الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا0%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف: حسن محمد تقي الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 464
المشاهدات: 84019
تحميل: 8858

توضيحات:

الربا .. فقهيا واقتصاديا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84019 / تحميل: 8858
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

للمقرض، وحلل الثاني نظرا الى الروايات التي ترفع البأس، او لانه بيع محاباتي اشترط فيه القرض وهو ليس بمحرم.

وقد يقال: ان الاحكام الشرعية تابعة للعناوين، ونحن فهمنا من الادلة المتقدمة قرآنية وروائية ان القرض حدوثه وبقاؤه اذا كان يجر نفعا بالالزام والشرط فيه فهو حرام، وحينئذ تحدث عندنا ثلاث صور:

١ - اذا كان العقد القرضي يشترط فيه البيع المحاباتي فهو عقد قرضي جر نفعا بالالزام فهو ربا.

٢ - اذا كان بقاء القرض يشترط فيه المحاباة كما اذا كان القرض موجودا من الاول وحل اجله وكان الدائن بضغط على المدين اما بالوفاء او بالبيع المحاباتي فهنا بقاء العقد القرضي جر نفعا فهو حرام وهو معنى (أتقضي ام تربي).

٣ - اذا كان البيع المحاباتي قد اشترط فيه اصل القرض، فهذا ليس قرضا قد جر نفعا، ولا بقاء قرض قد جر نفعا، وانما بيع اشترط فيه القرض فهو ليس داخلا تحت عنوان التحريم. وما قيل من ان ملاك تحريم الربا القرضي موجود هنا. غير صحيح، لان ملاك تحريم الزنا في قوله للمرأة اعطيك الفا وانكحك موجود في قوله لها أتزوجك بألف فقالت قبلت، على ان الملاك لم نعرفه من دون دخول المورد في ادلة الحرمة. وبهذا لايكون البيع المحاباتي بشرط القرض حيلة للتخلص من الربا وانما هو غير مشمول لادلة الحرمة.

ولكن الحق والتحقق: انه لم يرد في أحد أدلة الربا المعتبرة جملة «ألقرض الذي يجر نفعا فهو ربا» حتى نجمد عليه، بل تقدم منا أن الادلة المطلقة والمقيدة بالقرض كلها تدل على ان الالزام بأخذ زيادة في عقد القرض بلا مقابل هي ربا، وهنا في الصورة الثالثة ايضا كذلك فتأتي الحرمة على موضوعها. وبهذا يتضح عدم الفرق في البطلان ايضا لو قال القائل اقرضتك كذا من المال بشرط أن

٢٠١

تؤجرني البيت بأقل من قيمته او قال آجرتك البيت بأقل من قيمته بشرط ان تقرضني كذلك من المال، لان القرض الذي حصل بالشرط هو عقد سوف يرجع المقترض نفس القدر المقترض وقد ألزم المقترض باجارة بيته بأقل من قيمة المثل، فحصل القرض الذي فيه نفع الزامي يدفعه المقترض الى المقرض، غاية الامر هذا النفع الالزامي حصل بعقد الاجارة المشترط فيها القرض، والارتباط بينهما يفهم منه العرف اشتراط الزيادة في القرض.

وبعبارة اخرى: المقترض سوف يدفع اكثر مما اقترض وهذا ممنوع منه بالشرط(١) كما في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة، حيث أنها تمنع من الزيادة على القرض في مقام الاداء ولافرق بين كون الزيادة بعقد اجارة ام لا، وهنا الزيادة التي يحصل عليها المقرض قد حصلت بعقد الاجارة بأقل من القيمة، وهذا هو الشرط الارتكازي الذي بين عليه عقد القرض.

ويوجد هناك مبنى يقول بأن الالفاظ المنشأة تفصح عن شيء وراءها، والعمدة هو الشيء الذي تكشف عنه الالفاظ، وهذا الشيء المنكشف بالالفاظ واحدهنا سواء اقلنا أقرضتك مائة بشرط أن تؤجرني بأقل من قيمة المثل، او قلنا آجرتك البيت باقل من قيمة المثل بشرط ان تقرضني مائة، فالنتيجة هي ربوية مثل هذه المعاملة.

ولكن الصحيح هو ان هذه المعاملات لاحقيقة لها الا الانشاء والانشاء في هذين القرضين مختلف، ولكل من القرض بشرط الاجارة بأقل، والاجارة بأقل بشرط القرض له احكامه الخاصة وله معناه الذي يختلف عن الاخر، الا اننا نقول

____________________

(١) والمراد من الشرط هو تحقق الارتباط بشيء، كما اطلقت الروايات ذكر الشرط على خيار الحيوان لانه مرتبط بالبيع، وبما أن الاجارة بأقل من القيمة لها ارتباط بالقرض، فيصدق على القرض انه اشترط فيه الزيادة عرفا فتشمله الادلة المانعة.

٢٠٢

هنا بربوية هذين القرضين لاطلاق الادلة التي تقول بأن أخذ الزيادة في عقد القرض بالالزام حرام، وهنا يصدق عرفا ذلك اذا قال آجرتك باقل من قيمة المثل بشرط ان تقرضني مائة، اذ أن الالزام هنا بالزيادة جاء من عقد الاجارة الذي هو مرتبط بعقد القرض، فصدق وجود الزيادة في القرض عرفا(١) .

