الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا0%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف: حسن محمد تقي الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 464
المشاهدات: 84039
تحميل: 8858

توضيحات:

الربا .. فقهيا واقتصاديا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84039 / تحميل: 8858
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

عبد الله العربي بحثت عنه سنوات متتالية وفي كل مكان فلم أجد له أثرا، ولعل الاخطبوط قد أباده ايضا، والكتاب عنوانه «فرنسا اليهودية امام الرأي العام» «ونقتبس من هذه المقدمة كلمة لمؤلف هذا الكتاب الثاني... لانها صورة دقيقة وموجزة لنفوذ البنوك العالمية الحديثة» وهي: «ان الذي يلفت النظر في عصرنا ليس هو فقط تكدس الثروات في أيدي قليلة واحيانا بأساليب فاجرة، بل هو على الاخص تكدس قوة هائلة تتمثل في سيطرة اقتصادية لاضابط لها ولاقيد، سيطرة تصول بها فئة قليلة ليسوهم في الغالب ملاك المال، بل مجرد مستودعين له، ولكنهم يديرونه ويتصرفون فيه كما لو كانوا ملاكه بالفعل»، «انها لقوة هائلة تلك القوة التي يصول بها هؤلاء في سيطرتهم المطلقة على المال، وعلى الائتمان أي الاقراض الذي يوزعونه بمحض مشيئتهم المطلقة فكأنهم بذلك انما يوزعون الدم اللازم لحيوية الجهاز الاقتصادي بكل اوضاعه، فاذا شاءوا حرموه دم الحياة فلايستطيع أن يتنفس، واذا شاء واقدروا مدى انسيابه في جسم هذا الجهاز، والتقدير الذي يتفق مع مصالحهم الذاتية». «ثم ان تجمع هذه القوى وهذه الموارد المالية فيايديهم يؤدي بالتالي الى الاستيلاء على السلطة السياسية في النهاية، وذلك يتحقق في خطوات ثلاث متدرجة متساندة، الاولى: الكفاح في سبيل احراز السيادة الاقتصادية، ثم الكفاح في جمع مقاليد السيادة السياسية في ايديهم ومتى تحققت لهم بادروا الى استغلال طاقاتها وسلطاتها في تدعيم سيادتهم الاقتصادية، وفي النهاية ينقلون المعركة الى المجال الدولي العالمي». والنتيجة الملازمة لهذا الوضع وهي «أن ولي الامر - الذي كان مفروضا فيه أن يمثل مصالح المجتمع وأن يحكم من مكانه الرفيع في نزاهة وحياد وعدل وايثار لمصالح المجتمع - قد سقط الى درك الرقيق لهذه القوى المالية، واصبح اداة طيعة لتنفيذ اهوائها

٣٤١

وشهواتها»(١) وماسقوطه في ايديهاالا لانه خارج عن تعاليم الاسلام فأخذ منهم بالربا واباحه لهم.

والى هنا انتهت المقدمة التمهيدية للقسم الثاني للربا من الناحية الاقتصادية، والان نبدأ بالقسم الثاني.

____________________

(١) المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الاسلامية/ د. محمد عبد الله العربي ص٩٣.

٣٤٢

القسم الثاني : الربا اقتصاديا

ويكون القسم الثاني محتويا على عدة فصول:

الفصل الاول: كيف يكيف الربا من الناحية الاقتصادية، مع المناقشة.

الفصل الثاني: مضار الربا.

الفصل الثالث: الربا بين مؤيديه ومعارضيه من المسلمين.

الفصل الرابع: الادخار وارتباطه بالربا.

الفصل الخامس: الاعمال المصرفية وبديلها الاسلامي الافضل.

الفصل السادس: الربا في القوانين العربية.

٣٤٣

الفصل الاول : كيف يكيف الربا، أو نظريات لتكييف الربا اقتصاديا

هناك عدة نظريات لتكييف الربا من الناحية الاقتصادية نعرضها باختصار:

١ - النظرية الاولى:

النظرية البرجوازية بحلية الربا. فقد ذكر علم الاقتصاد البرجوازي «ان تحريم الربا شيء يتعلق بالعواطف اكثر مما يتعلق بالحقيقة، بل لاعلاقه له بالحقيقة اصلا، وأن ليس اقراض احد غيره شيئا من المال دونما شيء من الربا الاسماحة خلقية قد شط الدين وجاوز حد الفطرة اذ طالب بها الناس بمثل هذه الشدة والتأكيد، وأن الربا شيء معقول من الناحية المنطقية وأمر نافع لامندوحة

٣٤٤

عنه للانسانية، وأنه لايقبل أي اعتراض من الناحية الاقتصادية(١) » وقد تركزت هذه الشبهة في اذهان الناس على وجه اصبح الناقدون للنظام الرأسمالي لايحصون عليه عيبه الاساسي وهو الربا عند التحدث عن عيوب النظام الرأسمالي في حين أن اكبر مثالب هذا النظام واكثرها ضررا على الانسانية هو النظام الربوي.

