الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا0%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف: حسن محمد تقي الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 464
المشاهدات: 84020
تحميل: 8858

توضيحات:

الربا .. فقهيا واقتصاديا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84020 / تحميل: 8858
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

٢- ما رواه داود الابزاري قال «لايصلح ان تقرض ثمرة وتأخذ أجود منها بأرض اخرى غير التي اقرضت منها»(١) وهذه الرواية ليس فيها شرط الاجودية او الزيادة، وانما تنهى عن أخذ الاجود عند الاستيفاء وهو جائز كما دلت عليه الروايات اذا كان من غير شرط كما هو فرض الرواية، اذن يحمل هذا النهي على الكراهة في أخذ الاجود جمعا، على أنها لايستفاد منها غير النهي عن اخذ الاجود، فهي تختص بالمثليات كما هو ظاهر «ولاتأخذ اجود منها». هذا بالاضافة الى ضعف الرواية بداود الابزاري ولم تعيين القائل من هو.

٣- مارواه اسحاق بن عمار عن أبي الحسن (ع) قال «سألته عن الرجل يكون له مع رجل مال قرضا فيعطيه الشيء من ربحه مخافة أن يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير ان يكون شرط عليه. قال: لا بأس بذلك مالم يكن شرطا»(٢) . وهي تدل على حرمة أخذ النفع في مقابل الامهال اذا كان شرطا، ولكن هذه الرواية ضعيفة بموسى بن سعدان. ويوجد سند آخر لهذه الرواية وهو سند الصدوق بسنده عن اسحاق بن عمران، وهذا السند هو محل خلاف باعتبار وجود علي بن اسماعيل في طريقه، ولكن الارجح اعتبار الرواية فتكون موثقة او حسنة(٣) .

____________________

(١) الوسائل/ج١٢/ باب «١٢» من ابواب الربا/ حديث«١»/ ص٤٤٢.

(٢) الوسائل/ج١٢/ باب «١٩» من ابواب الدين/ حديث«٣»/ص١٠٣.

(٣) اختلف العلماء في اعتبار علي بن اسماعيل الواقع في طريق الصدوق الى اسحاق بن عمار وهو متعدد، والثقة فيه هو اسدي (او السري او السندي)، وابن عيسى. وطريق الصدوق الى اسحاق بن عمار فهو مروي عن ابيه عن عبد الله بن جعفر الحميري عن علي بن اسماعيل عن صفوان بن يحيى عن اسحاق بن عمار، وقد قيل بضعف هذا الطريق بعلي بن اسماعيل اذ لم يصرح «بوثاقته الا علي بن اسماعيل السري من اصحاب الرضا (ع) ومن البعيد غايته كون علي بن اسماعيل في السند هذه، لان صفوان واسحاق بن عمار من اصحاب الصادقين «ع» (أ). وقد ذهب بعض آخر الى تصحيح هذا الطريق باعتبار ان المراد من علي بن اسماعيل هو ابن عيسى، لان الصدوق ذكره في طريقه الى «زرارة بن اعين وحريز بن عبد الله وحماد ابن عيسى... ثم ذكر الصدوق طريقا آخر الى حريز وذكر فيه علي بن اسماعيل من دون تقييده بابن عيسى وكذلك فعل عند ماذكر طريقه الى اسحاق بن عمار. وبما ان الراوي عنه في كلا الموردين هو عبد الله بن جعفر، فيظهر من ذلك ان علي بن اسماعيل في هذه الطبقة ينصرف الى علي بن اسماعيل بن عيسى» (ب). وعلى هذا تكون الرواية موثقة. ثم ان ماذكره النجاشي في ترجمة اسحاق بن عمار (ج) يدل على أن علي ابن اسماعيل هو ابن اخ اسحاق بن عمار وهو ممدوح بما لم يصل الى حد الوثاقة، فقال «ابنا اخيه علي بن اسماعيل وبشير بن اسماعيل كانا من وجوه من روى الحديث» وهذا يدل على أن الرواية حسنة. على أن ليس من البعيد أن يكون المراد منه هنا هو «السدي» الذي هو من اصحاب الرضا (ع) وهو يروي عن صفوان واسحاق اللذين هما من اصحاب الصادقين (ع) ولكن لم تثبت وثاقة السدي خلافا لمن اثبتها لان شهادة النصر بن الصباح عن علي بن اسماعيل (د) انه ثقة قد طبقها على السدي، وهذا التطبيق من قبل النصر بن الصباح اجتهاد، فلايكون توثيق السدي معتبرا لانه مبني على الاجتهاد.

(أ) نخبة المقال في تمييز الاسناد والرجال ص٣٦٧.

(ب) معجم رجال الحديث للامام الخوئي ١١/ ٢٩٤.

(ج) ص٥١ - ٥٢.

(د) جامع الرواة ص٥٥٧.

١٨١

٤- مارواه اسحاق بن عمار قال: قلت لابي ابراهيم (ع) الرجل يكون له عند الرجل المال قرضا فيطول مكثه عند الرجل لايدخل على صاحبه منفعة، فينيله الرجل الشيء بعد الشيء كراهية أن يأخذ ماله حيث لايصيب منه منفعة أيحل ذلك؟ قال: لابأس اذا لم يكن بشرط»(١) وهي دالة على وجود البأس مع

____________________

(١) الوسائل/ ج١٣/ باب «١٩» من ابواب الدين/ حديث«٢»/ ص١٠٦.

١٨٢

شرط النفع، وسند هذه الرواية معتبر، وهي موثقة لان اسحاق فطحي، ومثل هذه الرواية روايات أخر صحيحة.

