الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا0%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف: حسن محمد تقي الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 464
المشاهدات: 84033
تحميل: 8858

توضيحات:

الربا .. فقهيا واقتصاديا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84033 / تحميل: 8858
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

أما في السلم: فاذا اشتريت وزنة من الحنطة استحقها بعد ستة اشهر بعشرة دنانير كلية، واشترطت لي خيار الشرط الى شهر، فمادامت في خيار الشرط لي ان لا ادفع الثمن، وحينئذ صار البيع من قبيل بيع الدين بالدين (بيع الكلي بالكلي) وهو محرم.

ولكن هذه التعليلات يمكن ان ترد بتقريب: ان الصرف ليس مختصا ببيع الذهب بالذهب اذ يمكن ان يبيع الذهب بالفضة، ولاربا حتى مع الزيادة الحكمية لاختلاف الجنس، ومع هذا يجب التقابض في المجلس، اذ ان اشتراط التقابض في المجلس حكم شرعي دل عليه الدليل الشرعي ولاربط له بوجود الربا. نعم قد نشترط التقابض في المجلس في بعض البيوع للمنع من الربا، ولكن مطلق اشتراط التقابض ليس للمنع من الربا.

وأما اشتراط تسليم الثمن في بيع السلم فليس لاجل ان لايحصل بيع الدين بالدين المحرم، لانه يكون فيما اذا كان لزيد في ذمة عمرو دين وكان لعمرو في ذمة خالد دين، فبيع دين زيد الذي في ذمة عمرو بالدين الذي في ذمة خالد هو أي أن بيع الدين بالدين المحرم هو فيما اذا كان الدينان من قبل العقد، اما هنا فان الدين حصل بنفس العقد ولا بأس به كما اذا بعته وزنة من الحنطة مؤجلة بدينار مؤجلا ايضا فهنا لابأس بالبيع لان الدينين حصلا بالعقد، ولم يكونا موجودين قبله حتى يصدق عليه بيع الدين بالدين المحرم(١) . اذن اشتراط

____________________

(١) يوجد خلاف في معنى بيع الدين بالدين الذي ورد فيه النهي، والمسلم منه ما قلناه، وقد عبر عنه العامة بأنه «بيع الكالى بالكالى»، وقد عمل به الاصحاب.

١٦١

التقابض دل عليه الدليل الشرعي ولم يكن لاجل الربا او لاجل بيع الدين بالدين. وكذلك اشتراط الخيار في بيع الصرف والسلم تابع لدليله، فاذا وجد دليل على عدم دخول خيار الشرط فيه فهو المتبع، والا فخيار الشرط يدخل فيهما لعموم «المؤمنون عند شروطهم»(١) ولا علاقة لعدم دخول خيار الشرط فيهما من اجل الربا او بيع الدين بالدين. ثم انه قد ذكر الفقهاء بعض الفروع المتصلة بالصرف ولا بأس بالتعرض لها اتماما للفائدة، وهي:

بيع الذهب والفضة:

سواء كان مسكوكا على شكل دراهم ودنانير او غير مسكوك، ولها حالات مختلفة يختلف الحكم باختلافها، هي:

١ - اذا كان في الفضة والذهب غش غير متسامح فيه، ومجهول القدر:

فلا اشكال في جواز بيع احدهما بالاخر او بغير جنسهما نقدا، لعدم صدق الربا في الجنسين، واما بيع احدهما بالاخر نسيئة فلايجوز للاخبار الكثيرة الصحيحة على اعتبار البيع يدا بيد، وهو دال على النقد حتما، فمنها ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال: قال امير المؤمنين (ع) لايبتاع رجل فضة بذهب الا يدا بيد ولايبتاع ذهبا بفضة الا يدا بيد. وكذلك لايجوز بيع الذهب بالذهب نسيئة لاشتراط النقد، فقد روى الصدوق باسناده عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: الفضة بالفضة مثلا بمثل، والذهب بالذهلب مثلا

____________________

(١) واذا صح الشرط هنا وقد حصلت الزيادة، فهي زيادة حصلت من قبل الشارع وحكمه كالزيادة الارشية وهي غير محرمة، وانما الزيادة، المحرمة هي التي تحصل من المتبايعين.

١٦٢

بمثل ليس فيه زياده ولانظرة. والرواية صحيحة١.

وهذه الروايات لاموجب لحملها على الكراهة الا اذا عملنا بروايات عمار الساباطي الذي تقدمت الاشارة اليها، لان الروايات المانعة من النسيئة مع روايات تجويز النسيئة يؤدي الى حمل المنع على الكراهة كما هو مقتضى الصناعة(١) ، الا ان روايات عمار معرض عنها، فان كان الاعراض محققا وهو موهن فهو والا فالكراهة سارية هنا ايضا.

نعم لقد ورد البيع نسيئة في غير هذه الصورة كما في صورة بيع السيف المحلى بالذهب او بالفضة(٢) فالمنظور الى السيف لا الى حليته، ولذا يجوز فيه النسيئة، بشرط ان يكون الثمن اكثر من الفضة التي في السيف حتى لايحصل الربا.

ثم ان الروايات السابقة التي تقول اذا اختلفت الاصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد، جمعنا بينها وبين روايات جواز بيع النقد بالطعام سلفا بحمل المنع في المفهوم على الكراهة، وكذلك نجمع بينها وبين روايات عمار (اذا عملنابها) التي تدل على بيع الدنانير بالدراهم نسيئة بحمل المفهوم على الكراهة في النقدين.

