الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا16%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 86562 / تحميل: 9568
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

المحرم هو معناه اللغوي الذي هو مطلق الزيادة المأخوذة بلا مقابل ضمن شروط وقيود خاصة في المعاملة وفي القرض، ورواية الصدوق(١) باسناده عن محمد ابن سنان ان علي بن موسى الرضا (ع) كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله «... لان الانسان اذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما وثمن الاخر باطلا، فبيع الربا وشراؤه وكس على كل حال...» تدل على ان مراد الشارع من حرمة الربا حرمة الزيادة.

وبعد ان عرفنا ذلك فان الزيادة مرة تدخل المعاملة على نحو الجزء ومرة تدخلها على نحو الشرط.

فعلى الاول : كما اذا باع منا من الحنطة بمنين منها، فالزيادة هنا ليست متميزة عن رأس المال حيث ان كل حبة مقابل حبتين فتبطل المعاملة من اساسها. بل يمكن استناد الفساد - كما عن الجواهر - الى قاعدة تبعية العقود للقصود، ضرورة ان البائع والمشتري انما بذل المثل في مقابلة المثلين، فان لم يتم له بطل العقد، وليس هذا كبيع الشاة والخنزير التي يبطل من الثمن ماقابله، فيبقى الاخر بما قابله منه، لان البطلان في الزيادة هنا بلا مقابل (اي وصف الجودة وغيرها لايقابل عرفا بالمال١، وانما يوجب زيادةفي القيمة) وهو امر غير مقصود للمتعاملين، فلو صح العقد وقع ما لم يقصد وما قصد لم يقع كما هو واضح(٢) .

وعلى الثاني : وهو ما اذا كانت الزيادة بنحو الشرط، فيمكننا ان نقول بفساد المعاملة ايضا اذا كان يتحقق منه عنوان الزيادة في الربويين فيكون حاله حال الجزء، ولذلك فأن اشتراط الاجل في احد المتماثلين ربا. وبعبارة اخرى: ان الشرط الفاسد اذا كان وجوده مخلا لشرائط صحة المعاملة فهو فاسد ويفسد العقد ايضا

____________________

(١) الوسائل ج١٢ رواية (١١) ص٤٢٥.

(٢) جواهر الكلام ٢٣/٣٣٥.

١٠١

بلا خلاف لعدم شموله باطلاقات صحة البيع، واما اذا كان دخوله غير مخل بشرائط الصحة فهو يفسد فقط وتشمل العقد اطلاقات صحته(١) .

ومن نافلة القول بأن كل الشروط التي نشترطها (غير مامثلنا به الذي لايخل بشرائط الصحة) في الربا يخل بشرائط الصحة حيث ان صحة المعاملة هو التماثل ولايحصل بالشرط، اذن تكون اصل المعاملة باطلة(٢) .

ولايمكننا الالتزام بان المثل في مقابلة المثل والشرط الزائد يبطل فقط، وذلك لان الشرط الزائد اذا كان وجوده مخلا بشرائط الصحة للمعاملة - كما هو الفرض - فعدم الصحة متوجه الى كل المعاملة، بالاضافة الى ان البأس انما توجه الى المعاملة الربوية وهي مباينة لمعاملة المثل بالمثل بحيث اذا وجدت الاولى لم توجد الثانية، وكذلك اذا وجدت الثانية لم توجد الاولى، اذ بوجود معاملة المثل بالمثلين يأتي عنوان الحرمة، لا انه شيء اجتمع فيه المحلل والمحرم.

واما آية (وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم) فبالاضافة الى اختصاصها بصورة الجهل فهي منزلة على التقاص حيث ان مقابله عند الطرف الاخر، فهي لاتدل على الصحة. ودعوى ان المثل في مقابلة المثل والزيادة تكون في مقابلة الجودة او الوصف او الاجل، مدفوعة بعدم تقابل الاوصاف بالاعواض، بل الاوصاف هي

____________________

(١) مثلا اذا باعه شيئا بشرط ان يخيط له ثوبا غير معين والمدة غير معينة، فهذا شرط فاسد الا ان اصل العقد غير منهى عنه، فتشمله اطلاقات صحة البيع، واما اذا باعه شيئا معينا بشرط الا يسلمه المبيع الى مدة غير معينة فهذا يوجد غررا في البيع فيكون باطلا فلا تشمله اطلاقات صحة البيع.

(٢) نعم هناك خلاف بين الفقهاء في ان الشرط الفاسد هل يفسد المعاملة ام لا؟ وهذا الخلاف هو في غير صورة ما اذاكان الشرط الفاسد قد ازال ركنا من اركان صحة المعاملة وان كان الصحيح ايضا في هذا الخلاف هو عدم سريان الفساد الى اصل المعاملة.

١٠٢

سبب الزيادة، فتكون كل حبة من الحنطة مقابلة بحبتين، فتبطل كل المعاملة. وخلاصة الكلام ان الادلة هنا تنهى وتضع البأس في المعاملة الربوية، فتكون اصل المعاملة باطلة، واذا قلنا ان الزيادة ترجع لصاحبها فقط فليس من باب ان المعاملة صحيحة والزيادة باطلة، بل من باب المقاصة في المثل.

وقد ذهب بعض اساتذتنا الى ان المعاوضة الربوية حرام، ولكنها في بعض الموارد محكومة بالفساد وهي الموارد التي فيها زيادة مالية، بخلاف الموارد التي فيها الزيادة عبارة عن شرط العمل، فالشرط يكون باطلا ولكن المعاملة صحيحة. ودليل ذلك هو: ان من شرائط صحة المعاملة في العوضين اللذين من جنس واحد هو المماثلة، ودليله هو الروايات، فمنها صحيحة عبد الرحمن ابن ابي عبد الله(١) قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : أيجوز قفيز من حنطة بقفيزين من شعير؟ فقال: لايجوز الا مثل بمثل. ثم قال ان الشعير من الحنطة» اذن بيع من من الحنطة بمن ونصف(٢) ليس انشاؤه مثلا بمثل - والذي امضاه الشارع هو المثل بالمثل - فتكون المعاملة فاسدة.

وما بيع من من الحنطة بمن بشرط خياطة الثوب، فهنا العمل المشروط في باب المعاملات ليس كالعمل المشروط في باب الاجارة، اذ الاجارة على العمل اذا وقعت فالمؤجر يملك العمل في ذمة الاجير، واما العمل المشروط في باب المعاملات فهو ليس تمليكا للعمل وانما هو التزام المشروط عليه بالعمل، ولهذا فيكون التمليك في المثال المتقدم هو بين المتماثلين، غاية الامر احدهما ملتزم بالخياطة فهو زيادة فيكون داخلا تحت عنوان الربا فيكون حراما انشاؤه

____________________

(١) الوسائل ج١٢ رواية (٢) ص٤٣٨.

(٢) وكذلك بيع من من الحنطة بمن وحق السرقفلية.

١٠٣

وفاسدا شرط. ولكن فساد الشرط لايسري الى فساد المشروط، لتحقق شرط البيع في المتجانسين وهو المماثلة(١) .

ونحن بامكاننا ان نقول: لماذا حكم ببطلان المعاملة فيما اذا باع منا من الحنطة بمن بشرط ان يدفع احدهما كيلوين منها، اذ بناء على ما تقدم يكون الشرط فاسدا وهو لايفسد العقد.

وقد يجاب: بان الفهم العرفي الارتكازي في الشرط اذا كان مالا، هو عدم المماثلة في المعاملة.، وحينئذ هنا نقول ان مناسبة الحكم وهو الربا والموضوع وهو عدم التماثل تقتضي توسيع الموضوع وهو عدم المماثلة لماذا اذا كان الشرط عملا وان كان الدليل الدال على الحرمة هو لايشمل الزيادة العملية، فتكون المعاملة باطلة.

اللهم الا ان يقال: ان العرف والمرتكز العرفي يفرق بين الشرط بزيادة كيلوين والشرط اذا كان عملا فيرى عدم التماثل في الاول دون الثاني.

وجه لعدم فساد المعاملة الربوية المعاوضية

قد يقال(٢) : ان مبغوض الشارع اذا كن مسببا عن المعاملة مثل بيع السلاح لاعداء الدين في حرب المسلمين، فحينئذلاتكون المبغوضية في الانشاء وانما في ملكية السلاح لاعداء الدين باي طريق كان كالهبة او المصالحة. واما اذا كان النهي عن المعاملة بالمعنى المسببي غير مبغوض للشارع، فالنهي لايوجب فساد المعاملة كما التزم به الشيخ النائيني (قده) في الاصول، وحينئذ نقول: ان

____________________

(١) هذا التفصيل للشيخ الاستاذ آية الله الميرزا جواد التبريزي تعرض له في بحثه مستطردا.

(٢) ذكر هذا الاستدلال الشيخ الوحيد الخراساني في بحثه الاصولي مستطردا.

١٠٤

النهي الذي توجه الى بيع عشرة كيلوات من الحنطة بتسعة منها لايجعل المبغوض ملكية المشتري للعشرة بأي طريق كان، اذ لو وهبه عشرة كيلوات لم يكن هذا مبغوضا، وحينئذ نستكشف ان المبغوض هو ملكية المشتري العشرة بالتسعة بالبيع فيكون النهي غير مقتضي للفساد لان المسبب غير مبغوض.

ولا ارى حاجة للرد على هذا الاستدلال بعد البيان المتقدم خصوصا اذا التفتنا الى ان ادلة صحة المعاملة في الربويات مشروطة بالتساوي في القدر، وهو غير موجود هنا فلايكون هذا مشمولا لادلة صحة البيع فيكون باطلا(١) .

هذا كله بالنسبة للربا في المعاملة.

واما الربا في القرض:

فقد يقال بحرمة اصل القرض ايضا. وذلك لما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله «كل قرض يجر منفعة فهو حرام» «كل قرض يجر منفعة فهو فاسد» اذ الحرمة والفساد لاصل القرض ولكن هاتين الروايتين نقلهما العامة عن علي(ع) ولكن قالوا بان السند ساقط وسوار الذي روى الرواية متروك الحديث. وقد نقلهما الامامية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يرويا من طرقنا، بل يظهر من بعض الاخبار ردهما اذ يسأل الامام (ع) «ان من عندنا يروون كل قرض يجر منفعة فهو فاسد، قال (ع) او ليس خير القرض ماجر نفعا؟»(٢) .

نعم الروايات التي وردت عن الامامية التي تقول بجواز اخذ الزيادة في القرض مالم يكن شرطا وامثالها(٣) ، نفهم منها ان الزيادة اذا كانت في عقد

____________________

(١) ولا نرى حاجة للتعرض هنا لرد مبنى الاستدلال لان البحث فقهي.

