الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا0%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف: حسن محمد تقي الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 464
المشاهدات: 84007
تحميل: 8858

توضيحات:

الربا .. فقهيا واقتصاديا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84007 / تحميل: 8858
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

اعتبار المكيل عند المخاطب وفي عرفه، ومثلم الموزون اذ لافرق بينها من ناحية التقدير.

ولكن يمكن ان يقال: انه لم يعلم ان ما تعارف كيله او وزنه في عرف الائمة (ع) واصحابهم - الذين هم المستند في هذه الرواية - كان غير مقدر في زمان الشارع حتى تتحقق المنافاة، اذ ربما كان الكيل في زمان الائمة (ع) واصحابهم هو نفس الكيل في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، او ان يقال(١) ان مفهوم المكيل والموزون في الاخبار لايراد بهما كل شيء صار مكيلا او موزونا، وانما هما كالعنوان المشير الى موضوعه (اي المراد بهما المصداق الفعلي المعنون بهما في زمان المتكلم) وهذه الافراد التي صارت فيما بعد مكيلة مثلا لايعلم عدم كونها مكيلة او موزونة في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الا اننا نقول: ان هذا مخالف لظاهر عنوان مايكال ويوزن حيث ان ظاهر العناوين ان لها موضوعية فيراد بهما كل ما فرض صيرورته كذلك حتى تعم ما علم كونه غير مقدر في زمن الشارع اذا كيل او وزن فيمابعد، وتوضيح ذلك: ان الروايات الواردة في اعتبار الكيل والوزن اكثرها صدرت من قبل الامامين الباقر والصادق (ع) ونحن نعلم ان الفارق الزمني بينهما وبين زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قرن ونصف، قد حدثت فيه تحولات اجتماعية كثيرة نتيجة للتلاقح الحضاري كما ينقل ان كثيرا من الاشياء المكيلة في مجلس للمنصور كان فيه مالك بن انس قد بدلت الى الموزونة.

ومن الملاحظ ان الكر والصاع والمد والرطل كانت اسامي لمكاييل خاصة في عصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتبدلت الى الاوزان بعد ذلك، وعلى كل حال فلو كان عنوان المكيل والموزون الوارد في الروايات النبوية، مشيرا إلى

____________________

(١) في رد الاطلاق وهو الدليل الاول.

١٤١

انواع خاصة كانت مكيلة او موزونة في عصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لكان على الائمة (ع) - وهم في مقام البيان - ان ينبهوا الى هذه الظاهرة، فعدم التنبيه وهو اطلاق مقامي يقتضي الحمل على المكيل والموزون بما هما كذلك، لابماهما معرفان لما كان في عصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . هذا كله بالاضافة الى القاعدة العامة - فيما لودار الامر في عنوان بين موضوعيته ومعرفيته - من حمله على الموضوعية، وهو مقتضى التطابق بين مقام الاثبات (الظهور) ومقام الثبوت (الواقع والارادة الجدية) وهذا هو اساس اصالة الظهور.

والخلاصة: ليس الكلام في مفهوم المكيل والموزون، لوضوحهما، اذ المكيل مايوضع في المكيال (اي ما من شأنه ان يوضع في المكيال) والموزون مايوضع في الميزان، بل الكلام في افراد هذا المفهوم(١) فاما ان يراد منهما ما كان في عرف المتكلم او العرف العام او في عرف كل مكلف؟ فلاوجه لقول المشهور من حمل اللفظ في الرواية على ما كان في زمان الشارع ثم على العادة المتعارفة في البلدان، اذ لايمكن استفادة هذا الترتيب من الرواية، اذ لاتدل على اعتبار الكيل فيما لوشك في كونه مقدرا في زمان الشارع مع تعارف التقدير فيه في الزمان الاخر، ولاتدل ايضا على اعطاء كل بلد حكم نفسه مع اختلاف البلدان، اذن دلالة الرواية على ماتعارف تقديره عند المتبايعين، فيكون المكيل والموزون الذي هو شرط في تحقق الربا ما كان كذلك متعارفا عندهما.

وبعبارة اخرى: اذا كان الظاهر من المكيل والموزون هو الموضوعية لاكونه مشيرا الى افراد معينة، فحينئذ يدخل المكيل والموزون تحت ضابطة المشتق

____________________

(١) فلاوجه لما ذكره في الحدائق من تمسكه بأن المرجع في الالفاظ عرف الشارع فالمكيل ما كان في زمان الشارع، وكذا الموزون والمعدود. اذ لااشكال في معنى اللفظ كما هو واضح. المكاسب١/١٩٣.

١٤٢

من أنه حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدأ، وهذا التلبس بالمبدأ لايراد منه الفعلية، وانما المراد منه الشأنية والملكة، أي يراد منه ما كان مكيلا وموزونا ومن شأنه ذلك عند المتبايعين. ويؤيده مضمر علي بن ابراهيم(١) «ولاينظر فيما يكال او يوزن الا الى العامة، ولايؤخذ فيه بالخاصة فان كان قوم يكيلون اللحم ويكيلون الجوز فلايعتبر بهم، لان اصل اللحم ان يوزن واصل الجوز ان يعد» فالميزان في هذه الرواية هو الشأنية والملكة لما يكال او يوزن. وبما ان العرف العام فيه هذه الشأنية ولم توجد عند الخاصة، فجعل الميزان هو العرف العام لا الخاص.