(٥) مارواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) «في الرجل يكون عليه دين الى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول: انقدني من الذي لي كذا وكذا، واضع لك بقيته،٠ او يقول: انقدني بعضا وأمد لك في الاجل فيما بقي، فقال: لا أرى به بأسا مالم يزد على رأس ماله شيئا، يقول الله عز وجل: (فلكم رؤوس اموالكم لاتظلمون ولاتظلمون)(١) .

وهذه الرواية تدل على أن الزيادة على راس المال في القرض (سواء كانت في عقد القرض او في مقابل الامهال) فيها بأس، والرواية من ناحية السند صحيحة لان أبان هو ابن عثمان الاحمري الثقة، فتكون احد الادلة على حرمة الربا القرضي. غاية الامر اننا نخصصها بالروايات التي تقول بأن الزيادة على رأس المال اذا كانت بشرط او بالالزام فهي الحرام، ثم ان هذه الرواية لاتفرق بين أخذ الزيادة في مقابل الاجل في اصل عقد القرض او في زيادة الاجل كما كان يفعل ذلك في ربا الجاهلية.

ولكن يمكن أن نقول: ان الزيادة في مقابل الامهال التي دلت عليها الرواية الصحيحة ليست هي الزيادة في القرض في مقابل الاجل، حيث انه لايصدق على الزيادة في مقابل الامهال الزيادة في القرض، وذلك لان المال في الذمة، ولايمكن ان يقرض قبل ان يقبض (اذا لم يجعل المدين وكيلا في القبض عن الدائن كما هو الفرض) لعدم صدق القرض عرفا وعقلائيا، ولا أقل من الشك في ذلك، وحينئذ تكون الزيادة في مقابل اسقاط حق المطالبة

____________________

(١) الوسائل/ ج١٣/ باب «٣٢» من ابواب الدين/ حديث«١»/ص١٢٠.

١٨٣

للدائن(١) .

(٦) ماروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المنجبر بعمل الاصحاب «كل قرض جر نفعا فهو حرام». وقد قال السيد رشيد رضا أنها أخرجها صاحب (بلوغ المرام) عن علي (ع) وجرى على ألسنة العوام والخواص بلفظ «كل قرض جر نفعا فهو ربا» وقد ذكروا ان سنده ساقط وسوار الذي في السند متروك الحديث، فتكون الرواية ضعيفة، ولكن تجبرها الشهرة العملية للاصحاب، وحينئذ تكون دليلا على حرمة الزيادة في عقد القرض، والزيادة في مقابل الامهال.

ولكننا نشك في أن يكون العمل من قبل الاصحاب مستندا اليها فلا تكون منجبرة، وحينئذ لايمكن جعلها دليلا حتى وان قلنا ان الشهرة العملية للاصحاب جابرة. نعم اذا كانت الرواية مشهورة «شهرة روائية» بحيث تصل الى حد الاستفاضة فتكون منجبرة عند من يقبل هذا المسلك، اما نحن فلا نقبل الصغرى ولا الكبرى حيث اننا لانرى الشهرة الروائية ولا الفتوائية جابرة.

ثم على فرض عدم سقوط هذا الحديث وكانت الشهرة جابرة، فلا وجه لما قيل من ان الحديث عام كما اذا كان النفع بشرط اولا، فيحرم كل قرض جر نفعا مطلقا، لان الحديث عام في دائرة الشرط الالزامي، وهذا ظاهر من كلمة «جر نفعا» فانها ظاهرة في الالزام. على أنه اذا كان عاما في اوسع دائرة الالزام

____________________

(١) وقد استفاد الشيخ الانصاريرحمه‌الله من استشهاد الامام (ع) بالاية أن التأجيل بالزيادة يكون ربا «المكاسب/ج٢/ص٣٠٧». ولكن هذه الاستفادة غير صحيحة وذلك حيث ذكر في الاصول ان مراد المتكلم اذا كان معلوما وشككنا ان المراد هل هو على نحو الحقيقة او المجاز، فلايمكن التمسك باصالة الحقيقة، وهنا الامام «ع» مراده واضح ولكنه هل على نحو الحكومة او أنه مصداق حقيقي للربا؟ فلايمكن استفادة الحقيقة لان الامام «ع» يقول «الزيادة لاتكون للاخذ» ولادلالة على أن الزيادة حقيقية او حكمية.

١٨٤

فهو مخصص حتما بالنفع الالزامي بالروايات التي تحرم الربا في هذه الدائرة بالروايات التي يجوز النفع في عقد القرض اذا لم يكن بشرط.

(٧) مارواه علي بن جعفر كما في قرب الاسناد، سألت اخي موسى (ع) عن رجل اعطى رجلا مائة درهم يعمل بها على أن يعطيه خمسة دراهم او أقل او اكثر هل يحل ذلك، فقال: هذا الربا محضا. وهذه الرواية صحيحة حيث أن ما ينقله صاحب الوسائل عن علي بن جعفر انما ينقله عن الشيخ الطوسي، وطريقه اليه معتبر كما ذكره في آخر الوسائل، والشيخ الطوسي ينقل هذا عن علي بن جعفر وسنده اليه صحيح كما ذكره في المشيخية(١) وهذه الرواية تختص بحرمة الزيادة في عقد القرض.

(٨) مارواه محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال «من أقرض رجلا ورقا فلايشترط الا مثلها، فان جوزي أجود منها فاليقبل، ولايأخذ احد منكم ركوب دابة او عارية متاع يشترط عن أجل قرض ورقه»(٢) . اذن اشتراط الورق الزائد او غيره في القرض ممنوع، وكذلك اشتراط الركوب او العارية من الزيادات الحكمية. وهذه الرواية معتبرة سندا وهي مطلقة لما اذا كان الشرط في عقد القرض أو كان في مقابل الامهال.