واقل ما يمكن لمناقشة(٢) هذه النظرية بما قاله مؤخرا «أن الربا شيء معقول من الناحية المنطقية وامر نافع لامندوحة عنه للانسانية، وأنه لايقبل أي اعتراض من الناحية الاقتصادية».

أولا: هل ان الربا معقول من الناحية المنطقية:

فهل يقتضي العدل بموجب العقل أن من يقترض من غيره شيئا من المال عليه ان يرد هذا المال مع زيادة متفق عليها او مشروطة بينهما، او أن العدل لايقتضي بموجب العقل شيئا من ذلك؟.

فقد يقال في تبرير الربا اذا اخذ المال لسد حاجة الشخص الاستهلاكية أن من يقرض غيره يعرض ماله للخطر، فيأخذ الفائدة، او على المدين أن يؤدي الى الدائن كراء المال الذي اكتسبه بجده كما يؤدي كراء البيت، او يأخذ الفائدة عوضا عن الخسارة التي تحملها باقراضه للمدين. واذا اخذ المال لتوظيفه في تجارة او صناعة فان الدائن احق بالمطالبة بالزيادة على دينه، لان المدين اذا انتفع بماله فلماذا لايؤدي الى صاحب المال قسما من المنفعة.

ويمكن أن نناقش ما تقدم من تبرير الربا من الناحية المنطقية بأمور:

____________________

(١) الربا المودودي من مقدمة المؤلف ص٦.

(٢) نحن لانناقش في هذا القسم من ناحية الحرمة الفقهية ولانرى حاجة لرد المقدمات المعلومة التي ذكرت في مقدمة هذه النظرية، على أنها ادعاءات لم يذكر عليها دليل.

٣٤٥

أ - الخطر او الايثار: ان الذي يقرض ماله لشخص آخر يعرض نفسه للخطر، وهذا مما لانقاش فيه الا ان النقاش يمكن ان يكون بأن الدائن هل يصح منه ان يجعل الخطر وسيلة للكسب لينال فائدة١٠ في المائة او ١٢ في المائة شهريا او سنويا؟ او أن ايثار غيره عليه هل يمكن ان يكون وسيلة للكسب فيأخذ فائدة؟.

والجواب: انه لايمكن ان يكون الخطر او الايثار وسيلة للكسب تلزم الطرف الاخر بالفائدة، ونحن اذ نقول بعدم منطقية الزام الدائن للمدين بالفائدة لان صاحب المال هو الذي اوقع نفسه بالخطر كما هو المفروض وهو الذي آثر غيره عليه، وهذا لايوجب منطقيا الزام المدين بالفائدة(١) .

على أنه ليس كل من اقرض ماله فقد عرض نفسه للخطر، فان بعض المقرضين اذا وثقوا بمن يقترضوا منهم يكونون في أمان لافي خطر. فليس الخطر سلعة يساوم في قيمتها ولامنزلا حتى يأخذ اجرته. اما الايثار فانه يكون كذلك اذا لم يكن اداة للكسب، واذا اراد به الكسب فهو ليس ايثارا، وعليه أن يبين من الاسباب مايجعله مستحقا للكسب.

نعم الطريق المعقول الذي يستحقه الدائن على اساس الخطر ليدرأه عنه لايعدو هذه الامور:

١ - أن يأخذ من مدينه شيئا يكون رهنا عنده وفي هذه الحالة يؤمن على الخطر الذي يحتمل أن يلحق به.

٢ - أن يطلب من المدين من يكفله كفالة شخصية.

٣ - أن يطلب من المدين من يضمن ماله الذي في ذمة المدين، فحينئذ يحق للدائن أن يطالب كلا منهما بناءا على أن الضمان اشتراك ذمة الى ذمة اخرى.

____________________

(١) على أن من يقول بأن التصرف بالمال حق لصاحب المال فيتمكن من التنازل عن هذا الحق الى غيره في مقابل المال. فيكون جوابه: هو ان هذا حكم لاحق فلا يقابل بالمال شرعا.

٣٤٦

ويحق للدائن أيضا أن لايعرض ماله للخطر اصلا، فلا يقرض شيئا ممن يحتمل منه الخطر، واذا احتمل الخطر فأقرض فهو الذي اوقع نفسه فيه فيتحمل تبعة فعله، لا ان المقترض هو الذي يتحمل تبعة فعل المقرض.

ب - هل الزيادة اجرة؟: ان الاجرة انما يصح اخذها اذا كان الشيء مما يبذل في تهيئته جهدا للمستأجر، والشيء المستأجر ينقص او ينكسر او تقل قيمته عادة على مرور الزمن، او قل يستهلك بالاستعمال على التعبير الصحيح، وهذا هنا غير محقق، وانما يتحقق على امثال البيت والاثاث لا على النقود، اذ أي معنى لاجارتها، فانها لاتقل قيمتها على مر الزمن او قل لاتستهلك بالاستعمال (اذا لم تؤحذ للزينة كما هو الفرض)، كما لاتبقى وينتفع بقيمتها كما في الاعيان المستأجرة التي يتحقق معنى الاجارة بها.