ولكن يبقى شيء واحد ينافي هذا القول الذي دل عليه الدليل، وهو ثبوت بعض الاشياء بأنها ربوبية كالحنطة والتمر والزبيب وغيرها مما ذكرته الروايات وان لم يكن مقدرا في يوم ما. ويمكن حل المنافاة: بأن نلتزم بأنها اعواض وامثال ربوية لوجود الاحكام المشهورة باجماع منقول تعضده الشهرة، فيكون الحكم بربويتها تعبدا من الشارع، وان لم تكن ربوية موضوعا، حيث لايمكن ان نلتزم بانها ربوية موضوعا وهي لاتقدر في ذلك الزمان، ونخلف الدليل الذي دل على تعارف تقديره عند المتبايعين، لان صحيحة الحلبي لايمكن مخالفتها عند الجميع.

كما يمكنها ان نقول: بأن ربوية هذه الاشياء ثابتة عند الشارع في ذلك الوقت، لان ملاك ربويتها تحقق في ذلك الوقت وهو كونها مقدرة، وهذا لاينافي عدم كونها ربوية اذا تعارف عدم تقديرها في زمان ما، فنلتزم بانها ليست بربوية لعدم وجود التقدير، وهذا هو الاقوى.

____________________

(١) الوسائل/ج١٢/ باب «٦» من ابواب الربا/حديث«٦»/ ص٤٣٥.

١٤٣

واما ما ذكروه من ان البلاد الاسلامية اذا كانت متفقة على الكيل او الوزن اخذ به اذا لم تعرف حالة الشرع، حملا للفظ على ماتعارف عند الناس من عاداتهم، فانه فرع كون الحكم معلقا على الوزن والكيل من دون تقييد، ولكنهم لايمكنهم قبول هذا التفريع لانهم اما ينكرون كون الحرمة معلقة على الكيل او الوزن او يعترفون بها ولكنها مقيدة بزمان الشارعصلى‌الله‌عليه‌وآله فلاوجه لما ذكروه.

وكذلك لاوجه لما ذكر من ان لكل بلد عرفه الخاص اذا لم يوجد عرف عام لما تقدم.

ثم انه اذا انتهينا الى ان الرواية تدل على ما تعارف تقديره عند المتبايعين من الكيل او الوزن، فربما يتسائل عن معرفة كون الشيء مكيلا او موزونا؟.

وبما تقدم يعرف الجواب عن هذا السؤال «وهو ما يكون من شأنه ان يوضع في الكيل او الوزن» ويمكن معرفة ذلك ايضا بالسؤال عن ماليته من اهل الخبرة كما اذا سئل التاجر كم من الرمان تملك؟ فيقول مثلا املك خمسين وزنة، واذا سئل كم من الجص تملك؟ فيقول املك خمسين كيلة خاصة، واذا سئل كم من البيض تملك؟ فيقول املك مائة بيضة، فيعرف مثلا ان الرمان موزون والجص مكيل والبيض معدود، وهذا كاشف عن ان مالية الاول عند العقلاء تعرف بالوزن، والثاني بالكيل والثالث بالعد.

بيع المكيل بالوزن وبالعكس:

بعد ان بينا المراد من الكيل والوزن، فهل يصح بيع المكيل بواسطة الوزن متساويا؟ وهل يصح بيع الموزون بواسطة الكيل متساويا؟ فمثلا اذا كان الجنسان مما تعارف فيهما الوزن ولكن وقعت عليهما المعاملة بالكيل وكانا متساويين من ناحية الكيل، ولكنهما من ناحية الوزن يختلفان او لم يحرز تساويهما

١٤٤

فهل يلزم الربا ام لا؟.

وننبه اولا الى ان هذه المسألة فيها اشكالان: الاول من ناحية الربا اذا كان العوضان متماثلين، والثاني من ناحية الغرر والجهالة في البيع. وقد يجاب بجواز ذلك اذا كان الكيل امارة على الوزن او بالعكس كما اذا كان الشيء موزونا عند العقلاء بأن تعرف ماليته بالثقل كالذهب والفضة ولكن لاجل السهولة جعل الكيل امارة للوزن الخاص، فهنا لااشكال في صحته لعدم الجهالة وعدم التفاوت. واما اذا كان الموزون يباع بالكيل من غير ان يكون الكيل امارة على الوزن وبالعكلس فهل يصح هذا البيع؟.

وقد ذكر في ملحقات العروة(١) جواز بيع المكيل بالوزن، دون العكس، واستدل:

١- بأضبطية الوزن من الكيل فلو استعملنا الاضبط فهو اولى.

٢- بأن الوزن اصلا في الكيل واسبق زمانه منه، والرجوع الى الاصل اولى.

وقد نوقش الدليل الاول بأن الازمان السابقة تختلف فيها الاوزان عند مختلف البائعين وليس للاوزان حد واحد عند الجميع، وربما كان هنا كبعض المكاييل اضبط من الاوزان كاللتر، ولكن الحق ان الاوزان بصورة عامة وان لم تكن متحدة عند جميع البائعين الا انها اضبط من المكاييل في ذلك الزمان عند جميع البائعين، وصاحب العروة (قده) لايدعي ان الموازين ليس فيها اختلاف واختلال وانما يدعي اضبطتيها من الكيل وهو صحيح.

نعم يرد على الدليل الاول ان الاضبطية في الوزن لاترفع الغرر ولاتوجب التماثل، لان الغرض العقلائي لمالية الشيء اذا كن هو الكيل (معرفة الحجم) وبه تعرف المماثلة للشيء فمجىء الاضبط اذا كان لايكشف عن المماثلة العقلائية

____________________

(١) ٣/٣٧ - ٣٨.