(٩) ومن الادلة على حرمة التأجيل في مقابل الزيادة الروايات الواردة في الحيل الشرعية كموثقة اسحاق بن عمار(٣) قال قلت لابي الحسن (ع)(٤) «يكون لي على الرجل دراهم فيقول أخرني وانا اربحك فأبيعه جبة تقوم علي بألف درهم بعشرة ألاف درهم او قال: بعشرين الفا واؤخره بالمال، قال: لابأس».

____________________

(١) الوسائل/ج١٢/ باب «٧» من ابواب الربا حديث«٧»/ص٤٣٧.

(٢) الوسائل/ج١٣/ باب (١٩) من ابواب الدين/حديث«١١»/ ص١٠٦.

(٣) الوسائل/ج١٢ باب «٩» من ابواب العقود/رواية «٤»/ ص٣٨٠.

(٤) ابى الحسن «ع» الرضا او موسى بن جعفر «ع».

١٨٥

وكموثقة مسعدة بن صدقة(١) عن أبي عبد الله (ع) قال: «سئل عن رجل له مال على رجل من قبل عينة عينها اياه، فلما حل عليه المال لم يكن عنده مايعطيه فأراد أن يقلب(٢) عليه ويربح أيبيعه لؤلؤا أو غيره ذلك مايسوى مائة درهم بألف درهم ويؤخره. قال: لابأس بذلك، قد فعل ذلك ابيرضي‌الله‌عنه وأمرني ان افعل ذلك في شيء كان عليه» وهذه الروايات التي تعلم هذا الطريق تدل على ان التأجيل بالزيادة ممنوع.

والخلاصة ان هذه الادلة المتقدمة تدل على حرمة الالزام بأخذ شيء في القرض بلا عوض، سواء كان الالزام بأخذ شيء في اصل القرض او من أجل تأجيل القرض. وحينئذ فلاوجه لما نقل عن الشيخ وبعض من جواز اشتراط الدراهم الطازجية عوض المكسرة، وصحيح يعقوب بن شعيب(٣) «سألت ابا عبد الله (ع) عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلة فيأخذ منه الدراهم الطازجية طيبة بها نفسه. فقال: لا بأس به وذكر ذلك عن علي (ع)» ليس ظاهرا في الاشتراط. نعم هو ظاهر في أخذ المقرض من المقترض الاجود وهو راض، ولو قلنا بأن «يأخذ» ظاهرة في الاشتراط لانها ظاهرة في الالزام فتعارضها الروايات الكثيرة التي أطلق فيها المنع، والترجيح لروايات المنع لشهرتها ان لم يجمع بينهما بكون المجوزة تحمل على عدم الشرط.

والحق أن كلمة «يأخذ» ليست ظاهرة في الالزام فهي ليست ككلمة «الجر» من قبيل «جر نفعا»(٤) ، وانما هي ظاهرة في الاعم من الالزام وغيره، وحينئذ

____________________

(١) الرواية الثالثة في نفس المصدر والصفحة.

(٢) يقلب: يجعل الحال مؤجلا.

(٣) الوسائل/ج١٢/ باب «١٢» من ابواب الصرف/حديث«٥»/ ص٤٧٧.

(٤) ان قلت: جاء في الرواية «خير القرض ماجر نفعا» والحال ان المراد من الخبر هو حصول النفع من دون اشتراط. قلت: ظاهر الخبر هو الشرط غاية الامر رفعنا اليد عن هذا الظهور لاجل القرينة ولذاك يكون معنى حمليا لاظاهرا.

١٨٦

تكون الروايات المانعة في صورة الالزام مخصصة لها في كون الاخذ بغير الزام وهو معنى عدم الشرط وبهذا نعرف أن كل زيادة الزامية بلاعوض في عقد القرض هي زيادة ربوية، وحينئذ يأتي الحكم وهو الحرمة، وبهذا يكون معنى واضحا لما ذكرته الروايات من أن الفساد يأتي من قبل الشروط بأخذ الزيادة بلا مبرر، فقد قال الحديث «جاء الربا من قبل الشروط وانما تفسده الشروط» ومن هنا نعرف أن لا ضرورة للالتزام بأن المحرم فقط هو القرض الذي يشترط فيه النفع، اذ لادليل على ذلك وانما المحرم وهو كل زيادة الزامية من أجل القرض.

الاشكال على الادلة المتقدمة:

وقد يستشكل على الادلة المتقدمة التي دلت على حرمة الربا القرضي مطلقا فيقال: اما الادلة المطلقة منها فتقيد بقوله «لاربا الا في المكيل والموزون» واما الادلة الخاصة المعتبرة فهي واردة في قرض الدراهم والدنانير، وأما التي ذكرت المال فقد قالوا: بأن المال في ذلك العصر كان منصرفا الى النقدين، اذن لادليل على حرمة مطلق الربا القرضي.

وللاجابة على هذا الاشكال نقول:

أولا: لقد تقدم منا ان اخذ الزيادة في مقابل التاجيل في عقد القرض حرام كما هو مورد نزول بعض الايات القرآنية و الروايات، وتقدم ايضا ان الزيادة قد تكون في مقابل الحق، وهذا دليل على ان الدين او المال او الحق (١) اذا حل اجله لا يجوز ان يؤجل في مقابل الزيادة. ولا فرق بين هذا وبين اخذ الزيادة في اصل عقد القرض كما كان شائعا قبل الاسلام اذ اطلاق الحرمة يشمل كل ما كان ربا. وهذا لا مخصص له من الادلة الخاصة فيعمل باطلاقه.

ثانيا: اننا اخترنا فيما تقدم في (بحث الربا في المعاوضات) جريان الربا

____________________

(١) يراجع الربا الجاهلي في بحث ابناء العامة.

١٨٧

المعاوضي في المعدود اذا كان على وجه النسيئة، وحينئذ يكون هذا دليلا على حرمة بيع عشرة دنانير بخمسة عشر نسيئة اذا قلنا ان هذه العملية بيع.