(٢) الوسائل١٣/باب (١٩) من ابواب الدين القرض/حديث(٤) ص١٠٣.

(٣) نفس المصدر/ حديث(٣).

١٠٥

القرض بواسطة الشرط في العقد فهو الذي فيه بأس، وحينئذ نرجع الى كلامنا السابق لنرى ان الشرط في هذا العقد هل يخل بشرائط الصحة ام لا؟ فنقول: ان الشرط للزيادة في عقد القرض هو شرط فاسد للنهي عنه الا انه لايخل بشرائط العقد، ولذا لايفسد العقد القرضي.

وتوضيح ذلك: ان القرض هو تمليك مال على وجه الضمان، والضمان في القرض عبارة عن انتقال نفس العين الى العهدة بالغاء خصوصياتها الشخصية، ولذا لايحتاج في القرض الى تعيين عوض، لانه ليس الا تمليكا مع التضمين لما ملكه، اذن ليس في القرض اعتبار المبادلة بين المالين كما في البيع، ولذا فان شرائط صحة القرض متوفرة حتى مع وجود الشرط الفاسد، فان الغي الشرط الفاسد يبقى العقد صحيحا، ولهذا فرقنا بين بطلان المعاملة الربوية وصحتها في القرض مع بطلان الشرط فقط.

ومما يمكن ان يكون دليلا على صحة العقد القرضي مع بطلان الشرط للزيادة فقط هو ما رواه الصدوق(١) باسناده عن ابان عن محمد بن مسلم عن ابي جعفرعليه‌السلام في الرجل يكون عليه دين الى اجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول: أنقدني من الذي لي كذا وكذا واضع لك بقيته او يقول انقدني بعضا وأمد لك في الاجل فيما بقي، فقال: لاارى به بأسا مالم يزد على رأس ماله شيئا يقول الله عزوجل (فلكم رؤوس اموالكم لاتظلمون ولاتظلمون). فالامام يقول لا أرى به بأسا مالم يزد على رأس ماله شيئا، فكأن، الزيادة على رأس المال هي التي فيها بأس، فيكون القرض الذي هو تمليك في مقابل الضمان على حاله.

____________________

(١) الوسائل ج١٣/باب(٣٢) من أبواب الدين ص١٢٠. والظاهر ان ابان هنا هو أبان بن عثمان لان ابان بن عثمان يروى عن محمد بن مسلك كما في جامع الرواة فتكون الرواية معتبرة (صحيحة).

١٠٦

٧- اسقاط حقوق المرابي:

قد ذكرت الروايات ايضا اسقاط الحقوق التي منحت لكل فرد عن المرابي فحرمته من تولي المناصب القضائية ومنصب الافتاء والامامة والشهادة، وكذلك اسقاط حقوق المعاونين للمرابي من الآخذ والكاتب والشاهدين بالاضافة الى لعنهم، وذلك لما رواه محمد بن علي بن الحسين عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال: ان تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب الكبائر التي اوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا اولربا وعقوق الوالدين، والفرارمن الزحف وغير ذلك...»(١) .

وهذه الصحيحة عامة لكل من لاتكون عنده عدالة، ومن جملتهم المرابي، وحينئذ من كل شيء من الحقوق التي يعتبر فيها العدالة، من شهادة او امامة او منصب افتاء وقضاء وكذلك المعاون للمرابي والشاهد والآخذ والمعطي حيث شملهم اللعن(٢) وانهم مع المرابي سواء في الوزر، فهم فساق يحرمون من هذه الحقوق.

تنبيه : ان هذه الادلة المتقدمة انما ذكرناها - كما تقدم - لبيان حرمة الربا كقانون عام عرضته الشريعة الاسلامية عن الربا وفساد المعاملة الربوية المعاوضية، فهي تكون حجة للكل قسم من اقسام الربا التي نعرضها فيما بعد التي هي ربا حقيقة او ربا بحكم الشارع كما في ربا المعاوضة كما سيأتي. ويفيدنا هذا القانون العام كعموم فوقاني نرجع اليه عند العلم بأن الموضوع ربوي،

____________________

(١) الوسائل ج١٨/ باب(٤١) من ابواب الشهادات حديث(١) ص٢٨٨.

(٢) الوسائل ج١٢/ باب (٤) من ابواب الربا ص٤٢٩ - ٤٣٠.

١٠٧

ولكن نشك في استثنائه من الحرمة لدليل قاصر، فهو يكون مرجعنا عند الشك في هذه الصورة.

كما اننا نرجح ذكر عام آخر اكبر من هذا العام مثل «اوفوا بالعقود» او غيره من عمومات الحل، ونجعله عموما فوقانيا نرجع اليه عند الشك في اندراج موضوع تحت تحديدات الربا التي ذكرتها السنة اذا كانت الشبهة مفهومية لامصداقية.

وانما جعلنا القانون العام هو عموم حرمة الربا لنرجع اليه عند الشك في استثناء فرد من الحرمة لان العمومات القرآنية التي تقدمت وكذلك الروايات تحرم موضوعا واحدا وهو الربا، وهو عبارة عن مطلق الزيادة المأخوذة بلا مقابل شرعا او حقيقة سواء كانت في البيع او في القرض، وهذا بخلاف البيع الذي فيه اخذ الزيادة الا ان العرف يرى ان هذه الزيادة لها مقابل.

نعم العرف يرى ان الزيادة قد تكون في مقابل الوصف او الجودة، ولكن الشارع لايرى مقابلتها بالمال، وقد يرى العرف ان الزيادة في مقابل الاجل، ولكن الشارع منع ذلك. والخلاصة. ان الموضوع المحرم في الايات والروايات هو الزيادة بلا مقابل شرعا في البيع والقرض، لهذا سوف نتكلم عن البيع في فصل كما نتكلم عن القرض في فصل آخر مستقل لمعرفة التفصيلات التي ذكرها الشارع في البيع وفي القرض اضافة الى العنوان المشترك بينهما المشمول لادلة التحريم.

الفصل الاول : ربا المعاوضة

ونتكلم في ان الربا يثبت في مطلق المعاوضات والمبادلة بين المالين حتى

١٠٨

الصلح، كما نتعرض للقول بثبوت الربا في الهبة المعوضة وعدم ثبوته كما في الوفاء والغرامة والقسمة، ثم نتعرض للاركان الثلاثة التي لابد منها لتحقق الربا ونحقق الحال فيها مفصلا، ثم نتعرض الى بيع الصرف بما يتصل بالمقام مع ذكر شروطه وجملة مايتعلق ببيع الذهب والفضة من مسائل.

ونحن نطلق على هذا الربا عنوان الربا المجازي، حيث ان بيع الحنطة الجيدة بالحنطة الرديئة مع التفاضل شيء عقلائي، الا ان الشارع وسع موضوع الربا الى هذه المعاملات فأصبحت موضوعا للحرمة. ولابد لنا من استعراض الروايات الواردة في الباب لتحديد الربا في المعاوضات. والروايات على طوائف:

١- صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله(ع) في حديث انه قال: يا عمر قد احل الله البيع وحرم الربا، بع واربح ولاتربه، قلت: وما الربا؟ فقال: دراهم بدراهم مثلين بمثل، وحنطة بحنطة مثلين بمثل. وروى الصدوق باسناده عن عمر بن يزيد نحوه. ومثل هذه الرواية روايات كثيرة تدل باطلاق سؤال السائل واطلاق الجواب على شمول الربا لكل مثلين بمثل سواء كانا في بيع او في معاوضة غير بيعية، وهذا الاطلاق مستفاد من حرف الباء، اذ هو للمعاوضة فدل على معنى المعاوضة بمدلوله الحرفي، ولا حاجة للنظر في سند هذه الروايات لانها في اعلىمراتب الصحة.

٢- صحيحة الحلبي (التي لها ثلاثة اسانيد) جميعا عن ابي عبد الله (ع) قال: ما كان من طعام مختلف او متاع او شيء من الاشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد، فأما نظرة فلايصلح»(٢) وهناك روايات اخرى ذكرت لفظ

____________________

(١) الوسائل ج١٢/ باب (٦) من ابواب الربا حديث (٢) ص٤٣٤.

(٢) الوسائل ج١٢/ باب (١٣) من ابواب الربا حديث(٢) ص٤٤٢.

١٠٩

البيع. ولا يخفى ان ذكر لفظ البيع لايجعل الربا مختصا به لعدم افادة الحصر منه، وذكره انما جاء لغلبة افراد البيع في ذلك الوقت. ولاحاجة ايضا للتنبيه على سند الروايات فانها في اعلى مراتب الصحة.

٣- صحيحة الحلبي الثانية عن ابي عبد الله (ع) في حديث قال: الكيل يجري مجرى واحد، قال: ويكره قفيز لوز بقفيزين... ولكن صاع حنطة بصاعين تمر، وصاع تمر بصاعين زبيب اذا اختلف هذا، والفاكهة اليابسة تجري مجرى واحد، وقال: لابأس بمعاوضة المتاع مالم يكن كيلا او وزنا «كيل او وزن خ ل»(١) .

وتوجد روايات اخرى سندها تام ايضا ذكر فيها لفظ المعاوضة. وهذه الروايات ذكرت المعاوضة بمعناها الاسمي، وهي ايضا مطلقة لكل معاوضة سواء كانت بيعية او غير بيعية.

٤- صحيحة سيف التمار قال قلت لابي بصير: احب ان تسأل ابا عبد الله (ع) عن رجل استبدل قوصرتين فيهما بسر مطبوخ بقوصرة فيها تمر مشقق، قال: فسأله ابو بصير عن ذلك فقال: هذا مكروه، فقال ابو بصير: ولم يكره؟ فقال: ان علي بن ابي طالب (ع) كان يكره ان يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ولم يكن علي (ع) يكره الحلال(٢) ، ورواها الكليني باضافة جملة زائدة وهي «لان تمر المدينة أدونهما ولم يكن علي (ع) يكره الحلال».

وتوجد روايات اخرى ذكر فيها لفظ المبادلة ايضا وسندها معتبر. وهذه الروايات ذكرت الاستبدال الذي هو معنى المعاوضة الاسمي، وهو مطلق لكل استبدال سواء كان في بيع او في غير بيع، فان كان الاستبدال في غير البيع فهو

____________________

(١) نفس المصدر/الحديث الثالث.

(٢) الوسائل ج١١٢ باب (١٥) من ابواب الربا حديث(١) ص٤٤٧.