٢ - هل يجوز مبادلة الفضة المغشوشة المجهولة القدر بالفضة الخالصة؟

ذكر المحقق في الشرائع عدم الجواز، وذكر دليله لعدم العلم بمقدار مافي المغشوش من الفضة كي يتخلص من الربا الذي شرط عدمه في المتجانسين المساواة، فالشك فيها شك في الجواز(٣) . ولكن فيما نرى ان الحكم ليس

____________________

(١) الوسائل/ج١٢/ باب «١» من ابواب الصرف/حديث«١»/ ص٤٥٦.

(٢) الوسائل ج١٢/ باب«١٥» من ابواب الصرف/ ص٤٨٤.

(٣) الجواهر ٢٤/١٤.

١٦٣

على اطلاقه حيث يجوز ان تباع الفضة المغشوشة المجهولة القدر بفضة خالصة نعم انها اكثر من المغشوشة علما اجماليا، لان الفضة المجهولة القدر يقابلها من الفضة الخالصة مقدارها، والغش الذي هو اما رصاص او معدن آخر يكون في مقابل الفضة الخالصة الزائدة، وهذا على القاعدة بالاضافة الى روايات فيه(١) وحينئذ يكون المنع في صورة كون الفضة الخالصة بقدر وزن الفضة التي معها الغش او أقل، فلا تحصل المساواة. ولعل كلام صاحب الشرائع في هذه الصورة فقط فيكون صحيحا، وعليها تحمل هذه الرواية التي رواها ابن سنان قال: سألت ابا عبد اللهعليه‌السلام عن شراء الفضة فيها الرصاص والنحاس بالورق واذا خلصت نقصت من كل عشرة درهمين او ثلاثة. فقال: لايصلح الا بالذهب(٢) وسندها صحيح.

٣ - بيع الفضة المغشوشة بالفضة المغشوشة حتى اذا لم يعلم قدر الغش:

وقد ذكروا عدم الخلاف في صحته (لانصراف كل جنس الى مايخالفه) حسب تعبيرهم، ونحن اذ نقبل صحة هذا البيع لوجود روايات فيه، ولكن التعليل الذي ذكر من قبل الفقهاء قد شكك في قبوله صاحب مفتاح الكرامة فقال «انا لانجد دليلا على لزوم صرف كل الى جنس ماخالفه، اذ النص مطلق...»(٣) ولكننا يمكن ان نجد دليلا تعبديا لصرف كل جنس الى مخالفه، وهو موثقة سماعة «قال: سألته عن الطعام والتمر والزبيب. فقال: لايصلح شيء منه اثنان بواحد، الا ان يصرفه نوعا الى نوع آخر، فاذا صرفته فلا بأس اثنين بواحد واكثر»(٤) .

ولكن صحيحة ابن سنان عن ابي عبد اللهعليه‌السلام «قال: سألت ابا عبد اللهعليه‌السلام

____________________

(١) الوسائل/ج١٢/ باب «١٨» من ابواب الصرف/حديث«١و٣» /ص٤٨٦.

(٢) نفس المصدر/ باب «١١»/ حديث«١»/ ص٤٧٥.

(٣) مفتاح الكرامة ٤/٥٢٣.

(٤) الوسائل/ ج١٢/ باب «١٣» من ابواب الربا/حديث«٥»/ص٤٤٣.

١٦٤

عن شراء الفضة فيها الرصاص بالورق، وهي اذا اذيبت نقصت من كل عشرة درهمين او ثلاثة. فقال: لايصلح الا بالذهب. قال: وسألته عن شراء الذهب فيه الفضة والزئبق والتراب بالدنانير والورق، فقال: لاتصارفه الا بالورق»(١) قد تنافي ماتقدم للحصر الذي ورد فيها بالبيع بالمخالف.

وحيئنذ اما ان نحمل هذه الرواية على الغالب من عدم بيع المغشوش بمثله من الخالص فضلا عما زاد، فلا تكون منافية لما تقدم، والا فهما متعارضتان في صورة بيع الذهب والفضة بمثلهما متفاضلا والحمل اولى من التعارض والتساقط.

تنبيه : لايرد على الفروع المتقدمة اشكال الغرر، لان المجموع من الفضة والغش معلوم ولكن لايعلم مقدار الفضة ومقدار الرصاص الذي فيها «وهذا كاف في عدم بطلان البيع للغرر، ولذلك يفتي الفقهاء في صورة وجود خليط مع الزيت بحيث لايوجد عيبا في المبيع ولكن يوجد نقصا في كم الزيت، بصحة البيع ولزومه، حيث ان المبيع هو الزيت، والزيت معلوم مقداره مع الخليط.

نعم، اذا اشترط كون كل ما في الظرف سمنا أو كان العقد مطلقا وقلنا أن اطلاق العقد بمنزلة الاشتراط، فهنا أيضا يصح البيع في المقدار المشترط ولكن يثبت الخيار (خيار تخلف الشرط) او (خيار تبعض الصفقة) اذا تبين النقص في الكم. اذن معرفة المجموع وعدم معرفة مقدار الفضة الخالصة وعدم معرفة الرصاص لايضر بالبيع من ناحية الغرر.

٤- لايباع تراب معدن الفضة بالفضة فقط ولا بترابها ايضا:

وهذا الحكم انما هو احتياطي حيث يقال بعدم الجواز لعدم العلم بالمساواة

____________________

(١) نفس المصدر/ باب «١١» من ابواب الصرف/حديث«١»/ص٤٧٥.