ولعل من هذا الباب بطلان الرهن اذا اشترط المرتهن في عقد الرهن الانتفاع بالبيت بالجلوس فيه مجانا، بتقريب أن القرض الذي كان يرهن، والرهن فيه شرط الانتفاع للمرتهن مجانا، فقد حصل المرتهن على نفس امواله مع الزيادة (وهي الانتفاع بالبيت مجانا) بالشرط والالزام فيه. ولذا نرى التصريح بصحة رهن الدار بشرط ان تؤجر المنفعة على ثالث او على المرهن بثمن المثل، وما الجواز هنا الا لعدم جر الزيادة بواسطة هذا الشرط للمرتهن. نعم المرتهن ممنوع من التصرفات التي تنافي اصل عقد الرهن كالراهن، وأما هنا فليس التصرف في المنفعة منافيا لاصل عقد الرهن حيث ان العين مرهونة، اما منفعتها فلا

اعطاء المال واشتراط قبضه بارض اخرى:

وهذه العملية هي عبارة عن قرض المال الى شخص مع شرط ان يسلمه المال في ارض اخرى ونحن اذ نرى ان هذا الشرط اذا كان قد جر نفعا على المقرض

____________________

(١) ننبه الى ان ما يتعارف في ايران من «رهن البيت واجارته» عبارة عن اجارة البيت بأقل من قيمته مع شرط القرض. وهذا هو الذي تكلمنا فيه وحرمناه، لذا نقترح لاجل حل هذا المشكلة الى اجراء المعاملة التي تسمى بالبيع الخياري، وهي عبارة عن شراء غرفة من الدار بمائة الف تومان على ان يكون الخيار للبائع فقلا بعد سنة ثم يؤجر المشتري للغرفة باقي الدار بألف تومان، وحينئذ لايتمكن المشتري للغرفة من بيعها لوجود الشرط الارتكازي بينهما بعدم التصرف في الغرفة تصرفا ناقلا.

٢٠٣

وقد الزم المدين بالعقد فهو من القرض الحرام لانه ربا، ولايلتفت الى من يقول بصحة هذه المعاملة اذا اجريت بصورة البيع مع الشرط المتقدم، لاننا حتى لو قبلنا ان هذه المعاملة هي بيعية، فمع ذلك يأتي اشكال الربا فيها لان النفع الذي يحصل هنا هو زيادة سواء كان المال مما يكال او يوزن او من النقد الذهبي او الفضي او من النقد المتعارف اليوم لاننا نقول بجريان الربا في المعدود نسيئة.

هذا ولكن وردت الروايات التي تجوز هذه المعاملة وحينئذ تكون خارجة عن حكم الربا(١) ، والروايات كثيرة معتبرة منها «يدفع الى الرجل الدراهم فاشترط عليه أن يدفعها بأرض اخرى. قال: لابأس». ولابأس بالتنبيه الى ان هذا الحكم بالجواز مخصص في المال (النقود) على هذا المسلك الذي سلكناه كما صرحت بذلك الروايات.

ومنها: صحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله (ع) «قال: قلت يسلف الرجل الورق على ان ينقدها اياه بأرض اخرى ويشترط عليه ذلك. قال: لابأس».

ومنها: صحيحة زرارة عن احدهما(ع) «في الرجل يسلف الرجل الورق على ان ينقدها اياه بارض اخرى ويشترط ذلك. قال: لابأس».

ومنها: موثقة السكوني عن ابي عبد الله (ع) «قال: قال امير المؤمنين (ع) لابأس بأن يأخذ الرجل الدراهم بمكة ويكتب لهم سفاتج ان يعطوها بالكوفة».

والسفتجة كما في مجمع البحرين «قيل بضم السين وفتحها فارسية معربة وفسرها بعضهم فقال «هي كتاب صاحب المال لوكيله ان يدفع مالا لاحد ولاخذه مال في بلد فيوفيه اياه ثم فيستفيدا من الطريق وفعله السفتجة بالفتح

____________________

(١) الوسائل/ج١٢/ باب «٤» من ابواب الصرف/حديث١- ٧/ ص٤٨٠ - ٤٨١.

٢٠٤

والجمع السفاتج(١) .

ثم انه قد يعترض على هذه الروايات، فيقال: بأن التحريم الوارد في ربا القرض خصوصا الايات القرآنية الشديدة اللحن التي تعبر عن الربا بالظلم والاذن بمحاربة الله ورسوله وغير ذلك من التهديدات التي لم يرد مثلها في محرم آخر كالزنا مثلا - آبي عن التخصيص، فلايمكن ان يقال ان كل ربا قرضي مثلا ظلم الا هذا الربا القرضي، وحينئذ اذا راجعنا الروايات نجد الحكم واضحا في الجواز فما العمل؟.

ونقول: لابد من التدقيق في نفس العملية لنرى انها هل ترجع بنفع هذا المقرض ام لا؟ ونحن هنا اذا استطعنا ان نميز بين حالتين:

الاولى: وهي عدم الخسارة. والثانية: هي النفع. فنتمكن ان نقول ان الشارع المقدس انما حرم الثانية في القرض، واما الاولى فليست بمحرمة. وندعي ثانيا ان عملية اقراض زيد ماله في طهران بشرط ان يستلمه في بغداد ليس فيها نفع، انما فيها عدم خسارة بالمعنى الدقي، اذ ان حمل المال من طهران الى بغداد فيه اجرة يتحملها صاحب المال وفيه مخاطر، فصاحب المال يعمل عملا يدفع عن نفسه هذه الاجرة والمخاطر، وهذا ليس بمحرم في القرض وانما المحرم هو النفع الذي يشترط في القرض، على ان الظلم الوارد في الاية القرآنية ليس معناه الظلم الذي يحكم به العقل وانما معناه الظلم المعاملي وهو اخذ الزيادة بلا مبرر شرعي، فهو ظلم مالي بحكم الشارع وان لم يكن ظلما بحكم العقلاء.

