الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا0%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف: حسن محمد تقي الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 464
المشاهدات: 84003
تحميل: 8858

توضيحات:

الربا .. فقهيا واقتصاديا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84003 / تحميل: 8858
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

جميع اقسام الربا وذلك للنقض والحل، اما النقض فقد وردت الادلة في رفع حكم الربا في بعض الموارد «كبيع العرية» فاذا كان ظلما فكيف يجوز الظلم؟ واما الحل: فقد قلنا في قسم الربا من الناحية الاقتصادية، اذا كان الربا غير فاحش فهو أمر مرغوب فيه عند البعض وهم الكثير لانه يفيد المجتمع وينعش الاقتصاد، اذ يؤدي هذا الربا المعتدل الى رغبة الناس في اقراض اموالهم للاخرين، اذن ليست حرمة الربا محل اتفاق بين علماء الاقتصاد، وليس كونه ظلما وفسادا واضحا عندهم، وحينئذ لايمكن رد ماجاء في التخلص منه بأنه ظلم. وقد تقدم منا في ربا القرض التعرض الى ان المراد من لفظة الظلم في الروايات هو الظلم المعاملي(١) .

٢ - اننا لم نحرز أن الحرمة في الربا هي بلحاظ النتيجة (أن يأخذ الدائن زيادة عن رأس ماله)(٢) بل ان الحرمة جاءت على موضوعها وهو العقد الربوي، فما لم يوجد عقدا ربويا لايمكن القول بالحرمة، ولذا نتعبد نحن بحرمة الزنا وبحلية الزواج الدائم والمنقطع مع أنه لافرق بينهما من ناحية النتيجة الا بالعقد اللفظي، وكذلك نقول بأن رد القرض مع الزيادة من دون شرط جائز ايضا بلا خلاف بين العلماء مع ان نتيجته هي نتيجة الربا ان لم نلحظ الثواب الاخروي على الهدية، وكذلك نقول بجواز الهدية التي تهدى الى شخص بداعي القرض.

٣ - ان القول - بأن «تحريم الربا لنكتة الفساد والظلم وترك التجارات، وتحليله بجميع أقسامه وافراده مع تغيير عنوان لايوجب نقصا في ترتب المفاسد من قبيل التناقض في الجعل واللغوية فيه» - فاقد للدليل، اذ ما هو الدليل على

____________________

(١) يراجع ربا القرض عند الامامية، والمراد من الظلم المعاملي هو اخذ الزيادة بلامبررشرعي.

(٢) ولذا اذا رد المقترض اكثر مما اقترض من دون شرط جاز هذا بالاجماع.

٢٦١

أن تغيير العنوان لايزيل الربا ويبقي المفاسد كلها؟ بل ان تغيير العنوان يخرج المعاملة عن كونها ربوية موضوعا، ويلزم المعاملة التي خرجت عن الربوية احكامها الخاصة المخالفة لاحكام المعاملة القرضية الاولى، كما أن عنوان الزواج يخرج العمل عن كونه زنا محرما مع أن المقصود واحد فمبادلة كر من الحنطة مع منديل بكرين منها يختلف عن مبادلة كر بكرين منها، وكذلك مادلت عليه رواية محمد ابن اسحاق اذ بيع الجبة بألفين او بعشرة آلاف درهم معاملة لها احكامها بخلاف ما اذا ألزمه باعطاء ألفين او عشرة آلاف في مقابل تأجيل الدين الى سنة او اكثر. اذن لالغوية ولا تناقض لاختلاف الاحكام بين الصورتين اللتين لاحقيقة لهما الا الانشاء.

٤ - ان تنبيه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لو كان موجودا في الحيل فأيضا لاينفع في اصرار بعض على المعاملات الربوية وذلك راجع الى عقيدة البعض «بحل هذه المعاملات الربوية وفساد ماجاء به الاسلام من أحكام» ولذلك يصر الكفار وغيرهم من المعاندين على ارتكاب الشيء الذي هو على خلاف ما جاء به الاسلام، ولذلك من غير الصحيح افتراض ان الناس كلهم مطيعون للدين الاسلامي الحنيف فيقال لماذا لم يبين لهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله طريقة التخلص من الربا فيأخذون بها، اذ قبول كلام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله معناه هدم طريقتهم في التعامل واللجوء الى سلام الذين يرونه مخالفا لطريقتهم، ولذلك فقد قال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في اول الدعوة «قولوا لا اله الا الله تفلحوا» مع هذا لم يقل بهذه المقالة كثير، ونشأت الحروب بين الفريقين واريقت الدماء.

وبهذا يفهم أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لعامله على مكة بمحاربة المرابين الذين يصرون على الربا، على أن بيان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله للمتعة لم ينفع المجتمع الذي كان يرى ذلك زنا فحرمت من البعض اجتهادا في مقابلة النص، والى الان نرى

٢٦٢

من يتبع اهل السنة في طريقتهم قد يقدم على الزنا ولايقدم علىالمتعة التي احلها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وليس هذا الاعنادا وعدم اعتقاد بالطريق السهل الواضح المنجي للانسان من الهلكة والذي فيه نتيجة حسنة. على ان اعتقادنا بأن قول الامام (ع) هو قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فلماذا لم نتبع الامام في طريقة التخلص من الربا؟.

٥ - اذا اعتقدنا بوثاقة محمد بن اسحاق، فيجب العمل بروايته وان كان واقفيا وذلك لان الميزان هو وثاقة الراوي وان كانت عقيدته فاسدة، فلا مجال للخدشة فيه من هذه الناحية. على ان روايتي محمد بن اسحاق ليس ظاهرهما هو الالزام بهذا البيع المحاباتي حتى يؤخر الدين، واي الزام هنا؟! واما يستفاد من الراويتين ان البيع المحاباتي ليس فيه الزام وقد حصل والمدين له ان يشتري اولا يشتري، او أن المدين محتاج حقيقة الى هذا البيع المحاباتي.