١٦٥

بين الجنسين الربويين، ولكن لو قدرت الفضة في هذا التراب والفضة في ذاك وكانا متساويين لجاز، حيث ان العلم بالتساوي موجود تقديرا. وحينئذ يحكم بالصحة بعد تبين الحال، على اننا يمكننا القول بالجواز حتى مع عدم العلم بالتساوي اذا كان في تراب الفضة معادن اخرى وبيع بالفضة التي نعلم انها اكثر من الفضة الممزوجة مع ترابها، او بيع بتراب الفضة التي فيها معادن اخرى كما تقدمت الاشارةالى ذلك.

نعم، اذا علمنا زيادة في الفضة عما في ترابها ولم يكن في التراب معادن اخرى فلايصح البيع هنا، بناء على ان التراب لاقيمة له لتصلح في مقابلة الزائدة، وهذا بخلاف الفضة المغشوشة، حيث ان ما في الفضة من الغش له قيمة يمكن ان يكون في مقابل الفضة الزائدة.

٥ - اذا مزج تراب الذهب والفضة جاز بيعهما بالذهب والفضة معا:

وذلك للراويات التي دلت على ذلك: منها صحيحة(١) عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (ع) قال: سألته عن شراء الذهب فيه الفضة بالذهب. قال: لايصلح الا بالدنانير والورق. وهذه الرواية محمولة على عدم معرفة كمية الذهب الذي مع الفضة حتى يباع بما يماثله مع الزيادة، فذكر الشارع كيفية التخلص من الوقوع في الربا فقال لايصلح الا بالدنانير والورق، ومعناه صحة البيع اذا بيع بالدنانير والورق لانصراف كل الى مخالفه كما تقدم ذلك.

ولكن قلنا فيما تقدم بصحة بيع تراب الذهب والفضة بالذهب اذا علمنا كمية الذهب في التراب ولو تقديرا، فيباع بأكثر منه ذهبا خالصا، ويكون الزائد في مقابلة تراب الفضة، كما يمكن بيعهما بغير ذلك.

____________________

(١) الوسائل/ج١٢ باب «١١» من ابواب الصرف/ حديث«٣» ص٤٧٥.

١٦٦

٦ - في صياغة خاتم مع ابدال درهم بدرهم:

وفي باديء النظر نرى ان هذه المعاملة ربوية لعدم التساوي بينهما، ولكن معتبرة الكناني - وان كان في ابن عقيل اشتراك، الا ان المعروف ان الراوي عن أبي الصباح الكناني هو الجيد - دلت على الجواز. قال: سألت ابا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يقول للصائغ صغ لي هذا الخاتم وابدل لك درهما طازجيا بدرهم غلة(٢) قال: لابأس. وقد عمل بهذه الرواية الشيخ في النهاية ومن تبعه فيكون هذا خروجا عن الربا حكما.

ولكن صاحب الجواهر (قده) لم يقبل الرواية لان الشرط هنا هو العمل (صياغتها خاتما) وهو زيادة ممنوعة في المتماثلين، وقد فرقرحمه‌الله بين هذه الصورة وصورة بيع الدرهم بفضة مصوغة خاتما لعدم اشتراط العمل هنا، فلم تكن زيادة عرفية، فيكون كمن باع درهما جيدا بدرهم رديء:

وقد يقال في جعل الرواية موافقة للقواعد بأن الصياغة وقعت من جانب درهم الغلة «وقد حكى عن بعض اهل اللغة وجماعة من الفقهاء انها المغشوش والطازج الخالص فيكون الغش حينئذ والصياغة في مقابلة مازاد عليه من الطازج. وهذا لامانع منه في البيع وغيره»(٣) .

وفيما نرى ان الخبر لادلالة فيه على ابدال درهم بدرهم مع صياغة خاتم او بشرط صياغته حتى يكون ربا، حيث ان الرواية عبرت بهذا التعبير «صغ

____________________

(١) نفس المصدر/باب «١٣» حديث «١»/ ص٤٨٠.

(٢) الطازج: الطري معرب «تازه» وهو الصحيح الجيد المنقى.

الغلة: المغشوشة وفي اقرب الموارد الغل بالكسر: الغش والحقد. وكذا في المنجد.

(٣) الجواهر٢٤/٣٥.

١٦٧

لي هذا الخاتم وابدل لك درهما طازجيا بدرهم غلة» وهذه ليست فيها دلالة ولا اشارة الى زيادة في معاملة ربوية، اذ يقول له صغ لي هذا الخاتم، فاذا صغته لي فأنا ابدل لك درهما بدرهم مع السكوت عن ان الصياغة مجانية او مقابلها ثمن، فانها على أي حال لاربط لها بالعقد الذي يحصل بعد الصياغة، فانه ليس فيه زيادة، فيكون صحيحا، وحينئذ لاتكون هذه الرواية على خلاف القواعد، على انها لم يعمل بها المشهور على الوجه الذي ذكر.

٧ - الاواني المصوغة من الذهب والفضة:

وهي على صور:

أ - يجوز بيعها بغير جنسها لعدم تحقق موضوع الربا.

ب - كما يجوز بيعها بمجموع النقدين بحيث يكون المجموع في مقابل المجموع لاطلاق الرواية المعتبرة (الموثقة) التي يرويها عبد الله بن سنان(١) عن ابي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن شراء الذهب فيه الفضة بالذهب قال: لا يصلح الا بالدنانير والورق. وهذه لانعمل بالحصر الذي ورد فيها لانه ليس حصرا حقيقيا باعتبار جواز عدة صور للبيع هنا.