١١٠

الذي يكون ظاهرا عقدا مستقلا، قد نصطلح عليه «عقد المبادلة «ويشمله» اوفوا بالعقود او تجارة عن تراض» وهو عبارة عن وقع كل من المالين بدل الاخر وهو الذي كان سائدا قبل ظهور النقود الذي يسمى بعقد المقايضة الذي لايتميز فيه البائع عن المشتري ولا الثمن عن المثمن، ولذا لايكون هذا النوع من العقود بيعا. ثم اننا عبرنا بالرواية انها صحيحة لان سيف التمار هو ابن سليمان التمار الكوفي الثقة، وسند الشيخ الى ابن محبوب صحيح.

وبعد عرض هذه الادلة الواردة في ربا المعاوضة - التي كانت الطائفة الاولى مطلقة، وكانت الثانية قد ذكرت لفظ البيع، والثالثة قد ذكرت لفظ المعاوضة والرابعة قد ذكرت الاستبدال، وكلها ذكرت المتجانسين اذا كانا مما يكال او يوزن، فاشترطت المساواة - نقول:

ان الادلة المتقدمة نستفيد منها حرمة الربا لمطلق المعاوضة والمبادلة بين المالين وما ذكر من ان الانصراف انما يكون الى البيع والتبادر ايضا كذلك مردود بأنه انما نشأ من كثرة افراد البيع لا من كثرة الاستعمال بحيث نقل المعنى العام للمعاوضة الى البيع. وعلى هذا فلا وجه لاختصاص الربا في البيع كما فعل العلامة الحلي(١) .

وقد ذكر في دليلهم ان المتبادر من اطلاق الراويات هو البيع والقرض «اما غيرهما فلايعلم جريانها فيه فيبقى على اصل الاباحة المؤيد بظواهر الايات والاخبار الدالة على حصول الاباحة بالتراضي، وعلى حصر المحرمات، وليس هذا منها، وان الناس مسلطون على اموالهم، خرج البيع والقرض وبقي الباقي»(٢) وذلك: لعدم التمكن من التمسك بالتبادر مع تصريح الروايات بأن

____________________

(١) وكذلك العامة كما تقدم ذلك.

(٢) مفتاح الكرامة للعاملي ٤/٥٠٣.

١١١

الربا يقع في المعاوضة والمبادلة واطلاقهما يشمل غير البيع، والانصراف يرد عليه ما تقدم.

وبهذا نعرف ايضا الوجه لتعريف الربا بأنه «بيع احد المتماثلين المقدرين بالكيل او الوزن في عهد صاحب الشرع(ع) او في العادة...» كما فعل صاحب المسالك، كما لاوجه ايضا لما ذكر في منهاج السيد الحكيم (قده) في تعريف ربا المعاملة بأنه «بيع احد المتماثلين بالاخر مع زيادة عينية...»(١) لما تقدم من اطلاق الروايات التي عرضنا قسما منها.

واما ما ذكر كدليل على شمول الربا لكل معاوضة من التمسك بمعنى الربا اللغوي الذي هو الزيادة «فيخرج ما هو حلال بالاجماع ويبقى الباقي تحت التحريم»(٢) فهو لاينسجم مع ماتقدم من العموم الفوقاني «أوفوا بالعقود» الذي ذكرنا الرجوع اليه عند الشك في دخول معاملة ماتحت موضوع الربا، حيث اننا نعلم بان المعنى اللغوي للربا وهو مطلق الزيادة من غير عوض مراد من الربا الشرعي - كما تقدم - مع ملاحظة حدود توسيع الشارع لموضوع الربا، وما دمنا قد شككنا في دخول المعاوضات غير البيع - كما هو المفروض من المستدل - يتحتم علينا الرجوع الى العموم الفوقاني الذي تقدم ذكره فتحل المعاملة.

اذن الدليل الصحيح كما استدل به المشهور وهو الاقوى، فيجرى الربا في مطلق المعاوضات كالصلح(٣) والمبادلة والمعاوضة للاطلاق. بل يمكن ان

____________________

(١) منهاج الصالحين٢/٤٠.

(٢) مفتاح الكرامة ٤/٥٠٣.

(٣) فان الصلح وان كان قوامه بالطرفين لابالمالين الا ان متعلقه قد يكون المال، فيصدق عنوان المقابلة بين المالين والمبادلة بينهما ايضا.

١١٢

يقال بجريان الربا «في الهبة المعوضة» كما اختاره المحقق في الشرائع وصاحب الجواهر (قده) «ولانها وان كانت هبة في مقابل هبة الا انها في اللب مبادلة بين الموهوبين»(١) وكذلك يجري الربا في الابراء بشرط الابراء، وقد ذكر بعض الفقهاء انصراف الاخبار عن الهبة والابراء فان تم الانصراف فهو والا فيجري فيهما الربا.

ولنا ان نقول ان الهبة المعوضة تتصور على نحوين:

الاول: ما هو المعروف من ان يهب شخص شيئا ويشترط على المتهب شيئا فالهبة هنا عبارة عن تمليك شيء مجانا، واما اشتراط شيء على المتهب فهو لايخرج الهبة عن كونها مجانية، ولذا لو تخلق المتهب لم تقع الهبة باطلة، اذن ليس مقتضى عقد الهبة هنا تقابل بين المالين فلا يتحقق موضوع الربا.

الثاني: ان يهب شيئا مقابل هبة الاخر، فتكون الهبة مقابل الهبة، وقد استشكل في صحة هذه المعاملة بعض المحققين ومنهم السيد الخوئي (حفظه الله) حيث ناقش في صحة المعاملة المذكورة: بأن المبادلة لابد ان تكون بين مالين موجودين، اما خارجا واما اعتبارا في الذمة، واما ما كان موجودا في زمان وانعدم فلا معنى لتبديلة. والمقام من هذا القبيل، حيث ان تمليك الاول ينتهي امده بقول الشخص (ملكت) فاذا جاء الشخص الثاني وقال (ملكت) فيكون تمليكه هذا بأزاء تمليك غير موجود فعلا، فيكون العوض معدوما حين ذكر العوض، ولايكون المعدوم المطلق معوضا. ولذلك لو اراد الشارع ان يمضي هذه المعاملة فيستلزم امضاء المعدوم و هو غير صحيح. نعم يمكن ان يقع العقد على شيء موجود فعلا او يمكن ان يتحقق في المستقبل(٢) .

____________________

(١) العروة الوثقى ٣/٩ - ١٠.

(٢) مصباح الفقاهة ٢/٦٦ - ٦٧.

١١٣

وهذا الكلام مستند الى ان معنى الهبة هو المعاوضة بين الفعلين لانفس العينين.

ويمكن ان يناقش بأن يقال: حتى لو قلنا بان الهبة بين الفعلين، ولكن المراد من الفعلين هو المسبب الحاصل من الايحاب والقبول، فيكون المراد من الفعل التمليك وهو موجود وليس بمنعدم، وحينئذ تكون المعاملة صحيحة، والهبة تبقى على معناها الحقيقي، واما اذا قلنا ان الهبة المعوضة هي في اللب مقابلة بين المالين فيكون المال الموهوب من الاول موجودا حين هبة الثاني، فتكون المعاملة ايضا صحيحة. ولكن هل يجري فيها الربا؟ والجواب: هو اذا اخترنا ان الهبة المعوضة هي التقابل بين التمليكين فلايحصل الربا، وان اخترنا ان معناها اللبي هو التقابل بين المالين فيحصل الربا مع الزيادة واتحاد الجنس، لان المعاملة تكون صورتها صورة هبة.

وهنا نوع من التعاوض لا بعنوان المعاوضة كوفاء الديون، كما اذا كان المدين الذي عليه ثمانية قد اعطى عشرة، فان المعطى الى الدائن عوض عما في ذمة المدين، وحينئذ اذا قصد المدين الوفاء بالعشرة في مقابل الثمانية - لا أنه اعطى الثمانية عوضا عما في ذمته ووهب الزائد - فهل هذا ربا تشمله ادلة الحرمة؟.

وللجواب على ذلك: لابد من مراجعة الادلة التي دلت على تحديد الربا في المعاوضات، وقد قلنا سابقا انها دلت على حرمة الزيادة في المعاوضة او المابدلة في المتماثلين، وهنا اذا كان اعطاء العشرة بعنوان الوفاء فلا يتحقق موضوع الحرمة. هذا والمسالة يمكن ان تطرح في باب القرض، اذ هذا قد يكون من القرض الذي جرى نفعا، فان لم يكن بشرط فهو جائز.

والحق إن ايفاء ما في الذمة اذا لم يكن بعنوان الصلح، بل كان بعنوان الوفاء فهو لايمكن ان يحقق موضع الحرمة، اذ لاتبادل ولاتعاوض حيث

١١٤

أن الدائن ملك المال الى المدين على وجه الضمان، والان المدين يريد ان يفي بما في ذمته لانه ضامن للمال فهو وفاء، فقهرا يطبق الكلي على الفرد ويكون الزائد هبة اومالا قد اعرض عنه صاحبه، وحتى لو قلنا انه معاوضة في الحقيقة، فان الاخبار الدالة على الحرمة منصرفة عنها لانها ناظرة الى المعاوضات التي تحصل عند الناس ابتداءا، اما ما لايمكن معاوضة ابتدائية وانما يسمى معاوضة بعد الانتهاء فتنصرف عنه الادلة المحرمة، بل تشمله روايات «خير القرض ماجر نفعا» اذ لم يكن بشرط.

ونفس الكلام نقوله عن الغرامة والقسمة، كما اذا اتلف زيد منا من الحنطة الجيدة وبعد ذلك دفع الى المالك منا ونصف من الرديئة، فهنا لاتعاوض ابتدائي وانما هناك اتلاف وغرامة، وبعد تحقق الغرامة١ يقال حصلت المعاوضة فهي معاوضة مجازية بعد تمامية عنوان الغرامة، فلايكون موضوعا للحرمة، أي لاتكون اخبار الحرمة شاملة لها. وكذلك القسمة، اذ هي تمييز بين الحقين فلو كانت الشركة بالمناصفة واقتسما بالثلث والثلثين من الجيد او الرديء فهو ليس بربا لان القسمة تمييز الحق، وان حصل عنوان التعاوض بعد التمييز.