٦ - ثم ان الاشكال على الحيلة الاولى غير وارد وذلك: لان الدنانير ان كان المراد منه هو الدينار الذهبي المسكوك فتبدل القرض الى عنوان البيع لايفيد لانه يكون ربا معامليا، وان كان المراد منه هو الدينار الورقي الرائج في هذا الزمان، فقد قلنا سابقا ان الربا يقع فيه اذا كان على وجه النسيئة(١) وان كان المراد من الدينار والرقي ويبيعه بمائة وعشرين نقدا فهذ لايحقق مأرب المرابي ولايقدم عليه احد.

نعم يرد الاشكال عليها اذا قلنا أن بيع مائة دينار بمائة وعشرين نسيئة ليس بمحرم، وحينئذ يقال ان هذه المعاملة ينطبق عليها عنوان القرض العرفي والشرعي قهرا، لان القرض هو تمليك مال على وجه الضمان، وهو موجود هنا فلايجوز مع الزيادة، أي ان المعنى الذي يظهر من الانشائين واحد، لكن احدهما حقيقة والاخر مجاز، فقوله اقرضتك مائة بمائة وعشرين الى سنة هو التعبير الحقيقي من الانشاء وقوله

____________________

(١) لان الدينار الورقي معدود، وقد قلنا بجريان الربا في المعدود نسيئة للروايات.

٢٦٣

بعتك مائة بمائة وعشرين الى سنة هو التعبير المجازي للانشاء، والمعنى من الانشائين واحد وهو التمليك على وجه الضمان، فلايجوز مع الزيادة اذا قصد المعنى الحقيقي.

ويمكن تقريب هذا بالمثال الاتي: كما اذا قال شخص وهبتك هذا المال ثم قال بعتك هذا المال بلاثمن، فالمستعمل هنا في المثالين هو امر واحد وهو التمليك المجاني الا أن التعبير مختلف فالتعبير الاول استعمال حقيقي والتعبير الثاني استعمال مجازي. وهذا الذي قلناه هنا لاينافي ماقلناه من ان المعاملات لاحقيقة لها الا الانشاء، لان المراد من الانشاء اذا كان مختلفا فالمتبع صورة الانشاء، وأما اذا كان المراد من الانشاء واحدا فيكون تعدد الانشاء عبارة عن استعمالين (حقيقي ومجازي).

هذه جملة الاشكالات على كلام السيد الامام حفظه الله تعالى، ولكن يمكن ان يقال: أن روايتي محمد بن اسحاق بن عمار تتعارض مع روايات «أتقضي أم تربي» فانهما دلتا حرمة ما اذا كان بقاء القرض يجر منفعة، فهنا ايضا كذلك اذ بقاء القرض يجر منفعة، وحينئذ اذا كان الدائن ملزما للمدين بالبيع المحاباتي فهو حرام، لان روايات «أتقضي ام تربي» تحرم ذلك، واما اذا كانت الروايات لاتلزم المدين بالبيع المحاباتي او كان المشتري محتاجا الى البيعالمحاباتي حقيقة فلا بأس بها وتكون عملية محللة.

وبهذا يمكن الجمع بين روايات «أتقضي أم تربي» وبين روايتي محمد ابن اسحاق بن عمار، ويوجد شاهد لهذا الجمع الدلالي من الروايات كرواية اسحاق بن عمار عن أبي الحسن (ع) «قال: سألته عن الرجل يكون له مع رجل مال قرضا فيعطيه الشيء من ربحه مخافة ان يقطع ذلك عنه، فيأخذ ماله من غير ان يكون شرطا عليه. قال: لاباس بذلك مالم يكن شرطا»(١) ورواية.

____________________

(١) الوسائل/ج١٣ باب ١٩ من ابواب الدين حديث٣/١٠٣.

٢٦٤

الصدوق بسنده عن اسحاق بن عمار هي موثقة أو حسنة.

والخلاصة: تكون الصورة الثالثة للتخلص من الربا صحيحة ولا اشكال عليها كما لا اشكال على الصورة الثانية أيضا.

الفصل الرابع

ويشتمل هذا الفصل على مسائل متفرقة مرتبطة بالبحث مثل مسألة وجوب رد الزيادة في الربا الى صاحبها، ومسألة انقلاب المعاملة ربوية، ومسألة المعاوضة بنقد على شيئين يكون احدهما نقدا، ومسألة مالو رجع البائع على المفلس بعين ماله، ومسألة ما اذا بيع المتماثلان وكان احدهما معيبا ثم تصرف فيه، وما شابه هذه المسائل التي لها ارتباط بالربا بشكل وبآخر كما ستعرف ان شاء الله تعالى.

المسألة الاولى: في رد الزيادة في الربا.

ونتكلم في هذه المسألة من اربعة جوانب:

أ - في وجوب رد الزيادة في ربا القرض على مقتضى القواعد.

ب - في وجوب رد الزيادة في ربا المعاملة على مقتضى القواعد.

ج - ثم ننظر الى الايات القرآنية والروايات.

د - ثم نذكر ماذا يستفاد من الروايات.