ثم ان هذه الرواية محمولة على عدم معرفة كمية الذهب والفضة، فلانعلم المساواة المخرجة عن موضوع الربا، لانه تقدم منا وسيأتي جواز بيعها بوزنها او بأزيد من احد النقدين اذا بيع بأحدهما.

ثم انه يكفينا للاستدلال على اصل المطلب من انصراف كل نوع الى مخالفه كما تقدم دليل ذلك ايضا. وهذا البحث يختلف عن البحث الذي تقدم عند العامة من بيع آنية ذهبية بالذهب متقاضلا، حيث ذهب العامة الى تجويزه باعتبار ان الانية الذهبية هي عبارة عن ذهب مع عمل فيجوز بيعها بأكثر من وزنها ذهبا، وقد تقدمت

____________________

(١) الوسائل/ ج١٢/ باب «١١» من ابواب الصرف/حديث«٣»/ ص٤٧٥.

١٦٨

مناقشة ذلك.

ج - كما انه يجوز بيعها بوزنها او بأزيد من احد النقدين اذا بيع بأحدهما. وهذا ايضا لايحتاج الى دليل باعتبار ان الفضة يقابلها مثلها والزائد يكون في مقابل الذهب فلم يحصل بيع المثلين مع الزيادة.

نعم هناك رواية تقول بأن الانية المصوغة من الذهب الفضة اذا امكن تخليص احدهما من الاخر فلايجوز بيعها بأحدهما، وان لم يمكن ذلك جاز ذلك، وهي رواية حمزة عن ابراهيم بن هلال قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : جام فيه فضة وذهب أشتريه بذهب او فضة؟ فقال: ان كان يقدر على تخليصه فلا، وان لم يقدر على تخليصه فلا بأس.

ولكن هذه الرواية لايمكن الاعتماد على سندها حيث ان حمزة مجهول وكذلك ابراهيم بن هلال، مع مخالفتها للقواعد، حيث انها مطلقة تشمل حتى صورة العلم بقدر الفضة والذهب الذي فيها، فلاتجوز بيعه الا بعد التخليص، وتشمل التخليص الذي ينقص السلعة ويقلل من ثمنها. وكله محل تأمل، ولعلها تحمل على عدم العلم بالمساواة لو اشترى الممتزج، فيكون غير محرز للحلية فيكون حراما.

٨ - السلع المحلات بالذهب والفضة:

فانه يجوز بيعها بمثل الحلية التي فيها بشرط زيادة الثمن عما في الحلية ليكون الذهب في مقابل مثله مثلا والزائد في مقابل السلعة، كما انه يجوز بعيها بغير جنسها لعدم تحقق موضوع الربا، والطرق لبيعها كثيرة وانما المانع من بيعها بمثل مافيها من الحلية او بأقل تحقق الربا حيث يحصل بيع التماثلين

____________________

(١) الوسائل/ج١٢/ باب «١٥» من ابواب الصرف/حديث«٥»/ ص٤٨٣.

١٦٩

الربويين مع الزيادة.

وقد ذكرت الروايات جواز بيع السلعة المحلاة بأحد النقدين بشرط زيادة الثمن على الذي فيها من حلية(١) . هذا اذا علمنا مقدار الحلية التي في السيف، اما مع الجهل فلايجوز بيعه بجنس الحلية لعدم العلم بحصول ماهو مخرج من الربا، بل يجب بيع السيف بغير جنس الحلية، او يبيعه بجنس الحلية مع حصول العلم بما هو مخرج عن الربا، او يجعل مع النقد عرضا او بغير ذلك مما يخرجه عن الربوية، كل ذلك للروايات المتقدمة. واما الظن فهو كالجهل لانه شك في المساواة ثم في الجواز، فنرجع الى عمومات الحرمة، الان الربا موجود ونشك في حصول المخرج له من الربوية، خلافا لما في اللمعة من كفاية الظن الغالب(٢) .

ويمكن ان يقال: بأن موضوع حرمة الربا ايضا غير محرز في صورة عدم العلم بكمية الحلية التي في السيف، فاذا شككنا في صحة هذه لمعاملة فالاصل العملي لاينفعنا هنا لانه انما ينفي الحرمة(٣) وهو (اصالة الحلية)، ولكن الاصل اللفظي وهو التمسك بعمومات الحل واطلاق الوفاء بالعقد يدل على صحته.

والتحقيق: اننا نختار جريان الحرمة في صورة عدم العلم بحصول ماهو مخرج عن الربا اذا اخترنا في الاصول بأن العام المخصص بالمخصص المتصل يكون المرجع اليه عند الشك في الفرد المردد بين العام والمخصص، أي أن

____________________

(١) نفس المصدر/حديث«٧،٨»/ص٤٨٣ - ٤٨٤ -- ولابأس بذكر رواية واحدة وهي صحيحة ابي بصير قال: سألت عن السيف المفضض يباع بالدراهم. فقال اذا كانت فضته اقل من النقد فلا بأس وان كانت اكثر فلا يصلح.

(٢) اللمعة الدمشقية٣/٣٨٤.

(٣) ولايقال هنا ان الاصل هو عدم الزيادة فيتنقح موضوع الحكمين التكليفي والوضعي ويكون حاكما على اصالة الحلية لانه اصل موضوعي، اذ يقال ان هذا معارض بأصالة عدم المساواة فيتساقطان، وتبقى اصالة الحل لوحدها.

