمه الله بالنص، واخرنا ما أخره الله لما اصبحنا كما يقول عمر «انا والله لاندري لعلنا نأمركم بامور لاتصلح لكم، ولعلنا ننهاكم عن امور تصلح لكم».

هذا، ولكن القول بأن اخر ما نزل من القرآن هو آية الربا، غير صحيح كما ذكر ذلك ابن ابي كعب وسعيد بن جبير والحسن وقتادة بأن آخر آية نزلت من القرآن ولم ينزل بعدها شيء هي آية (فان تولوا فقل حسبي الله لا اله الا هو

____________________

(١) المحلى ٨/٤٧٧.

٩١

عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)(١) .

ثم اننا والعامة الذين يدعون رحيل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من دون بيان احكام الربا كاملة، لابد لنا - طلبا للحق - ان نرجع إلى من يدعي بأن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد عهد بالنص إلى من يخلفه لنرى تحديد الربا وحكمه عندهم، فان كان دليلهم يمكن الاعتماد عليه اخذنا به، والاّ فلا يمكننا الرجوع اليه ايضا.

والى هنا انتهى الحديث عن الربا عند العامة، وسوف نبحث الربا عند الامامية ان شاء الله تعالى.

____________________

(١) التبيان/للشيخ الطوسي١/٨٦٩.

٩٢

الباب الثاني : الربا عند الإمامية

وسوف نتكلم في هذا الباب عن فصول أربعة مع مقدمة تمهيدية، وهي:

الفصل الاول: يشتمل على الربا في المعاوضات، ونتعرض فيه الى الصرف بما يتصل بالمقام.

الفصل الثاني: نتكلم فيه عن الربا في القرض.

الفصل الثالث: نتكلم فيه عن الخروج الموضوعي والحكمي للربا.

الفصل الرابع: نتكلم فيه عن مسائل متفرقة مرتبطة بالبحث.

٩٣

تمهيد

ولابأس لنا بذكر مقدمة تمهيدية قبل الدخول في بحث الربا المعاوضي والقرضي، لنكون على بينة من بعض الامور، وهي:

١- ان الآيات القرآنية التي تقدم ذكرها «في الفصل الاول من الربا عند العامة» هي تعتبر كقانون عام عرضه الشارع حول نظرته عن الربا: فبين تحريمه وقبحه، وهدد مرتكبيه باشد التهديد والوعيد، اذن كل ما صدق عليه عنوان الربا فهو حرام على نحو القضية الحقيقية. نعم تعرضت السنة النبوية والولوية للتوسع تارة وللتضييق اخرى، وحينئذ يكون المراد الجدي من الربا شاملا لما تكفلت السنة ببيانه، وتوضيح ذلك: ان الآيات القرآنية مطلقة في تحريم الربا(١)

____________________

(١) قد يقال ان المراد من «أحل الله البيع وحرم الربا» هو الحلية الوضعية والحرمة التي هي حرمة تملك الزيادة التي هي ربا، فهي ناظرة الى ان تملك الزيادة فاسد كما في قوله تعالى (لاتأكلوا اموالكم بينكم بالباطل).

واما الحرمة التكليفية لانشاء المعاملة الربوية فهي مستفادة من قوله تعالى (وذروا ما بقي من الربا ان

كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله)اذ الاذن بالمحاربة مع الله والرسول يدل على ان غير المتجنب من الربا قد فعل فعلا حراما اوجب الاذن بالمحاربة، لافقط فساد تملك الزيادة. ولكن يرد عليه: اولا ان ظاهر التحريم هو التكليفي كما في قوله تعالى (قل لا اجد فيما اوحى الى محرما على طاعة يطعمه.. )، فان اسناد التحريم الى الفعل ظاهر في التكليف، نعم نسبة الحرمة الى الاعيان قيل انها مجملة ك-«حرمت عليكم امهاتكم».