وثالثا: ان الايات القرآنية المانعة من تاجيل الدين في مقابل الزيادة، تقول بحرمة مطلق القرض الربوي، والروايات الخاصة(على لسان المستشكل) تثبت الربا في النقدين، ولا تعارض بينهما، لان كلا الحكمين مثبتان. نعم هذان الحكمان المثبتان يعارضان الحديث القائل(لا ربا الا في المكيل والموزون) فيخصص النفي بادلة وجود الربا في القرض. وهذا يبطل اصل الاشكال الذي يقول بعدم وجود دليل على حرمة القرض الربوي.

فساد العقد:

وقد اختلف الفقهاء في فساد العقد الذي فيه شرط الزيادة، فقد ذهب البعض الى فساده باشتراط الزيادة واستدلوا بان الظاهر من حرمة القرض الربوي هو فساد العقد وعدم افادته الملك، باعتبار توجه النهي الى المعاملة، ومعناه عدم ترتب الاثر عليها، فيبقى مال القرض في ملك المقرض، وحينئذ يحرم على المقترض التصرف فيه، ولو تلف في يده فهو مضمون عليه لانه قد قبضه على ان يكون مضمونا عليه لوتلف، والقاعدة تقول بأن ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

ولكن ذهب ابن حمزة الى أن المال في يد المقترض أمانة، وهو ضعيف لان المقرض انما اعطى المال على أن يكون مضمونا على المقترض، فلاوجه للامانة هنا اصلا.

وقد توقف المحدث البحراني (قده) في فساد العقد مدعيا انه ليس في شيء من نصوصنا مايدل على فساده بالاشتراط، بل اقصاها النهي من اشتراط الزيادة

١٨٨

والخبر النبوي ليس من طرقنا.

وقد يقال: ان هذا البحث مبني على مسألة أن الشرط الفاسد وهو الزيادة هل يفسد العقد ام لا؟ فمن ذهب الى فساده حكم بفساد العقد، ومن لم يحكم بفساده كما عليها الاكثر لم يفسد العقد. ونحن قد ذكرنا في مقدمة «الربا عند الامامية» بأن الشرط الفاسد اذا كان اشتراطه يؤدي الى اختلال اركان المعاملة فالمعاملة باطلة بالاضافة الى بطلانه، واذا كان اشتراطه لايؤدي الى اختلال اركان المعاملة فهو باطل فقط(١) .

وهنا اشتراط الزيادة لايخل بأركان صحة العقد القرضي اذ هو كما تقدم «تمليك المال على وجه الضمان» وكل اركان العقد موجودة هنا، فتشمله ادلة اطلاقات صحة العقد كأوفوا بالعقود. نعم اشتراط الزيادة قد نهي عنه فيبطل الشرط فقط. اما العقد فهو صحيح، وهذا بخلاف الربا في المعاملة حيث يكون الاشتراط (اشتراط الزيادة) هناك موجبا لاختلال اركان صحة العقد التي منها التساوي، وهو غير موجود باستبدال القليل بالكثير، فلا تشمله اطلاقات صحة البيع.

ومما تقدم نعلم انه ليس كل شرط حرام في عقد القرض، ولاكل نفع حرام بل الشرط الذي يجر نفعا بلا مقابل «كأن يكون في مقابل التأجيل» في عقد القرض هو الحرام فقط. واما النفع الذي لم يشترط في عقد القرض فهو جائز لمفهوم الاخبار الكثيرة التي توجد البأس مع النفع بشرط، ولمنطوق الاخبار التي تنفي البأس بالنفع اذا لم يكن قد شرط، فمنها صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت ابا عبد الله (ع) عن الرجل يقترض من الرجل الدراهم فيرد عليه المثقال او يستقرض المثقال فيرد عليه الدراهم، فقال: اذا لم يكن شرط فلا بأس

____________________

(١) تقدم في مقدمه البحث في ربا الامامية.

١٨٩

وذلك هو الفضل ان أبي (ع) كان يستقرض الدراهم الفسولة فيدخل عليه الدراهم الجياد الجلال، فيقول يابني ردها على الذي استقرضتها منه، فأقول: يا أبه ان دراهمه كانت فسوله وهذه خير منها فيقول: يابني ان هذا هو الفضل فاعطه اياها»(١) وعلى هذه الصورة تحمل النصوص التي تقول «خير القرض ماجر نفعا»(٢) .

وكذلك يجوز النفع اذا لم يكن له مدخلية بالقرض كما اذا قرضت اخي مالا وهو يعطيني نفقتي وما احتاج اليه، فالقرض الذي اعطيه لاخي قارنه نفع ولكن لامدخلية للنفع الذي احصل عليه انا بالقرض، فلا تشمله ادلة التحريم.

وربما يستدل له أيضا نخبر هذيل(٣) «قلت لابي عبد الله (ع) اني دفعت الى أخي جعفر مالا فهو يعطيني ما انفقه واحج به وأتصدق وقد سالت من عندنا فذكروا أن ذلك فاسد وانا احب أن انتهي الى قولك، فقال: أكان يصلك قبل ان تدفع اليه مالك؟ قلت: نعم. قال: خذ ما يعطيك فكل واشرب وحج وتصدق فاذا قدمت العراق فقل جعفر بن محمد افتاني بهذا».

القرض مع الشرط الجائز:

ويمكن ان نذكر للشرط الجائز امثلة متعددة منها: اذا أقرضت شخصا مالا واشترطت عليه أن يأتي بغلته لاجل أن أبيعها له، ولي منفعة من هذا البيع، فان هذا الشرط في عقد القرض قد جر علي منفعة، الا أنني قد حصلت عليها في

____________________

(١) الوسائل/ج١٢/ باب (١٢) من ابواب الصرف/حديث(٧)/ ص٤٧٨.