ج - هل الزيادة تعويض عن الضرر؟: ان المال الذي اقرضه المدين اذا كان فاضلا عن حاجته فلا ضرر هنا، بل ربما ينتفع من وراء ذلك لانه لايحتاج الى من يحفظ امواله في مقابل اجرة، أو أنه يشغل حيزا من المكان او اقفالا وصناديق لحفظه. على ان الضرر لايمكن أن يقاس بمعدل ثابت كما في الفائدة. واما اذا اخذ المال لاستغلاله في صناعة او تجارة من طرق الكسب، فليس من المعقول أيضا أن تكون فائدة ملزمة لصاحب المال من دون أن يشارك صاحب العمل في الخسارة أيضا ان وجدت، والا اذا قلنا ان لصاحب المال فائدة سواء خسر صاحب العمل أو ربح فانا قد حركنا الميزان من جانب واحد فكان لصاحب المال الربح دائما ولصاحب العمل الخسارة في بعض الاحيان.

ولو تنزلنا وقلنا انه يمكن ان يكون لصاحب المال فائدة مقدرة من ربح صاحب العمل ولكن المشكلة باقية فيما لو خسر صاحب العمل فطي عمله او كان ربح اقل من الفائدة المفروضة، فماذا يعمل صاحب العمل وعلى أي اساس يستحق الدائن الفائدة؟ وهل يقتضي العدل أن يكون صاحب العمل فوق خسارة

٣٤٧

عمله وأمواله المقترضة مسؤولا عن اداء الفائدة لصاحب المال؟ واذا كان ربح العامل مساويا لمقدار الفائدة فماذا يعمل العامل أيضا؟ فهل من العدل ان يعطي مجموع ربحه لصاحب المال ويبقى هو الذي بذل الوقت والجهد والكفاءة من غير ربح؟.

وأيضا اذا ربح المدين بتجارته ربحا هائلا فلا يجوز كذلك اعطاء الزيادة للمقرض، لا العقل والعدل ومبادىء التجارة وقانون الاقتصاد يثبت المعقولية في أن تكون منفعة التجار والصناع والمزارعين وغيرهم الباذلين للجهد والصارفين للوقت لهم، ويأبى ان يكون ربح هؤلاء غير معين وربح المقرض معينا ويكونوا مهددين بالخطر على الدوام ويكون المقرض مضمونا ربحه دائما.

واذا كانت نفس (اتاحة فرصة الانتفاع) ذات قيمة معينة فلكل واحد من الناس اذا اتاح فرصة الانتفاع لغيرة أن يأخذ منه (فائدة) ولاقائل به(١) .

ثانيا: هل ان الربا لامندوحة عنه للانسانية؟

ان الاقتصاديين في وقتنا الحاضر يذهبون الى القول بأن الادخار للمال واقراضه بفائدة شيء لامندوحة عنه للحياة الاقتصادية، الا ان هذه الفائدة بالرغم من أنها متداولة بين الاقتصاديين غير مقبولة، وعدم الادخار هو الاجدر بالقول لما يترتب من عدم توقف دورة الانتاج للاستهلاك الموجود نتيجة عدم الادخار. والدعوة الى الادخار تؤدي الى عدم استهلاك البضائع كلها، لان صاحب المال اذا اخذ بالادخار لاجل الاقراض بفائدة فهو يقلل من الاستهلاك على الاقل، والفقير الذي لايملك شيئا من المال لايستطيع على الاستهلاك ايضا، فيبقى الجزء الاكبر من انتاج الجماعة الاقتصادي كاسدا، والكساد بدوره يؤدي الى نقص في الدخل نتيجة البطالة لنقصان الانتاج او عدمه. واذا قلنا بعدم الادخار،

____________________

(١) ولعل السر هو أن اتاحة فرصة الانتفاع حكم شرعي فلايقابل بالمال.

٣٤٨

وكانت عادة الناس انفاق ماينالون من الثروة للاستهلاك وللتجارة فمازاد عن الحاجة حول قسم منه بالالزام الى الفقراء والمعوزين ليسهموا في شراء بعض الحاجيات الاستهلاكية اللازمة، ودخل القسم الآخر في عملية الانتاج ايضا، فان دورة الانتاج تسير بسرعة ولاتتوقف، فتنفي البطالة وتزداد دخول الافراد نتيجة عدم توقف الانتاج وكثرة الاستهلاك.