ويحق لنا ان نفسر الموقف بالحكومة، بأن نقول قد حكم العقل بقبح الظلم فالموضوع هو منع حق الغير، والحكم هو التقبيح، غاية الامر قد زاد الشارع

____________________

(١) ٢/٩٠٣ - ٣١٠.

٢٠٥

فردا للموضوع حيث منع من اخذ الزيادة وجعل من حق الطرف عدم لزوم اعطائها وحينئذ اذا لم يتحقق المنع في هذه الصورة فلا يكون الجواز ظلما قد استثني من حرمة الظلم حتى يقال بأن الاية آبية عن التخصيص.

اذن اذا نظرنا الى التقريب الذي قربناه تكون الروايات المجوزة ليست استثناء من عملية الربا حكما، نعم تكون الروايات المجوزة استثناء من عملية الربا حكما على التقريب الاخير.

ولا بأس بالتنبيه على ان هذا البحث هو مختص بالحوالة التي معناها تحويل النقد من مكان الى آخر او تحويل الاوراق النقدية او المتاع، ولايشمل التصريف الذي هو عبارة عن بيع النقد بالنقد الاخر كبيع الدينار بالريال السعودي او التومان الايراني.

ثم ان نفس هذا الحكم نقوله في طلب زيد المال من البنك الايراني على ان يدفعه الى وكيل البنك في الهند، فهنا المقترض وهو زيد قد دفع الضرر عن نفسه بهذا العمل وهو ضرر جلب المال من الهند الى ايران مثلا، واذا كان هنا نفع فهو لابأس به ايضا لان النفع للمقترض بخلاف الصورة السابقة.

وأيضا نقول بصحة هذه العملية حتى لو اخذ البنك زائدا على ما دفع كما هو المتعارف من اعمال البنوك، وذلك لان من حق البنك الايراني الذي أقرض زيدا ان يطالبه بالوفاء في ايران كما هو مقتضى اطلاق الدين، ولكن المفروض ان المدين ليس له مال في ايران وانما له مال في الهند فهو يكلف البنك باستلام الدين من فرعه او من بنك آخر في الهند فهنا البنك الايراني من حقه ان لايوافق على هذا الا بأزاء مقدار من المال، وهذا معناه تنازل البنك الايراني عن حقه مقابل مال وهو ليس بفائدة، لان القرض لم يجر نفعا وانما النفع حصل بتنازل البنك عن حقه، أي تكون الزيادة هنا لها مقابل وهو تنازل البنك عن حقه المشروع غير حق

٢٠٦

المطالبة وهو تنازله عن مطالبة المدين بالوفاء في خصوص المكان الذي وقع الدين فيه.

هذا ولكن صاحب الحدائق (قده) ناقش في وجود حق للدائن لأن لايستلم الا في بلد القرض فقال «لم أقف بعد التتبع والفحص على دليل لما ذكروه هنا ايضا، من ان اطلاق القرض منزل على قبضه في بلده، وأنه لاجل ذلك ليس للمقرض المطالبة في غيره، ولايجب عليه القرض ايضا لو بذله المقترض له في غيره، بل ربما دل ظاهر بعض الاخبار على خلاف ذلك، مثل ما رواه في الموثق عن سماعة(١) عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن رجل لي عليه مال فغاب عني زمانا، فرأيته يطوف حول الكعبة فأتقاضاه؟ قال (ع) لاتسلم عليه ولاتروعه حتى يخرج من الحرم» فان ترك الاستفصال يفيد عموم المقال كما ذكروه في غير المقام»(٢) .

ولكن نقول في مناقشة صاحب الحدائق (قده) ان المال اذا كان يختلف من مكان الى آخر فتعيين البلد لازم حتى لايحصل الغرر في المعاملة، ومقامنا من هذا القبيل اذ أن الثمن يختلف من دولة الى اخرى، فالتومان في ايران تختلف قيمته عن التومان في سوريا وكذلك بقية انواع النقد او المتاع، فحينئذ اذا عين مكان لقبض ولو بالاطلاق كطهران فلايجب على الدائن ان يستلم دينه في غيره ولايجب عليه ان يستلم قيمة دينه في غيرها ايضا لعدم اجباره على قبول نفس الدين، وعلى هذا يثبت حق للدائن في استلام الدين في مكانه، وحينئذ يتمكن ان يتنازل عن هذا الحق في قبال شيء من المال، فلاوجه لما ذكره صاحب الحدائق. على ان الرواية ليست دليلا له، حيث ان الامام (ع) قال لاتسلم عليه ولا

____________________

(١) الوسائل/ج١٣/ باب ٢٦ من ابواب الدين/ حديث«١» /ص١١٥.

(٢) الحدائق١٩/١٨٠.

٢٠٧

تروعه، وهي غير دالة على اجبار المدين بدفع الدين في غير محله، اذ يمكن للدائن ان يتقاضى الدين من المدين فيوافق المدين على دفعه في محله فيأخذ الدائن رهنا او ضامنا منه.

والى هنا تم الكلام عن الربا القرضي عند الامامية.

الفصل الثالث

ونستعرض في هذا الفصل ما ادعي انه خارج عن الربا حكما للادلة الخاصة على ذلك مع مناقشة مايقبل المناقشة، كما اننا نتعرض الى ما ادعي أنه خارج عن الربا موضوعا في ربا المعاوضة وفي ربا القرض مع المناقشة لمايقبل المناقشة، وبعد ذلك نتعرض الى أهم الاشكالات على الحيل الشرعية التي تخرج المعاملة عن كونها ربوية مع المناقشة.