أما الجانب الاول: فان مقتضى القاعدة الاولية هو وجوب رد الزيادة الماخذوة في العقد القرصي، ضرورة بقائها على ملك المالك معينة او مشاعة، فحكمها حكم غيرها من الاموال التي للغير من الرد او الصدقة لاننا استنتجنا ان اشتراط الزيادة في عقد القرض لايفسد اصل القرض، وحينئذ فان كان الزائد موجودا

٢٦٥

فيجب ارجاعه، وان كان تالفا فيجب رد عوضه.

أما الجانب الثاني: فقد قلنا سابقا ان المتجه هو فساد المعاملة الربوية، فيبقى كل من العوضين على ملك صاحبه لا الزيادة فقط، اذا الفرق بينه وبين القرض واضح، فعلى مقتضى القاعدة الاولية يجب رد كل مال الى صاحبه، هذا ولكن كل اوحد منهما له حق ان يبقي في يده قدر مافي يد الغير فلا يدفعه له حتى يستلم ماله، أما الزائد فيجب ارجاعه على كل حال. وعلى هذا يمكن حمل ماحكي عن المشهور من كفاية رد الزائد بلا فرق بين البيع والقرض، وايضا بلا فرق بين وجود المال وتلفه، اذ ان القاعدة وان كانت تقول بوجوب ارجاع الجميع ولكن المثل يكون في مقابل المثل مقاصة، وحينئذ يبقى الزائد لوحده، فيجب ارجاعه. ولكن ينبغي ان نلتفت الى صورة ما اذا ارجع احد المتعاملين ماأخذه (لا الزيادة فقط) فهنا يجب على الثاني ما ارجاع ما أخذه ان كان موجودا، لان المال يتعلق به.

ثم ان كل واحد منهما آثم اذا كانا مقصرين في البحث والتفحص، ولو كانا قاصرين لجهلهما بالتحريم لخطأ في التقليد والاجتهاد، فالمعروف بين المتأخرين انه كالعالم في وجوب الرد من غير فرق بين تلف العين وبقائها لاطلاق مادل على حرمة الربا مما هو صريح في عدم انتقاله عن المالك، والعذر في الحكم التكليفي لاينافي الفساد الذي هو حكم وضعي.

وأما الجانب الثالث: فقد يقال بعدم وجوب الرد من غير فرق بين وجود المال او تلفه، نعم يشترط ان يتوب عما سلف، وقد نقل الشيخ صاحب الجواهر (قده) عن الحدائق التصريح «بصحة المعاملة في هذا الحال ولعله مراد الباقين اذ الحكم بعدم وجوب الرد مع القول بفساد المعاملة في غاية البعد» واعتذر لهم بأن «كلامهم في ربا القرض ونحوه مما تحض الحرمة الزيادة لامطلق العوض

٢٦٦

الا ان اطلاقهم مناف له»(١) .

ولهذا قد نعترض على ماذهب اليه صاحب الحدائق من صحة المعاملة الربوية ساوء كانت قرضية او بيعية حتى في صورة الجهل بالحكم، ولاتقبل التعليل القائل بأن عدم وجوب الرد لايجتمع مع فساد المعاملة، اذ من القريب ان تكون المعاملة فاسدة ومع هذا لايجب الرد حتى في الربا المعاملي، حيث ان كلا من المتعاملين لايجب عليه ردّ ما للغير اذا لم يستلم ماله الذي في يد الغير، للمقاصة(٢) المعترف بها من الجميع، اما الزائد فقد حكم الشارع بعدم وجوب رده في صورة معينة يأتي ذكرها، اذن ليس عدم وجوب الرد ملازما لصحة المعاملة.

وكذلك نعترض على اعتذار الشيخ صاحب الجواهر (قده) «بأن كلامهم في صورة ربا القرض» اذ لاوجه لهذا الاعتذار حيث يصح كلامهم حتى في صورة ربا المعاوضة لما قلنا.

نعم اذا أرجع احد المتعاملين مال الغير فيجب على الاخر رد مال الاخر، وهذا هو الحكم الاولي، ولكن الآيات والروايات التي سوف نعرضها اذا استفيد منها عدم وجوب الارجاع في صورة معينة فنلتزم بها ولايلزم القول بصحة المعاملة لما قلناه.

____________________

(١) جواهر الكلام ٢٣/٣٩٨.

(٢) قد يقال: بأن المقاصة انما تكون في صورة امتناع الاخر من الاعطاء، اما هنا فقد لايكون الاخر ممتنعا من العطاء فلاتصح المقاصة.

ولكننا: نقول ان المراد من المقاصة هنا معناها العام وهو الحق الذي لزيد مادام ماله في يد الاخر، فهو له الحق في عدم دفع مال الغير حتى يستلزم ماله وان كان الاخر غير ممتنع، وهذا شبيه الحق الذي يكون للبائع في عدم تسليم المبيع حتى يستلزم الثمن او الحق الذي يكون للمشتري في عدم اعطاء الثمن حتى يستلزم المبيع.

٢٦٧

الايات القرآنية: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذرو ا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين، فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، فان تبتم فلكم رؤوس اموالكم...) (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ماسلف).

الروايات: ١ - صحيحة محمد بن مسلم قال «دخل رجل على ابي جعفر (ع) من أهل خراسان قد عمل الربا حتى كثر ماله، ثم انه سأل الفقهاء فقالوا: ليس يقبل منك شيء الا ان ترده الى اصحابه، فجاء الى أبي جعفر (ع) فقص عليه قصته فقال له ابو جعفر (ع) مخرج من كتاب الله عز وجل (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ماسلف وأمره الى الله) والموعظة التوبة(١) .

٢ - صحيحة النوادر(٢) قال «ان رجلا أربى دهرا من الدهر، فخرج قاصدا ابا جعفر الجواد (ع) فقال له مخرج من كتاب الله (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ماسلف) والموعظة هي التوبة، فجهله بتحريمه ثم معرفته به، فما مضى فحلال ومابقي فليستحفظ».