١٧٠

المرجع هو العام مالم يثبت ان المورد من افراد المخصص، وهنا الاخبار الكثيرة التي قد يدعى تواترها تدل على عدم جواز بيع المتجانسين الا مثلا بمثل فمع عدم العلم باقلية الحلية من الثمن وما هو مخرج عن الربوية فلايجوز البيع.

واما اذا اخترنا في الاصول بأن المخصص سيما المتصل اذا وجد يصبح موضوع الحرمة مركبا من جزئين (ان يكون متجانسا، وان لايكون مثلابمثل) ففي مورد الشك لانحرز شمول العام له(١) ، لان العام شرط تحققه أمران ومادام لم يثبت احراز كلا الامرين فلايمكننا التمسك بالعام - كما هو الحق - لانه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية لنفس العام، وحينئذ نرجع هنا الى العموم الفوقاتي وهو «احل الله البيع» وهذا هو الصحيح.

ومما يؤيد ماذهبنا اليه مضمرة عبد الرحمن بن الحجاج(٢) قال: سألته عن السيوف المحلاة فيها الفضة تباع بالذهب الى اجل مسمى. فقال: ان الناس لم يختلفوا في النساء «النسيء خ ل» انه الربا، وانما اختلفوا في اليد باليد، فقلت له: فيبيعه بدرهم نقد؟ فقال: كان أبي يقول: يكون معه عرض احب الي، فقلت له: اذا كانت الدراهم التي تعطى اكثر من الفضة التي فيه؟ فقال: وكيف لهم بالاحتياط في ذلك؟ قلت: فانهم يزعمون انهم يعرفون ذلك. فقال: ان كانوا يعرفون ذلك فلا بأس والا فانهم يجعلون معه العرض أحب الي.

فقد ذكرت الرواية حكم مالو علموا بأن الدراهم التي تعطى اكثر من الفضة التي في السيف فيجوز ذلك البيع على هذه الصورة، واما اذا لم يعلموا فالمستحب هو ان يكون مع الدراهم عرض،. ولابعد في استحباب هذه الصورة دون غيرها

____________________

(١) كمالا نحرز شمول الخاص ايضا لعدم احراز موضوعه (التجانس مع المثلية).

(٢) الوسائل/ ج١٢/ باب «١٥» من ابواب الصرف/حديث«١»/ص٤٨٢.

١٧١

من الصور التي نخرج بها في البيع عن الربوية كالبيع بغير جنس الحلية او غيرها.

ومن البعيد ان تكون الضميمة التي ذكرتها الرواية راجعة الى السيف الذي فيه الحلية، اذ ان السيف مع الحلية هو ضميمة، فلاتنفع الضميمة معه شيئا ولايضر تأنيث الضمير، اذ يمكن ان يكون النظر راجعا الى ثمنية الدراهم او نقديتها، ولهذا فهم السائل هذا ايضا، اذ قال «اذا كانت الدراهم التي تعطى اكثر من الفضة التي فيه» وقد أجابه الامامعليه‌السلام انه لاسبيل الى معرفة ذلك غالبا، واما اذا علم فلا بأس.

هذا وقد يشكل على مختارنا من صحة بيع السيف مع الحلية بنقد اذا علمنا ان ما في السيف من الحلية اقل من النقد كما صرحت به الروايات، فيقال: ان هذه الروايات مطلقة لما اذا علمنا مقدار الحلية التي هي اقل من الدراهم، وما اذا لم نعلم مقدار الاقل، وحينئذ ادلة الغرر تنفي المعاملة الغررية سواء كانت في موردنا او في غير موردنا، وحينئذ يحصل التعارض في مورد الاجتماع وهو ما اذا علمنا أن الحلية أقل اجمالا من النقد ولكن لانعلم مقدارها، فيتساقطان ونرجع الى عمومات أحل الله البيع، او اصالة الحل.

٩ - المعاوضة بجنسين ربويين مع احدهما وزيادة:

كما اذا عاوضنا كيلو من التمر ودرهم بكيلوين من التمر أو كيلو من التمر مع درهم بدرهمين او اذا عاوضنا بين جنسين ربويين مع جنسين ربويين ايضا، ككيلو من التمر مع درهم بكيلوين من التمر مع درهمين، فكل ذلك جائز، اما في الاول فان الزائد عن المساواة بين المتماثلين يكون في مقابل المخالف، واما في الثاني فقد يقال بأنه ربا باعتبار أن التمر يقابله صنفه وكذلك الدرهم، ولكن الموثقة التي

١٧٢

تقدمت تقول بانصراف كل نوع الى مخالفه تقول تعبدا بأن الدرهم يكون في مقابل الكيلوين من التمر والتمر يكون في مقابل الدرهمين، فلاربا.

ويمكن ان يستدل للاول - بالاضافة الى عدم شمول ادلة الربا له - بالروايات المستفيضة التي فيها الصحيح وغيره منها صحيحة الحلبي(١) عن ابي عبد الله (ع) قال: لا بأس بألف درهم ودرهم بألف درهم ودينارين، اذا دخل فيها ديناران أو أقل او اكثر فلا باس به. وقد ذكرت بعض الروايات اشكالا من الراوي بأن هذا فرار من الربا، فكان الجاوب: نعم الشيء الفرار من الحرام الى الحلال او أنه فرار من باطل الى حق(٢) .

وكاُن من المتسالم عليه ان العملية المتقدمة لاتخضع لقانون الربوية، ولكن الراوي استشكل في الفرار، فأجيب بما تقدم.