الخروج عن الربا حكما:

لقد ادعى بعض العلماء ان بعض المعاملات وان ثبت بها الربا موضوعا الا ان الحكم لايشملها على نحو التخصيص فتكون خارجة حكما، واستدلوا على ذلك بالروايات الواردة في المقام، والموارد هي:

أ - لاربا بين الولد وولده، وبين السيد وعبده، فيجوز لكل واحد منهما أخذ الفضل من الاخر، ويذكر في دليله رواية عمر بن جميع(١) عن أبي عبد الله (ع) قال: قال امير المؤمنين (ع) ليس بين الرجل وولده ربا، وليس بين السيد

____________________

(١) الوسائل ج١٢/ باب ٧ من ابواب الربا حديث١/ص٤٣٦.

٢٠٨

وعبده ربا». ورواية زرارة عن ابي جعفرعليه‌السلام قال: «ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده.... ربا».

ونحن اذ نفرق بين المسألتين (مسألة السيد وعبده) و(مسألة الوالد وولده) حيث اننا نقبل عدم الربا بين السيد وعبده حتى لو لم يوجد دليل صحيح ان قلنا ان العبد لايملك، حيث ان السيد يكون قد اجرى الربا مع نفسه فلم تحصل معاملة ربوية بين شخصين في الخارج وهذا لابأس به. واما اذا قلنا بأن العبد يملك كما هو الصحيح لان الحديث يقول «العبد وما يملك لمولاه» وهو دليل على ملكية العبد للمال، فهنا نحتاج الى عدم ثبوت الربا بينهما الى دليل صحيح.

وأما مسألة (الوالد وولده) فلا يوجد تصور عدم ملكية الولد، فلا نقبل عدم ثبوت الربا بينهما الا اذا دل عليه دليل صحيح. وحينئذ نقول ان الروايتين المتقدمتين لم تثبتا دليلا على المدعى حيث ان الاولى ساقطة سندا بوجود عمرو ابن جميع ومعاذ بن ثابت الذي لم يوثق، ولايفيد التوثيق لهما لرواية ابن أبي عمير عنهما كما قيل، لان ابن أبي عمير ليس لايروى الا عن ثقه كما زعموا، اذن ان هذا الكلام منشأه هو العبارة القائلة «أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة منهم ابن أبي عمير» وهذا لانفهم منه الا تصحيح نفس ابن ابي عمير، اما الذي يأتي بعده في السند فلابد من ملاحظة حاله مستقلا(٢) .

وأما عمرو بن جميع فقد قال عنه العامة بأنه كذاب وضعيف، اما الشيخ والنجاشي فقد قالا عنه انه (ضعيف في الحديث) وهو لايدل على اتهامه بالكذب

____________________

(١) الوسائل ج١٢/ باب ٧ من ابواب الربا حديث٣/ص٤٣٦.

(٢) نعم فهم الشيخ الطوسي من هذه العبارة ان ابن أبي عمير لاينقل الاعن ثقة وهو اجتهاد منه.

٢٠٩

ولكن عدم اتهامه بالكذب لايفيد في توثيقه، اذ يبقى عمرو بن جميع بلا توثيق وكذلك معاذ بن ثابت.

واما الرواية الثانية: ففي سندها «باسين الضرير» وهو لم تثبت وثاقته، ولم يرد في احد التوثيقات العامة، فلايمكن ان يكون دليلا(١) ، بالاضافة الى ان حريز لم يوثق أيضا، وما قيل من انه صاحب كتاب وأصل لايفيد في توثيقه.

ثم انه على فرض العمل بهاتين الروايتين فلابد من تخصيص الجواز بين «الرجل وولده» كما ذكرت الرواية، ولايمكن التعدي الى الأم مع ولدها وقوفا فيما خالف القاعدة على مورد النص التعبدي. نعم نقول بعدم الربا بين الرجل وولده سواء كان ذكرا أم انثى، لان الولد لغة لهما فشمل ابن الابن وبنت الابن وابن وبنت البنت، كمالاداعي لأختصاص الولد بالنسبي للاطلاق في الرواية الا اذا ثبت انصراف الولد في ذلك الزمان الى الناشيء من النكاح، اما ولد الزنا فهو ليس بولد شرعا فيقع الربا بينهما.

ولكن نقول: في خصوص أخذ الربا من العبد توجد رواية صحيحة وهي رواية علي بن جعفر اذ سأل أخاه موسى بن جعفر (ع) عن رجل أعطى عبده عشرة دراهم على أن يؤدي العبد كل شهر عشرة دراهم أيحل ذلك؟ قال لابأس(٢) وهذه الرواية يرويها الصدوق بسنده الى علي بن جعفر والسند صحيح.

____________________

(١) ذكر صاحب الجواهر (قده) ان هذه الرواية صحيحة، ولعله يرى وثاقة ياسين الضرير لنقل محمد بن عيسى عنه، وهو كان يطرد من ينقل عن الضعفاء فنقله من ياسين الضرير دليل توثيقه له. ولكن نقول ان محمد بن عيسى الذي هو من رؤساء قم لايرضى بأن يكون الرجل ديدنه هو النقل عن الضعفاء وهذا لاينافي ان يروي هو عن الضعيف في بعض الاحيان كما في هذه الرواية.

(٢) الوسائل ج١٢/ باب ٧ من ابواب الربا حديث٦ص٤٣٧.