٣ - صحيحة هشام بن سالم(٣) عن ابي عبد الله (ع) قال: «سألته عن الرجل يأكل الربا وهو يرى انه حلال. قال: لايضره حتى يصيبه متعمدا، فأن اصابه فهو بالمنزلة الذي قال الله عز وجل».

٤ - صحيحة ابي المغرا(٤) قال: قال ابو عبد الله (ع) «كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فانه يقبل منهم اذا عرف منهم التوبة. وقال: لو كان رجلا ورث

____________________

(١) الوسائل ج١٢ باب ٥ من ابواب الربا حديث٧/ص٤٣٢.

(٢) الوسائل ج١٢ باب ٥ من ابواب الربا حديث١٠/٤٣٣. وسند الوسائل الى كتاب النوادر صحيح.

(٣) الوسائل ج١٢ باب ٥ من ابواب الربا حديث١/ص٤٣٠.

(٤) الوسائل ج١٢ باب ٥ من ابواب الربا حديث٢/ص٤٣١.

٢٦٨

من ابيه مالا وقد عرف أن في ذلك المال ربا ولكن قد اختلط في التجارة بغير حلال كان حلالا طيبا فليأكله، وان عرف منه شيئا أنه ربا فليأخذ رأس ماله وليرد الربا، وأيما رجل افاد مالا كثيرا قد أكثر فيه من الربا فجهل ذلك ثم عرفه بعد فأراد ان ينزعه فما مضى فله ويدعه فيما يستأنف»١.

٥ - صحيحة الحلبي او حسنته١ عن أبي عبد الله (ع) قال: «أتى رجل أبي فقال: اني ورثت مالا وقد علمت ان صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي وقد عرفت ان فيه ربا واستيقن ذلك وليس يطيب لي حلالا لحال علمي فيه، وقد سألت فقهاء اهل العراق واهل الحجاز فقالوا: لايحل أكله. فقال ابو جعفر (ع) ان كنت تعلم بأن فيه مالا معروفا ربا وتعرف اهله فخذ رأس مالك ورد ماسوى ذلك، وان كان مختلطا فكله هنيئا فان المال مالك واجتنب ما كان يصنع صاحبه فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد وضع مامضى من الربا وحرم عليه مابقي، فمن جهل وسع له جهله حتى يعرفه، فاذا عرف تحريمه حرم عليه ووجب عليه فيه العقوبة اذا ركبه كما يجب على من يأكل الربا»(١) .

هذه هي الروايات والايات، فقد ذهب جمع الى ان الاية الاولى لاتدل على عدم رد الزيادة الناتجة من الربا، لان غاية ماتدل عليه هو حرمة فعل الربا ان كانوا مؤمنين لنهيه عن الربا بقوله «ذروا»، ولو قلنا أنها دالة على عدم حرمة الربا الواقع قبل هذه الاية فلا ينفع المستدل ايضا، لان عدم الحرمة لايدل على عدم وجوب رد الزيادة، كما لايدل على حلية المعاملة الربوية في السابق، كما ان كسر آنية الغير من قبل النائم وان لم يكن محرما لكن الضمان ثابت عليه، فلو اخذت متاعا كان في الطريق ولم يكن في معرض اتلف حتى يجب عليك رفعه وحفظه ومع هذا رفعه من مكانه الى مكان آخر وقلنا ان هذا الفعل

____________________

(١) الوسائل ج١٢ باب ٥ من ابواب الربا حديث٣/ص٤٣١.

٢٦٩

لم يكن محرما، ولكن وجوب رده الى صاحبه اذا عرفته بعد ذلك حكم آخر لاعلاقة له بالحرمة.

على أن في الآية نفسها دلالة على ان الزائد (ربا) ليس للمرابي لقوله تعالى (فان تبتم فلكم رؤوس اموالكم) ولم تقل ان لكم جميع المال، فيجب رد الزائد الى صاحبه وان لم يكن الاخذ محرما.

وأما الاية الاخرى (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ماسلف) فلا دلالة فيها على عدم وجوب الرد، اذ هي تدل على عدم الحرمة او عدم العقاب على المرابي، وقد فسرت في التبيان وفي غيره «بأن المراد من الآية هو العفو عما كان في الجاهلية من الربا بينهم(١) ، اما ما يجري من المسلم فيجب رده على صاحبه سواء كان جاهلا او عالما بالتحريم، اذن هذه الاية مثل آية (ولاتنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف)، وهذه واضحة المراد من ان النكاح هو النكاح الذي في الجاهلية من ان الابن يأخذ زوجة أبيه حين موته».

واما الروايات: فقد ذكر صاحب الجواهر (قده) «بأنه لايصلح للفقيه الجرأة بمثل هذه النصوص التي لايخفى عليك اضطرابها في الجملة، وترك مع عدم الذنب حال الجهل الذي يعذر فيه بل قد اشترط في الاية الحل بها، وحمله على الجهل الذي لا يعذر فيه، ينافيه مافي خبر الباقر (ع) «صحيحة محمد بن مسلم الاولى» السابق من الحاق مثله بالعالم وترك الاستفصال فيها عن الربا في القرض والبيع. وقد عرفت الفرق بينهما وغير ذلك على مخالفة الضوابط السابقة، والاقدام على حل الربا الذي قد ورد فيه من التشديد ماورد»(٢) .

____________________

(١) التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي١/٢٨٢. طبعة حجرية(طهران).

(٢) الجواهر٢٣/٤٠٢.