١٤٥

ولايرتفع به الغرر فلا فائدة فيه. وربما يكون اتحاد الوزن فيما يكال موجبا لاختلاف القيمة عند العقلاء، فمثلا اذا كان شيئا يباع بالكيل واردنا بيعه بالوزن فلاتعرف القيمةحينئذ، حيث ان الخفة قد تكون هي ميزان القيمة عند العقلاء مع الحجم، فاذا اردنا ان نجعل الثقل وهو الوزن اساس القيمة فلا يكون هذا معروفا عند العقلاء.

وقد يناقش الدليل الثاني بعدم وجود دليل عليه، اذ لعل الكيل هو الاصل وهو قريب مع ملاحظة المجتمعات البدائية، فان تعيين حجم الاشياء مثل الحنطة وغيرها بالكيل يكون اخف واسهل من معرفتها بالوزن، والانسان في بداية امره يتوسل بالاشياء السهلة كالكيل ثم يتعمق ويصل الى الاشياء الدقيقة، بالاضافة الىان الوزن لاتنفعنا اسبقيته من الكيل، اذ الذي ينفع في المقام هو رفع الجهالة في البيع وحصول التساوي في مبادلة المتماثلين، واذا فرضنا ان العقلاء تعلق غرضهم بالحجم وبه ترتفع الجهالة ويحصل التساوي، فحينئذ استعمال الوزن لاترتفع به الجهالة عند العقلاء ولايحصل به التساوي.

اذن الصحيح هو يجب بيع المكيل بالمكيل والموزون بالوزن وذلك: لان المقاييس عند البشر مختلفة، فان تعلق الغرض العقلائي بالوزن فمعنى ذلك ان هذا الشيء عند العقلاء تختلف ماليته باختلاف ثقله، وان تعلق الغرض العقلائي بالكيل. فمعنى ذلك ان هذا الشيء عند العقلاء تختلف ماليته باختلاف حجمه، وان تعلق الغرض العقلائي بالمساحة فمعنى ذلك ان القماش مثلا عند العقلاء تختلف ماليته باختلاف الأمتار، اذن كل مقياس اذا استعمل في الغرض العقلائي عند البشر فقد ارتفعت الجهالة فيصح البيع، او حصلت المماثلة العرفية العقلائية فيصح مبادلة المتماثلين. فمثلا الحنطة والشعير لابد من بيعهما مثلا بمثل وهما موزونان عند العقلاء فلابد من المماثلة بالوزن لان قيمتهما بالثقل، فلو استعملنا

١٤٦

معها الكيل فربما لايكون بينهما تماثل بالوزن وان كان التماثل بالكيل، فيتحقق الربا لعدم حصول المائلة الخاصة التي اعتبرها العقلاء في الحنطة والشعير التي هي ميزان التماثل، وكذلك في البطيخ والرقي وامثالهما، حيث ان المعتبر فيها عند العقلاء اذا كان هو الوزن، ونحن اردنا نبيعها بمثلها كيلا، وكذلك الشيء الذي يباع بالامتثار كالفرش، فاذا اردنا بيعه بالوزن فلا تعرف قيمته عند العقلاء ويحصل به الغرر.

وبهذا يظهر ضعف القول الذي ذكره في الدروس من كفاية كل من الوزن والكيل عن الاخر مطلقا، واستدلاله بخبر وهب وهو قوله (ع) «لا بأس بسلف مايوزن فيما يكال ومايكال فيما يوزن»(١) غير صحيح اذ المراد من الخبر اسلاف الموزن فيما يكال وبالعكس لاعمال احدهما في موضع الاخر، بالاضافة الى ان الرواية ضعيفة باكذب البرية.

تحقيق الاصل في المقام:

اذا شككنا في شيء انه يباع موزونا او مكيلا و بغيرهما؟.

فان قلنا بمقالة المشهور من ان المعتبر هو ما كان مكيلا او موزونا في زمن الشارع المقدس، فمالم يعلم انه كذلك فالاصل اللفظي هو حلية البيع، حيث ان الربا محرم الا فيما اذا لم يكن مكيلا او موزونا، وعدم كونه مكيلا او موزونا نحرزه بالاصل العملي لانهما حادثان والاصل عدمهما، وبهذا الاصل العملي يتنقح موضوع حلية البيع، فلا وجه لما ذكره في العروة(٢) من ان التمسك بالعمومات نقول به اذا قلنا بالتمسك بالعام في الشبهة المصداقية، حيث ان

____________________

(١) الوسائل/ج١٣/ باب «٧» من ابواب بيع السلف/حديث«١»/ص٦٣.

(٢) العروة الوثقى٣/٣٣.

١٤٧

التمسك بالعام في الشبهة المصداقية انما يكون فيما اذا لم ينقح موضوع العلم بالاصل العملي كما اذا قال اكرم العالم ولا ادري ان زيدا عالم ام لا؟ فاتمسك بالعموم اما هنا فليس كذلك كما تقدم(١) .

وأما اذا قلنا بان المدار يكون بالكيل والوزن في عرف المتبايعين، وشككنا ان هذا الشيء مكيل او موزون؟ فأيضا يكون الاصل اللفظي هو حلية البيع بنفس التقريب المتقدم موضوع الحلية بالاصل العملي والتمسك بالعام.

واما الاصل العملي فقد تقدم وهو لايفيدنا لان الاثر لايترتب به بل بسببه وهو التمسك بالعموم.

وفي تفاضل المتماثلين اذا لم يكونا مكيلين او موزونين : أي اذا كانا معدودين».