ثم انه قد ادعي بأن ظاهر بعض الاخبار المنع من الغرامة في المثل مع الزيادة كما في صحيح الحلبي قال «وسئل عن الرجل يشتري الحنطة ولايجد عند صاحبها الا شعيرا ايصلح ان يأخذ اثنين بواحد؟ قال: لا، انما اصلهما واحد» وكذلك صحيح هشام «عن الرجل يبيع الرجل الطعام الاكرار، فلايكون عنده مايتم له ماباعه فيقول خذ مني مكان قفيز حنطة قفيزين من شعير حتى تستوفي مانقص من الكيل. قال (ع) لايصلح لان اصل الشعير من الحنطة...»(١) وكذلك ما في قرب الاسناد عن رجل اشترى سمنا ففضل له فضل أيحل له ان يأخذ مكانه

____________________

(١) الوسائل ج١٢/ باب (٨) راوية (١،٤) ص٤٣٨

١١٥

رطلا او رطلين زيت؟ قال: اذا اختلفا وتراضيا فلا بأس(١) . ولكن كل هذه الروايات ظاهرة في المبادلة لا الوفاء، لان الوفاء لابد ان يكون بتطبيق الكلي على فرده(٢) ، اما اذا اعطى من غير جنسه فهو معاوضة واذا صارت كذلك فيقع الربا فيه. ولذا لايحتاج الوفاء الى رضا صاحب المال اذا اعطي من مصاديق ما في الذمة بينما اذا اعطينا صاحب المال من غير مصاديق ما في ذمتنا فيحتاج الى رضاه، وهذا هو معنى المعاوضة، اذ لامعنى لانطباق ما في الذمة على غير فرده الا بافتراض تحقق المعاوضة.

وقد يؤيد هذا الكلام بتعبير الروايات فقد ذكر لفظ الوفاء في العطاء من نفس الجنس(٣) «عن ابي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يبعث بمال الى ارض، فقال للذي يريد ان يبعث به: اقرضنيه وانا اوفيك اذا قدمت الارض قال: لابأس» ووردت لفظة الاستيفاء في اعطاء الشعير بدل الحنطة كما في صحيحة هشام بن سالم(٤) عن ابي عبد الله (ع) فقال الراوي «خذمني مكان كل قفيز حنطة قفيزين من شعير حتى تستوفي مانقص من الكيل. قال: لايصلح..» فالخلاصة: هي ان الربا لايجري في الوفاء اذا كان من نفس الجنس، واما الوفاء من غير الجنس الذي لايكون الا بتوسط المعاوضة فيجري فيه الربا مع الزيادة.

وبعد هذا العرض المتقدم يمكننا القول بان ربا المعاوضة كما ذكره المشهور

____________________

(١) الوسائل ج١٢/باب(١٣) رواية (١١) ص٤٤٥ وهي ضعيفة بعبد الله بن الحسن فانه مجهول.

(٢) الوفاء لغة هو «اعطاء حقه كاملا» وليس معناه ابراء ذمة النفس حتى يكون بغير الجنس ايضا. المنجد ص٩١١.

(٣) الوسائل ج١٢/ باب (١٤) من ابواب الصرف/ حديث(٢) ص٤٨٠.

(٤) الوسائل ج١٢/باب (٨) من ابواب الربا/ حديث(١) ص٤٣٨.

١١٦

هو: «مبادلة او معاوضة المتماثلين اذا قدرا بالكيل او الوزن وزاد احدهما على الاخر» والزيادة الحقيقية النقدية في المكيل والموزون مع المثلية في البدلين هي ما يسمى بربا الفضل او ربا الزيادة، مثل بيع من من الحنطة بمنين منها، او مبادلة درهم بدرهمين او دينار بدينارين. اما الزيادة المعنوية في المكيل والموزون مع المثلية في البدلين - كما لو كان احدهما نقدا والاخر نسيئة مثل مبادلة من من الحنطة نقدا بمن من الحنطة نسيئة - فهو المسمى بربا النسيئة، ولايتوهم بوجود تناقض من قبل الشارع حيث ألغى ان يكون للاجل قسطا من الثمن في الربا القرضي فكيف هنا جعل للاجل قسطا من الثمن؟ اذ يقال ان الاجل له قسط من الثمن هو القاعدة العامة، ولكن الشارع الغى هذه القاعدة في بعض الموارد (كالقرض).

ثم ان هذا التقسيم ذكر في كتب العامة - كما تقدم - وهو تقسيم صحيح ناشىء من اختلاف الزيادة الى عينية وحكمية. ثم ان ربا الفضل لايقدم عليه العقلاء، الا اذا كان الطرف الناقص مشتملا على وصف يقع في مقابل المقدار الزائد في الطرف الاخر، وحينئذ يكون البائع قد تعلق غرضه بتحصيل كمية اكثر، والمشتري تعلق غرضه بتحصيل كيفية خاصة، ولذلك يرضى بهذه المعاملة ويقدم عليها، ولذا قد يقال بعدم معرفة حكمة لتحريمه كما في ربا النسيئة فتكون حرمته تعبدية.

وقد يقال في حكمته على وجه الاحتمال ماملخصه: ان تحريم ربا الفضل لاجل ترويج النقد وتوسيطه في المبادلة، وعدم اكتنازه عند الناس، وبهذا يصبح النقد مقياسا للمالية، وهو امر يسهل الكثير من المصاعب التي كانت موجودة في بيع الامتعة بالامتعة.

واما ربا النسيئة فهو هنا ماتقع الزيادة فيه في مقابل التأجيل والامهال سواء

١١٧

كان التأجيل استقلاليا كما في الربا الجاهلي الذي تقدم «كان الرجل منهم اذا حل دينه على غريمه فطالبه به قال المطلوب منه له زدني في الاجل وازيدك في المال فيتراضيان عليه...» او كان التأجيل ضمنيا كما في القرض والبيع المثلي نسيئة. وربا النسيئة هو الربا الواضحة حكمته من انه يخرب البيوت ويسبب المفاسد الاجتماعية والاختلال الاقتصادي وتقسيم المجتمع الى طبقتين وما الى ذلك من المفاسد.

وبما ان بحثنا الان في الربا المعاوضي نتعرض لما قاله مشهور الفقهاء من ان الاموال التي يدخل فيها الربا المعاوضي هي ما اجتمعت فيها هذه الامور الثلاثة معا وهي:

١ - المثلية في البدلين.

٢ - الكيل او الوزن.

٣ - الزيادة سواء كانت حقيقية او معنوية.

وكل هذه الامور الثلاثة دلت عليها الاخبار.

اما المثلية في البدلين: فهو واضح من المثلية الى تواردت في الاخبار الكثيرة، ومعها تحرم الزيادة وتجب المساواة، وباختلاف المثلية لابأس بالتفاضل، ولاحاجة لذكرها هنا بالخصوص.

واما الكيل او الوزن: فقد صرح باعتباره في روايات كثيرة ايضا، منها: الموثقة التي رواها عبيد بن زرارة قال: سمعت ابا عبد الله (ع) يقول: لايكون الربا الا فيما يكال او يوزن(١) . وهناك طائفة من الروايات تنفي البأس عن التفاضل اذا لم يكن مكيلا او موزونا(٢) .

وقد اكتفى الامامية بهذه الروايات التي تشخص موضوع الربا المعاملي

____________________

(١،٢) الوسائل ج١٢ باب (٦) من ابواب الربا حديث(٣) وغيره ص٤٣٤ - ٤٣٥.

١١٨

على وجه العموم في كل متماثلين اذا كان من المكيل والموزون عن البحث حول العلة التي بموجبها حرم التفاضل في الاصناف الستة عند العامة، ولو اطلع السنهوري وابناء العامة على هذه التصريحات في الراوية لتحديد الموضوع العام للربا وعرفوا ان ماقاله الائمة (ع) هو مستند الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الله تعالى لما قالوا بترجيح حجة الشافعية في معرفة العلة على الحنفية لو انتهجوا منهج الحق من الاخذ بالنص.

واما الزيادة: فقد صرحت الروايات ايضا بحرمتها في المكيل والموزون اذا كانا متماثلين، فمنها صحيحة ابي بصير وغيره عن ابي عبد اللهعليه‌السلام قال: الحنطة والشعير رأسا برأس لايزاد واحد منهما على الاخر(١) .

وهناك روايات ذكرت عدم الباس من كونهما. سواء بسواء ومعنى ذلك بمفهوم المخالفة هو وجود البأس اذا لم يكونا كذلك، منها موثقة سماعة قال: سألته عن الحنطة والشعير فقال: اذا كانا سواء فلا بأس... الخ(٢) ولايضر اضمارها لانه ناشىء من تقطيع الروايات (على يد من جمع الحديث وبوبه) للامانة في النقل. وهذه الروايات وان كانت بصدد بيان ان الحنطة والشعير اصلها واحد، الا انها ايضا تبين البأس في الزيادة.

هذا، ويمكن الاستدلال على عدم صحة الزيادة بالروايات الكثيرة التي ذكرت المثلية، حيث ان المثلية كما يجب ان تكون باتحاد نوع البدلين، يجب ان تكون باتحاد القدر ايضا، فان زاد احدهما على الاخر لم تحرز المثلية فيكون ربا.

ثم انهم ذكروا من اطلاق الزيادة الواردة في الروايات يفهم المنع في

____________________

(١) الوسائل ج١٢/ باب (٨) ن ابواب الربا حديث(٣) ص٤٣٨.

(٢) نفس المصدر حديث(٦) ص٤٣٩.

١١٩

الزيادة العينية (الحقيقية) والزيادة الحكمية (المعنوية) أي كلما تحقق عنوان الزيادة بأي شكل كان فهو ربا، والزيادة لها اشكال:

الشكل الاول: اذا كانت الزيادة عينية على وجه الجزئية من مثل العوضين او غيره. وهنا عدم تحقق المثلية المشترط في الروايات مفهوما ومنطوقا واضحا.

الشكل الثاني: اذا كانت الزيادة عينية على وجه الاشتراط بحيث لم تكن الزيادة في مقابل شيء، فأيضا هنا لم تتحقق المثلية في العوضين المتماثلين.

الشكل الثالث: اذا كانت الزيادة غير عينية وكانت مالا كاشتراط سكنى دار او خياطة ثوب، فأيضا لم تتحقق المثلية ولم تكن سواء بسواء.

الشكل الرابع: اذا كانت الزيادة حكمية كما اذاباع منا من الحنطة بمن الى شهر. ولكن بعض الفقهاء ذكر: ان القدر المتيقن من الزيادة هي العينية او ما بمنزلتها(١) ، واما اذا كانت الزيادة حكمية فمقتضى عمومات الحل الجواز.

ولكن يمكن ان يستدل لكون الزيادة الحكمية ربا بصحيحة محمد بن قيس(٢) قال: «قال امير المؤمنينعليه‌السلام : لاتبع الحنطة بالشعير الا يدا بيد لاتبع قفيزا من حنطة بقفيزين من شعير» فنحن اذا علمنا ان الحنطة والشعير هما مثلان في باب الربا، فعدم جواز البيع نسيئة يكون لاجل الاجل الذي له قسط من الثمن، فتحصل الزيادة الحكمية المحرمة.