٢١٠

ب - ليس بين الرجل وأهله ربا أو بين المرأة وزوجها ربا، حسب اختلاف الحديثين، فيجوز لكل منهما أخذ الفضل من الاخر، ودليلهم هو ما تقدم من رواية زرارة عن أبي جعفر (ع) اذ قال فيها «ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده ولابين اهله ربا...» ورواية محمد بن علي بن الحسين قال: قال الصادق (ع) «... ولابين المرأة وبين زوجها ربا»(١) .

ولكن نقول: اما الرواية الثانية فهي مرسلة، واما الاولى فقد قلنا ان سندها غير تام، ولو كان السند تاما فالحكم يقتصر على الزوجة الدائمة والمتمتع بها اذا اتخذت أهلا، لان الجمع بين الروايتين يقتضي اعتبار كل منهما.

ح - ليس بين المسلم والكافر الحربي ربا اذا أخذ المسلم الفضل، ودليلهم هو رواية عمرو بن جميع المتقدمة عن أبي عبد الله (ع) قال «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس بيننا وبين اهل حربنا ربا، نأخذ منهم الف درهم بدرهم ونأخذ منهم ولا نعطيهم». وهذه الرواية تقدم عدم تمامية سندها.

ولكن يمكن أن يقال أيضا: ان الحكم على القاعدة ماداموا كفارا محاربين، حيث أن أموالهم مباحة وكذلك دمهم فيجوز الاخذ منهم بكل بصورة.

وهناك رواية اخرى تقدم سندها غير المعتبر وهي رواية زرارة عن أبي جعفر (ع) وفيها «قلت:فالمشركون بيني وبينهم ربا؟ قال: نعم. قلت: فانهم مماليك فقال انك لست تملكهم مع غيرك، انت وغيرك فهم سواء فالذي بينك وبينهم ليس من ذلك لان عبدك ليس مثل عبدك وعبد غيرك» وهذه تمنع من أخذ الربا من المشركين.

وطريقة الجمع بينها وبين الحكم الذي على القاعدة هو حمل الرواية الثانية على المشرك الذمي ان لم نسقطها لعدم حجيتها، وحينئذ يكون الحكم في

____________________

(١) نفس المصدر حديث٥.

٢١١

الذمي على القاعدة من ان دمه وماله محفوظ محترم. ولعل الظاهر من الرواية هو الذمي للتعبير بأننا نملكه مع غيرنا بتقريب أنا نملك ما في ذمتهم مع غيرنا وهي الجزية فانها ملك للمسلمين.

ثم ان هناك رواية ثالثة تقول لا ربا بين المسلم والذمي وهي رواية محمد بن علي بن الحسين١ قال: قال الصادق (ع) «ليس بين المسلم وبين الذمي ربا». وهذه تكون معارضة للرواية الثانية التي تثبت الربا بينهما، ولكن طريقة الجمع (ان لم نسقطها لارسالها) هي بحمل الثالثة على الذمي الذي خرج من شرائط الذمة، فتكون موافقة للقواعد المتقدمة، اذ يكون بخروجه عن شرائط الذمه محاربا. اذن لادليل صحيح في المقام يمكن ان يستند اليه في الخروج الحكمي عن الربا في كل ما تقدم (عدا السيد وعبده) نعم ان ثبت ماقلناه في المسلم والحربي اذا أخذ المسلم الفضل من كونه على القاعدة فهو، والا فلا. ولايفيدنا الاجماع المدعى في المقام لانه مدركي او نحتمل أنه مدركي.

وقد ذكر الاردبيلي (قده) ضعف الاخبار، وعدم ثبوت الاجماع، وعن ابن الجنيد خص في الوالد والولد بما اذا أخذ الوالد الفضل مع عدم الوارث للولد وعدم كونه مديونا.

وربما يؤيد ما ذهبنا اليه هو ان الاية(ولا تظلمون ولاتظملون) آبية عن التخصيص، فلايمكن ان يقال ان كل ظلم محرم الا هذا الظلم الذي بين الوالد وولده، أو بين الزوج وزوجته فلابأس به، ولهذا عرفنا أنه لاظلم حين أخذ السيد من العبد او أخذ العبد من السيد فيما لو قلنا أن العبد لايملك، أما لو قلنا بملكيته فنحتاج الى دليل على عدم الربا بينه وبين سيده، والدليل هو الصحيحة المتقدمة، وقد أجابت الرواية الصحيحة عن اباء التخصيص فقالت «لاربا» أي لاظلم في هذه

____________________

(١) الوسائل ج١٢/باب٧ من ابواب الربا حديث٥/ص٤٣٧.

٢١٢

الصورة، لا أنه ظلم سائغ، وبهذا يكون أخذ السيد من عبده أو العكس ليس فيه موضوع الربا اذا نظرنا الى الحديث القائل «العبد ومايملك لمولاه».

واما الاخذ من المحارب فهو أيضا ليس بظلم باعتبار الحرب التي بيننا وبينه حيث ان دمه وماله ليس محترما حتى يكون الاخذ منه ظلما.

نعم ذكر الامام الخوئي حفظه الله تعالى جواز «أخذ الربا من الكافر الحربي بعد وقوع المعاملة من باب الاستنقاذ»(١) . فكأنه يفرق بين الحكم الوضعي والتكليفي فقال بجاوز أخذ الربا وضعا بعد تمامية المعاملة، اما نفس المعاملة الربوية مع الكافر الحربي فهي محرمة لانه تمسك باطلاق «وحرم الربا».

ولكن الصحيح: ان حرم الربا غير شامل لحربي لان الحرمة انما تكون لمن كان لمالكه حرمة ولايجوز التصرف فيه، اما من كان مهدور الدم ولاحرمة لماله فلا تشمله «حرم الربا».