واما قوله «لاتأكلوا» فهي ايضا تكليف وان كان يلزم منه الوضع والفساد ايضا، وعلى تقديم التسليم فلايقاس «لاتأكلوا» الذي هو نهي على مادة التحريم. وثانيا: لو كان «حرم الربا» ظاهرا في الفساد فمن اين اثبت ان الفساد في الزيادة لا في الاصل؟ بل ان هذا يتوقف على البحث في هذه الجهة. وثالثا: اذا الغينا ظهور «حرم الربا» في التكليف يلزم الا نأخذ بدلالة «ذروا» لانه محتمل الكراهة، والمحاربة ايضا لاتدل علىالحرمة الا بالاطلاق لقوله «فان لم تفلعوا» الشامل للمستحل ولغيره، ومع الاغماض عن الاطلاق لادافع لاحتمال أن يكون الربا محاربة مع قيد الاستحلال لا نفس العمل وحده. وعلى كل حال: فان الحرمة المستفادة من الآية القرآنية، وبقية الآيات مطلقة تشمل حتى انشاء المعاملة الربوية.

واما الروايات التي وردت في لعن آكل الربا وفاعله وكاتبه ومنشئه تدل على حرمة الانشاء للمعاملة ايضا.

٩٤

ونحن نأخذ باطلاقها وان كان مورد نزولها خاصا، لان المورد لايخصص الوارد، فهي تشمل كل ما كان ربا بالمعنى اللغوي، وتشمل ايضا ماحكم الشارع بأنه ربا فيكون حراما، وبذلك يكون الربا شاملا لما بينته السنة باعتبار انها تحقق العنوان فينطبق الحكم عليه قهرا.

ولانرى حاجة لان نسلك ماسلكه ابناء العامة من البحث عن الربا في القرآن والبحث عن الربا في السنة منفصلا كلا على حدة، مادام الامامية يعتبرون القرآن

٩٥

والسنة كلاهما مصدرا للتشريع، والفقيه يبحث عن الحكم الشرعي(١) سواء كان مصدر تشريعه القرآن او السنة.

٢- قد ذكرت جملة من الروايات ان الربا من الكبائر(٢) وحرمتها واضحة ضرورية، فاذا ضممنا الى آية الربا القائلة (وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين، فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون)(٣) الآية القائلة (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم)(٤) ينتظم لنا دليل منطقي يحكم بقتل آكل الربا في الجملة في بعض الاحوال، هذا بالاضافة الى الروايات الصريحة في الباب، ويمكن وضع الدليل المنطقي المستخرج من الايتين بهذا الشكل:

فان لم تذراو ما بقي من الربا فأذنوا بحرب من الله ورسوله.

الذين يحاربون الله ورسوله... ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم... الخ فالنتيجة هي: فان لم تذراو ما بقي من الربا فأذنوا بالقتل او الصلب او تقطيع الايدي والارجل. وهذا الاستدلال المنطقي انما يكون صحيحا لو قلنا ان الاذن بمحارب الله والرسول هي نفس محاربة الله والرسول، ولم نقل بخصوصية شهر السلاح لاخافة الناس والسعي في الارض فسادا في آية (الذين يحاربون

____________________

(١) ويبحث ايضا عن بعض الموضوعات المستنبطة كالصعيد والكنز والمفازة والوطن وماشابه ذلك.

(٢) وسائل الشيعة ج١١ حديث١و٢ من باب ٤٦ من ابواب جهاد النفس ص٢٥٢.

(٣) سورة البقرة: ٢٧٨ و٢٧٩.

(٤) سورة المائدة: ٣٣.

٩٦

الله ورسوله) وفي كلا الامرين توقف، اذن يبقى عندنا الروايات التي تدل على قتل آكل الربا وسوف يأتي البحث في دلالتها على ذلك.