٢٧٠

ثم ذكر بعد ذلك (قده) «وقد بان لك من ذلك كله انه لاريب في أن الاحوط ان لم يكن الاقوى اجتناب ذلك كله، على ان النصوص المزبورة ظاهرة في معذورية من تناول الربا جهلا، وهو شامل لما اذا كان الطرف الاخر عالما مع ان المعاملة حينئذ فاسدة قطعا، لحمة الربا وفساد المعاملة بالنسبة الى العالم، وذلك يقتضي فسادها بالنسبة الى الجاهل، فلابد من التزام امور عظيمة حينئذ بالنسبة الى حل مال الغير في يد الاخر وعدم جواز أخذه لمالكه مع وجود عينه وغير ذلك مما يصعب التزامه»(١) .

واما الجانب الرابع: التحقيق فيه يقتضي أن نتكلم مرة في المستفاد من الايات، ومرة في المستفاد من الروايات التي تفسر الآيات، فنقول: اما الآية الاولى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين... الخ) فهي تدل على حرمة فعل الربا للنهي عنه، وان الزائد (الربا) ليس للمرابي وانما له رأس ماله، فلايمكن استنادا الى هذه الآية القول بأن الربا يجب ارجاعه الى مالكه كما ذهب الى ذلك بعض.

واما الآية الثانية: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ماسلف) فان التعبير «فله ماسلف» يناسب ان يكون الزائد (الربا) للمرابي، ولكن في صورة مجيء الموعظة والانتهاء، وقد جاء في تفسير الطبرسي («فمن جاءه موعظة من ربه» معناه «فمن جاءه» زجر ونهي وتذكير من ربه «فانتهى» أي فانزجر وتذكر واعتبر «فله ماسلف» معناه فله ما أخذ وأكل من الربا قبل النهي لايلزمه رده... وقال السدي معناه له ما أكل وليس عليه رد ماسلف فأما مالم يقبض بعد فلا يجوز له اخذه وله رأس المال»)(٢) . وقد جاء في تفسير الصافي في

____________________

(١) الجواهر ٢٣/٤٠٤.

(٢) مجمع البيان١/٣٩٠ طبعة صيدا (سوريا).

٢٧١

معنى قوله «فله ماسلف» لايؤخذ بما مضى منه ولايسترد منه»(١) .

وقد يستفاد من كلام الطبرسيرحمه‌الله ان الحكم غير مقيد بالربا اذ ذكر رواية عن الامام الباقر (ع) هي «من ادرك الاسلام وتاب مما كان عمله في الجاهلية وضع الله عنه ماسلف» وهذا يدل على انه يرى ان الحكم كلي بالعفو قد ذكر في هذا المورد.

وقد ذهب العلامة الطباطبائي فقال في تفسير هذه الاية بعد ان اشكل على القوم «حيث اقتصروا (العلماء) بالبحث عن مورد الربا خاصة من حيث العفو عما سلف منه ورجوع الامر الى الله فيمن انتهى، وخلود العذاب لمن عاد اليه بعد مجيء الموعظة، وهذا كله مع ماتراه من العموم في الاية... فالمعنى ان من انتهى عن موعظة جاءته فالذي تقدم منه من المعصية سواء في حقوق الله او في حقوق الناس فانه لايؤاخذ بعينها لكنه لايوجب تخلصه من تبعاته ايضا كما تخلص من اصله من حيث صدوره بل امرره فيه الى الله ان شاء وضع فيها تبعة كقضاء الصلاة الفائتة والصوم المنقوض وموارد الحدود والتعزيرات ورد المال المحفوظ المأخوذ غصبا أوربا وغير ذلك مع العفو عن أهل الجريمة بالتوبة والانتهاء، وان شاء عفى عن الذنب ولم يضع عليه تبعة بعد التوبة كالمشرك اذا تاب عن شركه ومن عصى بنحو شرب الخمر واللهو فيما بينه وبين الله ونحو ذلك، فان قوله: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى، مطلق يشمل الكافرين والمؤمنين في اول التشريع وغيرهم من التابعين واهل الاعصار اللاحقة»(٢) .

ولكن هذا الذي ذهب اليه العلامة الطباطبائي «قده» وقبله الشيخ في النهاية لايناسب «له ما سلف» في الربا خصوصا اذا نظرنا الى الروايات كما سيأتي ان

____________________

(١) تفسير الصافي للقبض الكاشاني ١/٢٧٩ طبعة بيروت.

(٢) الميزان في تفسير القرآن ٢/٤١٧ - ٤١٨.

٢٧٢

شاء الله تعالى. والذي يحقق في الاية فقط يرى عكس ما ذهب اليه السيد الطباطبائيرحمه‌الله حيث ان ظاهرها ان من جاءته موعظة فانتهى «فله ماسلف» أي له ما أخذ وأكل.... الخ، وأمره الى الله أي عقابه وعدم عقابه راجع الى الله تعالى ان شاء عفى وان شاء عاقب.

وأما المستفاد من الروايات: فان رجعنا اليها فنرى انها فسرت الموعظة بالتوبة كما في صحيحة محمد بن مسلم الاولى التي لاتفرق بين كون الربا موجودا أو تالفا او مخلوطا بغيره، وهي مطلقة تشمل صورة ما اذا علم الانسان بالحرمة ثم تاب.

ولكن الروايات الاخر التي تقول بعدم وجوب الرد في صورة جهل المرابي بالربا تخصص هذه الرواية. ومن الروايات المخصصة صححية النوادر اذ فسرت الموعظه بالتوبة وفسرت التوبة فقالت «فجهله بتحريمه ثم معرفته به فما مضى فحلال وما بقي فليستحفظ».