نعم يبقى ادعاء الشهرة التي تكون جابرة لضعف الروايات، ولابأس بالتعرض للشهرة الجابرة فنقول: هل تكون الشهرة الفتوائية جابرة؟.

والجواب: انهم ذكروا ان المشهور ذهب الى «عدم الربا بين الوالد وولده وبين السيد وعبده وبين الزوج وزوجته وبين المسلم والحربي اذا أخذ المسلم الفضل» خلال عشرة قرون الى زمان المحقق الاردبيلي، وهذه الشهرة تكون جابرة لضعف الروايات على اساس حساب الاحتمالات وتوضيح ذلك:

ان جبر الشهرة لضعف الرواية هنا يعتمد على طريق عقلائي وهو يتوقف على مقدمتين: الاولى: ان العلماء كالنجاشي والشيخ مثلا يذكرون ان لديهم اسانيد وطرقا متعدده لارباب الكتب والاصول، ولكن لعدم تطويل الكتاب

____________________

(١) منهاج الصالحين٢/٦١ مسألة ٢١٨.

٢١٣

ذكر سند واحد(١) اما بقية الطرق فيذكرها الشيخ في فهرسته او يقول البعض انها موجودة في بقية فهارس العلماء. ومن هذه المقدمة نستنتج ان العلماء لهم أسانيد متعددة ويذكرون سندا واحدا لا على طريق الحصر. ومما يدل على ذلك مثلا ان كتاب التهذيب يروى فيه رواية واحدة بأسانيد متعددة (كسند القميين وسند الكوفيين وغيرهم).

الثانية: اذا كان آخر السند من الموثوقين ومن ارباب الكتب المشهورة وقد أفتى على وفقه المشهور الذي هو على طوائف (القميون، البغداديون، البصريون، الكوفيون) فهذا يكشف عن وجود اسانيد متعددة لارباب الكتب وان لم يذكر الا سند واحد ضعيف. اما لو كان آخر السند المتصل بالامام (ع) محل خدشة ولم يكن مشهورا، فهذا يوجب الخدشة في الرواية حتى لو عمل بها المشهور.

وبهاتين المقدمتين يصبح عندنا اطمئنان بصحة الحديث(٢) من عمل المشهور به. لكن نقول: اولا: على فرض صحة هاتين المقدمتين فلانستنتج صحة رواية حريز، لاننا قلنا انه لم يوثق ولايفيد كونه صاحب كتاب في توثيقه. وثانيا ان عمل المشهور قد يكشف عن وجود أسانيد متعددة الا ان هذا لايثبت ان هذه الاسانيد صحية ومعتبرة اذ لعل عمل هؤلاء يكون مسندا الى رأيهم في العمل بالرواية مالم يكن خدشة في الرواة وهو لايفيدنا في اعتبار الرواية.

وبعبارة أخرى: اذا كان المدار على موضوع دليل الاعتبار هو خبر الثقة مطلقا او خبر الثقة المفيد للوثوق النوعي، فحينئذ نقول: ان عمل المشهور

____________________

(١) ذكر النجاشي في مقدمته فقال (وذكرت لكل رجل طريقا واحدا حتى لايكثر الطرق فيخرج عن الغرض).

(٢) ذهب الى هذا الرأي السيد السيستاني في محاضراته في الربا مخطوط بقلم هاشم الهاشمي.

٢١٤

بالراوية اذا كان مستندهم هو هذا فحينئذ يكون عملهم جابرا للرواية الضعيفة، ولكن هذا كان عملهم له مستندهم الذي يختلف عن مستندنا في حجية الخبر فهو لايجبر الرواية الضعيفة.

وهنا نقول: ان عمل الشيخ الطوسي بالرواية مثلا يختلف معبارة عن عملنا والدليل هو: لقد ذكر الشيخ الطوسي في مقدمة كتاب الاستبصار فقال «واعلم ان الاخبار على ضربين، متواتر وغير متواتر... وماليس بمتواتر على ضربين، فضرب منه يوجب العلم ايضا، وهو كل خبر تقترن اليه قرينة توجب العلم... والقرائن اشياء كثيرة منها ان تكون مطابقة لادلة العقل ومقتضاه، ومنها ان تكون مطابقة لظاهر القرآن، اما لظاهره أو عمومه أو دليل خطابه او فحواه، فكل هذه القرائن توجب العلم وتخرج الخبر عن حيز الاحاد وتدخله في باب المعلوم»(١) فاذا عمل الشيخ بخبر ضعيف فيكون مستنده هو أحذ هذه الامور فيسقط عمله عن الحجية لنا اذا كنا لم نقبل المستند.

وكذلك ينقل العلماء في كتبهم امثال السيد ابن طاووس في مقدمة(٢) فلاح السائل فيقول: «وربما يكون عذري ايضا فيما ارويه عن بعض من يطعن عليه، أنني اجد من أعتمد عليه من ثقات أصحابنا الذين أسندت اليهم عنه او اليه عندهم قدروا ذلك عنه ولم يستثنوا تلك الرواية ولاطعنوا عليها ولاتركوا روايتها، فأقبلها منهم واجوز ان يكون «قد عرفوا صحة الرواية المذكورة بطريقة اخرى محققة مشكورة»، او رووا عمل الطائفة عليها فاعتمدوا عليها او يكون الراوي المطعون على عقيدته ثقة في حديثه وأمانته فقد يكون في الكفار من هو ثقة في نقل مايحكيه من الاخبار كما اعتمد علماء اهل الاسلام على أخبار أطباء أهل الذمة

____________________

(١) الاستبصار للشيخ الطوسي ص٣.