٣- انما يؤخذ بالروايات الواردة عن اهل البيتعليهم‌السلام اذا كان سندها معتبرا وصحيحا وهي انما تكون حجة عند الامامية لما يرونه من عصمة الائمة (ع) كالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع فرق بينهما من ناحية نزول الوحي على النبي دون الامام. واما من لم يعتقد عصمتهم من ابناء العامة، فأيضا يلزمهم الاخذ بها اذا كان رجال السند ثقات، حيث ثبت عن الائمة(ع) قولهم ان ما نقوله هو عن آبائنا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرائيل عن الله عز وجل، فاذا صحت هذه الروايات فيجب الاخذ بأقوالهم.

ونحن اختصارا عن ذكر كل سند الرواية الى الامام (ع) نذكر الراوي عن الامام فقط ورأينا في الرواية، ونذكر المصدر الذي نقلنا عنه الرواية، فمن اراد ان يعرف ويحقق السند من مجتهدي ابناء العامة او غيرهم فما عليهم الا الرجوع الى المصدر لمعرفة رجال السند١.

٤- ثم ان هذه الروايات اكدت القانون العام الذي ذكره القرآن الكريم، وهي على طوائف قد وردت من الجانبين: منها ما عمل عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: درهم ربا اعظم عند الله من سبعين زنية كلها بذات

____________________

(١) ننبه الى ان اكثر الروايات الموجودة في المصادر التي نذكرها لم يذكر فيها جميع سلسله السند، وانما تروى الرواية من قبل الشيخ الطوسي عن شخص، ولكن بينهما اشخاصا ذكرهم في كتاب آخر، فينبغي لمن اراد ان يعرف صحة السند من البحث عن الاشخاص الذين هم بين الراوي الاول كالشيخ الطوسي والكليني والصدوق مثلا وبين الرجال الموجودين في كتاب الوسائل مثلا.

٩٧

محرم في بيت الله الحرم(١) . ولاحاجة لعرضها اذ هي متواترة معنى على الاقل(٢) .

ومع هذا قد يدعى ان التهديد قد جاء على سبيل المبالغة والمجاز، ويستدل له بعدم تشريع الحد على المرابي والرابي، بينما شرع الحد على الزاني والزانية في الشريعة، وباختلاف الروايات في بيان اشديته من الزنا.

ولكن يمكن ان يجاب: بأن الروايات تدل على ثبوت قتل آكل الربا في الجملة في بعض الاحوال (كما اذا كان مستحلا له على تفصيل يأتي ان شاء الله تعالى) وقد افتى بذلك من القدماء الشيخ المفيد وابن ادريس ومن المتأخرين جمع كثير من العلماء كما سيأتي. اذن لم يثبت ان الربا بجميع اقسامه ليس عليه حد، ولكن يمكن القول بأن قتل آكل الربا هو لاستحلاله، أي لانكاره ضرورة من ضرورات الاسلام ولا ربط له بالتحريم والاشدية، وحينئذ يكون الحد لا لاكل الربا وانما لانكاره الضروري.

نعم لم يدل على وجود ملازمة بين اشدية الجرم وبين تشريع حد عليه، بل لعل العكس هو الصحيح في بعض الموارد كما هو الظاهر من الآية القرآنية الكريمة (يا ايها الذين آمنوا لاتقتلوا الصيد وانتم حرم، ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم، يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة او كفارة طعام مساكين او عدل ذلك صياما ليذوق وبال امره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم والله منه الله عزيز ذو انتقام)(٣) فهي متكفلة لثبوت الكفارة.

وبما ان الكفارة والحد جزاء على المكلف لردعه عن المخالفة فلايفرق الامر من هذه الناحية، ولذا نجد كثيرا من الاحكام المتفق على اشديتها لم يشرع

____________________

(١،٢) وسائل الشيعةج١٢/ باب (١و٢) من ابواب الربا، حديث١: ص٤٢٢ - ٤٢٨.

(٣) سورة المائدة: ٩٥.

٩٨

الحد عليها (كترك الصلاة) ومعنى هذا ان الحد على شيء يعني ان الجرم قابل للتخفيف بالحد او بالكفارة، وما لم يذكر له حد او كفارة، فمعناه انه جرم غير قابل للتخفيف. وليس هذا الكلام قاعدة عامة وانما المقصود منه عدم وجود ملازمة بين اشدية الذنب ووضع كفارة او حد عليه، على ان العقوبة قد تكون على اساس نكات موضوعية اجتماعية.