وبناءا على ما تقدم من حدود موضوع الربا نقول بالجواز هنا، لان الربا كما تقدم في المتماثلين اذا كانا مما يكال او يوزن وهنا لاكيل ولاوزن، فيبقى داخلا تحت العموم الفوقاني من حلية العقود والامر بالوفاء بها، مضافا الى اطلاق الاخبار المستفيضة النافية للبأس عن البيضة بالبيضتين والبعير بالبعيرين والدابة بالدابتين والثوب بالثوبين، بناء على كونه معدودا. وطريق الجمع بين رواية المنع وعدم البأس هو حمل المنع على ارادة الكراهة الاصطلاحية.

والروايات كثيرة منها:

١ - موثق منصور بن حازم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن البيضة بالبيضتين قال لابأس به، والثوب بالثوبين، قال: لا بأس به، والفرس بالفرسين فقال: لابأس به، ثم قال: كل شيء يكال او يوزن فلايصلح مثلين بمثل اذا كان

____________________

(١) وهذا لاينافى ما عليه المشهور من اصالة الفساد في المعاملات، لان اصالة الفساد محكومة بأصالة «عدم الشرطية».

١٤٨

من جنس واحد، فاذا كان لايكال ولايوزن فلابأس به اثنين بواحد»(١) وغيرها كثير.

واما الرواية المانعة: فهي صحيحة محمد بن مسلم قال(٢) : «سألت ابا عبد الله (ع) عن الثوبين الرديين بالثوب المرتفع، والبعير بالبعيرين والدابة بالدابتين. فقال: كره ذلك عليعليه‌السلام ، فنحن نكرهه الا ان يختلف الصنفان... الخ» وطريق الجمع بين هذه وماتقدم ماتقدم.

وهذا الذي ذكر هو المشهور الذي ادعي عليه الاجماع بأنه لاربا في المعدود سواء كان البيع نقدا و نسيئة، ولكن قد يقال بان المستفاد من الروايات هو المنع من بيع النسيئة في المتماثلين حتى اذا كانا من المعدود، وحينئذ تقيد اطلاقات روايات «لاربا الا فيما يكال او يوزن» بغير النسيئة كما انه مقيد بغير الربا القرضي حتما، وكذلك تقيد الروايات المتقدمة الدالة على جواز بيع المعدود بأكثر منه مطلقا بغير النسيئة. والروايات المقيدة هي:

١ - صحيحة زرارة(٣) عن ابي جعفر (ع) قال: «البعير بالبعيرين والدابة بالدابتين يدا بيد ليس به بأس» فان التقيد بقوله «يدا بيد» ظاهر في ان مطلق البيع ليس موضوعا لعدم البأس، بل الحصة الخاصة منه وهي البيع النقدي هو الذي لابأس به.

٢ - صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله(٤) قال «سألت ابا عبد الله (ع) عن العبد بالعبدين والعبد بالعبد والدراهم. قال: لابأس بالحيوان كله يدا بيد» بناء

____________________

(١) الوسائل/ج١٢/ باب «١٦» من ابواب الربا/ حديث«٣»/ ص٤٤٨.

(٢) نفس المصدر/ حديث«٧»/ ص٤٤٩ ومثلها في المعنى صحيحة ابن مسكان عن الصادق «ع».

(٣) نفس المصدر باب«١٧» حديث«١»/ ص٤٤.

(٤) نفس المصدر حديث«٦»/ص٤٥٠.

١٤٩

على ما رواه في الكافي ولفقيه والتهذهب، نعم في الاستبصار زيادة قوله «ونسيئة» ولكن هذه الزيادة ليست في جميع نسخ الاستبصار، اذ في طبعة الهند في الجزء الثاني(١) ذكرت الرواية بدون كلمة «ونسيئة»، هذا وقد راجعت النسخة الخطية لهذه الطبعة لاحتمال الخطأ في الطبع، ولكن ظهر ان النسخة الخطية هي ايضالاتوجد فيها كلمة «ونسيئة»(٢) كما وتوجد نسخة خطية اخرى(٣) قرئت على المجلسيرحمه‌الله ولم يكن في الرواية ايضا كلمة «ونسيئة». اذن الترجيح للرواية الخالية من كلمة «ونسيئة».

ولكن هناك رواية خاصة استدل بها على تجويز النسيئة وهي:

١ - صحيح زرارة السابق عن الباقرعليه‌السلام «البعير بالبعيرين والدابة بالدابتين يدا بيد ليس به بأس. وقال: لابأس بالثوب بالثوبين يدا بيد ونسيئة هذا وصفتهما». والاحتجاج بها واسقاطها من الادلة المقيدة للجواز بغير النسيئة في المعدودات مع التفاضل متوقف على ان يكون سند الذيل هو سند الصدر، وهو غير ظاهر لجواز كونه رواية مستقلة مرسلة عن الصدوق، اذ نص الصدوق هو: (وروى جميل بن دراج عن زرارة عن ابي جعفر (ع) قال البعير بالبعيرين والدابة بالدابتين يدا بيد ليس به بأس وقال: لابأس بالثوب بالثوبين يدا بيد ونسيئة اذا وصفتهما) ويؤيد عدم كون الذيل من الراوية نقل الكافي للرواية عن زرارة عن

____________________

(١) ص٥٦.

(٢) الاستبصار «نسخة خطية» ص٤٨٢ تحت رقم «٣٥٥١» في مكتبة السيد النجفي المرعشي بقم.

(٣) الاستبصار «نسخة خطية» الكتاب غير مرقم/تحت رقم «٣٥٩٠» في مكتبة السيد المرعشي بقم.

١٥٠

أبي جعفر (ع) ولم يذكر ذيلها، وقد ذكر الشيخ في التهذيب نقل الرواية باسناده عن الحسين بن سعيد بدون ذكر الذيل(٢) ، بالاضافة الى ان صدرها دليل على ضعف قول المشهور.