ولكن قد يقال بأن المنع الوارد في هذه الرواية ليس منباب الربا، لان المثلية هنا متحققة عرفا فيحتمل ان يكون النهي حكما خاصا في «الحنطة والشعير»(٣)

____________________

(١) العروة الوثقى ٣/٥.

(٢) الوسائل ج١٢/ باب (٨) من ابواب الربا حديث(٨) ص٤٣٩.

(٣) كالحكم في بيع الصرف، ويؤيده الخبر العامي «بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب، والبر بالشعر والشعر بالبر كيف شئتم يدا بيد».

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ذلك ، كما لا ينبغي إرضاعه فوق حولين كاملين ، ولو اتّفق أبواه على فطامة قبل ذلك كان حسناً.

6 ـ حضانة الولد وتربيته وما يتعلّق بها من مصلحة حفظه ورعايته تكون في مدّة الإرضاع ـ أعني حولين كاملين ـ من حقّ أبويه بالسويّه ، فلا يجوز للأب أن يفصله عن أُمّه خلال هذه المدّة وإن كان اُنثى ـ والأحوط استحباباً أن لا يفصله عنها حتى يبلغ سبع سنين وإن كان ذكراً.

7 ـ إذا افترق الأبوان بفسخ أو طلاق قبل أن يبلغ الولد السنتين لم يسقط حقّ الأُمّ في حضانته ما لم تتزوّج من غيره ، فلا بدّ من توافقهما على ممارسة حقّهما المشترك بالتناوب ، أو بأيّ كيفية أُخرى يتفقان عليها.

8 ـ إذا تزوّجت الأُمّ بعد مفارقة الأب سقط حقّها من حضانة الولد ، وصارت الحضانة من حقّ الأب خاصّة ، ولو فارقها الزوج الثاني عاد حقّ حضانة الطفل إليها مرّة ثانية.

9 ـ إذا مات الأب بعد اختصاصه بحضانة الولد ـ كما مرّ ـ أو قبله فالأُمّ أحقّ بحضانته ـ إلى أن يبلغ ـ من الوصي لأبيه ومن جدّه وجدّته له ، وغيرهما من أقاربه ، سواء تزوّجت أم لا.

10 ـ إذا ماتت الأُمّ في زمن حضانتها اختصّ الأب بحضانة الطفل ، وليس لوصيّها ولا لأبيها ولا لأمها ـ فضلاً عن باقي أقاربها ـ حقّ في ذلك.

11 ـ إذا فقد الأبوان فالحضانة للجدّ من طرف الأب ، فإذا فقد ـ أي هذا الجدّ ـ ولم يكن له وصيّ ، ولا للأب وصيّ أيضاً ، فالأحوط وجوباً التراضي بين أقارب الولد في حضانته مع الاستئذان من الحاكم الشرعي.

١٨١

12 ـ إذا سقط حقّ الأُمّ في إرضاع ولدها لطلبها اُجرة مع وجود المتبرّع ، أو لعدم اللبن لها أو لغير ذلك فلا يسقط حقّها من حضانته ; لعدم التنافي بين سقوط حقّ الإرضاع وثبوت حقّ الحضانة ، لإمكان كون الولد في حضانة الأُمّ مع كون رضاعه من امرأة اُخرى ، إمّا بحمل الولد إلى المرضعة عند الحاجة إلى اللبن ، أو بإحضار المرضعة عنده مثلاً.

13 ـ يشترط فيمن يثبت له حقّ الحضانة من الأبوين أو غيرهما أن يكون عاقلاً مأموناً على سلامة الولد ، وأن يكون مسلماً إذا كان الولد مسلماً ، فلو كان الأب مجنوناً أو كافراً ، والولد محكوم بالإسلام ، أي كان أحد أبويه مسلمين ، اختصت أُمّه بحضانته إذا كانت مسلمة عاقلة ، ولو انعكس الأمر كانت حضانته من حقّ أبيه خاصّة ، وهكذا الحال في غيرهما ، أي في غير الأبوين من الأقارب.

14 ـ الحضانة كما هي حقّ للأُمّ والأب أو غيرهما على التفصيل المتقدّم ، كذلك هي حقّ للولد عليهم ، فلو امتنعوا اُجبروا عليها ، ولا يجوز لمن يثبت له حقّ الحضانة أن يتنازل عنه لغيره فينقل إليه ـ أي إلى ذلك الغير ـ بقبوله ـ أي مع قبول الغير ـ نعم يجوز لكلّ من الأبوين التنازل عنه ـ أيّ عن حقّ الحضانة ـ للآخر بالنسبة إلى تمام مدّة حضانته أو بعضها.

15 ـ لا تجب المباشرة في حضانة الطفل ، فيجوز لمن عليه الحضانة إيكالها إلى الغير مع الوثوق بقيامه بها على الوجه اللازم شرعاً.

16 ـ الأُمّ تستحقّ أخذ الأُجرة على حضانة ولدها ، إلاّ إذا كانت متبرّعة بها ، أو وجد متبرّع بحضانته ، ولو فصل الأبُ أو غيره الولدَ عن أُمّه ولو عدواناً لم يكن عليه تدارك حقّها في حضانته بقيمة أو نحوها.

17 ـ تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيداً ، فإذا بلغ رشيداً لم يكن لأحد حقّ

١٨٢

الحضانة عليه حتّى الأبوين فضلاً عن غيرهما ، بل هو المالك لنفسه ذكراً كان أم اُنثى ، فله الخيار في الانضمام إلى من شاء منهما أو من غيرهما ، نعم إذا كان انفصاله عنهما يوجب أذيّتهما الناشئة من شفقتهما عليه لم يجز له مخالفتهما في ذلك.

١٨٣

النفقات

تجب النفقة بأحد أسباب أربعة : الزوجيّة ، والقرابة ، والملك ، والاضطرار.

1 ـ تجب نفقة الزوجة على الزوج فيما إذا كانت دائمة ومطيعة له فيما يجب إطاعته عليها ، فلا نفقة للزوجة المتمتّع بها إلاّ مع الشرط ـ أي إلاّ إذا شرطت ذلك عليه ضمن العقد ـ كما لا نفقة للزوجة الناشزة على تفصيل تقدّم سابقاً ، وقد تقدّم أيضاً بيان ما يتحقّق به النشوز ، وإن سقوط نفقة الناشزة مشروط بعدم توبتها ، فإذا تابت وعادت إلى الطاعة رجع الاستحقاق.

2 ـ لا فرق في وجوب الإنفاق على الزوجة بين المسلمة والكتابيّة ، وأمّا المرتدّة فلا نفقة لها ، فإن تابت قبل مضيّ العدّة استحقّت النفقة ، وإلاّ بانت من زوجها ، أي فصلت عنه بسبب الارتداد.

3 ـ الظاهر ثبوت النفقة للزوجة في الزمان الفاصل بين العقد والزفاف ، إلاّ مع وجود قرينة على الإسقاط ، أيّ على إسقاط حقّ الزوجة من النفقة ولو كانت هي التعارف الخارجي ، أي ولو كانت هذه القرينة قد ثبتت عرفاً ، كما إذا كانت الزوجة في بيت أبيها مثلاً ، فلا هي تستحقّ النفقة ولا هو يستحقّ الاستمتاع عليها.

والأظهر عدم ثبوت النفقة للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع منها على زوجها ، خصوصاً إذا كان الزوج صغيراً غير قابل للتمتّع والتلذّذ ، وكذا الزوجة الكبيرة إذا كان زوجها صغيراً غير قابل لأن يستمتع منها ، نعم لو كانت الزوجة مراهقة ، وكان الزوج مراهقاً أو كبيراً ، أو كان الزوج مراهقاً وكانت الزوجة كبيرة ، لم يبعد استحقاق الزوجة للنفقة مع تمكينها له من نفسها على ما يمكنه من التلذّذ والاستمتاع منها.

4 ـ لا تسقط نفقة الزوجة بعد تمكينها له من نفسها لعذر من حيض أو نفاس أو

١٨٤

إحرام أو اعتكاف واجب أو مرض مدنف ـ أي ثقيل منعها من تمكين زوجها ـ أو غير ذلك ، ومن العذر ما لو كان الزوج مبتلى بمرض معد خافت من سرايته إليها بالمباشرة.

5 ـ إذا استصحب الزوج زوجته في سفره كانت نفقتها عليه وإن كانت أكثر من نفقتها في الحضر ، وكذا يجب عليه بذل اُجور سفرها ونحوها ممّا تحتاج إليه من حيث السفر ، وهكذا الحكم فيما لو سافرت الزوجة بنفسها في سفر ضروري يرتبط بشؤون حياتها ، كأن كانت مريضة وتوقّف علاجها على السفر إلى طبيب ، فإنّه يجب على الزوج بذل نفقتها واُجور سفرها.

وأمّا في غيره من السفر الواجب ، كما إذا كان أداءً لواجب في ذمّتها ، كأن استطاعت للحجّ ، أو نذرت الحجّ الاستحبابي بإذن الزوج ، وكذا في السفر غير الواجب الذي أذن فيه الزوج ، فليس عليه بذل اُجوره ، ويجب عليه بذل نفقتها فيه كاملة وإن كانت أزيد من نفقتها في الحضر ، نعم إذا علّق الزوج إذنه لها في السفر غير الواجب على إسقاطها لنفقتها فيه كلاّ أو بعضاً ـ أي جعل إسقاط جميع نفقتها أو بعضها ـ في السفر غير الواجب ـ شرطاً في إذنه وترخيصه لها بالسفر ـ وقبلت هي بذلك لم تستحقّها عليه.

6 ـ تثبت النفقة لذات العدّة الرجعيّة ما دامت في العدّة كما تثبت لغير المطلّقة ، من غير فرق بين كونها حائلاً أو حاملاً ـ أي حامل أو لا ـ ولو كانت ناشزة وطُلّقت في حال نشوزها لم تثبت لها النفقة ، إلاّ إذا تابت ورجعت إلى الطاعة ، كالزوجة الناشزة غير المطلّقة ، وأمّا ذات العدّة البائنة ـ أي التي لا رجوع فيها ـ فتسقط نفقتها سواء أكانت عن طلاق أو فسخ ـ أي سواء بانت عن الزوج بالطلاق أو بفسخ العقد ـ إلاّ إذا كانت عن طلاق وكانت حاملاً فإنّها تستحقّ النفقة والسكنى حتّى تضع

١٨٥

حملها ، ولا تلحق بها المنقطعة ـ أي الزوجة المؤقتة ـ والحامل الموهوبة : وهي التي وهب لها الزوج المدّة قبل أوانها أو المنقضية مدّتها ، وكذا الحامل المتوفّى عنها زوجها ، فإنّه لا نفقة لها مدّة حملها ، لا من تركة زوجها ولا من نصيب ولدها على الأقوى.