على أن المندوحة الكبرى للربا هي المشاركة في العمل والربح على اساس المضاربة او القراض، فان صاحب المال عنده مندوحة كبرى للهروب من الربا وهو عقد المضاربة او نظرية القراض، فاذا أراد ان يكون له ربح من دون أن يعمل، فعليه ان يتشارك مع صاحب العمل، بأن يكون منه المال ومن العامل العمل فيكون الربح بينهما بالاتفاق، والخسارة المالية تكون على صاحب المال وحده وصاحب العمل يخسر عمله فقط، وسوف نتكلم عن نظرية المضاربة في فصل آخر ان شاء الله تعالى. بالاضافة الى أن القرض من دون ربا ليس بمستحيل وكل ما في الامر ان القانون اباح التعامل بالربا، فلو حرم الربا وتبنينا نظام الاسلام في تحريمه نجد أن القرض متوفر بكل سهولة من دون ربا، فان الفقهاء ذكروا استنادا الى الاحاديث الشريفة ان القرض أفضل من الهبة اذ أن ثواب القرض بثمانية عشر حسنة في حين أن الهبة بعشر حسنات، وعللوا ذلك:

١ - بان القرض لايقع الا في يد المحتاج والهبة تقع في يد المحتاج وغيره.

٢ - ان القرض يرجع ليقرض ثانية بخلاف الهبة فانها لاترجع(١) .

على أن المجتمع الاسلامي ظل لقرون عديدة يسير شؤون اقتصاده على احسن مايتصور من الطرق بدون ربا، وهذا دليل لوجود المندوحة للربا.

____________________

(١) تراجع الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الثاني٤/١١.

٣٤٩

ثانيا: هل ان الربا لايقبل اعتراضا من الناحية الاقتصادية؟:

نقول: اذا كان عند فرد مال مدخر واقرضه الى احد المشاريع واراد ان يأخذ الفائدة على امواله، فهل ان قانون الاقتصاد يعترض على مثل هذه العملية ام لا؟ والجواب ان قانون الاقتصاد يعترض على هذه العملية لان القانون يثبب المعقولية في ان تكون المنفعة للتجار والصناع والمزارعين وغيرهم العاملين الحقيقيين للانتاج، ويأبى قانون الاقتصاد أن يكون ربح هؤلاء العاملين غير معين في حين ان ربح صاحب المال يكون معينا والعاملين مهددين بالخطر وصاحب المال يكون ربحه مضمونا كما ذكرنا ذلك سابقا.

وهذه العملية التي يكون فيها الربا تكون مخالفة لنظام الطبيعة ويعبر عنها بأن الميزان يتحرك من جهة واحدة حسب تعبير علماء الاقتصاد، اذ الخسارة على العامل والربح للمقرض.

٢ - النظرية الثانية:

قيل ان الشيء الجوهري الذي يعطيه الدائن مدينه مع رأسماله حتىيستحق عليه ان ينال منه قيمته المالية هو (التأجيل) الذي يناله المدين من الدائن مع رأسماله، ويقولون ان الزمن هو الذي على قدر طوله وقصره تكثر وتقل الامكانيات لربح المدين، فلايتعسف الدائن ان كان يشخص قيمة ماله على حسب طول الزمان وقصره.

ويرد ايضا على هذه النظرية عدة اشكالات:

١ - كيف يعرف الدائن ان المدين قد ربح اذ ربما يخسر المدين في تجارته.

٢ - ثم ان الدائن كيف عرف الربح وقدر عليه نسبة ٥ في المئة أو ١٥ في المئة،

٣٥٠

على أن الدائن لايعرف ان الزمان الذي يؤجله اليه لابد ان يرجع عليه ٥ في المائة او اكثر من ذلك. واذا اراد ان يعرف الربح والخسارة واراد تقدير نسبة الربح ان ربحت التجارة فعليه بالمشاركة بنسبة يتفق عليها الطرفان كما في نظرية المضاربة، وحيئنذ يكون المال لمالكه في يد العامل والخسارة ان حصلت فهي عليه كما هو قانون عقد المضاربة.

٣ - النظرية الثالثة:

تقول (ان جلب الربح صفة لازمة لرأس المال في حد نفسه فلذلك يصح القول بأن مجرد استغلال رأس المال يجعل من حق صاحبه ان ينال عليه الربا)(١) .

ولكن نقول: ان الدعوى القائلة بأن جلب الربح صفة لازمة لرأس المال هي اول الكلام ومحل النقاش من عدة جهات:

١ - ان جلب النفع لايتولد في رأس المال الا اذا وظفه الانسان في تجارة او صناعة، اما اقتراض المال للحاجات الاستهلاكية فلا يتولد منه نفع نتيجة اقتراض المال.

٢ - ان رأس المال قد يجلب النقص اذا وظف بكثرة في التجارة او الصناعة لكثرة البضائع في السوق فتنخفظ قيمة السلعة فلايربح التاجر أو المنتج بل تصيبه نقيصة او تقع عليه الخسارة لكثرة توظيف الاموال في التجارة وعدم استهلاك الناس للسلع غير الجيدة.

٣ - ان نفع راس المال يتوقف على كفاءة وذكاء العمال وبذل السعي من قبلهم، ويتوقف على مهارة المنظم للمشروع.