٢ - رواية سعيد بن يسار «قال سألت ابا عبد الله (ع) عن البعير بالبعيرين يدا بيد ونسيئة. فقال: نعم لابأس اذا سميت الاسنان جذعين او ثنبين، ثم امرني فخططت على النسيئة لان الناس يقولون لا فانما فعل ذلك للتقية»(٣) ورويت في الكافي الى قوله فخططت على النسيئة(٤) وكذلك في التهذيب(٥) من دون ذكر اذا سميت الاسنان جذعين او ثنيين. وحينئذ يكون قوله «لان الناس يقولون لا...» الخ من كلام الصدوق.

ومع قطع النظر عن هذا فان الرواية يحتمل فيها اثبات النسيئة، وعدم الخط عليها للتقية، ثم بعد ارتفاع سبب التقية امره بالخط عليها، ويحتمل العكس كما ادعاه الصدوق. اذن الدليل على الربا في المتماثلين نسيئة موجود وان لم يكال او يوزن ولم يكن له معارض. هذا بالاضافة الى ان رواية سعيد بن يسار في سندها عثمان ابن عيسى وهو واقفي لم يوثق، ولكنه ممدوح، فعلى مسلك من لايعمل

____________________

(١) الكافي/ج٥ باب المعاوضة في الحيوان والثياب وغير ذلك/ص١٩٠ حديث«١».

(٢) التهيب/ج٧/ باب بيع الواحد بالاثنين واكثر من ذلك/ ص١١٧ حديث«١١٧».

(٣) الوسائل/ج١٢/ باب «١٧» من ابواب الربا/حديث«٧»/ص٤٥١.

(٤) الكافي/ج٥/ باب المعاوضة في الحيوان والثياب وغير ذلك/حديث«٤» ص١٩١.

(٥) التهذيب/ج٧/ باب بيع الواحد بالاثنين واكثر من ذلك/حديث«١١٦» ص١١٧ - ١١٨.

١٥١

بالحسن لاتكون هذه الرواية معارضة للصحاح كما هو الصحيح.

وبهذا التقريب اصبحت عندنا صورة اخرى للربا في غير المكيل والموزون فنخص ادلة «لاربا الا في الكيل والوزن» بغير النسيئة في المعدود.

هذا كله اذا كان بيع المعدود بمثله مع الزيادة، فان الروايات ذكرت لابدية ان يكون نقدا، اما نسيئة فلايجوز، واما اذا بعنا المعدود(١) بمثله من دون زيادة نسيئة فهنا لايوجد منع من قبل الروايات وتشمله الادلة العامة «اوفوا بالعقود». ولايقال ان الزيادة هنا حكمية لان للاجل قسطا من الثمن، لاننا نقول ان الزيادة الحكمية «كالاجل» توجب ربوية المعاملة لان الدليل في المكيل والموزون اشترط التماثل، ومع وجود الزيادة الحكمية لاتماثل فيحصل الربا. اما هنا «في المعدود» فلم يشترط الدليل التماثل وانما اشترط في صورة التفاضل كون البيع يدا بيد، اما كون البيع متفاضلا مع النسيئة فلا، وحينئذ تبقى صورة بيع المعدود متساويا نسيئة خارجة عن مدلول الروايات فنشك في ربويتها فيشملها «اوفوا بالعقود» و«احل الله البيع»، على ان الاصل العملي ايضا عدم الحرمة. والى هنا تم الكلام عن ضابط الكيل و الوزن.

٣ - ضابط الزيادة المحرمة:

وقد تقدم الكلام عليها، ولكن المساواة التي هي شرط البيع هل يراد منها المساواة وقت الابتياع ام حالته وبعده؟.

والجواب: ان الظاهر من النصوص التي تشترط المساواة لصحة البيع هي المساواة حال العقد، فيجوز بيع كل ماله حالتا رطوبة وجفاف بعضه ببعض

____________________

(١) هذا على مبنى من لم يقل ان بيع المعدود بمثله نسية هو قرض والا فلا اشكال في الجواز اصلا.

١٥٢

(اي يجوز بيع الرطب بالرطب حتى اذا اختلفت نسبة الرطوبة، واليابس باليابس حتى اذا اختلفت نسبة اليبوسة، والرطب باليابس) اذا كانا متساويين وقت الابتياع.

ولكن النصوص التي تمنع من بيع الرطب باليابس المعللة لعدم الجواز بنقصان الرطب اذا جف عن مثله الجاف، تقتضي الحرمة لعدم المساواة المتأخرة عن وقت الابتياع، فتكون شرطا في الجواز، والشك في المسواة المتاخرة عن وقت الابتياع شك في الجواز.

والاخبار كثيرة منها: «صحيحة الحلبي(١) عن ابي عبد الله (ع) قال: لايصلح التمر اليابس بالرطب من اجل ان التمر يابس والرطب رطب، فاذا يبس نقص». وغيرها من الروايات التي تعبر بعدم الصلاح (لايصلح)، ولاوجه لحملها على الكراهة كما فعل البعض لانها تفيدنا فائدة اخرى غير التي ذكرتها الروايات من المسواة وقت العقد، والفائدة هي المساواة بعد العقد، ولايعارضها شيء حتى تحمل على الكراهة.

وبما ان العلة التي ذكرها صحيح الحلبي عامة (وهي نقصان الرطب اذا جف) نتمكن من القول بعدم صحة بيع الرطب بالرطب متساويا اذا كان احدهما اكثر رطوبة بحيث ينقص اذا جف، وكذلك اذا بيع اليابس باليابس متساويا اذا كان احدهما اكثر جفافا، للعلة الموجودة هنا.