7 ـ إذا ادّعت المطلقة بائناً أنّها حامل ، فإن حصل الوثوق بصحة دعواها استناداً إلى الأمارات التي يستدلّ بها على الحمل عند النساء ، أو تيسّر استكشاف حالها بإجراء الفحص الطبيّ عند الثقة من أهل الخبرة فهو ، وإلاّ ففي وجوب قبول قولها والإنفاق عليها بمجرّد دعواها إشكال ، بل منع ، أي لا يقبل قولها اعتماداً على قولها فقط دون قرائن اُخرى.

ولو أنفق عليها ثمّ تبيّن عدم الحمل استُعيد منها ما دُفع إليها ، ولو انعكس الأمر ـ أي لم يدفع إليها باعتقاد أنّها حائل ثمّ تبيّن بعد ذلك أنّها حامل ـ دفع إليها نفقتها أيام حملها.

8 ـ لا تقدير للنفقة شرعاً ، بل الضابط القيام بما تحتاج اليه الزوجة في معيشتها من الطعام والادام ، هو الشيء الذي يؤكل معه الخبز(1) .

والكسوة والفراش والغطاء ، والمسكن والخدم ، وآلات التدفئة والتبريد وأثاث المنزل ، وغير ذلك ممّا يليق بشأنها بالقياس إلى زوجها ، ومن الواضح اختلاف ذلك نوعاً وكمّاً وكيفاً ، بحسب اختلاف الأمكنة والأزمنة والحالات والأعراف والتقاليد اختلافاً فاحشاً أي كثيراً.

__________________

(1) الأُدْمُ والإدَام ما يؤتدم به ، تقول منه : أدم الخبز باللحم بأدمه بالكسر ، الصحاح 5 : 1859 « أدم ».

١٨٦

فبالنسبة إلى المسكن مثلاً ربّما يناسبها كوخ ، أو بيت شعر في الريف أو البادية ، وربّما لا بدّ لها من دار أو شقّة أو حجرة منفردة المرافق في المدينة ، وكذا بالنسبة إلى الألبسة ربّما تكفيها ثياب بدنها من غير حاجة إلى ثياب اُخرى ، وربّما لا بدّ من الزيادة عليها بثياب التجمّل والزينة.

نعم ، ما تعارف عند بعض النساء من تكثير الألبسة النفيسة خارج عن النفقة الواجبة ، فضلاً عمّا تعارف عند جمع منهنّ من لبس بعض الألبسة مرّة أو مرّتين في بعض المناسبات ، ثمّ استبداله بآخر مختلف عنه نوعاً أو هيئة في المناسبات الأُخرى.

9 ـ من النفقة الواجبة على الزوج اُجرة الحمّام عند حاجة الزوجة إليه ، سواء أكان للاغتسال أو للتنظيف ، إذا لم تتهيّأ لها مقدّمات الاستحمام في البيت ، أو كان ذلك عسيراً عليها لبرد أو غيره ، كما أنّ منها مصاريف الولادة واُجرة الطبيب والأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها عادة ، بل لا يبعد أن يكون منها ما يصرف في سبيل علاج الأمراض الصعبة التي يتفق الابتلاء بها وإن احتاج إلى بذل مال كثير ما لم يكن ذلك حرجيّاً على الزوج.

10 ـ النفقة الواجبة للزوجة على قسمين :

القسم الأوّل : ما يتوقّف الانتقاع به على ذهاب عينه ـ أي لاذهاب قيمته ـ كالطعام والشراب والدواء ونحوها ، وفي هذا القسم تملك الزوجة عين المال بمقدار حاجتها عند حلول الوقت المتعارف لصرفه ، فلها مطالبة الزوج بتمليكه إيّاها وتسليمه لها تفعل به ما تشاء ، ولها الاجتزاء ـ كما هو المتعارف ـ بما يجعله تحت تصرّفها في بيته ويبيح لها الاستفادة منه ، فتأكل وتشرب ممّا يوفّره في البيت من

١٨٧

الطعام والإدام والشراب حسب حاجتها إليه ، وحينئذٍ يسقط ما لها عليه من النفقة ، فليس لها أن تطالبه بها بعدد ذلك.

11 ـ لا يحقّ للزوجة مطالبة الزوج بنفقة الزمان المستقبل ، ولو دفع إليها نفقة أيام كاسبوع أو شهر مثلاً وانقضت المدّة ولم تصرفها على نفسها ، إمّا بأن أنفقت من غيرها ، أو أنفق عليها أحد ، كانت ملكاً لها ، وليس للزوج استردادها ، نعم لو خرجت عن الاستحقاق قبل انقضاء المدّة بموت أحدهما ـ أي أحد الزوجين ـ أو نشوزها أو طلاقها بائناً ، يوزّع المدفوع على الأيام الماضية والآتية ، ويستردّ منها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ، بل الظاهر ذلك أيضاً فيما إذا دفع إليها نفقة يوم واحد وعرضت إحدى تلك العوارض في أثناء اليوم ، فيستردّ الباقي من نفقة ذلك اليوم.

12 ـ يتخيّر الزوج بين أن يدفع إلى الزوجة عين المأكول كالخبز والطبيخ واللحم المطبوخ وما شاكل ذلك ، وأن يدفع إليها موادها كالحنطة والدقيق والأُرز واللحم ونحو ذلك ممّا يحتاج في إعداده للأكل إلى علاج ومؤونة ، فإذا اختار الثاني كانت مؤونة الإعداد ـ أي الطبخ ونحوه ممّا يجعل الطعام قابلاً للأكل ـ على الزوج دون الزوجة.

13 ـ إذا تراضيا على بذل الثمن وقيمة الطعام والأدام وتسلّمته ملكته وسقط ما هو الواجب على الزوج ، ولكن ليس للزوج إلزامها بقبول الثمن ، وليس لها إلزامه ببذله ، فالواجب ابتداءً هو العين ، أي لا ثمنها.

القسم الثاني : ما ينتفع به مع بقاء عينه ، وهذا إن كان مثل المسكن فلا إشكال في أنّ الزوجة لا تستحقّ على الزوج أن يدفعه إليها بعنوان التمليك ـ أي يكفي أن يدفعه إليها بعنوان الانتفاع به ـ والظاهر أنّ الفراش والغطاء وأثاث المنزل أيضاً كذلك ، وأمّا الكسوة فلا يبعد كونها بحكم القسم الأوّل فتستحقّ على الزوج تمليكها

١٨٨

إيّاها ، ولها الاجتزاء بالاستفادة بما هو ملكه أو بما استأجره أو استعاره ، أي ممّا ليس بملك له ، ولكن يحقّ له التصرّف فيه.

14 ـ إذا دفع إليها كسوة قد جرت العادة ببقائها مدّة ، فلبستها فخلقت ـ أي استهلكت ـ قبل تلك المدّة أو سرقت لا بتقصير منها في الصورتين ، وجب عليه دفع كسوة اُخرى إليها. ولو انقضت المدّة والكسوة باقية ليس لها مطالبة كسوة اُخرى ، ولو خرجت في أثناء المدّة عن الاستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق ، فإن كان الدفع إليها على وجه الإمتاع والانتفاع ـ كما في البيت وأثاثه ـ جاز له استردادها إن كانت باقية ، وأمّا إذا كان على وجه التمليك ـ كما في الطعام والشراب ـ فليس له ذلك.

15 ـ يجوز للزوجة أن تتصرّف فيما تملكه من النفقة كيفما تشاء ، فتنقله إلى غيرها ببيع أو هبة أو إجارة أو غيرها ، إلاّ إذا اشترط الزوج عليها ترك تصرّف معيّن فيلزمها ذلك ، أي يكون هذا الشرط لازماً لا يجوز لها مخالفته للإمتاع والانتفاع به ، فلا يجوز لها نقله إلى الغير ولا التصرّف فيه بغير الوجه المتعارف إلاّ بإذن من الزوج.

16 ـ النفقة الواجب بذلها للزوجة هو ما تقوّم به حياتها من طعام وشراب وكسوة ومسكن وأثاث ونحوها ، دون ما تشتغل به ذمّتها ممّا تستدينه لغير نفقتها ـ أي أنّ الدين الذي في ذمّتها لا يحسب من نفقتها ـ وما تنفقه على من يجب نفقته عليها ، وما يثبت عليها من فدية أو كفّارة أو أرش جناية ـ أي غرامة الجناية التي ارتكبتها ـ ونحو ذلك.

17 ـ إذا لم يكن عنده ما ينفقه على زوجته وجب عليه تحصيله بالتكسّب اللائق بشأنه وحاله ، وإذا لم يكن متمكّناً منه أخذ من حقوق الفقراء من الأخماس والزكوات والكفّارات ونحوها بمقدار حاجته في الإنفاق عليها ، وإذا لم يتيسّر له ذلك

١٨٩

تبقى نفقتها ديناً عليه ، ولا يجب عليه تحصيلها بمثل الاستيهاب والسؤال.

وهل يجب عليه الاستدانة لها إذا أمكنه ذلك من دون حرج ومشقّة ، وعلم بالتمكين من الوفاء فيما بعد ؟ الظاهر ذلك ، أي يجب عليه الاستدانة. وأمّا إذا احتمل عدم التمكّن من الوفاء احتمالاً معتدّاً به ـ أي ليس احتمالاً قليلاً لا يؤخذ بعين الاعتبار ـ ففي وجوبها عليه إشكال ، هذا في نفقة الزوجة ؟

وأمّا نفقة النفس ـ أي نفقة نفسه لا غيرها ـ فليست بهذه المثابة ، فلا يجب السعي لتحصيلها إلاّ بمقدار ما يتوقّف عليه حفظ النفس والعرض ، والتوقّي عن الإصابة بضرر بليغ ، وهذا المقدار يجب تحصيله بأيّة وسيلة حتى بالاستعطاف ـ أي بطلب العطف والاسترحام من الآخرين ـ والسؤال ، فضلاً عن الاكتساب والإستدانة.

18 ـ إذا كان الزوج عاجزاً عن تأمين نفقة زوجته ، أو امتنع من الإنفاق عليها مع قدرته ، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي كما تقدّم.