الدراهم الفسولة: المزيفه قال في القاموس: أفسل عليه دراهمه: زيفها. الدراهم الجياد (الجلال): الفغيسه، الوافيه.

(٢) الوسائل/ج١٣/ باب «١٩» من ابواب الدين/حديث«٤،٦»/ ص١٠٤ - ١٠٥.

(٣) نفس المصدر/حد،يث«٢» «هذيل ليس فيه توثيق».

١٩٠

مقابل عملي الذي بذلته لاجل بيعها، فلم يكن القرض هو الذي جر علي المنفعة، والظاهر من النصوص هو حرمة القرض الذي يجر علي المنفعة مباشرة من دون عمل مقابل للمنفعة، واذا حكما الاصل العملي عند الشك، فالجواز بمعنى عدم الحرمة هو الجاري في المقام، وترتب الاثر على هذا العقد يكون بالتمسك بأوفوا بالعقود. ومثل هذا في الجواز اشتراط المقرض رهنا على ما أقرضه او كفيلا او اشهادا، فان هذه الشروط لاتجرى نفعا، بل هي وثيقة للدين وضمانا من ضياعه، ومثله ايضا أن اشترط عليه في القرض أن يبيعني داره بثمن المثل في ظروف اعتيادية.

ومما يدل على هذا حسنة جميل «قلت لابي عبد الله (ع) أصلحك الله اننا نخالط نفرا من أهل السواد فنقرضهم القرض ويصرفون الينا غلاتهم فنبيعها لهم بأجر ولنا في ذلك منفعة. قال لابأس ولااعلمه الا قال: ولولا مايصرفون الينا من غلاتهم لم نقرضهم فقال لابأس»(١) بناء على أن جملة ولولا مايصرفون الينا من غلاتهم لم نقرضهم هي عبارة عن شرط صريح في ضمن عقد القرض. نعم القرض بشرط البيع المحاباتي حرام - كما سيأتي - كما لو اقرضته المال بشرط أن يبيعني داره بنصف القيمة، فانه يدخل تحت كونه قرضا قد شرط فيه النفع للمقرض.

وبعبارة أخرى: الروايات تحرم أن يكون القرض هو الذي يجر النفع مباشرة عند العرف، فنحن وان قبلنا عقلا أن «جار الجار جار» فاذا جر القرض بيعا،

____________________

(١) الوسائل/ج١٣ باب «١٩» من ابواب الدين/ حديث«١٢»/ ص١٠٦. وانما عبرنا عنها باحسنة لان طريق الشيخ الى محمد بن ابي عمير حسن، وقد عبرعنا بالمرسلة لوجود طريق الصدوق باسناده عن جميل بن دراج عن رجل، اذن الرواية لها طريقان اولهما حسن فهي حجة عند من يعتبر الحسن.

١٩١

والبيع جر النفع فهو داخل عقلا في أن القرض جر النفع، الا أن هذا منصرف عن الروايات التي معناها عرفا هو أن يكون القرض هو الجار مباشرة للنفع.

اذن ينبغي أن يكون معنى القرض الذي يجر منفعة الذي نصفه بالربا هو ما كانت المنفعة مشروطة ولم تكن في مقابل عمل يبذله المقرض وأن يجرها القرض بحيث لولاه لما كانت هناك منفعة.

مطلق المنفعة سواء كانت حقيقية او حكمية هي ربا:

وقد نقل صاحب الجواهر (قده) عن الاردبيلي الميل الى عدم البأس في اشتراط الزيادة الحكمية للاصل واطلاق الادلة خصوصا نصوص خير القرض ما جر نفعا، بعد عدم الاجماع وعدم ظهور تناول دليل الربا له، بل دلالة اكثر أخبار المنع انما هي بمفهوم البأس الذي هو اعم من الحرمة.

ولكن الادلة ظاهرة بمنطوقها على تحريم اشتراط الزيادة الحكمية كصحيح محمد بن قيس(١) عن أبي جعفر (ع) قال: من اقرض رجلا ورقا فلايشترط الامثلها، فان جوزي أجود منها فاليقبل، ولاياخذ احد منكم ركوب دابة او عارية متاعا يشترط من أجل قرض ورقه». وكذلك الادلة ظاهرة مفهوما ولو بالقرائن من المنع عن اشتراط النفع عينا او منفعة او صفة.

نعم هناك استثناء من هذه القاعدة وهو عبارة عن التسليم في بلد آخر وان كان فيه نفع للمقرض فهو جائز، للاخبار المتعددة، منها معتبره الكناني(٢) عن أبي عبد الله (ع) « في الرجل يبعث بمال الى أرض، فقال للذي يريد أن يبعث به أقرضنيه وأنا اوفيك اذا قدمت الارض. قال: لابأس». ومن اطلاق هذه الادلة

____________________

(١) نفس المصدر/حديث«١١».

(٢) الوسائل/ج١٢/ باب «١٤» من ابواب الصرف/حديث«٢»/ص٤٨٠.

١٩٢

نستفيد عدم الفرق بين صورة الانتفاع للمقرض وعدمه(١) ، بل الظاهر انها واردة في صورة انتفاع المقرض. وما نسب الى البعض من احتمال الفساد لاوجه له، فانه وان كان قرضا جر نفعا للمقرض فتشمله الادلة المحرمة الا انه قد استثني بواسطة ماتقدم من الروايات فيخرج عن الربا حكما، وهذا الحكم مختص بالنقود كما سيأتي(٢) .

ولنا أن نقول - كما تقدم في بحث العامة - ان هذه الصورة خارجة عن الربا موضوعا وذلك لان المقرض لم ينتفع من اقراضه هذا بشيء وانما قد تخلص من اضرار كان يتحملها لو نقل المال بنفسه من اخطار الطريق مثلا وغيرها، وهذا ليس بنفع وانما هو عدم ضرر فلا بأس به.