والخلاصة: ان الربا يقوم على أشياء مجهولة لا يمكن ان تتحقق الا على مبنى معين، فلايمكن ان يكون مشروعا من الناحية الاقتصادية لاحتمال وجود

____________________

(١) الربا المودودي ص١٦،

٣٥١

المبنى الثاني. او يكون الربا مشروعا في مجال معين وهذا مما لايقولون به.

ثم ان المعنى الصحيح لما يقال من حق الرأسمالي في شيء من الارباح ينسجم مع نظرية المضاربة، أما اذا جعلنا حق الراسمالي مطلقا (سواء ربح المقترض ام لا) فهذا تحريف للعبارة في صورة خسران المقترض.

٤ - النظرية الرابعة:

وقد تقدمت الاشارة اليها وهي أن الانسان يؤثر على فائدة الحاضر ولذاته على فوائد المستقبل، اذ ان الانتاجيه الهامشية للسلع الحالية اعظم من الانتاجية الهامشية لسلع المستقبل، فتعتبر الفائدة ضرورة اقتصادية كما عند (بوم بافرك). ويقال أيضا: ان المال الذي يحصل اليوم نافع قابل للاستعمال فعلا، فهو من جهة فوق المال الذي سيحصل يوما في المستقبل.

والمأخوذ على هذه النظرية: هو أن الغالبية العظمى من الناس يدخرون للمستقبل لانهم يقدرون ان احيتاجاتهم في المستقبل ستكون اكبر منها في الوقت الحاضر كالادخار لاجل تعليم الاطفال وتزويج الابناء او يتزود لمرحلة الشيخوخة. ومن هنا قال (برتراندرسل) «ان اغلب نشاطنا في تملك الثروات يمكن تتبعه حتى النهاية فنصل الى رغبتنا في المكانة الشخصية والسلطان الاجتماعي»(١) وقال المودودي في هذا المال:

هل من الحق في شيء ان الفطرة الانسانية تعتقد أن الحاضر اثمن قيمة من المستقبل؟ فان كان الأمر كذلك فما لاكثر الناس ينفقون كل ما يكسبون اليوم من فورهم، بل يؤثرون ان يدخروا نصيبا منه لمستقبلهم؟ ولعلك لاتجد واحدا من مائة رجل يستغني عن الفكر في مستقبله ويؤثر أن ينفق كل ما بيده من المال

____________________

(١) الربا المودودي ص٥٣.

٣٥٢

على لذة اليوم ونعيمه بل الذي عليه الاكثر من الناس أنهم يضيقون على أنفسهم ويقللون من حاجاتهم ليخدروا جانبا من مالهم لقضاء حاجاتهم في المستقبل، لان الحاجات المتوقعة والاحوال المتوقعة والمخيفة يكون تصورها الذهني في عين الانسان اكبر واهم من حقيقة الاموال الحاضرة التي يجتازها اليوم طوعا او كرها.

ثم ما الذي يبتغيه الانسان من وراء المساعي والجهود التي يبذلها في الحاضر؟ هل يبتغي بها سوى أن يكون مستقبله باسما سعيدا؟ أليس الانسان يستنفذ كل ماتنتجه جهوده اليوم من الثمرات كيما يقضي الايام الاتية من حياته براحة اكثر وطمأنينة أوفر مما يلقاه ايام حياته الحاظرة. وما أمعن في الغباوة والسفاهة ذلك الرجل الذي يؤثر ان يجعل حياته ذات رفاهة وتنعم على ان يكون مستقبله سيئا أو أسوأ من حاضره. أما أن يصدر ذلك من الانسان على جهل منه او سفاهة او لكونه قد غلب على أمره من شهوة مؤقتة مفاجئة، فلا حجة به، والا فمن المستحيل أن يقول بصحة هذا الرأي ومعقوليته رجل يكون قد اوتي حظا من التفكير والتأمل(١) .

بالاضافة الى أنه (لايجب من وجهة نظر الاسلام ان يدفع الى الرأسمالي فائدة على القرض حتى اذا صح أن سلع الحاضر اكبر قيمة من سلع المستقبل لان هذا لايكفي مذهبيا لتبرير الفائدة الربوية التي تعبر عن الفارق بين القيمتين مالم تتفق الفائدة مع التصورات التي تبناها المذهب عن العدالة)(٢) وبما أن تصورات الاسلام عن العدالة تتناقض مع أخذ الفائدة كما هو واضح من التعبير القرآني الشديد والروايات النبوية، فان أخذ الفائدة يبقى بلا مبرر.

____________________

(١) الربا المردودي ص٢٠ - ٢١.

(٢) اقتصادنا ص٥٦٣.

٣٥٣

٥ - النظرية الخامسة:

«ان المقرض بالفوائد الثابتة في زماننا هذا هو الفقير، والمقترض هو الغني، فاذا أبحنا الفائدة فقد دخلنا في تشريعنا نصوصا تحمي الدائن الفقير من حيف المقترض الغني، ويقولون أيضا: بأن هذه تطورات حديثة في الاوضاع الاقتصادية لم تكن لعهد التنزيل، ومن ثم فانها تتطلب الاجتهاد تحقيقا للمصلحة ودفعا للضرر وتطويرا للاحكام المعمول بها عندنا حتى تلائم العصر»(١) .