ولو قيل ان هذه الجلمة ليست تفسيرا لمعنى التوبة، وانما هي تفريع عليها فنقول ان صحيحة هشام بن سالم تخصص عدم الرد في صورة الجهل اذ تقول «سألته عن الرجل يأكل الربا وهو يرى انه حلال قال (ع) لايضره حتى يصيبه متعمدا فاذا اصابه فهو بالمنزلة التي قال الله عزوجل».

ثم ان صحيحة ابي المغرا التي لها طرق متعددة تخصص عدم الرد فيما لو كان المال الربوي غير متعين وغير متميز، اما لو كان المال الربوي متميزا فيجب رده الى صاحبه وأخذ رأس المال، كما أنها أيضا تذكر اختصاص عدم رد المال الربوي بصورة الجهل. وكذا نقول في حسنة الحلبي (او صحيحته) فهي مشابهة لصحيحة أبي المغرا.

وهاتان الروايتان (صحيحة ابي المغرا وحسنة الحلبي) لاتختصان بباب الارث، بل كل ما يصل لي من الاخر ولم اعلم الربا بعينه فهو حلال، الا أن

٢٧٣

المشهور قال بوجوب تخميس المال في الارث الذي فيه ربا غير معين، ولعل المشهور قيد هاتين الروايتين اللتين تذكران ان الارث الذي فيه ربا غير معين هو حلال بروايات الخمس التي تقول بوجوب تخميس المال الذي اختلط فيه الحلال بالحرام ولم يتعين.

اذن لاوجه لما ذكره الشيخ صاحب الجواهر «قده» من ترك الاستفصال بالجهل بالحرمة او العلم بها، اذ الروايات مفصلة، فقد ذكرت ان الجاهل بالربا هو الذي لايجب عليه رد الزيادة. ولاوجه لما ذكره ايضا من حمل الجهل على الجهل الذي لايعذر فيه، اذ الشارع المقدس اطلق الموعظة على توبة الجاهل المعذور، واما عدم الاستفصال بين الربا في القرض وفي المعاملات فهو غير مانع من الالتزام بما أفادته الروايات حيث ان التعبد الشرعي في عدم رد الربا في القرض هو على خلاف القواعد(١) فنتبع النصوص في هذا المورد.

واما عدم رد الربا في المعاملات مع ان المال مع الزيادة هو للغير فيمكن تخريج ذلك على ان المال الذي للغير اذا كان بيد احد المتعاملين فلايجب عليه ارجاعه حتى يستلم ماله الذي في يد الغير للمقاصة المعترف بها، واما الزائد على مال الغير فقد عبدنا الشارع بعدم وجوب الرد.

واما في صورة بذل احد المتعاملين المال الذي للغير، فهل يجب هنا ارجاع مال الغير الذي في يد الغير؟ فهذا حكم لم تتعرض له الروايات، فيمكن ان تقول القواعد في هذه الصورة بوجوب الارجاع. وبهذا العرض يكون مفاد الروايات هو:

١ - وجوب الرد مع العلم او صورة التمكن من العلم بالربا.

٢ - في صورة الجهل وان كانت القواعد الاولية هي وجوب الرد، الا ان

____________________

(١) القواعد الشرعية التي قالت بأن الزمن هنا لايقابل بالمال.

٢٧٤

الروايات الصحيحة تقول بعدم وجوب الرد، بالاضافة الى الاية القرآنية التي تفسر قوله «فله ما سلف».

ثم ان ماقاله الشيخ صاحب الجواهر «قده» من «ان النصوص شاملة لما اذا اكن الطرف الاخر عالما مع ان المعاملة حينئذ فاسدة قطعا لحرمة الربا وفساد المعاملة بالنسبة الى العالم وذلك يقتضي فسادها بالنسبة الى الجاهل» وان التزمنا به الا انه لايثنينا عن الاخذ بما قالته الروايات لاننا لا نريد ان نصحح المعاملة الربوية ونقول بعدم وجوب الرد، بل ينسجم القول بعدم وجوب الرد حتى مع فساد المعاملة. فتبين من جميع ذلك ان الالتزا بما قالته الروايات لايلزم منه امور عظيمة كما ذكر ذلك الشيخ صاحب الجواهر «قده».

وهذا الحكم عام يشمل المسلم الذي عمل بالربا بجهالة ثم عرف الحرمة فتاب او الكافر الذي عمل الربا ثم اسلم وعلم بحرمته، كل ذلك لعموم الروايات «كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا...» ولقاعدة جب الاسلام.

ثم لايخفى ان هذا البحث كله هو في صورة ما اذا كان المال معلوما والمالك معروفا وقد أخذه حال الجهل بالحكم او بالموضوع. واما اذا كان عالما بالحرمة فان كان في البيع فيجب رده الى صاحبه او بدله مع التلف، وان كان في القرض فيجب رد الزائد. هذا اذا كان صاحب المال معلوما، واما اذا كان صاحب المال مجهولا وكان المال معلوما، فيكون حكمه حكم مجهول المالك. واما اذا كان المال تالفا وتعلق بالذمة والمالك مجهول فيكون حكمه حكم المظالم، واما اذا جهل القدر وعرف المالك فيجب المصالحة، واما اذا جهل القد ر والمالك فيجب المصالحة مع الحاكم الشرعي، واما اذا جهل القدر والمالك واختلط مع ماله فيجب تخميسه.

٢٧٥

المسألة الثانية : انقلاب المعاملة ربوية:

ورد في الحديث الشريف في تعليل وجود التفقه «والله للربا في هذه الامة اخفى من دبيب النملة على الصفا»(١) .