ثم أنه لو أتلف الدرهم المعين وكان ذلك قبل قبضه، او بان انه مستحق للغير، فلو كان كذلك في الصورة الاولى «كيلو من التمر مع درهم بكيلوين من التمر» فانما يصح الكيلو في مقابلة مماثلة ويبطل الباقي، وكذلك الامر في مثال «كيلو من التمر مع درهم بدرهمين» فانه يصح الدرهم في مقابلة مماثله ويبطل الباقي.

اما في الصورة الثالثة «كيلو من التمر مع درهم بكيلوين مع درهمين» وظهر الدرهم مستحقا او تلف قبل القبض وكان الدرهم نصف الثمن، فمقتضى ان كل جنس ينصرف الى مخالفه هو صحة مخالف الباقي وبطلان مخالف التالف وهذا هو احد احتمالات ثلاثة(٣) .

____________________

(١) الوسائل/١٢/ باب «٦» من ابواب الصرف/ حديث«٤» ص٤٦٨.

(٢) راجع نفس الباب المتقدم.

(٣) مفتاح الكرامة ص٥٢٣ والاحتمالان الاخران هما بطلان المبادلة كلها، وصحة ماقابل غير التالف وان كانت فيه زيادة ربوية، لانها لم تأت من البيع وانما جاءت من التقسيط.

١٧٣

ولكننا قد نقبل هذا الكلام في صورة تلف الدرهم، اذ أن المبادلة من الاول كانت صحيحة فانصراف كل الى مخالفه بالتعبد المتقدم، فبعد ان تلف الدرهم قبل القبض، وقلنا بأنه مبطل للعقد، فيبطل فيما خالفه ويصح فيما خالف الباقي.

واما في صورة تبين ان الدرهم مستحق للغير، فمن الاول لم يكن البيع صحيحا في نصف الثمن فيبطل في نصف المبيع ويصح في النصف الاخر، ولادلالة هنا على انصراف كل الى مخالفه، فتكون النتيجة بطلان المعاملة في نصف المبيع «وهو كيلو من التمر مع درهم» الذي يكون في مقابل الدرهم، وتصح في النصف الاخر وهو «كيلو من التمر في مقابلة كيلو ودرهم». وهذا فيه محذور الربا فيكون باطلا، اذا ان الصحة مشروطة بعدم وجود محذور آخر كالربا.

اما لو لم يكن الدرهم التالف نصف الثمن بل كان ثلثه، فلايختلف الحال الا في النسبة التالفة من الثمن والمثمن، والنسبة الباقية الصحيحة من الثمن والمثمن وكذلك الحال في صورة استحقاق الدرهم.

١٠ - بيع تراب الذهب والفضة والتصدق به:

يجوز بيع تراب الذهب والفضة ومافيه بالفضة والذهب معا او بغيرهما او بأحدهما مع القطع بزيادته على مماثله. ولكن الروايات امرت ببيعه بالطعام وهي لاتدل على الحصر في طريقة البيع، وفمن ذلك مارواه علي الصائغ قال: سألته عن تراب الصواغين وانا نبيعه. قال: اما تستطيع ان تستحله من صاحبه؟ قال: قلت لا اذا أخبرته اتهمني، قال: بعه، قلت: بأي شيء نبيعه؟ قال: بطلتم، قلت: فأي شيء اصنع به؟ قال: تصدق به، امالك واما لاهله. قلت فان كان ذا قرابة محتاجا أصله؟ قال نعم(١) .

____________________

(١) الوسائل/ج١٢/ باب «١٦» من ابواب الصرف/ حديث«٢»/ ص٤٨٥.

١٧٤

ولكن هذا الخبر مخالف لما هو محل اتفاق من انه لو علم صاحب الحق وجب التخلص منه، وعلى فرض ان في ايصال الحق الى اهله تهمة، فهو لا يبيح التصرف في الحق.

نعم ان اعراض صاحب الحق يبيح التصرف فيه للمتصرف، وهذا هو الظاهر من صاحب الحق، الا أننا نبقى نحتمل عدم اعراضه لغفلته وبلهه، وكذلك نرى الامام قد احتاط فنظر الى احتمال عدم الاعراض فسأل عن الاستحلال من صاحبه، وبما ان الامام (ع) قد نظر الى خلاف الظاهر احتياطا اكتفى بجواب المجيب بأنه يتهمني، فعمل بالظاهر وحكم على وفقه فقال ببيعه والتصدق به فانه اما لك أولاهله، وبهذا لم يكن الخبر منافيا لما اتفق عليه الاصحاب من وجوب ارجاع الحق الى اهله «ولو برفع المانع من الاخذ مع اعلامهم بذلك» ان عرفوا ولم يعرضوا عنه، ولاتغيرالتهمة من الحكم.

ولكن الرواية بالاضافة الى اضمارها ضعيفة بعلي الصائغ فانه لم يوثق، وهناك رواية اخرى لااضمار فيها حيث سئل الامام عن الحكم، ولكنها ايضا ضعيفة بعلي بن ميمون الصائغ وعلي بن حديد الذي نص على ضعفه، على اننا نحتمل - بالاضافة الى ان اعراض المالك عن تراب ذهبه يبيح للمتصرف التصرف فيه - وجود تعامل ضمني ارتكازي بين الصائغ وزبائنه في ان ماتبقى من تراب ذهبهم له كما نشاهد ذلك في حائك السجاد للاخرين، فان ما تبقى من خيوط زائدة فهي للحائك، وهذا التعامل الضمني الارتكازي يجعل الصائغ في حل من التصرف بالذهب، فلا الاستحلال واجب، ولا التصدق به على الفقراء واجب ايضا. ولو لم يوجد هذا الارتكاز فيكفي للصائغ ان يعلم صاحب التراب بذلك وبرفع المانع من الاخذ لو طلبه، لان العمل كان برضى المالك.