اشتراط النفع في القرض للمقترض:

وهذه الصورة تكون فيما اذا اقترضت منه مائة درهم على أن ارجعها اليه ٩٠ درهما، وهذا جائز، لان موضوع الربا هو اشتراط الزيادة للمقرض، وهو ليس بموجود هنا. ومثل هذا مالو اقترضت منه مائة دينار في ايران على ان اعطيه اياها في العراق، فقد انتفعت بهذا القرض حيث أزال عني اجرة حمل الطريق لو اردت سحب المال الى ايران، وبهذا سوف تكون شروط القرض الذي

____________________

(١) لو قلنا ان اطلاق الادلة لايفرق بين صورة الانتفاع للمقرض وعدمه فتكون النسبة بين هذه الروايات وبين الروايات التي تدل على أن القرض اذا جر نفعا فهو حرام عموما وخصوصا من وجه فيتساقطان في مادة الاجتماع فينتهي الدور الى الاصل وهو الحلية واوفوا بالعقود. ولكن اذا قلنا بأن الروايات ظاهرة في صورة الانتفاع فقط، فما جاء في المتن يكون هو الصواب وعلى كل حال فالنتيجة واحدة.

(٢) سنتعرض لهذا البحث مفصلا في ما يأتي.

١٩٣

يجر نفعا قد زادت واحدا وهو ان يكون النفع المشروط بالقرض للمقرض، ودليله هو ظهور الاخبار في هذه الصورة، وانصرافها عن كون الشرط في عقد القرض للمقترض ولهذا نقول بصحة اخذ البنك اكثر مما اعطى لعامله اذا حول له مالا، لان العميل اذا اعطى الى البنك في ايران لاجل أن يتسلمه في الهند فهو دائن والبنك مدين، وحينئذ يستطيع البنك بما أنه مدين من اعطاء اقل ما قبض وليس هو ربا لانه مدين والربا هو أن يأخذ الدائن الزيادة، بالاضافة الىأن البنك له أن ياخذ عمولة على عمله مع اتفاق وقبول من يعمل له وهي غير الفائدة، الا ان اخذ العمولة يكون في حدود خاصة عادة.

اساليب اخذ الزيادة في القرض

لقد تقدم منا القول بأن الزيادة في القرض على نحوين:

١ - الزيادة في اصل القرض.

٢- الزيادة في مقابل الاجل.

ونتكلم الان عن كل قسم من هذين القسمين تفصيلا:

القسم الاول : ويمكن أن تصور الزيادة على نحوين:

الاول: ان تكون الزيادة على نحو الجزئية من البدل.

الثاني: ان تكون الزيادة بنحو الشرطية، كما اذا اشترط عليه زيادة معلومة على البدل. ونحن نرى أن كلا هذين التصويرين لاخذ الزيادة حرام شرعا لشمول دليل تحريم الربا القرضي له لان ربا القرض، هو عبارة عن الزيادة للمقرض المشترطة في عقد القرض من دون ان يكون مقابلها عمل.

القسم الثاني : وتتصور على انحاء:

الاول: ان يلزم المدين بالزيادة بنحو المبادلة بين التأجيل والزيادة، وكأن

١٩٤

الدائن هنا حينما يقدم المال للاخرين له حق المطالبة بهذا المال متى شاء، فهو يسقط هذا الحق من المطالبة الفورية في مقابل الزيادة.

ويرد على هذا اننا لو قبلنا ان للدائن حق المطالبة بالمال متى شاء، فانما نقبله في صورة كون الدين مطلقا وكون المدين موسرا، واما اذا كان الدين مقيدا بوقت او كان المدين معسرا فلا نقبله لمقتضى عقد القرض المقيد بالاجل ولقانون «فنظرة الى ميسرة» الذي يسقط حق المطالبة، ولتوضيح ذلك نقول: ذكر العلماء ان القرض من العقود الجائزة التي يجوز فيها الرجوع من الطرفين، وهذا صحيح في حدود اطلاق العقد القرضي، واما اذا اشترط التأجيل في العقد القرضي فيلزم التأجيل، أي لايكون العقد جائزا من ناحية المشترط عليه التأجيل. وهذا هو الظاهر من قوله تعالى (اذا تداينتم بدين الى اجل مسمى فاكتبوه.... الخ) ومن معتبرة الحسين بن سعيد، اذ الاية قد امضت اشتراط الاجل في عقد القرض وهذا الامضاء يدل على فائدة الشرط الذي امضاه الشارع؛ فان قلنا ان الدائن له حق المطالبة بالدين في أي وقت شاء، فمعنى ذلك لغوية الشرط بالامهال وعدم فائدته، وهو خلاف ظاهر الشرط والامضاء.

وأما الرواية فهي معتبرة الحسين بن سعيد، قال: سألته عن رجل اقرض رجلا دراهم الى اجل مسمى ثم مات المستقرض أيحل مال القارض عند موت المستقرض منه، او للورثة من الاجل مثل ما للمستقرض في حياته؟ فقال: اذا مات فقد حل مال القارض»(١) فقد أقر الامامعليه‌السلام الاجل في القرض ومفهوم

____________________

(١) الوسائل/ج١٣/ باب (١٢) من ابواب الدين/حديث(٢) ص٩٧. بالاضافة الى أن جواز عقد القرض مطلقا لادليل عليه الادعوى الاجماع، وهي موهونة بفتوى العلماء بعدم جواز الرجوع في العين المقروضة، كما توجد قرائن اخرى تدل على عدم صحة دعوى الاجماع منها: جواز بيع الدين المؤجل بحال بأقل من الدين. وحينئذ اذا سقطت دعوى الاجماع يبقى اشتراط الامهال في العقد مؤثرا اثره من الزام المشترط عليه بالعقد القرضي وهذا هو المعنى المرتكز للدين المؤجل عند العرف، بالاضافة الى المؤمنون عند شروطهم.