واما اختلاف الروايات فهو طبيعي باعتبار اختلاف اقسام الربا واشخاصه وازمانه والاصرار عليه، واستحلاله وعدمه، وما الى ذلك من خصوصيات كثيرة تجعل الربا يختلف عقابه باختلافها.

٥- ثم ان الاجماع قد انعقد علىحرمة الربا في الجملة، وقد حكى الشيخ الطوسي اجماع المؤمنين، بل المسلمين على الحرمة. نعم خالف بعض الصحابة في بعض اقسامه، منهم ابن عباس، ولكنهم رجعوا عن قولهم «لا ربا الا في النسيئة» - كما تقدم - ومنهم معاوية الذي لايعتنى بقوله وروايته، فقد كان يقول ان التحريم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الدينار المضروب والدرهم المضروب لافي التبر من الذهب والفضة ولا في المصوغ بالمضروب.

وعلى هذا فيمكن ان يدعى الاجماع من جميع الامة الاسلامية على الحرمة في الجملة، اذ هي معلومة عند جميع المسلمين كمعلومية وجوب الصلاة والصيام بل عند غير المسلمين ايضا، وحينئذ ليس من الجزاف اعتبار حرمة الربا من الضروريات التي يكون لمنكرها الكفر والقتل كما صرحت بذلك الروايات.

٦- ثم لايخفى ان التحريم الوارد في الربا ارشاد الى بطلان المعاملة ايضا، والوجه في ذلك قوله تعالى (احل الله البيع وحرم الرب)فانه يرشدنا الى بطلان المعاملة المستفاد من مقابلته لصحة البيع، اذ ان احل الله البيع معناه تجويزه

٩٩

تكليفا ووضعا(١) ، فالحرمة التي تكون في مقابله معناها منعه تكليفا ووضعا، وهذا هو المستظهر عرفا من المقابلة في الاية الكريمة. ثم ان الاخبار الكثيرة الواردة في ان الربا اعظم من الزنا وان الاخذ للربا والمعطي والشهود كلهم في النار تدل على الحرمة التكليفية ايضا. وقد ذكر الشيخ الانصاري (قده) ان الربا هو الجامع بين أكل المال بالباطل وبين ارتكاب الموبقة، وهذا هو المستفاد من الروايات كما تقدم.

هل المعاملة الربوية فاسدة مطلقا او يفسد منها خصوص الزيادة؟

وبعد ان قلنا ان المعاملة الربوية محرمة وباطلة، ولكن هل البطلان للمعاملة كلها او لخصوص الزيادة؟ وانما يأتي هذا التساؤل لان الحرمة للمعاملة لاتستبطن ابطالها، وحينئذ البطلان الذي استفدناه من مقابلة الحرمة للحل ما هو حده؟.

وللجواب على هذا التساؤل يجب علينا النظر الى الروايات التي تقول «لعن الله بائعه ومشتريه» او الى الرواية التي يسأل فيها الامامعليه‌السلام عن معاملة ليست بربوية فيقول لا بأس، ومعناه وجود البأس في المعاملة الربوية. ومن هذه النصوص يفهم العرف ان اصل المعاملة باطلة حيث ان البأس او اللعن قد توجه الى نفس المعاملة.

ويرد على هذا ان لعن البائع لايدل على كون المحرم هو البيع، وكذلك البأس فانه من غير الواضح انه راجع الى نفس المعاملة، اذن لابدلنا من التحقيق في معرفة معنى الربا الذي توجه البأس له لنرى ما هو معناه؟ والجواب: عند استعراض الايات القرآنية والروايات الواردة في الباب يعلم ان المراد من الربا

____________________

(١) حتى لو جعلنا الحكم الوضعي منتزعا عن الحكم التكليفي، فيدل على التكليف ثم الوضع.

١٠٠