وكذلك نتمكن من القول بشمول العلة للرطوبة العرفية كالحنطة المبلولة باليابسة. ويمكن منعها من ناحية اخرى حيث انها عبارة عن بيع من الحنطة بمن وزيادة، والزيادة كانت في مقابل الماء فلامساواة حال الابتياع.

____________________

(١) الوسائل/ج١٢/ باب «١٤» من ابواب الربا/ حديث«١»/ ص٤٤٥. وقد روى مثل ذلك ابناءالعامه عن النبي «ص».

١٥٣

والخلاصة: اننا نستفيد من الادلة المتقدمة اشتراط التساوي حالة البيع وفيما بعد البيع في خصوص ماله رطوبة وجفاف، وكل دل عليه دليله الخاص، ولا منافاة بينهما، فنعمل بهما معا، ولذا لوزاد في الرطب زيادة بحيث لوجف فنقص فانه يساوي التمر، فالربا موجود لعدم التساوي حالة الابتياع.

الزيادة بعد العقد:

ثم اننا لو فرضنا زيادة احد العوضين بعد الابتياع على حال الابتياع، كما لو باع رطبا في اول اوانه بتمر متساويا، ثم بعد مدة زاد الرطب لزيادة رطوبته الناشئة من رواجه، فما هو الحكم هنا؟.

والجواب: اننا لو نظرنا الى العلة التي ابطلت العقد نراها هي النقصان عند الجفاف وهي غير موجودة هنا، فلانحكم بالبطلان، بالاضافة الى اطلاقات الحل.

ولكن يمكن ان يقال: ان العلة التي ذكرت في بطلان هذه المعاملة وهي النقصان عند الجفاف انما هي اشارة الى عدم المساواة التي هي شرط فيما بعد البيع كما تقدم، وحينئذ اذا زاد احد العوضين على حال الابتياع، فلم يتحقق شرط المساواة فيحكم بالبطلان، وهذا هو مقتضى عدم الجمود على حاق اللفظ، فان الشارع اراد ببيان العلة ان يفهم الطرف المقابل بأن الجفاف في اكثر الاحيان يوجد نقيصة احد الطرفين، فلم تحرز المساواة التي هي شرط فالمنع هو المتجه.

ولازم هذا هو عدم جواز بيع الحليب بالجبن او الاقط متساويا حيث ينقص الحليب اذا جعل جبنا او اقطا، وكذا بيع التمر بدبسه والعنب بدبسه لنفس العلة، وكذا بيع الحنطة والشعير بالسويق، ولكن القائل بهذا المسلك لايلتزم بذلك ولانعلم السبب في ذلك مع عموم العلة.

وقد نقول لعل السبب احد أمرين:

١٥٤

١- ان الرطب والعنب وماشابههما بنفسه يجف ولاننقص نحن منه شيئا بخلاف اللبن الذي نصنعه جبنا، اذ نأخذ منه شيئا وهو الذي يكون جبنا ويبقى الباقي، وهذا نظير ما اذا اخذنا ربع كيلو من التمر فصار ثلاثة ارباع الكيلو في مقابل الكيلو.

٢- يمكن ان يدعى في المقام ظهور الاخبار في العوضين الذي يكون اكثر الانتفاع بهما في حالة جفافه، كالرطب والزبيب، اما العوضان اللذان اكثر ماينتفع بهما حالة عدم الجفاف فلاتنظر اليها الاخبار ولاتشترط التساوي بعد العقد.

هذا وقد ذهب البعض الى كراهة بيع الرطب بالتمر متساويا حالة الابتياع للعلة التي ذكرت وهي نقصان الرطب اذا جف، ووجه الكراهة ليس هو عدم ظهور الادلة في المنع، والتعبير بالصحيحة المتقدمة بأنه لايصلح او في غيرها بكراهة امير المؤمنين (ع) كما في العروة انه ظاهر في الكراهة المصطلحة، اذ ان التعبير بلا يصلح والكراهة اذا ضممنا اليه ماورد في المعتبرة، من ان عليا (ع) لايكره الحلال يكون ظاهرا في الحرمة، خصوصا اذا اخذنا بعين الاعتبار ان السائل يريد الحكم الشرعي من الجواز او الحرمة وقد وردت لفظة «لايصلح في الحرامة»(١) ، بالاضافة الى ان نفس الكراهة في زمن الرواية ظاهرة في المبغوضية الشديدة فلا يمكن ان يراد منها ما اصطلح عليه القوم بعد ذلك.

وانما الوجه في الذهاب الى الكراهة هو وجود نصوص تصرح بالجواز، وحينئذ تكون هذه النصوص قرينة على ارادة الكراهة الاصطلاحية من كراهة عليعليه‌السلام ومن كلمة «لايصلح»، فمن تلك الروايات رواية ابن أبي الربيع(٢) قال «قلت لابي عبد الله (ع) ماترى في التمر بالبسر الاحمر مثلا بمثل،

____________________

(١) الوسائل/ج١٢/ باب «١٦» من ابواب الربا/ حديث«٣»/ص٤٤٨.

(٢) الوسائل/ج١٢/ باب «١٤» من ابواب الربا/ حديث«٥»/ص٤٤٦.

١٥٥

قال: لابأس، قلت: فالبختج(١) والعنب مثلا بمثل، قال: لابأس». ولكن الرواية ضعيفة بابن أبي الربيع وجهالة غيره.