واقل ما يمكن أن تناقش هذه العبارة «أن هذه تطورات حديثة في الاوضاع الاقتصادية لم تكن لعهد التنزيل... وتطويرا للاحكام المعمول بها عندنا حتى تلائم العصر). فنقول:

أولا: أن التطورات الحديثة هل تشملها الاحكام الاسلامية ام لا؟.

ثانيا: وهل يمكن أن تطور الاحكام المعمول بها حتى تلائم العصر، او أن الاحكام الاسلامية غير قابلة للتطوير؟ وصحيح جدا ان التطورات الحديثة في الاوضاع الاقتصادية لم تكن لعهد التنزيل الا ان عهد التنزيل اختص بأحكام كلية، والاوضاع الحديثة جزئية تشملها الاحكام الكلية وان لم تكن في عهد التنزيل، فليس مالم يكن موجودا في عهد التنزيل لم يشمله الاحكام، فان احكام عهد التنزيل كلية تشمل الجزئيات التي تتجدد في الاوضاع الاقتصادية الحديثة. «وقضايا الشريعة انما تتعرض للمفاهيم الكلية غالبا، وهي كافية في ضبط جزئيات مايجد من احداث وبخاصة اذا ضم اليها ما يكتشفه العقل من احكام الشرع على نحو القطع»(٢) مثال ذلك قول المشرع «اتجه الى القبلة» او «صل وراء العدل» او «قلد المجتهد» فان

____________________

(١) وضع الربا في بناء الاقتصاد القومي، محاضرة السيد عيسى عبده ابراهيم ص٥٠.

(٢) الاصول العامة للفقه المقارن ص٣٥٣ - ٣٥٤.

٣٥٤

الامثلة لاتعين أن هذا الفرد عادل او أن هذه الجهة هي جهة القبلة، او أن ذلك مجتهد.

هل يمكن تطوير الاحكام الاسلامية (القرآنية)؟

ويستدعينا الكلام هنا ان نتعرض لفكرة تطوير الاحكام الاسلامية. فهل نحتاج الى تطوير الاحكام الاسلامية حتى تلائم العصر؟ نقول ان الاحكام الاسلامية نصرح بأنها لاتقبل التطور أو التطوير كما ذكره السيد عيسى عبده ابراهيم (لان التطوير اسلوب تقدمي يستهدف الترقي الى مستويات فوق ما هو كائن او مألوف ولايصح القول بالترقي الا منسوبا لامر مشوب. بمعنى انه لابد من ظاهرة يكتنفها النقص او العجز، ومن ثم يكون التكمل والاستيفاء، ولابد من أمر او حكم متواضع حتى يجوز عليه التهذيب والترقي. ولما كانت احكام الاسلام مستمدة من القرآن اوتجد ضوابطها من آيات الله البينات اذا كان مصدر الحكم، بخلاف النصوص(١) القرآنية كالحديث والاجتهاد. ولما كان القرآن هو كلام الله القديم وانه عند عالم الغيب والشهادة فان احكاما كهذه بل فان هذه الاحكام على سبيل الحصر، قد تميزت على كل حكم او رأي من قول البشر بأنها تنزلت كاملة شاملة ومتفردة بالثبات الابدي الذي يجعلها وحدها المعيار الصالح الذي تقاس به الظاهرات وتوزن به الاحكام)(٢) . اذن فليست احكام الاسلام تتطور حسب تطور العصر فقد بدأت منزهة عن النقص والعجز، فهي غير قابلة للتكامل اذ أنها كاملة منذ البداية.

ومناسب هنا جدا أن نعرض بعض احكام القرآن لنراها انها غير قابلة للتطور لانها كاملة غير ناقصة تجري في جميع العصور بنفس القاعدة الكليه فان من ذلك قوله تعالى (واعدوا لهم ما استطعتهم من قوة ومن رباط الخيل) فان القوة التي

____________________

(١) الظاهر سقوط كلمة (غير) من الكلام والا فتكون الفقرة مشوشة.

(٢) وضع الربا في بناء الاقتصاد القومي، عيسى عبده ابراهيم ص٢.

٣٥٥

جاء بها القرآن الكريم في العصر الاسلامي شاملة للخيل والسيف والرمح... الخ، مما كان متعارفا في ذلك الزمان وهي شاملة في جميع العصور لالات الحرب حتى في زماننا هذا الذي اشتمل على القذيفة الهيدروجينية والطائرات والمدرعات، وستكون شاملة ايضا للتطور الذي سيحدث فيما بعد، فهي كاملة من اول مرة كقاعدة كليه تشمل الجزئيات التي تحدث فيما بعد.