(٢) ١/٧ من المقدمة.

٢١٥

في اخبارهم بما يصلح لشفاء الاسقام».

وهذا الكلام واضح أنه لايجعل الرواية معتبرة. وكذلك ذكر في الوافي مانصه«بل كان المتعارف بينهم اطلاق الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه واقترن بما يوجب الوثوق به والركون اليه كوجوده في كثير من الاصول الاربعمائة وتكرره في اصل أو أصلين منها فصاعدا بطرق مختلفة»(١) . اذن من هذه النصوص وغيرها يفهم ان اعتماد القدماء على الخبر الضعيف لم يكن لاجل الوثاقة في الراوي حتى نستفيد من عملهم التوثيق العملي وعلى هذا فلا تكون الشهرة جابرة للخبر الضعيف.

ثم اذا تنزل التائل بالجبر للرواية الضعيفة وادعى أن عمل المشهور له قيمة من ناحية كشفه عن قرينة محتفة بالخبر اوجبت الوثوق بالصدور، فان هذا لايجبر الرواية الضعيفة. مع أن الميزان هو - كما تقدم - خبر الثقة مطلقا او خبر الثقة المفيد الوثوق النوعي. وثانيا ان القرينة التي تكون عند القدماء قد لاتكون قرينة عندنا، فلايثبت ان عمل المشهور الفتوائي جابر للرواية الضعيفة.

د - لاربا في القسمه، فيجوز لكل من الطرفين اخذ الزائد من الجنس الربوي. ونحن اذا قلنا ان القسمة عبارة عن تمييز الحق من غيره أو تمييز أحد الحقين، فهي ليست بيعا ولامعاوضة، وحينئذ يصح فيها اخذ الزيادة في أحد الجانبين، ولكن على هذا لاوجه لادخالها في الخروج عن الربا حكما باعتبار عدم دخولها في تحديدات الربا فهي خارجة عن الربا موضوعا.

وبعبارة أوضح نقول: ان المال الذي بيننا مشتركا على سبيل الاشاعة اذا أردنا تقسيمه، فهل يكون تقسيم المال الخارجي عبارة عن بيع او معاملة بين

____________________

(١) الوافي للفيض الكاشاني١/١١ طبقة حجرية - بطهران.

٢١٦

المالين المشتركين كما ذهب اليه العامة، وعليه فان كانت القمسة افرازية (أي القسمة بحسب السهام والقيمة) فلابأس بها ولكن يشترط فيها شرائط البيع أو المعاملة ولكن اذا كانت القسمة تعديلية (اي القسمة بحسب القيمة فقط) كأن يكون منا من الحنطة الجيدة بمنين من الرديئة مع لحاظ تساوي القيمة بينهما، فهنا يحصل محذور الربا، او يكون تقسيم المال عبارة عن قول الامامية من ان القمسة هي عبارة عن تمييز الحق من غيره، لان الحصة المملوكة للاول ليس هي حصة خارجية، وكذلك الثاني، وانما المالك الاول يملك نصفا كليا قابلا للانطباق على كل قسم من القسمين بالقسمة، والقسمة هي عبارة عن تطبيق ذلك الكلي على الخارج المعين برضاهما و بالقرعة في صورة التنازع، ولهذا فحتى اذا كانت القسمة تعديلية فلايحصل محذور الربا.

ه- - الربا الحلال، وقد اطلق عليه اسم (ربا العطية) وهو ما تقدم من الهبة او الهدية يراد بها عوض أفضل منها، من دون شرط او الزام. وهذا جائز بلا اشكال لعدم دخوله في الربا موضوعا، ويؤيده ماورد عن جعفر بن غياث عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «الربا رباءآن: احدهما ربا حلال والاخر حرام، فأما الحلال فهو ان يقرض الرجل قرضا طمعا ان يزيده ويعوضه بأكثر مما أخذه بلا شرط بينهما، فان أعطاه اكثر مما أخذه بلا شرط بينهما فهو مباح له وليس له عند الله ثواب فيما أقرضه، وهو قوله عز وجل: (فلايربوا عند الله) وأما الربا الحرام فهو الرجل يقرض قرضا ويشترط ان يرد اكثر مما أخذ فهذا هو الحرام»(١) .

وهناك روايات ضعيفة السند تقول «ان ربح المؤمن على المؤمن ربا» وفي بعضها اضافة «الا أن يشتري بأكثل من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك أو يشتريه

____________________

(١) الوسائل ج١٢/ باب ١٨ من الربا حديث١/ص٤٥٤ والرواية ضعيفة لجهالة جعفر.

٢١٧

للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوابهم»، وفي بعضها عن ابي عبد الله (ع) حيث سئل عن الخبر الذي روي ان ربح المؤمن على المؤمن ربا ماهو؟ فقال «ذاك اذا ظهر الحق وقام قائمنا اهل البيت، فأما اليوم فلا بأس بأن تبيع من الاخ المؤمن وتربح عليه»(١) .

فأما الرواية الاولى فقد يقال: بأن الربح الذي يربحه التاجر في معاملاته متى ما كان اكثر مما بذله من العمل في سبيل ايجاد المتاع وتحصيله فهو مال مجاني بالنظر الحقيقي فيكون ربا. ولكن الرواية الثانية تمنع من زيادة الربح في صورة معينة، فتقيد الرواية الاولى، واما الراوية الثالثة فهي ترجىء هذا الحكم الى ظهور القائم من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وظهور الحكومة الاسلامية العامة التي يخضع لها الناس برمتهم، اما في الحال الحاضر فهي تجوز الربح على المؤمن.