١٩٥

جواب الامام عدم حل القرض اذا لم يمت المستقرض.

هذا بالاضافة الى أن «المسلمون عند شروطهم» تثبت صحة الشرط ولزومه لان «اوفوا بالعقود» توجب الوفاء بالعقد وبالشرط الذي هو عهد، وبهذا ثبت ان العقد القرضي لازم عند اشتراط التأجيل بالنسبة للمقرض، وهذا لاينافي الجواز مع اطلاق العقد القرضي. ثم في صورة كون العقد جائزا (اي غير مؤقت بوقت) ولكن كان المدين معسرا، فهنا يسقط ايضا حق المطالبة بالمال للاية الكريمة(وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة) وقد يقال بأن الاية الكريمة في هذه الصورة لم تقل بعدم أخذ الاجرة على الانتظار، فيكون جائزا.

ولكن هذا وهم لايمكن الركون اليه، حيث اننا اذا قلنا بأن الاية الكريمة تأمر بالانتظار، ومعنى ذلك وجوب الانتظار وعدم المطالبة وحينئذ لايستحق اجرة على انتظاره لان ايجاب شيء بدون صدور عمل - كما في الواجبات الكفائية - لا يستحق أجرا عليه. وهذا الجواب لايثبت ان الاية تثبت الحق. بالاضافة الى التشكيك في التعليل، اذ أنه قد يجب علي ابقاء زيد مع عائلته في داري، ولكن هذا لاينافي اخذ الاجرة منه، لانتفاعه بالدار، فكذلك فيما نحن فيه، لان وجوب الانتظار وعدم المطالبة لاينافي اخذ الاجرة على المال الذي ينتفع به، ولذلك لابد في الجواب من القول بالتعبد الشرعي وهو ان الشارع حرم أخذ الاجرة في مقابل اسقاط هذا الحق، وتدل على ذلك الاثار التي نقلناها سابقا التي تقول بأن آيات القرآن نزلت في هذه الزيادة «أتقضي ام تربي» وهي نص في المورد، فالتراجع.

وأما في صورة كون العقد القرضي مطلقا، فقد قلنا بوجود حق المطالبة

١٩٦

بالمال متى شاء، الا ان اسقاط هذا الحق غير معقول لان هذا الحق ناشىء من اطلاق العقد، أي ان هذا الحق هو في الحقيقة حق حكمي، والحق الحكمي لايمكن اسقاطه من قبل المكلف. نعم اذا كان الحق ناشئا من شرط فيمكن اسقاطه فمثلا اذا بعت الكتاب بدينار نقدا او مطلقا، فالحكم بجواز المطالبة بالدينار (الذي يعبر عنه بالحق) لايمكن اسقاطه، وهذا مثل جواز الرد في الهبة اذا كانت العين موجودة، فان هذا الجواز حكم شرعي لايسقط بالاسقاط.

الثاني: ان تكون الزيادة بنحو الجعالة، كأن يقول المدين من أجل ديني فله درهم، فهنا ايضا اصبحت الزيادة في مقابل الاجل، وكأن المدين بجعالته قد جعل له حق التأجيل في الوفاء، وهذا الحق بما أنه قد اعترف به الدائن، فقد سقط حقه في المطالبة الفورية بالمال.

ويرد على هذا أن الجعالة انما تصح في صورة وجود عمل مضمون لانسان على آخر، فالجعالة تحدده، أما هنا فليس للدائن عمل مضمون على المدين حتى يتمكن المدين من تحديده بالجعالة(١) .

الثالث: أن يلزم الدائن المدين بالجامع بين اعطائه الزيادة عطية اويفي

____________________

(١) روايات الجعالة منها صحيح علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن(ع) «قال سألته عن جعل الابق والضالة قال لابأس به» والجعل يطلق لغة على المال الذي يعين في مقابل العمل، ويمكن ادعاء انصراف الجعل الى ما يجعل في الجعلة. ومنها صحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت أبي يسأل ابا عبد الله (ع) وانا اسمع فقال: ربما أمرنا الرجل فيشتري لنا الارض والدار والغلام والجارية ونجعل له جعلا، قال لا بأس، وهذين الروايتين باطلاقهما تشمل الاجارة والجعالة مع الفرق بينهما من ناحية تحديد الاجر والعمل في الاجارة دونه في الجعالة، وعدم جواز كون الاجرة سهما بخلاف الجعالة، وهما تدلان على ماذكرنا في المتن. الوسائل/ج١٦ كتاب الجعالة/باب (١)/ حديث(١)/ص١١٢ وباب (٤) حديث(١)/ص١١٤.

١٩٧

بالدين. وفورا. ويرد على هذا أن المدين لايكون ملزما بالجامع الذي قدمه له الدائن اذا كان غير واجد باعتبار قانون «وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة» فهو وان لم يختر اعطاء الزيادة لايلزم بوفاء الدين فورا، واما اذا كان واجدا للمال فأيضا لايلزم المدين بالجامع، لان الزيادة من قبل المدين لوقبلها تجعل الدائن لايطالب بالمال فورا (كما يدعون) ومعنى ذلك أن الزيادة اصبحت في مقابل عدم المطالبة الفورية، وقد تقدم منا أن اسقاط حق المطالبة الفورية في مقابل المال قد منع منه الشارع، بالاضافة الى أن اسقاط حق المطالبة الذي هو حكم حقيقة غير معقول. نعم له حق أن لايطالب وهذا شيء غير اسقاط حق المطالبة.