19 ـ إذا لم تحصل الزوجة على النفقة الواجبة لها كلاّ أو بعضاً ، كمّاً أو كيفاً ـ أي من ناحية مقدارها أو نوعيّتها ـ لفقر الزوج أو امتناعه ، بقي ما لم تحصله منها ديناً في ذمّته كما تقدّمت الإشارة إليه ، فلو مات اُخرج من أصل تركته كسائر ديونه ، ولو ماتت انتقل إلى ورثتها كسائر تركتها ، سواء طالبته بالنفقة في حينه أو سكتت عنها ، وسواء قدّرها ـ أي النفقة ـ الحاكم وحكم بها أم لا ، وسواء عاشت بالعسر ـ أي بالضيق ـ أو أنفقت هي على نفسها ـ باقتراض أو بدونه ـ أو أنفق الغير عليها تبرّعاً من نفسه ، ولو أنفق الغير عليها ديناً على ذمّة زوجها مع الاستئذان في ذلك من الحاكم الشرعي اشتغلت له ذمّة الزوج ـ أي بقي ديناً في ذمّته ـ بما أنفق ، ولو أنفق ـ أي الغير ـ عليها تبرّعاً عن زوجها لم تشتغل ذمّة الزوج له ولا للزوجة ، أي لا يكون ذلك الإنفاق ديناً لا في ذمّتها ولا في ذمّة الزوج.

١٩٠

20 ـ لا يعتبر في استحقاق الزوجة النفقة على زوجها فقرها وحاجتها ، بل تستحقّها على زوجها وإن كانت غنيّة غير محتاجة.

21 ـ نفقة النفس مقدّمة على نفقة الزوجة ، فإذا لم يكن للزوج مال يفي بنفقة نفسه ونفقة زوجته أنفق على نفسه ، فإن زاد شيء صرفه إليها.

22 ـ المقصود بنفقة النفس المقدّمة على نفقة الزوجة مقدار قوت يومه وليلته ، وكسوته وفراشه وغطائه ، وغير ذلك ممّا يحتاج إليه في معيشته ، بحسب حاله وشأنه.

23 ـ إذا اختلف الزوجان في الإنفاق وعدمه مع اتفاقهما على استحقاق النفقة ، فالقول قول الزوجة مع يمينها ، إذا لم تكن للزوج بيّنة ، أي شاهدين من الرجال.

24 ـ إذا كانت الزوجة حاملاً ووضعت ، وقد طُلّقت رجعيّاً ، فادّعت الزوجة أنّ الطلاق كان بعد الوضع ـ أي وضع حملها ـ فتستحقّ عليه ـ أي على الزوج ـ وادّعى الزوج أنّه كان ـ أي استحقاقها للإنفاق ـ قبل الوضع وقد انقضت عدّتها فلا نفقة لها ، فالقول قول الزوجة مع يمينها ، فإن حلفت استحقّت النفقة ، ولكن الزوج يلزم باعترافه ـ لأنّه اعترف بانقضاء عدّتها ـ فلا يجوز له الرجوع إليها.

25 ـ إذا اختلفا في الإعسار واليسار ـ أي في كون الزوج قادراً على الإنفاق أو غير قادر عليه لفقره ـ فادّعى الزوج الإعسار وأنّه لا يقدر على الإنفاق ، وادّعت الزوجة يساره ـ أي قدرته عليه ـ كان القول قول الزوج مع يمينه. نعم إذا كان الزوج مؤسراً وادّعى تلف أمواله وأنّه صار معسراً فأنكرته الزوجة كان القول قولها مع يمينها.

١٩١

القرابة

1 ـ يثبت للأبوين حقّ الإنفاق على ابنهما ، كما يثبت للولد ـ ذكراً كان أو أُنثى ـ حقّ الإنفاق على أبيه.

2 ـ يشترط في وجوب الإنفاق على القريب فقره ، بمعنى عدم وجدانه لما يحتاج إليه في معيشته فعلاً ، من طعام وأدام وكسوة وفراش وغطاء ومسكن ونحو ذلك ، فلا يجب الإنفاق على الواجد لنفقته فعلاً وإن كان فقيراً شرعاً ، أي لا يملك مؤونة سنته.

وأمّا غير الواجد لها ، فإن كان متمكّناً من تحصيلها بالاستعطاء أو السؤال لم يمنع ذلك من وجوب الإنفاق عليه بلا إشكال ، نعم لو استعطى فاُعطي مقدار نفقته الفعليّة لم يجب على قريبه الإنفاق عليه ، وهكذا الحال لو كان متمكّناً من تحصيلها بالأخذ من حقوق الفقراء من الأخماس والزكوات والصدقات وغيرها ، أو كان متمكّناً من الاقتراض ولكن بحرج ومشقة ، أو مع احتمال عدم التمكّن من وفائه فيما بعد احتمالاً معتدّاً به ، وأمّا مع عدم المشقّة في الاقتراض ووجود محلّ الإيفاء فالظاهر عدم وجوب الإنفاق عليه.

ولو كان متمكّناً من تحصيل نفقته بالاكتساب ، فإن كان ذلك بالقدرة على تعلّم صنعة أو حرفة يفي مدخولها بنفقته ولكنّه ترك التعلّم فبقي بلا نفقة ، وجب على قريبه الإنفاق عليه ما لم يتعلّم ، وهكذا الحال لو أمكنه الاكتساب بما يشقّ عليه تحمّله كحمل الأثقال ، أو بما لا يناسب شأنه كبعض الأشغال المناسبة لبعض

١٩٢

الأشخاص ولم يكتسب لذلك ، فإنّه يجب على قريبه الإنفاق عليه.

وإن كان قادراً على الاكتساب بما يناسب حاله وشأنه ، كالقويّ القادر على حمل الأثقال ، والوضيع اللائق بشأنه بعض الأشغال ، ومن كان كسوباً وله بعض الأشغال والصنائع ، وقد ترك ذلك طلباً للراحة ، فالظاهر عدم وجوب الإنفاق عليه ، نعم لو فات عنه زمان اكتسابه بحيث صار محتاجاً فعلاً بالنسبة إلى يوم أو أيام ، غير قادر على تحصيل نفقتها وجب الإنفاق عليه وإن كان ذلك العجز قد حصل باختياره ، كما أنّه لو ترك الاشتغال بالاكتساب لا لطلب الراحة بل لاشتغاله بأمر دنيويّ أو دينيّ مهم كطلب العلم الواجب ، لم يسقط بذلك التكليف بوجوب الإنفاق عليه.

3 ـ إذا أمكن المرأة التزويج بمن يليق بها ويقوم بنفقتها دائماً أو منقطعاً ، فلا يجب على أبيها أو إبنها الانفاق عليها.

4 ـ لا يشترط في ثبوت حقّ الإنفاق كون المُنفِق أو المُنفَق عليه مسلماً أو عادلاً ، ولا في المنفَق عليه كونه ذا علّة من عمىً وغيره ، نعم يعتبر فيه ـ فيما عدا الأبوين ـ أن لا يكون كافراً حربيّاً ـ أي غير كتابيّ من أصناف الكفّار الذين لا ينتسبون إلى الاسلام ـ أو من بحكمه ، أي الكتابيّ الذي بغى واعتدى على المسلمين ، أو الذي أخلّ بشرائط الذمّة من اليهود والنصارى والمجوس ، وغير ذلك من أقسام الكفّار ، وكذلك الخوارج والغلاة والنواصب.

5 ـ هل يشترط في ثبوت حقّ الإنفاق كمال المنفِق بالبلوغ والعقل ، أم لا ؟

وجهان ، أقربهما العدم ، فيجب على الولي أن ينفق من مال الصبيّ والمجنون على من يثبت له حقّ الإنفاق عليهما.

6 ـ يشترط في وجوب الإنفاق على القريب قدرة المنفِق على نفقته بعد نفقة

١٩٣

نفسه وزوجته الدائمة ، فلو حصل له قدر كفاية نفسه وزوجته خاصة لم يجب عليه الإنفاق على أقربائه ، ولو زاد من نفقة نفسه وزوجته شيء صرفه في الإنفاق عليهم ، والأقرب منهم مقدّم على الأبعد ، فالولد مقدّم على ولد الولد ، ولو تساووا وعجز عن الإنفاق عليهم جميعاً فالأظهر وجوب توزيع الميسور عليهم بالسويّة إذا كان ممّا يقبل التوزيع ويمكنهم الانتفاع به ، والاّ فالأحوط الأولى أن يقترع بينهم وإن كان الأقرب أنّه يتخير في الانفاق على أيّهم شاء.

7 ـ إذا كان بحاجة إلى الزواج ، وكان ما لديه من المال لا يفي بنفقة الزواج ونفقة قريبة معاً ، جاز له أن يصرفه في زواجه وإن لم يبلغ حدّ الاضطرار إليه أو الحرج في تركه.

8 ـ إذا لم يكن عنده ما ينفقه على قريبه ، وكان متمكّناً من تحصيله بالاكتساب اللائق بشأنه ، وجب عليه ذلك ، وإلاّ أخذ من حقوق الفقراء أو استدان لذلك.

9 ـ لا تقدير لنفقة القريب شرعاً ، بل الواجب القيام بما يقيم حياته من طعام وأدام وكسوة ومسكن وغيرها ، مع ملاحظة حاله وشأنه زماناً ومكاناً ، حسبما مرّ في نفقة الزوجة.

10 ـ ليس من الإنفاق الواجب للقريب ـ ولداً كان أو والداً ـ بذل مصاريف زواجه من الصداق وغيره وإن كان ذلك أحوط ـ وجوباً ـ لا سيّما في الأب مع حاجته ـ أي مع حاجة الأب أو الابن ـ الى الزواج وعدم قدرته على نفقاته.

11 ـ ليس من الإنفاق الواجب للقريب أداء ديونه ، ولا دفع ما ثبت عليه من فدية أو كفّارة أو أرش جنايةٍ ـ أي غرامة الجناية ـ ونحو ذلك.

12 ـ يجب على الولد نفقة والده دون أولاده ـ أي سواء كانوا إخوته من أبيه أو من اُمّه وأبيه ـ لأنّهم إخوته ، ودون زوجته ـ أي زوجة الأب ـ ويجب على الوالد نفقة

١٩٤

ولده دون زوجته ـ أي زوجة الولد ـ ونفقة أولاد ولده ـ أي أحفاده ـ أيضاً بناءً على ما تقدّم من وجوب نفقة الولد على جدّه.

13 ـ يجزئ في الإنفاق على القريب بذل المال له على وجه الإمتاع ـ أي على نحو يمكنه الاستفادة منه ـ والانتفاع ، ولا يجب تمليكه له ، فإن بذله له من دون تمليك لم يكن له ـ أي لا يحقّ له ـ أن يملّكه أو يبيحه للغير ، إلاّ إذا كان مأذوناً في ذلك من قبل المالك ، ولو ارتزق بغيره وجبت عليه إعادته إليه ـ أي إلى المالك ـ ما لم يكن مأذوناً بالتصرّف فيه حتى على هذا التقدير.