ولنأخذ مثالا لاحكام الاموال وننظر اليه نظرة موضوعية خالصة، قال تعالى في سورة البقرة (ويسألونك ماذا ينفقون؟ قل: العفو) وقال أيضا في سورة الاعراف (خذ العفو وأمر بالمعروف واعرض عن الجاهلين). وقد جاء ذكر (العفو) مقرونا بالانفاق وبالاخذ او بالتلقي والقبول. ومن اقوال الفقهاء من صرف الحكم (الى فائض المال او اليسير منه وحده امتناع الارهاق)(١) فالمعيار الثابت ان يكون حد المال المخرج (الواجب او المستحب) عفوا بمعنى زائدا، فلفظة العفو بقيت اربعة عشر قرنا دون اضافة او حذف، فهي لاتحتاج الى تطور لانها كاملة والتطور يكون للناقص او للمشوب.

ولكن الادوار التي مر بها الفقه المالي بعيدا عن القرآن من صناعات البشر بأدوار كثيرة وأدخل عليه التحسين والتعديل في سبيل الترقي الى وضع قانون عادل فلم يحضوا بذلك وما التعديلات الداخلة على القوانين العصرية الا دليل على ذلك. وكذلك امثلة كثيرة منها قوله تعالى (واعلموا انما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى...)فان الغنيمة مفهوم عام له مصاديق متعددة منها الغنيمة في الحرب من المشركين في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله او في العصور اللاحقة وما يغنمه الانسان بواسطة الكسب في حياته الاعتيادية أيضا.

وأخيرا فان المورد الذي نحن فيه وردت الاية القرآنية (أحل الله البيع

____________________

(١) وضع الربا في بناء الاقتصاد القومي، عيسى عبده ابراهيم ص٤.

٣٥٦

وحرم الرب) وهي قاعدة كلية على نحو القضية الحقيقية تشمل ما اذا كان الدائن هو الفقير والمدين هو الغني الذي ادعى انه حالة حادثة لم تكن بعهد التنزيل.

٦ - النظرية السادسة:

وقد ذكروا أن القرض يشمل عنصرين:

١ - المال المقترض للمدين.

٢ - الاقراض بما هو عمل من المقرض.

فالربا هو الزيادة في مقابل المال المقترض، ولكننا اذا فرضنا أن الزيادة في مقابل نفس الاقراض حيث انه عمل يصدر عن الدائن فيكون حينئذ جعالة ولايشمله الربا. فيقول (من أقرضني دينارا فله درهم) فيستحق المقرض درهما وهو ليس بربا لانه حق بموجب الجعالة.

وقد نوقشت هذه النظرية من جهة الصغرى والكبرى(١) ، والنقاش من جهة الكبرى جد متين.

١ - فذكر من ناحية الصغرى «أن الارتكاز العقلائي قائم على كون الدرهم في مقابل المال المقترض لافي مقابل نفس الاقراض، وجعله بأزاء عملية الاقراض مجرد لفظ» فلاتكون هنا جعالة بل يكون الزائد ربويا.

ولكن يمكن أن يقال: ان المتعاقدين قصدا أن تكون الزيادة في مقابل نفس الاقراض، لان الاقراض الربوي فرضا فيه شيء من الصعوبة، فيكون الارتكاز العقلائي حينئذ الى جعل الزيادة في مقابل نفس الاقراض، خصوصا عند المتدينين.

____________________

(١) البنك اللاربوي في الاسلام ص١٦٥ ومابعدها. ان بعض هذه النظريات تعرضنا لها في البحث الفقهي تحت عنوان التخلص من الربا القرضي.

٣٥٧

٢ - أما من ناحية الكبرى: فذكر ان حقيقة الجعالة «استحقاق الجعل المحدد في الجعالة ليس في الحقيقة الا بملاك ضمان عمل الغير بأمره به لاعلى وجه التبرع» وهذا هو من ضمان الغرامة في الاعمال. وقسمت الجعالة، بحسب الارتكاز العقلائي الى جزئين:

١ - الامر الخاص او العام في العمل.

٢ - تعيين مبلغ معين بأزاء ذلك.

والجزء الاول من الجعالة هو الذي يكون مضمونا، وهو من قبل ضمان الغرامة. والجزء الثاني يحدد قيمة العمل المضمون، فان اجرة المثل هي الاصل مالم يحصل الاتفاق على غيرها. فيترتب على ما تقدم أن الجعالة لاتتصور الا على عمل تكون له اجرة المثل في نفسه وأن يكون قابلا للضمان بالامر به، فاذا كان العمل ممالاضمان له في نفسه فلاتصح الجعالة بشأنه، فان فرض الجعل يحدد مقدار الضمان، لا أنه ينشيء اصل الضمان.

وبناءا على هذا ان جعل الزيادة بنحو الجعالة على القرض غير معقول لان عملية القرض ليس لها ضمان وقيمة وراء قيمة نفس المال المقترض، وليس هناك مسبقا وقبل الجعل بدلان احدهما في مقابل المال والثاني في مقابل نفس الاقراض.