ومنها موثقة سماعة قال«سئل ابو عبد الله(ع) عن العنب بالزبيب. قال لايصلح الا مثلا بمثل. قال: التمر والرطب بالرطب مثلا بمثل» وهذه الرواية تفيد الجواز اذا بيع الرطب بالجفاف متساويا، فتكون قرينة على ارادة الكراهة من روايات المنع، وهذا هو طريق الجمع بين الروايات المعتبرة. وبهذا تكون النتيجة هي اشتراط المساواة بين العوضين حال البيع فقط.

وبهذا نعرف ضعف بقية الاقوال أيضا، كالقول «بالمنع في خصوص بيع الرطب بالتمر والجواز في غيرهما»(٢) وكالقول «بالتفصيل فيما عدا الرطب والتمر بين كون الرطوبة ذاتية فيجوز كبيع العنب بالزبيب، وعرضية كالحنطة المبلولة بالجافة فلايجوز لان الرطوبة في مثل العنب من اجزائه فيصدق كونه مثلا بمثل بخلاف العرضية فانها خارجة فلاتصدق المماثلة بين العوضين»(٣) .

والى هنا تم الكلام عن ضابط الزيادة المحرمة.

بيع الصرف:

وبما ان بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، من بيع الصرف، فيه احكام زائدة على بقية الربويات من بيع التمر بالتمر والحنطة بالحنطة، رأينا ان نفرد له بحثا مستقلا لمعرفة حقيقته فنقول: يشترط فيه زائدا على الربويات التقابض في المجلس كما دلت عليه الروايات الكثيرة الصحيحة(٤) ولانرى حاجة للاستدلال

____________________

(١) البختج: العصير المطبوخ «والمجهول هو خالد».

(٢،٣) الوثقى ٣/٤١.

(٤) الوسائل/ج١٢/ باب «٢» من ابواب الصرف/ص٤٥٨ - ٤٥٩.

١٥٦

على انه من الربويات بعد التصريح في الروايات واشتراط المساواة عند البيع(١) . حيث أنها موزونة، وحتى المسكوك منها كذلك، وبعد معرفتنا ايضا بأن العد في بعض الازمنة او الاحوال اما يكون اعتمادا على معلومية وزنها قبل ذلك.

ثم ان اشتراط التقابض في المجلس في بيع الصرف فهو المشهور شهرة عظيمة، بل ادعي عليه الاجماع. نعم هناك روايات وفيها المعتبر تجوز بيع الدنانير بالدراهم نسيئة، الا ان الاصل فيها عمار الساباطي(٢) .

ومقتضى الصنعة ان يكون عدم التقابض في المجلس مكروها للجمع بينهما، كما توجد في الروايات اشارة لهذا الجمع «ما احب ان يفارقه حتى يأخذ الدنانير» «وما أحب أن أترك منه شيئا حتى أخذه جميعا فلا تفعله»(٣) .

ولكن الفقهاء اعرضوا عن روايات عمار وقالوا بأنها لاتعارض الاخبار الكثيرة السابقة. وبعضهم حملها على التقية. نعم هناك رواية ضعيفة(٤) تجوز بيع الدنانير بالدراهم نسيئة فهي غير صالحة للقرينية كروايات عمار المعرض عنها.

والتحقيق: انه لو تم اجماع على مانحن فيه فهو وان كان المخالف ابن بابويه والا فالمتجه هو ماتقتضيه الصناعة لعدم المعارضة حيث ان الروايات التي تمنع من عدم التقابض في المجلس لصحة المعاملة، تنهي عن عدم التقابض اذ فيها «لايبتاع رجل فضة بذهب الا يدا بيد، ولايبتاع ذهبا بفضة الا يدا بيد»، «فلا تفعله»(٥) ، وحينئذ لو كانت هناك روايات تجوز بيع الصرف نسيئة فيكون النهي

____________________

(١) تراجع روايات لاربا الا في المكيل والموزون، وروايات لايباع المتماثلان الا سواء بسواء.

(٢) الوسائل/ج١٢/ باب «٢» من ابواب الصرف/حديث«١٠، ١١،١٢، ١٤» ص٤٦٠ - ٤٦١.

(٣ و٤) نفس المصدر/حديث«١و٩» «ص١٣ و١٥».

(٥) نفس المصدر السابق/ حديث«٣و٩».

١٥٧

الذي ليس نصا في الحرمة، محمولا على الكراهة.

نعم، لو كان المانع من عدم التقابض في المجلس في بيع الصرف بلسان «يشترط» او «لايصلح» او ما هو بمعناهما، فيتحكم التعارض ونرجع الى اعمال قوانينه.

وبناء على المشهور يكون القبض في المجلس شرط الملك، فاذا لم يقبض لم يحصل الملك لانتفاء الشرط. ولكن عند مراجعة الروايات نراها تشترط التقابض في المجلس في بيع الذهب بالفضةاو العكس، واما في صورة بيع الذهب بالذهب او الفضة بالفضة الذي هو محل كلامنا فلم نجد رواية تدل على شرط التقابض في المجلس. وايضا لم يأت شرط التقابض في عنوان بيع الصرف حتى نتمكن من القول بأن الاطلاق كاف في اعتباره في بيع الذهب والفضة بمثلهما، فيمكن التشكيك في شرطيته هنا، وحينئذ لم يكن لهما مزية على بقية الاجناس الربوية(١) .