ومع غض النظر عن كل ذلك (المناقشة من الناحية السندية والدلالية) فنقول: ان هذه الرواية تحمل على الربا الحلال، لان الحكم بجواز الربح في الشريعة الاسلامية من المسلمات الضروريات.

ثم ان فكرة رفض الربح مطلقا، والاخذ بقيمة مابذله الانسان من جهد اوعمل في الحاجة، لها سوابق تأريخية تشير اليها الروايات، فليس من الصحيح ادعاء اان هذه الفكرة قد اكتشفت من بعض الفئات المتأخره(٢) ، على رغم ان هذه الفكرة هي ليست بصحيحة كما ذكرنا ذلك في التعرض لرأي ماركس في الربا.

و - بيع العرايا: وذكر بأن بيع العرايا يكون استثناءا حكميا من حرمة الربا، وقد ورد جواز بيع العرايا وحرمة المزابنة، وهذا مما لا اشكال فيه، ولكن

____________________

(١) الوسائل ج١٢ باب ١٠ من ابواب آداب التجارة ص٢٩٣ - ٢٩٤.

(٢) ويتفاخرون بذلك بأن اكتشافهم هذا هو اهم من اكتشاف الذرة.

٢١٨

وقع الاختلاف بين العلماء في معنى المزابنة وفي معنى العرية، وخلاصة ما فهمناه من النصوص التي وردت في بيع ثمرة النخل علىالشجرة بتمر منه او من غيره وماورد في العرية هو كمايلي:

١ - يجوز بيع ثمرة النخل أو غيرها على الشجر، بالتمر من غيرها، سواء بسواء او متفاضلا اذا كان الثمر الذي على النخل يباع بالمشاهدة كما اذا كان قبل نضوجه، وذلك لعدم تحقق موضوع الربا الذي من شروط موضوعه ان يكون العوضان مما يكال او يوزن. أما اذا بيع الثمر الذي على النخل خرصا (تقديرا) بالتمر، فهنا يشترط المساواة والا فهو ربا لوجود شرط موضوع الربا وهو الكيل أو الوزن.

وكل هذا مستفاد من القواعد العامة التي تقدمت من حلية البيع وحرمة الربا بالاضافة الى وجود روايات تجوز ذلك، منها موثق أبي الصباح الكناني(١) قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول «ان رجلا كان له على رجل خمسة عشر وسقا من تمر وكان له نخل فقا له: خذ ما في نخلي بتمرك، فأبى أن يقبل، فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله لفلان علي خمسة عشر وسقا من تمر فكلمه يأخذ مافي نخلي بتمره، فبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اليه فقال: يا فلان خذما في نخله بتمرك. فقال: يا رسول الله لايفي وأبى أن يفعل فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لصاحب النخل اجذذ نخلك، فجذه له فكاله فكان خمسة عشر وسقا، فأخبرني بعض اصحابنا عن ابن رباط ولاأعلم الا أني قد سمعته من ان أبا عبد الله (ع)قال: «ان ربيعة الرأي لما بلغه هذا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال هذا ربا، قلت أشهد بالله انه لمن الكاذبين قال: صدقت».

والاستشهاد بالرواية في جملة قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله «يافلان خذما في نخله بتمرك»، وهي تدل على الجواز كما ان القاعدة كذلك، لان الثمر الذي على

____________________

(١) الوسائل ج١٣ باب ٦ من ابواب بيع الثمار حديث٣/ص١٢.

٢١٩

النخل يباع بالمشاهدة فلا يتحقق موضوع الربا.

وقد يقال: بأن الرواية لاصراحة فيها بالبيع، بل هو وفاء او رضاء بالابراء او بالهبة.

ولكن نقول: ان صحيح الحلبي(١) يدل على ما قلناه «قال أبو عبد اللهعليه‌السلام في رجل قال لاخر بعني تمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين من تمر او أقل أو أكثر يسمي ماشاء فباعه؟ فقال: لابأس به».

ويؤيده ما ورد في الحنطة في صحيحة الحسن بن علي(٢) قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن رجل اشترى من رجل أرضا جربانا معلوم بمائة كر على ان يعطيه من الارض. فقال: حرام فقلت: جعلت فداك فاني اشتري من الارض بكيل معلوم وحنطة من غيرها قال: لابأس بذلك» فكذلك الحال في بيع الثمر الذي على النخل.

٢ - لايجوز بيع ثمرة النخل بتمر منه وهو المسمى ب-(المزابنة) واما بيع ثمرة النخل بتمر من غيرها فهو جائز كما تقدم، وعلى هذا فلاوجه للقول بأن معنى المزابنة هو بيع الثمرة على النخلة بالتمر ولو من غيرها كما في المسالك واللمعة(٣) .

وقد ذكر صاحب الجواهر «قده» بأن الاظهر في معنى المزابنة هو بيع الثمرة في النخل بالتمر ولو كان موضوعا على الارض، وحينئذ يكون المجموع هو المحرم من بيع الثمرة على النخلة بتمر على الارض أو بيع الثمرة على النخلة بتمر منها، وقال صاحب الجواهر «قده» ان هذا هو المشهور بين المتقدمين والمتأخرين نقلا وتحصيلا، وذكر ادلة لذلك تدل بالاطلاق منها: صحيح

____________________

(١) الوسائل ج١٣ باب ٦ من ابواب بيع الثمار حديث١.

(٢) الوسائل ج١٣ باب ١٢ من ابواب بيع الثمار حديث٢/ص٢٣.

(٣) اللمعة الدمشقية٣/٣٦٢.

٢٢٠