ونضيف نحن الى ماتقدم كرد على دعوى أن العملية عملية جعالة فنقول: لوفرض أن الجعالة كانت باطلة لسبب من الاسباب والقرض كان صحيحا فتكون الزيادة باطلة مع صحة عقد القرض ولكن المقرض لايسقط الزيادة اذا كانت الجعالة باطلة وانما يصر على بقائها فيكون العقد ربويا متلبسا بالجعالة، وبهذا يكشف ان الارتكاز العقلائي عند اكثر الناس هو ان تكون الزيادة في مقابل المال المقترض.

٣٥٨

٧ - النظرية السابعة:

قالوا اذا حولنا عملية القرض من قرض الى شيء آخر، فلاتكون الفائدة ربا قرضيا وتصبح جائزة، ويتصور فيما اذا افترضنا أن زيدا مدين لخالد بعشرة دنانير ومطالب بوفائها فيتصل زيد بالبنك ويأمره بتسديد دينه ودفع عشرة دنانير الى خالد وفاء لماله في ذمته، ففي هذه الحالة ان زيدا تشتغل ذمته بعشرة دنانير للبنك من حين قيام البنك بتسديد دينه، واتلاف مال البنك بأمر من زيد، فيضمن قيمة التالف لقاعدة الاقدام، فاذا أعطى المدين اكثر من قيمة الدين لم تكن زيادة موجبة لوقوع قرض ربوي، فان هذا ضمان بسبب الامر بالاتلاف لاضمانا قرضيا، فلا بأس من الزيادة فيه.

وقد نوقش هذا من ناحيتين:

١ - (ان الدليل الدال على حرمة الزام الدائن مدينه بزيادة على الدين الذي حصل بالقرض يدل عرفا، وبالغاء الخصوصية بالارتكاز العرفي، على حرمة الزام الدائن مدينه بالزيادة فيما اذا كان الدين حاصلا لابسبب القرض بل بسبب الامر بالاتلاف كما في المقام)(١) .

ولكن يمكن أن يقال هنا ان الدليل الدال على حرمة الزام الدائن مدينه بالزيادة على الدين في القرض، وهنا لاقرض حتى يشمله الدليل بل أن الارتكاز العرفي في هذه الصورة انها ليست بقرض، وانما امر باتلاف المال.

ولكن يمكن ان تكون هذه الصورة محرمة من جهة الزام البنك للامر بالزيادة ولو لم يكن في عقد القرض فهو محرم، ولو فرضنا نحن في الفرض المتقدم أن الامر يقدم جائزة الى هذا الذي نفذ أمره، ولكن الجائزة لايمكن

____________________

(١) البنك اللاربوي في الاسلام ص١٦٩ - ١٧٠.

٣٥٩

أن يجبر على تنفيذها كما هنا، فان البنك يجبر الامر بالزيادة، فان لم تكن الصورة ربوية حكما او موضوعا كما تقدم من جهة الامر لانه اراد أن يتخلص من الربا، فان الحرمة متحققة من جهة كون البنك الذي يلزم الامر بالزيادة من دون مبرر.

٢ - وقد يقال ان البنك يلزم الامر بالزيادة عن طريق جعل الامر الجعالة للبنك اذا سدد الدين. ولكن هذه الجعالة يرد عليها نفس الاعتراض المتقدم على الجعالة، الا اذا افترضنا أن تسديد البنك لدين المدين كانت له قيمة مالية في ضمان الغرامة فتصح الجعالة(١) . واما من ناحية الجائزة التي يقدمها المدين فليست سببا معامليا ملزما بالدفع، على أن الجائزة ليست محددة كما في الزيادة هنا.

٨ - النظرية الثامنة:

وخلاصتها ان بيع المائة دينار مثلا نقدا بمائة وعشرين دينارا مؤجلا الى ستة اشهر بدلا عن القرض الربوي، حيث ان النقود في زماننا ليست ذهبا ولا فضة ولانائبة عنهما بحيث تكون المعاملة بالذهب والفضة حتى تدخل في البيع الربوي(٢) . وبهذه العملية يصل المرابي الى هدفه في القرض الابتدائي، ويبقى هدفه الانتفاع عند حلول الاجل اذا لم يكن المدين قادرا على الوفاء بالدين فيمكنه ايضا تحصيل هذا الهدف بأن يشترط في ضمان ذلك البيع أن يكون عليه في كل شهر يؤخر الاداء مقدار من المال، وهذا يعبر عنه في القوانين الحديثة

____________________

(١) البنك اللاربوي في الاسلام ص١٦٩ - ١٧٠.

(٢) يرى البعض ثبوت الربا في هذه النقود (الاوراق الالزامية) التي ليست ذهبا ولافضة ولانائبة عنهما ولكن من ناحية الزكاة فلايقول بالوجوب. (نسب هذا القول الى المحقق النائيني (قده).

٣٦٠