ومما يؤيد هذا الاحتمال هو عدم الاختلاف والتنازع فيما لوزادت قيمة الذهب او نقصت اذ القيمة تزداد او تنقص في كلا العوضين لذهبيتهما، اما لوباع الذهب بالفضة ولم يقبض في المجلس، فربما تزداد قيمة احدهما او تنقص فيوجب الاختلاف والنزاع، فأراد الشارع قطع النزاع باشتراط القبض في المجلس وانهاء المعاملة نهائيا، بينما هذا غير موجود في بيع الذهب بمثله والفضة بمثلها. واما الاجماع على التقابض اذا تم فهو دليل لبي يقتصر فيه على القدر

____________________

(١) هذا وقد كنا في ريب من ابداء عدم شرطية التقابض في بيع الذهب بمثله، لكن زال هذا الريب عندما شاهدنا استاذنا الشهيد الصدر «رضوان الله عليه» يذكر في كتابه البنك اللاربوي الذهاب اليه، وقد افتى السيد الشهيد على وفق هذا المبنى في تعليقته على منهاج الصالحين٢/٧٦ التعليقة رقم«١٦٦».

١٥٨

المتيقن.

ولكن يمكن ان يقال بوجود تعبير في الروايات يمكن ان يكون دليلا على التقابض في بيع الذهب بمثله والفضة بمثلها وهو الفضة بالفضة وزنا بوزن والذهب بالذهب وزنا بوزن» فاذا اضفنا اليها عدم احتمال ان يباع الذهب او الفضة بغير وزن فيكون هذا اشارة او كناية الى وجوب التقابض في المجلس باعتبار ان اللازم العرفي للوزن هو القبض والاقباض. وربما يؤيد هذا ايضا بأننا لم نجد التعبير «وزنا بوزن» الا في الذهب بالذهب، وفي غيرهما يعبر «مثلا بمثل» او «سواء بسواء».

والخلاصة: فان كان هذا الدليل اضافة الى المشهور من اشتراط التقابض كافيا للاشتراط فهو والا فالشك في صحة بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة متساويا من دون اقباض في المجلس يقتضي عدم الشرطية لانها حادثة، وبهذا يتنقح موضوع التمسك بالعمومات المحللة.

وعلى كل حال، فان اشترطنا التقابض وهو الاحوط في المقام فهو، والا فما ذهب اليه الشهيد الصدررحمه‌الله مورد القبول. ولكن العجب من نقل الشيخ صاحب الجواهررحمه‌الله ماحكاه الشهيد في الحواشي عن البشرى قولا بالتفصيل بين بيع الجنس بجنسه فيشترط التقابض وبين بيع احدهما بالاخر فلايشترط(١) ، ولاندري ماهو الدليل الذي دل على اشتراط التقابض في بيع الجنس بجنسه؟!!.

ثم اننا اذا لم نقل باشتراط التقابض في المجلس في بيع الصرف مطلقا فلا تثبت مزيه «لبيع الذهب والفضة بمثلهما» على غيرهما من الربويات. نعم اذا قلنا باشتراط التقابض كما هو الموافق للاجماع ان تم وللاحتياط ثبتت مزية

____________________

(١) جواهر الكلام٢٤/٦.

١٥٩

لهما على غيرهما(١) .

لماذا اشترط التقابض في الصرف وقبض الثمن في السلم على رأي المشهور؟

لقد اشترط في عقد الصرف التقابض من الطرفين، واشترط في عقد السلم، دفع الثمن مقدما. وهنا يمكن ان يتساءل الانسان عن سر هذا، فقد يجاب بأن الشارع اشترط ذلك لاجل ان لايقع المتعاملان في الربا، او ببيع الدين بالدين المحرم أيضا، وتقريب ذلك:

اذا بعت مثقالا ونصف من الذهب بليرة ذهبية (وزنها مثقال ونصف) واشترطت لنفسي الخيار لمدة شهر واحد، فهنا لايجب على البائع دفع الثمن مادام في زمان الخيار، اما المشتري فيجب عليه ان يدفع الثمن لان العقد لازم من طرفه، وفي هذه المعاملة الصرفية لم يتم التقابض من الطرفين، فيحصل الربا، لان البائع قد باع مثقالا ونصف من الذهب بمثقال ونصف وزيادة وهي الاجل، وهي زيادة حكمية، فلاجل هذا اشترط الشارع التقابض في المجلس، ويمكن ان نقول بعدم دخول خيار الشرط في الصرف لنفس المحذور(٢) .

____________________

(١) ذهب بعض الفقهاء الى عدم اختصاص هذا البحث بالنقدين احتياطا، فسراه الى النقود المتعارفة اليوم من الدينار والتومان والدولار وما الىذلك اذا بيع احدهما بالاخر.

منهاج الصالحين٢/٧٧ تعليقة السيد الشهيد الصدر.

(٢) اذا قلنا ان للاجل قسطا من الثمن وهي زيادة حكمية، فلماذا لايكون الربا متحققا في القرض الخالي من اشتراط الزيادة؟ والجواب: هو في صورة كون القرض مطلقا «غير مؤجل الى اجل» فيصح للمقرض المطالبة متى شاء ولو بعد الدين بساعة، وحينئذ يكون معنى الدين اشغال ذمة، ويصح للمقرض ان يتقدم او يتأخر في المطالبة فلا أجل حتى يستحق مقابلة ثمن. واما اذا كان الدين مؤجلا فلا يأتي هذا الجواب لعدم جواز المطالبة قبل حلول الاجل. ويمكن ان نجيب بجواب آخر سواء كان الدين مؤجلا او مطلقا بأن نقول: ان الدين دل على ان الزيادة في القرض للمقرض هي ربا، واما اذا كانت الزيادة للمقترض كما هنا فلا بأس بها. وهذا بخلاف المعاوضة فان الدليل دل على ان الزيادة العينية والحكمية اذا صاحبت أي جنس من الجنسين تحقق الربا سواء كان جنس البائع او جنس المشترى.

١٦٠