١٧٥

النقود القائمة مقام الذهب والفضة:

ان كل ما تقدم من احكام في الصرف والربا مختص بالنقود انما هو يختص بالنقود الذهبية والفضية المعدنية، فقد اشترط المشهور للتعامل بها: اولا المساواة عند مبادلة الذهب بالذهب او الفضة بالفضة للتخلص من الربا، وثانيا التقابض في المجلس في بيع الصرف، أي اشتراط انهاء المعاملة بكل مراحلها فعلا. فان افترقا قبل التقابض بطل البيع.

وقد خالفنا المشهور كما خالفه من قبل السيد الشهيد الصدررحمه‌الله كما تقدم في بيع الذهب والفضة بمثلهما اذ حكمنا بصحة العقد بدون القبض وقد تقدم مستنده.

ولكن هناك اقسام اخر للنقود وهي(١) :

١ - الاوراق النائبة عن الذهب التي تمثل جزء من رصيد ذهبي موجود فعلا في خزائن الجهة المصدرة لها. وهذه النقود حيث انها تكشف عن كمية من الذهب، فيعتبر فيها الشرطان عند المشهور حين مبادلتها بأوراق مثلها. ولكن هذه النقود ليس لها وجود فعلا على مسرح النقد العالمي.

٢ - الاوراق التي تتعهد الجهة المصدرة لها بصرف قيمتها ذهبا عند الطلب وهذه يمكن تفسيرها على اساسين مختلفين:

أ - ان يكون التعهد المتقدم مجرد التزام مستقل يكسب الورقة قيمة مالية في المجتمع.

____________________

(١) اعتمدنا في هذا البحث على ما ذكره السيد الشهيد الصدر رحمة الله عليه، وهناك تقسيمات اخر للنقود باختلاف اللحاظ، يراجع للتوسع كتاب النقود والبنوك في البلاد العربية/ فؤاد مرسى.

١٧٦

ب - أن يكون التعهد المتقدم معناه اشتغال ذمة تلك الجهة بقيمة الورقة من الذهب وحينئذ تكون الورقة سندا ووثيقة على الدين ولاتوجد لها قيمة اصلية، والفرق بينهما كبير، اذ علىالتصور الاول فلم يكن التعامل بالذهب اصلا ولكن التعامل بها، وانما الذي اكسب الورقة قيمة مالية هو ثقة افراد المجتمع بتعهد الجهة المصدرة لها. واما على التصور الثاني، فمعنى ذلك ان التعامل يكون بالذهب، لان الورقة سند على الذهب الذي في ذمة الجهة المصدرة للورقة، وحينئذ يجب الشرطان اذا بيعت هذه الاوراق بمثلها على رأي المشهور.

والظاهر ان هذه الاوراق النقدية المدعمة بالتعهد بصرف قيمتها ذهبا مفسرة على التصوير الاول، حيث ان التصوير الثاني يفترضها سندا على الدين، ومن الواضح ان استهلاك السند او سقوطه من الاعتبار لايعني تلاشي الدين، بينما نحن نرى ان تلاشي هذه الورقة النقدية او عند اسقاط الجهة المصدرة لاعتبارها وعدم استبدالها عند تبديل النقود بنقود جديدة، يعني ذلك سقوط حقه، ومعنى ذلك ان التعهد بدفع القيمة ذهبا لمن يملكها، لا ان الورقة تعطي لمن يملك قيمتها ذهبا في ذمة الجهة المصدرة، ولهذا نجد القانون يميزها عن سائر الاوراق التجارية من شيكات وكمبيالات حيث يمنح الاوراق صفة النقد والالزام بالوفاء دون السندات.

بالاضافة الى اننا نرى ان من اقترض مائة دينار(١) لمدة سنة، فلا يجب عليه عند الاداء اكثر منها، على الرغم من ان المئة في اكثر الاحيان قد نزلت قيمتها بالنسبة الى الذهب، ولايشترى بها عند الوفاء بمقدار ما كان يشترى بها

____________________

(١) الدنانير المتداولة هي ايضا اوراق تتعهد الدولة مثلا بصرف قيمتها ذهبا عند الطلب ولكن هذا التعهد يكسب الورقة قيمة مالية في المجتمع، وقد تلزم الدولة بها وتعفى نفسها من صرف قيمتها ذهبا عند الطلب.

١٧٧

حين القرض «اي تزداد قيمة الذهب عند الاداء على قيمته حين القرض» وهذا يدلنا على ان المالية على نفس الاوراق لا على الذهب الذي ورائها والالوجب الاحتفاظ على نفس كمية الذهب، وهكذا ايضا لو فرض العكس «كأن انخفضت قيمة الذهب».