ونحن في هذه المسألة نتكلم عن امكان ان تحدث المعاملة اولا خالية من الربا على مبنى الضميمة، ثم بعد ذلك تنقلب ربوية. كما اذا باع دينارا وعلبة من السكاير بدينارين ذهبيين، وكانت علبة السكاير لغيره، فدخلت المعاملة في بيع مايملك مع مالا يملك، وقد قرر الفقهاء صحة البيع فيهما يملك وبطلانه فيما لايملك اذا لم يجز البيع صاحب المال، أي اذا لم يجز صاحب العلبة البيع بطل البيع بالنسبة الى علبته، ولما كانت العلبة تالفة مثلا، فأرجع المتصرف قيمتها وهي ربع دينار مثلا، ففي هذه الحالة اصبح البيع غير متساوي لانه باع دينارا بدينار وثلاثة ارباع الدينار، فهل هذه المعاملة صحيحة او باطلة؟.

ربما قال: ان في المسالة ثلاثة اوجه:

١ - أن المعاملة بالنسبة الى مايملك تكون ربوية فهي باطلة.

٢ - ان المعاملة بالنسبة الى ما يملك تكون صحيحة لانها لم تحدث ربوية.

٣ - التفصيل بين الفسخ والفساد، أي اذا أرجع المشتري العلبة التي له بالفسخ فحدثت الزيادة هنا فلا ضرر فيها والمعاملة ليست بفاسدة، واما اذا كان البيع فاسدا من اول الامر بناء على الكشف (اذا لم يجز صاحب العلبة) فتكون الزيادة ربوية من اول الامر والمعاملة باطلة.

والقائل بالصحة يقول: ان المعتبر حين الانشاء للمعاملة ان لاتكون ربوية، واما اذا صارت ربوية بعد ذلك فلا محذور، اذ لو قلنا ان الزيادة بعد العقد مضرة

____________________

(١) الكافي ج٥ باب أداب التجارة حديث١/١٥٠.

٢٧٦

لبطلت المعاملة على كل حال، أجاز ام لم يجز صاحبالعلبة، حيث ان الزيادة حاصلة على التقديرين، لانه اذا أجاز يعطى قيمة العلبة، واذا لم يجز وكانت العلبة تالفة يعطى قيمتها أيضا، واذا كانت موجودة ترجع له ويعطى الى المشتري قيمتها، فالزيادة حاصلة على كل تقدير، بينما يقول الفقهاء بصحة العقد اذا أجاز صاحب العلبة، ومن هنا نستكشف ان حصول الزيادة بعد العقد غير مضر، وانما المضر حدوثها حين العقد.

ويمكن ان يناقش القائل بالصحة فيقال: ان حرمة الربا تشمل حتى الزيادة الناشئة من العقد اذا كان العوضان من جنس واحد وكانا مما يكال او يوزن، لان الادلة مطلقة، ويؤيد هذا فتوى بعض الفقهاء بعدم جواز اخذ الارض فيما لو باع منا من حنطة بمن منها ثم تبين ان احدهما معيب، فيتعين عليه الرد او الرضا بالمعاملة من دون رد.

ولنا ان نقول: ان في المسألة قولين آخرين وهما:

احدهما: نسبه الشيخ الانصاري «قده» الى العلامة وهو التمكن من أخذ الارض من جنس العوضين او من غيرهما. ثانيهما: لايتمكن من اخذ الارض من جنس العوضين، اما اذا كان الارش من غيرهما او عملا فيتمكن من انتقل اليه المعيب من أخذه.

وقد ذكر الشيخ الانصاري بحق توجيه كلام العلامة فقال ماخلاصته: ان الارش تغريم يستحقه المشتري اذا طالب به البائع، فهو ليس جزء العوضين وليس هو في مقابل وصف الصحة، اذ لو كان الأرش في مقابل وصف الصحة فمعناه ان ما قابل وصف الصحة باطل لعدم وصف الصحة من الاول، وبهذا يثبت ان الارش حكم شرعي لم يحصل عوضا لاجل وصف الصحة، وبعد هذا

____________________

(١) هذان القولان ذكرهما الشيخ في المكاسب ٢/٢٦٠.

٢٧٧

قال الشيخ الانصاري في آخر كلامه بأن الارش شرعا وعرفا هو عوض وصف الصحة، والمفروض ان وصف الصحة في الربويات قد ألغاه الشارع للروايات المتقدمة التي تقول «لاتكون الحنطة الا مثل بمثل» وامثالها، اذن لايمكن اخذ الارش، ثم قال ان المسألة تحتاج الى تأمل في حقيقة الارش ومراجعة ادلة الربا.

ولكن السيد اليزدي «قده» ذكر وضوح المسألة كما قاله العلامة فقال ما ملخصه(١) ان اصل ادلة الربا ليست شاملة للارش، والروايات التي تقول ان من انتقل اليه المعيب له ان يأخذ الارش اذا تصرف، مقتضاها جواز المطالبة بالارش والسر هو: ان ادلة الربا الناهية متوجهة الى الزيادة المعاملية التي تحصل من المتعاملين، فلاتكون المعاملة مثلا بمثل، اما في موارد الارش فان المتعاملين لم يجعلا زيادة في احد العوضين وانما الشارع جعل الزيادة، فلولا قول الشارع بجواز اخذ الارش فلا نقول به هنا، اذ نأخذ الارش ولاتأمل.

وقد اعترض الشيخ الاستاذ التبريزي(٢) فقال: اذا اشترط احد المتعاملين حين معاوضة المثل بالمثل الارش اذا تبين العيب في احدهما، فمقتضى اشتراط الزيادة من قبل المتعاملين ينبغي ان تكون المعاملة ربوية كما قال السيد اليزدي الا أن الفهم العرفي بعدم الفرق بين هذه الصورة والصورة التي يجعل الشارع فيها الارش ينبغي ان تكون كلا الصورتين ذا حكم واحد.