الرابع: أن يبيع المدين شيئا قيمته عشرة دنانير الى الدائن بخمسة دنانير ويشترط عليه تاجيل الدين، فيكون التأجيل في الدين في مقابل البيع المحاباتي الذي يكون له مالية عقلائية فأصبحت الزيادة الناشئة من البيع المحاباتي في مقابل الاجل، اوقل لقد حصلت الزيادة في القرض بلامبرر. وهذا مرة يحصل من دون الزام من الدائن ومن دون مضايقة كأن يكون المدين محتاجا الى هذا البيع المحاباتي حقيقة فلايكون ربا، واما اذا كان هذا البيع المحاباتي بواسطة الشرط من الدائن او حصل نتيجة المضايقة من الدائن، فيكون البيع المحاباتي له مالية عقلائية في مقابل اسقاط حق المطالبة. وقد قلنا سابقا أن اسقاط حق المطالبة لايكون في مقابلة مالية او اجرة لمنع الشارع اذا كان له حق الاسقاط.

نعم وردت روايات في البيع المحاباتي كفرار من الربا، ولكن الظاهر منها عدم الزام المدين به او احتياجه واقعا اليه، واما اذا قلنا باطلاقها فهي تعارض قانون «وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة» وتعارض الايات القرآنية النازلة في ربا الجاهلية (اتقضي ام تربي) كما فسرت اذ الحقيقة أن الدائن اذا الزم المدين بالبيع المحاباتي فكأنه ضايقه بالوفاء او بالزيادة التي تحصل بصورة البيع

١٩٨

المحاباتي وهي محرمة.

والرايات هي:

١ - موثق عمار(١) قال: قلت للرضا (ع) الرجل يكون له المال فيدخل على صاحبه يبعيه لؤلؤة تسوى مائة درهم بالف درهم ويؤخر عنه المال الى وقت. قال: لابأس به أمرني أبي ففعلت ذلك، وزعم انه سأل ابا الحسن (ع) عنها فقال مثل ذلك».

٢ - موثق عمار الاخر(٢) قال: قلت لابي الحسن (ع) يكون لي على الرجل دراهم فيقول أخرني بها وأنا اربحك فأبيعه جبة تقوم علي بألف درهم بعشرة آلاف درهم او قال: بعشرين ألفا اؤخره بالمال، قال: لابأس».

وهناك روايات اخرى الا أنها ساقطة سندا. ويظهر من الشيخ صاحب الجواهر (قده) العمل بهذه الحيلة لحلية ما نحن فيه(٣) ، ولكن قلنا أنها ظاهرة في غير الالزام. ثم انه يظهر من الشيخ صاحب الجواهر (قده) وغيره الفرق بين هذه الحيلة التي نطقت بها الروايتان المتقدمتان وبين مسألة القرض بشرط البيع المحاباتي، اذ قد حرمها بعد أن دلل على أن المسألة ليست اجماعية كما ادعاه البعض. ولكننا لانرى فرقا بين هذه المسألة وما ذكرته الراويتان المتقدمتان او أن الفرق غير فارق، اذ الفرق هنا فقط في صورة الانشاء.

ونحن قد تقدم منا أن الحرمة التي نستفيدها من القرض بشرط البيع المحاباتي منشؤها هو: مالية البيع المحاباتي عند العرف، وحينئذ باشتراطه يكون قد صدق جر النفع بالقرض، او قل يكون هذا المال الناشيء من البيع المحاباتي

____________________

(١،٢) موثق محمد بن اسحاق بن عمار/ الوسائل/ج١٢/ باب (٩) من ابواب احكام العقود/ حديث(٦،٤)/ص٣٨٠.

(٣) الجواهر ٢٥/٣٥.

١٩٩

في مقابل الاجل في القرض وهو ربا قرضي واضح، وهذه النكتة بنفسها موجود في الراويتين، حيث ان البيع المحاباتي اذا كان ملزما للمدين، وهو له مالية كما قلنا فتكون المالية في مقابل تأجيل القرض، أي يكون بقاء القرض قد جر نفعا بالالزام والشرط فيه، والشرط ليس هو من اول العقد، بل بعد ذلك كما في صورة (اتقضي ام تربي) فانها تلزم المدين بالقضاء او بالزيادة في مقابل التأجيل وهو الربا المحرم.

واذا قلنا بوجود تعارض بين هاتين الروايتين وبين مورد نزول الايات القرآنية (اتقضي ام تربي) فالترجيح لمورد نزول الايات، فلا وجه لاختلاف الفتوى في المسألتين. هذا كله بالاضافة الى صحيحة محمد بن قيس(١) عن أبي جعفر (ع) قال: من اقرض رجلا ورقا فلايشترط الا مثلها، فان جوزي أجود منها، فاليقبل، ولايأخذ احد منكم ركوب دابة او عارية متاع يشترط من آجل قرض ورقه».

وهذه الصحيحة تصرح بعدم الشرط الذي هو نفع للمقرض من اجل قرضه، فان الالزام بالمحاباة في مقابل التأجيل، او التأجيل بواسطة الالزام بالمحاباة هو زيادة على رد المثل فهو منهي عنه.

هذا ولكن الاكثر(٢) من الفقهاء ذهبوا الى الفرق بين القرض بشرط البيع المحاباتي وبين البيع المحاباتي اذا شرط فيه تأجيل الدين او القرض وذلك للجمود على اللفظ الذي حرم الاول باعتباره شرطا في عقد القرض قد جر نفعا

____________________

(١) الوسائل/ج١٣/ باب(١٩) من ابواب الدين والقرض/ حديث«١١»/ ص١٠٦.

(٢) منهم السيد الامام الخميني في رسالته تحرير الوسيلة/ج٢/ كتاب القرض مسألة «١٠» ص٦٥٤. والسيد الامام الخوئي في رسالته منهاج الصالحين ج٢ كتاب الدين والقرض مسألة «٧٩٨» ص١٨٨.

٢٠٠