٣ - الاوراق السابقة بعد صدور قانون باعفائها من صرف قيمتها ذهبا عند الطلب. وتقدير هذه الاوراق مرتبط بما نختاره في القسم الثاني، فان كان التصور الاول هو الصحيح، أي أن الاوراق النقدية المدعمة بالتعهد حكمها حكم الاوراق الالزامية، فهنا في القسم الثالث يكون الحكم هو نفس الحكم هناك، أي لايجب ان تطبق شروط التعامل بالذهب من مساواة وقبض على الرأي المشهور. وان كان التصور الثاني هو الصحيح، أي الاوراق المدعمة بالتعهد تكون داخلة في نطاق التعامل بالذهب، فحينئذ نحتاج الى «تفسير صدور قانون باعفائها من صرف قيمتها ذهبا عند الطلب» فان كان الاعفاء يعني الغاء الديون التي كانت الاوراق سندات عليها، ومعنى ذلك تحويل هذه الاوراق الى نقود الزامية(١) فحينئذ تكون خارجة عن التعامل بالذهب، ويكون حكمها هو حكم الاوراق النقدية الالزامية.

وان كان الاعفاء يعني السماح للجهة المصدرة بعدم وفاء الدين الذي تمثله الورقة النقدية في نطاق التعامل الداخلي، حرصا على الذهب مع الاعتراف قانونيا ببقاء الديون التي تمثلها تلك الاوراق، فحينئذ لاتخرج عن حكمها قبل الاعفاء وتكون من قبيل التعامل بالذهب، فيجب فيه الشرطان على رأي المشهور.

تنبيه : ان السيد الشهيد يفتي احتياطا بوجوب التقابض فيما اذا بيعت

____________________

(١) النقود الالزامية، او الاوراق الالزامية هي الدنانير المتداولة في وقتنا الحاضر الملزمين بقبولها.

١٧٨

النقود العراقية بالتومان الايراني، أو بيع أي نقد بنقد آخر، وعلى هذا يكون بحث الصرف غير مقتصر على النقدين، بل يسري الى بقية النقود بشرط أن يباع نقد بنقد آخر، اما بيع الدينار بالدينار، او التومان بالتومان، او الدولار بالدولار فلا يشترط فيه التقابض.

نقول: واما من ناحية الربا فبما ان الدينار من المعدودات فيجوز بيعه بمثله مع الزيادة نقدا، اما نسيئة فلايجوز كما تقدم(١) ذلك مع الزيادة، واما من دون زيادة فيجوز اذ أن الدنانير الورقية واشباهها ليست من الموزونات حتى يعتبر فيهما المماثلة(٢) .

ولعل فتوى السيد الشهيد مبتنية على أن الدينار والدرهم الذهبي والفضي الذي ذكرته الروايات مسوق للمثال لكل نقد يتعامل به، فالمنظور هو المالية سواء كانت في القرض النقدين او في غيرهما من النقود.

الفصل الثاني.. «ربا القرض»

ونتكلم في هذا الفصل عن معنى القرض، وفي ادلة حرمة ربا القرض، والقيود التي نشترط فيها، وفي الطرق التي يمكن أخذ الزيادة بها.

ومرادنا من القرض هنا ما هو معروف عند العرف من طلب المال من شخص على ان يرجعه في مدة معينة، وعند الفقهاء تمليك المال على وجه الضمان ولا فرق بين أن يكون بصيغة عقد اولا كالقرض المعاطاتي.

____________________

(١) ص١٥٣.

(٢) يرى السيد الشهيد جريان الربا في مطلق المثليات ومنها الدنانير، منهاج الصالحين ٧٥٠٢ تعليقة (١٦٣).

١٧٩

والزيادة في القرض لها صورتان: الاولى: ان تكون في مقابل التأجيل، فهي زيادة حقيقية في نفس الشيء، حيث أنها زيادة على ما كان في الذمة.

الثانية: زيادة في نفس عقد القرض ابتداء فهي زيادة بالمسامحة العرفية، وانما يكون ربا حراما في صورة مالو شرط النفع في عقد القرض فحصلت الزيادة، وهو لايختص بالمكيل والموزون بل يعم المعدود والمشاهد.

وأما الزيادة في مقابل التأجيل فلااشكال في حرمتها ولكن وقع الكلام في أنها ربا حقيقة او حكما؟ ونحن لانرى حاجة للبحث عن كون هذا ربا حقيقة او حكما مادام لاخلاف في حرمته كما هو المستفاد من الروايات سواء اكان التأجيل للدين الحال او للدين المؤجل بأن يؤجله اكثر من مدته بزيادة.

وقد استدل على حرمة الربا القرضي بوجوه:

الاول: الاجماع. ولايمكن لنا ان نعتمد عليه كدليل في المسالة اذ لم يكن اجماعا تعبديا، وانما مدركه الاخبار كما سيأتي.

الثاني: قوله تعالى (أحل الله البيع وحرم الرب) وامثالها التي اطلقت فيها حرمة الربا، وقد قلنا سابقا ان المراد من الربا معناه اللغوي الذي هو مطلق الزيادة التي تؤخذ بلا عوض في بيع المتجانسين او في عقد القرض، فهنا ايضا الزيادة المشترطة قد اخذت بلا عوض في عقد القرض عند الشارع وهو الربا الحقيقي. وهذا الدليل يختص بالزيادة في عقد القرض.

الثالث: الاخبار المروية عن ائمة الهدىعليهم‌السلام ، منها:

١- ما رواه جعفر بن غياث عن أبي عبد الله (ع) قال... واما الربا الحرام فهو الرجل يقرض قرضا ويشترط ان يرد اكثر مما أخذه فهذا هو الحرام(١) .

ولكن هذه الرواية غير معتبرة لجهالة جعفر بن غياث.

____________________

(١) الوسائل/ ج١٢/ باب «١٨» من ابواب الربا/ حديث«١»/ ص٤٥٤.

١٨٠