14 ـ يجزئ في الإنفاق على القريب بذل الطعام والأدام ونحوهما له في دار المُنفِق ، ولا يجب نقلها إليه في دار اُخرى ، ولو طلب المنفَق عليه ذلك لم تجب إجابته ، إلاّ إذا كان له عذر من استيفاء النفقة في بيت المنفِق من حرّ أو برد أو وجود من يؤذيه هناك أو نحو ذلك.

15 ـ نفقة الأقارب تقبل الإسقاط بالنسبة إلى الزمان الحاضر على الأظهر ، ولا تقبل الإسقاط بالنسبة إلى الأزمنة المستقبلة.

16 ـ لا تُقضى ولا تُتدارك نفقة الأقارب لو فاتت في وقتها وزمانها ولو بتقصير من المُنفِق ، ولا تستقرّ في ذمّته ـ أي في ذمّة المنفق ـ بخلاف نفقة الزوجة كما مرّ ـ أي لا تسقط وإن فات وقتها ـ نعم لو أخلّ بالإنفاق الواجب عليه ورفع من له الحقّ ـ أي الذي تجب نفقته ـ أمره إلى الحاكم الشرعي فأذن له في الاستدانة عليه ـ أي يستدين من شخص ويكون الوفاء على الذي يجب أن ينفِق ـ ففعل اشتغلت ذمّته بما استدانه ووجب عليه أداؤه.

17 ـ إذا دافع وامتنع من وجبت عليه نفقة قريبة عن بذلها جاز لمن له الحقّ

١٩٥

إجباره عليه ، ولو باللجوء إلى الحاكم وإن كان جائراً. وإن لم يمكن إجباره ، فإن كان له مال جاز له أن يأخذ منه بمقدار نفقته بإذن الحاكم الشرعي ، وإلاّ ـ أي وإن لم يكن له مال ـ جاز له ـ أي لمن له الحقّ ـ أن يستدين على ذمّته بإذن الحاكم ، فتشتغل ذمّته ـ أي ذمّة من وجب عليه الانفاق ـ بما استدانه ويجب عليه قضاؤه ، وإن تعذّر عليه ـ أي على صاحب الحقّ ـ مراجعة الحاكم رجع إلى بعض عدول المؤمنين ، واستدان عليه بإذنه ، فيجب عليه أداؤه.

١٩٦

كتاب الطلاق

شروط المطلِّق

يشترط في المطلِّق أُمور :

الأمر الأوّل البلوغ : فلا يصح طلاق الصبيّ ، لا مباشرة ولا بتوكيل الغير وإن كان مميّزاً ـ والمميِّز : هو الذي يدرك الطلاق ويعقله ـ وإن لم يبلغ عشر سنين ، وأمّا طلاق من بلغها ـ أي العشر سنين ـ ففي صحته إشكال ، فلا يترك مقتضى الاحتياط فيه(1) .

2 ـ كما لا يصح طلاق الصبيّ بالمباشرة ولا بالتوكيل ، لا يصح طلاق وليّه عنه ، كأبيه وجدّه فضلاً عن الوصي والحاكم الشرعي.

الأمر الثاني العقل : فلا يصح طلاق المجنون وإن كان جنونه أدواريّاً ـ أي غير مستغرق لجميع الوقت ، بل يجنّ في بعض الأوقات ويرجع إلى عقله في الأوقات الاُخرى ـ إذا كان الطلاق في دور جنونه.

3 ـ يجوز للأب والجدّ للأب أن يطلّق عن المجنون المطبق ـ أي غير الإدواري ـ زوجته مع مراعاة مصلحته ، سواء بلغ مجنوناً ـ أي وصل إلى سنّ البلوغ وهو مجنون ـ أو عرض عليه الجنون بعد البلوغ ، فإن لم يكن له أب ولا جدّ كان الأمر إلى الحاكم الشرعي.

وأمّا المجنون الإدواري فلا يصح طلاق الولي عنه وإن طال دوره ، بل يطلّق هو

__________________

(1) الاحتياط هنا وجوبي.

١٩٧

حال إفاقته ، وكذا السكران والمغمى عليه فإنّه لا يصح طلاق الولي عنهما ، بل يطلّقان حال إفاقتهما.

الأمر الثالث القصد : بأن يقصد الفراق حقيقةً ، فلا يصح طلاق السكران ونحوه ممّن لا قصد له معتدّاً به ، وكذا لو تلفّظ بصيغة الطلاق في حالة النوم ، أو هزلاً ، سهواً أو غلطاً أو في حال الغضب الشديد الموجب لسلب القصد ، فإنّه لا يؤثر في الفرقة ، وكذا لو أتى بالصيغة للتعليم أو الحكاية أو التلقين ، أو مداراةً لبعض نسائه مثلاً ولم يردّ الطلاق جدّاً.

4 ـ إذا طلّق ثمّ ادّعى عدم القصد فيه ، فإن صدّقته المرأة فهو ـ أي فلا يقع الطلاق ـ وإلاّ ـ أي وإن لم تصدّقه ـ لم يسمع منه ، أي يقع الطلاق.

الأمر الرابع الاختيار : فلا يصح طلاق المكرَه ومن بحكمه ، أي المضطرّ على الطلاق لسبب ما.

5 ـ الإكراه : وهو إلزام الغير بما يكرهه بالتوعيد على تركه بما يضرّ بحاله ممّا لا يستحقّه ، مع حصول الخوف له من ترتّبه ، أي من ترتّب الضرر ، ويلحق به ـ موضوعاً أو حكماً ـ ما إذا أمره بإيجاد ما يكرهه مع خوف المأمور من إضراره به لو خالفه وإن لم يقع منه توعيد أو تهديد(1) ، وكذا لو أمره بذلك وخاف المأمور من قيام الغير بالإضرار به على تقدير مخالفته ، وهذا هو مثال ما يلحق به حكماً.

ولا يلحق به موضوعاً ولا حكماً ما إذا أوقع الفعل مخافة إضرار الغير به على تقدير تركه من دون إلزام منه إيّاه ، كما لو تزوّج امرأة ثمّ رأى أنّها لو بقيت في عصمته

__________________

(1) الإلزام بما يكرهه موضوعاً : بمعنى أن الآمر يريد منه إيجاد شيء يكرهه ـ مع خوف المأمور من الضرر ـ حتى وإن لم يوعده أو يهدّده.

١٩٨

لوقعت عليه وقيعة من بعض أقربائها ، فالتجأ إلى طلاقها فإنّه لا يضرّ ذلك بصحة الطلاق.

وهكذا الحال فيما إذا كان الضرر المتوعّد به ممّا يستحقّه ، كما إذا قال وليّ الدم للقاتل : طلّق زوجتك وإلاّ قتلتك ، أو قال الدائن للغريم : طلّق زوجتك وإلاّ طالبتك بالمال ، فطلّق فإنّه يصح طلاقه في مثل ذلك.

6 ـ المقصود بالضرر الذي يخاف من ترتّبه ـ على تقدير عدم الإتيان بما اُلزم به ـ ما يعمّ الضرر الواقع على نفسه وعرضه وماله ، وعلى بعض من يتعلّق به ممّن يهمّه أمره.

7 ـ يعتبر في تحقّق الإكراه أن يكون الضرر المتوعّد به ممّا لا يتعارف تحمّله لمثله تجنّباً عن مثل ذلك العمل المكروه ، بحيث يعدّ عند العقلاء مُلجِأً إلى ارتكابه ، وهذا أمر يختلف باختلاف الأشخاص في تحمّلهم للمكاره ، وباختلاف العمل المكروه في شدّة كراهته وضعفها ، فربّما يعدّ الإيعاد بضرر معيّن على ترك عمل مخصوص موجِباً ـ أي مؤدّياً ـ لإلجاء شخص إلى ارتكابه ، ولا يعدّ موجِباً لإلجاء آخر إليه ، وأيضاً ربّما يعدّ شخص مُلجأ إلى ارتكاب عمل يكرهه بإيعاده بضرر معيّن على تركه ، ولا يعدّ ملجأً إلى ارتكاب عمل آخر مكروه له أيضاً بإيعاده بمثل ذلك الضرر ، أي ربّما يكون شخص واحد يتحمّل مشقّة وضرر الإكراه على عمل دون عمل آخر.

8 ـ يعتبر في صدق الإكراه عدم إمكان التفصّي ـ أي التخلّص ـ عنه بغير التورية ممّا لا يضرّ بحاله كالفرار والاستعانة بالغير ، ويعتبر فيه ـ أي في صدق عنوان الإكراه ـ عدم إمكان التفصّي بالتورية ولو من جهة الغفلة عنها ـ أي عن التورية ـ أو الجهل بها ، أو حصول الاضطراب المانع من استعمالها ، أو نحو ذلك.

١٩٩

9 ـ إذا أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه ـ أي لا على وجه التعيين ـ فطلّق إحداهما المعيّنة تجنّباً من الضرر المتوعّد به بطل ، ولو طلّقهما معاً بإنشاء واحد صحّ فيهما ـ وكذا لو أكرهه على طلاق كلتيهما بإنشاء واحد فطلّقهما تدريجاً ـ أي لا دفعة واحدة ـ أو طلّق إحداهما فقط.

وأمّا لو أكرهه على طلاقهما ولو متعاقباً ـ أي واحدة بعد الأُخرى ـ وأوعده على ترك مجموع الطلاقين فطلّق إحداهما عازماً على طلاق الأُخرى أيضاً ، ثمّ بدا له فيه وبنى على تحمّل الضرر المتوعّد به فالأظهر بطلان طلاقها ، أي لا يقع طلاق واحدة منهما.

10 ـ لو أكرهه على أن يطلّق زوجته ثلاث طلقات بينها رجعتان ، فطلّقها واحدة أو اثنتين ، ففي بطلان ما أوقعه إشكال بل منع ـ أي لا يبطل الطلاق ـ إلاّ إذا كان متوعّداً بالضرر على ترك كلٍّ منها أو كان عازماً في حينه على الإتيان بالباقي ثمّ بدا له فيه وبنى على تحمّل الضرر المتوعّد به ، أو أنّه احتمل قناعة المكره بما أوقعه وإغماضه عن الباقي فتركه ونحو ذلك.

11 ـ إذا أوقع الطلاق عن إكراه ثمّ رضي به لم يفد ذلك في صحته ، وليسَ كالعقد المكره عليه الذي تعقّبه الرضى.

12 ـ لا حكم للإكراه إذا كان على حقّ ، فلو وجب عليه أن يطلّق وامتنع منه فاُكره عليه فطلّق صحّ الطلاق.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464