ثم ذكر الشيخ الاستاذ ماملخصه فقال: ان الشرط بالارش اذا كان من قبل المتعاملين فهو لغوي بمعنى انه لايؤثر على صحة المعاملة. وسبب لغويته هو جعل الشارع الارش في هذه المعاملة وحينئذ نقول - في هذه الصورة وفي صورة

____________________

(١) تعليقة السيد اليزدي على المكاسب٢/٨٦.

(٢) آية الله الشيخ ميرزا جواد التبريزي. وهذا الاشكال منه على غير مسلكه من بطلان الشرط وصحة المعاملة.

٢٧٨

ما اذا كان الارش مجعولا من قبل الشارع - بجواز اخذ الارش، لانه حكم شرعي فلا تكون ادلةحرمة الربا شاملة لما نحن فيه، وانما هي شاملة لما اذا كانت الزيادة من قبل المتعاملين.

ثم لو اغمضنا النظر عن هذا وقلنا بأن ادلة حرمة الربا تشمل ما نحن فيه من الارش، فحينئذ تتعارض ادلة اخذ الارش مع ادلة حرمة الربا، ولايلتفت الى من يقول بعدم التعارض - محتجا بأن ادلة العيب والارش كمعتبرة زرارة «ايما رجل اشترى شيئا وبه عيب او عوار لم يتبرأ اليه ولم يبين له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار فانه يمضي عليه العيب ويرد عليه بقدر ما نقص من العيب» غير مطلقة وانما هي تبين مضي البيع بالتصرف فقط وليست في مقام البيان من ناحية ثبوت الارش في كل مقام - لان كل خطاب صدر من المتكلم لبيان الحكم فالاصل الاولي فيه هو انه في مقام البيان من حيث حدود الحكم وشروطه، والخطاب المتقدم في معتبرة زرارة فيه حكمان:

١ - مضي البيع.

٢ - يرد بقدر ما نقص. اذن الاطلاق موجود فيتعارض من اطلاق ادلة حرمة الربا في الكتاب المجيد «أحل الله البيع وحرم الربا» الذي يشمل الارش حسب الفرض. وحينئذ اذا تحكم التعارض بين الاطلاقين فلامجال للقول بسقوط اطلاق الخبر في قبال اطلاق الاية باعتبار مخالفته للكتاب، وانما - كما قال البعض - ان اطلاق الخبر مع اطلاق الاية كليهما يسقطان باعتبار ان الاطلاق ليس مرتبطا بالدلالة اللفظية، وانما هو حكم عقلي ينشأ من مقدمات الحكمة. اذن لامخالفة في اطلاق الخبر للكتاب، وحينئذ اذا سقط كلا الاطلاقين فتصل النوبة الى الاصل العملي وهو يقتضي عدم مشروعية استحقاق الارش باعتباره حكما تعبديا على خلاف القاعدة، فالاصل عدمه عند الشك في ثبوته، أي الاصل استصحاب عدم الامضاء من قبل الشارع للارش هنا ومالم يثبت الامضاء لايثبت جواز أخذ الارش.

٢٧٩

المسألة الثالثة : المعاوضة بنقد على شيئين يكون احدهما نقدا وزيادة في جانب الشيئين:

ان المعاملات المتداولة الشائعة تكون بين شيئين يكون النقد فيها مقابلا لشيء آخر، اما اذا كان المقابل للنقد نقدا مماثلا، فهنا يشترط التساوي لان الزيادة ربوية(١) .

اما اذا كان المقابل للنقد مالا غير نقد لم تكن المعاملة ربوية، لعدم تحقق شرطها. وعلى هذا لو أردت ان اشتري العبد وما يملك بنقد(٢) فهل تكون المعاملة صحيحة وخارجة عن موضوع الربا او تكن داخلة فيه فتبطل؟.

ونحتاج لمعرفة الصحة والفساد الى معرفة ان العبد يملك المال اذا ملكه مولاه او ان العبد لايملك اصلا؟ فان قلنا ان العبد يملك اذا ملكه مولاه(٣) واردنا ان نشتري العبد وماله، فقد يقال بأن المعاملة صحيحة ولايشترط علم المشتري بمقدار ماعند العبد، لان المعاملة وقعت بين والعبد، وسيد العبد هنا لم يملك المال، وانما المال على ملك العبد، غاية الامر ان السيد يستطيع أن

____________________

(١) مورد هذه المسألة النقود الذهبية، وكذلك النقود المتعارفة في زماننا هذا اذا انتهينا الى وجود الربا في المعدود. ولكننا فيما سبق قلنا بوجود الربا في المعدود نسيئة.

(٢) ليس كلامنا مختصا بهذه المسألة، فقد توجد مصاديق اخرى لها، كما اذا اشتريت شيئا قد نقش بسكة ذهبية بذهب مسكوك مثلا، او اشتريت دارا قد خصص للصرف عليها كمية من النقود بنقد مساوي مثلا وغير ذلك، ففي هذه الامثلة هل يشترط العلم بالنقد مع الضميمة، فاذا كان مال الشراء اقل من المال المبيع مع الضميمة تحقق الربا؟.

(٣) قد يلتزم بان العبد اذا كان يملك الاموال فهو محجور عليه لقوله تعالى: (عبدا مملوكا لايقدر على شيء) من التصرفات كالطلاق كما هو مورد الاية وامثاله بأن يشتري شيئا من دون رضا السيد.

٢٨٠